ان الأمة التي لا يمارس فيها العلم ليس لها مكان في الطريق العالي من الحضارة
بهذه الكلمات الرائعه الحكيمة تطلع كمال اتاتوك الى تركيا متحضره متقدمه متطوره اكثر انسانية بعيدا عن خزعبلات الاسلام الاعرابي واجرامه ولم يكن له من سبيل لذلك غير ان يتحول بتركيا من مسخ او شبه اقطاعيه تابعه لخرافات وثقافة الاعراب البدو الى دولة حقيقية بعيده عن الهوية البدوية المتخلفة فكان ان أسس دولة تركيا الحديثة في العام 1923 وظل رئيسا لها حتي وفاته في العام 1938. ومنذ تقلده الرئاسة، استهدف أتاتورك التحويل السريع لتركيا من دولة دينية ذات هوية بدوية اعرابية وعاصمة للخلافة الاعرابية إلي دولة علمانية حديثة علي النمط الغربي لاعتقاده بأن بقاء بلاده تحت الاحتلال البدوي وتطبعها بالهوية الاعرابية المتخلفه سبب كل ما تكابده بلاده من كوارث ومأسي وان العلمانية التي ستجعل تركيا دولة أوروبية حديثة.
وتمشيا مع هذا، سنّ البرلمان (الذي تمتع فيه حزبه بالأغلبية) عدة تشريعات جريئة متسارعة تتعلق بنظام التعليم والنظام القانوني. وبذلك، تم إلغاء التوجه الديني في التعليم، الأمر الذي تطلب تجديد المناهج وإدخال مواد جديدة للتدريس، والتخلص من المعلمين ذوي الميول الدينية واستبدالهم بذوي التوجهات العلمانية. كذلك، ألغي أتاتورك المحاكم الدينية (إسلامية ومسيحية ويهودية) وأقام محاكم علمانية تعتمد القوانين الغربية وبخاصة السويسرية.
ومن التغيرات الأساسية التي أدخلها أتاتورك علي القوانين: إلغاء تعدد الزوجات، ومساواة المرأة بالرجل وبخاصة في مجالات الإرث وإجراءات الطلاق والانتخابات البرلمانية. كما استبدل الأحد بالجمعة كعطلة رسمية، وألغي التقويم الهجري واعتمد الميلادي، واستعاض عن الأحرف العربية التي كانت تتشكل منها اللغة التركية بالأحرف اللاتينية. وقد دل هذا علي تصميمه بنقل تركيا إلي محيط مختلف وإبعادها عن المحيط الثقافي للاسلام بهويته الاعرابية. وعلي صعيد متمم ، نقل العاصمة إلي انقرة بدلا من استنبول عاصمة العثمانيين والخلافة وكتتويج لتغييراته، عمد أتاتورك وأنصاره في العام (1924) إلي إلغاء الخلافة الاعرابية التي بقيت أربعة قرون محصورة في السلاطين العثمانيين وانسحاب تركيا ـ الوريث الشرعي للإمبراطورية العثمانية ـ من دورها كدولة قائدة للعالم الإسلامي يعكس التغيير الكبير الذي طرأ في العلاقة بين الحكومة والإسلام. وبينما استمر الإسلام الاعرابي هوية لرعايا الإمبراطورية العثمانية أصبحت العلمانية، بفعل سياسات اتاتورك، هوية الدولة التركية.
لم يتورع أتاتورك ومناصروه عن فرض ما هو أبعد من العلمانية علي المجتمع التركي! فقد اعتبروا أن الهوية الاعرابيه للاسلام لا تتناسب مع معتقدات العصر، بل أكدوا أنها مناقضه للعلم الحديث والمدنية التي تعني ثقافة عقلانية وعلمانية.
أما التحول للعلمانية، فلم يتم بطريقة تدريجية كما في الغرب، بل فرض فرضا وبفترة قياسية، في وقت كانت جميع مناحي الحياة في الإمبراطورية العثمانية ـ علي الأقل من الناحية النظرية ـ تحكمها شريعة الاسلام الاعرابي، وكانت المؤسسات الدينية السنية في صلب الدولة لمئات السنين. وتجدر الإشارة إلي أن القوانين العلمانية التي فرضها أتاتورك اشتملت علي إلغاء المدارس الصوفية. كما أنه ألغي القوانين المستمدة من الشريعة الاعرابية واستبدلها بتلك ألمستمدة من القوانين الأوروبية. بل فرض قيودا علي اللباس والطقس الديني: منع لبس الطربوش (غطاء الرأس التقليدي لدي الأتراك) وألغي حجاب المرأة، ومحاولة تتريك اللغة العربية واستخدام كلمات تركية لرفع الأذان، مكملا مساعيه بتحريم بناء الجوامع الجديدة محولا الجوامع الموجودة إلي استخدامات أخري.
وهكذا استمر مناصروه ومؤيدوه حتى نجحوا في الانتقال ببلادهم من تخلفها وانحطاط هويتها التي طبعتها بها الاعرابية البدوية الى مصاف الدول التي تكاد ان تكون جزء مهما واساسيا من الحركة الاوربية المعاصرة ..
فهل نتعلم من الاخرين ..