انمحاء

[عبدالرحيم التدلاوي]

انمحاء
**

في أحد الهوامش،
جلس الطفل الذي كانه.
كان يلعب بظلٍّ مهترئ،
يخيط أطرافه بصمت.
قال له بصوت لم يكتمل نموّه:
– هل تذكّرت متى بدأتَ تمحو نفسك؟
فأشاح عنه بعينٍ لا يثق بها،
ومضى.

في مرآةٍ منطفئة،
رأى أمه تبكي،
لكن دموعها كانت تصعد لا تنزل.
عرف عندها أن الحنين…
مجرد جاذبية مقلوبة.

"كلما اقتربتُ من المعنى،
تباعد النص عني."
كتبها في الهامش،
فانشق الهامش عن فمٍ واسع،
وابتلع الجملة، ثم قال:
– المعنى لا يُكتب، بل يُنجَب… أو يُفقد.

في زاوية مظلّلة من الحكاية،
جلس هو الآخر، لكنه كان شيخًا هذه المرّة،
عيناه مثل بئرين سقط فيهما القمر.
قال بصوت رخيم:
– يا بني، لا شيء يُؤلم كأن تُصبح أنت… شاهِد محوِك.

في النهاية المؤقتة،
جلس هو وهو وهو،
كأنّه ثلاثة رجال يتبادلون ندمًا واحدًا.
واحد قال: "لو أنني تكلّمت."
الثاني قال: "لو أنني سكتّ."
أما الثالث، فلم يقل شيئًا…
لكنه اختفى.

وبقي في الصفحة أثر جلوس.
وعلى الكرسي...
تتدلّى جملة يتيمة:
"كل من اكتمل… انكسر."