اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة معاذ محمد
كيف بنى الرسول الكريم المجتمع الإسلامي حتى نسير على طريقته في تنظيم العلاقات أنقل لك ما يلي :
بناء المجتمع
فطر الله في الإنسان غريزة البقاء، وكان من مظاهرها تجمع الإنسان مع الإنسان، لذلك كان اجتماع الناس مع بعضهم طبيعياً، وكان التجمع بينهم أمراً غريزياً. إلاّ أن مجرد اجتماع الناس ببعضهم لا يجعل منهم مجتمعاً وإنّما يجعل منهم جماعة، ويبقون جماعة فقط إذا اقتصروا على مجرد الاجتماع، فإذا نشأت بينهم علاقات لجلب المصالح لهم ودفع المفاسد عنهم، جعلت هذه العلاقات من هذه الجماعة مجتمعاً.
غير أن هذه العلاقات لا تجعل منهم مجتمعاً واحداً إلاّ إذا توحدت نظرتهم إلى هذه العلاقات بتوحيد أفكارهم، وتوحُّد رضاهم عنها وسخطهم منها بتوحيد مشاعرهم، وتوحدت معالجاتهم لهذه العلاقات بتوحيد النظام الذي يعالجها. ولذلك كان لا بد من النظرة إلى الأفكار والمشاعر والأنظمة حين النظر للمجتمع؛ لأنها هي التي تجعله مجتمعاً معيناً له لون معين. وعلى هذا الأساس ننظر إلى المجتمع في المدينة حين قَدِمها الرسول صلى الله عليه وسلم لنعرف ماهيته.
كانت تسكن المدينة حينئذ ثلاث جماعات: أولاها المسلمون من مهاجرين وأنصار، وكانوا الكثرة الغالبة فيها. وثانيتها المشركون من سائر الأوس والخزرج الذين لم يُسلموا، وكانوا قلة بين أهلها. وثالثتها اليهود وهم أربعة أقسام: قسم منهم في داخل المدينة، وثلاثة أقسام خارجها. أمّا الذين في داخل المدينة فهم بنو قينقاع، وأمّا الذين خارجها فهم بنو النضير، ويهود خيبر، وبنو قريظة.
وقد كان اليهود قبل الإسلام مجتمعاً منفصلاً عن المجتمع في المدينة، فأفكارهم متباينة، ومشاعرهم متباينة، والمعالَجات التي يحلّون بها مشاكلهم متباينة؛ ولذلك لا يعتبر اليهود جزءاً من المجتمع في المدينة، وإن كانوا داخلها وعلى مقربة منها.
وأمّا المشركون فقد كانوا قلة، وكانت الأجواء الإسلامية التي اكتسحت المدينة قد اجتاحتهم، ولذلك كان خضوغهم في علاقاتهم للأفكار الإسلامية وللمشاعر الإسلامية ولنظام الإسلام أمراً حتمياً، حتى ولو لم يعتنقوا الإسلام.
وأمّا المهاجرون والأنصار فقد جمعتهم العقيدة الإسلامية وألّف الإسلام بينهم، ولهذا كانت أفكارهم واحدة ومشاعرهم واحدة، فكان تنظيم علاقاتهم بالإسلام أمراً بديهياً، ولذلك بدأ الرسول صلى الله عليه وسلم يقيم العلاقات بينهم على أساس العقيدة الإسلامية، ودعاهم ليتآخوا في الله أخويْن أخويْن، وكان لهذه الأخوّة أثر في الناحية المادية، فقد أظهر الأنصار من الكرم لإخوانهم المهاجرين ما يزيد هذه الأخوّة قوة وتوكيداً، فقد أعطوهم الأموال والأرزاق، وشاركوهم في حاجات الدنيا، وقد اتجه التجار للتجارة، والزُرّاع للزراعة، وكلّ إلى عمله.
.
وكانت هنالك جماعة صغيرة لم يكن لديها مال ولم تجد عملاً تعمله، وليس لها مسكن تسكنه، وكانوا في حال من العَوَز والمتربة، ولم يكن هؤلاء من المهاجرين ولا من الأنصار، وإنّما كانوا عرباً وفدوا على المدينة وأسلموا، فعُنِي بهم الرسول صلى الله عليه وسلم وأفرد لهم صُفّة المسجد (القسم المسقوف منه) يبيتون بها ويأوون إليها، ولذلك سُموا أهل الصُفّة، وجعل لهم رزقاً من مال المسلمين من المهاجرين والأنصار الذين آتاهم الله رزقاً حسناً.
وبذلك انتهى الرسول صلى الله عليه وسلم من تركيز المسلمين جميعاً على حال مستقرة، ومن تركيز العلاقات القائمة بينهم على أساس متين. ولهذا أقام الرسول المجتمع في المدينة على أساس ثابت وقف في وجه الكفر، وصمد لدسائس اليهود والمنافقين، وظل وحدة واحدة. فاطمأن الرسول صلى الله عليه وسلم إلى هذا المجتمع وإلى هذه الوحدة.
أمّا المشركون فقد خضعوا للحكم الإسلامي ثم تلاشى وجودهم. ولذلك لم يكن لهم أثر في تكوين المجتمع. وأمّا اليهود فإنهم مجتمع آخر قبل الإسلام. وبعد الإسلام ازداد التباين بين مجتمعهم وبين المجتمع الإسلامي، وبينهم وبين المسلمين، وكان لا بد من وضع العلاقات بينهم وبين المسلمين على أساس معين، ولذلك حدد الرسول موقف المسلمين منهم، وحدد لهم هو ما يجب أن يكون عليه وضعهم في علاقاتهم مع المسلمين.
فقد كتب صلى الله عليه وسلم بين المهاجرين والأنصار كتاباً ذكر فيه اليهود واشترط عليهم شروطاً، فكان الكتاب منهاجاً حُددت فيه علاقات قبائل اليهود مع المسلمين بعد أن حُددت علاقات المسلمين ببعضهم وبمن تَبِعَهم. وقد . وقد جاء في نصوص الكتاب ما يدل صراحة على أن العلاقة بين اليهود وبين المسلمين وُضعت على أساس الاحتكام إلى الإسلام، وعلى أساس جعْلها خاضعة لسلطان الإسلام، وعلى أساس تقيّد اليهود بما تستلزمه مصلحة الدولة الإسلامية. فقد جاء في نصوص الكتاب عدة نقاط تدل على ذلك، منها:
1- وأن بطانة يهود كأنفسهم، وأنه لا يخرج منهم أحد إلاّ بإذن محمد.
2- وأن يثرب حرام جوفها لأهل هذه الصحيفة.
3- وأنه ما كان بين أهل هذه الصحيفة من حدث واشتجار يُخاف فساده، فإنّ مردّه إلى الله وإلى محمد رسول الله.
4- وأنه لا تُجار قريش ولا من نصرها.
وهكذا حدد كتاب الرسول صلى الله عليه وسلم وضع القبائل المجاورة للمدينة من اليهود، فشَرَط عليهم ألا يَخرجوا من المدينة إلاّ بإذن الرسول، أي بإذن الدولة، وأنه يحرم عليهم انتهاك حرمة المدينة بحرب أو نصرة على حرب، وأنه يحرم عليهم أن يجيروا قريشاً ولا من نصر قريشاً، وأن أي خلاف بينهم على ما ورد في الكتاب يحكم فيه رسول الله.
وقد وافق على ما في هذا الكتاب ووقعه من اليهود من ذُكروا فيه وبتوقيع هذه الصحف ركّز الرسول صلى الله عليه وسلم العلاقات في الدولة الإسلامية الناشئة على وضع ثابت الأساس، وركّز العلاقات بين هذه الدولة وبين القبائل اليهودية المجاورة على أسس واضحة يكون الإسلام فيها الحَكَم، فاطمأن الرسول إلى بناء المجتمع الإسلامي وأمن إلى حد ما غدر جيرانه اليهود ومحاربتهم، وبدأ يعمل لإزالة الحواجز المادية من طريق الدعوة الإسلامية بالتهيئة للقتال.
|
شكرا جزيلا اخي معاذ محمد
شكراجزيلا اخي صهيب عامر
لقد استمتعت بالقراءة واستفدت كثيرا وخصوصا عندما تحدثت عن الحريات ومفهومها وهو شئ من المعلومات التي تربكني
وعن نظام المجتمع الاسلامي كلامك صحيح وهو افضل نظام سياسي لسيادة الأرض والتعامل على نصوصه منتهى الرقي
شكرا جزيلا