السلام عليكم
حياك الله أختي فاطمة الجزائرية , لقد سألتني عن شيء عزيز على قلبي, عندما أتحدث عنه أشعر بالفخر والعزة.
اسمحي لي بأن أجيب عن سؤالك
"ساسألك هذه المرة عن ملاحظاتك وخلاصة دراستك للأدب الجزائري"
لقد كانت دراستي, ومازالت, تشمل رجال النهضة في الجزائر الشمّاء, ولم أتخصص بدراسة الأدب الجزائري, ولكنني مع ذلك اطلعت على نماذج مشرفة لأدباء وشعراء جزائريين قديماً وحديثاً. واليوم فأدباء كأحلام مستغانمي والطاهر وطار, بلغوا مكانة عالية في دنيا الأدب.
ولكنني وجدت في الجزائر من الرجال من عملوا وقدّموا صورة ناصعة, وقدوة مباركة لكل الأجيال المسلمة, ولكنهم للأسف منسيين, رغم حاجتنا كأمة مهددة بالفناء, إلى أفكارهم وجهادهم ونقاء عقيدتهم.
واسمحي لي أن أتذكر معك بعضهم:
على رأسهم صاحب بحوث مشكلات الحضارة, مدرسة النهضة مالك بن نبي, صاحب ميلاد مجتمع, ومن أجل التغيير, ومشكلة الأفكار, ومجالس دمشق, والظاهرة القرآنية, وشاهد على القرن, وغيرها من بحوثه القيّمة. ذاك الذي بحث في مشكلات الأمة وسعى لتقديم الحلول من أجل نهضتها ورقيها, فكان ومازال من الرجال القلائل في أمتنا الإسلامية الذين درسوا المجتمع, وعرفوا مكمن المرض فيه, وقدموا حلولاً واقعية قابلة للتطبيق, صاحب شعار "غيّر نفسك تغيّر التاريخ".
أماالأمير عبد القادر الجزائري, فقد شرّف سوريا عندما أقام فيها, وسبق أن نشرت هنا في أقلام قصيدته الرائعة في مدح البداوة والتي يقول فيها :
يا عاذراً لامرئٍ قد هام في الحضر ........ وعاذلاً لمحبّ البدو والقفر
لا تذممنّ بيوتاً خفّ محملها .......... وتمدحنّ بيوت الطين والحجر
لو كنت تعلم ما في البدو تعذرني ...........لكن جهلت وكم في الجهل من ضرر
وكان من أولاده وأحفاده من نفخر بهم دائماً, من أمثال زينب الحسنية, محبة الأدب, ومثال المرأة المثقفة الواعية, ورسائلها لماري عجمي الصحفية السورية خير دليل على مكانتها وثقافتها وكريم خلقها.
وكان من رجال الجزائر أيضاً المناضلون المجاهدون, والمفكرون العالمون العاملون, ويكفي أن أذكر طاهر الجزائري, حتى تنحني الهامات احتراماً لرجل قلّ نظريه في تاريخنا الحديث, رجل العلم والثقافة والفهم, رجل الحرية والكرامة, تلك الشخصية التي لا أحسب أن لها نظيراً بين الرجال, ذاك الذي كان ملهم الأحرار والنهضويين من رجال الأمة, اسمعي وصفاً له من أحد تلاميذه وهو محب الدين الخطيب:" من هذا الشّيخ الحكيم عرفت عروبتي وإسلامي، منه عرفت أنّ المعدن الصّدئ الآن الّذي برأ اللّه منه في الدّهر الأوّل أصول العروبة، ثمّ تخيّرها ظئراً للإسلام, إنّما هو معدن كريم, لم يبرأ اللّه أمّة في الأرض تدانيه في أصالته"
ثم شُغلت برجال ونعم الرجال, فأُعجبت بالصحفي الشاعر عمر بن قدور صاحب الفاروق, والذي كان يعمل للإصلاح بكل ما أوتي من قوة, واسمعي صرخته التي يقول فيها:
ولقد أطال المسلمون سكوتهم..............فكأنهم بين الورى أموات
وكذلك الإسلام أُهمل شأنه................وقلاه قوم للعلوم جفاة
منهم لسوء فعالهم يتبرأ القر.................آن والإنجيل والتوراة
فغدا الجهول يسودهم ولغيهم.............زعماء سوء للضلال حماة
فالجهل يملك والغرور يمدّه..............وذوو الفساد على الجميع رعاة
أما عمر راسم الثائر على العصر وأهله, رائد فن المنمنات, الذي أصبتُ بالغصّة عندما قرأت عنه وعن نضاله ومالاقاه على يد عدوه, فقد أذهلني بعلمه وصواب حدسه وإصراره وفنه, وهو الذي أصدر ذو الفقار, فكانت كما وصفها " لمحاربة أعداء الدّين, وكشف أسرار المنافقين, وإظهار مكائد اليهود والمشركين للنّاس أجمعين, وانتقاد أعمال المفسدين", وفي جريدته هذه كان من أوائل من نبهوا على الخطر الصهيوني , وقد لاقى على يد الفرنسيين العذاب الشديد, ورغم ذلك فقد صبر وعمل حتى وهو في سجنه وأخرج تفسيراً للقرآن الكريم.
وكان من رجال الجزائر الذين عرفتهم وأعجبت بهم أيما إعجاب, الصحفي الجزائري ابراهيم أبو اليقظان, صاحب الجرائد التي أربكت العدو حتى كانوا لا يصبرون على جريدة حتى يغلقوها, فيعود لإصدار أخرى, جاعلاً منها منبراً لمحاربة الاستعمار وفضح مكائده.
ومنهم ابراهيم أطفيش صاحب المنهاج, رحمه الله, ذاك المجاهد الصبور البطل, الذي نفي ثم نفي من منفاه, ومع ذلك ظل مصرّاً على العمل بجد وحزم.
ومنهم محمد بن أبي شنب الذي كتبتُ أقول (عالم نريد مثله) مثقف مؤدب راق, بعيد عن الاستلاب والانبهار بالغرب, فرض نفسه في ساحة العلم بلباسه الجزائري التقليدي وعمامته.
ماذا أقول أيضاً يا فاطمة!, وقد نسيت رائد النهضة عبد الحميد بن باديس ورفاقه في جمعية العلماء العربي التبسي ومبارك الميلي والطيب العقبي والبشير الابراهيمي والفضيل الورتلاني, ماذا أقول وقد نسيت مفدي زكرياء ومحمد العيد؟ ماذا أقول وقد نسيت ونسيت, رجال ونعم الرجال!
لكننا للأسف ننسى وننسى مع أننا أحوج ما نكون لرجال مثلهم, لكن رغم ذلك أملي كبير كبير, فهذه الأرض التي أنجبت هؤلاء قادرة على انجاب أمثالهم.
أخيراً أحب أن أشيد بمجموعة من شباب الجزائر الأفاضل, القائمين على مجموعة الشهاب الإعلامية, والذين يكملون رسالة هؤلاء العظماء من رجال الجزائر, ولهم على الشبكة موقع الشهاب وموقع ضفاف الابداع وموقع مالك بن نبي وموقع عبد الحميد بن باديس, وكلها مواقع تبشر بجيل واعد فاهم مثقف, نفخر به كلنا كعرب ومسلمين.
لك تحياتي