الزائر الكريم: يبدو أنك غير مسجل لدينا، لذا ندعوك للانضمام إلى أسرتنا الكبيرة عبر التسجيل باسمك الثنائي الحقيقي حتى نتمكن من تفعيل عضويتك.

منتديات  

نحن مع غزة
روابط مفيدة
استرجاع كلمة المرور | طلب عضوية | التشكيل الإداري | النظام الداخلي 

العودة   منتديات مجلة أقلام > المنتديات الحوارية العامة > منتدى الحوار الفكري العام

منتدى الحوار الفكري العام الثقافة ديوان الأقلاميين..فلنتحاور هنا حول المعرفة..ولنفد المنتدى بكل ما هو جديد ومنوع.

إضافة رد

مواقع النشر المفضلة (انشر هذا الموضوع ليصل للملايين خلال ثوان)
 
أدوات الموضوع التقييم: تقييم الموضوع: 1 تصويتات, المعدل 5.00. انواع عرض الموضوع
قديم 22-03-2010, 02:48 AM   رقم المشاركة : 25
معلومات العضو
سلمى رشيد
نائب المدير العام
 
الصورة الرمزية سلمى رشيد
 

 

 
إحصائية العضو







سلمى رشيد غير متصل


افتراضي رد: المناضل / ضافي موسى الجمعاني

أختي الكريمة افتهان
وضع المشاركات بهذه الكمية يعيق المتابعة
رويدك علينا حتى نقرأ الأجزاء السابقة

تحياتي







 
رد مع اقتباس
قديم 02-04-2010, 04:30 AM   رقم المشاركة : 26
معلومات العضو
شامل الأعظمي
أقلامي
 
الصورة الرمزية شامل الأعظمي
 

 

 
إحصائية العضو







شامل الأعظمي غير متصل


افتراضي رد: المناضل / ضافي موسى الجمعاني

نتابع بأهتمام
الشكر العميق للجهد أختي الفاضلة أفتهان الزبيري

نتمى المواصلة مع الامتنان







 
رد مع اقتباس
قديم 13-04-2010, 11:51 AM   رقم المشاركة : 27
معلومات العضو
افتهان الزبيري
أقلامي
 
الصورة الرمزية افتهان الزبيري
 

 

 
إحصائية العضو







افتهان الزبيري غير متصل


افتراضي رد: المناضل / ضافي موسى الجمعاني

حركة التحرير الوطني الفلسطيني (فتح) :
إن حركة التحرير الفلسطيني (فتح) (بمظهرها وليس بجوهرها) هي نتاج تراث عميق من الإحباط المصمم، الذي نتج عن التشرد والعوز والشعور بدونية المستوى، والظلم الذي عاشه الشعب العربي الفلسطيني وكل ذلك كان يتفاعل في نفسه وعقله في كل أماكن تواجده في الوطن العربي وفي الشتات، وكل ذلك يتم مع الأسف في ظل دول عربية عميلة وحقيرة لا تؤمن لا بقومية ولا بدين ولا بإنسانية، وتقوم بقهره وتفرض عليه حلولاً إن كانت سياسية أو اجتماعية خارجة عن إرادته. وإذا ما حاول أن يكسب لواقعه من خلال الفعل، حدوداً إنسانية تقهره بقولها له (إنك بعت أرضك)، وهو لم يبعها بل سلبها المستعمرون الغزاة لحساب مخططاتهم ضد العرب بمعونة حكام نصبهوهم، علينا بعد أن جزئوا الأرض وإنسانها في ظل هذا الواقع الفلسطيني الذي ذكرت، وفي واقع عربي عاجز حتى في ظل زعامة عبد الناصر الذي قالها صادقاً أن ليس لديه خطة لتحرير فلسطين.
في ظل هذا الواقع الفلسطيني المؤلم والمرير الذي ذكرت، والذي هو أعقد بكثير، وبرغم قساوة ظروف هذا الواقع، كان الفلسطيني مصمماً على العودة إلى أرضه، فعدا كل ما للأرض والوطن من جذور وأصول وقيم ومعانٍ لهذا الإنسان الفلسطيني، فقد أصبحت مخرجه الوحيد من هذا الواقع الأليم، بعد أن انتظر طويلاً نجدة أمته له التي اعتقد حين ترك منزله في يافا وحيفا وغيرها من مدن وقرى فلسطين أن النجدة آتية لا ريب فيها، وبأسرع من وصوله إلى حدود كل من الأردن وسورية ولبنان، انتظر وانتظر أن يأتيه الفرج حتى تأكد أن الفرج قد غاب، هذا هو واقع الإنسان الفلسطيني وهذا هو واقع الأنظمة التي لم يكن واقع إنسانها بأفضل من ذلك، سوى أنه يعيش على أرضه وفي منزله وبين عشيرته وأهله، بعيداً عن صنع القرار.
في ظل هذا الواقع العربي المستباح للمستعمرين والمستلب من قبل الحكام العرب الذين أصبحت مصلحتهم الذاتية مرتبطة بمصالح المستعمرين فمن الطبيعي أن يطرح السؤال نفسه، ما هو المخرج؟ ومن هي القوى المؤهلة لحفر خندق الخروج من هذا الواقع؟ إن القوى المضادة الخارجية والداخلية المرتبطة بها والتي خلقت هذا الواقع، وهي المؤهلة طبعاً لحفر خندق النجاة المزعوم، وهم حتى لا يفرز الواقع السلبي في أية مرحلة من مراحل تطوره قوى حية تقوم بتغييره إيجابياً يصنعون الشبه المضاد لهذا الواقع شكلياً ومظهرياً حتى تأخذ هذه الحالة المزيفة مداها، وحينها يصاب الإنسان بالإحباط واليأس فيستسلم بعد ذلك للواقع المزيف... هذا هو أسلوبهم المكرر منذ وعد بلفور حتى اتفاقية أوسلو.

وصول حركة التحرير الفلسطيني (فتح) لقيادة منظمة التحرير :

في أوائل عام 1969 على ما أذكر انعقد المجلس الوطني الفلسطيني في القاهرة وقد تكون هذا المجلس من الفصائل التي قبلت أن تكون جزءاً منه، على أرضية قبول قيادة منظمة التحرير الفلسطينية في ذلك الحين التنازل عن حق تمثيل الشعب العربي الفلسطيني لمصلحة فصائل حركة المقاومة الفلسطينية. وكان على هذه الفصائل أن تتفق فيما بينها على صيغة تمثيلية، تمكنها من الوصول إلى قيادة جماعية للمرحلة النضالية المقبلة وهذه الفصائل في تلك المرحلة هي :
1- حركة التحرير الوطني الفلسطيني - قوات العاصفة.
2- الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين.
3- طلائع حرب التحرير الشعبية - قوات الصاعقة.
4- ج - ت- ف جبهة تحرير فلسطين.
5- جيش التحرير الفلسطيني .
وكان قد انعقد قبل هذا المجلس مؤتمران لهذه الفصائل في القاهرة أيضاً للوصول إلى اتفاق ولكن كان مصيرهما في حينها الفشل، ولم أكن حينها أمثل فصيل قوات الصاعقة.

وفي هذا المجلس تعاونت حركة التحرير الوطني الفلسطيني فتح والصاعقة كفصيلين أساسيين في حركة المقاومة في إنجاح هذا المؤتمر، من خلال انتخاب قيادة جديدة لمنظمة التحرير الفلسطينية تمثل الواقع الفلسطيني الجديد وكنت أحضر هذا المؤتمر بصفة (مراقب) كوني لم أولد في فلسطين. حضرت المؤتمر بصفتي أميناً عاماً لقوات الصاعقة، في الأردن وطبعاً هذا التوجه السوقي الذي اتخذته منظمة الصاعقة كان قد أقر في اجتماع للقيادة القومية لحزب البعث العربي الاشتراكي في دمشق. ففي اجتماع مخصص لهذا الغرض طرحت وجهة نظري حول هذا المؤتمر الهام، وقلت لقد حان الوقت للتعاون بين الصاعقة وحركة التحرير الوطني الفلسطيني (فتح) من أجل خلق قيادة لمنظمة التحرير الفلسطينية، تمثل التطور الجديد في النضال الفلسطيني وكان هناك رأي قاله ودافع عنه الرفيق الدكتور يوسف زعين و مضمون هذا الرأي، هو أنه علينا أن نتحفّظ في دعم (فتح) وإيصالها إلى قمة المسؤولية في العمل الفلسطيني، قبل أن تقف الصاعقة على أرض صلبة فأجبته، بالقول أنا رأيي أن ندعم مشروع (فتح)-الصاعقة للوصول إلى قيادة منظمة التحرير الفلسطينية، وإن يكون بشراكة أكبر لفتح، وقلت أن القضية الفلسطينية أغلى من أن يعيق التنافس عليها التقدم نحو تحريرها والسير على هذا الطريق طويل وشاق، والذي لديه القدرة والطاقة والإيمان سيظهر خلال هذا المسير (وطبعاً كان رأي الدكتور يوسف زعين -أبو جابر- هو الأصوب) فيما يخص تقييمه (لفتح) وكان الأمين العام المساعد الذي يرأس الاجتماع يؤيد الرأي الذي طرحته فأخذ الاجتماع قراراً بتأييد هذا الرأي.

في القاهرة لحضور هذا المؤتمر
حين وصلنا إلى القاهرة لحضور المؤتمر، اختار القائمون على إدارة شؤون المؤتمر وهم (فتح) مكان إقامة لي بعيداً عن رفاقي أعضاء المجلس من منظمة الصاعقة، لقد أسكنوني في فندق (أسكوربيون) الذي يملكه أحد الفلسطينيين وأسكنوا رفاقي في فندق أطلس وفي صباح اليوم التالي من إقامتي في هذا الفندق جلست بعد الإفطار في صالة الفندق ولم أكن أعرف أحداً من كل الوجوه التي كانت موجودة في الصالة في ذلك الحين وكان يجلس قريباً مني ثلاثة أشخاص أثنان على صوفة والثالث على كنبة وهو شاب في الأربعين من العمر يدخن غليوناً (على طريقة الإنجليز) فسمعت من يدخن الغليون يقول: أنها الآن (فرصة الفلسطينيين)، فقد انهزمت أنظمة اليسار العربي! هذا القول المقصود أن أسمعه بوضوح كوني انتمي إلى اليسار القومي المهزوم دفعني بالتوجه مباشرة إلى القائل بالسؤال التالي: وبمن بعد الذي قلته، سينتهز الشعب العربي الفلسطيني فرصته ويحقق طموحه في استعادة وطنه؟ توجه إلي دون أن يستهجن تدخلي قائلاً: إن الشعب الفلسطيني سيكون الشمعة التي تحترق لتضيء الطريق. توقفت عن متابعة الحديث هنا، فهذا القول بقدر ما هو واضح شكلاً، بقدر ما هو غاض مضموناً وكان من قال هذا القول هو السيد خالد الحسن يرحمه الله عضو اللجنة المركزية لحركة فتح ويحمل الجنسية الكويتية ويعمل أمين سر بلدية الكويت.
إن قول الحقيقة أمام حاكم ظالم يعني موتك بطريقة ما، وقول الحقيقة عن مناضلين شرفاء هم حصيلة الواقع وخاصة واقع الشعب العربي الفلسطيني يسعون فيه لتحقيق هدف مشروع، هي حقيقة مرة... إنك لا تستطيع أن تتهم عبدة الأصنام، ولكنك تستطيع أن تسفّه إيمانهم وتدحضه بالبرهان. أن تسعة أعضاء وربما أكثر من اللجنة المركزية لحركة التحرير الوطني الفلسطيني (فتح)، التي تراوح عددها بين التسعة والإثني عشر عضواً، استشهدوا في سبيل قناعتهم ومئات من الكادر المتقدم وعشرات الآلاف من الفلسطينيين العرب ومن العرب المحيطين بفلسطين وخاصة المصريين، ومن هنا لا يستطيع الإنسان إلا أن يجل هذه التضحيات، ولكنه حتى يكون أميناً وصادقاً مع نفسه ومع قومه لا بد أن يقول فهممه عن الأسباب التي حالت دون تحقيق الآمال المعقودة.
إن حركة التحرير الوطني الفلسطيني (فتح)، هي نتاج المؤتمر الإسلامي (أي نتاج مركز النفط) فكراً واستراتيجية وتمويلاً، فكانت رأس الرمح هي ومن أعانها من النظم العربية على أخذ هذا الموقع الذي استهدف هزيمة العرب وفكرة القومية العربية في حينه ممثلة بعبد العناصر، وتحقيق الاعتراف "بإسرائيل" كدولة إلى الأبد وما سيترتب على هذه الحقيقة الاستراتيجية السياسية مستقبلاً على العرب، وهذا ليس اتهاماً (ولا قولاً يرمي على عواهنه)، ولكنها حقيقة سأبينها بمكوناتها. لقد قلت أن المستعمرين القدامى والجدد، يعدون المخططات وكذلك الأدوات المنفذة لهذه المخططات وأيضاً الخطط اللازمة للملمة نتائجها، كونهم هم الأقدر وسيطرتهم حتى ذلك الحين تكاد أن تكون تامة. والصورة أوضح من أن يعاد تكرارها في تاريخ العرب الحديث.
فمنذ ثورة الحسين بن علي شريف مكة آنذاك ومرواً بوعد بلفور وسايكس بيكو وحتى قيام دولة "إسرائيل" وهم حتى لا يفرز الواقع في أية مرحلة من مراحل تطوره السلبي قوىً حية تواجه أفعالهم، يخلقون الشبه المضاد للواقع مظهراً وشكلاً مسبقاً.هذا الشبه المُسيطر عليه من قِبل القوى المضادة الذي خلقته المرسومة استراتيجيته، مهمته الأساسية تضليل القوى الحية التي تتجمتع بشهوة ونخوة ومصلحة حول شعارات التحرير حتى يأخذ المدى الكافي ليحصد بعد ذلك الأخضر واليابس من آمال هذه القوى.
وبعد الكارثة تظهر الحقيقة التي تصيب الإنسان بالإحباط الشديد، الأمر الذي يسهل على أصحاب المخطط الوصول إلى ما سعوا إليه، دون صعاب تذكر وهذه الأهداف معروفة، ومكررة وإن تنوعت وهي :
أولاً: إدخال القناعة الثابتة في عقل ووجدان الإنسان العربي عامة، والفلسطيني خاصة أن "إسرائيل" حقيقة أبدية.
وثانياً: أن العرب دول وليسوا قومية تسعى إلى التوحد عند تحقيق هاتين الغايتين يكون الغرب والصهيونية قد سادا على العرب وفي ذهن المستعمرين الغربيين أنهم سيبقون سادة في العالم إلى الأبد.
المحطات البارزة في مسار القضية الفلسطينية بعد التقسيم :

والآن علي أن أعود إلى المحطات البارزة في مسار القضية الفلسطينية بعد قرار التقسيم وإعلان (دولة "إسرائيل") هذه المحطات التي لا تحتاج إلى باحثين و ثوريين، ويمكن للإنسان العادي الذي عايشها أن يعيها، فبعد قرار التقسيم الصادر عن الأمم المتحدة الذي يقسم فلسطين بين العرب الفلسطينيون واليهود، قامت حكومة عموم فلسطين في غزة، وذلك بعد انسحاب الإنجليز وتدخل الجيوش العربية والنتائج التي أفرزها هذا التدخل هذه الحكومة بالرغم من التسمية وبالرغم من الواقع الذي أحاط بها وبقيامها، إلا أنها حق أساسي من حقوق الشعب العربي الفلسطيني متفق مع قرارات الأمم المتحدة ويمكن اعتبارها ممثلاً شرعياً حتى يتحقق هذا الحق حسب قرارات الأمم المتحدة وقد اعترفت بها أكثرية الدول العربية في الجامعة العربية آنذاك - إلا إمارة شرقي الأردن في حينه بقيادة الأمير عبد الله والتي كان جيشها يحتل ما سمي بالضفة الغربية بعد ذلك، وما قام به الأمير عبد الله هو ضم ما تبقى من فلسطين بين يديه إلى إمارة شرقي الأردن، وذهب إلى لندن وعقد معاهدة استقلال، وبعد عودته إلى عمان أعلن قيام المملكة الأردنية الهاشمية - مواجهة للمملكة العربية السعودية ولا يمكن أن يقوم الملك عبد الله بكل ذلك بدون دعم بريطانيا. وهذا العمل ألغى حق الشعب العربي الفلسطيني في تقرير مستقبله، ووضع قرارات الأمم المتحدة جانباً وتم تغييب هذا الحق من خلال عملية سياسية، سموها الوحدة بين الضفتين لماذا؟ لأنه لو استمرت حكومة عموم فلسطين أو أي بديل عنها، يعطي الشعب العربي الفلسطيني حق الشرعية الذي يؤدي إلى قيام دولة فلسطينية حسب قرارات الأمم المتحدة وفق قرارات الشرعية الدولية، ولا أحد في الأمم المتحدة يستطيع أن يقف ضد هذا الحق، لو لم تُغيِّبه أطراف عربية، لماذا غُيِّب هذا الحق الذي لم يتم فقط بإرادة الملك عبد الله، وإنما أيضاً بإرادة الإنجليز والصهيونية؟ لأنه لولا تغييب هذا الحق لأصبح للشعب العربي الفلسطيني قيادة شرعية ترعى مصالحه ولما أبعد وتشرد، واستغلت قضيته أبشع استغلال. تغييب هذا الحق هذه الفترة الطويلة خدم استراتيجية الصهيونية والمستعمرين خدمة كبرى، بأن جعل الصراع عربياً صهيونياً وليس فلسطينياً صهيونياً من أجل ماذا؟ من أجل أن تقوم "إسرائيل" بالدور المرسوم لها في استراتيجية الإمبريالية العالمية ألا وهو خدمة المخطط الذي استهدف القومية العربية ووحدة الوطن العربي.
وكون هذا الحق كان دوماً مبرراً وصحيحاً، استمرت أكثر الدول العربية بقيادة مصر تطالب بشرعية فلسطينية مستقلة عن أي دولة عربية، إلى أن أقر هذا الحق في مؤتمر قمة الرباط عام 1960 وقد مثل الأردن في هذا المؤتمر رئيس الوزراء في حينه المرحوم (هزاع المجالي)، ولا أعرف الأسباب والعوامل التي جعلت رئيس الوزراء الأردني يوافق على هذا الأمر الذي بتقديري قد كلفه حياته! والسيد هزاع المجالي والسيد وصفي التل كلاهما من جذور أردنية وكلاهما اغتيل اغتيالاً وبتقديري أن السبب الرئيس في هذا الاغتيال هو أن كلاً منهما كان يمثل تهديداً لشرعية الملك حسين في تمثيل الأردنيين، وبعد اعتراف الأردن بمنظمة التحرير الفلسطينية كممثل شرعي للشعب العربي الفلسطيني في قمة الرباط 1974، ً تكون الدول العربية جميعها قد اعترفت في هذا الحق.
إلا أن اعتراف الأردن في هذا الحق لم يأخذ شكلاً عملياً، ولم ينفذ واقعياً، وإعطاء الفلسطينيين حق تقرير مصيرهم على أرضهم مستندين في ذلك إلى قرارات الأمم المتحدة، ونقل السلطة في الضفة الغربية وقطاع غزة إلى منظمة التحرير الفلسطينية. وقد بقي الملك حسين يقول بعد حصول جريمة الانفصال في 28 أيلول 1961 بأن وحدة الضفتين هي الأبقى، لأنها تمثل إرادة شعبيها الحرة ، حتى استولى عليها اليهود دون قتال.
لقد أردت الوقوف في هاتين المحطتين البارزتين من أجل التذكير بحقائق مهمة وأساسية في مسار القضية الفلسطينية وحق الشعب العربي الفلسطيني الثابت في أرضه المحتلة، وسياسياً وقانونياً في أعلى هيئة دولية.
قبل أن أبدأ بالكتابة عن مرحلة النضال الفلسطيني المعاصر أي (المقاومة الفلسطينية)، لابد من التعريج على بعض الحقائق والأمور. فبعد اعتراف الأردن في مؤتمر الرباط (بمنظمة التحرير الفلسطينية) كممثل شرعي للشعب العربي الفلسطيني تكون كل الدول العربية قد أقرّت بهذا الحق ولم يبق إلا أن يطبق واقعياً، وأهم دولة يتعين أن تطبقه هي الأردن بحكم التماس الجغرافي والسياسي لواقع الحال في فلسطين المحتلة، ولكنه حصل العكس، فلم يعق تطبيقه في حينه إلا النظام في الأردن مناورة ومداورة (لأسباب بين الزمان أهدافها)، وهو في حينه لا يحتاج إلا للأداة التي تفرض على الملك حسين ذلك، وطبيعي أن تكون هذه الأداة فلسطينية ومن هنا يطرح السؤال نفسه؟ وهو لماذا لم ينطلق النضال الفلسطيني، وأقصد بذلك حركة التحرير الوطني الفلسطيني (فتح) بطرح شعار فك ارتباط فلسطين بالأردن؟ والنضال من أجل تحقيق هذا الشعار سياسياً ومن ثم إذا لم تتحقق أهداف الشعار بالوسائل السياسية، تتحقق حينها بالكفاح المسلح، وهذا النضال مدعوم بقرارات الأمم المتحدة، وبقرارات الجامعة العربية، والداعي إلى قيام شرعية فلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة. وعلى العكس من ذلك لم يكن هناك عائق أمام فك ارتباط مصر بقطاع غزة، خاصة وقد تبين بعد اثنين وعشرين عاماً من انطلاقة (فتح)، وشعارات تحرير فلسطين أن حركة التحرير الوطني الفلسطيني (فتح) لا تستهدف أكثر من ذلك، بل هي مستعدة إلى أقل من ذلك بكثير بعد أن بين اتفاق (أوسلو) بعض الغاطس من جبل الجليد، وهذا الكيان ستكون عاصمته (القدس الشريف) على رأي السيد ياسر عرفات عاصمته بشكل طبيعي كاملة غير منقوصة، ناقصة فقط المستوطنات الجديدة والمستوطنين الجدد وهي عملية أسهل منالاً وأقل تضحيات بالقياس إلى حلول أخرى وهي مشروعة عربياً ودوليا.ً

بالطبع هناك من سيقول إن "إسرائيل" لن تسمح بذلك، وستحتل الضفة الغربية كمال قال بذلك (قادة تنظيم الضباط الأحرار) عام 1957 مع الفارق طبعاً (بالمضمون الشرعي لكلتا الحركتين) واختلاف الزمن بينهما وأقول رداً على ذلك: إن حق الفلسطينيين العرب في إقامة سلطتهم الوطنية على أرضهم هو حق شرعي معترف به عربياً ودولياً، ولا يستطيع الملك حسين إلا أن يعيد هذا الحق المغتصب، وإلا سيجد نفسه في موقف لا يستطيع الصمود فيه طويلاً. وإذا ما احتلت "إسرائيل" الضفة الغربية من أجل منع العرب الفلسطينيين من إقامة سلطتهم الوطنية، فحينها سيتحول كفاح الفلسطينيين العرب بالسلاح ضد "إسرائيل" وستكون مبررات الكفاح أكثر مشروعية وأكثر إقناعاً. وبالتأكيد فأن الواقع "الإسرائيلي" بين عام 1960 - 1965 كان أضعف منه في عام 1967 وسيكون العرب والأمم المتحدة لجانب الشرعية الفلسطينية، ويستحيل على "إسرائيل" أن تجد المشروعية للهجوم على من جاورها من الدول العربية وتحقق نصراً سهلاً باحتلالها كل فلسطين وسيناء والجولان كما حصل. الأمر الذي يدل دلالة واضحة أنه (سيناريو) معد سلفاً، كان هدفه الرئيسي هزيمة العرب والوصول إلى التسوية بين العرب كل العرب و"إسرائيل" وإبقاء الواقع العربي مجزأً وتعميق تبعية كل جزء من هذه الأجزاء، للهيمنة الغربية وخاصة الأميركية منها.
إن الاستعمار الغربي يصر إصراراً ثابتاً، على إبقاء سيطرته على هذا الجزء من العالم أي (الوطن العربي) بشقيه الأفريقي والأسيوي، والسبب في إبقاء سيطرته هو خوفه من وحدة هذا الوطن وقد خبرها تاريخياً وخلق كل العوائق التي تمنع ذلك، وأهمها العائق "الإسرائيلي".
إن هذا الوطن يتمتع بميزتين استراتيجيتين لا تتوفران لأي موقع آخر في العالم، وهما الموقع الجغرافي والنفط المادة التي لا بد لأية قوة عالمية تسعى للحفاظ على هذا الموقع من السيطرة عليه أو محاولة السيطرة عليه، ولهذا أعدت الخطط مسبقاً لإدامة هذه السيطرة وإضعاف وتدمير أي واقع مناهض قد يشكل خطراً على هذه الأهداف، وإصرارها على تدمير عبد الناصر دوراً وتجربة أوضح من أن يذكّر به، (ونحن الآن نعايش هذه الحقيقة معايشة معاناة من خلال صراع العراق مع الولايات المتحدة وبريطانيا ومن يمثلهما في الواقع العربي، بذوده عن استقلاله الوطني وحرية قراره السياسي) والسبب في إصرار الولايات المتحدة ومن تمثله، على تدمير عبد الناصر هو أن مصر تحت قيادته كانت مستقلة وطنياً، وعزّزته ببناء داخلي اقتصادي طموح، ويمنح الفقراء فرص العلم والعمل، وبالرغم من أن عبد الناصر في المرحلة الأخيرة من عهده (أي ما بعد الانفصال وفشل محاولات إعادة الوحدة) لم يعد كثير الاهتمام بالتوحيد، لكنه كان شديد الاهتمام والإيمان بالتضامن العربي ويكفي أن تكون مصر مستقلة، وتسير نحو التقدم صناعة وعلماً واقتصاداً، وأن يكون عبد الناصر قائداً لها ليمنع بالتالي نفوذ الإمبريالية الأميركية من أهم موقع استراتيجي في أفريقيا وغرب آسيا وبالتالي كان سيساهم في منع فرض التسوية المهينة في فلسطين، حسب الرؤية الأمريكية - الصهيونية وبوجود عبد الناصر تظل القومية العربية هي أيدلوجية الإنسان العربي عموماً وتظل الوحدة العربية أملاً وإن كان مكانها في الأفق ، و للتذكير أقول للذين يقولون أن (جونسون) من أجل إعادة انتخابه، وبتأثير (ماتيلدا) أعطى "إسرائيل" كل إمكانات النصر السهلة على العرب المحيطين بها، يضعون عوامل ذاتية بديلاً عن العوامل الموضوعية التي تخدم أهداف أمريكا الاستراتيجية، وقد أثبت عبد الناصر للأميركيين وقبلهم للبريطانيين والفرنسيين أنه بدون السيطرة على مصر تبقى إمكانية السيطرة على النفط المنطقة محفوفة بالمخاطر.
ومن هذه الحقيقة استمر مخطط الغرب ضد عبد الناصر، وكان هذا المخطط ذو شقين الهدف الرئيسي له هو تدمير عبد الناصر وما بناه في مصر، وكذلك تدمير (أيديولوجية ) القومية العربية وبالتالي إمكانية تحقيق الوحدة العربية ليس بقهره وقهرها فقط، ولكن بخلق بديل فكري لها. وأهم هذه الأفكار، هي الفكرة الإسلامية (بعد أن فشلت فيها كل الأيدلوجيات البديلة كالفرعونية والقومية السورية وغيرها).
ومن هذه الحاجة الملحة انطلقت فكرة المؤتمر الإسلامي الذي خلقوا أهم مبررات وجوده بحريق المسجد الأقصى كفكر. إن لم يكن بديلاً للقومية العربية يكون على الأقل، مواز لها وكمؤسسة إن لم تكن بديلاً للجامعة العربية على الأقل ستكون موازية لها، وتقود هذا المؤتمر المملكة العربية السعودية ودول الخليج العربي وهذه عملية شيطانية. فالإسلام عميق الجذور في نفس الإنسان المسلم، والوطني غير المسلم (علمانياً كان أو مؤمناً). والذين يعتنقون الإسلام بصدق وإيمان. هم عامة الناس، وهم الأكثرية الساحقة من الشعب العربي (حقيقة أريد بها باطل) فإذا كان العرب الذين أكثريتهم مسلمون، وسبق لهم في التاريخ أن كانوا دولة واحدة وهم في غالبيتهم العظمى من عرق واحد، لهم لغة واحدة، وتاريخ حضاري وتراثي واحد، لا يستطيعون أن يوحدوا فلسطين مع شرقي الأردن، ولا العراق مع الكويت، وهي جزء منه وأرضها جزء من أرضه اقتطعت منه من أجل إضعافه، لأنها بئر بترول لا بد من استغلاله فكيف يمكن أن يوجد العالم الإسلامي؟
إذا أردت أن توحّد المسلمين، فعليك بتوحيد العرب، هكذا فعل المسلمون (أصحاب الرسالة) أما المؤتمر الإسلامي الذي تقوده المملكة العربية السعودية التي تتخذ من الدين الإسلامي عقيدة لنهجها السياسي، فهو وحد فقط من أجل تشتيت الرؤيا؛ رؤيا العربي المسلم، عن مصلحته الحقيقية في وحدة أمته تدفعه إلى المستحيل (لتفادي الممكن)، وقد وجد المؤتمر الإسلامي أولاً وأخيراً، من أجل ضرب فكرة الوحدة العربية وفكرة القومية العربية الساعية إلى توحيد العرب، هذا التوحيد الذي بدونه لن يحققوا النهوض والتقدم، وقد شكّل هذا المؤتمر نقطة الارتكاز في المؤامرة التي استهدفت قضية العرب الأولى (فلسطين) وكانت المراكز التي أنشأها هذا المؤتمر بأموال النفط تحت ستار الدعوة للإسلام في أوروبا وأمريكا أي في عالم الغرب، الذي لا يؤمن بدين والمعادي مبدئياً للإسلام، كانت في حقيقتها مراكز عمل معاونة لمخططات أمريكا والغرب تحت ستار مقاومة الشيوعية ومن يتعاون مع الاتحاد السوفيتي من العرب خاصة وكان عبد الناصر أهم أهدافها.

الأردن بين عامي 1957 - 1967 :

عشر سنين هو عمر الزمن الذي قاد إلى الهزيمة من واقع الأردن هذا، والذي بدأ بانقلاب الملك حسين على الديمقراطية، وهي أول تجربة ديمقراطية في تاريخ الأردن السياسي، ليحكم بعد ذلك حكماً مطلقاً أداته المخابرات والشرطة والقمع والإرهاب في ظل أحكام عرفية، لا يحدُّها قانون ولا عرف، قمع وإرهاب وأسلاك شائكة حول الذهن، هدفها إيصال الناس إلى سلوك القطيع، فالصادق مشبوه، والذي لا يسرق مشبوه، والذي لا يسبح بمجد السلطان مشبوه، وإذا تحدثت بعقل فأنت مشبوه، وعليك إذا أردت أن نتأكد من الثقة بك أن تصبح (ماسونياً)، إلى أن أفرغ عقل الإنسان ووجدانه في الشعب وأجهزة الدولة، وأهمها القوات المسلحة من أي تساؤل من مثل ماذا بعد إلى أين نسير؟ وما هو المصير؟ وصار هم الأكثرية لقمة العيش أما الأقلية الحاكمة فهمومهم معروفة طبعاً خلال هذا الزمن.
كان هناك دوماً مؤسسات برلمان، ومجلس وزراء، قضاء، صحافة ولكنها مظهرية وشكلية. فالسلطة كانت بيد أجهزة الأمن، حتى أن من يريد أن يرشح نفسه لمجلس النواب، عليه أن يأتي بوثيقة حسن سلوك من مديرية الأمن العام. هذه هي الديمقراطية التي تقود إلى الهزيمة دون قتال من يمثل الشعب عليه أن يكون مخبراً في أجهزة أمن السلطان (وأنا هنا لا بد أن أشير أن هذا الواقع لا يحدث في الأردن فقط، بل كان يشمل كل ساحة الوطن العربي في حينه، وإن تفاوتت مستوياته وطبيعة تجاوزاته، وأهدافه أيضاً)، ففي مصر وحدها في ذلك الحين كان إسلوب الحكم يبرر بفهم خاطئ لمعنى التقدم ومقاومة الاستعمار، وهنا لا بد من القول أن النظام في الأردن لم يفاجأ بالهزيمة بل هو على علم مسبق بها وقد عمل من أجل تحقيقها، مثله في ذلك مثل كل شريك في هذه المؤامرة مثل رئيس الولايات المتحدة، والمملكة العربية السعودية، والأكثرية الساحقة ذوي العلاقات من الحكام العرب، ورُبَّ قائل سيقول : وما هي مصلحة الملك حسين في أن يفقد نصف مملكته؟ وهو تساؤل مشروع، وبعض جوابي هو الرد على التساؤل، بتساؤل وهو ما مصلحة سوريه في أن تفقد (هضبة الجولان)، المتوجه بجبل الشيخ والذي تروي مياهه دمشق وحوران، وهي الأرض الحصينة والمحصنة، والتي لا يمكن تجاوزها إلا بخسائر لا يمكن لجيش الدفاع "الإسرائيلي" تحمّلها وهنا تكمن المعضلة أنها المؤامرة، وكل شريك فيها له دور يقابله ثمن فما هو هذا الثمن؟ إن الثمن العام هو التسوية، حسب الوعود للأطراف المشاركة والتسوية بالنسبة لهذه الأطراف العربية المشاركة في المؤامرة والتي لا تؤمن بالوحدة العربية، وتعمل بالضد من مبرراتها، هو الاستقرار السياسي حسب فهمهم والانتهاء من الاضطراب السياسي والمادي الذي سببته القضية الفلسطينية، أما الثمن الخاص فهو في جيب المشاركين فبعضهم استلم الحكم مسبقاً، ومنذ فترة طويلة وبقاؤهم في الحكم يستوجب استمرارهم في تنفيذ المخطط، ومنهم من وصل إلى الحكم ثمناً لهذه المساهمة وقد بان الجزء الأهم من هذه الوعود، خلال هذا المسار الطويل ثم ماذا يستطيع الملك حسين أن يفعل؟ (ووضعه هو محصلة مساره السياسي ومبررات وجود كيانه)! حتى وأن تجاوزنا الواقع، وقلنا أن نواياه كانت حسنة، أمام هذا الحشد من المتآمرين، كل الحكام العرب الفاعلين في المشرق والمغرب العربي، وأمريكا وأوروبا وهم من هم بالنسبة إليه، سوى أن يقبل بوعد مضمونه أن مملكته ستبقى سالمة، والملك حسين يعرف المبررات الاستراتيجية للكيان الأردني، وهو يعمل جاهداً لتفادي هذه الحقيقة وهنالك عامل طرأ على المرحلة ، لا يستطيع إلا أن يفكر طويلاً في كيفية التعامل معه، ألا وهو دخول العامل الفلسطيني الذي هو جوهر المشكلة، كطرف أساسي في هذه العملية السياسية، ممثلاً بحركة (فتح) وكان لهذا العامل تأثير بالغ على خيارات الملك حسين السياسية فتأثير الفلسطينيين على الواقع السياسي كبير في الأردن، وانطلاقة (فتح) في عام 1965 هي الحجر الذي رمي في مياه تبدو راكدة والتيارات التي سببها هذا الحجر، هي التي قادت إلى الحرب وطبعاً هذا الحجر، لم يرم مصادفة والإثبات على ذلك هو النتائج التي أفرزتها هذه الانطلاقة بين عامي 1965- 1967 هذا بعض الجواب على تساؤل مشروع من إنسان عادي لا يستطيع رؤية الغاطس من الحقيقة، أما أن الأردن وكل من يحكمه في واقعه حين ذاك، لا يستطيع إلا أن يكون أول السائرين باتجاه حل القضية الفلسطينية، وبالطريقة التي يراها حلف الأطلسي ودول النفط فهذا أمر لا يختلف فيه اثنان حتى من أهل النظام.
الحرب :

لقد كتب عن حرب حزيران وهزيمة الأنظمة العربية الكثير، ومن هذا الكثير، تسميتها التي أطلقها "الإسرائيليون" (حرب الأيام الستة) و"الإسرائيليون" لا يستطيعون إلا أن يقولوا بذلك ليشكلوا منها حرباً والحقيقة أنها (حرب الساعات الستة) تقل قليلاً أو تكثر قليلاً لا يهم، ففي الفترة الزمنية التي استطاع فيها الطيران "الإسرائيلي" تدمير سلاح الجو المصري على الأرض، وتدمير
مطاراته اعتبرت الحرب منتهية، والأيام المتبقية التي يعتبرها الصهاينة أيام حرب، لم تكن في حقيقتها إلا المدة الواقعة بين تسلم القطاعات "الإسرائيلية" الأوامر بالتوجه إلى أهدافها لسيناء والضفة الغربية والجولان وتحقيق هذه الأهداف سيراً بآلياتها.
لقد كُتب الكثير وأذيع وأشيع الكثير، وهدف هذه الكتابات والإذاعات والإشاعات الهوجاء، هو الإنسان العربي ذاتاً وقضية، وإقناعه أن لا جدوى من المقاومة، وما عليه إلا الاستسلام وهذا جزء أساسي من المؤامرة حتى تصل إلى أهدافها، لكن الحقيقة أن أمة صمدت قرابة السبعة قرون إمام محاولات التغييب التاريخي و الحضاري المتعمّد، لا يمكن أن تهزمها مؤامرة تقوم على تنفيذها قوى عالمية عاتية ولا أثبت من هذه الحقيقة، أنه منذ أكثر من ثلاثين عاماً على حبك هذه المؤامرة والاستمرار في تنفيذ مراحل البرنامج الموضوع وما تعرض له الواقع العربي الحي من التدمير من الأعداء في ذاته، ومن هم خارج ذاته، في مصر في الأردن في سورية ولبنان والأهم في المقاومة الفلسطينية لا يزالون يزحفون ببطء شديد نحو هذا الهدف، هدف التسوية وتطويع الواقع العربي لقبوله.
(لقد كانت هزيمة حزيران مبتكرة وشاملة، ومع ذلك فهي تمثل واقع الأقطار التي انهزمت على الصعد السياسية والاقتصادية والاجتماعية، هذا الواقع الذي عمل على إقصاء الإنسان العربي عن التعبير بحرية وانعتاق ، وحيل بينه وبين المشاركة الفعلية في الحياة السياسية الداخلية، مما همّش دوره في معارك الوطن، ولذلك فقد كان رد فعله، رد إنسان فقد الإحساس بالمصائب.
في هزيمة عام 1948 دفع المسؤولون عنها الثمن؛ منهم من فقد موقعه، ومنهم من فقد رأسه فقد اغتيل الملك عبد الله وفقد شكري القوتلي موقعه كرئيس للجمهورية، بل وفقدت سورية معه في تلك المرحلة (النهج البرلماني) وكذلك فقد الملك فاروق عرشه قد يقول أحد المطلعين، ولكن هؤلاء فقدوا مواقعهم لأن القوى الدولية صاحبة المخطط (أي الغرب) ضمن رؤاهم المستقبلية عملوا على التخلص منهم، وأقول صحيح وأضيف إلى ذلك أن الملك عبد الله اغتيل بسبب شعوره بواقعه الصعب، فحاول الخروج من هذا الواقع فأرسل إلى رياض الصلح رئيس وزراء لبنان الأسبق، يطلب منه زيارة الأردن وطلب منه حمل رسالة إلى القادة في العراق مضمونها توحيد الأردن والعراق تحت قيادته وتكون ولاية العهد بعده للملك فيصل الثاني، فاغتيل رياض الصلح وهو في طريقه ليغادر من مطار عمان العسكري في ذلك الحين وقد قام باغتياله رقيب في المخابرات العسكرية الأردنية، وبعد أسبوع من اغتيال رياض الصلح اغتيل الملك عبد الله في المسجد الأقصى، أما شكري القوتلي والنظام في سورية في حينه، فقد ذهبا بسبب رفض سورية الدخول في مفاوضات (الهدنة في ردوس) ومطالب سورية حول مطالب أنبوب نفط (التاب لاين) كانت مرتفعة، فجاءوا بحسني الزعيم وقام بالمهمتين أما الملك فاروق فكان ملكاً فاسداً ونظامه على شاكلته فكان من المستحيل استمراره، والعامل الذي سرع في ذهابه هو الصراع الذي دار في حينه بين الاستعمارين القديم والجديد على مناطق النفوذ والمعلن أن هؤلاء الحكام عاقبهم الشعب العربي لمسؤولياتهم عن كارثة فلسطين.
أما هزيمة حزيران المنكرة، فلم يكن لها ردود فعل شعبية في الأقطار المهزومة إلا في مصر فالإنسان العربي في مصر لم يجد أوثق من عبد الناصر، من تحمّل المسؤولية، مسؤولية القيادة في ظرف الهزيمة الصعبة، نعم لقد قبل شعب مصر مسؤوليته عن الهزيمة، ولكنه رفض تخليه عن المسؤولية في هذا الظرف الصعب، وكان رد فعل شعب مصر صادقاً ومعبراً تعبيراً واعياً عن نفسه، فالإنسان العادي في مصر يثق بعبد الناصر، بوطنيته وأمانته وأنه قائد بارز في العالم الثالث، والوطن العربي مستهدف من قوى الشر في الغرب والصهيونية العالمية، وقد أثبت المسار السياسي لمصر بعد عبد الناصر، سلامة وصحة شعور هذا الشعب وكانت عودة عبد الناصر عن قرار التخلي عن المسؤولية من الأسباب الرئيسية التي أوقفت تسارع المؤامرة وعدم وصولها إلى أهدافها حتى الآن.







 
رد مع اقتباس
قديم 13-04-2010, 11:53 AM   رقم المشاركة : 28
معلومات العضو
افتهان الزبيري
أقلامي
 
الصورة الرمزية افتهان الزبيري
 

 

 
إحصائية العضو







افتهان الزبيري غير متصل


افتراضي رد: المناضل / ضافي موسى الجمعاني

الجبهة الأردنية :

في أواخر عهد القيادة البريطانية للجيش الأردني، وضعت هذه القيادة خطة دفاعية في مواجهة أي هجوم "إسرائيلي" يستهدف الضفة الغربية وقطعان الجيش الموجودة هناك، وكان الجيش الأردني في حينه يتكون من فرقة مقاتلة وأسلحتها المساندة. وكانت الخطة تقتضي أن تنسحب الوحدات الموجودة في فلسطين حال وقوع هذا الهجوم، إلى مواقع معدة مسبقاً على السلسلة الشرقية لغور الأردن وقد قال بعض الضباط العرب وأنا منهم في حينه، أن الإنجليز ينوون تسليم الضفة الغربية إلى اليهود، ولكن الخطة ضمن موازين القوى العسكرية التقليدية بين الأردن و"إسرائيل" سليمة، وإن كان الانسحاب كاملاً فيه عوامل سياسية، فهناك مناطق في لواء نابلس يقترب فيها الجبل من النهر يمكن الدفاع عنها وإمدادها بسهولة وأذكر أن الخطة أعيد فتح ملفاتها في حرب السويس عام 1956 واستطلع بعض قادة الألوية وأركانهم المواقع المفترض أن تنسحب إليها قطعا تهم في حالة هجوم "إسرائيلي"، ومنهم العميد راضي الهنداوي قائد اللواء الثاني والرائد عبد الرحمن العرموطي رئيس أركان اللواء وأنا عن كتيبة مدفعية الميدان الثانية، التي كانت بإسناد اللواء وكانت المواقع المستطلعة والمفترض الانتقال إليها تقع في منطقة (الكورة) كورة ابن رباع (ودير أبي سعيد) المطلة على الغور الشمالي.
أنني أسال لماذا لم تُطبّق قيادة الجيش الأردني هذه الخطة؟ بعد أن تبين في اليوم الأول من الحرب أن مصر قد خرجت من المعركة، وحينما تخرج مصر من هذه المعركة فمن هو الذي سيقاتل؟ لقد تُرك الجيش الأردني يهرب كيفياً واستولى اليهود على أسلحته ومنها لواء مدرع في منطقة الخليل، وصله "الإسرائيليون" والشبك مرمي على دباباته، بعد أن تركه ضبّاطه وجنوده... وطبعاً قائدهم وفروا هاربين كل منهم يحمل رأسه فقط (ولم يقاتل من الجيش سوى كتيبة دبابات كانت تأخذ مواقع لها شمال غرب نابلس قائدها من نجد يدعى صالح الشويعر استشهد هو وأركان حربه سليمان العطية من بني حميدة خلده أهل نابلس بأن عملوا له نصباً تذكارياً) هل خاف النظام في الأردن أن يقال، أن الجيش الأردني قد سلّم الضفة الغربية وانسحب؟ إن هذا الأمر سينتفي نهائياً من أذهان الناس عندما ينتهي الجيش من انسحاب منظم، ليبدأ مجدداً بقتال منظّم ولكن هذا التصور لم يكن وارداً مطلقاً في ذهن المسؤولين الأردنيين.
إن جيشاً يقوده عامر خماش الذي لا يعرف أحدٌ بكم جهة معادية هو مرتبط؟ مثل هذا الجيش، لا يمكن إلا أن يحقق طموح الأعداء. إن الأمر الذي يضعك في حيرة شديدة هو ما هي الأسباب التي تجعل الرئيس عبد الناصر يقبل دخول الأردن معه باتفاقية (دفاع مشترك)؟ ويحمّل مصر تبعات النتائج التي ترتبت على ذلك. ولا أعرف أيضاً لماذا يحمّل الرئيس عبد الناصر أحد عسكري مصر الكبار مسؤولية قيادات قوات جبهة، قبل الحرب بفترة قصيرة؟ وهذا القائد، لا يعرف الحدود الدنيا عن واقع هذه القوات ولا مواقعها. إن لدى الرئيس عبد الناصر تجربة طويلة
ومعرفة وإطلاعاً على طبيعة الارتباط الاستراتيجي للنظام في الأردن، ومع ذلك فقد استمر على وصل العلاقات، كلما انقطعت لقد كان الرئيس عبد الناصر هدفاً لتضليل دقيق من أقرب معاونيه وهذا أمر طبيعي، طالما أنه ونهجه الوطني هما الهدف، فمن الطبيعي أن تتأسس المؤامرة على تضليله، لقد كان الأردن هو البلد الوحيد بين كل من يحيط "بإسرائيل" القادر على تجنيب مصر المفاجأة ولا أقول الهزيمة لأن الهزيمة، لم تكن ناتجة عن عامل أو عاملين، بل هي محصلة الواقع، فحين أصبحت الأزمة في ذروتها بين الغرب ممثلاً "بإسرائيل" وبين مصر حين أمر الرئيس عبد الناصر قوات الطوارئ الدولية بالرحيل، طار الملك حسين إلى القاهرة ووقّع مع مصر اتفاقية (دفاع مشترك).
وبين رأس الناقورة مروراً بجبل الشيخ حتى العقبة، لا يتواجد إلا موقع واحد يستطيع المراقب منه رؤية كل "إسرائيل" إلا وهو (رادار عجلون)، هذه الرادار يستطيع أن يرى أول طائرة "إسرائيلية" تقلع من على مدرج من مدرجات المطارات "الإسرائيلية" مقلعة صوب مصر، وكان يستطيع أن يوصل إنذاره إلى أقرب المطارات المصرية إلى فلسطين بوقت يسمح لها بالاستعداد لملاقاة المغيرين إن بالطيران أو بمقاومة الطيران، ومع ذلك لم يأت هذا الإنذار إلا بعد أن حقق الطيران "الإسرائيلي" أهدافه في مصر لماذا؟ لأنها المؤامرة وهذا الرادار بني أصلاً من أجل أن يكون أحد عواملها لقد عميت "إسرائيل" عن هذا الرادار ولم تره من أجل ذلك، ولعله كان السبب الرئيس الذي دفع الرئيس عبد الناصر أن يقبل مبادرة الملك حسين بتوقيع اتفاقية (الدفاع المشترك)، وذلك لإبلاغ مصر مبكراً عن أي توجه للطيران "الإسرائيلي" صوبها، وكانت "إسرائيل" واثقة ثقة مطلقة أن هذا الرادار لن يرى شيئاً، وإلا كان يستحيل عليها القيام بهجومها الجوي ذاك. ولو لم يكن هدفه كما ذكرت لما سمحت ببنائه إطلاقاً، لأنه بعد إن أدى مهمته المذكورة، دمرته كما دمّرت راداراً آخر في منطقة المزار في محافظة الكرك أثناء حرب الاستنزاف بين مصر و"إسرائيل" وأنا هنا أتساءل لو أن بناء الرادارات مسموح به فيما يحيط "بإسرائيل" وبالجبال العالية التي تشرف على الأسطول السادس في البحر المتوسط أما كانت الجمهورية العربية المتحدة تبني راداراً على جبل الشيخ؟ الم يتواجد في الجمهورية العربية المتحدة حينها عسكرياً واحد يفطن إلى هذه الفكرة؟
في اليوم الأول، حينما بدأت الحرب فجر الاثنين الخامس من حزيران، بادر محمود المعايطة وأنا فور سماعنا النبأ، بالذهاب للقيادة العامة للجيش لنعرض عليهم وضع أنفسنا تحت تصرفهم، وبالفعل وصلنا القيادة العامة للجيش حوالي الساعة التاسعة صباحاً، وكانت الحرب قد أعلنها كل مذياع في العالم لم نلحظ أية دلالة على أن القيادة العامة للجيش الأردني لديها علم بأن الحرب قد وقعت، فكل في مكانه، لا تغيير إطلاقاً ولم يكن هناك أي مظهر خارج المظهر الطبيعي ليوم عادي، أجابوا على عرضنا هاتفياً بالشكر وأنهم إذا دعت الحاجة سيتصلوا بنا.
بعد هذه المهاتفة مباشرة، بدأت سيارات القيادة العامة المتجمعة بالانتشار وكأن أحدهم قد فطن طالما وأن الناس قد سمعوا باندلاع الحرب وأن بعض الناس قد جاء متطوعاً، فيجب أن تظهر القيادة العامة للجيش أنها على علم مسبق أن الحرب قد اندلعت.
في اليوم الثالث لاندلاع الحرب توجّهت إلى اربد صباحاً لألتقي الرفيق هاجم الهنداوي (رحمه الله) مسؤول الحزب في الشمال، وقبل وصولي إلى جرش أوقفت سيارتي، ودخلت مقهى على الطريق العام وكانت الساعة حوالي العاشرة صباحاً ولم يكن في المقهى إلا صاحبه وجندي يجلس لوحده، جلست وطلبت فنجان قهوة وبدأت أشربه حين سمعت الجندي يتحدث لصاحب المقهى ويقول له : إن الجيش قد انسحب من الضفة هذا القول دفعني دون وعي مني باتجاه الجندي قائلاً له بصوت مرتفع: يا جبان لمجرد أنك هربت من المعركة تقول أن الجيش انسحب من الضفة الغربية فوقف الجندي مذعوراً (مقتنعاً أنني شخصية رسمية) وقال والله يا سيدي إن الأوامر قد أعطيت بالانسحاب إلى الجانب الشرقي من النهر (وكل جندي على رأسه) وكان الصدق بادياً على وجهه، وكان يجب علي أن اصدق ما قاله الجندي جيش مرتزق، يقوده عامر خماش لم يبق به من يحارب بل ولم يبق به نفس وطني.
في عام 1948 حينما كان هذا الجيش يتكون من أربعة كتائب وبعض السرايا المستقلة وكتيبة مدرعات خفيفة وبطاريتي مدفعية ميدان، وكانت عناصره من عشائر الأردن وخارج الأردن حويطات - صخور - بني حسن - شمر حرب - أمطير - كركية - طفايلة - شوابكة - وغيرهم كان فيهم شجاعة، شهامة، نخوة، صفات كريمة، أقلها (أن الهرب أمام اليهود عيب)، وكان الجيش العربي على إمكانياته المتواضعة لولا السياسة البريطانية ودورها في مسار الحرب، قادراً على منع الكارثة. نعم، لقد كان قادراً على فرض الاستسلام على اليهود في القدس وحماية اللد والرملة وهذا يكفي لمنع الكارثة... انظروا إلى جيش بناه (كلوب) من عشائر العرب في كل أقطار المشرق العربي وقاده ضباط صغار من هذه الأصول. وجيش بناه الملك حسين وقاده عامر خماش.
وصلت إلى أربد، والتقيت الرفيق هاجم الهنداوي ، والرفاق أعضاء قيادة فرع الشمال للحزب الذين قالوا لي : أن أعداداً كبيرة من الجنود السوريين قد قطعوا نهر اليرموك إلى الأردن، وأن بعضاً منهم وصل إلى أربد، فاستهجنت الأمر... فالحرب لم تبدأ بعد على الجبهة السورية. وأثناء عودتي من أربد فتحت راديو سيارتي، فسمعت الملك حسين يخطب ناخياً وداعياً جنوده إلى القتال بكل الوسائل التي يملكونها ، بأسنانهم بأظافرهم ، فقلت في نفسي من تريد أن تخدع ؟ إن الجنود الذين تنخاهم ،قد استلموا أوامر الهروب، وهم يقطعون الشريعة ركضاً إلى الشرق، وكثيراً منهم يلبس لباس فلاحي فلسطين.
وفي اليوم التالي وأنا أتصفّح إحدى الجرائد الصفراء، قرأت خبراً وفوقه صورة الخبر يقول: (إن إحدى الدبابات الأردنية التي تحمل اسم الحسين حملها الجنود حملاً عبر نهر الأردن إلى الضفة الشرقية خوفاً على اسم الحسين من السقوط بيد الأعداء)، والصورة للدبابة والجنود يحملونها... أسمعتم أو قرأتم بقذارة أخلاق وانحطاط قيم من هذا المستوى؟ وطن يسلم دون قتال، ويهرب حماته كما يهرب اللصوص، حين اكتشافهم تسلم فيه مقدساتنا كعرب ومسلمين بما فيها ثالث الحرمين وكنسية القيامة والمهد وقبر الحسين بن علي وجثته واسمه ويخرج علينا صحفي مبتذل (وقد يكون ماسونياً) وصحيفة صفراء يمثلان حالنا ويقوم بإطلاعنا على عمل بطولي يمنع سقوط اسم حفيد الحسين بيد الأعداء أنه من أجل الوصول بنا إلى هذا الواقع المنحط يسلط علينا الإمبرياليون والصهاينة صنائعهم.

الجبهة السورية :

في اليوم الثالث للحرب كما ذكرت، حينما وصلت أربد في شمال الأردن، والتقيت (الرفيق هاجم الهنداوي) الذي أبلغني حينها، أن مجاميع من الجنود السوريين قد قطعت نهر اليرموك إلى الأراضي الأردنية وبعضهم وصل إلى اربد لم أسأل عن أعدادهم أو أسلحتهم؟ كون الظاهرة بحد ذاتها ألجمتني، فلم يكن هناك قتال على الجبهة السورية بعد لم يكن إلا قصف مدفعي متبادل وقصف جوي للطيران "الإسرائيلي"، وحينما يكون لدى الإنسان قناعات مغايرة للحقيقة سلباً يصاب بالأسى والحزن ، وخاصة أنني لست من النوع الذي ينطبق عليه القول (عين الرضا)، ومعضلتي أنني إنسان لا يرتوي إلا حينما يشرب براحتيه. أي أنني لا اعتمد آراء الآخرين أرضية لقناعاتي وهذا طبعاً يأخذ زمناً وفي واقع مثل واقع الأمة العربية، قد يأخذ العمر كله، وهذا ما قد حصل. فخلال مسؤوليتي الحزبية بعد حركة الثالث والعشرين من شباط عام 1966 لم ألتق القادة الحزبيين في سوريه إلا مرة واحدة وكانت للتعارف، ولم أبحث مع أي رفيق مسؤول منهم أية مواضيع خارج مسؤوليتي الحزبية في حينه وكانت هذه الزيارة قبل الحرب بعدد من الأشهر، وبعد الحرب استدعيت إلى دمشق لأقدم تقييماً للواقع في الأردن أمام الاجتماع المشترك (أي القيادتين القومية والقطرية السورية) وكانت هذه هي المرة الأولى التي ألتقي بهذا الجمع من القياديين. وبعد أن قدمت تقريري وأجبت على بعض الأسئلة التي وجّهت لي حول الوضع السياسي في الأردن والقوى السياسية الموجودة فيه والقوى السياسية التي قد تتواجد بعد الهزيمة، خرجت من الاجتماع، فأنا لم أكن عضواً في حينه في أي من القيادتين.
في اجتماعاتي اللاحقة مع القياديين السوريين، لم أبحث معهم أسباب ما حدث على الجبهة السورية، ولكن في لقاء لي مع الدكتور نور الدين الأتاسي رئيس الدولة، والأمين العام للحزب في حينه، جرى حديث عام وقد يكون هادفاً من جانبه حول الحرب والأزمة السياسية التي قادت إليها. ومن جملة ما قاله الرئيس الأتاسي : إن الرئيس عبد الناصر قد ذهب بالأمور بعيداً وحينها شعرت من خلال الحديث، أن هناك محاولة سورية لتحميل الرئيس عبد الناصر إيصال الأمور إلى ما وصلت إليه في زيارتي هذه، التقيت ملام أول احتياط في الجيش السوري عديل للدكتور شكري فيصل أستاذ الأدب العربي في جامعة دمشق على غداء خارج دمشق، دعانا إليه الدكتور فيصل (أنا وأم موسى زوجتي)، والدكتور فيصل هو أحد أخوال أم موسى، قال الملازم الأول : لقد كنت ضابطاً أقود سرية في أحد ألوية المشاة في الجبهة، أننا لم نقاتل ولم نصطدم بالعدو وكل القتال الذي حدث بالجبهة كان تبادل نيران المدفعية وقصفاً جوياً متقطعاً للطيران "الإسرائيلي"، ومع ذلك فقد هرب كل منا على رأسه.
في سجن المزه العسكري، التقيت اللواء أحمد سويداني رئيس أركان الجيش في سورية في حرب حزيران، تحدث لي عن حرب حزيران حديثاً تبريرياً لا يمكن أن يصدق أو يقبل من قائد عسكري كان رئيساً لأركان الجيش في حرب حزيران ، قال : تسلمت قيادة الجبهة فور وقوع الحرب بإرادة وزير الدفاع الفريق حافظ الأسد، وحسب الخطة المعدة لهذه الحالة هذه أعطيت الأوامر والتعليمات إلى الوحدات العسكرية ذات الواجبات، أن تأخذ مواقعها، إلا أن الأوامر لم تُنفّذ ولم تقُم أي من الوحدات بواجباتها المحددة حسب الخطة، ولذلك لم نستطع أن نقوم بأية مبادرة هجومية. هذا هو زبدة الحديث الطويل الذي أسمعني إياه اللواء أحمد سويداني رئيس أركان الجيش العربي السوري قبل عام وثلاثة أشهر من وقوع الحرب هي مدة كافية لأي رئيس أركان متوسط القدرات أن يكون على إطلاع كاف على مستوى قدرات قواته القتالية والتنظيمية خاصة وأن هذه القوات لا تتعدى الفليق المقاتل، إلا أن الحقيقة المهمة والتي لم أكن أعرفها من قبل هي أن اللواء سويداني قد قاد الجبهة إضافة إلى مسئوليته كرئيس لأركان الجيش ، ما معنى ذلك؟ كيف يمكن لرئيس الأركان في جيش يخوض حرباً في مستوى حرب حزيران ، أن يكون قائداً للجبهة في ونفس الوقت ، إن هذا يعني بوضوح أمرين :
أ - أنه ليست هناك حرباً بالمعنى الحقيقي للحرب حسب رؤية القيادة العسكرية في سوريه.
ب- أن الأمر يتطلب وجود اللواء سويداني شخصياً قائداً للجبهة في ذلك الظرف، وعلى القارئ أن يعرف أن خسائر الجيش السوري في دفاعه عن هضبة الجولان الحصينة، كانت مائة وخمسة وعشرين شهيداً ، وأن الإعلان عن سقوط مدينة القنيطرة عاصمة المحافظة ، قد تم قبل وصول الجيش "الإسرائيلي" إليها بأربع وعشرين ساعة ، (أنها صفقة).

الفريق عبد المنعم رياض :
حسب ما أتذكر ، أن الفريق عبد المنعم رياض كان أحد قادة قوات مصر في اليمن، ثم قائداً لهذه القوات ، ومن بعد رئيساً للدائرة العسكرية في الجامعة العربية.
تعرّف الملك حسبن على الفريق رياض ، حينما كان رئيساً للدائرة العسكرية في الجامعة العربية في كتابات الأستاذ هيكل عن حرب حزيران، يذكر أن الملك حسين طلب من الرئيس عبد الناصر ،إرسال الفريق رياض إلى عمان لأنه يرغب في تحميله رسالة شخصية إلى الرئيس عبدالناصر ، ولما التقى الفريق رياض الملك حسين في عمان، حمّله الرسالة التي كان مضمونها أن القادة (السوريون يقومون بدور مشبوه) ولم يزد الملك حسين على هذا القول حرفاً، وعلى القارئ أن يعلم أن هذه الرسالة سلمت والأزمة في ذروتها، قبل انفجارها، وأن أي تصرف اتجاهها أصبح مستحيلاً ومع ذلك لم تصل الرسالة كما قال الأستاذ هيكل.
بعد توقيع الملك حسين على اتفاقية الدفاع المشترك مع مصر، طلب من الرئيس عبد الناصر تعيين الفريق عبد المنعم رياض قائداً للجبهة الشرقية، وأن يكون مركزه عمان وعلى القارئ أن يعي أن أي إنسان في موقع وواقع الملك حسين، لا يمكن أن يختار شخصية بعينها لتولي مسؤولية مهمة كمسؤولية الفريق رياض ودون أن يكون على بينه ومعرفة كافية، تدفعه إلى هذا الاختيار. لقد تسلم الفريق رياض قيادة الجبهة الشرقية في عمان قبيل الحرب بأيام، مدة لا تمكنه من الإطلاع السليم على المهام الأساسية التي يجب أن يهتم بها قائد يقود جبهة من جبل الشيخ حتى العقبة، قائد يقود قطاعات عسكرية، يجب أن تكون على أتم الاستعداد لخوض حرب قد تقع في أية لحظة.
إن ما سمعته من أشخاص مطلعين، أن الفريق رياض كان هدفاً للتضليل والتشويش وإيصال المعلومات المتناقضة والكاذبة إليه، والتي جعلته غير قادر على تحديد موقف استراتيجي لقواته التي يقودها (إن كان هناك قوات أصلاً تحت إمرته!). قد يكون الفريق رياض قد وجد نفسه في يبت (عنكبوت نسج مسبقاً لاصطياده) ولكن السؤال الذي يطرح نفسه؟ هل يمكن لقائد في مستوى الفريق رياض أن يكون بهذه الحدود من اللاوعي بمسوؤلياته؟ ولا بأبجديات معنى القيادة في المستوى الذي يتحمل مسؤوليته.
في صباح يوم الاثنين الخامس من حزيران، حينما توجهت أنا ومحمود للقيادة العامة كما ذكرت سابقاً ، ولم نلاحظ أي مظهر يدل على أن القيادة العامة للجيش في الأردن لها علم أن الحرب قد وقعت ، وطبعاً كان الفريق رياض موجوداً في هذه القيادة، هكذا يفترض وإلا أين يمكن أن يكون في مثل هذا الظرف؟ هذه واحدة ، أما الثانية فهي أن أموراً حدثت لا يمكن التسليم بها خاصة وهناك واقعة تثير الاهتمام والتساؤل ، ففي اليوم الثالث أو الرابع للحرب، طلب الفريق رياض من القيادة العسكرية السورية بصفته قائد (الجبهة الشرقية)، إرسال قوة عسكرية من الجيش السوري تكون قادرة على الدفاع عن محور (الغور عمان)، لأنه لم يبق في الجيش الأردني من يستطيع القيام بذلك الدفاع بوجه من؟ لا بد أن يكون ذلك من هجوم "إسرائيلي" محتمل على المرتفعات الشرقية لغور الأردن ولأن الواجب الذي أعطي إلى قائد اللواء الميكانيكي الذي وصل إلى الأردن حسب طلب قائد الجبهة الشرقية الفريق عبد المنعم رياض هو احتلال موقع دفاعي على سلسلة جبال جلعاد (السلط) المتحكمة بطريق (الغور عمان) والسؤال المحير هو: هل يعقل أن قائداً عسكرياً في مستوى الفريق رياض يمكن أن يخطئ حتى هذا المدى في تقدير الموقف الحربي لجيش الدفاع "الإسرائيلي"؟ إن سكان "إسرائيل" في عام 1967 لا يتجاوز تعدادهم ثلاثة ملايين، احتلوا سيناء حتى ضفاف قناة السويس وكذلك ما تبقى من فلسطين، وهم في طريقهم لاحتلال المرتفعات السورية. (وسوريه العامل الأساسي في تفجير الحرب)، ولا بد لقائد مسؤول عن الدفاع عن الجبهة الشرقية، أن يدرك أنه بعد احتلال سيناء والضفة الغربية فبالتأكيد أنهم في طريقهم إلى الجبهة السورية، وكان واجب الفريق رياض أن يجمع شتات كل ما يستطيعه لتعزيز جبهة المرتفعات السورية لا أن يُطلب من السوريين إرسال أعز قطعاتهم في الحالة المتوقعة التي ذكرت، للقيام بواجب موهوم يستحيل وقوعه ضمن ما حققته "إسرائيل" وإمكانياتها البشرية آنذاك، وبالتأكيد أن الفريق رياض يعرف المبررات (السوقية) لوجود الكيان في الأردن وأنه جار عزيز، لا يمكن التعرض عليه قبل انتفاء مبررات وجوده ،والتي لم تحن في ذلك الحين.
ولقد تبين فيما بعد، أن الهدف الأساسي من طلب هذه القوة التي كانت بقيادة ضابط كفء، والأهم أنه وطني وهو العقيد (صلاح نعيسة) كان ذا شقين :
1- إضعاف الواقع العسكري السوري على الجبهة، فسحب لواء ميكانيكي مؤلف من كتيبتي مشاة محمولة وكتيبة دبابات حديثة مع حمايته الجوية يشكل هو واللواء (70) المدرع، احتياط الجبهة القتالي يجعل إمكانية الهجوم المقابل ضعيفة.
2-لقد كان الشق الثاني من الهدف تآمرياً، فحين وصل اللواء إلى منطقة التجمع التقى بضباط أردنيين، يعطونه ويشرحون له الموقف قالوا لقائد اللواء، إن عليك ترك آلياتك ودباباتك هنا، والسير بجنودك كمشاة للدفاع عن هذه المواقع، لأن طبيعة الأرض وعرة، لا تسمح للآليات والدبابات بالسير عليها ، فرفض قائد اللواء ذلك وعاد بلوائه إلى حوران، ولما وصل كانت الهضبة السورية قد سقطت وفر جنودها وكان الهدف من إبقاء الآليات والدبابات بدون جنود هو الاستيلاء عليها، واستخدامها بعملية انقلابية ضد النظام في سوريه انظروا إلى دول البيادق، يحتل العدو أرضهم، ويشرد إنسانها وهي لا تلتفت إليه ولا تخافه إنما تلتفت بعضها إلى بعض، لأنها تخاف هذا البعض هذه هي القطرية وهذا هو مضمونها الحقيقي، الصغير يخاف الكبير، فلا بد له أن يضعفه حتى يسلم ولو التجأ إلى ألد الأعداء، والآن نتحوّل بالسؤال إلى القيادة السورية التي بادرت بإرسال أهم قطعاتها العسكرية في الظرف المنهار الذي أحاط بالواقع العسكري على كل الجبهات، وهي تعلم أن نوايا العدو مؤكدة بأنه سيهاجم الجبهة السورية بهدف احتلالها، هل جاءت مبادرتها بإرسال أفضل قطعة عسكرية لديها في الظروف التي ذكرت تحت بند إطاعة الأوامر؟ كلا على القارئ أن يخرج الحقيقة على ضوء معطيات هذا الواقع بعد أيام من وقف إطلاق النار سافرت أنا ومحمود إلى دمشق والتقينا هناك الأمين العام المساعد اللواء صلاح جديد، الذي أشار علينا أن نزور القيادة العامة للجيش السوري في موقعها الجديد في منطقة الضمير وأركبنا إحدى السيارات وأرسل معنا سائقاً يعرف موقعها فأوصلنا السائق إلى المكان، وكان الموقع مموها جيدا،ً قادنا أحد الضباط إلى داخل الموقع، موقع مسلح تحت الأرض دخلنا إلى غرفة بها اللواء في حينه حافظ الأسد وزير الدفاع واللواء أحمد سويداني رئيس الأركان، وكان يجلس كل منهم على طاولة عليها جهاز اتصال وجاء استقبالهما لنا غير بشوش، ولم نمكث عندهم أكثر من خمسة دقائق، سألنا حينها اللواء سويداني عن مواقع الجيش الأردني الجديدة فتقدمت أنا إلى الخارطة المعلقة على الحائط فأزاح الستار عنها وأنا طبعاً لا أعرف مواقع الجيش الأردني الجديدة ومع ذلك افترضت من عندي هذه المواقع على ضوء معرفتي في الأرض، وبالخطة القديمة التي كان يفترض أن ينسحب إليها الجيش في حالة هجوم "إسرائيلي" على الضفة الغربية، ولم أجد على خارطة رئيس الأركان هذه أية إشارات تدل على مواقع القوات المتقابلة على خط وقف إطلاق النار على الجبهة السورية وكانت قيادة فقيرة بكل معنى الكلمة، إن كان من الناحية التنظيمية لمستوى هكذا قيادة، أو فن قيادة الأركان ولم أستطع تقدير أهداف اللواء صلاح جديد من إطلاعنا على هذا الواقع الفقير عسكرياً .
الموقف السياسي في الأردن بعد الهزيمة :

بعد الهزيمة جرى تحرك سياسي على الساحة الأردنية، وطبيعي أن يحدث ذلك وكان يمكن للواقع السياسي أن يكون أكثر هيجاناً بسبب الهزيمة النكراء وفقدان أجزاء من الوطن الغالي على كل الجبهات، لولا أن الهزيمة كانت شاملة، الأمر الذي أفقد الشارع الشعبي زمام المبادرة، ووضعه في دوامة أفقدته القدرة على القيام بأي نوع من المبادرات السياسية الجماهيرية الجدية، ولهذا جاء التحرك السياسي من نوع (على قدر أهل العزم) عماد هذا التحرك آنذاك كانت النقابات المهنية التي كانت قائمة في حينه وجمعية الأخوان المسلمون والأحزاب السياسية الممنوعة، ومع ذلك نفض الغبار عن مواقعها كالحزب الشيوعي الأردني الذي خرج أعضاؤه من السجن بعد الهزيمة وحزب البعث العربي الاشتراكي والحزب الوطني الاشتراكي، لا أعرف مَنْ مِنْ هذه القوى قام بالمبادرة؟ ولكنني عي أن هذه المبادرة تتفق تماماً ورؤى النظام في تلك المرحلة.

جرى أول لقاء لممثلي أطراف هذا التجمع في مجمع النقابات، وقد ضم هذا الاجتماع أكثر من عشرين شخصية مهنية وسياسية واجتماعية، وترأس هذا الاجتماع رئيس الحزب الوطني الاشتراكي (المحظور آنذاك) رئيس الوزراء الأسبق الأستاذ سليمان النابلسي (رحمه الله) وكنت أنا ومحمود المعايطة نمثل حزب البعث العربي الاشتراكي، وقبل أن يفتتح الأستاذ سليمان النابلسي الاجتماع دخل إلى قاعة المجتمعين الملك حسين وولي عهده الأمير حسن وفي معييته محمد رسول زيد الكيلاني مدير جهاز المخابرات، وقفنا جميعاً وتنحى الأستاذ سليمان عن الرئاسة ليتولاها الملك حسين ويجلس إلى جانبيه من كل في معييته، بدأ الملك حسين يتحدث للمجتمعين بصوت خفيض، ما كان لي أن أسمع كل ما كان يقوله وأنا أجلس على الجانب المقابل مباشرة، ثم أن دخول جلالته علينا وترؤسه لهذا الاجتماع، قد أحبط المسعى الذي كان في ذهني حول المسار الذي يمكن أن يأخذه هذا الجمع من المهمتين بعد الهزيمة، وكانت بداية حديثة هي مقولته الدائمة التكرار، عن الثورة العربية الكبرى، ودور الهاشميين التاريخي قديماً وحديثاً وكأن الحاضرين لا يعرفون دور الهاشميين في التاريخ القديم السلبي والإيجابي فيه، ولا دورهم في التاريخ الحديث وكأنهم لا يعرفون أيضاً الفروق بين المرحلة التي نحن فيها ودور جلالته، وبين مرحلة الحسين بن علي شريف مكة (طيب الله ثراه) الذي فقد ملكه وابتلى، وشرد، ونفي لأنه رفض قبول وعد (بلفور) ، وأصر على تحقيق الوعود التي قطعها له الإنجليز الذين (لا وعود ولا عهود لهم).
وبعد حديث طويل مكرر، خَلُص جلالته إلى الأمر الذي أراد من المجتمعين أن يسمعوه ويعرفوه ، وبعده قال: إن الأردن مع التسوية السياسية حسب القرار (242) الصادر عن مجلس الأمن، وكان واضحاً من حديثه عن التسوية وعن القرار (242) ، أنه مقتنع في حينه، أن التسوية حسب مضمون هذا القرار ، ممكنة التحقق لماذا ؟ لأن هذا القرار هو الوعد (الطعم) الذي استندت إليه المؤامرة ، وابتلعه المتآمرون، وبعدها سأل إن كان هناك من يريد الحديث؟ لم أعد أذكر من تحدث في هذا الاجتماع، ولا الحديث الذي قيل فيه، لأن كل ما قيل لا يعلق في الذهن لم يتحدث أحد بمن فيهم أنا عن الواقع الذي أدى إلى الهزيمة، ولا عن الرؤية المستقبلية لصيرورة الواقع السياسي في الأردن، وكنت قد رفعت يدي أطلب الحديث فتجاوزني أكثر من مرة، وقد سمح لي أخيراً بالحديث قلت : يا جلالة سيدنا إن هذه الأرض التي يطلب إلينا التنازل عنها ليست ملكنا لنتنازل بالتالي عنها هي آلت إلينا بالوراثة فعلينا على الأقل إن لم نستطع استعادتها أن لا نتنازل عنها فأجابني (أن يداً واحدة لا تصفق) وكأنه لا يوجد يد أخرى لها علاقة بهذه القضية، لا لأهلها ولا للإنسان العربي، ولا حتى لأي نظام عربي آخر. وعلق الدكتور (كامل حمارنة) نقيب الأطباء آنذاك على حديثي قائلاً (إن هذا كلام بدوي صادق)، وكان هذا الاجتماع هو الأول والأخير للتجمع الوطني بهذا المستوى من التمثيل، وإن كان قد جرى لقاء آخر مع الملك حسين في فترة لاحقة، إلا أن عدد الممثلين اقتصر على ممثل واحد لكل حزب ونقابة مهنية وهنا لا بد من القول اجتهاداً، أن هذا التجمع بما مثله مهنياً وسياسياً، لم يأت بمبادرة ذاتية من القوى التي تكوّن منها، لأن هذا التكوين أحزاب سياسية محلولة وممنوعة من الوجود، ونقابات مهنية موجودة بموجب القانون، فهذا التكوين (التجمع) لا يمكن أن يتشكل ويتوحد، إلا بإشارة من جهة صاحبة قرار في النظام. إلى أكثر من طرف في هذا التجمع فنظام مهزوم هزيمة نكراء مشبوهة الأهداف، سلّم خلالها الأرض بدون قتال، وهناك قناعة تامة لدى الفلسطينيين والنخبة من الأردنيين بأن هذا النظام لا يستطيع أن يقدم للقضية الفلسطينية أي فعل إيجابي، ولا حتى للقضية الوطنية بمضمونها الأهم وهناك فراغ جدي في الواقع السياسي الأردني والذين سيملأون هذا الفراغ هم أولئك الأشد وضوحاً وعداوة للنظام، وخوف السلطة من أن يحدث ذلك هو الذي دعاها لدعم تكوين هذا التجمع
فبعد قرابة الشهر من اجتماع مجمع النقابات، اتصل بي المرحوم الأستاذ كمال ناصر في مقري بشركة مناجم الفوسفات وقال لي: أن قادة التجمع الوطني مدعوون للاجتماع مع جلالة الملك حسين، ونحن بانتظارك في منزل الأستاذ (أبو فارس) فقلت له : إنني لا أستطيع أن أكون موجوداً في هذا اللقاء فلدي ارتباطات مسبقة وأنا أفوضك أنت وأبو فارس التحدث باسم حزب البعث العربي الاشتراكي، وكنت حقيقة راغباً عن حضور أي اجتماع شبيه باجتماع مجمع النقابات، لأنه لا يوجد بين هؤلاء السادة من يستطيع الرد بجدية وبمنطق على تبجحات الملك حسين غير المنطقية ولا على الصلف الذي يواجه به مستمعيه، الأمر الذي لا يتطابق مع النتائج المحزنة السياسية التي قادها جلالته خلال السنوات العشر الماضية، وكنت أخاف من نفسي أن يفرض علي موقف لا يستساغ، ويكون مسلكي خاطئاً وكانت تجربة لقاء مجمع النقابات ماثلة في ذهني.
بعد أقل من خمس دقائق، عاد الأستاذ كمال ناصر واتصل بي قائلاً : يقول لك (أبو فارس) أنه إذا لم تكن ضمن الوفد، فإن الوفد لن يذهب إلى هذا اللقاء، فأحبط مسعاي في التهرب ، وكنت أعرف سبب هذا الموقف، فأبو فارس نفسه لا يستطيع أن يقول ما في نفسه ولا أحد في وفد التجمع قادر على ذلك، ووجد أنني أقول ما لا يستطيع أن يقوله، وكان لا بد من أن التحق بالوفد. سرنا من منزل دولة الأستاذ سليمان النابلسي في قافلة واحدة إلى القصر الملكي، وقد صممت بيني وبين نفسي أن لا أتحدث في هذا الاجتماع ، مهما كانت المبررات .
حين وصلنا إلى القصر الملكي أجلسونا في الغرفة المقابلة تماماً لمدخل القصر، بها طاولة معدة وحولها عدد من الكراسي ، وكان عددنا أقل كما ذكرت ، فكل حزب ونقابة تمثله شخصية واحدة أما (الضمير) الأستاذ كمال ناصر ، فلم أعرف من يمثل، وإن كنت قد خمّنت أنه يمثل جناح الأستاذ ميشيل عفلق .
بعد فترة قصيرة، دخل علينا الملك حسين وفي معييته ولي العهد الأمير حسن آنذاك ورئيس الديوان السيد زيد الرفاعي ، وجلس على رأس الطاولة، ووضعوا أمامه قدحاً من الشاي تحدث حديثاً موجزاً عن الوضع داخلياً ، حديثاً لا يعلق في الذهن، ودخل مباشرة إلى الموضوع الذي من أجل الوصول إليه، جرت هذه المداولات الطويلة. وهو إيجاد صيغة تمثيلية بديلة عن مجلس النواب لاستحالة إجراء انتخابات نيابية.







 
رد مع اقتباس
قديم 13-04-2010, 11:57 AM   رقم المشاركة : 29
معلومات العضو
افتهان الزبيري
أقلامي
 
الصورة الرمزية افتهان الزبيري
 

 

 
إحصائية العضو







افتهان الزبيري غير متصل


افتراضي رد: المناضل / ضافي موسى الجمعاني

وكان الأستاذ كمال ناصر من أوائل المتحدثين ، يجلس إلى يمين الأستاذ سليمان النابلسي لم أتبين بدقة ما قاله الأستاذ كمال، لأنه كان يتحدث بصوت خفيض لقربه من الملك، ولكنني عرفت مضمونه من رد الملك حسين عليه، فقد أشار على ما يبدو إلى الصيغة التي كانت قائمة عام 1957 ، وحبذ العودة إليها ، وهي الصيغة الديمقراطية التي إنقلب عليها الملك حسين عام 1957، وكان رد الملك حسين شديد الجفاء قائلاً :"إن لنا تجربة مع الأحزاب عام 1957 لا تشجعنا بالعودة إليها.
هذا الرأي الذي أبداه الأستاذ كمال، ورد جلالة الملك حسين عليه فرضا عليّ التدخل لإبداء الرأي فرفعت يدي طالباً السماح لي بالكلام فرفض منحي ذلك وتجاوزني إلى آخرين مرة وثانية وثالثة إلى أن خاطبته قائلاً :"تسمح يا جلالة سيدنا، فقال حينها لي تفضل، فقلت يا جلالة سيدنا، إن هيكل الدولة القائم حالياً هو نفسه الذي انهزم عام 1948 وعام 1956 وعام 1967، فما لم يجر تغيير جدي على هيكلية المؤسسات يتناسب مع الواقع الذي نحن فيه، فأي حديث في هذا الموضوع لا يقود إلى إصلاح حقيقي. إن تذكير الملك حسين بتجربة عام 1957 هو الذي فرض علي الرد، فأنا مقتنع تماماً أن كامل أسباب هزيمة عام 1957 وكل واقعنا الذي نحن عليه الآن، يستند إلى الأرتداد على الديمقراطية عام 1957 وفي هذه المرة لم يجبني جلالته وانتهى الاجتماع بعد هذا القول.
وكان آخر اجتماعات التجمع الوطني الذي تآكل ومات بعد أن تجاوزه الواقع السياسي الجماهيري في الشارع السياسي في الأردن. فالعمل السياسي التقليدي من أحزاب سياسية ومنظمات مهنية ونقابات عمالية وغيرها، أصبح خارج إطار الواقع، كون المقاومة الفلسطينية المسلحة ممثلة بحركة التحرير الوطني الفلسطيني (فتح) قد تواجدت آنذاك على ساحة الأردن. وهذا الحدث الفريد في تاريخ الأردن السياسي كان بالغ التأثير على كل مناحي الحياة في الأردن سياسياً واقتصادياً واجتماعياً، ومن هنا ما كان لأي تنظيم سياسي، له استراتيجية نابعة من أيدلوجيته، مهما كان مضمون هذه الأيدلوجية قطرياً أو قومياً أو أممياً إن كان لها أهدافاً سياسية إيجابية أو سلبية، إذا أرادت متابعة الطريق إلى أهدافها، لا بد لها حينها من الدخول إلى ساحة العمل المسلح، ومن هنا بادرت حركة القوميين العرب التي كان لها نشاط سابق يتوازى زمنياً ونشاط (فتح) إلى تشكيل جبهة من تنظيمات متعددة أهمها منظمة (أبطال العودة) أطلق عليها اسم (الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين) وكانت باكورة أعمالها في ميدان الكفاح المسلح هو (تكتيك) اختطاف الطائرات، وقد أحدث هذا الأسلوب (التحريري)؟ ضجة إعلامية عالمية واسعة أعطت المردود المطلوب الذي كانت تتوخاه قيادة الجبهة وهو إبراز نفسها كفصيل أساسي، يساوي الفصيل الآخر أي حركة (فتح) في ساحة العمل الفلسطيني بقدر ما أعطى مردوداً سلبياً على العمل الفلسطيني المقاوم عامة، ملصقاً به تهمة الإرهاب، وساهم مساهمة جدية في إيضاح التباعد الذي لا يمكن حسره في حينه في ساحة العمل الفلسطيني.
أما الدولة الأردنية التي كانت الطائرات المخطوفة تهبط بالتتابع على أراضيها، في منطقة الأزرق فقد كان هذا (التكتيك) لا يزعجها، وأن أظهرت غير ذلك فقد كان يهمها أن تثير الرأي العام العالمي ضد الكفاح الفلسطيني، وهي تسعى كذلك إلى إبراز التناقضات في ساحة العمل الفلسطيني وأن يتساءل الناس عالمياً ومحلياً فيما بعد عن علاقة اختطاف الطائرات، وترويع ركابها وأطفالها من جهة والكفاح المسلح من أجل حقوق الشعب العربي الفلسطيني في وطنه من جهة أخرى.

البعث والمقاومة الفلسطينية :

من الطبيعي أن يكون للبعث دوراً في المقاومة والكفاح من أجل فلسطين، وليس دوراً هامشياً، بل دوراً أساسياً فهو الحزب الذي يعتبر قضية فلسطين قضيته المركزية ويعتبر نفسه الأقرب فهماً إلى جوهرها من أي حزب سياسي أو فصيل مقاوم في ساحة العمل الفلسطيني، ووعيه لجوهر الصراع على فلسطين، من أنه لا يستهدف فلسطين فقط، بل هو المدخل إلى حقيقة الأمة العربية إما بإثبات هذه الحقيقة أو إسقاطها، ومن هنا فقد أصر فرع فلسطين في دمشق، مسلحاً بقرارات مؤتمرات الحزب القومية، على المساهمة الجادة في الكفاح المسلح خاصة بعد أن تواجدت (فتح) على الأرض السورية قبل وبعد حرب عام 1967، وكان بعض المسؤولين السوريين، وأخص بالذكر منهم اللواء أحمد سويداني رئيس أركان الجيش بعد 23 شباط، وعضو قيادة الحزب في القطر السوري يقولون : بعدم الحاجة إلى وجود تنظيم مسلح للحزب في ساحة العمل الفلسطيني، لأنه يمكن للبعثيين فلسطينيين كانوا أو غير فلسطينيين أن يكونوا جزءاً من كادر حركة التحرير الوطني الفلسطيني، إلا أن هذا الرأي، لم يصمد أمام إصرار البعثيين الذين كانوا قد تبينوا في وقت مبكراً الفروق الواضحة بين فهم البعث للمسألة الفلسطينية وبين فهم واستراتيجية حركة التحرير الوطني الفلسطيني (فتح) وهكذا شكل فرع فلسطين للحزب في سوريه، وبموافقة القيادة القومية تنظيماً فدائياً أطلق عليه اسم طلائع حرب التحرير الشعبية (قوات الصاعقة) وكان ذلك قبيل حرب عام 1967.

الحزب في الأردن بعد هزيمة عام 1967:

لقد اتسع تنظيم حزبنا (أفقياً وعامودياً) وأصبح أوضح فيما يتعلق بفكرة الاجتماع وهدفه السياسي حينما التزم بالنظرة العلمية لتحليل الواقع وبالموضوعية كأسلوب للوصول إلى الموقف الأصح مع الالتزام التام بأهداف البعث في الوحدة والحرية والاشتراكية هذه الحقيقة جعلت حزبنا في هذه المرحلة واقعياً وبين الجماهير هو الممثل الشرعي لمعنى البعث وأهدافه.

وفي أيلول من عام 1968 انعقد المؤتمر القطري الأول للتنظيم الموحد لحزب البعث الاشتراكي ، في مدرسة الإعداد الحزبي في (بيعفور) غرب دمشق ، بعد أن جرت في الحزب انتخابات من القاعدة .
وقد افتتح المؤتمر الأمين العام المساعد اللواء (صلاح جديد) وفي هذا المؤتمر وبحضور الرفيق الأمين العام المساعد، جرى طرح موضوعه (وحدة الحزب) من قبل بعض الرفاق أعضاء المؤتمر، وقد أرادوا من هذا الطرح أن يسمعوا الأمين العام المساعد مباشرة رأي قواعد الحزب في قضية الانشقاق في الحزب بعد حركة 23 من شباط ، وفي حينها ، كان انقلاب 17 - 30 تموز الذي أعاد الحزب في العراق إلى السلطة ، قد مضى عليه قرابة الشهرين وقد شعرت أن الأمين العام المساعد قد أصيب بجرح شديد لحساسية الموضوع بالنسبة له، وهو لم يكن مستعداً للخوض في هذا الموضوع، وقد فوجئت أنا شخصياً في هذا الطرح ولكني تفهمته ، فانقلاب 17 تموز لا يزال يحيط به الشكوك من خلال بعض القائمين عليه ، فهناك أكثر من شخصية في واجهته تثير التساؤل الشديد، ومن أبرز هذه الشخصيات الفريق حردان عبد الغفار التكريتيفتاريخه الدامي ضد الحرس القومي، ودوره البارز في انقلاب عبد السلام عارف على سلطة الحزب، لا يجعل البعثين في أي موقع كان القبول به. والأهم أن الذين كانوا في واجهة السلطة هم العسكريون ، ولم يكن هناك في هذه المرحلة دوراً للحزب، يمكنك أن تراه أو تلمسه.
وكان أمام الحكم في العراق طريق طويل وشاق حتى يثبت انتمائه لحزب البعث الاشتراكي، لكن البعثيين الملتزمين المؤمنين أصيبوا إصابة بالغة إثر الانشقاق بعد حركة الـ 23 شباط، وكان همهم الأكبر هو إعادة وحدة الحزب لأنه حسب فهمهم للأمور على السطح، أن وحدة الحزب تعني وحدة سوريه والعراق التي بذهنهم هي سارية النجاة، بعد هزيمة عام 1967 لكن انشقاق الحزب كان انشقاقاً سياسياً بتأثير عاملين وهما :1- النفوذ الدولي-الأطلسي 2-الأيدولوجية الماركسية الستالينية – حلف وارسو.
وبعد أن أنهى المؤتمر أعماله انتخب قيادة قطرية هي الأولى منذ حركة الـ 23 شباط التي تتولى مسؤولياتها بالانتخاب وجرى أيضاً انتخاب أربعة عشر عضواً للمؤتمر القومي العاشر الذي انعقد مباشرة بعد مؤتمر الحزب في الأردن، كما وأعيد انتخابي أمينا لسر قيادة القطر للحزب في الأردن.

المقاومة الفلسطينية على ساحة الأردن :

بعد حرب حزيران وحتى أيلول 1968، تواجدت جميع المنظمات الفلسطينية العاملة في حركة المقاومة على أرض الأردن، ما عدا قوات الصاعقة وجبهة التحرير العربية التي لم تكن قد تكونت بعد وهذه الفصائل هي:
(1) حركة التحرير الوطني الفلسطيني (فتح) .
(2) الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين (التي تشظت إلى الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين والجبهة الشعبية القيادة العامة (أحمد جبريل).
(3) جبهة النضال الشعبي (سمير غوشة) .
(4) جبهة تحرير فلسطين (ج ت ف) .
(5) الهيئة العاملة عصام السرطاوي .
(6) مجموعات فدائية تابعة لجيش التحرير الفلسطيني، قوات اليرموك في دمشق كان لها قواعد ومراكز انطلاق في غور الأردن.
تواجدت جميع هذه التنظيمات في المخيمات الفلسطينية، وفي الأماكن ذات الكثافة السكانية الفلسطينية في المدن الأردنية وكل هذه التنظيمات كانت تمارس النشاط التنظيمي والفكري والسياسي والإعلامي وتمتلك عناصر مسلحة ضمن إمكاناتها والتنظيمان الوحيدان اللذان كان لهما قواعد خارج المخيمات الفلسطينية، ومواقع انطلاق إلى فلسطين في الأغوار هما تنظيما العاصفة (فتح) وفدائيي جيش التحرير الفلسطيني (قوات اليرموك) في دمشق. ومع أن هذه المنظمات جميعاً تقول بهدف واحد، وهو تحرير فلسطين كما تدّعى، إلا أن أساليبها في العمل من أجل هذا الهدف العزيز كانت مختلفة، وأحياناً كثيرة متعارضة، وهذا أمر يمكن فهمه في المرحلة الأولى من النضال.
من طبيعة الأمور عند البدايات أن تكون الرؤيا غير موحدة، وأساليب العمل مختلفة، عند الساعين حتى إلى هدف واحد، باختلاف تكوينهم، وانتمائهم العقائدي، وأيضاً ارتباطاتهم، ولكن الأمر يصبح غير مفهوم ويخضع للريبة والشكوك حينما يستمر كذلك، وأكبر فصيلين في تلك المرحلة من العمل الفلسطيني المسلح، هما حركة التحرير الوطني الفلسطيني (فتح) والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين كان نشاطهما العسكري متباعداً جوهرياً وكذلك السياسي كانت المهمة الأساسية لحركة التحرير الوطني الفلسطيني (فتح)، هي إبراز الهوية الفلسطينية من خلال تكثيف النشاط السياسي والإعلامي، وخلق التكوينات الفلسطينية التي تعبر عن انتماء الشعب الفلسطيني إلى فلسطين. ورفع الهوية عالياً ليراها كل عربي فلسطيني أينما وجد في هذا العالم، من أجل الإيمان بها، والعمل من أجل تحقيقها وهذا المنطق والمنطلق، لم يكن في مرحلته عملاً منحرفاً أو خاطئاً بل هو مطلوب وأمر موضوعي، فالجهاد والكفاح هو من أجل فلسطين فمن الطبيعي أن يكون الشعب العربي الفلسطيني طليعة هذا الكفاح. أما الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين فقد مارست (تكتيك خطف الطائرات) الذي ذكرته وأبديت رأيي في سلبياته، والمردود الإعلامي الذي أبرز الجبهة، والذي كان ينتهي عادة في فندق الأردن، الذي كان ينزل فيه ركاب الطائرة المختطفة، بعد أن يوافق قادة الجبهة على نقلهم من المطار إلى الفندق ينتهي بمؤتمر صحفي يعقده الدكتور (جورج حبش) الأمين العام للجبهة، ثم يطلق بعد ذلك سراح المخطوفين وهذا الأسلوب في النضال من أجل تحرير فلسطين، مارسته الجبهة بعد أن تبنت النظرية (الماركسية اللينينية) كأيدلوجية وكنهج لنضالها، وفي حدود معرفتي أنه لا الصينيون ولا الفيتناميون مارسوا هذا النوع من النضال من أجل التحرير.

أولى الغارات "الإسرائيلية" على العاصفة :

قبل وقوع معركة الكرامة بفترة، أغار الطيران "الإسرائيلي" على قاعدة لقوات العاصفة، وكانت هذه الغارة هي الأولى من نوعها على المقاومة، وكانت هذه القاعدة تقع في الجبال جنوب مدينة السلطة. وفي هذه الغارة استشهد قائد القاعدة الذي على ما يبدو كان الهدف الرئيسي لهذه الغارة، وهو عسكري محترف كان برتبة رائد في الجيش الأردني، وعلى ما يظهر أن تحركاته وأسلوب نظام عمله اليومي كانا مرصودين.
معركة الكرامة الشهيرة :
في آذار عام 1968 جرت معركة الكرامة الشهيرة إعلامياً والتي ضاع المجد فيها بين مدعيين حركة المقاومة الفلسطينية والنظام في الأردن، وحقيقة هذه المعركة البسيطة والتقليدية، والتي جرت من طرف واحد، وإن تخللها بعض المفاجآت التي لم تكن على ما يبدو داخلة في حساب "الإسرائيليين" لم يجر في هذه المعركة فعل متميز، كان مخيم الكرامة قد خصص للنازحين الفلسطينيين، الذين نزحوا بعد هزيمة حزيران واحتلال الضفة الغربية ويقع في الضفة الشرقية إلى الجنوب الشرقي (لجسر دامية) على نهر الأردن حيث كان مركزاً للتنظيمات الفلسطينية، مثله في ذلك مثل أي تجمع فلسطيني في الأردن وكان للعاصفة مركز أثقل في هذا المخيم .
وموقع المخيم يجعل المقاتلين الفلسطينيين على حدود فلسطين، لا يفصلها عنهم سوى النهر الضحل، الأمر الذي سهل الانطلاق إلى فلسطين وخاصة جبال نابلس وجعله ميسوراً وسهلاً ونتيجة لعمليات فدائية عديدة، ونتيجة لذلك قررت "إسرائيل" وضع حد للتواجد الفلسطيني في هذا
المخيم، وإجبار أهله والمسؤولين في دولة الأردن على نقله إلى مكان آخر بعيداً في داخل الأردن، ومن هذه الحقيقة ولدت العملية "الإسرائيلية"، وكان هدفها قتل وأسر أكبر عدد من الفدائيين والمنتمين للمنظمات فيه، ثم تدميره.
وفي الفجر مع الغسق، بدأت العملية "الإسرائيلية" ضد المخيم ومن فيه، بأن أنزلت قوات محمولة جواً على سفوح التلال الشرقية التي يستند إليها المخيم، هادفة بذلك إلى قطع طريق الهرب على الفدائيين إلى الشرق والجنوب، وفي نفس الوقت وحسب توقيتات الخطة، قام رتل عسكري آلي من الدبابات وحاملات الجنود بعبور النهر من منطقة جسر دامية إلى الضفة الشرقية للنهر، مستهدفة حصر المخيم من الشمال والغرب، وهكذا يكون المخيم حسب الخطة "الإسرائيلية"، قد وقع في كماشة بين القوات المحمولة من الشرق والجنوب، والقوات الآلية من الغرب والشمال، وبعدها يجري تمشيطه قتلاً وأسراً، وتدميراً، اصطدمت طلائع القوة المدرعة التي عبرت النهر، بقاعدة لفدائيي جيش التحرير الفلسطيني (قوات اليرموك) التي كانت تحتل موقعاً على ضفة النهر الشرقية وعلى مقربة من الطريق العام الموصول للجسر، جرى تبادل لإطلاق النار بين عناصر القاعدة ، وطلائع القوات "الإسرائيلية"، شكل إعاقة قصيرة العمر إلا أن العامل الهام الذي لم تُدخله "إسرائيل" في حساباتها، هو قطاعات الجيش الأردني المتمركزة في السفوح المطلة على ميدان المعركة، معززة بمدفعية الميدان.
ما هي الأسباب التي جعلت وزير الدفاع "الإسرائيلي" (موشي ديان) في حينه أن يتجاهل هذه الحقيقة؟ هل كان لديه وعداً بأن الجيش لن يتدخّل في معركة بين الجيش والفدائيين؟ أم اعتمد على أن الجيش الأردني لن يتدخل خاصة وأن عامر خماش يقوده؟ أم هي أسباب أخرى لا يعلمها إلا الله والمتفاهمون؟
لقد تدخل الجيش الأردني بتقديري للأسباب التالية، أولاً: لا يستطيع أي قائد في أي مستوى، أن يعطي أمراً بعدم التعرّض على آليات الجيش "الإسرائيلي" المتقدمة نحو أهدافها شرق نهر الأردن، ولذلك حينما رأت المراصد الأمامية (مع الغبش) آليات ودبابات جيش الدفاع "الإسرائيلي" تتقدم نحوها فأطلقت على القوات المتقدمة،لأن المراصد الأمامية كانت تشرف على تقاطع طريق جسر دامية بالطريق العام الذي يتجه شمالاً إلى غور الأردن الشمالي وجنوباً إلى مخيم الكرامة، الشونة الجنوبية)، وإطلاق النار هذا أدّىإلى أيقاظ كل من كان غافياً أو غافلاً في هذه القوات، فإطلاق النيران بالمثل هذا الذي كان عملاً دفاعياً صرفاً على قوات تتقدم باتجاه مواقع الجيش الأردني، تعزز بأوامر قادة الوحدات في القطاع بالقتال بكل الوسائل المتاحة ومنها مدفعية الميدان، هذه المفاجأة اربكت "الإسرائيليين" وجعلت سير عمليتهم أبطأ، الأمر الذي مكّن القسم الأكبر من الفدائيين من الانسحاب والهرب من المخيم واكتفى جيش الدفاع "الإسرائيلي" كما هي عادته، بتدمير المخيم بالكامل طبعاً أثناء المعركة تدخّل الطيران "الإسرائيلي" لإسكات المدفعية، كما هاجم قوافل الإمداد التي أرسلها الجيش الأردني إلى ميدان المعركة، لتتحول المعركة بين الأردن و"إسرائيل" بين الجيش الأردني وجيش الدفاع "الإسرائيلي"، ولعل هذه العملية الحربية التي كان هدفها الرئيس ترحيل أهل مخيم الكرامة، ومن ثم تدميره. وكان لها هدف ثانوي آخر وهو إعطاء الفرصة للنظام، ليحصل على دور إيجابي من خلال إظهاره بمظهر المقاتل، ولقد دام إدعاء شرف هزيمة الجيش "الإسرائيلي" بين النظام والمقاومة زمناً طويلاً، حتى بعد أن أخذ التبجح الكاذب إعلامياً مداه الأقصى. على كل حال لم يكن بهذه العملية فعل متيمز، لا لليهود ولا للعرب الأردنيين ولا للمقاومة، والذين بسبب جوعهم للبطولات خلقوا من هذه العملية بطولات وهمية. لقد ترك الأسرائيليون إحدى دباباتهم وطاقمها المحترق ، الشرف الذي لم يحصل عليه الجيش الأردني منذ حرب عام 1948 .

المقاومة وهدف تحرير فلسطين :

كل عمل ثوري يستهدف تحرير وطن محتل، لا بد له أن يستند إلى ثلاث ركائز أساسية :
(أ) فكر واضح وصحيح .
(ب) أداة لتحقيق هذا الفكر.
(ج) شعب مؤمن بهذا الفكر، مُلتف من خلال التفاعل والفعل حول هذا الأداة التي تشكّل العامود الفقري لهيكله من أجل السير باتجاه الهدف الذي حدده هذا الفكر، هذه الحقائق التي تشكل مجتمعة المبرر لكل التضحيات التي سيقدمها هذا الشعب من أجل تحرير وطنه المغتصب، كانت متحققة بنسب عالية، وكان أوضحها أو أعلاها نسبة تحقق، هو الهدف، أي تحرير الأرض التي اغتصبت، فكل فصائل المقاومة المتواجدة على أرض الأردن، على اختلاف مشاربها الفكرية ومواقفها السياسية تقول وتعلن، أنها من أجل هذا الهدف المشروع هي موجودة في ساحة العمل، وتقول بذلك كل الأحزاب الأردنية والمنظمات المهنية والنقابية والشخصيات الوطنية والاجتماعية على اختلاف مذاهبها الفكرية ومواقفها السياسية، إن كانت أممية ماركسية أو إسلامية، قومية عربية، أو وطنية أردنية، أو فلسطينية، إذاً وإن كان هناك فروق بين هذا الفكر وذاك أو هذا التوجه وغيره ويمكن مرحلتها ببرنامج عمل يتوافق والمواقف الفكرية والسياسية لكل هذه الأطراف.
ما هو الفعل الصحيح الذي إذا ما تحقق، سيقود إلى المنطلق الصحيح؟ ومن ثَمَّ إلى الانطلاقة الصحيحة، هو : أولاً : تحقيق واقعين بدونهما أو بدون أي منهما يستحيل أن يكون هذا العمل ثورياً يستهدف تحرير وطن مغتصب بالفعل المسلح (أ) توحيد القوى التي تؤمن بهدف تحرير الأرض (ب) خلق قاعدة أمينة وآمنة على الأرض للانطلاق باتجاه تحقيق هذا الهدف.
حتى أيلول من عام 1968، أي بعد مرور أكثر من عام على تواجد جميع فصائل المقاومة (باستثناء الصاعقة وجبهة التحرير العربية)، لم يكن قد تحقق من كل ما ذكرت حتى ولو بداية جدية من أي نوع، نعم لقد انعقد أكثر من مؤتمر لهذه التنظيمات ومن بينها مؤتمر في القاهرة من أجل تحقيق الحدود الدنيا من التعاون والتنسيق، أو حدود دنيا من رؤيا موحدة حول المستقبل، إلا أن هذا لم يحدث وفشلت جميع المؤتمرات في تحقيق هذا الهدف، وقد خلق هذا الواقع غير المتناغم وغير المتوافق بين فصائل المقاومة، حالة على الساحة الأردنية غير مستقرة ومتعارضة الاتجاهات، خاصة والساحة ليست ملكاً للمقاومة بل أن فيها نظاماً معادياً لكل توجهات المقاومة وأمر طبيعي أن لكل نظام أنصاره، وكان حصاد هذا الواقع الذي دام أكثر من عام، تضارب في أبرز القضايا:
أولاً: التكتيك في العمل وأبرزه في هذه المرحلة بين (فتح) والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين.
ثانياً: تبادل الاتهامات إعلامياً.
ثالثاً: الصراعات وأحياناً المسلحة التي كانت تقوم بين فصائل المقاومة.
رابعاً: الإعلام الكاذب وغير الصحيح عن الأعمال القتالية التي كانت تعلنها فصائل المقاومة. كل هذه العوامل وغيرها جعل الولاء للهدف الأساسي الذي من أجله قامت المقاومة يبعد عن الوعي المباشر للمقاتلين لمصلحة العصبية التنظيمية مجمل هذه الحقائق خدم مخطط النظام والقوى الملتفة حوله، وكانت أبرز نتائج هذه المرحلة من تواجد المقاومة على أرض الأردن هو المردود الإيجابي الذي حصل عليه النظام في الأردن وأبرز هذا المردود :
1-الغياب عن ذهن المواطن الأردني والأهم عن ذهن المواطن الفلسطيني، أي تساؤل حول الهزيمة كان يتردد قبل تواجد المقاومة، من أمثلته... كيف سُلمت الضفة الغربية دون قتال؟ من هو المسؤول عن ذلك، ولماذا لا يجري تحديد المسؤولية خاصة وقد كان ذلك يحدث في مصر في حينه؟
2-شعور المواطن في الأردن عربياً أردنياً، أو عربياً فلسطينياً وخاصة المناضلون والمسيَسون منهم، بأنهم امتلكوا إراداتهم وخرجوا عن طاعة النظام وعلى الواقع الذي كان يفرضه، وأن النظام ليست مشكلتهم الآنية مما جعل النظام يغيب عن وعيهم بكل دوره التاريخي والسياسي المتعلق بالقضية الفلسطينية أو الدور السلطوي القمعي الذي مارسه ضد مواطنيه خلال أكثر من عشرة أعوام هذه الحقائق مكنت النظام في الأردن في نهاية 1968 أن يقف على قدميه مستنداً على أخطاء المقاومة.
3-أصيبت الحركة الوطنية التي من المفترض أن تكون الظهير السياسي لكل فعل تحريري بالشلل التام، فأي طرح سياسي كان أو اجتماعي، من مثل (النضال من أجل الديمقراطية) أصبح تقليدياً، وخارج الواقع هذا، عدا عن أن جماهيرها الفلسطينية والتي كانت الأساس في أي نهوض وطني، أصبحت مستقطبة كليةً في المقاومة الفلسطينية، أما الشق الأردني فكان يضع كفه على خده متأملاً في هذا الواقع، أما قوى النظام وأي نظام كان، فهي دوماً مع النظام وهي معروفة ومشخّصة، هل كان هذا الواقع الذي خُلق عفوياً ونتج عن عدم الوعي؟ سنرى أنه لم يكن كذلك، إن هذا الواقع الذي وُجد في الأردن بعد مؤامرة حزيران وهزيمة مصر عبد الناصر قد ذكرني باستمرار في العام 1957، الذي قاد بعد عشر سنين من هزيمة الديمقراطية في الأردن إلى هزيمة حزيران، التي استولى خلالها "الإسرائيليون" على سيناء والجولان والمتبقي من كامل فلسطين فالمساران متشابهان والواقع المخلوق متشابه من حيث الجوهر على ساحة الأردن وإن اختلفت القوة الفاعلة فيـه، والفـارق إنالوضع في الأردن كان أبسط على التشخيص في عام 1957، فالقوى الفاعلة فيه كانت محلية، سواء إن كانت القوى التي تسعى إلى التقدم بالديمقراطية أو القوى المضادة لذلك، وحتى القوى الأجنبية التي كانت تفعل باتجاه تقوية السلطة وجعلها فردية، مهما كانت معروفة بينما هي شديدة التعقيد في عام 1968، فالقوى الفاعلة فيها أكثر تعدداً وتنوعاً وأكثر عدة وأشد غموضاً، وبذلك فهي أصعب على التشخيص، مما كان الوضع عليه عام 1957، ويأتي التشابه الجوهري، في إن الديمقراطية قد خُلقت من أجل الارتداد عليها وتصفية قواها حتى إشعار آخر. والآن تتكرر الصورة ويخلق العمل المقاوم وفق التحليل السابق ليس من أجل الارتداد على كل ما يمثله وتصفيته ليس الى إشعار أخر ولكن الى الأبد.
دخول قوات الصاعقة إلى الأردن :

بعد المؤتمر التأسيسي هذا بفترة لا تتجاوز الستة أشهر ، انعقد المؤتمر القطري الأول لهذا التنظيم الذي بدوره انتخب ولأول مرة قيادة، وكان أعضاؤها هم محمود المعايطة - هاجم الهنداوي - أحمد النجداوي - أحمد اليماني - حسن الخطيب - يوسف البرجي - فواز الصياغ - يوسف قطناني - أحمد عقل - ضافي الجمعاني، وقد أعادتني هذه القيادة أميناً لها أثناء انعقاد مؤتمرها في أيلول عام 1968، وبعدها دخلت مجموعات من مقاتلي الصاعقة إلى الأراضي الأردنية من سوريه، وقد حاولت السلطات في الأردن منع دخول هذه المجموعات بواسطة الجيش، وكاد أن يتحوّل هذا المنع إلى اشتباك بالسلاح ولم يمنع ذلك إلا تتدخّل جهات سورية مسؤولة، إضافة إلى قياديين في حركة (فتح)، بعدها سُمح لهذه العناصر بدخول الأراضي الأردنية، وقد استعيض عن المنع بالتشهير والدعايات المسمومة مثل أن هذه العناصر ليس لها علاقة بالقضية الفلسطينية، وإنما هي قوات من الصاعقة في الجيش السوري هدفها التدخل بشؤون الأردن ومن هنا جاءت التسمية العامة (الصاعقة السورية).
وكان يقود هذه العناصر وجميعهم فلسطينيون في ذلك الحين ، الرفيق هاجم (أبو مروان)، وبتواجد الصاعقة على الأراضي الأردنية، والتي شكل حزب البعث العربي الاشتراكي العامود الفقري لهيكلها التنظيمي في مراحل لاحقة، أخذ التنظيم الفلسطيني الموحد، يتميز عن باقي فصائل المقاومة الفلسطينية، بأنه التنظيم الوحيد بين هذه الفصائل الذي يتكون كادره من الفلسطينيين والأردنيين وهذا التميز النوعي جعلنا هدفاً للمراقبة الشديدة ومن النظام خاصة وبعض فصائل المقاومة وأهمها (فتح) ذات الإمكانات الكبيرة والسمعة التي لا تزال عالية.
تواجدت عناصر قوات الصاعقة في المرحلة الأولى من وجودها على أرض الأردن بقيادة الرفيق هاجم الهنداوي، في غور الأردن الشمالي خلف (قرية المشارع) وقد سميت هذه القاعدة بقاعدة المشارع، وكان يقود هذه القاعدة (ملازم ثاني) من جيش التحرير الفلسطيني (قوات اليرموك) لم أعد أذكر اسمه ويكنى (أبو بلال) وهو شاب شجاع، هادئ الطبع، يعرف واجباته، واستشهد يرحمه الله بعد شهرين من وجوده في القاعدة في كمين ليلي، لا يعرف من نصبه له، أهم اليهود؟ أم عملاؤهم من العرب؟ وكنت قد تفقّدت عناصر هذه المجموعة وتجهيزاتها في قاعدة انطلاقها من درعا قبل توجهها إلى الأردن يصعب عليك تقييم مستوى الرجال إن كان من ناحية التدريب، أو المستوى القتالي والمعرفي، فعلينا قبول هذا الواقع، والارتقاء به من خلال برامج عمل وأساليب تدريبية ونضالية ضمن الواقع الذي سيفرض نفسه علينا فيما بعد.







 
رد مع اقتباس
قديم 18-04-2010, 03:40 PM   رقم المشاركة : 30
معلومات العضو
افتهان الزبيري
أقلامي
 
الصورة الرمزية افتهان الزبيري
 

 

 
إحصائية العضو







افتهان الزبيري غير متصل


افتراضي رد: المناضل / ضافي موسى الجمعاني

الاستقطاب :

لقد بدأت تتضح بوادر الاستقطاب بين مركزين على الساحة الأردنية بعد العملية العسكرية "الإسرائيلية" ضد مخيم الكرامة، إنني أقصد بمراكز الاستقطاب النظام من جهة والمقاومة من الجهة الثانية وكان أحد المركزين، واضح المقاصد والنوايا ويسعى بجد ودأب أن يفرض نفسه على الواقع مجدداً ليستطيع بالتالي فرض نهجه السياسي والاجتماعي إن كان داخل الأردن، أو باتجاه القضية الفلسطينية أما المركز الآخر وهو المقاومة التي تقول كل فصائلها بتحرير فلسطين ولكن كيف؟
لا أحد في فصائلها خارج ممارساته وبرنامجه النظري يقول كيف؟ لم تبادر حركة التحرير الوطني الفلسطيني (فتح) كبرى فصائل المقاومة، بفعل يمكن أن يدل على كيف يمكن أن يتم ذلك وأسلوبها بالعمل والانفراد بنهج خاص بها، وعدم محاولتها التعاون في خلق نهج عام من أجل تحقيق شعار التحرير هذا الذي تقول به كل الفصائل ، مما جعل الشكوك تحوم حول عملية

التحرير هذه ، أما الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، وهي ثاني أكبر فصيلين مقاومين على الساحة الأردنية، فلم تكن أكثر من (فتح) وضوحاً، مع أنها تبنّت الماركسية كدليل عمل نظري لكفاحها، إلا أنها اكتفت من هذا الدليل بالمنشور والصورة، ولم تضعه موضع التطبيق على الواقع موضوعياً، لأنها لا تستطيع ذلك، وأكثر من ذلك فهو موقف تكتيكي، له أهداف استراتيجية، أوضح المسار حقيقته فيما بعد، وإلا لكانت قد دعت كل القوى ذات المصلحة والمؤمنة في التحرير، إلى برنامج عمل جبهوي موحد تنضوي في إطاره كل هذه القوى التي تنادي بتحرير فلسطين، وهذا هو النهج الذي قامت به كل قوى التحرير العالمية، وقد توجت الجبهة الشعبية التزامها بهذا النهج باختطافها الطائرات والمسافرين عليها. كيف يمكن أن يكون اختطاف الطائرات أسلوباً لتحرير فلسطين؟ وفي رأيي أسلوب للإعلان والدعاية؟ ولكن ليس للتحرير.
هاتان الحقيقتان الواضحتان، حقيقة أهداف النظام وعدم وضوح أهداف المقاومة، حددتا الأسلوب الأمثل لنهج (التنظيم الفلسطيني الموحد) على أرض الأردن ، وكان علي أن أتبين موقف أبو عمار وآرائه بطريقة ما، وكنت قد تعرّفت عليه في نهاية عام 1967 ، فقد اصطحبني الرفيق يوسف البرجي، عضو قيادة التنظيم الفلسطيني الموحد لزيارته، في مستوصف (العاصفة) في ضواحي مدينة السلط، وكان يشكو من آلام في ظهره، ذهبت بعد ذلك للقائه في أحد مواقع (فتح) العديدة، ولما التقيته، بادرته بدون مقدمات، قائلاً له: يا أخ أبو عمار أنك تقسم الساحة السياسية في الأردن إلى معسكرين أردني – فلسطيني الأمر الذي يقود إلى تغييب العمل الوطني الأردني، وبالتالي الحركة الوطنية الأردنية، بل وإلغاء دورها، والتي يفترض أن تستند إليها المقاومة، وهي تكافح من أجل الوصول إلى أهدافها. أجابني بوضوح شديد ودون تردد "أن ما يهمني هو شعبي، الشعب الفلسطيني، ولا يهمني أي أمر آخر". وكان هذا القول أوضح من التساؤل ومن أي مناقشة.

وطرحت على نفسي المعضلة متسائلاً، حينما يصبح الشعب العربي الفلسطيني شعباً لياسر عرفات، والشعب العربي في الأردن مملوكاً أصلاً للملك حسين (فعلى أحد القراء أن يدل من مثلي وفي واقعي على طريق الخلاص؟؟) بهذا القول وأقوال وحقائق أخرى، أصبحت مقتنعاً تماماً أن حركة (فتح) لا يمكن أن تلتقي مع أي فصل آخر من المقاومة أو مع المقاومة مجتمعة حول برنامج عمل، إن كان مرحلياً أو سوقياً، محدد الهدف موحد الأداة، موحد النهج الفكري والعملي. مما جعلني ذاتياً في مأزق حقيقي، لأنني كنت اعتقد اعتقاداً مؤمناً أن لا أحد، وخاصة أولئك الذين يقولون بتحرير فلسطين وهم من أهلها، ويقودون أهلها من أجل تحرير أرضهم كما يعلنون، يمكن أن يتيهوا عن الحقيقة المطلقة في أسباب المسار التراجعي، الذي قاد إلى ضياع فلسطين والدور الرئيسي الذي لعبه كيان شرقي الأردني في هذا المسار، والذي لم يخلق أصلاً إلا من أجل ذلك، سياجاً أمنياً بين فلسطين وبين أهلها في الشرق، عرب أردنيون وغير أردنيين.
لقد عايشت وجود قوات حدود شرقي الأردن، الذي شكلها الانتداب البريطاني من الأقليات (العرقية) في فلسطين خاصة وبلاد الشام عامة، وخيالة الجيش الأردني، وكذلك عايشت ثوار فلسطين خلال كل ثوراتهم، وأهمها ثورة عام 1936 في جبال عجلون وهم يقطعون نهر الأردن أما ليتزودوا بالسلاح والعتاد أو بالتموين، وإما للأمان والاستراحة فالذي يثور من أجل فلسطين عليه على الأقل أن يكون ملماً بتاريخ النضال الفلسطيني وأسباب فشله، ومن هذا الفهم كان موقفي واضحاً ومبنياً على إيمان مطلق أنه لا يمكن تحرير فلسطين أو أي جزء منها والنظام في الأردن قائم في عام 1957، حيث كانت قناعاتي القائمة على ضرورة إلغاء الكيان الأردني نابعة من موقفه (الجيوبولتك)، المضاد للطموح الوحدوي، وكنت أؤمن أنه يحب أن يعاد وبطريقة إلى أصله كجزء من سورية الطبيعية (بلاد الشام)، أما في هذه المرحلة بعد هزيمة حزيران وانطلاقة المقاومة الفلسطينية، وتواجدها بقوة على أرضه، فكانت قناعتي التي عملت من أجل تحقيقها هي إزالة النظام وليس الكيان، وتسليمه لحليف وطني للمقاومة حتى يكون القاعدة الأمينة والمنطلق الثابت من أجل تحقيق هذا الهدف العزيز، وإلا كيف يمكن أن تحرر فلسطين أو نحقق حقوق أهلها التي أقرتها الأمم المتحدة، أو على الأقل الوصول إلى النقطة التي تفرض التفاوض من خلال القتال وميزان قوى ليس به خلل كبير، وبخلاف ذلك لن يكون كياناً وطنياً مضمونه الاستقلال، بل هو كيان مقايضة يفرضه الطرف الأقوى أمريكا، والصهيونية العالمية لإدامة الوضع العربي على ما هو عليه مجزأً ومستباحاً. ومن الصواب أن أشير هنا، أن قناعتي هذه نابعة من التزامي العقائدي ومن المعاناة بسبب التناقض الفاضح في مسار البعث النضالي بين الفكر والفعل، الذي كانت تقوده قياداته القومية والقطرية وكان في ذهني أن الفرصة قد حانت لوضع حد لهذا التناقض. وهذا الرأي قد قلته للرفيق محمود المعايطة في حديث خاص بيني وبينه، قلت أن الحزب في الأردن لن يكون تابعاً لأحد، ولن يكون تابعاً إلا لمبادئه التي تفرض استراتيجية وأسلوب نضاله فهو سيكون ممثلاً أميناً لمبادئ وفكر البعث، وملتزماً بأمانة بكل قيادة أعلى تقوم بذلك.

تطور العمل في بناء الحزب وقوات الصاعقة :

على ضوء ما اتضح خلال فترة عامين من تواجد حركة التحرير الوطني الفلسطيني (فتح) على أرض الأردن، ومن بعدها جميع فصائل حركة المقاومة، أن هذه الفصائل لن تجمتع أو تتوحد على برنامج عمل موحد يحكم مستقبل نضالها، لأن أكبرها وأقواها جماهيرياً ومادياً هي (فتح) والتي ليس في برنامجها أو استراتيجيتها هذا الأمر، وهي لن تقبل اللقاء على ذلك، مع أي فصيل آخر من فصائل حركة المقاومة، وبعد ذلك أصبحت مهمة الحزب والقوات (قوات الصاعقة) في التنظيم الفلسطيني الموحد محددة، أساسها الدفاع عن وجود المقاومة الفلسطينية على أرض الأردن، وجعلها قادرة على القيام بواجباتها تجاه فلسطين، وجعل الهدف السياسي لهذه القوات، هو مقاتلة العدو إن كان في الخط الأمامي الذي نتواجد عليه على طول نهر الأردن وغور الصافي، أو داخل الأرض المحتلة، وعدم الدخول في صراع من أي نوع لا مع حركة التحرير الفلسطيني (فتح) ولا مع أي فصيل مقاوم آخر، والعمل باستمرار على خلق واقع تضامني بين هذه الفصائل، وكان علينا ضمن هذه الرؤيا أن نهيئ أداتنا ونجعلها قادرة على القيام بالواجبات والمهمات التي ذكرت.
بعد دخول عناصر قوات الصاعقة إلى الأردن، من سوريه بقيادة الرفيق هاجم يعاونه عدد من الملازمين الأردنيين والفلسطينيين، الذين كانوا بالجيش السوري، وبجيش التحرير الفلسطيني (قوات اليرموك) وتواجد هذه العناصر في غور الأردن الشمالي والأوسط، وقيادتها في منطقة عجلون كان الطابع العام لهذه القوات عسكرياً أكثر منه (قوات تحرير) وهذا أمر طبيعي في بداية مرحلة التكوين آخذين بعين الاعتبار من الذين أنشأوا هذه العناصر، ودربها والذين يقودونها الآن، هم عسكريون محترفون، صغار السن صغار التجربة، والأمور لم تأخذ بعد المدى الكافي لاستقرارها مكاناً وزماناً من أجل البدء بعملية تدريب على المهمة المختلفة نوعياً عن المهمة العسكرية التقليدية من حيث التثقيف الفكري والسياسي الذي له صلة عميقة بالمهمة التي من أجلها تطوع هؤلاء المقاتلون، وحتى نصل إلى هذا المطلوب لا بد من وجود واقع مختلف عن الواقع الذي كانت عليه تلك القوات والحزب في هذه المرحلة كتنظيمين منفصلين ومختلفين تكويناً قتالياً ومعرفياً.
وحتى نصل إلى هذا الأمر، لا بد من وجود حالة مختلفة عن الحالة التي بها الحزب والقوات في هذه المرحلة، كتنظيمين منفصلين ومختلفين تكوينياً. إما من ناحية المعرفة أو مهمة القتال.
وفي اجتماع موسع لقيادة القوات حضره الرفيق حسن الخطيب عضو قيادة التنظيم الفلسطيني الموحد والرفيق هاجم (يرحمه الله) عضو القيادة وقائد القوات، وجميع من في أمرته من الملازمين، ناقشت معهم أماكن التواجد وشؤون التدريب والإدارة، وكذلك المهمات الآنية والمستقبلية لهذه القوات، وخلال هذا الاجتماع شعرت أن هناك خللاً خطيراً، إن كان فيما يتعلق باحترام المسؤولية وبالتالي المسؤول وعدم وضوح واجبات المسؤولين وحدودها، وكذلك لمست أن هؤلاء الملازمين الذين تربوا في مدرسة الجيش العربي السوري يعتقدون أنهم هم أصحاب المسؤولية ولذلك كانت سيطرة قائد القوات عليهم ضعيفة، وكان واضحاً وأنا أتحدث إليهم أنهم لا يعيرون الاهتمام الكافي لما أقول فانزعجت ووجهت كلاماً غاضباً للمجتمعين، وانسحبت وغادرت الاجتماع وقلت للرفيق هاجم، أنني سأدعو القيادة وأتقدم لها بتقييم حول واقع القوات، وسأتقدم بمشروع كامل لمعالجة الخلل الخطير الذي لمسته، وفي اليوم التالي دعوت أعضاء القيادة للاجتماع وفي هذا الاجتماع طرحت قناعتي التي تكونت منذ دخول عناصر قوات الصاعقة إلى الأردن، وقلت رأيي في الخلل الخطير الذي تبيّنته خلال اجتماعي الأخير مع قيادة هذه العناصر والذي حضره الرفيق حسن الخطيب وقدمت للقيادة مشروعاً لإعادة تنظيم القوات مبيناً على الأسس التالية:
أ- تتولى القيادة القطرية للتنظيم الفلسطيني الموحد، مسؤولية قيادة القوات، إضافة إلى مسؤولياتها في قيادة الحزب.
ب- يتولى أمين سر القيادة القطرية للتنظيم الفلسطيني الموحد، قيادة هذه القوات.
جـ- العمل على وضع خطة عمل مرحلية ومحددة الزمن، يصبح خلالها الحزب والقوات تنظيماً سياسياً وقتالياً واحداً، فعلى كل رفيق في الحزب أن يكون مؤهلاً للعمل في صفوف القوات، وعلى كل رفيق في القوات أن يؤهل ليصبح قادراً على القيام بواجبات الحزب .
هـ- تقسيم خطة المواجهة على حدود فلسطين إلى ثلاثة قواطع :
1- من نهر اليرموك إلى نهر الزرقاء القاطع الشمالي.
2- من نهر الزرقاء إلى نهر الموجب، القاطع الأوسط.
3-من الموجب حتى حدود العقبة، القاطع الجنوبي على أن يتولى قيادة كل قاطع من هذه القواطع أحد الرفاق أعضاء القيادة القطرية.
وكان يتواجد في كل قاطع بين ثلاث وخمسة قواعد، وفي كل قاعد، بين عشر وخمسة عشر عنصراً وكان يقود الحزب وعناصر قوات الصاعقة، الرفيق هاجم الهنداوي (أبو مروان) يرحمه الله وفي القاطع الأوسط الرفيق محمد عيد عشّاوي عضو قيادة قطر سوريه للحزب، وزير الداخلية والخارجية قبل استقالته من منصبه بسبب الصراع الذي بدأ يظهر على السطح في قيادة الحكم في سوريه آنذاك، وتطوع للعمل معنا في صفوف الصاعقة في الأردن وللحقيقة أن الرفيق (أبو وسمة) يرحمه الله كان يتصف بصفتين ملازمتين لكل قائد مناضل حقيقي وهما: الشجاعة والقدرة على قيادة الرجال، وكان القاطع الأوسط أكثر القواطع فاعلية للقواطع تحت قيادته وأيضاً تم في حينه تشكيل قيادة، مع كادرها المتواضع للقوات وكان مقرها في منطقة عجلون في (عنجرة) وهناك أسسنا مدرسة إعداد ثقافي وأيدلوجي كوادر القوات وأنشأنا بعد ذلك مركزاً لتدريب الرفاق الحزبيين على السلاح والقتال، وكان على كل رفيق في الحزب مهما كان موقعه في الحزب (خارج القيادة) أن يمضي فترة التدريب المقررة في هذا المركز، وبعدها أنشأنا مركز تدريب أكثر تطوراً على السلاح والتكتيك الحربي في شمال الأردن يقع شمال شرق اربد (قريب من الحدود المطلة على نهر اليرموك)، وبهذا العمل استطعنا أن نضع الحزب وقوات الصاعقة في تنظيم يقف على قدميه.

العمل داخل الأرض المحتلة :

لقد كان حزب البعث العربي الاشتراكي دائم الوجود في فلسطين، وفي فترات عديدة كان

تواجده مميز صحيح أنه حوصر إلى حد الاختناق أثناء خلافه مع الرئيس عبد الناصر، ولكنه كان دوماً يعود إلى المسرح السياسي بقوة، بعد أن تثبت الأحداث، أنه لم يكن السبب الأساسي في نتائجها وقد شُكل مكتب في القيادة القطرية، سمي (مكتب شؤون الأرض المحتلة)، يتولى مسؤوليته الرفيق أحمد النجداوي الأمين القطري المساعد، كانت مهمته الأساسية تأمين مستلزمات ومتطلبات نضال (فرع الضفة الغربية) .
في تلك المرحلة الذي كان يتولى مسئوليته الرفيق أحمد عقل عضو قيادة التنظيم الفلسطيني الموحد، وقد اعتقل الرفيق أحمد عقل وبقي فترة طويلة في سجون "إسرائيل" بعد أن عُذّب تعذيباً شديداً، وكان (فرع الضفة الغربية) يضع القيادة القطرية في صورة الواقع من خلال الرسل، والرفاق الدائمي الزيارات إلى الأردن، عن العمل الذي كانوا يقومون به ضد العدو ووسائل هذه المقاومة. ولكن يبقى هناك حقيقة، وهي من غير الممكن التأكد من جدية هذه التقارير، خاصة وأننا لم نأخذ المدى الكافي حتى تتراكم خبراتنا ومعارفنا ليتطور بعد ذلك إلى أسلوب عمل، استناداً إلى خبرات متراكمة وطبعاً كان يوهن التسارع تطور الفعل ضد العدو المحتل وإن كان على جبهة الحدود أو على جبهة الداخل، الواقع المفروض علينا في ساحة تواجدنا الرئيسية في الأردن، والذي كان يأخذ جل انتباهنا واهتمامنا من خلال التهديد المستمر الذي نلمسه في كل ساعات اليوم الواحد والمتوقع أن ينفجر في كل لحظة ، ومع ذلك وبعد استقرار واقع قوات الصاعقة حسب التنظيم والخطة التي وضعت ونُفّذت تنظيماً وتدريباً منذ منتصف عام 1969 حتى منتصف عام 1970 وهي الفترة التي بدأت بها (الصاعقة)، تقوم بأعمال منتظمة ضد العدو على طول خط المواجهة، مستندة إلى تدريب وتنظيم جيدين وخبرة بدأت بالتراكم.
بدأ العدو "الإسرائيلي" حينها يرد علينا بالطيران، فالمنظمة الوحيدة التي تعرّضت لسلسلة من الغارات المتتابعة منذ بداية عام 1970 كانت منظمة الصاعقة، فقد أغار على مقر القيادة القطاع الأوسط التي كانت تقع إلى الشمال الشرقي من السلط مرتين، وفي المرة الثانية أصاب (المغارة) الذي كان يسكنها الرفيق محمد عيد عشاوي قائد القطاع، بصاروخين إصابات دقيقة، الأمر الذي يعني دقة المعلومات لدى "الإسرائيليين" ولكن المغارة التي اهتزت اهتزازاً شديداً صمدت للصاروخين استشهد لنا عنصران وجرح عدداً آخر وأغار مرتين على قاعدتين لنا على الخط الأمامي في غور الأردن فاستشهد ثلاثة عناصر وجرح عدداً آخر. وأغار على مركز تدريب الصاعقة في شمال أربد ، فاستشهد عنصراً وجرح آخران، وأصابنا إصابات بليغة في آخر إغارة على قواعدنا تلك.
فقد شن بالطيران وبقوات محمولة، على قاعدة لنا في غور الصافي غارة استخدم خلالها قنابل النابالم استشهد خلالها أكثر من عشرة عناصر.
ومعروف أن العدو "الإسرائيلي"، لا يقوم بأعمال انتقامية من هذا المستوى، إلا حينما يكون قد أصيب إصابات بمستوى هذا الرد، وتكوّن لديه تصور من خلال الفعل، إن هناك تطوراً في هذه الجهة يشكل خطراً لا بد من المبادأة لإيقافه.
وقبل أن أغادر هذا الموضوع هناك واقعة لا بد من ذكرها، للتذكير، ففي صباح اليوم التالي لاجتماعي بالرفيق هاجم وعناصر قيادته، في قيادة القوات في منطقة عجلون، وبعد مغادرتي الاجتماع، فرّ من قوات الصاعقة ثلاث ملازمين أردنيين، من أصل أربعة كانوا قادة قواعد في قوات الصاعقة، وكان هؤلاء الملازمين الذين تخرجوا من كلية حمص العسكرية، والذين أرسلوا إليها كونهم بعثيين، والتحقوا في صفوف الجيش العربي السوري بعد ذلك، ضباطاً بالتعاقد، وبعكس الجيش العراقي (حتى الزمن الذي لم يكن فيه حزب البعث العربي الاشتراكي يقود السلطة في العراق) ،(الدلالة على صدق الالتزام في كلا الموقعين)، وكرد فعل لهذه الأمر طلب مني أحد الرفاق عضو القيادة المسؤول عن الأمن في الحزب والقوات الموافقة على مهاجمة بعض مكاتب (جبهة التحرير العربية) في عمان، والاستيلاء على الأسلحة فيها، فوافقت على ذلك والموافقة لم تأت لأنني انزعجت من هرب هؤلاء الشباب إلى قناعاتهم، ففائدتهم كانت قليلة، وهم أيضاً لم يهربوا إلى صفوف الأعداء، لكن موافقتي التي كانت ضد قناعتي جاءت لأسباب أخرى حكمت هذه الموافقة.

حركة التحرير الفلسطيني (فتح) تحقق خطوة أساسية إلى الأمام :

لقد ذكرت في سابق هذه الذكريات، كيف تم التعاون بين (فتح) والصاعقة، لتشكيل المجلس الوطني الفلسطيني لمنظمة التحرير الفلسطينية من أعضاء هذا المؤتمر منتمين إلى (فتح) والصاعقة ومن مستقلين محسوبين على الطرفين، وهنا لا بد أن أذكر أنني عارضت بشدة تسلم (أبو عمار) رئاسة اللجنة التنفيذية، واقترحت بديلاً عنه شخصية فلسطينية كانت عضواً في اللجنة التنفيذية التي كان يرأسها الأستاذ أحمد الشقيري رحمه الله وهو الأستاذ عبد الخالق يغمور، الذي كان عضواً في مجلس نواب عام 1957 عن منطقة الخليل ممثلاً للجبهة الوطنية في حينه، إلا أن (فتح) أصرّت على أن يكون الأخ ياسر عرفات رئيساً للجنة. وحينما طرح الأخ أبو عمار رئيساً للجنة التنفيذية التي لم يكن عبد الخالق يغمور عضواً فيها وحيث لم يكن بالإمكان حينها العودة بالأمور إلى الوراء، وبهذه الخطوة كانت (فتح) قد خطت الخطوة النهائية في مسيرة تُسلم الشرعية الفلسطينية وأنا لا بد أن أجيب على تساؤل للرفيق عبد الوهاب الكيالي (يرحمه الله)، الذي كان أميناً للجنة المركزية لجبهة التحرير العربية، وكان حينها يحضر المؤتمر بصفة (مراقب) فلم تكن جبهة التحرير العربية قد تمثلت في المجلس الوطني الفلسطيني بعد، وكنت أسير وإياه في ساحة مبنى الجامعة العربية التي كانت تعقد فيها جلسات المجلس قال : أولاً أنت بعثي وثانياً أنت لست فلسطينياً فلماذا؟ تؤيد ما معناه قطرية العمل الفلسطيني، ولم أجبه على هذا التساؤل المشروع حينها إنه لسوء الحظ لن يقرأ هذه الإجابة بعد أن اغتالته القوى المضادة لنهجه، ولكنه عرفها بذاته بعد حين، لأن جبهة التحرير العربية وجدت نفسها أنه لا بد لها أن تسلك نفس الطريق، وجاهد من أجل أن تكون جبهة التحرير العربية جزءاً من الشرعية الفلسطينية، حتى بعد أن أصبحت (فتح) أكثر وضوحاً، إن كان ذلك في هدفها التي تسعى إليه أو في أساليب عملها للوصول إلى هذا الهدف، وحينها دخلت جبهة التحرير العربية منظمة التحرير، ودخلت أنا إلى سجن المزه قبل ذلك، ومع ذلك فأنا مطالب أن أجيب على تساؤل رفيق بعثي مؤمن وصادق، لماذا تعاونت مع حركة (فتح) أولاً لإبراز قطرية العمل الفلسطيني وثانياً تسليمها شرعية هذا العمل؟ إن حزب البعث العربي الاشتراكي كان يطالب باستمرار إن بأدبياته أو من خلال مقررات مؤتمراته القومية، إن للشعب العربي الفلسطيني الحق، بأن يمتلك زمام أمره وشرعية قضيته، مثله في ذلك مثل أي شعب عربي آخر في كل أقطار الوطن العربي، ومن هنا ففي سورية وفي ظل حكم حزب البعث قبل 23 شباط، أي في ظل قيادة الرفيق ميشيل عفلق للحزب، كان البعثيون الفلسطينيون منظمون بتنظيم خاص بهم يتبع القيادة القومية مباشرة، مثلهم في ذلك مثل أي تنظيم للحزب في كل الأقطار العربية يسمى فرع فلسطين لحزب البعث العربي الاشتراكي، لكن حزب البعث العربي الاشتراكي لم يبادر بالعمل على تحقيق حق، نادى به وأقرته مؤتمراته، أي أنه لم يحقق هذا المبدأ على الصعيد القومي، بخلق تنظيم فلسطيني يُنظّم من يرغب من الفلسطينيين أينما وجدوا في هذا الكون، والهدف من هذا التنظيم هو الكفاح والجهاد من أجل فلسطين (وهو الذي قال أن تحرير فلسطين يقود إلى الوحدة) (وهذا صحيح)، من أجل استعادة حقهم المشروع في أرضهم وعليها، وأن يكونوا قادة وسادة قضيتهم والحزب أقدم من حركة التحرير الوطني الفلسطيني (فتح)، التي انضم إليها المئات من البعثيين بأكثر من عشر سنين وهو أكثر وضوحاً فكراً ونهجاً ولو أن البعث الذي تزامنت ولادته (كحزب بعث عربي اشتراكي) مع استفحال المخاطر على فلسطين وفي ذروة الصراع بين الفلسطينيين العرب والصهيونية وحليفها الاستعمار البريطاني، لبادر أثر هزيمة الجيوش العربية الرسمية، إلى خلق تنظيم فلسطيني بقيادة فلسطينية. وأدخل في هيكل هذا التنظيم كل المناضلين الذين يحبون فلسطين، هل كانت القضية الفلسطينية تنتهي إلى ما به الآن، بل هل كان الواقع العربي الذي يحيط بفلسطين سيكون على ما هو عليه الآن، طبعاً لا فالفلسطينيون كانت قضيتهم حية في نفوسهم وهم ما زالوا على أتم الاستعداد لمواجهة مخاطرها ولم تتقاذفهم الأيدي القذرة بعد ولا زالوا يمتلكون الكرامة ودماء شهدائهم تدفع بهم إلى الأمام وحنينهم إلى فلسطين شديد وكانت قضية فلسطين حينها حية وملهبة لشعور الإنسان العربي، وجاذبة بقوة للواقع الحي في نفسه، إن كان نخوة أو عاطفة دينية أو قومية، فلماذا لم يفعل الحزب ذلك؟ لأن هناك قصوراً بيننا وتناقضا بين الفكر والفعل، ولا نستطيع إلا أن نعترف بذلك. رب قائل سيقول، إن ظروف الواقع العربي، الشعبي، والسلطوي ودور القوى الدولية والإقليمية التي ساندت (فتح) في استراتيجيتها التي لا تتعارض مع المصالح القطرية، بل تتوافق معها تماماً ولا تعرض المصالح الاستراتيجية للقوى الكبرى وخاصة الغرب والصهيونية لأية مخاطر، بل وتسعى لعزل القضية الفلسطينية عن التأثير الفكري والمادي للقومية العربية، لا يمكن توفرها لحزب البعث العربي الاشتراكي الذي تعاديه كل هذه القوى.
وأرد على هذا الافتراض الصحيح، لكنه التقليدي، أن البعث حزب ثوري، فكراً وأداة لأن من يدعو لوحدة الأمة العربية المجزأة أقطارها والمستعمرة ويخلق فكراً موضوعياً وأداة لتحقيق مضمون وأهداف هذا الفكر من خلال جماهير الأمة وليس من خلال حكامها، هو بالتأكيد حزباً ثورياً، ولو حقق البعث ما ذكرته في هذا الموضوع لاختلفت النتائج تماماً.
ومن هنا لا يجوز لا أخلاقياً ولا وطنياً طالما وقد بادرت (فتح) لخلق حالة أهّلتها للوصول إلى الشرعية الفلسطينية، أن لا نُعينها على ذلك، بغض النظر عن المآخذ على كل مضمون (فتح)، وواقعاً ما كنا نستطيع هزيمة خط (فتح) في تلك المرحلة والذي كان سيحدث لو تعارضنا مع (فتح) وبذلك يسجل علينا أننا كنّا نشتت العمل الفلسطيني ونجزؤه من أجل فهم غير صحيح، ومصالح غير مشروعة، ويظل الذي قلته في اجتماع القيادة في دمشق صحيحاً، من أن فلسطين أغلى من أن نتنافس عليها، إلا برص الصفوف وبالتضحيات من أجلها والمسار الطويل والشاق، هو الذي سيخلق المؤهلين لهذه الشرعية. فبعد نصف قرن من التضحيات السخية التي قدمها الإنسان العربي، مصريون، لبنانيون، عراقيون، سوريون وأردنيون وأهمها تضحيات الفلسطينيين، التي كان سبب هدرها المسار المنحرف (لفتح).
فبالرغم من الوصول إلى طاولة المفاوضات من خلال واقع غير متوازن خاصة بعد أن كسر أنذال العرب سيفهم في العراق، فلا نزال بعيدين حتى عن ما يطالب به ياسر عرفات (كيان يمنح هوية للفلسطينيين)، ولنفرض أنه صار هناك تسوية، فهي فرض واقع والواقع المفروض سيتغير. إن العرب لا ينسون، فهم لا يزالون يتذكّرون (الأندلس)، وهي ليست أرضهم فهل يعقل أن ينسوا فلسطين، وهي منذ أن وجودوا وهي أرضهم؟

حركة التحرير الوطني الفلسطيني والشرعية الفلسطينية :

بعد أن تسلمت (فتح) قيادة العمل الفلسطيني وشرعيته، من خلال قيادتها لمنظمة التحرير الفلسطينية وهي الخطوة الأساسية التي لا بد منها للسير باستراتيجيتها إلى التحقق، لإيجاد كيان فلسطيني، لا أحد يستطيع أن يتنبأ بمواصفاته حتى الآن، مضافاً إلى الكيانات الهزيلة في بلاد الشام وحتى يتحقق هذا الهدف المتوافق مع الاستراتيجية الدولية والإقليمية (عرب وغير عرب)،لا بد لها من تدمير الواقع الحي في الشعب الفلسطيني، وفي الشعب العربي المحيط بفلسطين، حتى تصل إلى الهدف المنشود، وهكذا التقت استراتيجية (فتح) مع استراتيجية النظام في الأردن، وكل نظام مع التسوية بل وكل الأنظمة العربية مع التسوية ما عدا العراق، والهدف الأساسي هو تنظيف الساحة من كل مقاوم لهذه الاستراتيجية.
في لقاء لي مع مدير المخابرات الأردنية اللواء (محمد رسول)، طلب هو ترتيبه من الرفيق عبد الرحمن العرموطي، مدير أمانة سر القطر في منزل اللواء (محمد رسول) في الشميساني، تحدّث (أبو رسول) في بداية اللقاء مطولاً، عن ميزات وقدرات الملك حسين وصفاته الإيجابية ، وبعدها انتقل إلى الموضوع الذي من أجله عقد هذا اللقاء قال: إن الأخ أبو عمار والأخ أبو أياد التقيا بجلالة الملك حسين في هذا المكان الذي نجلس فيه، وأقسما له على القرآن أن (فتح) لا تستهدف النظام في الأردن، بل هي حريصة عليه هذه الحقيقة كنت قد عرفتها في حينه، ولم أكن بحاجة إلى أن أسمعها من (أبو رسول)، ولكن مدير المخابرات كان بحاجة أن يسمعني إياها حتى إذا كان في ذهني غير ذلك أكون على بينة من موقف حلفائي، وأظنه قال ذلك متأملاً أن يسمع مني ما يماثله ومع أنني في حينه قد فقدت الأمل في تحقيق أماني حول الأردن، إلا أنني لم أقل ما قالته (فتح) لماذا؟ لا أعرف، ولكن يمكن أن يكون عاملاً ذاتياً، إن أحد الأسباب التي في تقديري جعلت (أبو رسول) يلتقيني، هو النمو المتسارع للتنظيم الفلسطيني الموحد لحزب البعث العربي الاشتراكي المتعارض والخط البياني لموضوع خط (فتح) السياسي، والخطر الذي كانت تستشفه (فتح) من هذا النمو ليس فقط في الرؤيا التي بدأت تنضج في أوساط المقاومة، بل في أوساط (فتح) ذاتها. ففي إحدى الليالي، وكنت أعمل في مكتبي لوحدي لساعة متأخرة من الليل على الدوار الأول (لجبل اللويبدة)، دخل عليّ أبو عمار وأبو صبري والأستاذ كمال ناصر، وكان فرح (الضمير)، واضحاً حينما وجدني أعمل في هذه الساعة المتأخرة، وبعد أن جلسوا توجه إلي أبو صبري مباشرة طالباً مني أن أقدم لقيادة (فتح) كشوفاً تحتوي أسماء وأعداد قوات الصاعقة وحزب البعث العربي الاشتراكي، فذُهلت لهذا الطلب، وأعيتني الحيلة على الرد المناسب فخرجت من الغرفة إلى الصالة، حتى تهدأ نفسي ولحق بي بعد حين الأستاذ كمال وعدت وإياه إلى الغرفة ولم نتحدث في هذا الموضوع مرة أخرى.
والطرف الآخر المعني والأكثر اهتماماً، بمعرفة كل نواحي واقعنا بشكل دقيق، هو النظام في الأردن، فقد عمل الحكم في الأردن كل ما استطاعه حتى يكون على بيّنة ومعرفة بكل ما يدور، داخلنا ونوايانا وتوجهاتنا، وكنت أنا شخصياً دوماً في متناول يده، وكان له في واقعنا ممثلين على كل المستويات، وإلى القارئ هذه الحقيقة لم يتواجد سائق يقود سيارتي إلا وكان عميلاً للمخابرات أو استطاعت المخابرات أن تُجنّده بما فيهم أحد أقاربي الذي اضطر إلى ترك العمل معي، حتى لا يكون مخبراً علي، وقد عيّنت بديلاً عنه، شاب من مأدبا أعرفه وأعرف عائلته اسمه (عبد الله الست)، وهو أصلاً من الشام، وأعرف أنه لا يمكن أن يكون له صلة بالمخابرات، ومن هذه الثقة ساق سيارتي من عجلون إلى جرش في زيارة ليلية (للرفيق ضيف الله مساعدة)، رائد في سلاح الطيران الأردني، وحينما عرفت أن الرائد ضيف الله، قد اعتقل اتجهت أفكاري إلى سائقي وأنه هو الذي أبلغ عن الزيارة وكنت حينها وإياه في الشام، فاستدعيته إلى غرفة في قيادة الصاعقة وبادرته قائلاً: أخبرني الحقيقة ولا تخف، هل أنت الذي أبلغ سلطات الأمن في الأردن عن زيارتي للرائد ضيف الله في منزله في جرش. فأجابني بنعم ولما سألته متى جندوك؟ قال لي قبل شهرين سألته من جنّدك؟ قال لي وكيل في المخابرات اسمه بركات بركات، فتركته يذهب إلى الأردن وكنت أعرف كل ممثلي السلطة وممثلي (فتح) وأيضاً ممثلي النظام السوري في صفوفنا، وخاصة القياديين والحقيقة أنني لم أعد اهتم لذلك بل العكس هو الصحيح، كان يهمني أن تصل نوايانا إلى المراكز المسؤولة في السلطة لماذا؟ لأنني في هذه المرحلة فقدت الأمل نهائياً في تحقيق تصوري فيما يتعلق بالواقع السياسي في الأردن من موقفين:
(أ‌) موقف وموقع حركة (فتح).
(ب) وهو الأهم واقع الحكم في دمشق والملك حسين كان يعرف هاتين الحقيقتين بالرغم من (الهيزعات) والتدخلات المظهرية التي سببها الصراع على السلطة في سورية.
ولم يكن النظام في الأردن، وحركة (فتح) هما فقط الحريصان على معرفة واقعنا بدقة في التنظيم الفلسطيني الموحد وقوات الصاعقة، بل إن المؤسسة العسكرية ممثلة بوزارة الدفاع (والتي كانت واقعاً هي السلطة في حينه) وحواريوها من الانتهازيين، والذين لم يكونوا يقلّون عنهما حرصاً وهم في طليعة القوى التي كانت تعمل لتمرير التسوية.







 
رد مع اقتباس
قديم 18-04-2010, 03:43 PM   رقم المشاركة : 31
معلومات العضو
افتهان الزبيري
أقلامي
 
الصورة الرمزية افتهان الزبيري
 

 

 
إحصائية العضو







افتهان الزبيري غير متصل


افتراضي رد: المناضل / ضافي موسى الجمعاني


الاستعداد للحسم :

كان النظام في الأردن يجري على قدم وساق الاستعدادات اللازمة، والتجارب المستمرة من أجل حسم التناقض في ساحة الأردن بين السلطة والمقاومة لصالحه، لقد خدمته مرحلة المقاومة الفلسطينية، كما خدمته قبلها مرحلة الديمقراطية وكان يخرج من الأزمة سالماً صاعداً سلم الأخطاء التي خلقتها قوى المرحلتين، وكلا المرحلتين مصنوعتان لهدف يخدم استمرار النظام، فمرحلة الديمقراطية خُلقت من أجل الارتداد عليها ومن بعد ساقونا معصوبي الأعين، مكتوفي الأيدي، إلى هزيمة عام 1967، وحركة التحرير الفلسطيني والعمل الفدائي على الساحة الأردنية، خلق من أجل:
أولاً: محو مسؤولية النظام التاريخي من ذهن المواطن من جانب رئيسي في كارثة فلسطين منذ وجوده وحتى هزيمة عام 1967 وتأهيله ليلعب الدور الأساسي في هزيمة المقاومة في أيلول عام 1967.
ثانياً: حتى يساق عرب فلسطين وكل العرب الملتفين حول فلسطين حتى يساقوا من خلال التوافق والتناقض المسيطر عليه، إمبريالياً وصهيونياً إلى ساحة المهرجان وأيديهم معصوبة على علم فلسطين ليضعوه على قبة (الصخرة المشرفة) على رأي أبو عمار، هذه هي أساليب الاستعمار القديم والجديد وحليفهما الصهيونية.
وفي هذه المرحلة وفي كل مرحلة سبقتها من تاريخ الصراع على فلسطين، يخلقون واقعاً يمحون به من أذهان الناس، مرحلياً حقائق ترسّخت، من هنا فقد نسي الناس النظام وكل مآثره التاريخية إلى أن ذكرهم هو بنفسه، بعد أن تأكد من واقعين. أولاً: أن القوى الحية في الشعب العربي مقيدة بسلاسل الكذابين وثانيهما أن الشعب في الأردن قد انقسم إلى جمعين، جمع الفلسطينيون وتقوده المقاومة الموجهة بنادقها إلى السماء، وجمع الأردنيون وأكثريتهم في تلك المرحلة مع النظام الذي كان مسؤولوه في منتصف عام 1970 يجولون مدن الأردن وأريافه يوزعون السلاح قائلين، دافعوا عن أحسابكم وأنسابكم فالفلسطينيون يريدون الاستيلاء على أرضكم، هذه حقيقة الواقع قبل أيلول الأسود الذي سودت وجهة المقاومة و(فتح) خاصة.

بداية الطريق إلى حسم التناقض :

أصدرت حكومة السيد بهجت التلهوني أمراً إلى المقاومة يتضمن أربعة عشر قيداً على نشاط المقاومة، طالبة من المقاومة الفلسطينية وضع هذه القيود في معصمها. والسيد بهجت التلهوني، كان أكثر رؤساء الوزارات قرباً من الملك حسين. وهذه الأربعة عشر قيداً، تخرج المقاومة نهائياً من جلدها لتصبح بعد ذلك أداة من أدوات سماسرة السياسة الدولية، وحين أصدرت الحكومة أمرها هذا، كان السيد ياسر عرفات في زيارة للاتحاد السوفيتي، يقوم بجولة على المصانع، وفي كل مصنع من هذه المصانع يعلق العمال على صدره نيشان ذكرى زيارته لهذا المصنع، أن هنا التوقيت لم يأت مصادفة، ومن الطبيعي أن يكون رد فعل المقاومة على القيود رداً يتناسب ومستوى الرفض، وكنت شخصياً حين إصدار هذه القيود خارج عمان، كنت بالتحديد في مقر قياد الصاعقة في قرية عنجرة. وقمت في اليوم التالي بزيارة لقيادة القطاع الأوسط، وأثناء وجودي في قيادة القطاع مع الرفيق (محمد عيد عشاوي) قائد القطاع، أجرت قيادة المقاومة اتصالاً معي تطلب مني التوجه إلى عمان. لأن هناك قتالاً في مناطق عديدة بين المقاومة، وقوات الأمن في مدينة عمان، الأمر الذي يستدعي وجودك لماذا وجودي أنا وهناك مسؤولون في حركة المقاومة وخاصة في (فتح) أكثر قدرة على التعامل مع هذه الأحداث، والتعامل مع السلطة مني، وتبين لي فيما بعد (أي قبل أن أتوجه إلى عمان) أن جهة ما نصبتني نائباً للأخ ياسر عرفات ومن هذا الموقع يفترض أن أكون موجوداً طالما أن الأخ أبو عمار غائب عن المسرح، فصفنت في الأمر فمن خبرتي وتجربتي، حتى لو كنت حقيقة نائباً لياسر عرفات فهناك أطراف في المقاومة وخاصة في (فتح) يزعجها إبراز هذا الأمر أما النظام، فمن المؤكد أنه لا يقبل التفاوض معي من هذا الموقع. إذاً ما هو المقصود الذي لم أتبينه في حينه؟ وبعد ذلك كرروا الطلب بوجوب حضوري إلى عمان.
غادرت قيادة القطاع الأوسط لا يرافقني إلا سائقي وسلاحي الشخصي، وعلى أول مرتفع على طريق السلط ـ عمان ، اعترضني حاجز يحرسه رجال الأمن، ورفض هذا الحاجز السماح لي بالمرور ، فأبلغتهم أن الحواجز على الطرق، تمنعني من المرور فاتصلوا بي ثانية وقالوا إن جميع الحواجز على الطرق لديها أوامر بأن لا يعترضوك، حينها شددت الرحال إلى عمان، وعلى مشارف مدينة عمان بعد خروجك مباشرة من تلال (الجبيهة) واجهت حاجزاً معززاً بالأمن والشرطة العسكرية وبمجموعات من الجيش تأخذ مواقع متخندقة لها على جانبي الحاجز، وقافلة طويلة من السيارات المدنية، كل منها تنتظر دورها بالمرور، في ظل إجراءات بطيئة متعمدة وحين واجهت بسيارتي الحاجز، تقدم مني مساعد شرطة فأخبرته من أنا، وقلت له أنا مطلوب للقاء الحكومة، فأجابني أن مرورك غير مسموح به، فنزلت من السيارة وبندقيتي في يدي، وقلت له، إن وجودي في عمان ضرورة، فتقدم مني والتحدي باد عليه، ومسك بندقيتي من عنقها، وقال إنك لن تمر، ثم حاول سحب البندقية من يدي، فلم يستطع ذلك ، فأمسكها بكلتي يديه، وحاول سحبها من يدي فلم يستطع، فنهرته وقلت له، لا تحاول ذلك إن بندقيتي لا تخرج من يدي وأنا حي، حينها ترك البندقية وقال إنك لن تمر، فعدت من حيث أتيت، ولما رآني الرفيق محمد العشاوي قائد القطاع قال أراك قد عدت فأخبرته بالحال عما حصل معي، وعادوا واتصلوا بي، فقلت عليكم حل مشاكلكم وأنا لن أدخل عمان في ظل هكذا واقع.
هذه الحواجز والمواقع غير المتباعدة والمعززة على كل مداخل عمان، كانت مبرراتها معروفة، فهي اختبارات تجربها السلطة، وتهيئة نفسية لوضع أداة الحكم في موضع الاستعداد الدائم، ووضع المقاومة في وضع الترّقب والدفاع الدائم، ولكن الوضع الذي وجدت نفسي فيه، خلق موقع نائب لياسر عرفات ودعوني للتفاوض من موقعي المخلوق هذا ومن بعد إعادتي ومنعي من المرور لمرات عديدة مع تصرف خشن كل هذا لم أتبين مراميه بعد.
أمضيت فترة الظهيرة مع الرفيق (محمد العشاوي) قائد القطاع الأوسط، وعند العصر وصلت إلى قيادة القطاع، سيارة أمريكية سوداء (مزيونة) نزل منها الأستاذ كامل عريقات رئيس مجلس النواب (الذي انحل بعد هزيمة عام 1967)، خرجنا له أنا والرفيق (أبو وسمة) ودعونا للجلوس، فقال لي: إن الحكومة والأخوان في المقاومة ينتظرونك فسألته: هل أنت قادر أن توصلني إليهم، قال أنا من أجل ذلك قصدتك، فركبت معه في السيارة وقلت في نفسي وأنا راكب معه في السيارة (إن هذا الاهتمام غير العادي بي يثير الريبة). أنزلني من السيارة أمام منزل رئيس مجلس الوزراء، الأستاذ التلهوني، أدخلوني إلى غرفة ضيوف صغيرة، وجدت فيها المرحوم أبو أياد والأستاذ إبراهيم بكر وكذلك الأستاذ عبد المنعم الرفاعي نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الخارجية. فجلست في المعقد الذي لا يجلس عليه أحد، وبعد دقائق قليلة، دخل علينا الملك حسين، يلبس قميص (سبورت) وجلس في صدر الغرفة على كنبة وحيدة، وكأنها معدّة له، وكنت أجلس إلى يمينه، في مواجهة أبو أياد وإبراهيم بكر، فأخرج سيجارة في حركة هادفة فوقفت وأشعلتها له ,جرى حديث ليس له هدف، لم يأخذ أكثر من دقيقتين، نهض بعدها (جلالته) ليغادر ، ولما لم يتحدث أحد في الموضوع الذي من أجله تحملت عناء ومشاكل الوصول ومنذ الصباح وأنا أغدو وأعود، توجهت إلى الملك قائلاً بالحرف: ماذا نقول للإخوان الذين ينتظرون أجوبة حول الحالة القاتمة ، فابتسم الملك لهذا الأسلوب غير المألوف للتخاطب مع جلالته، وأجابني إجابة لم أفهمها ولكنه كان راضياً، والحقيقة أنني حتى هذه اللحظة لم أكن قد اهتديت إلى الأسباب التي تبرر هذا الإصرار، على أن أكون أنا شخصياً مسؤولاً عن الجانب المقاوم في هذه الاجتماعات ، والتعامل غير العادي الذي عانيته طوال اليوم، هل كان الهدف هو تبيان موقفي الحقيقي من خلال النقاش وطرح الآراء، أم كان الهدف أن بعض الأطراف إن كانت في المقاومة أو في السلطة، كانت تعتقد أنني سأعقد الموقف، بشكل قد يقود إلى الانفجار العام ؟ وهذا الأمر كان مستبعداً في تلك المرحلة ، لأن النظام في حينه لم يصل بعد، إلى التقرير في حسم التناقض بعد خروج الملك حسين، وجدت أن هناك اتفاقاً بين أبو أياد وإبراهيم بكر والحكومة ، أن يجري لقاء بين ممثلين عن المقاومة وعن الحكومة مساء اليوم نفسه في مبنى رئاسة الوزراء.
والأمر الغريب أنني لم أُبـلّغ بذلك قبل وصول الملك حسين ولقائنا به في منزل رئيس مجلس الوزراء.
بعد ذلك خرجنا نحن ممثلي المقاومة إلى مقر منظمة التحرير الفلسطينية، ودعونا جميع قادة الفصائل إلى هذا الاجتماع، وحين وصول جميع قادة فصائل المقاومة، أو من ينوب عنهم، عقدنا أول اجتماع في تاريخ تواجد المقاومة على ساحة الأردن، فشرحنا لهم مضمون اللقاء الذي تم في منزل رئيس مجلس الوزراء والاتفاق الذي جرى على اللقاء الساعة الثامنة والنصف مساء هذا اليوم إلى مبنى رئاسة مجلس الوزراء، مع وفد يمثل الحكومة للتباحث في أمر القيود التي أمرت بها وأصدرتها حكومة المملكة الأردنية الهاشمية، وطلبنا منهم تعيين أعضاء هذا الوفد .
وكما ذكرت، كانت هذه هي المرة الأولى في تاريخ المقاومة الفلسطينية على ساحة الأردن التي يدعي بها كافة قادة فصائل المقاومة لبحث أمرٍ يخصهم جميعاً، مستغلاً موقفي الظرفي كنائب للأخ ياسر عرفات، وللتاريخ أن الأخ أبو أياد يرحمه الله كان مع هذا التوجه.
وعن هذا اللقاء ولدت صيغة ما سمي بعد ذلك (المجلس المركزي لمنظمة التحرير الفلسطينية)، وقد سمّى المجتمعون أعضاء الوفد وهم الأستاذ بهجت أبو غربية والمرحوم (أبو أياد) وأبو موسى (ضافي الجمعاني) ، انتقلنا بعد ذلك نحن الثلاثة إلى جبل عمان، حيث مبنى رئاسة الحكومة، وحين وصولنا التقينا بوفد الحكومة في قاعة اجتماعات مجلس الوزراء المكون من، الأستاذ عبد المنعم الرفاعي نائب رئيس مجلس الوزراء، وزير الخارجية في حينه، ومدير المخابرات العامة اللواء محمد رسول زيد الكيلاني ومدير الأمن العام، وكان رئيس مجلس الوزراء متواجداً في مكتبه وفي قاعة الاجتماعات .
وما أن جلسنا إلى طاولة المفاوضات لنبدأ التفاوض، حتى وصل موكب الملك حسين إلى مبنى الرئاسة، فخرج أعضاء وفد الحكومة بمعية رئيس مجلس الوزراء لاستقباله، ودخل علينا في قاعة الاجتماعات وفي معيته رئيس مجلس الوزراء ورئيس الديوان الأستاذ زيد الرفاعي والوفد الحكومي، ومرافقيه العسكريين، وجلس على رأس الطاولة، وفي يده جهاز إرسال واستقبال وضعه أمامه بعد أن جلس، وجلسنا نحن وفد المقاومة إلى يمينه ووفد الحكومة، إلى يساره، وكان يجلس إلى يمينه المرحوم أبو أياد، وأنا إلى يمين أبو أياد ثم الأستاذ بهجت أبو غربية وحين اكتمل جلوسنا جرى إبلاغه على الجهاز، أن المقاومة تهاجم الآن قيادة منطقة البادية ، وقيادة منطقة البادية كانت في حينه مواجهة تماماً لمخيم الوحدات ، وقام بإبلاغنا هذا الأمر، وبعد ذلك أردف قائلاً ما مضمونه ، أننا نريد أن نعرف هل هناك دولة وحكومة لهذا البلد أم أن هناك من يعتبر أن لا وجود لهذه الدولة، فإذا كنا جميعاً نعتبر أن الدولة موجودة وهذه الدولة لها حكومة عليها أن تقوم بواجباتها وتمارس مسؤولياتها ، حينها لن يكون هناك خلاف بيننا ، أما إذا كان هناك من يعتبر أن لا وجود لهذه الدولة ولديه قناعات مختلفة، فلا بد حينها أن نعرف ذلك . فانتظرت أن يجيب على تساؤله المشروع هذا أحد رفيقي، ولما لم يقل أي منهما قولاً يرد به على تساؤلات الملك حسين، عرفت حينها أنني المقصود بهذه التساؤلات وأن عليّ أن أجيب عليها، فقلت : يا جلالة سيدنا أنت لست طرفاً في هذا الذي يجري بين الحكومة والمقاومة، بل أنت حَكم، فسبب هذه الأحداث هي الأربعة عشرة قيداً على حركة المقاومة التي أصدرتها الحكومة دون التشاور مع المقاومة. والمقاومة يا جلالة سيدنا ، لا تستطيع قبول هذه القيود، لأنها بصدق تلغي مبررات وجودها كواقع مستقل له حرية العمل ضد عدو يحتل أرضها، هذه هي المعضلة وحين سماعه لهذا الجواب الذي في تقديري لم يكن يتوقعه ، (جواب موضوعي ولائق) نهض وتبعه أعضاء الوفد إلى مكتب رئيس الوزراء للتشاور غاب مع مستشاريه قرابة النصف ساعة وجاء ببيان جديد يفترض به أن يكون مختلفاً عن شروط الحكومة التي سببت الأزمة، ولما قرأت البيان بتمعن وجدته تماماً كما يقال (بدلاً من أن تمسك إذنك اليمين بيدك اليمنى وتقول هذه أذني ترسل بيدك اليمنى فوق رأسك لتمسك أذنك اليسرى وتقول هذه أذني) ، فصفنت في الأمر ووجدت أن أي نقاش ومحاوره حول مضمون هذا البيان ، الذي لا يختلف عن بيان الحكومة الذي سبب الأزمة إلا في الصياغة، لا يمكن أن يكون مضمون وحصيلة هذا الحوار متفقاً مع اللياقة في أي من حدودها، والمقاومة مبدئياً لا تستطيع أن تساوم النظام على منطلقها الأساسي ، ولا على حرية عملها، وأيضاً قد يقود النقاش والحوار والجدل إلى زلات غير لائقة أمام الملك حسين، إن كان ذلك بالكلام أو السلوك ، فوقفت وقلت يا جلالة سيدنا والله لو أشنق على باب رئاسة الوزراء هذه، ما أخذت بياناً مثل هذا البيان لأعرضه على أخوتي في قيادة المقاومة، لم يظهر أي نوع من الغضب أو حتى الاستياء على ملامح وجه الملك حسين، وإنما الذي تعرض إلي (ربما لأن مسعاه قد خاب) هو محمد رسول قائلاً : ما معناه ولم يقل الكلمة ذاتها (وقاحة أو صلافة) فقلت له مباشرة وعفوياً (أنت ما لك علي شيء) . وفد فهم الملك حسين معنى هذا الرد العفوي، فابتسم ابتسامة عريضة، وبعد هذا القول انفض اللقاء على أن يستأنف بعد ذلك.
ولقد سألت نفسي بعد خروجنا لماذا؟ كان جوابي على ما وجهه إلي أبو رسول، هو ما قلت ولم أكن مهيأ لا لما سمعت، ولا لما قلت، ولم يكن هناك رد أفضل من ذلك، وقد تلقى أبو رسول الإجابة، وحاول ردها على طريقة المخابرات، فقد أرسل رسولاً إلى محمود المعايطة (أبو ساهر) في دمشق، وأبلغه الواقعة مشوهة وقال إن ضافي كان يقصدك ولما ذهبت إلى دمشق التقاني محمود بمنتصف الطريق إلى مكتبه، الذي كنت باتجاهي إليه، وهو (مستعد للهوش) لأول مرة في تاريخ العلاقة الطويلة بيني وبينه. ولما واجهني، قال أنت قلت لمحمد رسول كذا فأجبته، وأنت ما هي علاقتك في الأمر، فاستدار إلى مكتبه وبالتأكيد أن محمود لم يكن المقصود بجوابي ذاك وهنا وصل مخطط تنصيبي نائباً لياسر عرفات إلى نتائج مختلفة عن النتائج المرجوة، وحين صفنت في الأمر قدرت التقدير التالي (الذي يبقى تقديراً ذاتياً) وهو أن أطرافاً في السلطة أهمها زيد الرفاعي رئسي الديوان الملكي آنذاك، ومدير المخابرات العامة اللواء محمد رسول حينها ، وأنا حينما أقول (زيد الرفاعي فلأني أعرف تأثيره في موقعه وعلاقته بحركة فتح) وقرروا على ما يبدو من خلال مخطط مدروس دفعي إلى القبول على الأقل بالمساومة على مبدأ حرية المقاومة، وهذا الأمر يعني الكثير لحركة (فتح) أولاً، وللنظام ثانياً، والأهم بالنسبة للتنظيم الموحد (لحزب البعث العربي الاشتراكي) وقوات الصاعقة المسؤول الأول عن قيادتهما وإلا ما معني تعييني في هذا الموقع رغم مواقف (أطراف هذا اللقاء المعارضة لذلك) وذهابي وإيابي من على الحواجز المنصوبة على الطرق والعيون الحمراء التي واجهوني بها على جميع هذه الحواجز ومن بعد ذلك حضور الملك حسين شخصياً هذه الاجتماعات، الأمر الذي يفرض علي أخذ هذه الأمر بالاعتبار وهو تقدير صحيح ومن ثم حضور شخصيات فلسطينية معروفة مثل كامل عريقات وداود الحسيني وغيرهم، ووجودهم يعني أنهم مع توجه النظام وهم كذلك، وأخيراً أنني من وجهة نظرهم (طالع من الدم) كما يقول المثل العشائري في عقليتهم، أي أنني لست فلسطينياً وكنت قد اقتنعت تماماً في هذه المرحلة، أن حركة التحرير الوطني الفلسطيني (فتح) تسعى إلى الهزيمة أمام النظام وأن كل هذه العوامل مجتمعة، ترغيب وترهيب ومجاملة، كانت تسعى إلى دفعي للقفز فوق قناعاتي ولكنني لم أفعل لقد قلت أن هذا اجتهاد، ففي المؤامرات التي لم تكشف، لا يعرف الحقيقة فيها إلا المتآمرون.


عودة أبو عمار إلى عمان :

في صبيحة اليوم الثاني للقاء وفد المقاومة بالملك حسين ووفد الحكومة، عاد أبو عمار من رحلته إلى الاتحاد السوفيتي آنذاك وكان قادة فصائل المقاومة مجتمعين في مقر منظمة التحرير الفلسطينية لمناقشة ما دار في مباحثات الليل الفائت مع وفد الحكومة، وحين وصل أبو عمار إلى أحد مقرات (فتح) العديدة، أبلغني أبو أياد بذلك، فذهب أبو أياد والرفيق يوسف البرجي عضو (قيادة التنظيم الفلسطيني) عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية لاصطحابه إلى مقر الاجتماع، إلا أنهما عادا بدونه فسألتهما لماذا لم يأت أبو عمار ليترأس الاجتماع، فقل لي أبو أياد (يرحمه الله) الأفضل أن تذهب أنت إليه وتتكلم معه، فاصطحبت أبو أياد وتوجهنا للقائه وقد أدركت أسباب التمنَع , فلما التقيناه هنأته بالسلامة وقلت له، يا أبو عمار لا أحد في المقاومة يستهدف تجاوزك، وهذا الاجتماع والصيغة التي يمثلها فرضتها الأحداث التي جرت في غيابك وأنت حر في كيفية التصرف تجاهها فهذه مسؤوليتك ، فارتاح لما قلت ونهض معنا إلى مقر منظمة التحرير، حيث المجتمعون ترأس الاجتماع، ومن بين حضور هذا الاجتماع الدكتور منيف الرزاز ممثلاً لجبهة التحرير العربية، وبدأ هو حديثاً مطولاً لا تعرف عن ماذا يتحدث؟ يسرح في المجتمعين بكل الاتجاهات، حديث ليس له علاقة بما هو مطروح في هذا اللقاء، ولا بالظروف والأحداث التي سببت عقد هذا الاجتماع صلافة وقدرة على تجاوز حقيقة هذا الاجتماع وأسبابه والرجال المجتمعون في حينه لا يضاهيهما قدرة، فنظر إليّ الدكتور منيف بمعنى ما هذا؟ فنهضت من مجلسي في الاجتماع وخرجت إلى الصالون أنوي الخروج إلى الحديقة، وحين فتحت الباب الرئيسي أهم بالخروج إلى الحديقة سمعت خلفي (نحيباً) فالتفت، فإذا بالأستاذ (بهجت) ينتحب قائلاً لي: (شو هذا يا أبو موسى). وأنت لا تعرف الكارثة!!، إلا حينما تسمع نحيب رجل مثل هذا الرجل الباسل الذي قتل مدير بوليس القدس وعمره آنذاك ستة عشر عاماً، هذا الرجل المؤمن بقضيته رفيق عبد القادر الحسيني، أفنى عمره يقاتل من أجلها، ينتحب لأنه يرى وطنه يدفع به إلى الهاوية، وهو لأول مرة في تاريخه وتاريخها لا يستطيع الدفاع عنها.
إنني أضع هذه الصورة الحقيقية المعبرة أمام القارئ، لأعينه على معرفة الواقع الذي يجهله وكم كان المطب الذي يحفر لهذه الأمة وإنسانها عميقاً، وإلا ما معنى أن يتجاهل (قائد ثورة الفلسطينيين) الواقع ويقفز فوقه؟ إلى أين؟ إلى المجهول...، لا لسبب، إلا لأنه لا يريد من أحد، إن كان هذا الأحد مقاوماً، أو إنساناً عادياً مهتماً بقضيته، أن يعرف اتجاه المسار لا نسيباً ولا بالمطلق تعتيم كامل على الحقيقة، وعلى الأطراف التي تعمل من أجل طمس هذه الحقيقة وهذا الأسلوب الذي يعالج به رئيس منظمة التحرير الفلسطينية الأزمة، يدل أنه لا يوجد هناك أزمة وأن الأزمة التي افتعلتها الحكومة مع المقاومة هي أزمة هادفة، الهدف منها اقتناص فرصة غياب ياسر عرفات لتحقيق نجاحات على صعيد تقييد حرية المقاومة، وإلصاق التفريط بالجبهة التي قادت هذه المفاوضات.

تكرار الأزمات وصولاً إلى أيلول 1970 :

من المعروف بداهة، أنه في واقع سياسي وصل التناقض فيه إلى نقطة التحول الكيفي بين قوتين، كل منهما تريد فرض نهجها على الواقع سياسياً. من المفترض حينها أن يعد كل من الطرفين عدته لحسم الصراع لصالحه، هكذا كان الموقف بين النظام في الأردن وبين المقاومة في أوائل النصف الثاني من عام 1970 - وأنا هنا سأبيّن قوى هذا الواقع، المتقابلة ضمن التجربة التي عايشتها لقد قلت أن من ينظر إلى الواقع من خارجه، يظن أن هناك خندقين متقابلين، هما خندق المقاومة الفلسطينية، وخندق النظام الأردني والحقيقة أن الأمر لم يكن كذلك لقد كان خندق النظام موحداً ولو ظاهرياً هدفه إنهاء التناقض وإعادة السيطرة على الواقع وهذه طبيعة كل نظام. أما المقاومة التي كانت تقودها حركة التحرير الفلسطيني (فتح) وبالتالي يقودها (أبو عمار) من خلال رئاسته لمنظمة التحرير الفلسطينية، فلم تكن قواها موحدة وكانت رؤاها متعارضة، بل متناقضة بين بعضها فحركة (فتح) لا تستهدف النظام بل هي حريصة عليه كما هي حريصة على كل نظام يعينها على تحقيق استراتيجيتها، وكذلك فهي تخشى البديل عن النظام، لأن أي بديل للنظام لا بد أن يكون وطنياً يستحيل عليه تبني مضمون استراتيجية (فتح) (التي هي كيان فلسطيني غير معروف المواصفات) يتم الوصول إليه من خلال التفاوض، وليس الصراع أما التنظيم الفلسطيني الموحد لحزب البعث العربي الاشتراكي، وقوات الصاعقة، ففكرهم واضح ونهجهم واضح وبالتالي فإن استراتيجية البعث متناقضة تماماً واستراتيجية (فتح).
صحيح أننا لم نطرح شعار إسقاط النظام، ولكننا طرحنا البديل الصحيح، وهو الدفاع عن المقاومة وصمودها أمام محاولات النظام لتدميرها وأنت إذا صمدت أمام محاولات التصفية يعني أن عدوك يتراجع. ففي اجتماع لي مع تنظيم الحزب في الجيش كان بينهم قائد كتيبة، وقائد سرية محمولة، ومدرعات في منزل الرائد (فالح زعل الكتعان الفايز) في قرية (منجا) حضره الرفيق عبد الرحمن العرموطي. قلت للمجتمعين إننا لا نستهدف الإطاحة بالنظام، أو الاستيلاء على السلطة، إن هدفنا هو الدفاع عن أنفسنا وعن المقاومة، أمام هجوم النظام الذي يستعد له، وهدفه تصفيتنا، وانا أطلب منكم من خلال مواقعكم في الجيش ومسؤولياتكم العسكرية العمل على إفشال هذا المخطط، طبعاً هذا القول يقوله مسؤول ليس لديه خطة لمواجهة المقبل من الأخطار. وأنا لم تكن لديّ هذه الخطة وهو قول عام، لأنني لا أستطيع أن أقول قولاً هادفاً ضمن خطة لأنه ليس هناك خطة أولاً، وثانياً لأنك في هذا الواقع لا تعرف من معك ومن هو عليك.
لقد قلت أن الأربعة عشر قيداً على حرية المقاومة، التي ضمّنتها الحكومة الأردنية بيانها، كانت خط البداية لسير النظام في مخططه الذي يستهدف تصفية المقاومة، والمفترض أن يكون هنالك خطة مقابلة لإفشال مقاصد النظام خاصة وإن المقاومة لم تعد فصائل متفرقة لا يجمعها جامع، فقد أصبحت فصائل أساسية وجزأ موحداً في وعاء منظمة التحرير الفلسطينية، تقودها قيادة سياسة واحدة، ودائرة عسكرية، كان يرأسها العميد عبد الرزاق اليحي قائد جيش التحرير الفلسطيني سابقاً، قوات اليرموك، وهو عسكري وضابط كفء، فإذا لم توضع خطة موحدة لقوات المقاومة، ولم تكن المقاومة قادرة فقط على إفشال خطط النظام، ولكنها قادرة أيضاً على جعله يعرف قدر نفسه، ولكن كيف يمكن أن يحدث ذلك؟ والهدف ليس سلامة المقاومة فقط ولا إفشال مخطط النظام ضدها والذي من المفترض أن يكون كذلك للحفاظ على وجود ومكتسبات المقاومة، وإنما كان الهدف مع الأسف، هو الاستمرار بالمؤامرة، التي انتهت صفحتها الأولى بهزيمة 1967 والآن بدأت صفحتها الثانية، وهي سحق القوى الحية في الشعب العربي الفلسطيني، وفي الشعب المحيط بفلسطين من خلال مخطط جهنمي لا يمكن أن تتجه إلا مخابر الإمبريالية والصهيونية وحلف الأطلسي، منفذة بأيدي وأدوات أصبحت أوضح من النهار، وهذا المخطط يقتضي صراعا فلسطينياً أردنياً , فلسطينياً سورياً ، وفلسطينياً لبنانياً، تمثل الأنظمة القطرية فيه شعب كل قطر في هذه الأقطار ويمثل رئيس منظمة التحرير الفلسطينية ياسر عرفات الشعب العربي الفلسطيني، من أجل أن يصبح كل عميل في هذا المخطط، بوقاً من أبواق الإمبريالية والصهيونية الفاغرة فاها في كل أنحاء العالم والممولة بشكل رئيسي من أموال نفط العرب في الجزيرة العربية.
إن هذا الشعب الذي يذبح بيد الأردنيين والسوريين واللبنانيين وغيرهم في أماكن تواجدهم حول فلسطين وحتى أبعد من ذلك لا بد له من أرض تعطيه هوية، يستطيع التنقل بها في بقاع العالم (مقولة أبو مازن محمود عباس) ونظام يهتم بشؤونهم ويحميهم من هذا التشرد والاضطهاد، وهي نفس مقولة الصهيونية التي تكونت في رحم الاستعمار القديم (شعب مضطهد ومشرد لا بد له من وطن يؤويه وكيان يرعى شؤونه) يكرره الاستعمار الجديد، لأداة جديدة ومضمون جديد أكثر خطورة على الهدف الذي من أجله وجد كيان "إسرائيل" ألا وهو منع الأمة العربية من التوحد والنهوض، وإلا ما معنى أن يأخذ مسار تحرير فلسطين الذي قادته (فتح) ويقودها ياسر عرفات لوحده؟ بعد أن لم يبق معه من إخوانه المؤسسين إلا توأمه أبو اللطف. هذا المسار الخارج عن المعقول من سوريه إلى الأردن، ومن ثم إلى سوريه ثم لبنان ساحقاً خلال هذا المسار كل القوى الحية في الشعب العربي في الأردن وسوريه ولبنان، والأهم في صفوف الشعب العربي الفلسطيني، بعد ذلك يخرج إلى المتوسط متجهاً غرباً، محمولاً على سفن الأطلسي (وكامب ديفيد) بعد أن داهمته قوات جيش الدفاع "الإسرائيلي" من فلسطين حتى بيروت وجيش "الحركة التصحيحية" في سوريه من البقاع والشمال حتى طرابلس كيف يمكن أن يحدث ذلك؟ لو لا أن القوى التي قادت هذا المسار هي قوى قادرة على فعل اللا معقول وغير الممكن.
ومن الطبيعي أن يرد إلى ذهن القارئ هنا تساؤل مشروع، وهو طالما أن التنظيم الفلسطيني الموحد لحزب البعث العربي الاشتراكي يمتلك الرؤيا الصحيحة والنهج السليم لماذا لم يسلك الحزب وقوات الصاعقة هذا الطريق الصحيح لتحقيق رؤيته على الساحة الأردنية؟ أنا هنا سأجيب ليس على هذا التساؤل المشروع فقط، ولكن على فهم الكثيرين من ذوي النوايا الحسنة التي كانت قناعتهم لا تتفق وحقيقة أسباب هزيمة المقاومة، وإن كان المسار الطويل المتعرج، قد أجاب على بعض هذه الأسباب، إنني سأبين حسب معرفتي وقناعتي إمكانات القوى المتواجدة على ساحة الأردن، ودورها الذي مثلته أثناء عملية الصراع وفيما تقدم من هذه الفقرة، أوضحت فهمي وقناعتي لاستراتيجية (فتح) وكذلك أهداف النظام في الأردن والآن سأبين من معرفتي وقناعاتي واقع القوى على ساحة الأردن في حينه، ودورها الذي مثلته أثناء عملية الصراع التي أغلقت الطريق أمام الفعل الصحيح، للقوى ذات الرؤية الصحيحة والنهج السليم وأقصد بذلك التنظيم الفلسطيني الموحد لحزب البعث العربي الاشتراكي وقوات الصاعقة.
والقوى المؤثرة والمتواجدة على ساحة الأردن هي :
أ- قوى النظام .
ب- القوات العراقية .
ج- حركة التحرير الفلسطيني (فتح) .
د- التنظيم الفلسطيني الموحد، قوات الصاعقة.
ه- الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين.
و- الجبهة العربية لتحرير فلسطين.
ز- الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين .
وأية قوى أخرى، هي في حقيقة الأمر امتداد لهذه القوى (1) قوى النظام (2) القوات العراقية (3) ووسائل دعاية وإعلام تتناسب وإمكاناته مبنية هذه القوات، وأجهزة على شاكلة كل بناء يبنيه الاستعمار الجديد للدول التابعة له ومعضلة النظام في الأردن تكمن في ذاته فهو يعرف أنه لا يستطيع في يوم من الأيام أن يخلق قوة وقدرة من ذاته تحمي هذه الذات، ولذلك فهو دوماً يعتمد على الصهيونية والعالم الحر كما يسميه، وأيضاً بمن يلوذ بهذا العالم الحر من دول الإقليم عرباً كانوا أم غير عرب صحيح أنه خلال الأزمة، كان يمتلك جيشاً قوامه أربعة ألوية مشاة مع أسلحتها المساندة إضافة إلى بعض الوحدات المستقلة كالحرس الملكي يضاف إلى ذلك قوى الأمن الداخلي لكن أداته هذه، كانت تحمل في تكوينها نقاط ضعف قاتلة بعضها هو التالي (أ) إن أداة النظام هذه تحمل إرثاً ثقيلاً من اللامصداقية لمقولات النظام الوطنية والقومية مهما كانت هذه الأضاليل متقنة (ب) إن هذه الأداة تنقصها القناعة بصحة الهدف ومشروعيته خاصة والهدف هو قتال المقاومة. وهي التي تحمل إرثاً ثقيلاً من الهزائم أمام العدو الذي تقاتله المقاومة في الوقت الذي تنقص الأكثرية الساحقة من عناصر هذه الأداة قناعة التضحية بالنفس لمصلحة النظام ضد المقاومة (د) الانقسام في هذه الأداة (عربي فلسطيني - عربي أردني) هذه الحقائق وغيرها تجعل أداة النظام هذه غير قادرة على هزيمة المقاومة.







 
رد مع اقتباس
قديم 18-04-2010, 03:45 PM   رقم المشاركة : 32
معلومات العضو
افتهان الزبيري
أقلامي
 
الصورة الرمزية افتهان الزبيري
 

 

 
إحصائية العضو







افتهان الزبيري غير متصل


افتراضي رد: المناضل / ضافي موسى الجمعاني

ب- القـوات العراقيـة :
كانت القوات العراقية المتواجدة في شمال الأردن، والتي كان قوامها فرقة مع أسلحتها المساندة موجودة على أرض الأردن، باتفاق مع الحكومة الأردنية وبطلب منها وهي بهذا ليست طرفاً مباشراً في الصراع، ولكنها لا بد أن تتصرف أمنياً وسياسياً بطريقة تصون أمنها، وتخدم نظرة العراق السياسية للوضع في الأردن وتأثيره على أمن العراق والرؤيا الاستراتيجية للعراق في الإقليم في ذلك الحين كان الاتجاه السياسي لبعض القادة العراقيين واضحاً فالفريق حردان التكريتي، والفريق صالح مهدي عماش، كانا دائمي الإقامة في الأردن بالتناوب، في فترة الصراع بين المقاومة والسلطة في الأردن وبالرغم من أساليب التمويه والتكتيك، كان العراق مع استمرار الوضع في الأردن، ومع الحفاظ على النظام، وهذا الأمر أثار نقداً شديداً في صفوف البعثيين على اختلاف مواقعهم الحزبية في تلك المرحلة ولكن بعد النمو في الوعي والمعرفة من خلال التجارب واتضاح مواقف الأطراف ذوي العلاقة في الصراع، اتضح أن كل ما قيل في حينه بحق القيادة السياسية في العراق حتى وإن كان في صفوفها حردان التكريتي وصالح مهدي عماش، كان أولاً ناتجاً عن الضيق الشديد الذي كانت تعانيه المقاومة (ليس بسبب عدم القدرة على مواجهة الواقع ولكن بسبب تشتت هذه القدرة الهادف)، فأنت حينما تصل الأرواح إلى الحناجر، لا تفكر باتزان موضوعي ونادراً هم الذين يفعلون ذلك خارج القادة التاريخيين (ثانياً) إن العراق لا يستطيع أن يتجاوز القيادة السياسية لحركة المقاومة الفلسطينية التي كانت تمسك بشرعيتها حركة التحرير الوطني الفلسطيني (فتح) وهي لا تسعى إلى تغيير النظام، بل هي تستهدف الهزيمة أمامه. (3) لو تدخل العراق بالصراع لصالح أطراف معينة في المقاومة وأعني بهم البعثيين لتطور الصراع إلى صراع إقليمي تدخل فيه أطراف دولية، والأهم أنه سيخلق وضعاً عشوائياً، ستكون نتائجه مدمرة على كل الواقع، وأهمه الواقع المستقبلي للحركة الوحدوية ومع أننا مسؤولون أساسيون وأتحدث عن نفسي، أمضينا سنيناً طويلة في النضال والعمل السياسي، إلا أننا لم نكن نعرف حتى البديهيات في العلاقة بين الدول وكنا نعتبر أن الدولة القطرية وهم يجب أن يزول وتبين أنها واقع راسخ في تلك المرحلة.
كان موقف الحكومة العراقية يستند في حينه إلى مشروعية وجود قواته في الأردن (أي على موافقة الحكومة الأردنية)، وذلك استناداً إلى الاتفاقية المبرمة بين الحكومتين وإلى موقف قيادة منظمة التحرير الفلسطينية (5) إن أي اضطراب (أهوج) وعدم استقرار على حدود العراق الغربية، سيفتح عليه ميداناً واسعاً للاحتمالات الخطرة، مع كل ما يحيط به. إلا أن الأمر كان يمكن أن يكون مختلفاً جذرياً لو أن المقاومة كانت موحدة الاستراتيجية، وهدفها واضح بالنسبة للصراع مع النظام، فمن حقها الدفاع عن وجودها وحقها في قتال العدو، للوصول من خلال الفعل المسلح إلى حق الشعب العربي الفلسطيني في تقرير مصيره على أرضه، فحينها سيجد العراق أن الباب مسدود أمام المناورات، وما عليه إلا الالتزام بالهدف الأساسي الذي من أجله تواجدت قواته على ساحة الأردن وهو الدفاع عن الأردن ضد أي عدوان خارجي، فما عليه الا أن يسحب قواته أو يقاتل المقاومة الفلسطينيـة.
حركة التحرير الوطني الفلسطيني (فتح):
لقد ذكرت فيما سبق من هذه الذكريات، الكثير عن حركة التحرير الوطني الفلسطيني (فتح) واستراتيجيتها. لقد كانت (فتح) أكبر المنظمات الفلسطينية، وأقواها قدرات وإمكانات مادية وجماهيرية، وكانت تتمتع بتأييد عربي كامل وخاصة دول الخليج العربي. وسأذكر هنا نموذجين من العرب المؤثرين في السياسة العربية والدولية وهما: المملكة العربية السعودية والجزائر ومع الفارق النوعي في كل أبعاده بين الدولتين، إلا أن كليهما يؤيدان (فتح) بقوة، إلا أن الأسباب التي استلهمها الرئيس (هواري بومدين) يرحمه الله، مختلفة جذرياً عن الأسباب التي كان الملك (فيصل يرحمه الله يدعم) (فتح) بسببها.
فالرئيس (هواري بومدين) كان يظن أن على (فتح) تطبيق استراتيجية الثورة الجزائرية من أجل الاستقلال ، وأن على الدول العربية المحيطة "بإسرائيل"، أن تتعامل مع حركة التحرير الوطني (فتح) بنفس الطريقة التي تعاملت بها دول المغرب العربي مع الثورة الجزائرية ، وعلى حركة التحرر الفلسطيني (فتح)، أن تفرض نفسها على الواقع المحيط بفلسطين، كما فعلت الثورة الجزائرية . إلا أن (فتح) لم تفعل ذلك، ولم يعِ القادة الجزائريون الفارق النوعي العميق في كل مكونات الواقعيين بين الجزائر وفلسطين، والفروق النوعية هذه والغير متماثلة ومتطابقة، تجعل من المستحيل تماثل (فتح) وجبهة التحرير الوطني الجزائري وطبعاً لا يمكن تبيان هذه الفروق النوعية هنا، فهذا موضوع كبير يحتاج إلى عمق وتفصيل أكثر خصوصية، إلا أن هناك فارقاً نوعياً رئيسياً يؤسس عليه. وهذا الفارق النوعي التاريخي ، أن الجزائر والمغرب وتونس كانت دوماً دول مستقلة في التاريخ الحديث قبل الاستعمار وبعده، بينما لم يكن في بلاد الشام وفلسطين منها دولاً مستقلة، بل كانت تاريخياً موحدة في زمن الإغريق والرومان، ومن ثم الإسلام مروراً بخلافة بني عثمان حتى سايكس بيكو ولم تجزأ إلا بعد الحرب العالمية الأولى، وذلك بهدف استعماري استراتيجي متفق عليه بين كل المستعمرين الأوروبيين. وهو إنشاء وطن قومي يهودي في فلسطين كمدخل إلى السيطرة على كل بلاد الشام، ومن بعد ذلك الوطن العربي (في مشرقه ومغربه).
لقد كانت (فتح) تمثل إرادة الشعب العربي الفلسطيني في بداية انطلاقتها، وبقيت كذلك وإن في حدود أدنى، حتى أيلول عام 1970 ، أما بعد ذلك فقد فرضت قيادة (فتح) نفسها على الشعب العربي الفلسطيني من خلال الشرعية التي اقتنصتها اقتناصاً في ظروف سابقة مواتية وحين تسلمت شرعية قيادة الشعب العربي الفلسطيني، صار مثلها في ذلك، مثل الأنظمة العربية التي تتعامل معها، فهي تفرض نفسها على إرادة الشعب العربي الفلسطيني كما تفرض الأنظمة العربية في كل قطر من أقطار الوطن العربي نفسها على واقع شعبها، وأنا هنا أنوي أن أضع أمام القارئ نماذج من الأفعال التي قادت إلى واقعين هما: تقسيم ساحة الأردن، وإبطال فعل القوى الحية على هذه الساحة وكما ذكرت في موقع سابق لقد قال (أبو عمار) لي في عام 1968 إن ما يهمني هو شعبي أي الشعب العربي الفلسطيني ، ومن هنا فإن الشعب العربي الفلسطيني أصبح مملوكاً في حينه إلى حركة التحرير الفلسطيني (فتح)، ومن ثم إلى ياسر عرفات، سواء كان بإرادة هذا الشعب المضللة بداية والمفروضة عليه نهاية، ولما كان الشعب العربي الأردني مملوكاً أصلاً للملك حسين، ولما كان الملك حسين ونظامه وياسر عرفات متناقضي الأهداف مظهرياً، متوافقي الأهداف واقعياً وهدفهما هو إبطال فعل القوى الحية على ساحة الأردن فلسطينياً وأردنياً، هذه القوى المناهضة للتسوية حسب المفهوم الأمريكي و"الإسرائيلي" وذيولهم.
ولما كان الملك حسين ونظامه المعروفة مواصفاته فاقداً لثقة هذه القوى، غير قادراً على مواجهتها بعد هزيمة حزيران عام 1967 وسجله حافل بالهزائم والمؤامرات لمصلحة أعداء نهوض العرب ، إذن وبعد هذا كله فلا بد إذاً من حصان طروادة الذي يستطيع أن يحمل في جوفه القوى التي تستطيع ذلك، وقد حمل هذا الحصان في جوفه حركة التحرير الوطني الفلسطيني (فتح) واستراتيجيتها، والمخططات المادية والمعنوية، والقائد الذي سيقوم بهذا الدور.
فعلى صعيد الساحة الأردنية قسمت (فتح) الساحة عامودياً (عربي فلسطيني - عربي أردني) وألغت بذلك دور الحركة الوطنية إلغاءً كاملاً واعتبرت (فتح) نفسها مسؤولة مسؤولية كاملة عن الشعب العربي الفلسطيني، وجيرت من خلال هذا الفعل الهادف الشعب العربي في الأردن للملك حسين ونظامه ، وفي هكذا واقع منقسم تقوده قيادتان متوافقتان إستراتيجياً متعارضتان تكتيكياً يفعل كل من هاتين القيادتين في الواقع الذي تقوده، الفعل الذي يخدم أهداف القوى الخارجية التي تقود خطواتهما ، وبذلك لا بد وأن تسود مخططات هذه القوى على الأقل مرحلياً، وأنا هنا سأعطي نماذج من هذه الأفعال الهادفة لتحقيق هذه الانشقاق وتفعيله إن عشيرة بني حميدة التي أنتمي إليها وهي (من كبرى عشائر الأردن) لم تكن في يوم من الأيام عشيرة شر، ولم تكن ذات ولاء بيِّن للنظام، لأنه لم يتواجد في صفوفها الكثير من المستفيدين من النظام في حينه ، فقد جرت في بلدة ذيبان، حاضرة هذه العشيرة، جريمة نكراء أبطالها عملاء ومخبرون للنظام في الأردن، فقد هشم هؤلاء المخبرين الذين أعرفهم رأسي فدائيين بالحجارة بعد أن أطلقوا الرصاص عليهما، عندما كانوا يمران في البلدة متهجين إلى الجنوب، وذلك نتيجة للتحريض التي كانت تقوم به السلطة، شعاره (دافعوا عن أحسابكم وأنسابكم، فالفلسطينيون يريدون الاستيلاء على أرضكم).
لقد جرت في مدينة مأدبا ، المدينة التي أسكنها واقعة أخرى ،الهدف منها إثارة فتنة طائفية وأبعد من ذلك فتنة بين (فلسطيني - أردني) كان أحد الطلبة الرهبان من عائلة العلامات في مادبا يسير وحيداً عصر أحد الأيام بلباس (طالب راهب) تصدى له عناصر يلبسون لباس المقاومة الفلسطينية وأطلقوا النار عليه، وأردوه قتيلاً، وطبعاً كانت عناصر الفتنة جاهزة لبث سمومها، ولحسن الحظ أنني كنت في ذلك اليوم في المدينة ، وما أن سمعت بالخبر حتى سارعت ذاهبا إلى مخفر شرطة المدينة، ولما وصلت وجدت المكان مزدحماً فوقفت على باب الغرفة المزدحمة بالناس وبالأصوات المرتفعة ، التي تحرض ضد المقاومة، وأنا طبعاً أعرف أصحابها ولكنني لا أريد هنا أن أذكر أسماء، فناديت بصوت مرتفع وأنا على باب الغرفة وقلت: ألا يكفي مادبا محاولة زجها في فتنة طائفية عام 1956 وأنتم الآن تريدون زجها في فتنة جديدة ضد المقاومة عام 1970، ففوجئوا بوجودي وبما قلته ، ومن هناك سرت فوراً على قدمي إلى منزل السيد عيسى العلامات، ووجدت الكثير من وجوه العزيزات هناك، فدخلت عليهم واستغربوا هذا الدخول فأنا من المقاومة (واعتبر مطروداً بالدم) ولكنهم رحبوا بي فقلت لهم : إنهم اليوم يحاولون إدخالكم نفس تجربة عام 1956 . ففي ذلك العام وقعت فتنة طائفية، وفي هذا العام ضد المقاومة الفلسطينية، فانتبهوا لهذا الأمر، فالأطراف هي نفسها، والأهداف نفسها، وإن تغيرات الأدوات والأساليب فاختاروا حينها الموقف السليم ، وسويت القضية.
أما الحادثة الثالثة فبطلاها عنصران من المقاومة أحدهما من الصاعقة والآخر من (فتح)، وهذان العنصران من أهل مادبا ، أحدهما مسيحي أردني من عناصر الصاعقة، والآخر فلسطيني من عناصر (فتح) ، ولا يمكن أن يجمعهما جامع للقيام بهذه المهمة، إلا ارتباطاتهما بأجهزة الأمن، كانا يسيران على طريق مادبا عمان على قدميهما، وقبل التقاء الطريق بوادي الحبيس التقت بهم سيارة (بك آب) متجهة إلى مادبا فأطلقا النار على السيارة، التي كان يقودها أكبر أبناء الشيخ زعل الكنيعان الفايز، ومعه طفله المريض، قاصداً الطبيب في مدينة مادبا، فأصابت إحدى الطلقات الطفل وقتلته على الفور. ولكي تصبح الصورة أكمل، سأعطي القارئ دلالة على التثقيف السياسي والتحريض العنصري غير الصحيح، والذي تعطيه (فتح) لعناصرها ضد أبناء جلدتها (وأعني بها ضد الأردن ضد الأردنيين كشعب) في ذروة الصراع في أيلول 1970 كنت و (أبو صبري) قائد قوات العاصفة في (فتح) في (دبين) وكان معنا في المقر العديد من العناصر الشابة في (فتح)، خرج أبو صبري وبقيت أنا وهؤلاء الشباب، والحديث دوماً في هذه اللحظات هو عن المعارك الدائرة في عمان، بين النظام والمقاومة وكان هؤلاء الشباب يقولون (الأردنيون) بديلاً عن النظام أي أن القتال دائر الآن، هو بين الأردنيين والمقاومة الفلسطينية وكانوا يصفون الأردنيين أوصافاً، وينعتونهم نعوتاً لا يرقى إليها وصف ، ونعوت تقال في (اليهود) ، وطال الحديث وأنا جالس واستمع إليهم، فانتبه أحدهم وكان يعرف من أنا، فأبلغهم ذلك، فأصابهم حرج كبير، فضحكت، (وشر البلية ما يضحك)، هذا غيض من فيض، من الأحداث المتشابهة الهادفة لتعميق الفرز في ساحة الأردن فالأردنيون للملك حسين والفلسطينيون لياسر عرفات ويجب أن يعرف القارئ أن فتح والنظام ما كانا يترددان في القيام بأي عمل يخدم استراتيجيتهم هذه وهناك إثبات هام من الإثباتات الكثيرة التي تبين أن(فتح)، وأعني قيادة (فتح) كانت تستهدف الهزيمة أمام النظام فقبل وصول الصراع بين المقاومة والنظام في الأردن إلى نقطة الانفجار الشامل، انتدب اللواء صلاح جديد الأمين العام المساعد في سورية الرفيق حسن الخطيب عضو قيادة التنظيم الفلسطيني الموحد لحزب البعث العربي الاشتراكي، في مهمة مضمونها التحادث مع قيادة فتح وخاصة أبو عمار والبحث معهم في رؤيتهم للصراع بين النظام والمقاومة في الأردن، وهل لديهم النية إذا ما أصر النظام على (كنس) المقاومة من على أرض المملكة الأردنية الهاشمية التعرض له والإطاحة به (وأنا هنا لست بصدد تقييم هذه الواقعة ومدى جديتها بل أوردها كواقعة مجردة) وعند التقاء الرفيق حسن الخطيب أبو عمار وبصحبته أبو أياد يرحمه الله وأبو اللطف، وتحدث معهم في الأمور أجابه أبو اللطف عن إخوانه قائلاً إنه ليس في استراتيجية (فتح) تغيير النظام في الأردن، أو فرض نفسها عليه ، وهنا لا بد أن أذكر ، أنني كنت أعي هذه الاستراتيجية مبكراً ولكن حينما يكون الواقع الجديد يفرض عليك إحدى حالتين : أما المسير وأما الوقوف، والوقوف هنا ليس وقوفاً مجرداً من معانية في ظرفه فإنك ستختار السير تحدوك آمالٌ متنوعة ففي إحدى دورات المجلس الوطني الفلسطيني في مبنى الجامعة العربية في القاهرة كنت جالساً وحدي في صالة الجلوس، وكان هناك جلسة منعقدة، اقترب مني شاب صغير السن، جلس على طرف الكنبة التي أجلس عليها وقال لي ، أنا مندوب (على ما اعتقد) صحيفة الأخبار المصرية وقال : أريد أن أسألك سؤالاً ، قلت له تفضل ، اسألني سؤالاً حول المقاومة وقيادة المقاومة، لم أعد أذكر صيغته الحرفية فأخذ إجابة قصيرة سهلة، ما كان يظن أن سيحصل عليها بهذه السهولة والوضوح، ولما أخذها ، نهض واقفاً مكتفياً بهذه الإجابة (التي لا أعرف الى أية جهة سيهديها) قلت له : إن قيادة كهذه لا تستهدف التحرير، وكان هذا الصحفي الشاب هو طلال سلمان (صاحب ورئيس تحرير صحيفة السفير اللبنانية الآن) وواضح مما ذكرت أن النظام في الأردن وحركة التحرير الوطني الفلسطيني (فتح) وضعا القوة الحية في حركة المقاومة وفي الساحة الوطنية في الأردن بين (حجري الرحى للطحن) ولم يكن المستهدف بالطحن المؤسسات الفلسطينية كمنظمة التحرير الفلسطينية أو قيادة (فتح)، ولا حتى قيادة الصاعقة أو غيرها من القيادات، بل كان المستهدف بالسحق هو جوهر المقاومة، أداتها التي آمنت وصدقت ما قيل وما طرح من شعارات حول تحرير فلسطين، والتزمت واستعدت وقدمت التضحيات الجليلة من أجل هذا الهدف العزيز، هي جماهير المقاومة ومقاتلوها وما أن حقق أبو عمار هذا الهدف على أرض الأردن، حتى انتقل إلى أرض لبنان يمارس عليها نفس الدور، وإن بصيغ ووسائل مختلفة نوعياً، تتوافق والواقع اللبناني، وما يحيط به من مؤثرات وقد نجح بفعل ذلك، بعد أن قدم اللبنانيون العرب والفلسطينيون العرب تضحيات جسيمة مادياً وبشرياً، ولا زالوا يقدمونها حتى يومنا هذا أما سورية فلم يكن هناك حاجة لأن يقوم بمثل ما قام به في الأردن ولبنان فلم يكن هناك قوى حية تعارض نهج النظام فمنذ 8 آذار 1963 قام حلفاؤه الاستراتيجيين، القابضون على زمام السلطة، بخطوات ثابتة ونهج ممرحل، شديد التمويه، مغطى بكل وسائل التضليل في العـالم (غربه وشرقـه)، يسـاره ويمينـه، اشتراكياً ورأسمالياً حتى وصل المصير إلى الحركة التصحيحية، التي قادها الرئيس حافظ الأسد، والتي أجهز من خلالها على ما تبقى من حياة في الجسد السوري خارج إرادة النظام، إلى أن أصبحت سورية جثة هامدة لا تسري الحياة فيها إلا من خلال رئة النظام.
إن كل من عايش وقرأ عن القضية الفلسطينية ، يعلم أنه لم تحدث انعطافه بارزة في هذا المسار ، إلا وقد تم الإعداد لها منذ زمن طويل ، وأنا هنا سأروي واقعة عرفتها وأنا لا أزال ضابطاً في الجيش . ففي موضوع (فتح) قلت ما استطعت أن أقوله من خلال تحليل استهدفت الموضوعية فيه، وطالما والاستراتيجية ومكوناتها تقوم بتنفيذها قادة قائمون عليها، لا بد لي حينها أن أذكر ما كنت أعلمه عن إحدى الشخصيات التي كانت مسؤولة عن قيادة المقاومة عسكرياً في العاصمة عمان لقد كان العقيد أحمد عفاني (أبو المعتصم) قائد لقوات العاصفة في محيط وداخل مدينة عمان، ومن موقعه هذا قائداً لقوات المقاومة كان ضابطاً في الجيش الأردني وصل إلى رتبة عقيد مسؤولاً عن الإنشاءات العسكرية (كما كانت تسمى في حينه) وأصبح في مرحلة ما مسؤولاً عن التنظيم العسكري في الجيش الأردني لحركة التحرير الوطني الفلسطيني (فتح) لا أعلم من أين التحق العقيد عفاني بالجيش الأردني بعد انضمام ما تبقى من فلسطين ، وسمي بالضفة الغربية حينذاك هل كان في قوة حدود شرق الأردن، أم من البوليس الفلسطيني، أم من الجهاد المقدس ؟ ولكنني أعرف واقعه ، لم أعد أذكر الجهة، أو الشخص الذي دسها عليّ ، وهي أن العقيد عفاني بعد التحاقه بالجيش الأردني، كان قد كلف هو وضابط آخر اسمه عطا المناصرة، بمهمة داخل فلسطين المحتلة لا أحد يعرف هذه المهمة ، إلا (كلوب وأصحاب المهمة) وفي عام 1956 في حرب السويس كان الجيش الأردني ، محتشداً في حينه حول القدس وكان "الإسرائيليون" بحاجة ماسة إلى معرفة نوايا ومواقع وحدات هذا الجيش الأمر الذي اضطرهم أن يستنفروا كل عملائهم وجواسيسهم ومنهم عطا المناصرة لهذه الغاية والذي ألقي القبض عليه في حينها متلبساً بالجرم المشهود.

الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين :

لقد تحدثت عن كيفية تكوين الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين ، وقلت بعد ذلك كيف تجزأت وكانت في المرحلة الأولى من تواجدها على الساحة الأردنية تشكل فصلاً رئيسياً يأتي من حيث الأهمية والخبرة بعد حركة التحرير الوطني الفلسطيني (فتح) ، وقد عرفت ذاتها عالمياً وإقليمياً من خلال تكتيك اختطاف الطائرات الذي مارسته في بداية عملها، والذي أعطى المردود المطلوب، حينها أخذ الدكتور جورج حبش الأمين العام للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين موقفاً استراتيجياً سليماً، حينها رفض دخول إطار منظمة التحرير الفلسطينية بقيادة (فتح) ولكن لسوء الحظ بقي هذا الموقف مجرد موقف، فهي لم تبادر إلى خلق تيار ذي مضمون فكري ونضالي، يعطي دلالات منطقية عن أسباب موقف الرفض هذا من دخول إطار الشرعية الفلسطينية في ذلك الحين ، وتبين فيما بعد أن الموقف السليم هذا لم يكن نابعاً من رؤيا استراتيجية متعارضة مع رؤيا منظمة التحرير الفلسطينية والفصائل المكونة لها في حينه وإنما كان موقفاً (تكتيكياً) مجرداً فبعد أيلول عام 1970 وانقلاب الفريق حافظ الأسد بما سمي بالحركة التصحيحية في دمشق عادت الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين وانضمت إلى منظمة التحرير الفلسطينية، والمعروف تاريخياً أن مواقف حركة القوميين العرب السياسية منذ ولادتها كانت دوماً (تكتيكية) فقبل الوحدة كانت لصيقة بعبد الحميد السراج وأثناء الوحدة التزمت الرئيس عبد الناصر وبعد حرب عام 1967 غادرت هذا الالتزام بعد نقد مر لنظام البرجوازية الصغيرة، مصر وسوريه وتبنت الماركسية شكلاً، وأخيراً وليس آخر غادرت حركة القوميين العرب موقفها الاستراتيجي والمبدئي الداعي إلى وحدة العرب، ليصبح بعد ذلك فصيلاً من فصائل الثورة الفلسطينية والسؤال الذي يطرح نفسه، هو لماذا لم تستمر الجبهة خارج إطار منظمة التحرير الفلسطينية، خاصة بعد أن تبين أن سبب هزيمة المقاومة في الأردن هو المقاومة ؟ فالخط الاستراتيجي الصحيح هو أن تستمر الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين خارج إطار شرعية (فتح)، والأخص بعد أيلول في الأردن، لا أن تدخل منظمة التحرير بعد ذلك، إلا أن خاتمة المطاف تعطي الدلالات الحقيقية على سيرة القوميين العرب ، بعد أن وصل الأمين العام المساعد إلى غزة وتقاعد الدكتور جورج حبش عن مسؤولياته القيادية، ويبقى علي أن أنوه هنا بأن الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين أظهرت على الساحة الأردنية بعد الانتهاء من اختطاف الطائرات سلوكاً متميزاً لقد كانت أنظف فصائل المقاومة الفلسطينية ممارسة وسلوكاً وكانت متميزة بانضباطها والتزام عناصرها الأخلاقي.

الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين :

لقد كانت الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين فصيلاً صغيراً في حركة المقاومة انشق عن الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، والانشقاق هو في الكادر المتقدم للقوميين العرب في حينه، انشق هذا الكادر بقيادة نايف حواتمة وبعض الشبان صغار السن بينهم ياسر عبد ربه، وما كان هذا الانشقاق يصل إلى النتائج التي وصل إليها لو لا الدعم والحماية اللذين تلقاهما هذا الانشقاق من حركة التحرير الوطني الفلسطيني (فتح) والتنظيم الفلسطيني الموحد الصاعقة، وبعد أن تكونت الجبهة الديمقراطية تلقت الدعم المادي من (فتح) والتسليحي من الصاعقة وكان هدف هذا الإسناد والحماية هو من أجل إضعاف الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين ، وأنا شديد الندم على هذا الفعل (لأن الأصالة في النضال هو جمع الصف وليس تفريقه) خاصة بعد أن أثبتت الجبهة الديمقراطية بممارساتها ونظرياتها على ساحة الأردن سواء السياسية منها أو القتالية ضد العدو ،أنها منظمة ديماغوجية تقول ما لا تفعل.
أخذت هذه الجبهة خط اليسار الانتهازي ، وذلك من أجل أن تميز نفسها عن الخط الماركسي اليميني الذي هو خط الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين ، وكذلك عن اليمين الإسلامي، الذي تمثله (فتح) واليمين القومي الذي يمثله حزب البعث العربي الاشتراكي ، هذا ما تقوله وتدعيه تحليلا الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين، هكذا كانت الجبهة الديمقراطية تصف الفكر السياسي لفصائل المقاومة الرئيسية . والصحيح أنه لم يتواجد في صفوف الجبهتين الشعبية والديمقراطية من يعرف الماركسية بعمق، ولو كان غير ذلك لكان الخط النضالي استراتيجياً ومرحلياً لهما مختلف جذرياً، واعتناقهما للماركسية هو تكتيك له أهداف استراتيجية .
لسوء الحظ لقد مارس هذا الفصيل الصغير دوراً تخريبياً كبيراً بالغ الأهمية على ساحة الأردن عامة، أو في صفوف المقاومة الفلسطينية خاصة فقد خدمت هذه الممارسات الشاذة مخطط الأطراف التي كانت تهدف إلى تصفية المقاومة . فعلى صعيد الناس ، استقطب هذا الفصيل المراهقين المتطفلين، مشوهي النظرة إلى الحياة، ودفع بهم إلى الساحة يعيشون بها عبثاً وفساداً. وقامت عناصر الجبهة الديمقراطية بأفعال وأعمال شديدة الاستهجان ، ألحقت ضرراً كبيراً بسمعة المقاومة ، فلم توجد عبارة أو جسر أو مكان مشهود من الناس ، إلا وخُطّت عليه بالدهان الأحمر (كل السلطة للمقاومة) تنسبها بشعار ثورة أكتوبر الشهير (كل السلطات للسوفيت) ولا واجهة بارزة تشتد إليه الأنظار ، إلا وعلقت عليها صور (لينين) حتى المآذن لم تسلم من هذا الفعل ، كل هذه الأفعال المستهجنة والشاذة لم تكن تخدم إلا مصلحة النظام ،والأطراف التي توافقه النظرة لمستقبل العمل الفدائي.
لقد كان الرفيق نايف حواتمة الأمين العام للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين الذي كانت تربطني به علاقة أكثر من حسنة، شديد الشوق لمعرفة نوايا الأطراف الأساسية في العمل الفدائي حيث كان كثير الزيارات لي ، شديد التنبيه لي ، بأن لا أقع ضحية لمناورات اليمين الرجعي أي (فتح) واتفق وأتعاون معهم على قلب نظام الحكم ، والاستيلاء على السلطة ، فسيكون الأمر لصالحهم وسيصفوننا فصيلاً بعد آخر ، لقد كان هاجس تغيير النظام يرعب أبو النوف ، أليس هذا منتهى عدم المصداقية ! تملأ ساحات وجسور العاصمة بشعار (كل السلطات للمقاومة) وترتعب من فكرة تغيير النظام خوفاً من يمين المقاومة !!
التنظيم الفلسطيني الموحد لحزب البعث العربي الاشتراكي (الصاعقة) :
لا بد هنا وقبل أن أخوض في تاريخ تطور واقع التنظيم الفلسطيني الموحد لحزب البعث العربي الاشتراكي (قوات الصاعقة) ، ولماذا فشل في المهمة التي من أجلها تكوّن ، أن أبدأ بالأسباب التي قادتني أنا شخصياً إلى هذه الاتجاه ، أي اتجاه 23 شباط .
في سجن المـزّة بدمشق، وبعد عدد من السنين من تسلم الحزب السلطة في العراق في تموز 1968 ، استقر الأستاذ ميشيل عفلق في بغداد بعد أن استدعت الظروف السياسية في لبنان الرحيل عنه ، وكنت استمع إلى كل كلماته التي كان يلقيها من خلال إذاعة بغداد بمناسبة 7 نيسان عيد ميلاد حزب البعث العربي الاشتراكي ، وكان أبرز نقطتين يطلقهما الأستاذ ميشيل عفلق (يرحمه الله) على الحكم في سوريه ، هما (التجمع المشبوه الذي أطاح بسلطة الحزب بانقلاب عسكري) (وكأن الحزب وصل إلى الحكم في سوريه ، من خلال الديمقراطية أو من خلال ثورة شعبية) ،(الحكم الطائفي في سوريه الذي يدّعـي شرعية الحزب) .
في لقاء الأستاذ ميشيل مع مجلة (Time) الأميركية أو (News week) لم أعد أذكر، له فيها صورة مع طفليه في ذلك الحين ، أهم ما قاله في هذا الحديث ، أن 8 آذار في سوريه هي شقيقة (8) شباط في العراق وصنوها ، وهي مكملة لها ، وهكذا يعتبر الأستاذ ميشيل عفلق في هذا الحديث ، إن 8 آذار في سوريه هي ثورة قام بها حزب البعث العربي الاشتراكي ، وهو هنا يساويها بثورة شباط التي قادها الحزب في العراق وأسقط خلالها نظام عبد الكريم قاسم، بقتال ضده وضد من ولاه والتي قدم خلالها البعثيون تضحيات سخية وكان دور الجيش والعسكريين صحيح أنه أساسي ولكنه كان ضمن مخطط الحزب ومعركته ، وأنا هنا يحق لي أن أوجه السؤال التالي للأمين العام لحزب البعث العربي الاشتراكي كوني أحد ضحايا هذا القول ، وأنا لست نادماً إطلاقاً على المسير النضالي الذي سرته ، فهو قد أهّـلني أن أعرف وأن اكتشف أمورا وحقائق فيما بعد ، وأنا أحاول من خلال ما أقوله أن أًعـرّف الناس والبعثيين خاصة ، أن انقلاب 8 آذار في سوريه لم يكن ثورة الحزب هناك ، ولم يكن توأماً ولا صنوا لثورة الحزب في العراق ، كما يقول الأستاذ ميشيل عفلق . وأنا لا بد أن أسأل الأستاذ ميشيل من أين جاء هذا التجمع المشبوه، ومن أي رحم ولد هذا الحكم الطائفي؟ فهو طبعاً لم يسقط من السماء ! بل ولد في رحم الواقع السوري ، والأدق أنه ولد من رحم ثورة 8 آذار كما يسميها الأستاذ ميشيل تجاوزاً . والأستاذ ميشيل من أكثر الناس معرفة بهذا الواقع والحقيقة الأشد مرارة .
أن الأستاذ ميشيل ، هو الذي منح الشرعية الحزبية للجنة العسكرية في المؤتمر القومي الذي انعقد في بيروت بعد خروج الحزب من السلطة في الجمهورية العربية المتحدة. ومثل اللجنة في هذا المؤتمر المقدم في حينه صلاح جديد ، وأعضاء هذه اللجنة هم : محمد عمران ، صلاح جديد ، حافظ الأسد ، عبد الكريم الجندي ، أحمد الأمير ، وكان اللون الطائفي شديد الوضوح فيها. وبقيت هذه اللجنة ترفع لافتة الحزب وتحكم باسمه حتى يومنا هذا وظل ثابتاً متوارثاً حتى بعد أن غاب جميع أعضاءها وآخرهم الرئيس حافظ الأسد .
إنني أعيد وأكرر لأن الأمر يزداد بالتكرار وضوحاً ، ويصبح ميدان التساؤل فيه أوسع ، هل مسلسل الخيبات المتكرر الذي قاد إلى الإحباط المتكرر وما وقع فيه الحزب من تناقض واضح بين فكره وبين النهج والفعل الممارس الذي قادته خلاله قيادته التاريخية ، نتج عن سوء تقدير وتقييم خاطئ للحدث والظرف بدأ بتأييد الانقلابات في سوريه بعد الاستقلال والمشاركة في أسوأها دوراً بتسليم الحزب في الأردن عام 1957 بسلطة لا أقول عنها إلا أنها غير ديمقراطية، ومن ثم حل الحزب في جمهورية الوحدة لصالح صيغة قادت إلى الانفصال ، ومن بعد ذلك سقوط ثورة 14 رمضان في العراق ، أما ثالثة الأثافي ، فكانت إضفاء شرعية حزب البعث العربي الاشتراكي على انقلاب 8 آذار في سوريه ، وما قاد إليه هذا الاعتراف من وضع عنق سوريه ، في كماشة قد تقودها الى الموت ؟؟؟
وطبيعي أن يقول أحدهم قولاً يدحض به هذه التساؤلات التي يحتضنها الشك ، إن الحزب وعلى رأسه الأستاذ ميشيل عفلق قاد ثورة في العراق، ثورة وطنية وقومية حقيقة تجذرت بعمق، في نفس وسلوك الإنسان العراقي وخلقت إنساناً وواقعاً سياسياً واجتماعياً واقتصادياً، ونهوضاً علمياً وصناعياً وتكنولوجيا ، صمد لأعتى الأعاصير وأخطر المؤامرات وأكبرها وأحقرها وأقذرها (خمينية) صهيونية، إمبريالية أطلسية، شرقية وغربية ومعهم حثالات العرب وأنذالهم النفطيون وغير النفطيين . وأقول نعم وبدون تردد ، إن الحزب قد بنى كل ذلك وفعل وصمد أمام كل ذلك ، وأنعم به من حزب بعث عربي اشتراكي ، لأنه وجد تربة صالحة فسواها، وخلق فيها ما لا نضير له في الواقع العالمي في حينه، ضمن واقع العراق الجغرافي والديموغرافي زمنياً وواقعاً اجتماعياً ، ولكن حزبٌ من هذا ؟
نعم إنه حزب البعث العربي الاشتراكي الذي أسسه الأستاذ ميشيل عفلق ورفيقه آنذاك الأستاذ صلاح الدين البيطار، وبنى أسسه الفكرية ، ولكنه الحزب الذي لم يقده الأستاذ ميشيل ولا قيادته التاريخية ، وأعيد وأكرر، إن الفكر وحده لا يقود إلى تحقيق أهداف هذا الفكر، وأن تطرح فكراً سليماً، وتقوده قيادة عاجزة أو مشبوهة ، لهو أخطر من فكر غير سليم وتقوده قيادة قادرة وقد عرفت مبكراً ما هي 23 شباط . ومع ذلك فإن هذه المعرفة لم تزدني إلا تصميماً وإيماناً على استقلال فرصة أتاحتها ظروف استثنائية لبناء حزب بعث يكون حر الإرادة مستقلاً لا يحكم سلوكه النضالي، إلا مبادؤه ، ولا تقوده قياده إلا بإرادة منتسبيه وتجـدّد عزمي وإيماني بذلك، بعد هزيمة الانظمة العربية في حزيران وإقبال الناس على الانخراط في صفوف المقاومة ، وظني في حينه أن الفرصة التاريخية قد سنحت ، وما على المناضلين الصادقين إلا منحها جهدهم ومعرفتهم وأن تبني حزباً بمواصفات البعث وبمضمونه الذي ذكرت، لا يمكن الوصول إليه إلا بمدى زمني محكوم بالواقع الذي تعايشه وتحاول أن تتخطاه بالفعل الصحيح، وبعوامل عديدة أهمها الحلقة الأعلى أي القادة التي تقودك أي إذا ما كانت هذه القيادة ممثلاً أمنياً لفكر البعث ونهجه وأهدافه حينها ينجح مسعاك وحينما لا تكون كذلك يكون مسعاك في خطر، خاصة ونحن في الأردن ، لا نقود نظاماً ، بل نناضل في ساحة مليئة بالقوى (المكونة) وغير الواضحة ، وفي ظل نظام لا يزال قائماً صحيح أنه مهزوم وعاجز في حينه ولكنه قائم وينتظر فرصة لاستعادة سلطانه.







 
رد مع اقتباس
قديم 18-04-2010, 03:49 PM   رقم المشاركة : 33
معلومات العضو
افتهان الزبيري
أقلامي
 
الصورة الرمزية افتهان الزبيري
 

 

 
إحصائية العضو







افتهان الزبيري غير متصل


افتراضي رد: المناضل / ضافي موسى الجمعاني

المؤتمـر القـومي العـاشر :

إنني أذكر هذا المؤتمر هنا لسببين رئيسيين ، أولهما وهو الأقل أهمية أنني انتخبت عضواً في هذا المؤتمر في القياد القومية للحزب ، وثانيهما بروز الخلاف بين اتجاهين في المؤتمر ، الأول يمثله الحزب بأكثرية المؤتمرين ، والثاني تمثله وزارة الدفاع وبعدد قليل من المندوبين، والخلاف كان حول استراتيجيتين سياسيتين متعارضتين ، الأولى يقول بها الحزب وقيادته استناداً إلى مقررات مؤتمراته القومية والقطرية ، وهي لقاء القوى التقدمية إن كانت أنظمة أو منظمات سياسية وشعبية ، والثانية تقول بها وزارة الدفاع وهي استراتيجية التضامن العربي .
والصحيح أن هذا الخلاف لم يكن السبب الذي قاد إلى الصراع ومن ثم إلى الانقلاب على الحزب في حركة تشرين عام 1970 التي أطلق عليها فيما بعد الحركة التصحيحية . والنهج الاستراتيجي المصمم لسوريه منذ تشكيل أول نواة تنظيم عسكرية في زمن الوحدة والتي سميت بالتالي اللجنة العسكرية، وأخذت شرعيتها الحزبية في مؤتمر بيروت للحزب ، وهو إلغاء دور سوريه الرائد في الدعوة إلى الوحدة ، ومن ثم الدخول في استراتيجية الأنظمة العربية التي تدعو إلى التسوية وثبات التجزئة ، هذه الاستراتيجية التي تقوها أمريكا وحلف الأطلسي والصهيونية العالمية.

وأصبحـت عضـواً في القيـادة القـومية :
لقد رشحت نفسي في هذا المؤتمر للقيادة، لأسباب ذاتية أولاً وأسباب موضوعيةً ثانيا. إن الأسباب الذاتية التي دفعتني ، كان أساسها حجب عضويتي عن المؤتمر القومي التاسع والتاسع الاستثنائي ، بالرغم من حقي المشروع في الترشيح غيابياً حسب نظام الحزب ، بينما تمتع رفيقي عضوي لجنة (تنظيم القطر) بهذا الحق ، وانتخب كلاهما أعضاء في القيادة القومية، والأمر المثير للتساؤل أن الرفيق محمود المعايطة، تمتع بعضوية المؤتمر وبعضوية القيادة التي انبثقت عن هذا المؤتمر، ممثلا في القيادة عن تنظيم الحزب في الأردن ، دون أن يكون عضواً في هذا الحزب، ودون أن يكون هنالك حزب أصلاً . وانتخب وهو غائب ، يعمل في الكويت . طبعاً إن هذا الأمر، فمن أي اتجاه تنظر إليه ، يشير إلى الانتقاء . لماذا ؟
إذا كان هناك حزب كحزب البعث العربي الاشتراكي ، واضح الفكر، واضح الهدف يعمل لتحقيق أهدافه بواسطة أداته التي هي مناضليه ، فالأكفأ فهما وتجربة ، والأكفأ نضالاً وقدرة على القيادة ، يتقدم الصفوف في الحزب ، لكن الأمور في الحزب كانت غير ذلك في قياداته التاريخية المتتابعة قبل 23 شباط ، الأمر الذي يدل أن الغاطس في السياسة المستهدفة ، يتناقض تماماً مع ما هو مطروح من فكر وسياسة في الحزب والدولة ، ومع ذلك قررت أن أرشح نفسي لعضوية (قيادة الحزب) ، فتحدثت إلى رفاقي أعضاء قيادة (التنظيم الفلسطيني الموحد) ومندوبي هذا التنظيم إلى المؤتمر ، وبينت لهم نيتي وشرحت لهم مبرراتها فوافقوا جميعاً ، إلا الرفيق يوسف قطناني الذي قال لي بوضوح إنني لن انتخبك ، لأنك حينها ستغادر إلى دمشق (وهو لم يرد أن يقول أنك تهرب وتتركنا) والعمل في الأردن أهم ، وهو في هذا لم يكن على خطأ، فالعمل في الأردن في حينه وفي كل حين ، هو الأهم .
لم أتحدث في هذا الأمر مع أي رفيق آخر في هذا المؤتمر لا من المسؤولين الحزبيين، ولا حتى مع رفيقي مجلي نصراوين وحاكم الفايز ، وهذه سابقة في تقديري قلما حدثت بتاريخ مؤتمرات الحزب ، فالقيادات تخرج إلى الوجود من خلال الاتفاقات بين مراكز القوى في الحزب من جهة ، وبين من يقودون تكتلات داخل مؤتمرات الحزب من جهة أخرى .

الأسبـاب الموضـوعيـة :

السبب الأول فيها ، هو أنني أمين سر قيادة حزب وقائد لقوات هذا الحزب على الساحة الأردنية التي يخوض بها الحزب وقواته معركة نضالية جدية ومصيرية، من هنا فإن وجودي في القيادة الأعلى أمر هام جداً كي أضع هذه القيادة في الصورة الحقيقية للواقع، وأكون أنا أيضاً على بينة ومعرفة برؤية هذه القيادة وواقعها، والسبب الثاني فيها ، كان احترازيا ، لقد أحدثت القيادة القومية مكتباً جديداً يضاف إلى مكاتبها سمته مكتب العمل الفدائي ، وكنت أخاف أن يتولى مسؤولية المكتب أحد أعضاء القيادة ، الذي قد تقود مسؤوليته عن هذا المكتب ، إلى ارتباكات في عملنا نحن في غنى عنها .
ولهذه الأسباب رشحت نفسي لعضوية القيادة القومية بعد أن اتخذ المؤتمر قراراته وتوصياته ، وقد حصلت على أقل الأصوات من بين أعضاء القيادة المنتخبين ، والسبب في ذلك ، أن تكتلاً قوياً في المؤتمر كان قد وقف ضد وصولي للقيادة .
رئيسـاً لمكتـب العمـل الفـدائي :

بعد انتخابي عضواً في القيادة ، تسلمت فعلاً(مكتب العمل الفدائي) ، ولكنني لم أستقل لا من القيادة القطرية ، ولا من أمانة سر القطر، وكان عليّ أن أخوض هذه التجربة لأقرر بعدها أي الخيارين هو الأبقى، وبعد أقل من شهرين من مسؤوليتي عن هذا المكتب، قررت العودة لتحمل مسؤولياتي في الحزب في الأردن.
بعد تسلمي مكتب العمل الفدائي ، طلب إلي اللواء صلاح جديد الأمين العام المساعد في حينه أن أتقدم بدراسة للقيادة القومية تتعلق بطبيعة مسؤوليات مكتب العمل الفدائي حيث أمضيت أكثر من أسبوع وأنا أعد هذه الدراسة ، وبعد أن أنهيتها سلمتها إلى (الأمانة العامة) التي بدورها قدمتها إلى اجتماع للقيادة لمناقشتها، وأنا في الحقيقة لم أذكر عنوان هذه الدراسة ولا أي شيء عن مضمونها، ولكن من المؤكد أن الدراسة تتعلق بطبيعة العمل الفدائي الذي توليت مسؤوليته والارتقاء بأسلوب هذا العمل إن كان من خلال الحزب وقوات الصاعقة ، وكل قوى المقاومة الفلسطينية ، أو من خلال الأقطار المواجهة لهذا التحدي ، ومنها القطر العربي السوري .
وفي اجتماع للقيادة مقرر لمناقشة هذه الدراسة ، قال الدكتور إبراهيم ماخوس ، عضو القيادة القومية في حينه إن هذه الدراسة لا تتعلق بالموضوع المطلوب ، فطويت الدراسة دون أن يقول أحد من أعضاء القيادة شيئاً فيها ، حتى ولا أنا . والذي يظهر أن الدراسة كانت مطلوبة لذاتها ، لأن مضمونها يدل على فهم صاحبها ، إن وصولي للقيادة دون الالتزام بأحد أو طلب مشورة أحد، أمر غير مقبول ، خاصة إذا كان فهمك متناقضاً مع المستور من الاستراتيجية ، ومن هنا كان لا بد أو أواجه أنواعاً من الابتزاز ومحاولات الترويض من النوع الذي واجهه أول جهد أقوم به كعضو في القيادة .
بعد تسلمي بفترة قصيرة قدم إلى القيادة القومية تقرير من مخبر يعمل في جهازي المخابرات الأردنية والسورية ، ففي ثاني أو ثالث اجتماع أحضره ، وضع أمام أعضاء القيادة ومنهم أنا ، تقرير من شخص يدعى أحمد راشد عبد الهادي ، كان رقيباً مسلحاً في سلاح المدفعية في الجيش الأردني في بطارية الميدان الثالثة التي كنت أقودها في ذلك الحين ، أي في عام 1953 . أعتقل هذا الرقيب ورقيب أول يدعى محمود نعيم في عام 1959 لقيامهما بنشاط ضد أمن الدولة في الأردن ، وبعد التحقيق معهما ثبت أنهما يعملان لصالح المخابرات السورية ، وأرسل إلى سجن الجفـر، خرج من السجن نتيجة العفو الذي صدر عام 1962، وخرج الرقيب أحمد راشد عبد الهادي إلى سوريه بعد أن جندته المخابرات الأردنية في صفوفها .
وواقع الحال أن المخابرات الأردنية والسورية مفتوحة قنواتها على بعضها البعض ، وفي دمشق مارس مهنته كعميل للمخابرات السورية ، وزادوه شرفاً ، بأن أضفوا عليه عضوية حزب البعث العربي الاشتراكي وعينوه عضواً في المؤتمر القومي التاسع الذي انعقد من أجل إضفاء الشرعية (على حركة 23 شباط) . هذا المخبر الذي يعمل لأكثر من جهة ، والذي اتضح أن له علاقات مع جهات عدة ، مما جعل المخابرات السورية تعتقله لفترة طويلة .
هذا المخبر تقدم بتقرير (ضدي وضد الرفيق محمود المعايطة وحقيقة التقرير ومضمونه كانا ضدي) إلى القيادة القومية ، ووزير الدفاع أيضا ، لماذا وزير الدفاع ؟ ولم يكن بيني وبين هذا الإنسان عداوة شخصية تدفعه إلى هذه الإساءة ، بل العكس هو الصحيح . لم أعد أذكر الكثير مما ورد في هذا التقرير ، إلا أن به الكثير من التجريح والتهجم ، فهو يتهمني بسوء الأمانة، وأنني في يوم إقالة (الفريق كلوب) وترحليه كان وجهي أصفر (أي أنني كنت خائفاً) ، إنظروا (كيف ينتقم الاستعمار بواسطة مجنديـه) ، يحاول تجريدي من فعل وطني باتهامي أنني كنت خائفاً .
ولما قرأت التقرير الموجود أمامي وأمام كل رفيق موجود في هذا الاجتماع، قلت للأمين العام المساعد الذي كان يرأس الجلسة ، إنني سأتقدم بردي غداً على هذا التقرير وفي اليوم التالي أرسلت ردي على هذا التقرير إلى اللواء صلاح جديد الأمين العام المساعد في حينه ولا بد أن يكون التقرير محفوظاً في الأمانة العامة (إن كان هناك محفوظات) وبعد هذا الرد لم يطرح الموضوع وطبعاً لن يطرح، لأن الهدف من هذا التقرير هو أن يكتب ويقدم لأعضاء القيادة، للتشهير وأن يقرأه كل رفيق ليعتبر ، والهدف هو الابتزاز والإرهاب وفرض الإذعان ، وإلا ما معنى أن يُشهّـر برفيق عضو قيادة منتخب من مؤتمر هذه القيادة بهذه الطريقة ، التي لا تحدث إلا في مؤسسات المافيا . أما الواقعة الثانية والتي كانت أوضح من أن تجعلني استمر في تفرغي في هذه القيادة ، وإلا عليّ أن أكون جزءً من واقعها (مثلي مثل ربعي) فقد حدثت هذه الواقعة في مكتب الرفيق مجلي نصراوين ، كنت أجلس معه في مكتبه، وكنا نتحدث في أمور منها المقاومة الفلسطينية فبادرني قائلاً : (أنت شـاد على بغلتـك لويش) ، أي لماذا أنت تأخذ الأمور بهذه الجديـة ، فثارت ثائرتي ووقفت مهتاجاً وقلت الكثير الذي لا يرضي وأنا في هذه الحالة ، وخرجت من مكتبه ، وحينها قررت العـودة إلى الأردن.

بعـد العـودة إلـى الأردن :

لقد كان هناك شقوق في بيان القيادة القطرية ، وهذه الشقوق كانت موروثة منذ مرحلة (لجنة تنظيم القطر) . إن القيادة المنتخبة من المؤتمر القطري الأول ، والتي كانت هي نفسها القيادة المعينة من قبل القيادة القومية ، كانت تمثل مرحلتها، وقد تطورت قدرات الحزب والقوات ونمت نمواً متسارعاً واتسعت قاعدته التنظيمية والشعبية ، وأخذ زمناً مداه مريح نسبياً، فتطور واقعه الفكري والنضالي وأصبح أداة متميزة ومعتبرة شخصياتها القيادية، والسبب الرئيسي في هذا النمو خارج القدرة على القيادة وإثبات الوجود ، هو أن البعث (دين فطرة) كما يقال ففكره ليس معقداً كالماركسية ولا حتى (كالرأسمالية الليبرالية) وأهدافه المجسدة شعاره الواضح بسيطة الفهم، سهلة الإقناع للإنسان العربي ، فالوحدة هي مطمح هذا الإنسان خارج دوائر ذوي المصالح السلطوية والمادية، الداخلية والخارجية لأنه يشعر في ظل هذه الوحدة ذات المضمون الحر، بالأمن السياسي والاقتصادي الأمر الذي لا تستطيع توفيرها له (دول البيادق) ، أو يعرف أنه يستطيع العيش في واقع مادي دون عوز وأن مستقبل أطفاله مأمون ، وفوق كل ذلك إنها قوة التقدم والقدرة في كل مناحي الواقع اجتماعياً واقتصادياً وسياسياً إقليمياً ودولياً .
لقد كان فكر البعث الذي جسده شعاره في الوحدة والحرية والاشتراكية ، كان ولا يزال يشكل نهجاً ثورياً للوصول إلى هدف الوحدة العزيز على كل إنسان ، إن كل وطني ومثقف وطني يعلم إن التجزئة مفروضة بالقوة الخارجية ، من خلال أدواتها في كل قطر وقد قال البعث كلمته الصحيحة في كيفية معالجة ومقاومة هذه القوى الباعثة ، وهو النضال من أجل تحقيق الحرية في هذه التجمعات ، ففي ظل هكذا ظروف لم تعد هذه القيادة قادرة على (جر هذه العربة الثقيلة) وبعد انعقاد المؤتمر التأسيسي (للتنظيم الفلسطيني الموحد) جرى تعيين نفس القيادة السابقة، أضيف إليها رفيقان جديدان هما زهير محسن وإبراهيم البرغوثي ولم تكن هذه الإضافة (إضافة نوعية) وكما ذكرت، من أن عربة الحزب والقوات أصبحت أثقل من أن تجرها هذه القيادة، وهذا أمر طبيعي ففي مرحلة نضال يجب أن تعزز بقادة في معظمهم بمستواها ، يمثلون مستوى التطور في الأداة التي يقودونها، من هنا فعلى أي قائد يقود واقعاً مثل ذلك إن كان في مستوى مسؤوليته أن يبادر إلى تصحيح هذا الواقع، وهكذا فعلت، فلقد طرحت على القيادة مجتمعين ومنفردين تصوري من أنه لا بد من إجراء انتخابات في الحزب والقوات ، وعقد مؤتمر قطري يقرر العمل المرحلي والمستقبلي بالنسبة للتنظيم الفلسطيني الموحد، ويقيم واقع المقاومة على ساحة الأردن، ومن بعد ذلك ينتخب قيادة جديدة للحزب والقوات في الأردن لمواجهة المرحلة الصعبة المقبلة علينا. هذه الرؤيا السليمة والصحيحة فتحت في جدارنا (طاقة) هبت علينا خلالها تيارات عاصفة أربكت عملنا وأوقعت في صفوف القيادة انقسامات خطيرة لماذا؟ هناك عوامل رئيسية أهمها أن هذه القيادة هي محصلة قوى في جزئها الأهم خارج إرادة الهيكل التنظيمي للحزب وقوات الصاعقة، وأبرز مراكز القوى هذه هي (أ) القيادة الأعلى (أي القيادة القومية) (ب) المقاومة الفلسطينية وأهمها حركة التحرير الوطني الفلسطيني (فتح) (ج) النظام في الأردن .
(أ) القيــادة القوميــة :
كل (قيادة أعلى) من صفاتها الأساسية الحرص دوماً على أن كل ما دونها ملتزم بقيادتها بغض النظر عن مضمون قيادتها هذه ، وكذلك ملتزم باستراتيجيتها ، فإذا كانت استراتيجيتها المعلنة صادقة أي أنها مؤمنة قولاً وفعلاً بالهدف المعلن (أي التحرير) حينها تحرص على تطوير أداتها التي هي الحزب والقوات من أجل تحقيق هذا الهدف، وإذا لم تكن كذلك ، فإن كل ما تقوله وتفعله وتعلنه هو مرحلي ، أي أن كل هذا الواقع المفروض والمخلوق بفعل القيادة، إن كان في القطر الذي تحكمه أو الحزب الذي تقوده على أية ساحة عربية أو أي واقع تساهم في وجوده (كالمقاومة الفلسطينية مثلاً) هو من أجل الوصول إلى واقع متناقض تماماً والأهداف المعلنة، ولا صدق إطلاقاً في كل ما هو معلن ومطروح على الساحة السياسية.

(ب) المقاومة الفلسطينية وتأثيرها على التنظيم الفلسطيني الموحد :
صحيح أن التنظيم الفلسطيني الموحد لحزب البعث العربي الاشتراكي كان يمتاز عن باقي فصائل المقاومة بأن منتسبيه ، كانوا يمثلون المجتمع الأردني، فلسطينياً وأردنيا ،ً أي أنهم يتكونون من مجموع الشعب في الأردن ، ويمكن اعتباره حركة وطنية على ساحة الأردن، بديلاً عن الحركة الوطنية التي عينتها حركة المقاومة الفلسطينية وكان يمكن لهذا التيار أن يزداد تميزاً ويفعل بالاتجاه الوطني فعلاً جدياً، لو أن القيادة الأعلى كانت صادقة في التزامها المبدئي بأيديولوجية البعث ولو أن قطبي الرحى، المقاومة والنظام كانا صادقين في عداواتهما (أي في تناقضهما) أو على الأقل أن الطرف المقاوم كان صادقا بالتزام الكفاح بالسلاح من أجل الوصول إلى حق الشعب العربي الفلسطيني في وطنه (ففتح) والنظام ، كان لهما هدف استراتيجي واحد هو التسوية من خلال التفاوض تحت مظلة الولايات المتحدة الأمريكية، بغض النظر عن الصراع الجاري بينهما والذي كان يستهدف حقيقة تنظيف الطريق من العوائق بهذا الاتجاه، (والواقع يفرض نفسه بواسطة قواه) . هذا الصراع المظهري بين النظام والمقاومة سرب جرثومة فلسطيني - أردني إلى الهيكل التنظيمي للحزب والقوات بمن فيه القيادة ، فالنظام يمثل الأردنيين والمقاومة تمثل الفلسطينيين وكلا الطرفين النظام والمقاومة كان لهما ممثلون في قيادتنا، ولا يمكن الخروج من هذا المستنقع إلا بفعل متميز، الطريق إليه مسدود، ولم يأخذ الاحتكاك أساليب مباشرة، ولكن أساليب غير مباشرة، منها مثلاً كان مكتب الأمن في القيادة المسؤول عن أمن الحزب والقوات كأي مكتب أمن، له أساليبه غير المرتبةومصاريفه كذلك، وفي ذروة الصراع بين النظام والمقاومة ، تقدم الرفيق أحمد اليماني إلي بتقرير خطي ، يتهم بهذا التقرير مكتب الأمن في القيادة القطرية باتهامات أهمها، سوء التصرف بالأموال، وسوء التصرف بالمسؤولية، أما الثانية فقد صدر عن الرفيق يوسف البرجي، في العديد من المرات ولأكثر من شخص منهم أعضاء في القيادة، أن الرفيق أحمد النجداوي هو عميل للمخابرات الأردنية، والغريب في الأمر أن الرفيق يوسف لم يكتب تقريراً خطياً يُضمًنـه هذا الاتهام ، نظمته ببيان حول هذا الأمر، وكنت أعرف أن الرفيق أحمد النجداوي له صلة بـ (محمد رسول) إلا أنني مع ذلك لا أستطيع اتهامه ضمن ظروف المرحلة وواقعها أخذ هذا الاتهام بعداً جدياً حينما قررت القيادة القومية التحقيق في هذا الأمر دون أن تسألني رأيي ودون أن أكون على علم بالأسباب التي جعلت القيادة الأعلى تقرر ذلك، وأنا المسؤول الأول في هذه القيادة وعضواً أيضاً في القيادة الأعلى أرسل الأمين العام المساعد الرفيق فوزي رضا رئيس مكتب التنظيم القومي للتحقيق في هذا الأمر، وبعده أرسل الأمين العام المساعد الرفيق مصلح سالم عضو القيادة أيضاً للتحقيق في هذا الأمر ، وقد يستغرب القارئ أنني وأنا المسؤول الأول في قيادة (التنظيم الفلسطيني الموحد) لحزب البعث العربي الاشتراكي لم أسأل لا من بعيد ولا من قريب عن هذا الأمر الذي يجري حولي، وفي قيادة ، أنا أقودها مما جعلني بالفطرة ابتعد، حتى أنني لم التقِ أياً من الرفيقين الذين وصلا إلى عمان تباعاً لهذه الغاية، مع أن واجبي أدبياً يفرض علي أن ألقاهما وأحتفي بهما وهم صديقان لي لماذا؟ لأنه كان لدي شكوك حول القضية وأهدافها، من أنها مخلوقة في هذا الظرف لإرباك عملنا وقد قلت رأيي هذا إلى الرفيق فوزي رضا – رئيس مكتب التنظيم القومي، قلت له إن (الدلف يأتينا من السقف) أي أن الحال في قيادتنا هو ناتج عن تدخلات القيادة الأعلى، وقد أبلغ الرفيق فوزي رضا رأيي هذا للأمين العام المساعد اللواء صلاح جديد، هذا الواقع الانقسامي في القيادة القطرية للتنظيم الفلسطيني الموحد، وهو انقسام نابع من الواقع وناتج عنه إن كان فيما يتعلق بتكوين القادة وقدراتهم ، أو الواقع السياسي الانقسامي في الساحة الأردنية وتصحيحه واجب ، وهو من مسؤولية القيادة الأعلى التي كان حالها أسوأ من حالنا في ذلك الحين ، وما كان يمكن أن يتم، تصويب عمل قيادة التنظيم الفلسطيني الموحد إلا بإجراء انتخابات في الحزب والقوات من أجل قيادة جديدة تكون في مستوى المرحلة.
ولما دعى الأمين العام المساعد ، قيادة التنظيم الفلسطيني الموحد إلى اجتماع برئاسته كنت مقتنعاً أن المناقشة في أسباب انقسام هذه القيادة ستقود بالتالي إلى إقرار القيادة الأعلى ألا وهو ضرورة إجراء انتخابات من أجل قيادة جديدة للتنظيم الفلسطيني الموحد.
جرى هذا الاجتماع في قاعة اجتماعات قيادة القطر السوري، وقد حضره من القيادة القومية الرفاق الأردنيون أعضاء هذه القيادة وقد أدركت بعد أن انتهى الاجتماع ، لماذا قاعة اجتماعات قيادة قطر سوريه؟ لأنها مبطنة من الداخل (بالأسبست) الذي يمنع تسرب الأصوات العالية إلى الخارج، ومن هنا يبدو أن الأمين العام المساعد كان على إطلاع مسبق على مضمون ما سيقال في هذا الاجتماع، وظن أنه ستنشب معارك أقلها كلامية صاخبة، وحين افتتاح الجلسة، تحدث فيها معظم الرفاق أعضاء قيادة التنظيم الفلسطيني الموحد ولم يتحدث أي من الرفاق أعضاء القيادة القومية، ولا حتى الأمين العام المساعد رئيس الجلسة، وصاحب المبادرة. تحدث من الرفاق أعضاء قيادة التنظيم الفلسطيني الموحد على التوالي أحمد النجداوي- هاجم الهنداوي يرحمه الله وأحمد اليماني وكانت المفاجأة الكبرى أن حديثهم لم يتناول أسباب الانقسام في القيادة ولا حتى القضية التي حقق فيها أعضاء قياديوين حول اتهام الرفيق النجداوي من أنه عميل للمخابرات الأردنية، وإنما أنصب هجوماً علي اتهاماً وتجريحاً ، ولم أعد أذكر بالطبع كل ما قيل، إنما النقاط الأبرز في حديث أحمد النجداوي هي اتهامه لي بسوء الأمانة ، وقضايا أخرى كثيرة فهو محام ، أما الرفيق هاجم (رحمة الله عليه) فقد اتهمني أنني أحاول تصفيته، أما أحمد اليماني فالذي قاله لا يعلق في الذاكرة وأهم ما في الأمر أنني لم أجد بين أعضاء القيادة التي أقودها من يدافع عني، صحيح أن أحداً لم يهاجمني غير هؤلاء الثلاث، ولكن أحداً لم يدافع عني أمام هذا الهجوم اللئيم، حتى أقرب رفاقي لماذا؟ لا شك أن هناك جواً مخلوقاً من قبل أشخاص متنفذين في القيادة الأعلى كنت خالي الذهن منه تماماً ، جعل أكثر الرفاق قرباً مني يتهيب أي قول لصالحي، وإلا ما معنى ذلك فأنا لم أقد هذه القيادة لمدة تقارب الأربع سنين بإرادتي التي أفرضها على أعضائها ، وبعد أن أنهى الرفاق أعضاء قيادة التنظيم الفلسطيني الموحد كلماتهم رفع الأمين العام المساعد الجلسة للاستراحة من أجل أن يعطيني مهلة كافية للرد على الاتهامات التي وجهت إلي، إلا أنني خيبت مسعاه في التقرير السنوي الذي يكتبه قادة الوحدات العسكرية عن مرؤوسيهم من الضباط ، قال قائد كتيبة مدفعية الميدان الأولى التي كنت أحد ضباطها، أقود فيها بطارية الميدان الثالثة، قال عني في تقريره السنوي أنه ضابط جيد جداً وفي الوصف قال من بعض ما قاله (you con not predict his reaction) أي أنك لا تستطيع التنبؤ برد فعله وهذا ما حدث في تلك الجلسة.
والحقيقة أنني أنا ذاتياً لم أكن قادراً على التنبؤ بهذا الموقف الذي اتخذته من هذا الهجوم اللئيم والهادف، لم أخرج مع الذين خرجوا للاستراحة، ولم أتحدث مع أحد، وقد أوجعني رأسي وجعاً شديداً وسدت أمامي جميع منافذ التفكير من الألم والغضب، وحينما عادوا إلى الاجتماع وجدوني أقف في مكاني الذي أجلس فيه ماذا يمكنني أن أقول للرد على أحمد النجداوي الذي اتهمني بسوء الأمانة، فإذا كان إنسان مثلي لديه هذه النقيصة ؟ إذاً ما هو مبرر سيره في هذا الطريق الصعب والشاق، وإذا افترضنا أن ظروفاً معينة فرضت الأمر عليه في المرحلة الأولى من السير على هذا الطريق فماذا يعني استمراره بعد أن انفتحت الأبواب أمامه ودامت مفتوحة؟ وبماذا يمكن أن أراد على الرفيق هاجم، من أنني أسعى لتصفيته، تصفية لماذا؟ من أجل الاستحواذ على ملك أو سلطة، كيف يمكن أن يأتي ذلك ببال رفاق ليس أمامهم ما يتنافسون عليه سوى الموت، ومن هنا لم أجد وسيلة منطقية للرد سوى عدم الرد على هذه الشتائم، واكتفيت بالقول على كل ما قيل ، إنني أقود قيادة منقسمة في واقع منقسم ومنهزم، وأنا لا أملك مسؤولية تصحيح وضعها، ومن هنا فأنا أمسك بواقعها من الوسط ، هادفاً أن أبقيها إلى أن يتواجد حل لحالتها هذه .
وبعد هذا القول انفض المنتدى دون أن يقرر أمراً أو يجرى تعقيب من أحد ، وبدلاً من معالجة الأوضاع في قيادة التنظيم. زادها هذا الاجتماع عمقاً واتساعاً وطبعاً لم تكن النتيجة المتوخاة من عقد هذا الاجتماع هي ما حدث، إن هذا الاجتماع الذي جاء مضمونه مغاير لانعقاده، ذكرني بتقرير أحمد راشد عبد الهادي الذي ذكرته سابقا ، ولكن ذلك التقرير كان البداية ، فإن لم تذعن فهناك البدائل الأكثر جدية وأعمق معنى ، وأبلغ إساءة !! وكان علي أن اتخذ موقفاً أقله الاستقالة من أمانة سر القطر وقيادة التنظيم ، وهذا بتقديري أقل ما توقعه المسؤول عن هذا المخطط، خاصة وقد هددت بالاستقالة أكثر من مرة، فلماذا إذاً لم أقدم استقالتي في ظرف جميع الطرق فيه مسدودة أمام الصادقين ؟ وقد أعطوني المبرر، وفتحوا لك طريق الهرب، هناك عوامل عديدة أهمها ذاتي منها (أ) أنني حينما أشعر أن هناك من يحاول من خلال أساليب غير شرعية هدفها النيل مني كمناضل يعرف أهدافه ، وحريص على هذه الصفة ، فأنا أتخذ الموقف المضاد تماماً، لأنني لا يمكن أن أسمح لهؤلاء المتآمرين المعروفة مقاصدهم أن يحققوا هدفهم (ب) إن التخلي عن مسؤوليتي في حينه يعني أن أتخلى عن النضال ، وبالتالي عن عضويتي في حزب البعث العربي الاشتراكي الذي سيتبعه التخلي عن كل موقع قيادي أنا عضو فيه، وذلك هو المطلوب ، ومن هنا كان لا بد لي أن استمر في الواقع والمواقع اللذين أنا فيهما، وإلا صار الأمر هروباً يتناقض والمعاني التي أتمثلها الأمر الذي حاوله معي وصفي التل رئيس وزراء الأردن في حينه وكذلك الدكتور كمال الشاعر فاخترت سجن المزة بديلاً عن ذلك.
(ج) تغييــر الموقــع
إن هذا الأمر خارج تفكيري، فعدا عن هذه الحقيقة فليس هناك في الساحة الوطنية في الأردن ولا في ساحة العمل الفلسطيني، من يمكنني النضال في صفوفه، بديلا عن حزب البعث العربي الاشتراكي وإثباتا لهذه القناعة ، أسوق للقارئ الواقعة التالية ، فبعد قيام " الحركة التصحيحية " ، والتي كان أبو عمار من مؤيديها وعرف أبو عمار أنني لا يمكن أن أكون في صفوفها، وعرف أن العهد الجديد في سوريه ينوي الاستيلاء على الحزب وقوات الصاعقة، وفي طريقي إلى بيروت في أحد الأيام لحقت به بعد بلدة (شتورة) اللبنانية، فلما رآني في سيارتي، توقف وجاء وركب معي، وكان يركب معي في السيارة الرفيق حسن الخطيب، واجهني وقال، يا أبو موسى أنني أعرض عليك الانضمام إلى (فتح) وأنا سأعينك قائداً للقوات في جنوب لبنان، فابتسمت فعرف جوابي ، لماذ ا؟ لم أقبل هذا الموقع وهو من أشرف مواقع النضال وأنبل المهمات لأنني كنت أعلم علم اليقين بأن أبو عمار لا يستهدف تحرير شبر من الأرض الفلسطينية بالكفاح المسلح وفي هذا اللقاء تحدث إلي عن نفسه لأول مرة، قال والله يا أبو موسى أنني تركت كل شيء لي في الكويت وهو مال كثير، وموقع عمل، والتحقت بما أنا عليه الآن في المقاومة، وفيما هو يتحدث جرت واقعة حبيبة إلى النفس الإنسانية، مرت بنا سيارة كويتية في طريقها إلى بيروت فرأى ركابها سيارته وعليها (إيريال) جهاز الإرسال، فتراكض الأطفال إلى الشباك الخلفي للسيارة ورأوه وبدأوا يلوحون ويحيونه وهم فرحين، وطبعاً هم أطفال فلسطينيون فالتفت إليه حينها، وقلت له صادقاً هذا أجدى وأبقى يا أبو عمار .
هذا هو واقع التنظيم الفلسطيني الموحد لحزب البعث العربي الاشتراكي في ذروة الصراع على الساحة الأردنية والساحة السورية نظماً ومقاومة، هذا التنظيم الذي يعتمد في تمويله وتسليحه على القطر السوري يدفع إليه هذا التمويل شهراً بشهر وتحرص القيادة في سورية خاصة وزارة الدفاع أن تكون موجودة في المفاصل الأساسية لقوات الصاعقة ضمن هذا الذي بينت هل يستطيع هذا التنظيم شق طريق مختلف ومضاد لقوى التسوية المهنية في حينه كلا إنه لم يكن قادراً على فعل ذلك.

الرفيـق أحمـد النجـداوي :

عليّ قبل أن أغادر هذا الموضوع أن أقول كلمة حق بحق الرفيق أحمد النجداوي ، إنني لم أتعرف على أحمد النجداوي ولا على تاريخه النضالي ، إلا بعد أن عينته القيادة القومية عضواً في القيادة القطرية المؤقتة، بتوصية من الرفيق حاكم الفايز عضو القيادة القومية في حينه ، كان الرفيق احمد النجداوي حزبياً قديماً ، ويعتبر من الكادر المتقدم في الحزب منذ الستينات، كان عضواً في القيادة القطرية بين أعوام 1964 - 1966 ، وأظنه هو كاتب الرسالتين اللتين وجهتهما القيادة في ذلك الحين إلي فأسلوبهما ، أسلوب قانوني متمرس قادر على الاستفزاز . حضر المؤتمر القومي الثامن للحزب، وانتخب عضواً في هيئة المؤتمر، استقال من عضوية القيادة قبيل اعتقالها في شباط عام 1966 بعد أن أصدرت بياناً تدين فيه حركة الثالث والعشرين من شباط ، هل يعني هذا أنه استقال لأنه ضد الإدانة ، ومع حركة 23 شباط ، التي انضم إلى صفوفها بعد ذلك ؟ سترى أن هذا لم يكن السبب ، لأنه بعد سقوط حزب حركة 23 شباط ، حاول العمل " مع الحركة التصحيحية " التي لم تستطع التعامل معه ، فانتقل للعمل بعد ذلك (مع حزب القيادة القومية) ، وأصبح من أبرز شخصياتها في فترة معينة ، لم يتواجد بعثي عضواً في القيادة أو كادراً متقدماً في الحزب، عضواً عادياً، نصيراً أو صديقاً للحزب، إلا وتناولته المخابرات الأردنية ، سجناً وجلداً وأقلها التحقيق إلا الرفيق أحمد النجداوي الذي كان يلبس دوماً (طاقية الإخفاء) .







 
رد مع اقتباس
قديم 18-04-2010, 03:53 PM   رقم المشاركة : 34
معلومات العضو
افتهان الزبيري
أقلامي
 
الصورة الرمزية افتهان الزبيري
 

 

 
إحصائية العضو







افتهان الزبيري غير متصل


افتراضي رد: المناضل / ضافي موسى الجمعاني

القـوات العـراقية في الأردن :

كانت القوات العراقية المتواجدة على أرض الأردن ، والتي كان قوامها فرقة مزودة بكل أسلحة إسناد الفرقة ، وهي ليست طرفاً مباشراً بالصراع بين النظام الاردني والثورة الفلسطينية ، ولكنها لا بد أن تتصرف أمنياً وسياسياً بطريقة تخدم بالتالي نظرة العراق السياسية للوضع في الأردن ، وتأثيره على رؤية العراق الاستراتيجية للوضع في الإقليم في حينه ، وكان الاتجاه السياسي لبعض القادة العراقيين أمثال الفريق صالح مهدي عماش ، والفريق حردان التكريتي شديد الوضوح ، فالفريق حردان التكرتيي والفريق صالح مهدي عماش كانا دائمي الإقامة في الأردن بأسلوب تناوبي ، وبالرغم من أساليب التكتيك والمناورة للتمويه على الرؤيا الحقيقية للعراق، كان العراق مع استقرار الوضع في الأردن والحفاظ على نظامه.
هذا الأمر أثار نقداً شديداً في صفوف البعثيين على اختلاف موقعهم التنظيمي ، وخاصة أن القائدين الموكل لهما تنفيذ هذه السياسة كانت معروفة اتجاهاتهم السياسية الموالية للغرب ولكن (بعد أن ذاب الثلج وبان ما تحته) واتضحت مواقف الأطراف إن في المقاومة أو كل ما في يحيط بفلسطين تبين أن كل ما قيل بحق القيادة السياسية للعراق حتى وإن كان في صفوفها في حينه حردان التكريتي كان ناتجاً :
أولاً : عن الضيق الشديد الذي كانت تعانيه المقاومة وخاصة المقاتلين والقادة الذين لا يعلمون ما هو المخطط . وثانيـاً : إن العراق لا يستطيع أن يتجاوز منظمة التحرير وخاصة حركة التحرير الوطني الفلسطيني (فتـح) ، التي كانت تقود منظمة التحرير الفلسطينية ، وبالتالي الشرعية الفلسطينية ، والتي لم تكن تسعى إلى تغيير النظام . وثالثـاً : لو تدخل العراق بالصراع لصالح أطراف معينة في المقاومة وأعني بهم البعيثون ومن يحالفهم ، لتطـّور الصراع في الأردن إلى صراع إقليمي تتدخل به أطراف دولية ، والأهم أنه سيخلق واقع عشوائي ، ستكون نتائجه مدمرة على كل الواقع وأهمه واقع ومستقبل الحركة الوحدوية ، ومع أننا مسؤولين قياديين أمضينا سنين طويلة في النضال والعمل السياسي ، إلا أننا لا نعرف حتى البديهيات في العلاقات بين الدول .
إن موقف قيادة العراق في حينه كان يستند إلى :
(أ‌) شرعية وجود قواته في الأردن .
(ب‌) إلى موقف قيادة منظمة التحرير الفلسطينية وخاصة حركة (فتح) التي تقود شرعية العمل الفلسطيني .
(ج‌) أن العراق لا يستطيع إطلاقاً المساعدة على خلق واقع مضطرب في الأردن ،وحافظ أسد في سورية ، يسد عليه كل المنافذ إلى الغرب عبر سوريه.
إن أي اضطراب وعدم استقرار على حدود العراق الغربية ، يفتح عليه ميداناً واسعاً للاحتمالات الخطرة مع كل ما يحيط به . إلا أن الأمر سيكون مختلفاً جذرياً ، لو أن المقاومة موحدة الاستراتيجية والهدف وحقها في الدفاع عن وجودها وحقها في قتال العدو ، للوصول من خلال الفعل المسلح الى حق الشعب العربي الفلسطيني في تقرير مصيره على أرضه ووطنه ، حينها سيجد العراق وغيره ، أن الباب مسدود أمام المناورات السياسية، وما عليه إلا أن يسحب قواته من الأردن أو أن يقاتل المقاومة .

تصاعـد وتيرة الاستعداد من أجل الحسم :

لقد أعد النظام نفسه لليوم الموعود، وكانت الأربعة عشر بنداً التي أصدرتها وأعلنتها حكومة الأردن، قيوداً على حرية نشاط المقاومة ضد العدو والتي جرى التفاوض بشأنها دون الوصول إلى حل . كانت هذه القيود هي المنطلق الذي تصاعدت وتيرته وصولاً إلى أيلول فقبل أسبوعين من حلول هذا الشهر ، ينفجر القتال في كل المواقع التي بها مقاومة وجيش، وكانت الواقعة التي آلمتني وأشعرتني بالغيظ واليأس، هي أن النقيب علي قاسم من جيش التحرير الفلسطيني (قوات اليرموك) كان معاراً لقوات الصاعقة، ويعمل في صفوفها يقف على مضخة بنزين في مدينة (صويلح) (ساه - لاه) فداهمته مجموعة مغاوير من الجيش الأردني وأردته قتيلاً ولما وصلني هذا النبأ ضمن الأنباء التي كانت تتوارد عن تصاعد القتال في كل المواقع بين الجيش والمقاومة، حينها أرسلت برقية للقيادة في دمشق من خلال جهاز الاتصال الموجود في قيادتنا في عجلون لا أتذكر نص هذه البرقية، ولكن أساس مضمونها (العمل على حماية المقاومة) التزاماً بمبادئ البعث وبالتأكيد فإن طلبي هذا لم يكن يعني إطلاقاً تدخلاً عسكرياً مباشراً، فهناك وسائل أفعل وأقل ظهوراً ومباشرة.

الوساطـات :

في غمرة الأحداث وتصاعد الصراع كما هي عادات الحكام العرب، تكثر الزيارات والوساطات من أجل حل الخلاف وتسويته حسب رؤيا هؤلاء الحكام وكان أول الوافدين وفد سوداني وزاري يرأسه الوزير في حينه (أبو عيسى) ونظام النميري في حينه في ذروة إشعاعه المزيف ، وكان الوفد يضم الرائد حمد الله والرائد مأمون أبو زيد، وهما ضابطان مسؤولان في قيادة النظام ويمتازان بالفهم والوعي السياسي التقى الوفد مع قيادة (فتح) في مقر (فتح) في جبل الحسين، ولا أعرف لماذا كنت موجوداً هناك في حينه بدأ الحديث (أبو عيسى) ، ولم يتحدث غيره أثناء وجودي ، تحدث عن وجهة نظره في كيف يجب أن تكون استراتيجية المقاومة ، وأساسها عدم التدخل في شؤون الأنظمة، وهنا قاطعته قائلاً بما معناه، إذا كانت الأنظمة لا تسمح بالنضال والقتال من أجل فلسطين، فكيف يمكننا الوصول إلى فلسطين . فرد علي بما معناه (وأنت ما هي علاقتك) فما كان مني إلا أن انسحبت من الاجتماع (هذا الأبو عيسى) عضو المكتب السياسي للحزب الشيوعي السوداني أقوى الأحزاب الشيوعية العربية، وأصدقها التزاماً وطنياً وأكثرها استقلالية شق حزبه لمصلحة نظام (الفلاشا) وارتقى سلالم الانتهاز والزيف ، حتى تربع على عرش أمانة الاتحاد العام للمحامين العرب، فإذا كنت أنا لا علاقة لي بفلسطين وهي أرضي ووطني تاريخياً منذ أن استقر الإنسان على هذه الأرض فما هي علاقة (الأبو عيسى هذا) بتحديد استراتيجية النضال من أجل حق الشعب العربي الفلسطيني بأرضه ، إلا لكونه مجنداً في خدمة المخطط الذي يقول أن تاريخ هذه الأرض وإنسانها يبدأ من اتفاقية (سايكس - بيكو).
هذه الزيارة التي تبين أنها كانت زيارة استطلاعية تمهيداً لوساطة النميري التي كانت في حينه في باطن الغيب، أمضينا الشهرين قبل أيلول ونحن في صراع دائم مع النظام، اتفاق على وقف إطلاق النار، وخروج دائم على وقف إطلاق النار، وفي أحد هذه الأيام قبل حلول شهر أيلول، وكان الفريق مشهور حديثه حينها رئيساً لأركان الجيش، وكنا قد أبرمنا معه للتو اتفاقاً لوقف إطلاق النار، بعد هذا الاتفاق مباشرة كنا أنا وأبو عمار، وأبو أياد وأبو اللطف ، في قيادة (فتح) في جبل الحسين، وما هي إلا أقل من عشرة دقائق على سريان هذا الاتفاق ، إلا وبدأت قذائف المورتر 2/4 تتساقط على الموقع الذي كنا فيه، وحينما أصبح الأمر خطيراً قلت لأبي عمار والإخوان فلننتقل إلى مقر الاتحاد النسائي لحزب البعث ، وكانت داره بين مجموعة من الدور الحديثة المتلاصقة، محمية بعمارات على جانبيها أعلى منها ، وكانت لا تبعد عن مقرنا الحالي بأكثر من خمسين متراً فانتقلنا إلى هناك، وما هي إلا خمسة دقائق من وصولنا إلى هذا المكان، حتى عادت القذائف تنهمر على مقرنا الجديد الأمر الذي يدل أننا متابعون من (ضابط ملاحظة) يشرف تماماً على تحركاتنا وموقعنا، وكان الرامي شديد الدقة ، الأمر الغير موجود في 2/4 مورتر فبالرغم من موقع الدارة المتداخل مع العمارات الأخرى، إلا أنه كان يصيب هذا الدار إصابات مباشرة، الأمر الذي اضطر أبو عمار أن يلجأ إلى أحد بيوت الجيران وبقينا أنا وأبو أياد يرحمه الله وأبو اللطف فتوجهت إليهم بالقول يا إخوان، لا يوجد هناك حل وسط (يا يذبحنا هاذ النظام يا نذبحه)، ونحن قادرون على ذبحه إذاً اتفقنا على ذلك، فقال أبو إياد هل عندك إمكانية، وشعرت حينها أنه يقصد معرفة إمكاناتنا خاصة داخل الجيش الأردني قلت له إذا اضفت إمكانيات (فتح) فأنا متأكد أننا قادرون على ذلك، وأنا سأقول لك إمكاناتنا داخل الجيش بالرغم من يقيني أنك لا تستهدف إلا معرفة هذه الإمكانات، وقلتها له ، أما أبو اللطف فلم يعلق، عرفت حينها (أنني أنفخ في قربة مثقوبة) ، وبعد يوم حادثة المورتر هذا وفقداني الأمل نهائياً بعد كل حديثي هذا سالف الذكر ، قررت الخروج من مصيدة المغفلين هذه، وخرجت من عمان ولم أعد إليها إلا تحت علم جامعة الدول العربية برئاسة الباهي الأدغم.
توجهت إلى قيادة قوات الصاعقة في عجلون ، وكان يتواجد فيها الرفيق علي أبو الهوى ، حيث لم يكن في هذه المنطقة ، أي احتكاك بين الجيش والمقاومة ، مع أنه كان يتواجد في هذه المنطقة لواء مشاة على بعد كيلومترين إلى الجنوب من موقع قيادتنا ، كان يقوده في ذلك الحين المقدم سعد صايل (يرحمه الله ) يعسكر في أرض نسيطر عليها من جميع اتجاهاتها، وفي موقع قيادتي هذا، لم أكن على تماس بالأحداث ولا على بينة بما يجري ، فسرت إلى جرش ، فهناك في دبين كانت قيادة العاصفة بقيادة أبو صبري والمسؤول عن جميع قوات العاصفة خارج عمان، وكانت لديه وسائل اتصال بكل موقع لقواته ، وفي جرش أيضاً كانت قيادة جيش التحرير الفلسطيني (قوات اليرموك) وكان لديهم اتصال بعمان وبدمشق أيضاً، وهناك تشكلت قيادة من أبو صبري والعقيد بهجت قائد جيش التحرير الفلسطيني (قوات اليرموك) وأنا كقيادة للمقاومة خارج عمان ، وفي واقع أنت لا تقوده ، وليس لك استراتيجية مستقلة عن استراتيجية من يقود ، فأنت حينها لا تستطيع أن تنفذ رؤياك المتناقضة مع رؤيا من يقود، فليس أمامك حينها إلا أن تصبح تابعاً لصاحب القرار ومن هنا فإننا لم نستطع القيام بأي فعل ذو قيمة، سوى إرسال بعض المقاتلين في محاولات يائسة لمساندة المقاتلين في عمان ، وكانت هذه النجدات لا تتجاوز مخيم البقعة.
وفي ذروة الأحداث قصدت قيادة أبو صبري في (دبين) ، وقبل وصولي إلى مقر القيادة ، وجدت أبو صبري يقف مع شخصين هناك ، فترجّـلت من سيارتي ، وتوجهت إليهم فإذا المقدم سعد صايل بلباسه العسكري، وشاب من (فتح) كنيته حمدان ، شاب ممتاز كان ينظر إلى كل ما يفعله أبو صبري بازدراء، سلمت على سعد وكنت أعرفه معرفة جيدة حين كان ملازماً ثانياً في سلاح الهندسة ، وكنت حينها أنا في رتبة نقيب ، وقد ارتحت لرؤياه ، وقلت له خيراً يا سعد فأجابني أبو صبري إن المقدم سعد كان في اجتماع لقادة الأولوية في قيادة الفرقة وقد أعطيت الأوامر بالهجوم على مواقع المقاومة في منطقة شمال نهر الزرقاء وتطهيرها من وجود المقاومة، وكونه لا يريد تنفيذ هذا الأمر التحق بنا، ونحن بدورنا نؤمن وصوله إلى سوريه، فقلت له أتهرب يا سعد لماذا؟ لأذهب أنا وإياك إلى اللواء الذي تقوده، ونأخذ معنا القوة اللازمة للسيطرة على اللواء، ونبطل فاعلية كل العناصر الموالية للنظام فيه، ونسير به إلى عمان، وهناك تدعم المقاومة ونصفي حسابنا مع النظام، وكنت جاداً ومقتنعاً أنها فرصة لاحت ، فضحك أبو صبري وبدا الحرج واضحاً على سعد ، فتذكرت كلمة سعد زغلول وهو على فراش الموت (ما فيش فايدة يا صفية) وخرج من الجيش الأردني على طريقة سعد صايل لواء مشاة من اصل أربعة ألوية مشاة يتكون منها الجيش الأردني في حينه، عسكرت كتائب هذا اللواء في سهل حوران إلى الشمال من درعا ، سمي هذا اللواء ( بلواء اليرموك ) ، قاده المرحوم سعد صايل ، سحبهم (أبو عمار) من الجيش الأردني ليذبحوا بلبنان هم وقائدهم . جيش يخرج من صفوفه لواء من أصل أربعة ألوية والكثير من العناصر الهاربة لم تلتحق بهذا اللواء ونصف المتبقين في هذا الجيش لم تتسنى لهم فرصة الهرب ، هل يعقل أن يستطيع هكذا جيش أن يهزم المقاومة ؟ الذي هزم المقاومة هي المؤامرة ، وكلنا يعرف المأل الذي آل إليه سعد صايل رحمه الله بعد أن أدى دوره بكفاءه في بيروت ، وخرج هو وبعض قادة المقاومة وعناصرها من بيروت إلى دمشق، وفي جولة له على ما تبقى من قواته في سهل البقاع الشمالي، أطلقت عليه النار من كمين ، وترك ينزف حتى الموت .

إدخال الرئيس عبد الناصر في لعبة تصفية المقاومة :

في ذروة الأحداث المختلفة ، التجأ أبو عمار إلى سفارة (مصر) ، ومصر لم يكن لها نفوذ في حينه، ولا في أي وقت في الأردن ، لماذا لم تكن سفارة المملكة العربية السعودية ذات النفوذ الأكبر والمال الأكثر هي المكان الذي لجأ له ابو عمار ؟ أحاطت مجنزرات الجيش الأردني الحاملة رشاشات (500) بالسفارة المصرية مظهرة أنها لن تترك ياسر عرفات يفلت هذه المرة، وبدأت تطلق نيران كثيفة من رشاشاتها طبعاً إلى السماء، ولم يكن الهدف تخويف ياسر عرفات ولا الوسيط الذي يجتمع معه في السفارة الشيخ سعد العبد لله الصباح ولي العهد ورئيس مجلس وزراء الكويت ، وإنما كان الهدف ، إرهاب وإرعاب أركان السفارة المصرية حتى يصل واقعهم هذا إلى عبد الناصر من أجل أن يتدخل ، وهو لا يستطيع إلا أن يفعل ذلك حفاظاً على مكانة مصر ، لأن الذين يقودون المؤامرة لا زال سعيهم حثيثاً خلف عبد الناصر ، فهم يريدونه جزءاً من هذه اللعبة ، فحين يلتجئ (أبو عمار) إلى سفارة مصر فهو (دخيل على مصر وعبد الناصر)، فلا بد له أن يتحرك . ولم تكن مصادفة وجود النميري في مصر ، فأرسله عبد الناصر مرة ثانية، وكان الهدف أن يأتي الحل عن طريق مصر، فدعى إلى مؤتمر قمة كانت محصلته بعثة (الباهي الأدغم) التي جرى تحت علمها تصفية المقاومة الفلسطينية في الأردن ، والأمر الثاني المهم أن المخابرات المركزية الأميركية كانت على معرفة تامة بجدية مرض الرئيس الراحل ، وأي عملية إرهاق من النوع الذي سببته الحرب الأهلية في الأردن ، ومؤتمر القمة ومداولاته وتناقضاته، كانت كافية للقضاء عليه ، وهذا ما حدث.



الاجتماع بالفريق حردان التكريتـي :

كنت وأبو صبري والعقيدة بهجت قائد جيش التحرير الفلسطيني (قوات اليرموك) متواجدين في مدينة جرش ، حيث مركز قيادة المقاومة خارج عمان ، وكنا بشكل ما نعتبر محاصرين في ذروة الصراع من أجل الحسم في شهر أيلول ، إتصلت قيادة القوات العراقية في المفرق ، بأبي صبري في حينها ، وطلبت منه إرسال وفد من المقاومة مزودين بما هو مطلوب من قيادة القوات العراقية من مساعدات ، يستطيع الوفد أن يأتي إلى المفرق بسيارات الإسعاف التي تقوم بنقل مواد طبية إلى جرحى المقاومة في مستشفى جرش، فطلب أبو صبري من العقيد بهجت ومن هاني الحسن ومني ، أن نكـّون هذا الوفد ، فلبسنا ملابس الجيش العراقي - كما طلب منا- لأن هناك نقطة تفتيش للجيش الأردني على الطريق إلى المفرق في قرية (بلعما).
سارت بنا سيارة الإسعاف ، وتوقفنا لدقيقة في نقطة التفتيش ، ولم يفتحوا أبواب سيارة الإسعاف وكانت القوة المتواجدة في نقطة التفتيش هي فئة مشاة مع أسلحتها العادية وناقلة جنود تحمل رشاش (500) ، وصلنا قيادة القوات العراقية في المفرق في فترة الغداء وتناولنا الغداء معهم وهنا التقيت الرفيق شاهر اليوسف ، وكانت فرصة طيبة ، وفي المساء تم لقاء العمل مع الفريق حردان التكريتي بوجود السادة عبد الخالق السامرائي واللواء حسن النقيب قائد القوات في الأردن، فألقى علينا الفريق حردان محاضرة مطولة عن كيف يجب أن تعمل المقاومة ضد "إسرائيل"، وقال أن ما يقوله مبني على خبرة الجيش العراقي الطويلة في شمال العراق، وقال إن المدن لا تصلح مقراً للمقاومة، وما قاله الفريق حردان التكريتي حول المقاومة ، وأين يمكن ان تتواجد ، وقوله ان المدن لا تصلح أن تكون مقراً للمقاومة ، هو (بيت القصيد) في كل هذا الصراع بين المقاومة والنظام ، فهو يريد أن تخرج المقاومة من المدن، لأنه في الريف الأردني يسهل عليه مطاردتها، بعد أن صار هذا الريف معادياً للمقاومة من خلال السياسة التي اتبعها النظام ، وكذلك المقاومة والمقاومة لا تجد مؤيديها وجماهيرها إلا في المدن والمخيمات الفلسطينية وبعد أن أنهى حديثه طلب إلينا أن نتقدم بالمطلوب من القوات العراقية في المفرق، ولما كانت الصورة التي ستؤول إليها الأمور، واضحة في ذهني ، طلبت أنا منه قائلاً : إن لدينا طلباً واحداً ، هو أن تبقى القوات العراقية طريق المفرق - جرش مفتوحاً من أجل الإمداد، وكذلك إذا أجبرتنا الظروف إلى الانسحاب ، فسننسحب باتجاه القوات العراقية، ويظهر أن هذا الطلب (نذر وصادفه ضيوف(1)) كما يقول المثل عندنا ، فقال فوراً إن هذا الطلب مشروع، وأنا سأجيبكم عليه.
وفي الساعة الثانية عشرة ليلاً دُعينا للقاء الفريق حردان ، وحينما التقيناه ، أبلغنا أنه تقرر فتح الطريق بين المفرق وجرش ، وأن القوات العراقية ستقوم بهذا الواجب ولهذا يمكنكم غداً صباحاً الالتحاق بها ، لأنها ستقوم بهذا الواجب في الصباح الباكر، وفي الساعة الخامسة صباحاً التحقتا وكانت القوات تأخذ الوضع القتالي ، ولما دققت في حجم هذه القوة والتي لم تكن تقل عن حجم لواء مجحفل (حسب التعبير العسكري العراقي) ، استهجنت الأمر ، فبين المفرق وجرش لا يوجد إلا فئة جنود من الجيش الأردني، ولما لم يكن في ذهني أية عوامل أخرى ، كأسباب يمكن أن تكون هذه القوة قد تحشدت من أجله شعرت وكأنني أغزو عشيرتي مع عشيرة أخرى . فانسحبت وانسحب معي العقيد بهجت ، وبقى الأستاذ هاني الحسن كحلقة وصل بين المقاومة وأعني (فتح) وبين الجيش العراقي ، ورب سائل يسأل : هل لو كانت هذه القوات ، هي قوات سورية ، هل كنت ستأخذ نفس الموقف ؟ وأقول بالتأكيد نعم . لأن المقاومة لم تكن في حاجة لدعم أحد ، لو كانت موحدة الاستراتيجية وصادقة في نواياها .
بعد انسحابي والعقيد بهجت ، سرنا إلى مقر قيادة قوات القادسية لجيش التحرير الفلسطيني، نقلتنا من هناك سيارة إلى مقر إحدى كتائب الدروع في الجيش
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1)- النذر هو الشاه التي تذبح لوجه الله إذا تحقق لصاحبها مشتهاه .
العراقي على الحدود السورية، وهناك رافقنا ملازم ثاني بسيارة جيب عراقية أوصلتنا إلى مدينة درعا، وحين وصولي درعا ظهراً كانت القوات السورية تدخل الأراضي الأردنية، الأمر الذي أجهله تماماً وحينها عرفت أسباب الحشد العراقي المتجه إلى جرش، والقوات السورية لم تكن طبعاً تنوي التوجه إلى عمان، فهذا العمل كان مناورة سياسية، ومظاهرة سببها الصراع المظهري على السلطة في ذلك الحين.

استشهاد الرفيق هاجم الهنداوي (يرحمه الله) :
بعد وصولي إلى درعا، التقيت الدكتور الرفيق يوسف زعين رئيس مجلس الوزراء الأسبق مسؤول منظمة الصاعقة في سوريه ، الذي أوجز لي الواقع السياسي والعسكري ودخول القوات السورية إلى الأردن لدعم المقاومة . توجهت بعد ذلك إلى أربد وفي مدينة الرمثا التقيت الرفيق هاجم الذي لم التقيه منذ بدء الأحداث، وهو لم يتوقع هذا اللقاء فتعانقنا عناقاً رفاقياً صادقاً وتوجهت وإياه بسيارته إلى أربد ، وكان الطيران الأردني (الضعيف) يغير على المدفعية السورية المتواجدة في حينه على الأرض الأردنية وكان تبادل القصف المدفعي مستمراً على الطريق العام الرمثا - أربد - وفي أربد التقيت الرفيق حاكم الفايز الذي كان قد دخل أربد مع إحدى وحدات القوات الخاصة السورية، وكنت حينها مجهداً ، فأنا لم أنم إلا لفترات متقطعة خلال الأربع والعشرين ساعة الماضية . وقد اجتمعت والرفيق حاكم وهاجم والرفاق أعضاء قيادة فرع الشمال للحزب، ولم يكن هناك ما نستطيع بحثه أو فعله ، فقد خرج الوضع العسكري والسياسي من حدود مسؤولياتنا إلى ساحة المناورات الإقليمية والدولية، وبعد أن أمضيت عدة ساعات في أربد عدت إلى درعا، وفي درعا التقيت الدكتور يوسف زعين والأمين العام المساعد الرفيق صلاح جديد، الذي توجهت معه في سيارته إلى دمشق، وفي اليوم التالي عدت إلى درعا ومن هناك التحقت بقافلة تقل عناصر من حركة التحرير الوطني الفلسطيني (فتح) يقودها ملازم من قوات القادسية هدفها المفرق، ومن هناك إلى جرش.
لقد كان لقائي بالرفيق هاجم آخر لقاء لي معه في هذه الدنيا، ففي اليوم الثاني لعودتي إلى الأردن خرج الرفيق هاجم ببعض الرفاق من أربد إلى درعا، بعد أن انسحبت القوات السورية من الأراضي الأردنية، وحين التقى الرفيق يوسف زعين والرفيق محمد عيد عشاوي (يرحمه الله) سألهما عني، فأبلغاه أنني قد عدت إلى الأردن . هذا الخبر الذي سمعه عن عودتي إلى الأردن كان السبب المباشر لكل التصرفات غير المعقولة التي قادت إلى استشهاده أنني سأتحدث هنا بشكل موجز عن الرفيق هاجم فهو يستحق الذكر والتقدير، إن الرفيق أبو مروان بعثي مؤمن ومناضل أصيل، تاريخه النضالي بارز لا يرقى إليه إلا تاريخ القلائل جداً من البعثيين الأردنيين كان ضابطاً في الجيش الأردني برتبة ملازم ثاني حين انقلب الملك حسين على الديمقراطية في نيسان 1957، سُـرَح بعدها من الجيش ، وكان ملتزماً منذ ذلك الحين بحزب البعث العربي الاشتراكي، وبعد تسريحه انضم إلى الكادر الحزبي المقاوم للانقلاب قاد أكثر من عملية تفجير في عمان، اعتقل عام 1960 أثر عملية الاستدراج التي قادها العميد مصطفى الخصاونة ، التي استدرج خلالها المقدم قاسم الناصر من دمشق إلى الأردن ، تحت (عنوان عمل انقلابي موهوم) ومن بعد إلقاء القبض عليه، الأمر الذي قاد إلى كشف كل الحزبيين الناشطين والداخلين في هذا العمل، بينهم الأستاذ بهجت أبو غربية وهاجم الهنداوي وحاكم الفايز والأستاذ ذوقان الهنداوي وعبد الكريم خريس وغيرهم الكثير ، وقد عذبوا تعذيباً قل نظيره تحت إشراف (محمد رسول الكيلاني ) مدير المخابرات في حينه، وقد تحدث إليّ الرفيق هاجم عن هذا الأمر، وخلال هذا الحديث ، روى لي واقعة فريدة من نوعها لها دلالات على مستوى وعي الإنسان العادي وفهمه للواقع في حينه ، قال لي : أخذونا ليعذبونا فقط لأنه لم يعد هناك ما نُسأل عنه، قال بعد أن عذبوبي جلداً وضرباً تركوني جثة مرمية على الأرض وذهبوا، وبقي أحدهم وهو الحارس واقفاً على رأسي . فخاطبني قائلاً : هل تعرفني ؟ أجبته لا . لا أعرفك ، قال : أنا فلان الفلاني) كنت سائق سيارة، تدهورت وتدمرت ، وسلمت أنا ، أدانتني هيئة التحقيق التي تشكلت لمعرفة أسباب الحادث ومدى الأضرار، وطلبت تغريمي مبلغاً لا أستطيع تسديده ، لأن الإهمال هو السبب في الحادث ، ولما وصلت المعاملة إليك بصفتك المسؤول ، عارضت قرار هيئة التحقيق وأعفيتني من الغرامة (لقد كان الرفيق هاجم ضابط مكانيك) ، وأنا هنا سأجزيك على فعل الخير هذا ورفسني ببسطارة على ظهري وبطني ورأسي مرات عديدة وهو يقول أبوك كان وزيراً وعمك وابن عمك وزراء وإخوانك محافظون ،ماذا تريد أكثر من ذلك ؟
واقعة الاعتقال هذه والتعذيب الشديد الذي تعرض له، تركت في نفسه حذراً شديداً من أن يعتقل مرة أخرى كان هاجم رابع حزبي ينضم إلى لجنة (تنظيم القطر) وبعد حركة الثالث والعشرين من شباط استمريت اعمل وإياه لوحدنا ، بعد خروج الرفيقين مجلي نصراوين وحاكم الفايز إلى دمشق إلى أن التحق بنا الرفيق محمود المعايطة من الكويت .
بعد هزيمة حزيران عام 1967 كان الرفيق هاجم مسؤول الحزب في أربد ومنطقة شمال نهر الزرقاء، خرج هو ورفيق آخر إلى دمشق اثر تمرير معلومات إليه وإلى رفيقه إن المخابرات والشرطة تبحث عنهما لاعتقالهما، وحينما علمت بذلك من الجهاز الحزبي وعرفت أسباب الخروج، استهجنت الأمر، فالنظام في حينه (يطلب السترة) كما نقول، ففضيحته الناتجة عن الهزيمة مدوية ، لذا لا يمكن أن يعتقل شخصية في مستوى شخصية الرفيق هاجم . ولأسباب سياسية في حينه ومن فهمي هذا كتبت رسالة شخصية للأمين العام المساعد ، أرجو منه أن يبلغ الرفيق هاجم أننا هنا في الأردن في حاجة ماسة إليه، وليس هنالك مخاطر على وجوده في الأردن في هذه المرحلة ، هذا ما أتذكره من مضمون هذه الرسالة هذه الرسالة تركت تأثيراً غير مريح لدى الرفيق هاجم، شكل بداية تحفظ اتجاهي.
وحيثما تكون في دمشق في ذلك الحين، فأنت في واقع معادٍ للنضال وللمناضلين ، فنظام مهزوم وهزيمته منكرة (وهو مع ذلك غير مستحي) يرفع لافتة البعث ويحكم باسمه، والنظام في سورية من خلال القوى الأساسية فيه هو في جوهره مشابه من حيث الأهداف للنظام في الأردن، فكلا النظامين يسعى لتثبيت ذاته قطرياً ، وكلاهما يسعى إلى التسوية وكلاهما يعادي القوة الحية التي تسعى جادة لقتال العدو، ففي سورية يحكم النظام باسم حزب البعث العربي الاشتراكي، وهذا يجعل وسائله في تحقيق أهدافه أكثر تعقيداً والقوة الفاعلة في هذا النظام قامت بمرحلة التطور( أي جعله على مراحل ) باتجاه أهدافها بفعل منظم متنامي القوى والتماسك ، والمسار التالي يدلل على صحة هذا القول، فمنذ 8 آذار وما أفرزته نتائج الصراع في سوريه من تصفيات في الساحة السياسية والساحة العسكرية حتى 23 شباط ، التي قادت إلى تصفيات في الساحتين السياسية والعسكرية تناولت جميعها القوى القومية في المراحل الأولى والبعثيين خاصة بعد 23 شباط وما تلاها على صعيدي الحزب والجيش ، الأمر الذي قاد إلى هزيمة حزيران المذلة وأخيراً " الحركة التصحيحية " التي كانت المصفاة النهائية لهذه المرحلة في سوريه منذ الاستقلال . ففي ظل هكذا واقع ، هذه حقيقته ، وهذه أهدافه ، لا بـد أن يخلق في واقع أداته المزيفة تلك ، (أي حزب البعث العربي الاشتراكي) ، الذي كان يعيش فيه ، الكثير من الشقاق والنفاق والتكتلات وصراعات اليمين واليسار المزورة ، والاتهامات والتجريح والإشاعات الهادفة كل ذلك ، من أجل تفكيك هذه الأداة وتفريغها تماماً من مضمونها النضالي والمبدئي لمصلحة الأداة الأساسية التي يستند إليها النظام وهي الطائفية ، وكان نصيب المناضلين في التنظيم الفلسطيني الموحد لحزب البعث العربي الاشتراكي ومنهم أنا كبيراً.
هذا الواقع الذي عايشه الرفيق هاجم الهنداوي ، كان له تأثير بالغ على نظرته إليّ ، وهكذا حيثما وقعت المعركة في أيلول والمقررة نتائجها مسبقاً ، فمن هم (كباش الفداء) الذين سيقدمون قرباناً لهذه الهزيمة ، من قبل قوى الهزيمة القائدة ؟ بالطبع هم المناضلون الصادقون ، فإما أن يموتوا أو يشتروا ، أو يهانوا سمعة ونضالاً .
ولهذا حينما خرجت من عمان ثم إلى جرش ومن بعد ذلك إلى سوريه ، تُوج هذا الهروب كما وصفوه بكل ما قيل عني بقصد النيل ، وطبعاً عرف الرفيق هاجم الذي عايش كل هذه الأقاويل والاتهامات ، عرف أنني هربت لأنني إلتقيته في الرمثا وفي أربد ، ومن بعد ذلك عدت إلى درعا ، فلما خرج من أربد ولا لوم عليه ، لأن كل القوى خرجت بعد خروج الجيش السوري من الأراضي الأردنية ووصل درعا والتقى الرفيقينـ أبو جابر( يوسف زعين ) وأبو وسمة(محمد عيد عشاوي ) ، وسألهم عني وأبلغوه أن الرفيق أبو موسى عاد إلى الأردن هذا النبأ أصاب الرفيق أبو مروان بإحراج شديد دفعه إلى السير باتجاه الموت بخطى ثابتة ، لأنه قرر العودة إلى أربد بعد خروج الجيش السوري، وبعد أن أغلق اللواء المدرع الأول الأردني الحدود مع سوريه ، وقد حاول الرفيقان أبو جابر وأبو وسمة جاهدين منعه من ذلك ، ولكنه أصر على العودة إلى أربد، فلما عاد إلى الأردن هو ورفيقاه وقعوا في كمين لإحدى مفارز المدرعات المنتشرة على الحدود ، ولا أعرف من استلمهم بعد ذلك ولكن تمت تصفيتهم بناء على أوامر عطا الله غاضب قائد الفرقة في ذلك الحين (يرحم الله الرفيق هاجم).







 
رد مع اقتباس
قديم 22-04-2010, 01:56 PM   رقم المشاركة : 35
معلومات العضو
افتهان الزبيري
أقلامي
 
الصورة الرمزية افتهان الزبيري
 

 

 
إحصائية العضو







افتهان الزبيري غير متصل


افتراضي رد: المناضل / ضافي موسى الجمعاني

الهجوم الأخير على المقاومة في عمان :

لقد أوصلت القارئ من خلال ما ذكرت إلى معرفة نتائج هذا الهجوم مسبقاً ، وأنا هنا استهدف إطلاع القارئ على نماذج من السلوك والأخلاق الشاذة التي تدل على نوع المسؤولية التي لا تلتزم لا بالقيم السماوية ولا الوضعية المتعارف عليها في المجتمعات الإنسانية المتحضرة. لقد أباح النظام لجنوده المحرمات أباح لهم في كل موقع يحتلوه من حرمات ونهب وسلب واستباحة أعراض .
حينما تدخل الإنجليز عسكرياً ضد ثورة (مايس) في العراق في الجنوب من الكويت وفي القرب من شرقي الأردن ، قاد (كلوب) ما يقرب من لواء من قوات مختلطة من بدو الأردن ونجد وسوريه وحتى العراق ، وقبل وصوله إلى ألـ (H5) التي هي الصفاوي الآن ، أشار بطريقة ما على جنوده ، أن ينهبوا مستودعات ومتاجر شركة (Spenneys) الإنجليزية التي لها متاجر ومستودعات على امتداد خط أنابيب نفط العراق في الأردن ، وكان هدفه إيقاظ روح الغزو وشهوة السلب والنهب في نفوسهم ، ولكن كلوب لم يقل لجنوده إن مدن العراق وقراه مباحة لكم تنهبون وتسلبون وتنتهكون الأعراض لماذا ؟ لأنه يعرف المسؤولية ويلتزم بحدود من الأخلاق يستحيل عليه تجاوزها ، أما النظام فقد أباح لجنوده عاصمة ملكه . وأنا هنا سأورد ثلاثة أمثلة بارزة ، لأن المصابين من عوائل بارزة ، فقد هتك عرض سيدة كريمة من عائلة كريمة متزوجة من سيد ثري ومن عائلة كريمة ، وهم بالتأكيد لم يكونوا من أنصار المقاومة ، وواقعهم يدل على ذلك ، فأنصار المقاومة الفقراء في الأحياء الفقيرة ، وقتل فتى كان ضيفاً على شقيقته زوجة اللواء (محمد رسول) ، المشهور مدير المخابرات العامة ، الأمر الذي يدل على مدى الاستباحة ، فلا فرق بين من يعتبرونهم أعداء النظام وبين أركان النظام ، وقتل عبد المجيد سلطان العدوان ، وهو أشهر من أن يُعـّرف ، لأنه حاول الحفاظ على عاداتنا وتقاليدنا فقد دخل عليه في بيته أحد عناصر المقاومة صائحاً أنا دخيل عليك يا ابن عدوان ، فواجه أبو سلطان جنود الجيش قائلاً : الرجل دخل علي في بيتي فقتلوه وقتلوا عنصر المقاومة.
إن جلالة سيدنا العميق الافتخار بانتسابه إلى الأشراف من قريش إلى بني هاشم آل الرسول عليه السلام الذين نصروه ، والمعتز دوماً بانتسابه لقائد الثورة العربية (طيب الله ثراه) الشديد التمسك بإرثها ، ووارثها المؤمن إيماناً مطلقاً بمبادئها (قولاً وفعلاً) ، هذه العناوين التي ذكرت، توظّـف لإعطائه القدرة على العمل بالطريق المضاد لها تماماً.
وللقارئ نموذج بسيط خارج إطار السياسة كان في زمن ما؟ يصور في جنوب الأردن في المواقع التي مر بها جيش الثورة العربية بقيادة فيصل ، فيلم عن (لورانس العرب) كما يطلق عليه الإنجليز والفرنسيون وأقرباؤهم ، وفي أحد مراحل تصوير هذا الفيلم تواجد الملك حسين وبعض مرافقيه في موقع التصوير، وفي إحدى اللقطات نثر المخرج ما يفترض أن يكون ذهباً تقليدياً، وكان جمع من البدو جمعوا لهذه الغاية (من أجل التقاط صورة للمشهد)، وقد تدافعوا على الذهب يلتقطونه في منظر ولا أشد حقارة وانحطاطاً ، فشعر أحد مرافقي جلالته بعمق الإهانة فقال يا جلالة سيدنا كيف تسمح بهذا فكان رد سيدنا (أليس هذا حقيقة ؟) كلا إن هذه ليست حقيقة ، ولو كانوا الأنكليز يفعلون ذلك لما كانوا مستعمرين مستغلين ، نعم لقد كان الإنجليز يضعون ذهبهم في صناديق ويهبونه لمن يخدم مصالحهم ومنهم الحسين بن علي وعودة أبو تايه وغيرهم، وأنا هنا لا أعرض بهؤلاء السادة ، فالقضية التي تجندوا لها كانت قضية عادلة ، وكل ذهب الإنجليز الذي صرفوه على هذه الثورة لا يساوي إلا القليل القليل من الخدمة الكبرى التي قدمتها لهم ، والتي ما زلنا نعاني نتائجها بسبب غدرهم والنكث بوعدوهم وعهودهم كما هي عادتهم ، لكنني أعرض بواقعة حقيرة، أراد الملك حسين أن يجعل منها حقيقة . فمن هو القادر على خلق هذه الشخصيات التي تحمل في ذاتها هذا التناقض غير حضارة المستغلين المستعمرين؟

العـودة إلى جـرش :

لقد ذكرت كيف عدت مع قافلة تحمل عناصر التحرير الوطني الفلسطيني (فتح) ، ومن جرش سرت من هناك إلى عجلون ، ثم إلى الأماكن التي كانت تتواجد بها عناصر الصاعقة في قلعة الربض ، وجبال عجلون . وهناك التقيت بأبي عمار الذي كان مشغول جداً في بناء التحصينات وإنشاء مستودعات للتموين والذخيرة وكان يأخذني معه في بعض الأحيان ، وكنت أتساءل من يريد أن يقنع أبو عمار بهذا العمل بأن المقاومة قائمة ومستمرة ، وأمامها فرص للنجاة بعد هزيمة عمان وبعثة الجامعة العربية . بالتأكيد أنه لا يضعني بين الذين يستهدف إقناعهم، لأنه وهو يقوم ببناء التحصينات ومستودعات التموين والعتاد، طلب مني أن تخلي قوات الصاعقة قلعة الربض ومنطقتها ، وأن تسلمها إلى الجيش الأردني باعتبارها معلماً أثرياً يجب المحافظة عليه كما طلب منه ذلك المسؤولون الأردنيون . وقلعة الربض هذه بناها الصليبيون ، لها موقع عسكري ممتاز نستطيع الدفاع عنه بعناصر قليلة أمام أية قوة مهاجمة ومع أنها لا تقع على أي مرتفع في جبال عجلون ، إلا أنها تقع على تله منفردة (90%) مما يحيط بها ، منحدرات عميقة ومن هذه القلعة نستطيع رؤية كل ساحل فلسطين من رأس الناقورة إلى حدود سيناء لا يمنعك من ذلك إلا البعد وكنت التقي أبو عمار يومياً وفي أحد الأيام جاء وفد مرسل من قبل رئيس الوزراء في حينه السيد وصفي التل، يطلب من أبي عمار إرسال وفد من المقاومة من أجل البحث في القضايا المعلقة ، وكان الوفد يتكون من السيدين عمر عبد الله الوزير في حينه في حكومة السيد وصفي التل، والدكتور كمال الشاعر المقرب من رئيس الوزراء .
إن السيد عمر عبد الله هو من أفضل الأردنيين أخلاقاً وعملاً وسلوكاً، وحين التقيا أبو عمار وأبلغاه ما هي مهمتهم ، طلب إلي أبو عمار أن أرافقهما إلى عمان حتى أكون عضواً في هذا الوفد، فركبنا في سيارتي أنا بجانب السائق ، والأستاذ عمر والدكتور كمال في الكرسي الخلفي، يقودنا رائد في المخابرات الأردنية من أجل تسهيل وصولنا إلى عمان، وبعد قرية عنجرة، كان هناك حاجز للجيش، ونقطة تفتيش على الطريق إلى جرش، بالقرب من قاعدة (الرادار المدمرة) ، أوقفونا على هذا الحاجز، وطلبوا أسماء من في القافلة، ولما رأوا اسمي قالوا: إن هذا لن يمر ، وعليكم إنزاله لنسلمه إلى القيادة، وقد خبرت هذه الأساليب وأسبابها، فلم أنزل من سيارتي، فلم يعد هنالك ما يدخل الريبة إلى النفس وكان الجنود وضباط الصف الموجودين على الحاجز ، يأتون ويقفون أمامي ينظرون إلي دون عداء، وإنما هناك فضول، فهم فقط يرغبون أن يتعرفوا على هذا الذي قالوا لهم عنه، إنه ليس فلسطينياً وهو أردني وكان ضابطاً في الجيش وقف مع الفلسطينيين . وصلنا إلى عمان ، والتقينا وفد الحكومة برئاسة رئيس الوزراء ولم تكن هناك مباحثات جدية، وحقيقة هذه المباحثات هي تصفية تركة، تريد حكومة وصفي التل الانتهاء منها بأسرع ما يمكن، وأثناء رحلتي هذه إلى عمان أرسل أبو عمار إلى الشيخ أحمد الكحيمي سفير المملكة العربية السعودية، يطلب من السفير أن يلتقيه في مكانه الذي هو فيه، فجاء الشيخ الكحيمي إلى منطقة عجلون ، وهناك التقى أبو عمار، تحدث أبو عمار إلى السفير حول الواقع الذي يجد نفسه فيه، ظروف صعبة، ومطاردة ونوايا مبيتة تجاهه، وقال لي من روى الحادثة وهو من (فتح) أن أبو عمار بكى، وأبو عمار كما يعرف الجميع يستطيع أن يبكي متى أراد ذلك، فأركبه الشيخ الكحيمي في سيارته وعلم المملكة العربية السعودية يرفرف على مقدمتها حتى أوصله درعا في سوريه ، ولعل قصة الوفد وتعييني عضواً فيه هو من أجل أن لا أعرف أن أبو عمار ينوي الخروج ولا كيف خرج من الأردن.

المقــاومة الفلسطينيـة :

إن بحث موضوع المقاومة الفلسطينية التي أرادت لها كل القوى المؤتلفة عرباً وغير عرب أن تكون الميناء الذي سترسو به " سفينة السلام " ، هو موضوع شائك يتسع ليشمل كل مركز القوة والضعف على هذه الأرض ، له علاقة أساسية أو هامشية بالرؤيا المصممة لهذا الوطن العربي وإنسانه، وهو يذهب إلى العمق الذي لا يستشعره الإنسان خارج مراكز الدراسات والبحوث المعدة لهذا الغرض وخارج نطاق القوى المسؤولة عن تنفيذ هذا المخطط، والإنسان الذي تراوده نفسه بالدخول إلى جوهر هذه المعضلة وكشف حقيقتها عليه أن يكون صاحب تجربة معاشة، ذو عقل ومعرفة ، وليس مرتبطاً بنفوذ قادر على متابعة هذا المسار باستشراف غير تقليدي منذ الغزو النابليوني والصليبي حتى ولادة مؤتمر (بال)، وهذا غير ممكن أن يتوفر بجهد إنسان واحدالغزو والفتح وعلينا أن نتذكر أن هذا الغزو والفتح لم ينتج عن الأسلوب التقليدي بالأسلوب التقليدي المعروف تاريخياً، ولكنه نتج عن فعل تآمري خبيث مدعم بقوى عالمية عاتية ، وبالدراسات والأبحاث ، وهذه هي التجربة الأولى من نوعها في التاريخ الإنساني التي يراد بها ومن خلالها السيطرة على واقع جغرافي معين يسكنه إنسان له جوهر حضاري واحد، والهدف هو تفكيك أسس هذه الحضارة ، التي تجعل من هذه الأرض أرضاً واحدة، ومن الشعب الذي يعيش عليها شعباً واحداً ، من أجل السيطرة عليها وعليه، وتحويلها جذرياً إلى واقع مختلف ، يخدم أهداف ومصالح أصحاب هذا المخطط .
لقد احتاج الاتحاد السوفيتي والمعسكر الاشتراكي الذي كان يقوده ، من خلال رؤيا تفكيكية مماثلة مختلفة الوسائل، باختلاف الجذور الحضارية ومستوى التطور ، لقد احتاج إلى نصف قرن من الزمن ، ليحقق أعداؤه أهدافهم ، أما هذه الأمة العميقة بجذورها في التاريخ والمتميزة بعطائها له ، فإن ما حققه أعداءها خلال أكثر من قرن من الزمن، هو أنهم ما زالوا يقاتلون على شواطئها بالرغم من الفارق النوعي بين واقعهم وواقعها المتباعد جداً في كل مناحي المعرفة وفي كل مكونات التقدم حين بداية هجومهم المستمر ، هذا وبالرغم من كل إمكاناتهم المادية والعلمية والتكنولوجية التي ليس لها مثيل في تاريخ ما قبل اليوم .
أنني سأضع عناوين ، وكذلك مضمون هذه العناوين تكون قادرة على إعطاء صورة عن إنطلاقة المقاومة وما استهدفته هذه الانطلاقة .
لم يتواجد بين أصحاب الرسالات إلا من كان مؤمناً وصادقاً ، ولا بين المصلحين الإنسانيين من هو غير صادق أو غير مؤمن بدعوته ، ولا بين القادة الثوريين في العصر الحديث ، الذين دمروا أنظمة طاغية وفاسدة ، من هو غير مؤمن بما يفعله، وقد يكون مخطىء ولكنه بما يفعله مؤمن ولا يمكن لمن يتصدى لحمل مسؤولية إنسانية كمسؤولية إعادة حق لشعب اغتصبت حقوقه في أرضه بأساليب باطلة ودعاوى مزورة، أن يكون كذاباً مخادعاً، أو مناوراً يبطن غير ما يظهر يزور جوهر القضية ويجتزأها من كلها، من أجل إضعاف وإضعاف هذا الكل . والكل يعرف إن فلسطين لم تكن في تاريخها يهودية (دعني من الصهيونية) ، نعم لقد كان جزء منها مملكة يهودية في فترة تاريخية، مثلها في ذلك مثل الكثير من الممالك التي قامت في حينه وبعد ذلك الحين ، فيما يسمى الآن (المشرق العربي)، في اليمن وجزيرة العرب في بلاد الشام وما بين النهرين إن مملكة الأنباط التي قامت في تاريخ لا حق في جنوب الأردن ، تركت آثاراً تدل عليها أكثر مما ترك داود وسليمان والعبرانيون الذين جاءوا من الشرق مثلهم في ذلك مثل الكنعانيين الذين سبقوهم إلى فلسطين والفينيقيين والآراميين والعمونيون والمؤآبيون ، وغيرهم الكثير من الممالك في بلاد الشام، هم من عرق واحد، من هنا فاليهود والنصارى وكذلك المسلمون في هذه البلاد هم عنصرياً من عنصر واحد امتدت اليهودية كدين ورسالة خارج مساحة حدودها وعنصرها ، وهي بالطبع أولى الرسالات السماوية التي خرجت كلها من هذا الوعاء ، وكذلك المسيحية ، ومن بعدها الإسلام، والامتداد خارج الحدود والأرض هو السمة الأساسية للديانات، وكذلك (الأيدلوجيات) ، فما هو الحق الذي يجعل لكل اليهود في العالم حقاً في فلسطين متجاوزاً حقوق أهلها ذوي العرق الواحد إن كانوا يهوداً أو نصارى أو مسلمين ؟ إن من يقول بذلك هم المستعمرون فهم أهل لذلك ، لا يعصمهم لا خلق ولا دين ، ولكن ماذا نقول بالذين ادعوا أنهم أصحاب القضية ومن هنا تولوا مسؤولية الدفاع عن الذين يساعدون الآن في تحقيق هذه الفرية ، إن الفعل والأصابع التي خلقت جمعية (الاتحاد والترقي) ، وهيأت لها أيديولوجية شوفينية تتناقض مع أيدلوجية الخلافة ودفعت بها للاستيلاء على السلطة، وأوجدت في حينه المدخل لتنفيذ المؤامرة، لقادرة على خلق التكوين الذي في ذهنهم ، لوصول المؤامرة إلى أهدافها.

هــدف المؤامـرة :

إنني سأضع ثلاثة أقوال لثلاث شخصيات عربية وأجنبية ، تكون مجتمعة تحليلا للجوهر الحقيقي لاستراتيجية من يقود حركة (فتـح) الفصيل الأساسي والعامود الفقري لمنظمة التحرير الفلسطينية، والتي لم يكن من الممكن ضمن ظروف المرحلة تجاوزها ، والقول (وقد ذكرته للسيد خالد الحسن) حينما التقيته في الفندق في القاهرة كما اسلفت في موقع سابق من هذه المذكرات، وخالد الحسن ، يعتبر من أبرز قادة ومؤسسي حركة التحرير الوطني الفلسطيني (فتح) قال في أوائل عام 1969. ( أما وقد انهزمت أنظمة اليسار العربي ، فقد جاءت فرصة الشعب الفلسطيني) ، ولما سألته ، وبمن سيحرر الشعب الفلسطيني أرضه بعد الذي قلت، قال رداً على تساؤلي، إن الشعب الفلسطيني سيكون الشمعة التي تحترق لتضيء الطريق. لم أسأله حينها تضيء الطريق أمام من؟ أما القول الثاني فهو للملك الحسن الثاني الذي لا ينطق إلا عن الهوى، قال إن مال العرب ويقصد بذلك مال النفط الذي لا يملكه العرب، والعقل اليهودي، إذا ما تعاونا سيجعلان من المنطقة منطقة معمورة، نفس المقولة التي قالها (وايزمن – لفيصل) يقولها الملك الحسن الثاني للعرب، انظروا إلى البعد والتطور الذي أخذته هذه الرؤيا، أما القول الثالث فهو للسيد (شو إن لاي) أحد أبرز ثلاثة في قيادة الصين التاريخية ورئيس وزارئها ، قال لم يحدث في التاريخ الإنساني أن كانت الطيارة قاعدة انطلاق لحركة تحرير وطني، هذه هي استراتيجية حركة (فتح) ويتبناها خاصة ، من هم الآن في المسؤولية ، وهي التضحية بالشعب العربي الفلسطيني. من أجل ماذا ؟ من أجل إنارة الطريق لمن ؟ للذين سيعمرون المنطقة بالمال العربي (مال النفط) والعقل الصهيوني !! وحتى نصل إلى هذا الهدف ، لا بد أن تكون قاعدة التحرير (طيارة) ، وإلا أين ستكون هذه القاعدة طالما والهدف ليس التحرير بل الإعمار ، وليس العداء بل التعاون ، وحتى يتم الإعمار ويصل إلى أهدافه المرجوة ، لا بد من تنظيف الأرض في فلسطين ، وفي كل ما يحيط بفلسطين من الفلسطينيين والعرب بل وبالمحيط الأبعد ، من كل ما يعيق الوصول إلى هذا الهدف .
لقد قلت في سياق هذه الذكريات أن المستعمرين ومن يلوذ بهم من حلفاء وعملاء ، حينما يضعون مخططاً وينفذون إحدى مراحله ، يضعون الخطط للملمة هذه النتائج التي توصلوا اليها عبر مسيرة التآمر المعروفة ، وفي القضية الفلسطينية والتي هي جوهر مشكلة الإنسان العربي الرئيسية ، وخاصة في مصر والمشرق العربي ، والتي تشكل المنطلق الأساسي للمؤامرة على العرب وعلى وطنهم ، والتي يشكل وعي الإنسان العربي لمخاطرها ، وحقيقة أهداف القوى التي تقف وراء هذه المؤامرة ، أعلى نسب الوعي والمعرفة ، لا بد عندئذ أن تكون الخديعة في المستوى المطلوب ، لم يهتم الإنسان العربي في كل أقطاره بالمقولة التي قيلت ، أن المقاومة الفلسطينية ، أي حركة التحرير الفلسطينية (فتح) في حينه ، هي السبب الرئيسي الذي قاد إلى هزيمة عام 1967 ، بل للحقيقة أن كثيراً من الأوساط الواعية في الشعب العربي ، كانت مقتنعة بهذه الهزيمة ، وتبررها بموضوعية ، أما الشعب العربي الفلسطيني ، فهو مع أداة كفاحه التي انتظرها طويلاً كما تنتظر الأرض العطشى ماء السحاب ، وما كان يهمه قطعاً ، النتائج التي كان سيقوده إليها كفاحه ضد المحتلين لأرضه على الأنظمة العربية المحيطة "بإسرائيل" ، خاصة وقد ترسخ في وعيه وفي وعي كل إنسان عربي وطني من خلال الواقع الذي تزامن وتراكم .
إن هذه الأنظمة هي التي تحمي "إسرائيل " أكثر من حلف الأطلسي ، وإمكانات الولايات المتحدة ، تحميها من موقعين .
أولاً : إنها غير قادرة على مواجهتها ضمن تركيبها الاجتماعي والسياسي ، وصلاتها الدولية وهذا هو واقع الحال في ذلك الحين بالنسبة إلى جمهورية مصر العربية .
والثاني : إن دول البيادق المحيطة "بإسرائيل" ، لا تمنع الإنسان العربي الفلسطيني فقط، من ممارسة حقه في أن يناضل ويخلق رؤيا في صفوف أصحاب القضية ، ومن يساندهم من الشعب العربي للوصول إلى حقهم المشروع في وطنهم ، خارج رؤيا هذه الدول المرتبطة رؤياها واقعياً بالرؤيا الأمريكية وبعضهم بالصهيونية ، بل أيضاً تمنع مواطنيها من فعل ذلك بعيداً عن الاستغلال الذاتي لهذه الأنظمة للقضية الفلسطينية ، وهي من أجل الحفاظ على واقعها الهزيل واستثماره ، تدخل في حلقات التآمر الدولية على هذه القضية ، من أجل تسويتها بالأسلوب والنتيجة التي تحفظ لها بقاءها واستمرارها كأنظمة قطرية هزيلة عملية متسلطة، قاهرة لشعوبها لا تملك مقومات القوة من ذاتها، هذا هو مضمون فهم الشعب العربي الفلسطيني، والشعب العربي المحيط بفلسطين حين انطلاقة الكفاح المسلح. في الفاتح من كانون عام 1965.
إن استراتيجية إحياء الآمال ومن ثم تدميرها التي اتبعها المستعمرون ، كانت تستهدف حقيقة الإنسان العربي (من أنه عربي ينتمي إلى شعب ووطن واحد) ، والأمثلة عديدة في تاريخ العرب الحديث ،وأبرزها ثورة الحسين بن علي ، والتي كانت مبرر قيامها وعنوانها الوحدة العربية ، والتي قادت بنتائجها مع الأسف ، إلى تقطيع الأوصال في المشرق العربي ، ومن بعد ذلك ، وعد بلفور المشؤوم ونتائجه اللاحقة بتأسيس الكيان الصهيوني على تراب فلسطين عام 1948 ، ومرورا بالوحدة المصرية السورية ، ونتائجها المؤلمة بتحقيق جريمة الانفصال ، عام 1961 ، وأخيرا وليس آخرا وقوف سوريا وليبيا مع إيران ضد العراق ، وبعد ذلك وقوف الانظمة العربية العميلة فيء الخندق الأمريكي ضد العراق في حفر الباطن ، ليكسروا سيفهم هناك ويذهبوا إلى مؤتمر مدريد وهم عراة !!
أن التجزئة وكل تاريخ العرب الحديث المسيطر عليه إمبريالياً وأطلسياً ، والذي بسبب ذلك جعلت تطوره منذ الاستقلال يكاد أن يكون ثابتاً على نموذج محدد من الخطى (خطوة إلى الإمام وخطوتين إلى الخلف) ، وأصدق مثال على ذلك ، هو حال (جامعة الدول العربية بعد مرور قرابة ستة عقود على تأسيسها) .
وكل ناتج هذه السيطرة ، وعلى الأخص منذ (السويس) وحتى هجوم الأنظمة العربية المتحالفة مع أمريكا والأطلسي على العراق وما بينها ، هو من أجل تسوية الواقع العربي ، ليستقبل الضربة المقصود بها أن تكون مميتة لطموحات العرب كافة ، وهذه الضربة تأتي من خلال خلق واقع سرابي عام في صفوف الشعب العربي الفلسطيني، في الداخل وفي الشتات، وفي صفوف الشعب العربي المحيط بفلسطين، واقع (سراب) اسمه تحرير فلسطين يخترق الشعب العربي الفلسطيني، والقوى الحية في الشعب العربي المحيط بفلسطين، مادياً ومعنوياً في الطريق إلى هذا الهدف، المبرمجة مراحله بدقة ، من قوى عاتية، لا يستطيع أن يفلت من سيطرتها في مرحلتها أو خارج إطارها، في قمة اندفاعها، أية قوة تنوي أن تشق طريقاً مضاداً.
نعم إن المستعمرين والصهيونية يعرفون تاريخ المنطقة بدقة، ولكن مشكلة المستعمرين والصهاينة الذين هم جميعهم من طينة واحدة ، يعتقدون أنهم قادرون على خلق مكونات التاريخ، وبالتالي صنعه، إن الأمة العربية التي هي من أقدم الأمم ، وقد تكون أميزها لأنها تمتلك جميع العوامل التي تكون الأمم .
إن هذه الأمة الممتدة وجودأ من الخليج حتى المحيط ، ومن بحر العرب حتى جبال (طوروس) ، قد تكونت عبر أكثر من خمسين قرناً قبل السيد المسيح عليه السلام ، لم يغير جوهرها ، لا الاحتلال اليوناني ولا الروماني ، والفارسي بعد ذلك ، إلى أن جاء الإسلام ، فأحياها وأبقاها وأظهر ميزاتها وأثبتت أنها أمة واحدة من خلال انتشاره السريع في ربوعها لغة وعادات وتراث وحضارة ، ومر عليها بعد الأسلام نابليون والصليبيون والمغول والتتار وبنو عثمان في القرنين ( 14 ـ 16 ) . وغابت عن الفعل في الحياة قرابة السبعة قرون ، غياباً يكاد أن يكون كاملاً ، حتى ظن البعض أنها ماتت ثم عادت لتصحو على واقع أشد خطورة وأعمق لؤماً ، مسلح بعوامل القوة مادياً ومعنوياً يستهدف إعادتها إلى ما قبل الإسلام ، كما ويستهدف آمالها وأمانيها المستقبلية ، بأن هؤلاء المغفلين المتسلقين المارقون العبثيون سيصلون إلى الحقيقة التي بان نورها في أم المعارك الخالدة بأنهم يخلقون السراب ويظنونه الحقيقة، وأنا قبل أن أغادر هذا الموضوع لا بد أن أذكر واقعة عانيتها في الأردن إبان حرب حزيران عام 1967 ، وقولين لشخصين مسؤوليتهما أساسية في المملكة العربية السعودية ، الواقعة والقولين ، يعطيان القارئ تصوراً عن الذين يقودون العرب إلى ميناء الاستسلام هذا .
لقد اختارت حركة التحرير الوطني الفلسطيني (فتـح) الأردن قاعدة انطلاق من أجل تحرير فلسطين ، وهذا أمر صحيح ، والحقيقة أنه ليس هناك قطر عربي ، في كل من يحيط بفلسطين من الأقطار من هو أكثر تهيؤاً وأكبر استعداداً لقبول المخاطر من أجل تحرير فلسطين، من الشعب في الأردن، فالأردن تاريخياً أكثر بلاد الشام تماساً بفلسطين جغرافياً وديمغرافيا،ً اقتصاداً وحياة ، فهو يمتد شرقاً على امتداد فلسطين تقريبا ً، ومن الموجب حتى العقبة تمتد عشائره وعشائر فلسطين ، بل وسيناء أيضاً من أصول عشائرية واحدة ، ونسبة من الذين غادروا فلسطين ليعيشوا في الأردن قبل تأسيس الإمارة وأثناء الإمارة ، حتى الهجرة الكبيرة ، إثر النكبة عليه ، وكانت فلسطين المركز الوحيد الذي تسوق فيه المنتجات الزراعية والحيوانية ، هذه الحقيقة يعرفها اليهود ومن والاهم ، ويعرفها الوطنيون والإنسان العادي في الأردن ، والصراع هو من يحقق من المتقابلين ، رؤياه في طبيعة العلاقة بين الأردن وفلسطين.
لقد هيأ الاستعمار الإنجليزي (منذ سايكس بيكو) ووعد بلفور ، الواقع في الأردن من أجل تطبيق رؤيا الاستعمار والصهيونية ، وخاصة بعد تسلم الملك حسين مقاليد السلطة، وإلى القارئ الإثبات الذي يدل على عمق (سيكولوجية) الهزيمة في نفس أهل الأردن، من خلال فعل السلطة الهادف .
ففي الليلة التي تلت هجوم الطيران "الإسرائيلي" على مطارات مصر وتدميرها وانتهاء الحرب بهذا الفعل المدبر ، بدأت عناصر الشرطة والمخبرين التابعين للنظام والخاصين التابعين للدول الحليفة للسلطة، فالأردن مفتوح لكل هؤلاء ، ومغلق على من هو ضدهم ، بدأوا في مدينة مادبا التي أعيش فيها بإبلاغ الناس من سكانها أنه على كل بيت أن يدهن شبابيك بيته بالدهان الأزرق ، أو أن يضع ستائر سوداء سميكة على الشبابيك ، لمنع تسرب النور إلى الخارج ، وكون الناس لم يعطوا الوقت الكافي لعمل ذلك فوراً ، ولأن الأكثرية منهم لا يملك ثمن الستائر السوداء ، فهم في النهاية ، لا بد أن يضيئوا منازلهم، ومهما كان هذا الضوء خافتاً ، لا بد أن يراه هؤلاء المتربصين ، الهادفين أن يدخلوا الرعب إلى نفوس الناس ، بدأت هذه العناصر التي يتكاثر عددها فجأة، والتي لا يعرف كيف نبتت ، بدأوا ينادون أصحاب البيوت بأصوات مرتفعة وغاضبة وأيضاً خائفة ، بأن يطفئوا الأنوار في منازلهم هذه الأوامر المتكررة شديدة الغضب والظاهر خوفها ، خلقت توتراً نفسياً شديداً لدى الأهلين وتساؤلاً مبرراً ، أنه لا بد أن لهذه الأوامر المشددة أسباباً تتعلق بالحرب وفي إحدى الليالي التالية لهجوم جيش الدفاع "الإسرائيلي" على الضفة الغربية واحتلاله لها ، سرت شائعة قوية مفادها أن اليهود أنزلوا مظليين عند الحاووز غرب المدينة من هو مصدر هذه الشائعة؟ طبعاً الطابور الخامس فما كان من الناس في المدينة وخاصة الحارة الشرقية التي أسكنها ، وكنت ليلتها موجوداً ، إلى أن تدافعوا مذعورين خارج بيوتهم لا يحملون سوى أطفالهم إلى وادي الحبيس قرابة الكيلو مترين شرق المدينة ، هذا ما فعله الأسياد وأدواتهم بهذا الشعب يهيم كل على وجهه ، دون راع وقد نسي بعض هؤلاء الناس أنهم كانوا يقولون للفلسطينيين لقد تركتم أرضكم وهربتم والفلسطينيون في أكثريتهم لم يهربوا إلا بعد أن بدأ بهم الذبح، أما شعب (سيدنا) البعيد عن العدو مئات الكيلو مترات ، فقد فروا مذعورين تاركين وراءهم كل شيء بفعل إشاعة، وكان هذا الفعل فعلاً هادفاً هدفه خلق بلبلة ذهنية ونفسية حتى لا يصفن الناس ويتسألوا كيف هرب جيشنا ، وسلم أرضنا ومقدساتنا دون قتال أما القولان اللذان قيلا لي في سجنين مختلفين ، وتاريخين متباعدين ، فقد قص عليّ القول الأول شاب من آل الشاعر، في سجن عمان المركزي عام 1963 وهو محدث لبق وذكي قال: كنت دائم التردد على مجلس الشيخ الأكبر من آل الشيخ محمد ابن عبد الوهاب ، وأظنه محمد ابن إبراهيم آل الشيخ ، وفي إحدى الزيارات سألته قائلاً طال عمرك كم عمرك الآن ، فرد عليّ قائلاً : والله (يا إوليدي) يوم ظهور الإسلام وأنا (أدرج) أي عند ظهور الإسلام كنت أمشي والتالية رواها لي الرفيق نور الدين الأتاسي (يرحمه الله) في سجن المزة في دمشق ، قال بعد ثورة 8 آذار كنت وزيراً للداخلية، سافرت إلى القاهرة لحضور اجتماع لوزراء الداخلية العرب وبعد وصولي قمت بزيارة مجاملة للأمير فهد بن سعود وزير الداخلية في المملكة العربية السعودية في حينه ، وكان ينزل في فندق (هيلتون) ، ولما دخلت عليه وجدت أمامه كأساً من شراب الليمون وكان شهر رمضان الكريم، فسألته باستهجان ألست صائماً فدفع يده إلى جيبه وأخرج (فتوى) تتيح له الإفطار لأنه على سفر، انظروا هذا الفهم للإسلام من حماة الإسلام ظهور الإسلام بعد ظهور محمد بن عبد الوهاب، والسفر بالطائرة من الرياض إلى القاهرة كالسفر على بعير في صحراء النفوذ ، ومن يقول بذلك شيخ المذهب الوهابي وخادم الحرمين الشريفين.

بروز الخلاف بين وزارة الدفاع والحزب في المؤتمر القومي العاشر :

تميز تاريخ سوريه الحديث بعد الاستقلال، بعدم الاستقرار، وفي ثنايا كل تغيير جديد في سوريه يولد تناقض ، لا بد أن يتفاعل ليخلق واقعاً جديداً يقرب سوريه من حقيقتها أو يبعدها عن هذه الحقيقة . وكل انقلاب عسكري في سوريه إن كان قد قام تحت لافتة البعث أو من هم قبل ذلك كله ، هو من أجل إبعاد سوريه عن حقيقتها ، وكل واقع ديمقراطي قام في سوريه كان يقرب سوريه من حقيقتها . ولهذا كله ، كان يجري دوماً انقلاب عسكري على هذا الواقع ، ففي أيلول عام 1968 انعقد المؤتمر القومي العاشر لحزب البعث العربي الاشتراكي الحاكم في سوريه وفي هذا المؤتمر ظهر فجأة تعارض في الرؤيا السياسية في صفوف المؤتمرين، فالحزب وقيادته كان يتبنى استراتيجية لقاء القوى التقدمية (أنظمة أو قوى سياسية في الوطن العربي) ووزارة الدفاع وبعض المؤتمرين (علناً أو سراً) ، كانوا يقولون بالتضامن العربي المطلق (ونحن هنا لسنا بصدد صحة هذه الرؤيا أو تلك) فالأساسي في الموقف الاستراتيجي هو مضمون أداته إن كانت هذه الأداة قادرة أو غير قادرة على تحقيق استراتيجيتها ، صادقة أو غير صادقة فيما تقوله وتعلنه.
وفي حديث للفريق حافظ الأسد وزير الدفاع في حينها كان مطولاً زبدته ، أن سوريه من خلال التضامن العربي ، تستطيع أن تبسط جناحيها على لبنان والأردن ، والنقطة الهامة الأخرى، أنه لا يؤمن بالكفاح المسلح كأسلوب لتحرير فلسطين (وأن دبابة واحدة خير من فصيل من المقاومين) .
وقد ظل الفريق الأسد صادقاً مع هذا القول قولا ، ( بالرغم من أن أكثر من ثمانمائة دبابة دمرت في أقل من ست ساعات في حرب تشرين عام 1973 ، وتراجع الجيش السوري في أقل من 24 ساعة إلى ما بعد سعسع ) ، والحقيقة أن الخلاف كان موضوعياً ، ويقيني أنه مصمم من أجل السير إلى (الهدف المنشود) ، والهدف المنشود هو وصول الفرق الأسد إلى الموقع الأول في السلطة، وبالتالي يحكم بواسطة الطائفة التي ينتمي إليها) ، ولا يمكن لسوريه أن تأخذ وضعاً مستقراً ذي اتجاه سياسي محدد وواضح بقيادتها وبمضمون هذه القيادة في ذلك الحين ، وقد حاول المسؤولون في الحزب والدولة لملمة هذا الخلاف في المؤتمر، حينما تقدم اللواء صلاح جديد (يرحمه الله) إلى الاجتماع المشترك (قيادة القطر السوري للحزب في سوريه والقيادة القومية للحزب) بمشروع سماه في حينه (تغيير مراكز القوى) يقضي من بين ما يقضي أن يتولى الأمين العام للحزب (رئيس الدولة) رئاسة مجلس الوزراء إضافة إلى مسؤولياته ، ويتحمل مسؤولية المرحلة على أن يتم من خلال هذا التشكيل الحكومي التغيير المطلوب في مراكز القوى بما فيها الجيش (أي وزير الدفاع ورئيس الأركان)، وبعد أن أقر الاجتماع المشترك هذا المشروع استقالت حكومة الرفيق الدكتور يوسف زعين وشكلت الحكومة الجديدة برئاسة الدكتور نور الدين الأتاسي، وضمت تشكيلة الحكومة الجديدة الفريق حافظ الأسد وزيراً للدفاع، وبقي رئيس الأركان في موقعه، الأمر الذي يعني أن المستهدف في التغيير هو رئاسة الوزراء التي لم تكن إحدى مراكز القوى في حينه وليس غير الدكتور يوسف، لماذا؟ لأن (كتلة الدير) كما كانت تدعى آنذاك والتي فيها الدكتور يوسف، كانت تشكل تناقضاً أساسياً مع كل ما ذهبت إليه سوريه بعد ذلك . وكتلة الدير هم الدكتور يوسف زعين ـ محمد عيد العشاوي ـ فوزي رضا ـ مصلح سالم . وأنا هنا سأتحدث عن صاحب هذا المشروع وصاحب الدور الأميز الذي قاد المرحلة من 8 آذار عام 1963 حتى اعتقاله في 14-10-1970 ، أي حتى " الحركة التصحيحة " .
إن اللواء صلاح جديد (نسيبـي) ويقال عندنا (كون نسيب ولا تكون ابن عم) ، فابنته أمل متزوجة من ابني موسى ، ولهما طفلان هما ضافي وصلاح ، وهذان الحفيدان وهذا النسب يفرضان عليّ احترام هذه العلاقة . إن اللواء صلاح جديد من عائلة محترمة من منطقة (جبلة) على الساحل السوري ، جده كان في مجلس (المبعوثان) وهم كعائلة ضحوا أكثر في سبيل ما يؤمنون به، فأخوه الأكبر غسان، اغتيل في بيروت في زمن الوحدة بين سوريه ومصر بسبب نشاطه السياسي، وأخوه فؤاد سجن لفترة طويلة بسبب مشاركته في حادثة اغتيال العقيد (المالكي).
انتسب اللواء صلاح جديد لحزب البعث العربي الاشتراكي ، وهو طالب في الثانوية في حمص أثر محاضرة حضرها للأستاذ ميشيل عفلق ، وبعد أن أنهى الثانوية انتسب إلى الكلية العسكرية، وتخرج ضابطاً في الجيش السوري في زمن الوحدة، نقل إلى الإقليم الجنوبي (مصر) هو والكثير من الضباط المشتبه بأنهم ينتمون لحزب البعث العربي الاشتراكي ، وفي مصر ولدت نواة للتنظيم ، في صفوف الضباط السوريين الموجودين في مصر ، بادر بتكوينها الضابط محمد عمران وكان صلاح جديد أول المنتسبين إليها بعد مؤسسها، ومن بعده حافظ الأسد وأحمد الأمير وعبد الكريم الجندي شكل هؤلاء الخمسة النواة الصلبة لهذا التنظيم وكلهم كانوا ينتمون مظهرياً وشكلياً لحزب البعث العربي الاشتراكي، ومن هنا حينما انعقد أول مؤتمر قومي للحزب في بيروت، بعد خروج القادة البعثيين من المسؤولية في الحكم (في الجمهورية العربية المتحدة) انتخب هذا التنظيم العسكري صلاح جديد مندوباً له لهذا المؤتمر الذي انبثقت عنه قيادة الحزب.
اعترفت هذه القيادة بالتنظيم العسكري هذا وسمته اللجنة العسكرية لتنظيم الحزب في القوات المسلحة، ومن هنا أخذت هذه اللجنة اسمها وشرعيتها الحزبية التي لم تقتصر على قيادة تنظيم الحزب في الجيش، بل تجاوزته إلى قيادة كل الحزب في القطر السوري بعد ذلك، لأنه لم يكن هناك حزب في سوريه في ذلك الحين، بعد أن حل الحزب نفسه في جمهورية الوحدة، ومن هنا أخذت هذه اللجنة هذا الدور الفاعل والمؤثر في التاريخ السوري ، منذ 8 آذار 1963 وحتى وفاة الرئيس السوري حافظ الأسد في منتصف عام 2000 وكان اللواء صلاح جديد، أبرز وأميز أعضائها حتى تشرين ثاني عام 1970 . حينما اعتقله الفريق حافظ الأسد وزير الدفاع ، وزج به في سجن المزة العسكري في دمشق.







 
رد مع اقتباس
قديم 22-04-2010, 02:05 PM   رقم المشاركة : 36
معلومات العضو
افتهان الزبيري
أقلامي
 
الصورة الرمزية افتهان الزبيري
 

 

 
إحصائية العضو







افتهان الزبيري غير متصل


افتراضي رد: المناضل / ضافي موسى الجمعاني

صفـــاته :

كان اللواء صلاح جديد شديد الوسامة، قوي الذكاء، جلداً على العمل، طويل النفس، ذو قدرة كبرى على إخفاء نواياه، يعرف تماماً الذين يتعامل معهم ويعرف كيف يكسبهم إلى صفه، وكيف يدفع بهم للعداء . قادر بشكل قل نظيره على تمزيق صفوف المعادين له، ذو إرادة غير إنسانية يفرضها على ذاته في مواجهة واقع لا يستسيغه، لقد أمضى أكثر من عشرين عاماً في غرفته في سجن المزة العسكري، لا يخرج منها إلا لقضاء حاجاته الطبيعية، قال قولاً لأحد المقربين منه بعد حركة 23 شباط، هذا القول له دلالة عميقة على طبيعة مسعاه، قال إنه لا يدعو من له علاقة أو ارتباط بهم، إلى نهج معين في السياسة، بل يتركهم على طبيعتهم، وهذا بالضبط هو السلوك السياسي الذي قاد به اللواء صلاح جديد المرحلة منذ 23 شباط 1966 حتى " الحركة التصحيحية "1970 .
فهو يعرف المتطلعين إلى السلطة ، ويعرف كذلك المتطلعين إلى المال والجاه، الملذات ويعرف كذلك - وهذا أمر هام - إمتدادات رفاقه القياديين السياسية إن كان لهم امتدادات عربية أو أجنبية وهو ذاتياً لم يكن له تطلع إلى الموقع الأول في السلطة ، إلا أنه كان حريصاً دوماً أن يكون في المركز الأقوى في النظام، ولم يكن له تطلع خارج المهمة التي كرس نفسه لها.
حينما ولدت طفلته الأولى سماها (أمل) حينما كان يأمل بنجاح مسعاه، وبعد دخوله سجن المزة في تشرين 1970 ولدت له طفلة في الأشهر الأولى من دخوله السجن سماها (وفاء) ، الأمر الذي يعني أنه اعتبر نفسه قد أوفى بما هدف إليه هذا هو صلاح جديد (لماذا قام بكل ذلك)؟ ليس لي أن أجيب على هذا التساؤل المشروع ، هل كان مخطئاً حينما قرر أنه أوفى بما نذر نفسه له ؟ واعتبر في حينه أن مسعاه قد نجح، وأقول من خلال تقدير ذاتي، أنه نجح في الجزئيات مؤقتاً، لكن الهدف الاستراتيجي كان حليفه الفشل، هذا الفشل الاستراتيجي والمسؤول عنه الفريق حافظ الأسد ، وهو الذي قاد إلى موت صلاح جديد اغتيالاً في سجن المزة في 19 - 8 - 1993 (يرحم الله أبو أسامة) .



حكومة الدكتور نور الدين الأتاسي ( 1968ـ1970) :

قام الدكتور نور الدين الأتاسي ، الأمين العام للحزب رئيس الدولة في حينه ، بتشكيل الحكومة الجديدة، وبقى وزيراً الدفاع محتفظاً بمنصبه في هذه الحكومة ، بعد أن رفض تنفيذ قرار الاجتماع المشترك (تغيير مراكز القوى)، وكان الدكتور نور الدين يجيب المتسائلين وأصحاب الظن حول استمرار وزير الدفاع ( حافظ الاسد ) في منصبه ، بأنه يتحمل المسؤولية عن المرحلة ، حسب قرار الاجتماع المشترك ، وعليه أن يقود بالطريقة التي تقود إلى حل التناقض بطريقة سلمية، وقد قاد الدكتور نور الدين المرحلة خلال عامين، فقد فيها الحزب سيطرته على القوات المسلحة، فخلال هذين العامين تمكنت وزارة الدفاع من قلب المعادلة في القوات المسلحة لصالحها بعد أن فقدت قيادة الحزب القدرة على حماية العناصر والقوى المؤمنة في الجيش، وما أن شعرت قيادة الجيش بسيطرتها المطلقة على القوات المسلحة حتى قررت حينها بأنها لم تعد بحاجة إلى هذا الغطاء الذي دام أكثر مما يجب، حينها أقدمت على أعمال متعددة ومتنوعة، قادها رفعت أسد بقصد (تطفيش) الدكتور نور الدين وقد تحقق لها ما سعت إليه، فطرح استقالته على القيادة، وقال أنه لا يستطيع الاستمرار ، وكان لا بد من حل لهذا الواقع الذي وصل إليه التناقض إلى حد التحول، حينها قررت القيادة القومية دعوة المؤتمر القومي العاشر إلى عقد مؤتمر استثنائي للقطر والتقرير في هذا الأمر، لماذا المؤتمر القومي؟ وهو لا يملك سوى إصدار القرارات .
بعض القياديين في الحزب ومنهم اللواء صلاح جديد صاحب اقتراح دعوة المؤتمر القومي، قالها في سجن المزة في دمشق قال : من أجل تسجيل موقف للتاريخ ، والبعض قال من أجل إظهار وحدة الحزب في مواجهة قيادة الجيش ، والصحيح ليس كل ذلك ، فمجريات السياسة منذ أيلول عام 1968 وحتى تشرين ثاني عام 1970 ، تمت قيادتها في سوريه بمسير هادف ، لأن تصبح وزارة الدفاع في الموقع الأقوى ، حتى يجري التغيير حين حدوثه بدون مقاومة من أي مستوى ، وأيضاً أن يجري التغيير في حالة متوافقة إقليمياً .
فقد جرى التغيير بعد هزيمة المقاومة في الأردن في أيلول عام 1970، وكذلك بعد موت عبد الناصر في نفس الفترة ، وطبيعي أن يجري هذا التغيير .
فالسياسة الاستراتيجية السورية كانت متناقضة تماماً مع كل ما هو في الإقليم من توجه سياسي ، وحتى سياسة عبد الناصر فهي
أولاً : ترفض القرار 242 .
وهي ثانيـاً : تنادي بحرب التحرير الشعبية ، الأمر الذي يتعارض مع استراتيجية قيادة منظمة التحرير الفلسطينية.
وهي ثالثـاً : ترفض مبادرة (روجرز) الأمر المتعارض مع سياسة عبد الناصر، ترفض كل ذلك، دون أن تكون مقومات واقعها السياسي والاجتماعي والاقتصادي في مستوى هذا الرفض. لماذا إذا هذا التوجه؟ إنك حينما تخطو خطوة منفردة خارج النسق تبدو شاذاً، ويستهجن الناس الذين تقودهم هذا النهج المنفرد، خاصة وهم يعرفون أن هذا الموقف المتطرف للنظام ، والدولة ليسا في مستوى مخاطره ، هذه هي الحالة التي كان المطلوب استشعارها المطلوب استشعارها من قبل الرأي العام.
قبل التغيير انعقد المؤتمر القومي ، وبعد مداولات دامت أسبوعاً ، جرت محاولات تسوية الأمور سلمياً كما حدث في بداية الأزمة، إلا أن أطراف في القيادة رفضت التسويات ، فأقر المؤتمر دعوة الرفيقين وزير الدفاع ورئيس الأركان إلى التخلي عن منصبيهما في القوات المسلحة وقد نالت هذه الدعوة اثنين وثمانين صوتاً من أصل خمسة وثمانين، هم الموجودون في قاعة المؤتمر ولم يكن غائباً في حينه إلا الدكتور نور الدين (الأمين العام للحزب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء في حينه) ، وصوت ضد هذه الدعوة ثلاثة فقط هم الفريق حافظ الأسد - واللواء في حينه مصطفى طلاس رئيس الأركان - والرفيق محمد حيدر عضو قيادة فرع دمشق، وبعد يومين من انفضاض المؤتمر ، ألقي القبض على بعض القادة البارزين وهم اللواء صلاح جديد - والدكتور يوسف زعين - ومحمد عيد عشاوي - وفوزي رضا - ومصطفى رستم في منزل الدكتور يوسف زعين ، ولم يحتاج وزير الدفاع ، إلا إلى أقل من عشرين عنصراً من الشرطة العسكرية ، للقيام بعملية الاعتقال هذه ومن ثم الانقلاب.
في السادس عشر من تشرين الثاني ، أعلنت القيادة القطرية المؤقتة التي شكلت بعد الانقلاب قيام الحركة " التصحيحية " في بيان مطول حول أسباب التصحيح .
وبعد أسبوع اعتقل الدكتور نور الدين الأتاسي الأمين العام للحزب في منزله، بعد أن فرضت عليه الإقامة الجبرية ، قبل ذلك وهكذا أسدل التاريخ ستارة على حركة 23 شباط التي مهدت لمرحلة أشد ظلاماً وأعمق عداء للعروبة.
وأعود وأتساءل لماذا " الحركة التصحيحية " ؟ لم يكن هناك واقعياً أي مبرر موضوعي إن كان اقتصادياً أو أمنياً ، يبرر استيلاء الفريق حافظ الأسد وزير الدفاع على السلطة، فسوريه خرجت من الحرب مهزومة كنظام ، وأرضها محتلة ، وجيشها مدمر ، وكذلك مطاراتها العسكرية ومصفاة النفط الوحيدة فيها ، مثلها في ذلك مثل مصر ، وسوريا كانت القطر الوحيد من الأقطار الثلاث ، التي أحتلت أراضيها ، والتي لم يقرر لها مؤتمر القمة في الخرطوم 1967 ، أي عون مادي .
والمعونة الوحيدة لسوريه بعد حرب حزيران ، جاءت من الشيخ زايد بن سلطان رئيس دولة الإمارات المتحدة ، وقيمة هذه المعونة كانت خمسة ملايين دولاراً ، ومع ذلك بين حزيران 1967 وحزيران 1970 ، كانت سوريه قد أعادت بناء جيشها بواقع أفضل مما كان عليه (إلا قيادته التي ظلت على رأس الجيش رغم الهزيمة) ، وأعادوا بناء اقتصادها الوطني بناء سليماً فقد كان الدولار يساوي أربعة ليرات سورية ، وتساوي قيمة الليرة السورية 72% من قيمة الليرة اللبنانية المرتفعة القيمة ، وكان لديها فائض في ميزانها التجاري يقدر بعشرات الملايين من الدولارات ، وقد منحت مصر معونة غذائية من الحنطة كميتها (ثلاثين ألف طن حنطة).
وسأعطي مثالاً على وعي الإنسان العادي على هذه الحقيقة ، فقد التقيت في مدينة مادبا أحد شيوخ العشائر من بني حميدة، إنساناً لا يقرأ ولا يكتب، ولكنه يهتم بالشؤون السياسية، ويعرف علاقتي بالحزب في سوريه، قال لي (لماذا استقالت حكومة سوريه) ؟ والله أنهم رجال طيبون ، لقد كنت بالشام من مدة قصيرة ، فالحياة رخيصة (أي المعيشة) والناس مرتاحين نعم لقد كان الاستقرار بيناً، ولم يتواجد في سجون سوريه من السياسيين في حينه إلا عدد من البعثيين (حزب القيادة القومية) لا يتجاوز عددهم العشرين، وكانت إجراءات تقرير وضعهم قائمة، وتتجه القيادة بالوضع الداخلي إلى الانفراج. وهكذا فهذا التغيير الذي جرى في سوريه هو إثبات لما ذكرته في سياق هذه الذكريات، وهو أن استقراراً واضطراباً في أقطار العرب في هذا الإقليم أو ذاك ، لا يستمر إلا بالقدر الذي يخدم أهداف المخطط ، حسب الرؤيا الغربية بزعامة الولايات المتحدة .
فكل مسار النضال القومي والوطني في كل ساحات الوطن العربي في حينه لم تستطع خلق قوى وواقع لا تستطيع الولايات المتحدة وقوى حلف الأطلسي اختراقه وتدميـره ، فالقوى التي كانت تدفع بالأمور في الوطن خارج إرادة أهله كانت قوى عاتية لئيمة قادرة على ستر خطاها وفرض ممثليها، إن كان الذين يقومون بأدوارهم عن وعي ومعرفة، أم أولئك الذين لم يعوا الحقيقة إلا بعد أن غاصوا إلى الحد الذي لا يمكن الفكاك منه، أو التراجع عنه، فما عليهم إلا الاستمرار بالشوط إلى نهايته ، وضمن هذا الفهم ، تكون " الحركة التصحيحية " ، هي الهدف الذي استهدفته في حينه القوى المضادة لطموحات الإنسان العربي.
إن سوريه حتى حينما كانت موحدة (وتسمى بلاد الشام) ، لم تشكل في التاريخ مركزاً للقوة من ذاتها، بخلاف شقيقتها في وادي النيل والرافدين نعم لقد شكلت مركزاً للقوة في التاريخ لفترة قصيرة في خلافة بني أمية ، ولكن القوة لم تكن من ذاتها وشكلت أحد عنصري القوة مع مصر في فترة الصراع مع الصليبيين. ومن هنا فهي لا تستطيع أن تكون مركزاً للقوة من ذاتها، وكذلك فهي لا تستطيع أن تستقر بذاتها، نعم إن سوريه تتمتع بموقع استراتيجي هام فهي تشكل (الرأس والعنق) لما وراءها من المشرق العربي، مثلها في ذلك مثل مصر ، ومن هنا كانت دوماً ممراً في التاريخ للمخاطر، إذاً لا بد من واقع إقليمي يجعل سوريه دائمة الاستقرار، ما هو هذا الواقع الذي سيجعل سوريه مستقرة ؟ إنه هو الواقع الذي سينتج عن المخطط الذي تسعى إلى تنفيذه الولايات المتحدة وحلفاء الصهيونية العالمية ، (والذي من أجله اخترعت أكبر (فرية) في التاريخ من أن فلسطين ، هي وطن اليهود في كل العالم ، وأن الصهيونية هي حركة نهوض قومي) وهذا الواقع الذي يسعون إليه ، هو خلق هلال خصيب منزوعة أحشاؤه ، متجانس سياسياً واقتصادياً يتكون من أقليات عرقية ودينية ، ليس له علاقة بالعروبة في نهاية مطافه ، ومن ثم يلحق هذا الواقع اقتصادياً وسياسياً في مركز السيطرة الإمبريالي ، ومثله في ذلك مثل الجزيرة والخليج والمغرب العربي ، وكذلك وادي النيل .
وما المؤتمرات التي كانت تعقد في دمشق وعمان دورياً ويدعى إليها من هب ودب ، التي كانت تبحث في تاريخ بلاد الشام كجزء منفصل عن تاريخ العرب ، إلا أحد عوامل التمهيد والدعوة لما هو في الذهن ، وما الكلمات التي وضعت في أفواه القادة والساسة وكتاب الرأي في سوريه من مثل (دور سوريه الإقليمي) ، وسوريه هي مفتاح الحرب والسلام في الإقليم ، (ولا أحد يستطيع تجاوز دور سوريه الإقليمي) ، إلا بعض الدلالات على التوجه الاستراتيجي لسوريه، بعد " الحركة التصحيحية " وسعيها الجاد والخبيث بالفعل وليس بالقول فقط ، للوصول إلى هذا الهدف.
فقد تقاربت مع الأردن ، بعد أن عاونته على تصفية آخر جيوب المقاومة في منطقة عجلون ، وتبودلت الزيارات بانتظام بين الرئيس حافظ الأسد والملك حسين ، وتشكلت لجنة عليا برئاسة رئيسي مجلسي وزراء البلدين ، لبحث مجالات التعاون الاقتصادي وإقامة مناطق حرة للتجارة بين البلدين على حدود كل منهما ، وخلال هذا التقارب طرحت سوريه على الأردن عقد اتفاقية أمنية بين القطرين الشقيقين ، إلا أن الملك حسين المغطى بجناح أقوى وأوسع من الجناح السوري ، تملص من هذا الالتزام حتى يحين الوقت المناسب .
والدور الذي لعبته سوريه في لبنان مشهود بدعم أمريكي وأطلسي وطبعاً "إسرائيلي"، وبدعم عربي ، مصري سعودي خليجي بغطاء ما سمي بقوات ردع عربي ، والذي قاد إلى ما قاد إليه من تدمير الحركة الوطنية في لبنان ، واغتيال زعيمها المرحوم المناضل كمال جنبلاط ، وإخراج المقاومة الفلسطينية منه .
من هو القادر على فعل ذلك ، إلا النظام في سوريا والغرب ؟ وكان الهدف الأهم بهذا الهلال هو العراق ، جوف هذا الهلال ، والذي لا يمكن أن يكون هناك هلال خصيب بدون بعضه أو كله.

العـراق وسوريـه :

إن القطرين العربيين الوحيدين المتجاورين والشقيقين فعلاً لا قولاً ، الذين لم تقم بينهما علاقات سليمة أو حتى طبيعية هما العراق وسوريه ، وكانت سياسة المستعمرين الطامعين والعرب التابعين ، وكذلك دول الإقليم تدفع بكل منهما بعيداً عن الآخر ، تدفع بالعراق باتجاه إيران وتركيا من ميثاق (سعد أباد) إلى حلف بغداد ، وتدفع سورية باتجاه السعودية ومصر والمغرب العربي لماذا ؟ لأن علاقة جدية متطورة ونامية بالاتجاه الصحيح بين هذين القطرين، تجعل اختلال ميزان القوى في الإقليم مؤكداً لصالح الأمة العربية، وتجعل النفوذ الدولي غير قادر على احتوائه، وتضع "إسرائيل" في حجمها الحقيقي، هذا التباعد وصل حد العداء في مراحل متعددة منذ الحرب العالمية الأولى، ولم يتحسن بعد الاستقلال واستمر حتى يومنا هذا ، لقد كان ذلك من أهم الأسباب التي لم تمكن الواقع العربي ، من التماسك في حدوده الدنيا .
هناك موقعان في الوطن العربي يستطيعان أن يكونا مركز للقوة من ذاتها هما مصر والعراق ، أي (وادي النيل والرافدين) ، والتاريخ شاهد على ذلك ، استطاع أصحاب المخطط ضد الأمة العربية، أن يبطلوا فعل مصر ولو مرحلياً بعد موت عبد الناصر، وطنياً وقومياً من خلال اتفاقات (كامب ديفيد) سيئة الصيت ، أما ما كان مرسوماً للعراق ، فلم يكن هدفه إبطال فعل مرحلي ، ولكنه يهدف الى تدمير وتمزيق ، يستحيل على العراق بعده ، أن يشكل مركزاً للقوة من ذاته .

انقلاب 17-30 تمـوز في العـراق :

في اليوم السابع عشر من تموز عام 1968 ، قام انقلاب عسكري في العراق أعاد حزب البعث العربي الاشتراكي إلى السلطة في العراق بعد خمسة أعوام من انقلاب عبد السلام عارف على سلطة الحزب آنذاك ، عاد إلى السلطة وله شركاء من بينهم المقدم عبد الرزاق النايف ، مدير المخابرات العسكرية في نظام عبد الرحمن عارف، والرائد ( إبراهيم الدواد ) قائد إحدى كتائب الدبابات في الحرس الجمهوري، تولى المقدس النايف رئاسة مجلس الوزراء والرائد (الدواد) وزارة الدفاع بعد رفع إلى رتبة فريق، الأمر الذي يعني أنهم شركاء رئيسيين في السلطة، الأمر الواضح أن وراء هذا الانقلاب نفوذ غربي (إنكليزي أميركي) والسؤال الذي يطرح نفسه ، هو لماذا سهل الإنجليز والأمريكان عودة حزب البعث العربي الاشتراكي إلى السلطة في العراق في هذه المرحلة ، مرحلة ما بعد هزيمة حزيران 1967 ؟
بالتأكيد أن مصلحة العراق الوطنية لم تكن المبرر لهذه المعاونة ، ولا بد أن يكون (هؤلاء المعاونون) قد استهدفوا تحقيق غايات مهمة من خلال هذه المعاونة ، ليست في صالح العراق، وإنما تخدم في النهاية استراتيجيتهم ورؤيتهم لمستقبل العراق ، ومن هذه العوامل التي ستساعد هؤلاء المستعمرين على تحقيق أهدافهم :
(أ‌) إن العراق يتكون من قوميات متعددة أكبرها العرب ومن بعدهم الأكراد ، ومن طوائف دينية أهمها السنة والشيعة .
أن يتولى السلطة فيه حزب قومي الاتجاه ، ينادي بوحدة الأمة العربية ، وهو أميل إلى العلمية برؤياه الاجتماعية ، يخلق واقعاً بين الأقليات القومية والطوائف الدينية ، فيه خوف وتوجس ، يجعل في تقدير المستعمرين الاصطياد في مياهه التي يسهل تعكيرها أمراً سهلاً.
(ب‌) يخلق المبررلأنظمة الخليج العربية وخاصة السعودية والكويت،الغارقتان في مستنقع المخطط المعادي لكل مركز قوة عربي ، وكل دعوة جدية للتضامن العربي (دعني من الوحدة العربية) ، والمساهمتان جدياً في تحقيق المخطط الأمريكي في المنطقة العربية .
(ج) يعطي شاه إيران المعادي للقومية العربية والداخل في كل مخطط ضد العرب،والمتطلع إلى أن يجعل من منطقة الخليج العربي ساحة لنفوذه .
(د) هناك مسلمة في السياسة الإيرانية، تعتبر العراق أهم المجالات الحيوية (للإمبراطورية الفارسية) وحق شاه إيران مشروع في التدخل في شؤون العراق ، والحفاظ على هذه المسلمة.
(هـ) خلق حاجز عقائدي بين العراق وسوريه يمنع التقارب ويؤجج العداء (بين يسار البعث في سوريه ويمين البعث في العراق) كما يصفوه ، وهذا افتراء على الحقيقة .
فانقسام البعث هو انقسام سياسي ، ناتج عن النفوذ الدولي العربي والإقليمي التابع .
(و) إن التجربة السابقة لحكم البعث في العراق ، شجعت على إعادة الكره ، وكانوا متأكدين 100% أن هذه العوامل وغيرها ستقود العراق والبعث إلى الهاوية التي لا نجاة منها، .
وفي 30 تموز من الشهر نفسه ، قام البعثيون بإبعاد شريكهم المشبوه ، كما وصفوه في البيان الرسمي ، إلا أن هذا الإعلان عن الشُبهـة ، لم يقنع الكثير لا من العراقيين ولا من العرب وخاصة البعثيين منهم ، لأن الناس لا يعرفون صلات عبد الرزاق النايف في الدوائر الغربية ، ولكنهم يعرفون صلات حردان التكريتي بهذه الدوائر ، وهو أكثر شـُبهة وأكبر جريمة ، وقد ذبح ما ذبح من الحرس القومي ، ونكل بمن بقي منهم على قيد الحياة .
بعد فترة وكنت في سجن المزة في دمشق ، تم إقصاء حردان التكريتي عن عضوية مجلس قيادة الثورة ، وأرسل سفيراً إلى الخارج ، وحينما رفض هذا الإقصاء والتعيين ، انتقل إلى الكويت ليقوم بدور تآمري (ذبح جهاراً نهاراً) ، هذا الأمر لفت الانتباه ، إلى أن هناك في القيادة في العراق من يحاول تنظيف البيت العراقي .
وفي مرحلة لاحقة جرت عملية تآمر ، لا شك أن بها ملابسات غريبة ، قتل بها المتآمر الأول مدير الأمن العام (الدموي) ناظم كزار ، والضحية كان الفريق حماد شهاب وزير الدفاع، وجرح بها عضو مجلس قيادة الثورة سعدون غيدان .
وفي رأيي الشخصي ، رغم القرآن الكريم الذي تُـلي على روح الشهيد وزير الدفاع ، إلا أنه كان عائقاً جدياً ، أمام سير العراق الصحيح .
وفي غياب هذين الرجلين ، المتآمر والشهيد ، أصبحت الأمور أقل صعوبة لتقليع العوائق من على خط سير العراق بالاتجاه الوطني السليم ، وأقصي بعد ذلك عن مجلس قيادة الثورة ووزارة الداخلية عائق هام آخر هو الفريق صالح مهدي عماش ، الذي عين سفيراً في إحدى الدول الأوروبية، هذه الإجراءات أضعفت النفوذ الخارجي ، والعقلية المحافظة المتخلفة ، وجعلت واقع القيادة أكثر انسجاماً . والأهم ، أنها جعلت نفوذ الحزب في مركز القرار ، أكبر . وهنا لا بد من القول حسب قناعتي الذاتية ، أنه لو لا قيادة الرئيس البكر( يرحمه الله ) لهذه المرحلة ، والذي كان يحظى باحترام في أوساط الجيش (ويؤمن بالحزب تقليدياً) ، لكانت مهمة الحزب وطليعة قيادته في الوصول إلى مركز القرار أكثر صعوبة .
هذا الواقع السياسي والذي بدون حدوثه ، ما كان يمكن الإقدام بعده ، على أية خطوات جدية ، تحدد اتجاهاً واضحاً ، لمسار العراق وللأهداف التي يقصدها هذا المسار وطنياً وقومياً.
وبعد خلق هذا الواقع المتوافق وطنياً ، أقدمت قيادة العراق على تأميم شركة نفط العراق في شمال العراق في الأول من حزيران عام 1972 .
لماذا ؟ أتذكر هذا التاريخ ، كنت في حينه مسجوناً انفرادياً في منفردات سجن المزة بعد عام يقل عشرين يوماً من اعتقالي ، دون أن يسألني أحد حتى عن اسمي .
ففي حوالي الساعة التاسعة والنصف ليلاً أُدخلت إلى الممر الفاصل بين الزنازين (سماعة مذياع ) وبدأت تردد أناشيد وطنية وقومية تدل على وقوع حدث هام ، وعلى القارئ أن يصفن ليستشعر الحالة التي تغدو عليها حالة سجين سياسي منفرداً منذ قرابة العام ، يزحم الأمر، الذي يسمعه فكره وعقله وحواسه ، بكل أنواع التصورات والآمال والأماني .
بقيت هذه السماعة تردد أناشيدها حتى الساعة الحادية عشر ليلاً ، حينها أعلن المذيع نبأ قيام الجمهورية العربية السورية ، بتأميم ممتلكات شركة نفط العراق على الأراضي السورية. فصفنت في الأمر واستهجنته ، إن هذه الممتلكات تعود إلى شركة نفط العراق ، والعراق على الأقل يملك الجزء الأهم منها ، والاستيلاء عليها يعني أزمة بين العراق وسوريه ، لكنني لم أصل إلى السبب الحقيقي الذي سبب تأميم سوريه لهذه الممتلكات ، وفي التنفس التي كانت مدته خمسة عشرة دقيقة ، التقيت رئيس الحرس ، وسألته عن الأمر ، فقال لي : أن العراق قد أمم شركة نفط العراق ، ونحن بدورنا أممنا ممتلكاتها في سوريه ، فقلت له (بارك الله فيكم على هذا العون الكبير) . فأدركت مبررات هذا الإنجاز العظيم للنظام في سوريه ، وفي جريدة البعث التي صدرت في اليوم التالي ، كان هناك صوراً لجموع المهنئين الأردنيين ، الذين كانوا يتوافدون على السفارة السورية في عمان ، مهنئين بهذا الإنجاز الوطني العظيم !! ولفت انتباهي صورة واسم المحامي البارز الأستاذ إبراهيم بكر ، الذي بالتأكيد يعرف أسباب هذا الإنجاز ومضمونه كذلك، ويعرف أن ممتلكات شركة نفط العراق تعود في كل بقاع العالم إلى العراق ، بعد أن أمم هذه الشركة أو على الأقل تخضع للتجميد ، إلى أن يجري التفاوض عليها بين حكومة العراق وممثلي مالكي أسهم شركة نفط العراق .
ولكنها (جوقة) اليسار المزيف (الذي لونه أحمر وجوفه أبيض) قشرة سوفيتي ومضمونة إنجليزي ، كلنا يعرف الجو السياسي الدولي الذي أثاره هذا الفعل والتهديدات البريطانية والغربية، والموقف البائس الذي وقفه الاتحاد السوفيتي ، ومع ذلك فقد أثبت شعب العراق من خلال التضحيات المادية التي تحملها طواعية ، أنه يعي أهمية هذا الفعل الذي قدم من أجل الوصول إليه، قدم تضحيات جدية خلال العقود الماضية .
وفي آذار عام 1973 سوى العراق نزاعه مع شركة النفط الإنجليزية ، وبذلك نجح التأميمم، وأثناء حرب تشرين عام 1973 أكمل العراق مشواره من أجل سيطرته الكاملة على ثروته النفطية ، بعد أن أمم كل حصص الدول الغربية في شركة نفط جنوب العراق.
هذا الواقع الذي صار عليه العراق القطر ذو الإمكانات الاقتصادية الكبيرة ، والشعب القادر على الفعل، إذا ما تهيأت له قيادة تعي الأمور وتعرف أهدافها ، هذا الأمر جعل القوى الدولية والأخص الغربية منها ، تشعر بالقلق على مخططاتها في الإقليم ، بعد أن أصبح واضحاً إن النظام في العراق بعد خمسة أعوام من وصوله للسلطة ، قد دمر إمكانية الانقلاب عليه ، بعد أن عزز سيطرته على مقاليد الأمور في الجيش .
ولما كان للإنكليز دوماً أكثر من احتياط يرمونه في ساحة الصراع إن كان داخلياً أو خارجياً، فإن يترك العراق يستمر في نهوضه وتقدمه سالماً من كل العوائق على طريق هذا التقدم، فإنه سيقلب موازين القوى في موقعين ، القضية الفلسطينية، والخليج العربي ، ومعروفة أهمية هذين الموقعين للغرب وخاصة أمريكا ، ومن يسير في ركابها في المنطقة والعالم .
وما أن أصبح واضحاً ، أن أية إمكانية لإيقاف سير العراق باتجاه النهوض والتقدم خارج أداة النظام ، أصبح مستحيلا ً،عندها رموا باحتياطهم الأخير داخل العراق ، أي داخل أداة النظام أي داخل (حزب البعث العربي الاشتراكي) خاصة ، ولهم أكثر من تجربة في هذا الميدان في سوريه والعراق .
إن أي حزب في أي مجتمع من مجتمعات العالم الثالث ، هو من هذا المجتمع ، فمهما كانت نظريته صحيحة وتحليلية للواقع سليماً ، فإن أمراض هذا المجتمع من ضحالة في الوعي وتخلف في تطوره ، وتنوع في ثقافته ، وانتماء في تكوينه ، ينقسم إلى شرائح اجتماعية متعددة. ووضع طبقي هلامي ، يجعل تماسكه هشا ً، والوعي بمهمته غائما ً، وأن تخلق أداة مغايرة كلياً ومختلفة نوعياً، متجانسة فكرياً وثقافياً ، ومختبرة نضالياً تعي أهدافها الاستراتيجية ، من المؤكد أنها تحتاج إلى أكثر من عقدين من الزمان ، لتصبح هذه الأداة واعية لمهماتها من خلال الاحتكاك بأعدائها داخلياً وخارجياً ، ولم يكن قد تحقق للحزب في العراق ، هذا المدى الزمني خاصة ، وأن تجربـة عام 1963 قصيرة العمر ، مضطربة.

المؤامرة على النظام في العراق من خلال أداة النظام :

إنني لا أملك معلومات في أي مستوى عن هذه المؤامرة، ولكنني أملك معرفة تاريخية ومعايشة ذاتية ورفقة نضال ببعض شخصيات مشتركة في هذا التوجه، إن الحديث عن بعض شخصيات هذه المؤامرة هو شديد الإحراج ، لأنه يتناول رموزاً في حزب البعث العربي الاشتراكي هي (رموز مطهرة) فالحديث عن المسار السياسي لهذه الشخصيات البارزة يصيب الكثير من الوطنيين وخاصة البعثيين منهم بالإحراج ، ومنهم كاتب هذه الذكريات ، فمن بين هذه الرموز من كان قائداً ومعلماً له ، إلا أن المسار القومي والوطني لهذه الأمة خلال أكثر من نصف قرن مضى ووصل إلى ما وصل إليه من حالة مأساة يحتم على كل من عايش هذه المرحلة معايشة فعل ومعاناة خالية من الغرض الذاتي ، وأن يساهم بجد صادق أساسه المعرفة والمعايشة والموضوعية ليتشكل حينها (مجرى عام) يكشف أهم الأسباب التي قادت إلى هذا الانهيار العام على مستوى النضال القومي .
وهنا لا بد من العودة إلى الوراء لتتبع تسلسل الأحداث والشخصيات المشاركة فيها إن الأستاذ ميشيل عفلق عاد بعد حركة 23 شباط واستلم قيادة الحزب وشرعيته بعد أن تخلى عنها للدكتور منيف الرزاز في المؤتمر القومي الثامن، واكتفى بلقب (القائد المؤسس) وإعطائه هذه الصفة لم تكن للتكريم فقط. إنني لم ألتق الأستاذ ميشيل عفلق ولكن الذين يعرفونه يقولون أنه يعتبر الحزب جزأ من ذاته وهو لا يتخلى عن مسؤوليته، حتى لو أعاد تنظيمه مبتدئاً بنفسه إذاً هل أجبر على ذلك لإيمانه بالديمقراطية؟ (وهو أكثر الناس معرفة بديمقراطية المؤتمرات في حينه) في كتابه التجربة المرة انتقد الدكتور منيف الرزاز الأستاذ ميشيل، وانتقد اللواء صلاح جديد نقداً مراً، وفي لقاء لي مع الدكتور منيف في منزله بعمان قبيل (أيلول الأسود) عام 1970، وكان الصراع على السلطة في سوريه لم يحسم بعد ، إلا أن وزير الدفاع الفريق حافظ الأسد، قد اصبح بالموقع الأقوى، وهو ينتظر الظرف المناسب حينها قال لي : إنك كنت مع 23 شباط ، قبل وقوعها، وهذا قول خاطئ ، لأنني لا أعرف في حينه ، لا من قادة حركة 23 شباط ولا من القيادة القومية إلا الدكتور منيف، وقد اعتمد في هذا القول على التوصية التي أوصلتها إليه ، بأن لا يحل القيادة القطرية في سوريه ، إلا حينما يشعر الناس أنها فشلت .
وفي هذا اللقاء طلب إلي أن أتدخل مع المسؤولين السوريين ليسمحوا له بنقل مكتبته من دمشق إلى عمان ، وأردف قائلاً : إن الفريق حافظ الأسد صديق لي ، وأن الأستاذ ميشيل عفلق إنسان طيب، ويجب أن لا يؤخذ بظواهره، فهو (كماركس) لا يحسن الصداقات، وحاول أن يتابع ولكنه تردد ثم توقف ، اعتقدت فيما بعد أن أبا مؤنس ، كاد أن يطلب مني أن أقرر موقفي من الصراع على السلطة في سوريه لصالح الفريق حافظ الأسد ، (وهذا يبقى اعتقاد) . وهنا لا بد من العودة إلى 23 شباط ، وتقرير من هي الشخصيات التي لعبت الدور الرئيس فيها؟
لقد كان اللواء حافظ الأسد قائد سلاح الطيران في حينه ، عضواً في قيادة الدكتور منيف الرزاز القومية، ومن موقعه هذا ، وافق على قرار القيادة القومية بحل قيادة الحزب في القطر السوري، ووافق أيضاً أن تتولى القيادة القومية مسؤولية الحكم في القطر السوري ، إلى أن تستطيع بناء حزب بعث عربي اشتراكي حسب روأها بالضبط ، كما يفعل قائد عسكري أو ملك قام بانقلاب على الشرعية القائمة ، ويقوم ببناء الجيش بعد ذلك بالأسلوب الذي يضمن أمن مساره السياسي المستقبلي ، وهنا لا بد من الإشارة إلى واقعة تاريخية هامة ، وهي أن صلاح جديد تردد وتراخى في الإقدام على عمل عسكري ضد القيادة القومية ، وأن قيادة قطر سوريه المنحلة، قد قررت القبول بالأمر الواقع والنضال للعودة إلى السلطة من خلال الحزب ، والعامل الأهم الذي جدد همة صلاح جديد ، وأنهى تردد قيادة قطر سوريه، هو انضمام اللواء حافظ الأسد عضو القيادة القومية ، وقائد سلاح الجو في حينه إلى خندق صلاح جديد وقيادة قطر سوريه ضد القيادة القومية التي كان اللواء الأسد عضواً فيها ، ومن موقعه هذا ، دعم قرار حل قيادة قطر سوريه للحزب بطريقة غير شرعية (أي ليس أمام مؤتمرها) ، هذا الأمر الذي يتعارض مع النظام الداخلي للحزب، وبذلك على الموقف الثابت والواضح للواء الأسد .







 
رد مع اقتباس
إضافة رد


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

الساعة الآن 04:16 AM.


Powered by vBulletin® Version 3.8.3
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
جميع المواضيع والردود المنشورة في أقلام لا تعبر إلا عن آراء أصحابها فقط