(4)
الفصل الأول من رواية
لم تحدث بعد
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
إستهلال :
لا تحقرن من المعروف شيئاً ....
إن أصغر الجنود في الجيش قد يجعله الله سببا في انتصارنا في المعركة ... ليست العبرة بحجم الأعمال و لكن ... بصدقها .... و بقبول الله تعالى لها ...
و رب حامل فقه لمن هو أفقه منه ...
....................................
حكاية :
كانت أيريس زميلتي في العمل ... و كانت تعمل في قسم الترجمة عن العربية , فقد كانت أيريس مسلمة و تجيد العربية بشكل مذهل ... ربما أخذتها عن زوجها الذي كانت له أصول شرقية ...
و كانت أيريس – و ليسامحني الله تعالى – موضع سخريتي أنا و زميلاتي المقربات ... فقد كنت أتعجب من زيها الطويل الواسع و من تحفظها في التعامل مع الرجال بل و معنا أيضا فقد كانت تنأى عن كل جلساتنا المرحة و عن كل نزواتنا و نزهاتنا و عربدتنا ... رغم اخلاصها و جديتها في العمل و حرصها على تفقد أحوال من غابت منا لظرف أو مرض ... كنت أتهمها بالتعالي و التخلف , لكنها كانت تقابلني دائما بابتسامة هادئة ودودة ... كان صمتها المطمئن يثير حفيظتي .. فقد كنت أتمتع بسخط دائم على كل حياتي ... مع أني كنت أملك المال و الجمال و السلطة و كان زوجي قد انضم مؤخراً الى الكونجرس الأمريكي , ومع ذلك لم يكن هناك ما يمنحني تلك السعادة المطمئنة التي أراها تطل من عيني أيريس .
.........
لم احاول بأي حال أن أقترب منها اكثر بحسن نية ... لكن القدر كان يخبئ لي أمراً ما ... و في يوم عاصف اشتد سقوط الثلج بعد مغادرتنا للعمل و انقطعت الطريق و تعطلت سيارتي و اصبح من المستحيل أن اتمكن من العودة لبيتي الذي يبعد كثيرا عن العمل ... و بدأت أفكر أين يمكنني أن أذهب في هذا المأزق ... و فكرت في العودة للمجلة .. ثم تذكرت أنه لا يوجد بالجوار سوى منزل أيريس ... و بعد تردد و مع اشتداد العاصفة وجدتني أطرق عليها الباب ... و رحبت بي كما لم أتوقع , و أراحت قلبي من عناء الحرج تماما .... و قضيت مع أسرتها الصغيرة الليلة ... حتى هدأت العاصفة في الصباح ...
ماذا أقول لكم ؟؟؟ لقد غيرت تلك الليلة مجرى حياتي ... لقد تبدل كل شيء ... أفكاري و معتقداتي و نظرتي للحياة ...
لم أكن قبلها أعرف شيئا عن الإسلام ... و لم تحدثني أيريس عن أي شيء بقدر الإجابة على بعض التساؤلات التي طرحتها أنا ... لكني رأيت و أحسست و عشت في عين الحقيقة ... الحقيقة التي بحثت عنها في كل شيء و كنت ازداد بسعيي اليها بعدا عنها...
لماذا تغير كل شيء ... رأيتهم يصلون بعد غروب الشمس و وقت العشاء و قبيل الفجر ... و كان صوت زوج أيريس و هو يرتل كتابهم المقدس"القرآن" بحزن و خشوع في هدأة الليل يثير شجوني و يحملني الى عالم لم أعرفه من قبل ... و الطريقة النبيلة التي تتعامل بها أيريس مع أم زوجها المريضة أثارت حيرتي .. لكن هذه العجوز المريضة بداء عضال و التي يمكنني أن أتخيل قدر الألم الذي يتغلغل في أوصالها بسببه كانت هي لغزي الأكبر , كان يطل من وجهها نور غريب و كانت تسبّح طوال الليل و تصر على أداء الصلاة لوقتها و تردد آيات الحمد لله تعالى بدل آهات الألم ... لقد أدهشتني ... و تمنيت أن يجلني أبنائي و يحتفون بي حين أكبر كأبنائها ... و كانت أيريس أجمل مما ظننتها فبت أتسائل من جديد لماذا تخفي جمالها و ترضى بأن تدخره فقط للزوج ... كيف انتصرت على كل غرور الأنثى و تخلت عن غيها و رغبتها في الإغواء؟؟
و كانوا يرددون دعاءاً كلما اشتدت العاصفة و علمتني أيريس معناه ... كانوا يسألون الله تعالى عفوه و يرجون لطفه و غفرانه ... و قد صدمني هذا .. لم تكن العواصف تذكرني أبدا بأنه هناك إله في السماء قادر على البطش بنا ... ففي الحقيقة لقد بلغ من غرور أميريكا و من سطوتها في الباطل و قتها أن منحتنا نحن أبناءها نفس هذا الشعور المجوف بأننا فوق الناس و فوق قوى الطبيعة حتى خيالنا كان خيالا مريضا فقد كنا نتوهم أننا سنحارب النجوم و المجرات و أن بامكاننا تغيير مسار النيازك كي لا تصطدم بنا و أننا من سينقذ هذا العالم المفجوع ...
كنا مغرورين حد البلاهة .... لم نتعلم أن نتضرع لله و أن نحترم حدود القوة التي يحكم بها الله تعالى نواميس الكون ...
ماذا أقول لكم .... لم أعد كما كنت بعد تلك الليلة و بدأنا أنا و زوجي نبحث عن كل ما يتعلق بالإسلام ... ذلك الدين الذي لم نحاول فهمه و لا قراءته من قبل ... و عكفنا على ذلك لسنتين دخلنا بعدهما في الإسلام ...
و بدأت أفكار زوجي و توجهاته تستقطب الكثيرين من حوله حتى بلغ عدد من اعتنقوا الإسلام ثلث أعضاء الكونجرس و عندها أعلنوا جميعا إسلامهم ... طبعا ثارت ضدهم العواصف و أحيل بعضهم للتحقيق بحجج ملفقة و أثناء سير التحقيقات كانت الحرب على إسلامهم تفتح القلوب للإسلام و سبحان الله حتى أسلم الرئيس الأميركي نفسه في ذلك العام , عام2011 ....
في الحقيقة لقد بدأ عهد جديد منذ ذلك الحين فقد تم إغتيال الرئيس ... و تبين أن منفذي العملية كانوا من المتطرفين اليهود الذين وجدوا أن مصالحهم العالمية يهددها الخطر فحاولوا قلب مسار الأحداث ....
لكن ذلك أضاف الى رصيد الإسلام , فقد فتح ذلك باب التساؤلات و الحوار مع الإسلام على مصراعيه و قد قيد الله تعالى من علماء الأمة المخلصين من ابلوا خير البلاء و أجادوا تمثيل الإسلام و الرد على دعاوي خصومه و الذب عن حياض الحق ... فقد كانت البشرية متعطشة لطريق الخلاص و العدل و الرحمة بعد طول التخبط في مجاهل الضلال و الشرك و البغي و الظلم و جور القوة و فساد القيادات والشعوب. و تم انتخاب أول رئيس مسلم للولايات المتحدة الأميريكية المسلمة ...
لقد تغير كل شيء في هذا العالم نحو الأفضل ... لم يصبح العالم مثاليا – لا مناص من الإعتراف بذلك – لكنه وضع خطاه من جديد على درب النبي الأمي صلى الله عليه و سلم .... في طريقه الى الله تعالى ... و في الوقت الذي كانت تحدق بهذه الرسالة الخالدة قوى البغي و التآمر و الفساد , و جالت يد البطش ببلاد المسلمين بكل غرور القوة و جبروتها الظالم الذي صنع من ظلمه قانونا و دستورا للعالم المعذب... انقلبت الحال لصالح رسالتنا الخالدة عندما اعتنقت هذه القوة ذاتها دين الحق.
"تمت بحمد الله "