(( تاريخ نصارى العراق ))

[محمد عبد الهادي الشمري]

(( تاريخ نصارى العراق ))






المقدمة




كان لي لقاء مع الأستاذ ( أبو سامر ) وهو كاتب عراقي معروف
وفي كل مرة كان النقاش يبدأ من دون مقدمات
وربما كلمة تفتح نقاشا يستمر طويلا ...
قلت له ونحن نتحدث عن شخصيات المتصوفة في بغداد ...
قلت له أنت تعرف الشيخ ( معروف الكرخي )
والرجل قال بلا اعرفه وكيف يمكن أن لا اعرفه !!
قلت له هل تعرف أن هذا الرجل كان نصراني واسمه فيروز .
قال بهدوء شديد : هذه المعلومة غير مطلع عليها وهذه أول مرة اعرفها منك .
وكذلك كنت لا اعرف هذه المعلومة إلا بمحض الصدفة فقط .
وبدأ النقاش حول تاريخ المسحيين في العراق
واستمر الحديث طويلا
وكنت اشتكي من عدم توفر كتب أو مصادر
تكون فاتحة لموضوع في غاية الأهمية التاريخية
يكمل ما في حوزتي من مصادر أخرى وخصوصا الخرائط التاريخية .
والرجل قال لي لدي ما تبحث عنه
وفي نفس اليوم أرسل لي كتاب يعتبر من النوادر في نظري
لكاتبه سهيل قاشا وأخر طبعة له بغداد 1982م
وطبع في ( مطبعة شفيق )
ويحمل رقم الإيداع في المكتبة الوطنية ..
بغداد 1183 لسنة 1982م .
ومع وجود كم هائل من الوثائق والمصادر التاريخية والخرائط
بكل تأكيد أن هذا الموضوع سيكون مميز ومشوق
بكل ما في الكلمة من معنى ..
ذلك لأننا سنكتشف معا أسماء لامعة
لرجال كان لهم ذلك الحضور المميز في التاريخ .



خالص احترامي وتقديري

[محمد عبد الهادي الشمري]

(( الحلقة الأولى ))






(( اللغة العربية لدى نصارى العراق )) (1)






إذا كان السؤال الذي يطرح نفسه

( ما للنصارى واللغة العربية ؟ )



فالجواب على ذلك أن اللغة العربية
ازدهرت لدى نصارى العراق ازدهار كبيرا
من خلال الشعر والنثر والكتابة وأسلوب لدى أبناء القبائل العربية الصميمة
التي دخلت النصرانية واعتنقتها مذهبا راسخا ودينا لا تحيد عنه .

انتشرت النصرانية في العراق
في غضون المائة الأولى للميلاد فترك سكانه المنتصرون اسمهم القديم
واسموا أنفسهم ( سريانا ) تمييزا عن الوثنيين
والواقع أنهم استحسنوا هذه التسمية
لأن النصرانية وصلت إليهم من سوريا
وكلمة ( سورايا ) الآرامية فأن معناها ( نصراني ) وإلى يومنا هذا
وهي تعني المتكلمين باللغة الآرامية العامية (2)

و ( السورث ) مرادفة للكلمة ( نصراني )
وهي تعني لكل جنس أو أمة .

ثم انتشرت النصرانية في اليمن وحضرموت وعمان
وفي غيرها من البلاد العربية ومنذ القرون الأولى للميلاد
وعاش من دان لها بين مواطنيهم في وئام وسلام
فكان أبناء القبائل العربية يختلفون إلى صوامع وأديرة الرهبان
وإلى كنائس ليتعلموا القراءة والكتابة
ومن أسماء بعضهم ( أبو نصر البراق بن روحان )
و ( ورقة بن نوفل ) و ( المرقش الأكبر )
وهو أبو عمر الشيباني وأخوه حرملة .

قال الفيروزي اباذي :

(( العباد قبائل شتى اجتمعوا على النصرانية بالحيرة ))
في العراق

وقال اليعقوبي في تاريخه :

(( وأما من تنصر من إحياء العرب
فقوم من قريش من بني أسد بن عبد العزى
ومنهم عثمان بن الحويرث بن أسد بن عبد العزى
وورقة بن نوفل بن أسد
ومن بني تميم ( امرؤ القيس ) بن زيد مناة
ومن ربيعة بنو تغلب ومن اليمن طي ومذحج وبهراء وسليح
وتنوخ وغسان ولخم وتزندق حجر بن عمر الكندي . ))

وقال أبن قتيبة :

(( كانت النصرانية في ربيعة وغسان وبعض قضاعة ))


وتكلمت الإخبار
عن انتشار النصرانية في غيرها من القبائل العربية ومنها :
بكر وإياد وكندة وضبيعة والأوس وحمير ويشكر
وجذام وتغلب وغيرها
وكانت هذه القبائل كلها منتشرة في الجزيرة العربية (3 )
والشام والعراق .

ولم تنقطع في يوم من الأيام ...
الهجرة من جزيرة العرب إلى وادي الرافدين
وشمال غرب الجزيرة منذ عصور متوغلة في القدم
وهكذا تأصلت اللغة العربية بين نصارى العراق
لأنها كانت لغتهم التي يعتزون بها .



( 1 ) ألقيت هذه المحاضرة في ندوة المعلمين المسيحيين في مدينة الموصل
بتاريخ 12 كانون الأول عام 1968م
ونشرت في المجلة البطريركية
في دمشق ــ العدد 67 بتاريخ شهر أيار عام 1969م
السنة السابعة ص 356 ــ 364 .


(2 ) ومازال يتكلم بها سكان باخديدا ( قره قوش ) و ( برطلي )
و ( كرمليس ) و (تكليف ) و ( القوش ) و ( باطانيا )
و ( تل أسقف ) و ( باقوقا )
وأغلب سكان قرى لواء الموصل الشمالية المسيحية .


(3 ) تسمى اليوم بجزيرة ( أبن عمر )
وهي البقعة الواقعة بين دجلة والفرات
وتنحصر في منطقة ( ديار بكر ) و ( ماردين ) و ( نصيبين )
وغيرها .


( ملاحظة )

أن السيدة خديجة بنت خويلد بن أسد (رضي الله عنها )
كانت نصرانية وتزوجت من رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم
وعندما نزل الوحي على رسولنا الحبيب
أشهرت إسلامها لنبي الله محمد وهو الصادق الأمين
فكانت أول امرأة دخلت في دين الإسلام
وأول من آمن برسالته السماوية المباركة .



إلى حلقة أخرى

[محمد عبد الهادي الشمري]

(( الحلقة الثانية ))





الجزء الثاني





(( اللغة العربية لدى نصارى العراق ))






(( اللغة العربية لدى النصارى قبل الإسلام ))


في الجاهلية نبغ منهم خطباء وشعراء
وابرز الخطباء كان ( قيس بن ساعدة الايادي )
المتوفى سنة 600 ميلادية
وكان آية في البلاغة وأساليب البيان (4 )

وشعراء القبائل العربية المسيحيون
فكانت لهم مساهمة في النهضة الشعرية في البادية
وكان لهم دورهم في المدن فكان ملوك الحيرة والشام يدنون منهم الشعراء
ويغدقون لهم بالمال والنعم
ومن أشهر شعراء النصارى الذين عرفوا في العراق في ذلك الزمن
( عدي بن زيد العبادي )المتوفى سنة 582 ميلادية
وكذلك برز ولداه زيد وعمرو .
ومنهم ( عبد المسيح بن بقيلة )وهو أحد أعيان الحيرة
الذي اشتهر في الجاهلية وصدر الإسلام (5) .

وكان لعرب الحيرة وأمرائهم وتاريخهم أثر كبير
في الشعر العربي والحياة العقلية
فأحاديث( جذيمة الأبرش ) وأساطير الزباء
والتغني بعظمة الخورنق والسدير وأقاصيص( سنمار )
والأمثال التي ضربت عنه وغيرها
شغلت جزء كبير من الآداب العربية .

(4 ) النصرانية وآدابها ج2 ص326ــ332

(5 ) كتاب الأغاني ج2 وكتاب شعراء النصرانية ص 439 ــ 473
وكتاب فجر الإسلام ص48 وكتاب شعراء النصرانية بعد الإسلام ص14 ــ20
وكتاب الحيرة ص19 ــ 25


(( في عهد الدولة الأموية ))


عندما آلت السلطة للأمويين ودانت لهم البلاد

عمدوا إلى توطيد الدولة بتثبيت الأحزاب السياسية الموالية لهم
والحط من منزلة خصومهم
فكان للشعراء نصيب كبير في مدح الخلافة
ومؤيدين حقهم في تولي الخلافة

فكثر شعر المدح والتفاخر وانتشر شعر الهجاء ألاذع .
ومن أشهر شعراء النصرانية الذين عاشوا في ظل الأمويين

( الأخطل )

الملقب بذي الصليب لأنه كان يعلق صليبا على صدره
وهو تغلبي من ديار بكر ( أبو مالك غياث أبن غوث التغلبي )
ولقب بالأخطل لسفاهته
وكان من نوابغ الشعراء حتى لقب بالزعامة
فكان معاوية الثاني بن يزيد ( سنة 64 هـ / 683م )
يحبه فكان يجزي له العطاء
وكذلك كان عبد الملك بن مروان ( سنة 65 ــ 86 هـ / 684 ـــ 705م )
قد ولع بشعر ( الأخطل ) وقربه منه
حتى لقبه ( شاعر بني أمية ) و ( شاعر أمير المؤمنين )
فجزاء لهذه وتلك هجا هجاء أليما القيسية أنصار الزبيريين
وهجا معهم أحلافهم بني كلب القضاعية .
وفي نفس الوقت اثني على الأمويين ثناء لا نظير له (6 ) .

قال في مدح الخليفة عبد الملك بن مروان :

في نبعة من قريش يعصبون بها ما إن يوازى بأعلى نبتهـــــا الشجر
تعلو الهضاب وحلّوا في أرومتها اُهل الربــاء وأهل الفخر إن فخروا
حشد على الحق عيّافوا الخنا أنف إذا ألـمّت بهم مكروهـــــــة صبروا
و إن تدجّت على الآفاق مظلمـــــــة كان لهــــم مخرج منها و معتصر
أعطـــــــاهم الله جَدّاً ينصرون بـــــــه لا جـــدَّ إلاّ صغير بعد محتــقر

وهو القائل :

والناس همهــم الحياة ولا أرى طول الحياة يزيد غير خبال
وإذا افتقرت إلى الذخائر لم تجد ذخرا يكون كصالح الأعمال


قال حماد الرواية حينما سئل عن الأخطل :

(( ما تسألوني عن رجل حبب إلي شعره النصرانية ) (7 )

واشتهر في النصف الثاني من القرن السابع الميلادي في أيام الأمويين
الشاعر النصراني ( القطامي )وهو عمير بن شييم التغلبي
وكان معاصرا للشاعر الأخطل
وهو أبن أخته وعاشا زمانا بعده ولم يبلغ عهد العباسيين
ولم يتصل بالخلفاء
وإنما بلغ شعره الخليفة عبد الملك بن مروان
الذي أعجب بشعره
وقد وصفه القدماء ( الشاعر الفحل )
ومن أجمل قصائده لاميته التي ذكرها أبو زيد القرشي
في جمهرة شعراء العرب (8 ) .

وجاء في معجم الشعراء :

(( وكان القطامي شاعرا فحلا
رقيق حواشي الكلام وكثير الأمثال في شعره
بين المشوبات )) (9 )

وشعراء بني أمية هم ثلاثة

( الفرزدق ) و ( جرير ) و ( الأخطل )

قيل للفرزدق : من أشعر الناس ؟
قال : كفاك بي إذا افتخرت ، وبجرير إذا هجا
وبابن النصرانية إذا امتدح .

ومن شعر ( القطامي )

وإنّا يوم نازلهــــم شـعـيثٌ كليــــث الغيل أصحر ثمّ ثارا
وتغلب جدّعــوا أشراف قيسٍ وذاقوا من تخمّطها البوارا
بضرب يقعص الأبطال منهــم ويمتكر اللحى منه امتكارا


(6 ) كتاب شعراء النصرانية بعد الإسلام ص170 ــ 191
وكتاب أدباء العرب ج1 ص317 ــ 345
وكتاب خلاصة الذهب المسبوك ص25 .

(7 ) كتاب حضارة الإسلام ص36 .

(8 ) المراد بكلمة ( المشوبات ) هي القصائد ذات المعاني المختلفة .
راجع عن القطامي كتاب شعراء النصرانية بعد الإسلام ص191 ــ 203 و390
وكتاب النصرانية وآدابها ج2 ص263 ــ 271
وكتاب ديوان الحماسة ( 1346 هــ ) ص128 ــ 129 .

(9 ) معجم الشعراء لأبي عبيد الله محمود المرزباني
( مصر 1354 هـ ) ص244 .




إلى حلقة أخرى

[محمد عبد الهادي الشمري]

(( الحلقة الثالثة ))




الجزء الثالث




(( اللغة العربية لدى نصارى العراق ))




(( اللغة العربية لدى نصارى العراق
في العهد العباسي ))





ساهم النصارى في ترجمة الكتب اليونانية
فكانت الأديرة حافلة بخزائن الكتب النفيسة والنادرة
وكانوا يقومون بترجمتها إلى اللغة العربية ونشرها في البلاد
وكان من أشهرالمترجمين ( يوحنا بن ماسويه )المتوفى سنة 911م
وكذلك أبناء ( بختيشوع ) الذين استمرت إعقابها في بني العباس
إلى القرن الحادي عشر
وكانوا على التدريس والترجمة في مدارس بغداد
والتطبيب في دار الشفاء (10 )

وكان الإنجيل قد نقل من الآرامية إلى العربية منذ القرن السابع الميلادي
وجد في تعريبه البطريك يوحنا المعروف ( بأبي السدرات )
المتوفى سنة 648م ....................
على أيدي العرب المسيحيين من بني عقيل وتنوخ وطي نحو 643م (11 )

ومن أقدم نصارى العراق الذين كتبوا بلغة الضاد
( حبيب أبو رائطة التكريتي ) في القرن السابع للميلاد
وكذلك ( جائليق طيمثاوس ) المتوفى سنة 823م (12 )

وعرف إذ ذاك من شعراء وأدباء النصرانية العراقيين ( أبو قابوس )
وكان من أهل الحيرة منقطعا إلى البرامكة
وتقرب بهم من الخليفة العباسي هارون الرشيد
المتوفى سنة 193هـ / 809 م (13 )

اشتهر في القرن التاسع الميلادي ( عيسى بن فرخنشاه )
وكان من أهل بغداد ومن كتاب ديوان الخلفاء
وقد اتخذه الخليفة المستعين بالله قريبا منه فكان مقامه كمقام الوزير( 14 )

وممن تضلع من اللغة العربية من مسيحيي وادي الرافدين
في أيام الخليفة العباسي المطيع لله ( يحيى بن عدي التكريتي )
المتوفى سنة 975م
وقال أبن أبي اصيبعة :

(( إليه انتهت الرئاسة ومعرفة العلوم الحكيمة
وفي زمانه قرأ على بشر متي وعلي أبي نصر الفارابي
وعلى جماعة أخرى وكان أوحد دهره )) ( 15 )

ومما قاله عنه ( أبن القفطي وأبن العبري ) :
(( وكان يكتب في اليوم والليلة مائة ورقة وأكثر )) (16 )

ووصفه أبو حيان التوحيدي :

(( كان شيخا لين العريكة ومبارك المجلس ..
ينبهر في الإلهيات ويظل فيها )) ( 17 )

ونقل من الآرامية إلى العربية زهاء عشرة إسفار
ووضع أكثر من 50 رسالة وله تفاسير وكتب مترجمة عديدة (18 )

ومنهم أبو علي ( عيسى بن زرعة )
المتوفى سنة 1008م
وهذا الرجل ولد في بغداد وكان من أشهر المترجمين البارزين
واشتهر بترجمة الكتب الفلسفية والعلمية
وخصوصا من اليونانية والآرامية إلى العربية
ووضع رسائل فلسفية وله من مؤلفاته بالآرامية خمسة كتب
في المنطق والطب وعرب ستة أخرى من الآرامية
وقد فضله أبو حيان على يحيى بن عدي بقوله :

(( كان حسن الترجمة وصحيح النقل .
كثير الرجوع إلى الكتب ... محمود النقل إلى العربية
وجيد الوفاء بكل ما حل من الوفاء
ولولا توزع فكره في التجارة ومحبته في الربح
وحرصه على الجمع وشدته على المنع
لكانت قريحته تستجيب له )) ( 19 )



(10 ) أحوال نصارى العراق ص84 ــ 86 .

(11 ) التاريخ الكنسي ج1 ص275 ــ 279 وكتاب اللؤلؤ المنثور ص279
وكتاب عصر السرياني الذهبي ص16 ــ 17
ومجلة النجم 2 278 ــ 283 و 8 : 130 ــ 133 .

(12 ) كتاب ذخيرة الأذهان ج1 ص297ــ و 344 ــ 345
وكتاب اللؤلؤ المنثور ص332 .

(13 ) ضحى الإسلام 1 : 348 .

(14) شعراء النصرانية بعد الإسلام ص264 .

(15 ) عيون الإنباء 1 : 235 .

(16 ) كتاب إخبار الحكماء ص212 وكتاب تاريخ مختصر الدول ص297 .

(17 ) كتاب الإمتاع والمؤنسة 1 : 37 .

(18 ) ذخيرة الأذهان 1 : 449 ومجلة النجم 9: 12
وكتاب شعراء النصرانية بعد الإسلام ص254 ــ 256 .

(19 ) كتاب الإمتاع والمؤانسة 1 : 33
والفهرست ص264 وعيون الإنباء ج1ص235
وتاريخ مختصر الدول ص315 ــ 316
وذخيرة الأذهان ج1 ص489 ومجلة النجم 9 : 17 ــ 18
وعصر المأمون ج1 ص380 .




وللحديث بقية

[محمد عبد الهادي الشمري]

(( الحلقة الرابعة ))



الجزء الرابع


(( اللغة العربية لدى نصارى العراق ))


(( اللغة العربية لدى نصارى العراق
في العهد العباسي ))





ومنهم( أبو الفرج عبد الله أبن الطيب )

المتوفى سنة 1043م
وقد ولد في بغداد من أصل عائلة مشهورة بالنبل
ومنذ صباه أقبل يجد ويطالع وانقطع إلى التدين والزهد
حتى صار قسيسا وانتخبه ( الجاثليق إيليا الأول ) المتوفى سنة 1049م
كاتما لسره وكان أبو الفرج طبيبا ماهرا
وفيلسوف خبير ومارس الطب بجد وإخلاص لعلاج المرضى
في ( المارستان العضدي ) (20 )

وعلم فيه مدة سنين عديدة علوم الطب
وأقامه الخليفة القائم بأمر الله العباسي رئيسا للأطباء .
أما شرحه وتعليقاته على الكتب القديمة
في المنطق وكتب أرسطو ومؤلفات جالينوس
فتشهد له بالشهرة
وقد فسر الإنجيل تفسيرا شافيا كافيا
وحبر رسالة أنيقة في المحبة تنم عن نفس شريفة متفانية لخير الإنسانية
فقال عنه أبن العبري:

(( فأما أنا وكل مصنف فلا يقول إلا أن أبا الفرج أبن الطيب
قد أحيا من هذه العلوم ما دثر وأبان منها ما خفي )) (21 )

وتتلمذ له جماعة سادوا وأفادوا
ومنهم المختار بن الحسن بن عبدون المعروف ( بابن بطلان ) (22 )


وممن عرف في القرن الثاني عشر للميلاد

( معتمد الملك أبو الفرج
يحيى بن صاعدة بن يحيى بن التلميذ )

المتوفى سنة 1118م
وكان في زمانه طبيب الدولة العباسية ويستشار برأيه
وله الفضل الوافر والأدب الغزير والمعرفة الكاملة
ونال المنزلة العالية عند الخلفاء والأمراء
ويعد من الشعراء المشهورين .

قال أبن أبي اصيبعة عنه :

(( كان معتنيا في العلوم الحكيمة ومتقنا للصناعة الطبية
ومتحليا بالآداب بالغا فيه اعلي الرتب )) ( 23 )

ومنهم أمين الدولة .....

( أبو الحسن هبة الله بن صاعد بن إبراهيم أبن التلميذ )

المتوفى سنة 1165م وهو أبن بنت معتمد الملك أبي الفرج يحيى .

عاش أبو الحسن في عهد الخليفة العباسي المقتفي لأمر الله
واتخذه طبيبه الخاص ونبغ في علم الطب
فأضحى أوحد أهل زمانه حتى أقامه الخليفة
رئيس أطباء بغداد ومدير المستشفى العضدي .
وقالوا عنه :

(( ولم يكن مثله بعد سقراط وجالينوس واشتهر برجاحة العقل
وعلو الهمة ووفرة الأدب وكان زاهدا في المال وفي أجور التمريض
وكان يداوي في داره المعوزين من الناس ويعاملهم بلطف ورفق ))


وله العديد من المؤلفات والرسائل الطبية
التي تدل على غزارة فضله وتبحره الواسع في اللغة العربية وآدابها
فأن شعره صحيح السبك ونثره أنيق الديباجة
وحسن التحبير ( الخط العربي ) وقد أودعه الأساليب الرائعة
والألفاظ العذبة مما يؤيد وقوفه على مذاهب الكلام .
قال عنه أبن العبري :

(( أما أبن التلميذ الطبيب النصراني البغدادي
ففاضل زمانه وعالم أوانه وخدم الخلفاء من بني العباس
وتقدم في خدمتهم وارتفعت مكانته لديهم
وكان موفقا في المباشرة والمعالجة
وعالما بقوانين هذه الصناعة
وعاش عمرا طويلا نبيلا جميلا )) .

وقال عنه أبن القفطي :

(( وكان هبة الله هذا في العلم والعمل
من الطب بسقراط عصره وجالينوس زمانه
وختم معه هذا العلم
ولم يكن في الماضيين من بلغ مداه في الطب )) (24 )



(20 ) ينسب هذا المارستان إلى عضد الدولة
وقد أمر ببنائه في الجانب الغربي من بغداد ( الكرخ )
بين محلة باب البصرة ومحلة الشارع
وقد بوشر في بنائه سنة 368 هـ / 966م
وفتح للاستشفاء عام 371 هـ / 981م .

إضافة معلومة من محمد الشاهد :
أن هذا ( المارستان العضدي ) كان يقع على حافة نهر الصراة المندثر
والذي كان يصب في نهر دجلة
ويقع بالقرب من جامع براثا الشهير في بغداد الكرخ
ومكانه اليوم ( مستشفى الكرخ الجمهوري ) .

(21 ) تاريخ مختصر الدول ص330 ــ 331 .

( 22 ) كتاب ذخيرة الأذهان ج1 ص463 . ومجلة النجم 7 : 262 .
وعيون الإنباء ص239 ــ 241 . وأخبار الحكماء ص150 .

(23 ) عيون الأنباء 1 : 276 وكتاب أخبار الحكماء ص238 ــ 239 .

(24 ) تاريخ مختصر الدول ص364
وكتاب أخبار الحكماء ( الأطباء ) ص222 ــ 224 .
ومجلة الضياء ج2 ص284 وكتاب ذخيرة الأذهان ج1 ص500 ــ 501
وكتاب عصر السريان الذهبي ص7
وكتاب عيون الإنباء ج1 ص259 والمجدل ص103
وأخبار بطاركة كرسي المشرق ص106
وكتاب شعراء النصرانية بعد الإسلام ص315 و ص394 .


إلى حلقة أخرى

[محمد عبد الهادي الشمري]

(( الحلقة الخامسة ))




الجزء الخامس


ومن أشهر المؤلفين في كتب الطب أبو العباس
( يحيى بن سعيد بن ماري )
وهو الطبيب المعروف ( أبن ماري المسيحي )
وكانت وفاته بالبصرة في شهر رمضان
سنة 589 هـ الموافق 1193 م
واصله من مدينة الطيب في موضع يقال له ( الدوير )
وقد انتقل والده عنها وتوجه إلى البصرة
فأنكب يحيى منذ صغره على الدرس وتفرغ إلى العمل بالطب
والتبحر في اللغة العربية وشعرها
ثم تضلع من علم الأوائل
حتى أصبح نسيج وحده في الأدب العربي
و ( مقاماته ) الستون لدليل صارخ ومقنع
على غزارة مادته وعلو طبقته إذ حلاها بضروب الكنايات
ووشاها بإشكال البديع فجاءت ألفاظها رقيقة ومعانيها بليغة .
واشتهرت بالمقامات المسيحية
تمييزا لها عن مقامات الحريري .

قال أبن القفطي :

(( وكان فاضلا في علم الأوائل
وعلم اللغة العربية وشعرها ...
يرتزق بالطب والإنشاء
وصنف المقامات الستين وأحسن فيها )) (25 )


ومن شعره :

نعم المعين على المروءة للفتى ... مال يصـون عن التبذل نفسه
لاشيء أنفع للفتــــــى من ماله ... يقضـي حوائجه ويجلب أنسه
وإذا رمتــــه يد الزمان بسهمه ... غدت الدراهم دون ذلك ترسه

وله أيضاً :

لاموا على صب الدموع كأنهم ... لا يعرفون صبابتي وولوعي
كفوا فقد وعـد الحبـيب بزورة ... ولذا غسلت طريقه بدموعـي

وله :

نفرت هند من طلائع شي ... واعترتها سآمة من وجومي
هكذا عادة الشياطيـن ينفر ... ن إذا ما بدت نجوم الرجوم


لعل ما تم ذكرهم هم أشهر المسيحيين العراقيين
الذين خدموا اللغة العربية وساهموا في بث آدابها
أيام الخلافة العباسية ولكن التاريخ أيضا
لا ينسى فضل ( أبى نصر ثابت بن هارون )
في القرن العاشر الميلادي
ولا ينسى فضل ( أبى نصر بشر بن هارون )
المتوفى سنة 995م
ولا فضل ( أبن بطلان )
المتطبب والمتوفى سنة 1052م
ولا فضل ( أبي بابي )
في القرن الحادي عشر الميلادي
ولا فضل ( أبى الفتح بن صاعد )
في القرن الثاني عشر الميلادي
ولا فضل ( محفوظ النيلي ) (26 )
المتوفى سنة 1165م
ولا فضل ( سعيد النيلي )
في القرن الثاني عشر الميلادي ( 27 )
ولا فضل ( أبى علي بن أبى الخير )
في القرن الثالث عشر الميلادي ( 28 )



( 25 ) كتاب مختصر الدول ص 415 ــ 416
وكتاب إخبار الحكماء ص236 . مجلة المشرق 3 : 591
ومجلة النجم 4 : 28 ــ 31 .

(26 ) النيلي .. نسبة إلى بلدة النيل
وتقع على نهر الفرات بين الكوفة وبغداد .

( 27 ) كتاب شعراء النصرانية بعد الإسلام
ص260 و 266 و 293 و 298 و 335 و 341 .

( 28 ) كتاب أخبار الحكماء ص268 .



في الحلقة القادمة ندخل في البحث الثاني
( نصارى العراق والفتح الإسلامي )



خالص احترامي وتقديري

[محمد عبد الهادي الشمري]

(( الحلقة السادسة ))






(( نصارى العراق والفتح الإسلامي ))




الجزء الأول





من المعروف تاريخيا أن نصارى العراق هم من بقايا الآراميين ( 1 )
الذين سكنوا البلاد منذ العصور القديمة
وسموا منذ أول النصرانية ( سريانا )
أي مسيحيين تمييزا لهم من بني جنسهم الآراميين الوثنيين .
وقد أطلق عليهم المسلمون بعد الفتح الإسلامي
أسم ( النبط )
على أنهم من ولد ( نبيط بن باسور بن سام بن نوح )
وقيل أنهم سموا بذلك لاستنباطهم الأرضيين والمياه ( 2 )

وإما لغتهم الآرامية السريانية فهي أحدى اللهجات السامية .
ثم كانت الهجرات العربية إلى العراق ومشارف الشام
وذلك بسبب الجدب وشظف العيش وكثرة عددهم
وهذا بالإضافة إلى الحروب العديدة التي مزقتهم
فخرجوا إلى الشام والبحرين ( 3 )

وقامت بعض هذه القبائل في البحرين وتحالفوا على ( التنوخ )
والمعنى ( المقام )
وتعاقدوا على التناصر فصاروا يدا واحدة وضمهم أسم ( تنوخ ) .

ومن ثم تطلعت أنفسهم إلى بلاد العراق
وغلبوا العجم فيما يلي بلاد العرب ونزلت ( تنوخ )
من الانبار إلى الحيرة (4 )

وكانوا من قبائل طي وتميم وغسان وكلب وغيرهم ( 5 )
وبذلك أصبح أهل الحيرة لا ينتسبون إلى قبيلة واحدة
بل كانوا من قبائل عدة جمعت بينهم وحدة المصير .

واعتنقت هذه القبائل العربية في الحيرة الديانة المسيحية
وكان أول من اعتنقها من ملوكهم ( عمرو بن عدي ) ( 6 ) ...
مؤسس الدولة 268 ــ 288 م ( 7 ) .
كان من ابرز ملوكهم وأفضلهم رأيا وأبعدهم مغارا
وأشدهم نكاية هو ( جذيمة الأبرش ) ( 8 )
وهو أول من استجمع له الملك بأرض العراق
وضم إليه العرب وعزا الجيوش وكان فيه ( برص )
فكنت العرب عنه فقيل ( الوضاح والابرش )
إعظاما له وكانت منازله ما بين الحيرة والانبار وهيت وعين التمر
فارتفع أمرهم حتى حالفهم الفرس
وغزا ( طسما ) و ( جديس )في منازلهم في اليمامة
وأخذت تفد إليه الوفود وتجبى إليه الأموال
وخاض الحروب مع ( العمالقة )بأرض الجزيرة وبلاد الشام
بزعامة ملكهم ( عمر بن الظرب بن حسان بن اذينة العمليقي ) فقتله
وعاد جذيمة سالما فانتقمت ( الزباء )زوجته
من جذيمة بخديعة دبرتها له في قصرها فمات
وملك بعده عمرو بن عدي ( 9 ) .

انتشرت المسيحية بين القبائل العربية في العراق
وذلك بفضل المبشرين من الرهبان
الذين كانوا يعيشون بين إحياء العرب في العراق
ويتجولون في البراري ويقتاتون من النباتات
والذين استطاعوا بحياتهم النسكية والزهد
أن يستميلوا الكثير من العرب والعجم إلى الدين النصراني ( 10 ) .




( 1 ) الطبري ــ تاريخ الرسل والملوك ج2 ص20 و أبن الأثير في الكامل ج1 ص95 .

( 2 ) المسعودي ــ التنبيه والإشراف ص36 و أبن الفقيه ــ مختصر البلدان ص8 .

( 3 ) البحرين ( مملكة البحرين الحالية ) وقيل هي قصبة محر
وقيل محر قصبة البحرين ــ ياقوت الحموي في كتاب معجم البلدان ج2 ص72 .

( 4 ) أبن الأثير ــ الكامل ج1 ص196 والطبري ــ تاريخ الرسل والملوك ج2 ص 42 .

( 5 ) قدامة بن جعفر ــ الخراج وصناعة الكتابة ص102 .

( 6 ) على رواية ايليا أسقف نصيبين : ملك عمرو سنة 124
وعلى قول عبد يشوع الصوباوي سنة 107
( راجع تاريخ كلدو واثور ج2 ص208 .

( 7 ) أبن خلدون ــ تاريخ ج2 ص172 .

( 8 ) اتخذ بعضهم بدء حكمه سنة 215
( مجاني الأدب ج3 ص204 ) ويعتقد بأنه حكم ما بين 208 ــ 268 م .

( 9 ) أبن الأثير ـــ الكامل ج1 ص197 وص201 .

( 10 ) اليعقوبي ــ تاريخ ج1 ص313 .



إلى حلقة أخرى

[نوئيل عيسى]

تحية طيبة
شكرا لما قدمته اريد التنويه ان هناك فرقا بين النصرانية والمسيحية
النصارة من كانوا في الناصرة وامنوا بان السيد المسيح هو رسول الله وليس ابن الله وهاجروا الى الجزيرة العربية ونجد والعراق وبشروا بالنصرانية وعنترة ابن العبس وامرؤ القيس الخ كانوا من نصارى الجزيرة ومن هنا كانت الدعوة الاسلامية ان المسيح هو رسول الله وليس ابنه اي بين المسيحية واليهودية وكانت اليهودية الفتنة بين المعتقدين وهم الذين رسخوا ذلك المعتقد نكاية بانتشار المسيحية لانهم كانوا يعتقدون ان المسيح جاء ليغزو العالم وينشر اليهودية في ارجائه ولما لم يحدث ذلك تنكروا للسيد المسيح ورفضوا الايمان به :::حتى ان الكعبة الشريفة كانت كنيسة للنصارى قبل الاسلام وتحت اشراف وادارة جد الرسول الكريم ( ص ) .
اما في العراق وسوريا والاردن ومصر الخ كانت للمسيحية حظوة كبيرة فيها ولم يكن للنصارى اي اثر في هذه الدول اما السريانية فهي قومية كالاشورية من اشور والكلدانية من كلدو والسريانية لغة تختلف عن الاشورية والكلدانية في اللهجة الخ .
كان للمسيحية قبل الغزو العثماني للدول التالية وجود كمي وكما يلي
العراق 75./.
مصر 92 ./.
الاردن 85 ./.
سوريا 97 ./.
لبنان 99 ./.
راجع كتاب ( القبائل العربية في مصر في القرون الثلاثة الاولى ) عبدالله خورشيد البري - القاهرة طبعة 1967
كتاب ( عروبة مصر قبل الاسلام وبعده ) محمد غزوة في بيروت طبعة 1963 دائرة المعارف الاسلامية الاستانة
وكان بداية الحقبة للخلافة العباسية اوج ازدهار الثقافة الاسلامية وحرية الفكر والسلوك وانتشار المسيحية والفكر المسيحي حتى قبل اواخر هذه الخلافة حيث تعرضت هذه الظاهرة للقمع على يد المعتصم بسبب ماكان يعاني منه من هزال ونقص جنسي ويقال انه كان خنثى فحنق على ....؟ وامتدت هذه الظاهرة بشكل اكثر قوة وعنف في زمن الخلافة العثمانية ايضا بسبب شبق السلاطين العثمانين والولاة وانكبابهم على الجنس مع المحظيات والعامة وتهميش نسائهم ( زوجاتهم ) مما نشر بين نسائهم ظاهرة الزنا او التمتع مع العبيد والخدم فزوروا الشرع والقوانين الالاهية بما يخدم مصالحهم واهدافهم وظهرت فتاوي قمعية قسرية اريد من خلالها الحد من ظاهرة زنى نسائهم اي زوجاتهم وبناتهم ووووالخ وعند عجزهم عن الحد من هذه الظاهرة امروا بخصي الخدم والعبيد كيلا تنجب نسائهم منهم اي انهم اطلقوا الحرية لنسائهم للتمتع الجنسي مع الخدم من الذكور ....الخ

[محمد عبد الهادي الشمري]

أخي وحبيبي في الله نوئيل عيسى
شاكرا هذه المداخلة الرائعة أخي الطيب

قبل ردي على خطابكم الكريم لدي ملاحظة أرجو أن يعلمها كل إخواني في هذا المنتدى الطيب

عشت في بيئة اجتماعية فيها كل طيف من أطياف الشعب العراقي

وخصوصا إخواننا النصارى ولو قلت مسيحي فهو يعني نصراني في النهاية ولكن تعودنا على ذكر المسيحي من باب التفريق عن الديانات الأخرى والمذاهب المتفرقة وغيرها الكثير من خلال الوسط الاجتماعي الذي عشت فيه .

هذا الوسط الذي عشت فيه والمتنوع جعلني أرى الإنسان على ما يحمله من قيم سامية وأخلاق رفيعة وبكل تأكيد لدى كل إنسان دوافعه النفسية لكي يكون صالح أو شرير بغض الأمر عن الدين الذي ينتمي إليه . واذكر أن احد الجيران وهو رجل كان كبير في السن وكنت ما زلت صغيرا في السن يحذرني من اللعب مع المسيحيين لكونهم كفرة .. وبطبعي كنت إميل إلى المعرفة قلت له لماذا هم في نظرك كفرة ؟ لم يرد علي ودخل بيته وكانت أول حيرة في حياتي والحقيقة أن أمي كانت على فطرتها وهي أمية ولكنها كانت في كل يوم خميس تذهب إلى الكنيسة القريبة من بيتنا وتشعل الشموع نذرا لغاية ما وكنت معها .. قلت لها لماذا تشعلين الشموع وفلان يعتبرهم كفرة ... وكان ردها أن المسيح نبي من أنبياء الله الصالحين والشموع لمريم العذراء البتول .

إذن هي تحاول التقرب من الله .. لكي تنال مرادها

ومع مرور السنين عرفت أن غاياتها فطرية دون هدف .. لكني ما زلت مقتنع أن الله عز وجل لا يضيع طلب معروف من رجال صالحين .

خلاصة القول .... إني أحب كل الديانات من الناحية الروحانية لأن لهم قناعات مختلفة ولست مصلح اجتماعي أو ديني

حين كنا نلعب الكرة .. كانت المسميات على الاسم وليس على الديانات أو المذاهب وبذلك عشت السلام الداخلي .. إما اليوم فأني إميل إلى الحزن

لا اعتبر أني كنت علماني بقدر ما كنت ليبرالي

الدين للفرد .. ولكن الوطن الجميع

ومعنى ذلك لا يحتاج إلى تفسير معقد

الخير بخيره .. والشر لشره

[محمد عبد الهادي الشمري]

ورد في قولك :

(( اريد التنويه ان هناك فرقا بين النصرانية والمسيحية
النصارة من كانوا في الناصرة وامنوا بان السيد المسيح هو رسول الله وليس ابن الله وهاجروا الى الجزيرة العربية ونجد والعراق وبشروا بالنصرانية وعنترة ابن العبس وامرؤ القيس الخ كانوا من نصارى الجزيرة ومن هنا كانت الدعوة الاسلامية ان المسيح هو رسول الله وليس ابنه اي بين المسيحية واليهودية وكانت اليهودية الفتنة بين المعتقدين وهم الذين رسخوا ذلك المعتقد نكاية بانتشار المسيحية لانهم كانوا يعتقدون ان المسيح جاء ليغزو العالم وينشر اليهودية في ارجائه ولما لم يحدث ذلك تنكروا للسيد المسيح ورفضوا الايمان به ))

نعم ... هذا صحيح
نبي الله عيسى ابن مريم نبي من انبياء الله
نعم افهم ذلك .. أن النصارى يؤمنون أن المسيح هو رسول الله
وهذا متفق عليه حين خلط اليهود التوراة والانجيل نكاية بالنصارى
بل أن بعضهم قال أن التوراة مكملة للانجيل وهنا كانت الفتنة
لأن اليهود غاضهم انتشار النصارنية في جنوب الجزيرة العربية
الله والابن وروح القدس .. القصد منه
الله جل وعلى .. والابن هو الاشكالية حين صلبوا المسيح فأن الله رفع المسيح
وشبه لهم الأمر هل هو المسيح بذاته أم من وشى فيه
والجميع يعلم أن السيد المسيح سيظهر يوم القيامة
بقي على نفسه ... يتحمل العذاب الرهيب امام المشاهد
ولكن الروح ليست هي
المسيح غزى العالم بتعاليمه السمحاء التي تدعوا إلى الخير
ويهود الجزيرة العربية لم يكن يروق لهم ذلك
والروح القدس والمعنى القدس ... كانت اول قبلة للمسلمين
فكانت اولى القبلتين وثالث الحرمين
ثم أن معظم دول الشرق الاوسط ومصر تدين بديانة النصارنية
ولي معرفة وثيقة عن ديانة القبائل العربية
واعرف جيدا ما تقصده ما تقصده في النهاية من قولك
ونبهت لذلك في ذكر احد الخلافاء العباسيين .. وذكرت ذلك في موضوع حكام العراق
وكلامك صحيح جدا .. كانت هناك ممارسات شاذة
واعرف جيدا ما تعني .. بارك الله فيك

خالص احترامي

[محمد عبد الهادي الشمري]

(( الحلقة السابعة ))




لاقت المسيحية في أثناء انتشارها
مقاومة عنيفة من المجوس الفرس بدافع التعصب الديني
حيث دفع ( الموابذة ) (11 ) و ( الهرابذة ) ( 12 )
و ( الدهاقين ) (13 ) المجوس ملوكهم على اضطهاد النصرانية
فقد حدث أول اضطهاد لهم في عهد الملك البارثي سنة 89 م
والذي نكل بالنصارى وأباد منهم خلقا كثيرا ( 14 ) .
وبعد سقوط المملكة الفارسية البارثية ( 15 )
على أيدي الساسانيين بزعامة ملكهم ( اردشير بن بابك )
ودام حكمه من 226م إلى 241م ( 16 )
فوسع مملكته حتى شملت بلاد إيران وأواسط أسيا
إلى حدود الهند والصين كما بسطت سلطانها على العراق
واتخذت لها فيه مدينة قطيسفون ( المدائن ) عاصمة ( 17 ) .
لقد تعرض النصارى في العراق وفارس
لاضطهاد شديد خاصة
بعد اتخاذ الإمبراطور الروماني ( قسطنطين ) النصرانية
دينا له وكان ذلك سنة 312م ( 18 )
إذ ظن الأكاسرة أن هؤلاء النصارى متحزبون لنصارى الغرب
وميالون إلى قياصرتهم ( 19 ) .



( ملاحظة )



ولو الحديث هو خارج الموضوع ...
ولكن هل أحد انتبه لعبارة التحيز والتحزب والاتهام
فكم مرة التاريخ يعيد نفسه في وجه يختلف عن وجه أخر
كما يجري اليوم في العراق والوطن العربي والإسلامي
وحتى في كل دول العالم اجمع ..
يقال للمسلم في الهند لمجرد مطالبته بحقوقه الإنسانية
أن الولاء ليس للهند وإنما لباكستان وبنغلادش وغيرها .
ويقال للتركماني العراقي أن ولاءه لتركيا
وأن ولاء الشيعة العراقيون مرتبط مع إيران
وكذلك عن الأقباط في مصر أن ولائهم للغرب
مع العلم أنهم ينتمون للكنسية الشرقية وليس الغربية
وغيرها الكثير فمتى نعي أن المواطنة
هي الولاء للوطن أولا وأخيرا
وإما من يشذ عنها هم فئة قليلة
ولا يصح أبدا التعميم .



وبقيت العلاقة ما بين النصارى والفرس قبل الإسلام
تأخذ تارة شكل العداء وتارة أخرى شكل الصداقة
ولكنها كانت في جميع الحالات
قائمة على استضعاف الفرس للعرب
والإفساد في أرضهم والإيقاع بين قبائلهم واضطهادهم ( 20 ) .
تعرضت القبائل العربية للاضطهاد
في عهد ( سابور ذي الأكتاف ) 310 ــ 379م
الذي أوقع بها في البحرين وهجر
وفيها تميم وبكر بن وائل وعبد القيس
فقتل منها خلقا كثيرا حتى سالت دماؤهم على الأرض
بل أنه وبكل برود أباد عبد القيس عن بكرة أبيها .
ولم يكتفي بذلك بل قصد اليمامة حيث أكثر في أهلها القتل .
وغزا بكر وتغلب التي بين العراق والشام
وقتل وسبى ما لا يعد ولا يحصى .

( سابور ) .. كان ينزع أكتاف رؤساء العرب
ويقتلهم بعد تعذيبهم فكانت التسمية عربية
(( ذي الأكتاف )) ( 21 )


المصادر :

(11 ) انظر في كتاب ديورانت ( قصة الحضارة ) ج14 ص18 .

( 12 ) الهربذة : جمع هربذ وهم قوم بيوت النار
ويديرون المراسيم الدينية فيها وهي فارسية معربة ...
انظر الجاحظ في البيان ج3 ص13 .

( 13 ) الدهاقين : جمع دهقان ... وهو زعيم فلاحي العجم
ورئيس الإقليم وهو لفظ فارسي معرب ..
انظر الدينوري في كتاب الأخبار الطوال ص147 .

( 14 ) هو الملك كسرى في كتاب ذخيرة الأذهان
ج1 ص49 وص50 وكذلك التاريخ الكنسي ج2 ص19
والمكتبة الشرقية ج3 و ج2 ص38 وص40
ومجلة المشرق 3 : 819 و أحوال نصارى العراق ص4 .

( 15 ) أن الاسكندر المقدوني بغزواته للشرق
ولا سيما الشام والعراق وفارس
استطاع أن يقضي سنة 331 ق.م في فارس
على الدولة الأخمينية التي تمزقت إلى دويلات يحكم كلا منها ملك
وأشهرها ( الدولة البارثية ) .
بيد أن الفرس الساسانيين استطاعوا توحيد الدولة
سنة 224 م بقيادة اردشير بن بابك ...
انظر اليعقوبي في التاريخ ج1 ص379 .

( 16 ) اردشير الأول مؤسس السلالة الساسانية .

( 17 ) أبن العبري ــ مختصر تاريخ الدول ص25 .

( 18 ) قسطنطين الأكبر ... أعلن حرية الدين المسيحي
في ( مرسوم ميلانو ) سنة 313م .

( 19 ) ادي شير ــ كلدو واثور ج2 ص28 وص60

( 20 ) يحيى الخشاب ــ التقاء الحضارتين الفارسية والعربية ص80 .

(21 ) أبن الأثير في الكامل ج1 ص229 .






إلى حلقة أخرى