﴿وَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَكَذَّبُواْ بَِٔايَٰتِنَآ أُوْلَٰٓئِكَ أَصۡحَٰبُ ٱلنَّارِۖ هُمۡ فِيهَا خَٰلِدُونَ ٣٩﴾
حول مضمون الآية:
لَمَّا وَعَدَ اللهُ متبعَ الهدى بالأمنِ من العذابِ والحزنِ عقبه بِذِكْرِ مَنْ أعد له العذاب الدائم فقال: ﴿وَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَكَذَّبُواْ بِآيَـٰتِنَا﴾. وههنا آخر الآيات الدالة على النعم التي أنعم الله بها على جميع بني آدم وهي دالة على التوحيد من حيث إن هذه النعم أمور حادثة فلا بد لها من محدث وعلى النبوة من حيث إن محمداً - عليه صلوات الله - أخبر عنها موافقاً لما كان موجوداً في التوراة والإنجيل من غير تعلم ولا تلمذة لأحد وعلى المعاد من حيث إن من قدر على خلق هذه الأشياء ابتداء قدر على خلقها إعادة. قد بينَّا في غير موضع أن من سـنن القرآن الكريم أنه إذا ذكر أحد فريقي البشـر: المهتدين أو الجاحدين، أعقبه بذكر الفريق المقابل. وبينَّا هنا لمحات بيانية في المقابلة بين الفريقين في الآيتين، من حيث أن آية المهتدين ذكرت حالهم في الآخرة، وعرضت بحال الكافرين، وآية الكافرين ذكرت مآلهم وعرضت بمآل المهتدين. وهذا الأسـلوب البياني الرفيع منتشـر في التنزيل العزيز في غير موضع، من ذلك آيات سـورة الانشقاق: ﴿فَأَمَّا مَنۡ أُوتِيَ كِتَٰبَهُۥ بِيَمِينِهِۦ 7 فَسَوۡفَ يُحَاسَبُ حِسَابٗا يَسِيرٗا 8 وَيَنقَلِبُ إِلَىٰٓ أَهۡلِهِۦ مَسۡرُورٗا 9 وَأَمَّا مَنۡ أُوتِيَ كِتَٰبَهُۥ وَرَآءَ ظَهۡرِهِۦ 10 فَسَوۡفَ يَدۡعُواْ ثُبُورٗا 11 وَيَصۡلَىٰ سَعِيرًا 12﴾ والمقابلة بين السعداء والأشقياء كانت تقتضي في كلامنا أن نقول في الفريق الثاني: ﴿وَأَمَّا مَنۡ أُوتِيَ كِتَٰبَهُۥ﴾ بشماله، فَسَوۡفَ يُحَاسَبُ حِسَابٗا عسيراً، وَيَنقَلِبُ إِلَىٰٓ أَهۡلِهِۦ حزيناً. أو نقول في الفريق الأول إذا ثبتّنا ألفاظ الفريق الثاني: ﴿فَأَمَّا مَنۡ أُوتِيَ كِتَٰبَهُۥ﴾ من أمامه، فَسَوۡفَ يستبشر أو يسعد، وينعم في الجنة. لكن البلاغة القرآنية تخطت الإطناب لتقدم لنا إيجازاً يُفهم من الأضداد، وكأن المعنى الإجمالي، كما يتبين من فك مواضع التعريض في الفريقين، هكذا: فأما من أوتي كتابه بيمينه من أمامه، فسوف يحاسب حساباً يسيرا، ويُسَرُ سعيداً بما أوتي، وينقلب إلى أهله مبشراً لهم بما سيستقبل من خير، وينتقل إلى دار النعيم. وأما من أوتي كتابه بشماله من وراء ظهره، فسوف يحاسب حساباً عسيراً، يندب حظه على ما قدمت يداه وقد تيقن من الهلاك، وينقلب إلى أوليائه يتحسر على سوء ما قدم، ويُلقى في السَعِير.