الزائر الكريم: يبدو أنك غير مسجل لدينا، لذا ندعوك للانضمام إلى أسرتنا الكبيرة عبر التسجيل باسمك الثنائي الحقيقي حتى نتمكن من تفعيل عضويتك.

منتديات  

نحن مع غزة
روابط مفيدة
استرجاع كلمة المرور | طلب عضوية | التشكيل الإداري | النظام الداخلي 

العودة   منتديات مجلة أقلام > المنتديات الحوارية العامة > منتدى الحوار الفكري العام

منتدى الحوار الفكري العام الثقافة ديوان الأقلاميين..فلنتحاور هنا حول المعرفة..ولنفد المنتدى بكل ما هو جديد ومنوع.

إضافة رد

مواقع النشر المفضلة (انشر هذا الموضوع ليصل للملايين خلال ثوان)
 
أدوات الموضوع تقييم الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 11-03-2013, 12:08 AM   رقم المشاركة : 1
معلومات العضو
سلمى رشيد
نائب المدير العام
 
الصورة الرمزية سلمى رشيد
 

 

 
إحصائية العضو







سلمى رشيد غير متصل


افتراضي جــدتــي ســـيـّـدة الحـــكــي ،، منقول

جــدتــي ســـيـّـدة الحـــكــي



محمد بنعزيز *
6/3/2013


في بداية 2009، عام تأديب الصحافيين في المغرب، حلمتُ أني اعتقلتُ بسبب مقال عن النخبة المترهلة، الهرمة والفاسدة. وقد اضطرت جدتي لقطع 700 كلم لزيارتي. رأيت المحنة التي تعرضت لها وهي تقف باكية في صف طويل بين مئات النساء وعشرات الرجال في باب السجن. استيقظت مفزوعا.

أخجل من دمع جدتي.
بعدها صرتُ أجد صعوبة في كتابة المقالات السياسية. ركزت على تحليل الأفلام. فبعد كل هذا العمر، لا تستحق جدتي أن تُهان وتبكي. في الغد اتصلت بها، تحدثنا قليلا وودعتها. وكالعادة بعد المكالمة وضعتْ هاتفها جانبا. لا تعرف كيف تغلق الخط، وبذلك أسمعها تكلم نفسها. تعترف بما لم تقله لي أثناء المكالمة. تردد «تعبتُ يا ولدي... يكفي أني عشت حتى رأيت أولادك».
لهذه الجملة طعنة وداع مزلزلة من امرأة تسلمتني وعمري بضعة أيام، وذلك بعد أن ولدتني أمي وهي لما تبلغ السادسة عشرة من عمرها.
كانت جدتي تعد فطائر لذيذة بالعسل. كنا نقيم في غرفة واحدة، ربعها مطبخ. كان سني ست سنوات وقد بدأ رمضان للتو، كنت أحب الفطائر بالعسل، وأحب العسل أكثر، لذا كنت أنتظر خروج جدتي للحقل لأشرب العسل. حصل ذلك في اليوم الأول والثاني من رمضان، لكن في اليوم الثالث، اختفت قنينة العسل من الغرفة، بحثت عنها طيلة النهار، وفي كل الأيام الموالية، كنت أراها فقط وقت الإفطار عندما تأتي جدتي بالفطائر من الفرن، ثم تختفي. انتهى رمضان وحل عيد الفطر. استيقظت وقد أعدتْ جدتي الفطائر، قبلت رأسها وجلست لنفطر، طلبت مني إحضار العسل، دهشت، سألتها «أين هو؟»
قالت دون أن تضحك: «تحت الوسادة التي تنام عليها».
قصدت الوسادة المحشوة بالصوف فوجدت القنينة، أخذتها وأنا آسف لكل الوقت الذي قضيته أبحث عنها. كم من مشكل يوجد حله على بعد سنتيمترات من جماجمنا ولا نراه.
هكذا فتحتُ عيني في البادية وجدتي تطبخ لي وتحكي. تطعم البطن والعقل. وهكذا كانت جدتي، امرأة الظل، معلمتي الأولى.
لم يكن الحكي بعيدا عن الطبخ. فقد كان الموضوع الرئيسي للحكايات هو الصراع على الأكل. دلالياَ، لا تقلّ الحكايات دسما عن الوجبات. في البدء، في عصر النّية، كانت الحيوانات تتكلم في حضرة ملكها المعظم. كيف أصبح الأسد ملكا؟
تقاتل أسدان والذي انتصر صار ملكا.
كان لدي اعتراض: كيف يكون للحيوانات ملك من غير جنسها؟
لا يمكن أن يتصارع ثور مع أسد ليكون الأسد ملك البقر. لنعرف من القوي يجب أن يتعارك متشابهان من الوزن نفسه.



بين البقر يجب أن يكون أقوى ثور ملكا. يجب أن يكون للقردة ملك منها.
كانت هذه واحدة من المرات التي واجهتُ حكايات جدتي بأسئلة لم تملك لها جوابا. حين كبرتُ غيّرتُ السؤال: لو كان لكل نوع ملك من طائفته. كم من ملك ومملكة ستكون؟ كثير. إذن من الأفضل أن يكون الأسد ملكا على الثيران والقردة، ويفترسها حين يجوع.
هزم الأسدُ الجميع، لكن امرأة شتمته بأن فمه قذر لأنه يأكل الجيف. يصطاد وتتغذى الثعالب على الفضلات. كانت كلمة الفضلات تستفز جدتي، فقد كانت تُستدعى للطبخ في الجنازات. يقدم الكسكس للرجال أولا، ونادرا ما يتبقى للنساء ما يكفيهن... في تلك اللحظة أدركت أنه من الجيد أن آكل مع الرجال. ففي صحن الرجال كثير من اللحم في الأعراس والجنازات. في مثل هذه المناسبات تتحدث جدتي بمهارة، مرة اشتكت لها أم شابة - ولدت طفلا وحبلت مرة ثانية - من عجزها عن فطم طفلها. قالت لها جدتي ضعي قليلا من الفلفل على حلمتك ودعيه يرضع. ذاق الطفل المرارة وكره الثدي.
هكذا كان لحكايات جدتي فائدة عملية. حكايات تحذيرية أكثر مما هي مضحكة. حكايات لليقظة وليست لما قبل النوم. حكايات تقدم حقائق لا نكتشفها إلا متأخرين.
كانت هذه الحكايات تملأ وقتي بالمجان. بينما الآن يحتاج الأطفال إلى إنفاق النقود باستمرار لملء وقت فراغهم. وغالبا ما تحتل الحلويات أولوية الإنفاق، فيزيد وزن الأطفال بشكل مضر بالصحة. حاليا صار الحاسوب هو المعلم الأول للطفل، والحاسوب يجعل المتعامل معه عصبيا، ينتظر استجابة فورية بعد كل كبسة فأرة. وينتظر الاستجابة الرقمية نفسها من البشر. وتشتد تلك العصبية لدى طفل في أسرة نووية ربته أم لم تبلغ الثلاثين. تضربه ليأكل ولم يُتمْ عامه الأول، وتصرخ ليلبس ويغسل. وفي النهاية فالعنف يسحق خيال الطفل. ومن ضعُف خياله صار عدوانيا.
غالبا تحرص الأمهات المبتدئات على نظافة ملابس أطفالهن اكثر من حرصهن على نظافة مزاجهم وخيالهم. الخيال أهم من سروال غير ملطخ بشكولاتة.
لقد ربتني جدتي وخصصت لي كل وقتها، في حين أن أمي لم يكن لديها وقت تخصصه لي. كان وقتها مستنفدا تماما بين إخوتي والمطبخ وأبي. كانت جدتي تستمع إليّ وهي تنظر في وجهي. تحدثني بانتباه وتشرح لي بهدوء وبصبر عظيم. حين أخطئ تمد يدها وتقرصني بشدة، فلا يعلم غيري أني تعرضت لعقوبة، وغالبا ما أكتم الألم لأن جدتي تردد «الخسارة التي لم يعلم بها أحد ربح».
حين قرأت اعتراف ابن حزم في «طوق الحمامة» انه تربى في «حجْر النساء» فهمت مساري. قبل حفل الزفاف، اشترطتْ علي خطيبتي، ألا أحكي لها أية حكايات حين نجلس على منصة الفرح كي لا تضحك فيفسد الماكياج. قلت لها: كيف لا أحكي وثلاثة أرباع وزني حكايات؟
في العطل الصيفية أكتري شقة مفروشة في الطابق الخامس مطلة على البحر واصطحب جدتي معي. في الشرفة نقضي جل الوقت قبالة البحر نتحدث، تخشى جدتي أن تموت قبل أن تنقل لي كل الحكمة التي تختزنها. أصغي لها وهي تراث عالمي. أسجل الحكايات والأمثال. نتحدث عن الزمن، تقارن الحاضر بالماضي، تشعر بالخيبة والفزع بسبب الغلاء. عندما أتسوق تسألني عن أسعار بعض السلع وتستغرب مستويات الغلاء. البطاطس الحلوة - التي تحبها لأنها تبلع دون مضغ ـ بدولارين للكيلو. أي ربع دولار للحبة الواحدة. يـــاه.
مرة اشتكت جدتي من التعب. لها ذهنية متطلبة وبدن ضعيف. أخذتها إلى الطبيب وطمأنها بأنها متعبة لا مريضة. هنأها لأنها نحيفة، ولن يجد المرض أين سيعشش فيها، قالت للطبيب «محركي تعب».
بين حكاية وأخرى تغفو جدتي وتنام... هنا تتاح لي الفرصة لأتأملها عن قرب وقد تدهورت صحتها. تزعزعني العروق البارزة في يديها وعظام وجهها التي صارت مكسوة بجلد رقيق. تستيقظ فتجدني أتأملها، تجد الذعر في عيني...

* كاتب وسينمائي من المغرب






التوقيع

رَبِّ اغْفِرْ لِيَّ وَلِوَالِدَيَّ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِيْ صَغِيْرَا
 
رد مع اقتباس
قديم 11-03-2013, 01:22 AM   رقم المشاركة : 2
معلومات العضو
فاطِمة أحمد
طاقم الإشراف
 
الصورة الرمزية فاطِمة أحمد
 

 

 
إحصائية العضو







فاطِمة أحمد غير متصل


افتراضي رد: جــدتــي ســـيـّـدة الحـــكــي ،، منقول

ما أجمل هذه القصة وهذا السرد
للأسف لم أعش بالقرب من أحدى جداتي وفاتني الكثير
وكانت القراءة وحدها جدتي ! التي أخبرتني الكثير
رحم الله جداتنا وأسكنهن فسيح جناته
وأعاننا على عصر تكنولوجيا تسرق الكثير من الوقت الثمين في حياتنا وحياة أطفالنا
ونحن بحاجة للإعتدال .. أختيار رائع .. بارك الله لك







 
رد مع اقتباس
قديم 11-03-2013, 01:39 AM   رقم المشاركة : 3
معلومات العضو
سمر محمد عيد
طاقم الإشراف
 
الصورة الرمزية سمر محمد عيد
 

 

 
إحصائية العضو







سمر محمد عيد غير متصل


افتراضي رد: جــدتــي ســـيـّـدة الحـــكــي ،، منقول

عندما يكون الحديث عن الجدات ،تأتي الحروف طائعة،والحكايات تنحني أمام عظمتهن باجلال...
أما أنا فقد كنت صديقة جدتي المقربة رحمها الله
ولاأزال،،لن أنسى فضلها عليّ،،
لكنها ماتت وفي حلقها غصة،أن تعود للبلاد،
وهي تحتضن مفتاح باب الدار الذي بات أنقاضاً تحت الأنقاض...
عند أقدامهن ينبت الطهر،ومن بين أيديهن ينبع العطاء..
كانت تردد دوماً ،ما أغلى من الولد إلا ولد الولد..
رحم الله جداتنا الطيبات ،وأعان أمهاتنا الصابرات..
انتقاء له نكهة خاصة،متميز كصاحبته المتألقة دائما..







التوقيع

 
رد مع اقتباس
قديم 11-03-2013, 02:29 PM   رقم المشاركة : 4
معلومات العضو
سلمى رشيد
نائب المدير العام
 
الصورة الرمزية سلمى رشيد
 

 

 
إحصائية العضو







سلمى رشيد غير متصل


افتراضي رد: جــدتــي ســـيـّـدة الحـــكــي ،، منقول

رحمهن الله رحمة واسعة وأسكنهن جنانه
عاشت جدتي فترة طويلة في بيتنا إلى ان توفت وكانت قريبة منا كثيرا ،، لا اذكر انها كانت تروي الحكايا ولكن دعواتها لنا لا زالت حاضرة في قلبي ..
اعجبني الموضوع إلا اني كنت اتوقعه اكثر عمقا في سرد بعض الجوانب ولكن عفوية الحدث طفت عليه وجعلته جميلا
شكرا لعطر حضورك أختي الحبيبة فاطمة .







التوقيع

رَبِّ اغْفِرْ لِيَّ وَلِوَالِدَيَّ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِيْ صَغِيْرَا
 
رد مع اقتباس
قديم 11-03-2013, 02:32 PM   رقم المشاركة : 5
معلومات العضو
سلمى رشيد
نائب المدير العام
 
الصورة الرمزية سلمى رشيد
 

 

 
إحصائية العضو







سلمى رشيد غير متصل


افتراضي رد: جــدتــي ســـيـّـدة الحـــكــي ،، منقول

رحمها الله واسعة وغفر لها وأسكنها جنانه ..
ابكيتني يا سمر ، تأسرني مثل هذه القصص كثيرا لعلها زارت تلك الديار في احلامها أو بعد مماتها ،، احيانا اتخيل ذلك يا سمر .
حفظك الله نوارة للمنتدى







التوقيع

رَبِّ اغْفِرْ لِيَّ وَلِوَالِدَيَّ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِيْ صَغِيْرَا
 
رد مع اقتباس
إضافة رد

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع تقييم هذا الموضوع
تقييم هذا الموضوع:

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

الساعة الآن 09:48 PM.


Powered by vBulletin® Version 3.8.3
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
جميع المواضيع والردود المنشورة في أقلام لا تعبر إلا عن آراء أصحابها فقط