الزائر الكريم: يبدو أنك غير مسجل لدينا، لذا ندعوك للانضمام إلى أسرتنا الكبيرة عبر التسجيل باسمك الثنائي الحقيقي حتى نتمكن من تفعيل عضويتك.

منتديات  

نحن مع غزة
روابط مفيدة
استرجاع كلمة المرور | طلب عضوية | التشكيل الإداري | النظام الداخلي 

العودة   منتديات مجلة أقلام > المنتديـات الثقافيـة > المنتدى الإسلامي

المنتدى الإسلامي هنا نناقش قضايا العصر في منظور الشرع ونحاول تكوين مرجع ديني للمهتمين..

إضافة رد

مواقع النشر المفضلة (انشر هذا الموضوع ليصل للملايين خلال ثوان)
 
أدوات الموضوع تقييم الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 18-11-2021, 12:27 PM   رقم المشاركة : 13
معلومات العضو
عوني القرمة
طاقم الإشراف
 
إحصائية العضو






عوني القرمة متصل الآن


افتراضي رد: قراءات في الكتاب: ســـورة الفاتحــة


لِمَ جعل الله البسملة مبدأ كلامه؟:

لثلاثة أوجه:
الأول: لأنها إجمال ما بعدها، على معان عدة:
1) هي آية عظيمة فيها كثير من المعارف، منها:
- علوم اللسان، ومنها النحو لمن أراد أن يبحث عن الإعراب والبناء، ومدلولات الألفاظ،
- علم الصرف لمن أراد أن يبحث عن أصول كلماتها،
- علم المعاني لمن أراد أن يبحث عن نحو القصر،
- علم البيان لمن أراد أن يبحث عما فيها من الحقيقة والمجاز،
- علم البديع لمن أراد أن يبحث عما بين كلماتها من المحسنات اللفظية،
- علم العروض لمن أراد أن يبحث عنها من حيث إنها شعر أو نثر موزون أو غير موزون،
- علم الخط لمن أراد معرفة ما في رسمها،
- علم المنطق لمن أراد البحث عن قضاياها،
- علم الكلام إن أراد أن يعرف كنه ما فيها من الأسماء،
- علم الفقه لمعرفة أحكام تلاوتها،
- علم الأخلاق لمعرفة ما يمكن التخلق به مما تدل عليه الأسماء،
- العلوم الطبيعية والتجريبية للبحث في خلق الله ورحمته وأثرها في الآفاق وفي النفوس.

2) والقرآن الكريم الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد، فيه من الأسرار والخفايا ما لا ينتهي ولا ينضب:
وعلى تَفَنُّنِ واصِفيهِ بِحُسْنِهِ،..... يَفْنى الزّمانُ، وفيهِ ما لم يُوصَفِ
فمن خفايا الإبداع في البسملة افتتاحها واختتامها بحرفين شفويين (الباء) و(الميم). وهذا ملمح يسير من الملامح التي استخرجها الناس من الآية والعلاقة بين ألفاظها وبين حروفها.

الثاني: وأما الوجه الثاني: فلتعليم العباد إذا بدأوا بأمر كيف يبدأون به. وشُرِعت في كلّ أحوال الإنسان الدينية والدنيوـية ليظلّ الإنسـان ذاكراً لله تعالى، طالبـاً للإخلاص له في كلّ أعمـاله، سـائلاً إياه تبارك وتعالى البركة والحفظ والرعاية. التبرّك والتيمّن.

الثالث: وأما الوجـه الثالث، ففي افتتـاح الكتاب بالبسملة نوع من الحمد، ناسب أن يردفها بالحمد الكلي الجامـع لجميع أفراده البالغ أقصى درجات الكمال، فقال بعدها: ﴿ٱلْحَمْدُ للَّهِ رَبّ ٱلْعَـٰلَمِينَ﴾، فتكون البداية تتلوها الخاتمة، إذ أن الحمد هو آخر ذكر يتلوه المسلم وقد استقر في جنة الخلد: ﴿وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ ٱلْحَمْدُ للَّهِ رَبِّ ٱلْعَالَمِينَ﴾ يونس 10، فجعل الله البداية والنهاية في آيتين متتاليتين في صدر كتابه.

مشروعية البسملة:

1) نقل عن الإمام مالك، وطائفة من الحنفية، وبعض أصحاب أحمد، إنها ليست من القرآن الكريم، إلا في سورة النمل.
2) قال أحمد: هي آية في أول الفاتحة، وليست قرآناً في أوائل باقي السور، وهو قول إسحاق وأبي عبيد وأهل الكوفة وأهل مكة وأهل العراق، فيما نقله العلماء، وهو أيضاً رواية عن الشافعي.
3) وذهب أبو بكـر الرازي الجصاص إلى أنها آية في كل موضـع كتبت فيه في المصحف، وليسـت آية من الفاتحة ولا من غيرها، وإنما أنزلت لافتتاح القراءة بها وللفصل بين كل سورتين - سوى ما بين الأنفال وبراءة - وهو المختار عند الحنفية.
4) يرى الشافعي وجوبها في الفاتحة، وتابعه أصحابه، وحكاه ابن عبد البر عن ابن عباس وابن عمر وابن الزبير وعطاء وطاووس ومكحول. وحكاه ابن كثير عن أبي هريرة وعلي وسعيد بن جبير والزهري، وهو رواية عن أحمد. وادعى أبو بكر الرازي الجصاص الحنفي في أحكام القرآن أن الشافعي لم يسبقه أحد إلى هذا القول.
5) أما أئمة القراءات فإنهم جميعاً اتفقوا على قراءة البسملة في ابتداء كل سورة، سواء الفاتحة أو غيرها من السور، سوى براءة. ولم يرو عن واحد منهم أبداً إجازة ابتداء القراءة بدون البسملة.
6) لما كان البدء بالاستعاذة تخلية وتطهير، تلته البسملة لتنبيه السامع لاستقبال كلام الله.
7) إننا نقول بعد ذلك ﴿بسم الله الرحمن الرحيم﴾ فهذا تنبيه لكل إنسان يسمع بأن الله هو المتحدث بذلك الكلام.

أحكام البسملة:

لها أربع حالات:
1) أن تكون في أول السورة ـ غير سورة براءة ـ فقد نص أكثر الأئمة على أنه : "تُسْتَحَبُّ قِرَاءَةُ الْبَسْمَلَةِ فِي أَوَّلِ كُلِّ سُورَةٍ فِي الصَّلَاةِ وَغَيْرِهَا وينبغي أن يحافظ عليها حتى أن بعض العلماء اعتبر ختمة القرآن ناقصة إذا لم يأت بالبسملة في أول كل سورة غير براءة". ولما سئل الإمام أحمد رحمه اللهَ عن قراءتها في أول كل سورة قال : "لا يَدَعَهَا".
2) أن تكون في أثناء السورة ـ وهو محل السؤال ـ فالجمهور من العلماء والقراء على أنه لا مانع من الابتداء بها. قِيلَ للإمام أحمد في البسملة ـ بعد قوله: لا يدعها في أول السورة ـ : فَإِنْ قَرَأَ مِنْ بَعْضِ سُورَةٍ يَقْرَؤُهَا؟ قَالَ: "لَا بَأْسَ". ونقل العبادي عن الشافعي رحمه الله استحبابها في أثناء السورة. قَالَ الْقُرَّاءُ: وَيَتَأَكَّدُ الابتداء بالبسملة إذا كان في الآية التي سيقرأها بعد البسملة ضميرٌ يعود على الله سبحانه نَحْوِ قوله: ﴿إلَيْهِ يُرَدُّ عِلْمُ السَّاعَةِ﴾ فصلت 47. وقوله: ﴿وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَ جَنَّاتٍ﴾ الأنعام 141 لمَا فِي ذِكْرِ هذه الآيات بعد الاستعاذة مِنْ الْبَشَاعَةِ وَإِيهَامِ رُجُوعِ الضَّمِيرِ إلَى الشَّيْطَانِ.
3) قراءتها في ابتداء سورة براءة: لا يكاد يختلف العلماء والقراء في كراهة ذلك .قَالَ صَالِحُ فِي مَسَائِلِهِ عَنْ أَبِيهِ أحمد رحمه الله: وَسَأَلْتُهُ عَنْ سُورَةِ الْأَنْفَالِ وَسُورَةِ التَّوْبَةِ هَلْ يَجُوزُ لِلرَّجُلِ أَنْ يَفْصِلَ بَيْنَهُمَا بِـ ﴿بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ﴾ قَالَ أَبِي: يَنْتَهِي فِي الْقُرْآنِ إلَى مَا أَجْمَعَ عَلَيْهِ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لا يُزَادُ فِيهِ وَلا يَنْقُصُ .
4) قراءتها في أثناء سورة براءة: قد اختلف القراء في ذلك كما نقل ذلك ابن حجر الهيثمي فَقَال: "قال السَّخَاوِيُّ مِنْ أَئِمَّةِ الْقِرَاءَةِ: لا خِلَافَ فِي أَنَّهُ يُسَنُّ الْبُدَاءَةَ أثْنَاءَهَا بِالتَّسْمِيَةِ وَفَرَّقَ بَيْنَ أَثْنَائِهَا وَأَوَّلِهَا لَكِنْ بِمَا لا يُجْدِي وَرَدَّ عَلَيْهِ الْجَعْبَرِيُّ مِنْهُمْ (أي من القراء) وَهُوَ الْأَوْجَهُ (أي أن القول بالكراهة هو الأقرب للصواب) إذْ الْمَعْنَى الْمُقْتَضِي لِتَرْكِ الْبَسْـمَلَةِ أَوَّلَهَـا، مِنْ كَوْنِهَا نَزَلَتْ بِالسَّـيْفِ، وَفِيهَا مِنْ التَّسْـجِيلِ عَلَى الْمُنَافِقِينَ بِفَضَائِحِهِمْ الْقَبِيحَةِ مَا لَيْسَ فِي غَيْرِهَا مَوْجُودٌ فِي أَثْنَائِهَا، فَمِنْ ثَمَّ لَمْ تُشْرَعْ التَّسْـمِيَةُ فِي أَثْنَائِهَـا كَمَا فِي أَوَّلِهَا لِمَا تَقَرَّرَ"*.
* من "الإنصاف فيما بين علماء المسلمين في قراءة ﴿بسم الله الرحمن الرحيم﴾ في فاتحة الكتاب من الاختلاف" لابن عبد البر.

أوجه قراءة البسملة في التلاوة:

1) في الابتداء: إذا أراد القارئ أن يبتدئ قراءته بأوَّل أَيَّةِ سورة من سور القرآن - ما عدا سورة (براءة) - فله الجمع بين الاستعاذة والبسملة وأوَّل السورة، ويجوز له في هذه الحالة أربعة أوجه:
1. قطع الاستعاذة عن البسملة عن أوَّل السورة، وذلك بالوقف على كلٍّ منها، ويُعَدُّ هذا الوجه أفضل الوجوه الأربعة، كما وجهوا الإسرار بها بأنه يفرِّقُ بين ما هو قرآن وما ليس بقرآن.
وإذا قطع القارئ قراءته لعذر طارئ - كالعُطاس، أو التنحنح، أو لكلام يتعلق بمصلحة القراءة - فإنَّه لا يُعيد الاستعاذة، أما لو قطَعها إعراضًا عن القراءة، أو لكلام لا تعلُّق له بالقراءة، ولو لرد السلام، فإنه يعيد الاستعاذة، وقد وجه العلماءُ الجهرَ بالاستعاذة بأنه يجعل السامع يُنصِت إلى القراءة من أولها، فلا يفوته شيء منها؛ لأن التعوُّذَ هو مفتاح القراءة، وشِعارُها، وعلامتها.
2. الوقف على الاستعاذة، ووصل البسملة بأول السورة، ويأتي هذا الوجه بعد الوجه الأوَّل في الأفضلية.
3. وصل الاستعاذة بالبسملة والوقف عليها، وهو أفضلُ من الوجه الأخير.
4. وصل الاستعاذة بالبسملة بأول السورة.

2) في افتتاح سورة التوبة: للقارئُ إذا أراد الابتداءَ بأول سورة براءة وجهان:
أولهما: الوقف على الاستعاذة وقطعها عن أوَّل براءة، ثم الابتداء بأول براءة دون بسملةٍ.
وثانيهما: وصل الاستعاذة بأوَّل السورة دون بسملة.

3) في القراءة من وسط السور: أما إذا أراد القارئ الابتداء بأيَّةِ آيةٍ من وسط أيَّةِ سورة من سور القرآن ـ
ما عدا سورة براءة ـ فهو مخيَّر بين وجهين:
أولهما: أن يأتي بالبسملة، ويجوز له الأربعة أوجه السَّابقة الجائزة في ابتداء أول كل سورة.
ثانيهما: أن يترك البسملة، ويجوز له في هذا الوجه أمرانِ:
أ‌. الوقف على الاستعاذة، وفصلها عن أوَّلِ الآية المبتدأ بها.
ب‌. وصل الاستعاذة بالآيةِ التي ابتدأ بها.
والابتداء بأيَّةِ آيةٍ من وسط سورة براءة حتى لو كانت هذه الآية هي الآية الثانية يأخذ حكم هذا الوجه (ب) بخياريه.

4) بين السورتين: إذا أراد القارئ أن يصِلَ آخر سورة بأوَّل السورة التي تليها، فله ثلاثة أوجهٍ:
1. الوقف على آخر السورة، ثم الوقف على البسملة.
2. الوقف على آخر السورة، ثم وصل البسملة بأول السورة التي تليها.
3. وصلُ آخرِ السورة بالبسملة بأول السورة التالية.
ويمتنع وصل آخر السورة بالبسملة ثم الوقف عليها، والابتداء بأول السورة التالية؛ لأن البسملة نزلت لأوائـل السـور لا لأواخرهـا، وحتى لا يوهـم ذلك أن البسـملة جـزءٌ من آخِـرِ الســورة، وهو ما ذكـره الشاطبي بقوله:
ومهما تصِلْها مَعْ أواخرِ سورةٍ ..... فلا تقفِنَّ الدَّهرَ فيها فتثقُلَا*
* الآداب الشرعية لابن مفلح (2 /325)، والموسوعة الفقهية (13 / 253)، والفتاوى الفقهية الكبرى (1/52)

5) بين الأنفال وبراءة: هناك ثلاثة أوجه جائزة للقارئ إذا أرد أن يصل سورةَ الأنفال بسورة براءة:
أ‌- الوقف على قوله تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ﴾ الأنفال 75 مع التنفُّس، ثم الابتداء بـ (براءة) دون بسملة.
ب‌- السكتُ على ﴿عَلِيمٌ﴾ سكتة لطيفة دون تنفُّس، والابتداء بـ ﴿بَرَاءَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ 1التوبة من غير بسملة.
ت‌- وصل قوله تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ﴾ الأنفال 75 بأوَّلِ سورة براءة من غير بسملة.

على أن هذه الأوجه الثلاثة جائزة بين آخر أية سورة قبل براءة في ترتيب المصحف وأول براءة. أما إذا كانت السورة قبل براءة في التلاوة، ولكنها بعدها في ترتيب المصحف فليس هناك إلا الوقف دون بسملة، ويمتنع وجْهَا الوصل والسكت*.
* https://www.alukah.net/sharia/0/66726/#






 
رد مع اقتباس
قديم 26-11-2021, 01:05 PM   رقم المشاركة : 14
معلومات العضو
عوني القرمة
طاقم الإشراف
 
إحصائية العضو






عوني القرمة متصل الآن


افتراضي رد: قراءات في الكتاب: ســـورة الفاتحــة

﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ 2




﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ﴾:


الألفَ واللامُ في ﴿الْحَمْدُ قيل: للاستغراقِ، وقيل: لتعريفِ الجنسِ لقول الشاعر:
إلى الماجِدِ القَرْمِ الجَوادِ المُحَمَّدِ
وقيل: إن ما يمنع كونها للاستغراق أن يكون المطلوب من العبد إنشاء الحمد لا الإِخبارُ به، وأن يُنْشِئَ جميعَ المحامدِ منه ومن غيرِه، فيتعين أن تكون للجنس.
والأصلُ في "الحمد" المصدريةُ، فلذلك لا يُثَنَّى ولا يُجْمع، وإن حُكِيَ جمعَه على أَفْعُل في:
وأَبْلَجَ محمودِ الثناء خَصَصْتُه ..... بأفضلِ أقوالي وأفضلِ أَحْمُدي
و ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ مرفوع على الابتداء، والخبرُ الجار والمجرور بعده فيتعلَّقُ بمحذوف هو الخبرُ في الحقيقة. ثم ذلك المحذوفُ إن شئتَ قدَّرْتَه اسماً وهو المختار، وإنْ شئتَ قدَّرْتَه فِعْلاً، أي: الحمدُ مستقرٌّ لله أو استقرَّ لله.
وقريء شاذاً بنصب الدال من: {الحَمْدَ}، وفيه وجهان:
1) أظهرهُما أنه منصوبٌ على المصدرية، ثم حُذِف العاملُ، وناب المصدرُ مَنَابَه، كقولهم في الإِخبار: "حمداً وشكراً لا كُفْراً"، والتقدير: أَحْمَدُ الله حَمْداً، فهو مصدرٌ نابَ عن جملة خبرية. وقيل: إن في ضمنه أمرَ عبادِه أن يُثْنوا به عليه، فكأنه قال: قولوا الحمدَ لله،
2) والثاني: أَنه منصوبٌ على المفعول به أي اقرؤوا الحمدَ، أو اتلوا الحمدَ، كقولهم: "اللهم ضَبُعاً وذئْباً"، أي اجمَعْ ضبُعاً.
وقراءةُ الرفع أَمْكَنُ وأَبْلَغُ من قراءة النصب، لأنَّ الرفعَ في بابِ المصادر التي أصلُها النيابةُ عن أفعالها يَدُلُّ على الثبوتِ والاستقرارِ بخلافِ النصب فإنه يَدُلُّ على الثبوتِ والاستقرارِ بخلافِ النصب، فإنه يَدُلُّ على التجدُّدِ والحدوثِ، ولذلك قال العلماء: إن جوابَ خليل الرحمن عليه السلام في قوله تعالى حكايةً عنه: ﴿قَالَ سَلاَمٌهود 69
أحسنُ مِنْ قول الملائكة: ﴿قَالُوا سَلَامًا، امتثالاً لقوله تعالى: ﴿فَحَيُّواْ بِأَحْسَنَ مِنْهَآالنساء 86.
وقُريء أيضاً: {الحَمْدِ} بكسرِ الدال، على لغة تميم وبعض غطفان.
وقُريء أيضاً هنا: {لُلَّهِ} بضمِّ لامِ الجرِّ، وهي لغةُ بعضِ قيس،
فهذه أربعُ قراءاتٍ في ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ.
وحرف الجر في اسم الجلالة للاستحقاق أي أن الله مستحق لجميع المحامد، ولها معانٍ أُخَرُ، وهي:
- الملك والاستحقاق، نحو: المالُ لزيد،
- والتمليك نحو: وَهَبْتُ لك وشبهِه، نحو: ﴿جَعَلَ لَكُمْ مِّنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً النحل 72،
- والنسب نحو: لزيد عَمُّ،
- والتعليلُ نحو: ﴿لِتَحْكُمَ بَيْنَ ٱلنَّاسِالنساء 105،
- والتبليغ نحو: قلتُ لك،
- والتعجبُ في القسم خاصة، كقوله:
للهِ يَبْقى على الأيام ذو حِيَدٍ بمُشْمَخِرٍّ به الظَّيَّانُ والآسُ
- والتبيين نحو: قوله تعالى: ﴿هَيْتَ لَكَيوسف 23،
- والصيرورةُ نحو قوله تعالى: ﴿لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوّاً وَحَزَناًالقصص 8،
- والظرفية: إمَّا بمعنى في، كقوله تعالى: ﴿وَنَضَعُ ٱلْمَوَازِينَ ٱلْقِسْطَ لِيَوْمِ ٱلْقِيَامَةِ الأنبياء 47،
أو بمعنى عِنْد، كقولهم: كتبتُه لخمسٍ أي: عند خمس،
أو بمعنى بَعْدَ، كقوله تعالى: ﴿أَقِمِ ٱلصَّلاَةَ لِدُلُوكِ ٱلشَّمْسِالإسراء 78، أي: بعد دلوكها،
- والانتهاء، كقوله تعالى: ﴿كُلٌّ يَجْرِي لأَجَلٍفاطر 13،
- والاستعلاء نحو قوله تعالى: ﴿وَيَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ الإسراء 109، أي على الأذقان،
- وقد تُزاد باطِّراد في معمول الفعل مقدَّماً عليه كقوله تعالى: ﴿إِن كُنتُمْ لِلرُّؤْيَا تَعْبُرُونَ يوسف
43، أو كان العاملُ فَرْعاً، نحوُ قولِه تعالى: ﴿فَعَّالٌ لِّمَا يُرِيدُ هود 107، وبغيرِ اطِّراد نحو قوله:
ولمَّا أَنْ توافَقْنا قليلاً .... أنَخْنا للكلاكِل فارتَمَيْنا
- وأمَّا قوله تعالى: ﴿قُلْ عَسَىٰ أَن يَكُونَ رَدِفَ لَكُمالنمل 72، فقيلَ: على التضمين، وقيل هي زائدة.

ما مدلول الحمـــد في العربية والشرع؟:

الحمد في اللسان العربي هو الثناء الكاملُ، والألف واللام فيه لاِستغراقِ الجنس من المحامد، باعتبار أن ما عدا محامده من العدم. والحمد مصدر للفعل حمِدَ يَحمَد، حَمْدًا، فهو حامد. تقول: حَمِدْتُ الله أحمَده حَمْدًا أي: أثنيت عليه وشكرتُ نعمتَه، وحمدت الرجل إذا رأيت منه فعلًا محمودًا فتثني عليه، وعكسه ذمَّه، فالحمد مغنم والذّمّ مَغْرم. وحمِد الشَّيءَ: رضي عنه وارتاح إليه.
وحمَّد الشَّخصُ: ذكر اللهَ بالمحامد الحَسَنة مرّة بعد مرّة، أما حمَّد فلانًا، فإنه أثنى عليه مرّة بعد مرّة.
ويُقَال رجل حمد وَامْرَأَة حمد وحمدة ومنزل حمد ومنزلة حمد مَحْمُود أَو محمودة، والحَمْدان: سورتا سبأ وفاطر. وأحمدتُ الأرضَ أُحْمِدُها إحمادًا، إذا رضيت سُكْناها أو مرعاها. وتقول العرب: حُماداك أن تفعل كذا وكذا في معنى قُصاراك.
والمفعول: مَحْمود وحَميد، يقول تعالى: ﴿عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا﴾ الإسراء 79، ويقول: ﴿وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ﴾ البقرة 267.
والأصل في الحمد لا يجمع، لأنه مصدر.

و ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ شـرعاً تعبير يُقصد به الثناء على الله لكمال صفاته وجميل إنعامه، مع المحبة والإجلال. وهو اعتراف بفضله: ﴿وَمَا بِكُم مِّن نِّعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ ۖ ثُمَّ إِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْأَرُونَالنحل 53، فعندما نقول:الحمد لله فإنا نذكره ونعترف بإنعامه وتفضله علينا بمننه الظاهرة والباطنة، ونقر له وحده باستحقاق الحمد.
والرب هو السيد المالك المصلح المعبود بحق، والعالمين جمع عالم وهو كل ما سوى الله تعالى.
والله تعالى يخبر أن جميع أنواع المحامد من صفات الجلال والكمال هى له وحده دون سواه؛ إذ هو رب كل شىء وخالقه ومالكه، وأن علينا أن نحمده ونثنى عليه بذلك .

لِمَ يُحْمَــدُ الله؟:

1) نحمد الله لذاته وأسمائه الحسنى وصفاته العلى، فهو المستحق للحمد في الأولى والآخرة، لأنه القدوس الطاهر من كل عيب، والسلام الذي سلم من كل آفة، والأول والآخر، والأحد والصمد، والظاهر والباطن، هو الله.
2) ونحمده تعالى لنعمه التي لا تحصى، وللآلئه التي لا تستقصى.

وقد وردت آثار كثيرة لرسول الله صلى الله عليه وسلم في فضل الحمد لله، منها:
1) "الحمد لله تملأ ما بين السماء والأرض"*،
* عن أبي مالك الأشعري:إسباغُ الوضوءِ شطرُ الإيمانِ والحمدُ للهِ تملأ الميزانَ، وسبحان اللهِ والحمدُ للهِ تملآنِ أو تملأ ما بين السماءِ والأرضِ، والصلاةُ نورٌ، والصدقةُ برهانٌ، والصبرُ ضياءٌ، والقرآنُ حُجَّةٌ لك أو عليك، كلُّ الناسِ يَغدو، فبائعٌ نفسَه، فمُعتِقُها أو موبِقُها
الألباني: صحيح الترغيب، وأخرجه الترمذي، والنسائي، وابن ماجه باختلاف يسير.

2) "أفضل الذكر : لا إله إلا الله ، وأفضل الدعاء الحمد لله"*،
* عن جابر بن عبدالله :أفضلُ الذِّكرِ لا إلهَ إلّا اللَّهُ وأفضلُ الدُّعاءِ الحمدُ للَّهِ
حسنه ابن حجر العسقلاني في تخريج مشكاة المصابيح، وأخرجه الترمذي، وابن ماجه، والنسائي في «السنن الكبرى».

ولأن الحامد لله مهما اجتهد في حمده، لا يبلغ الغاية، كان الذكر النبوي: "لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك"*.
* عن عائشة أم المؤمنين: فقَدْتُ رَسولَ اللهِ ﷺ لَيْلَةً مِنَ الفِراشِ فالْتَمَسْتُهُ فَوَقَعَتْ يَدِي على بَطْنِ قَدَمَيْهِ وهو في المَسْجِدِ وهُما مَنْصُوبَتانِ وهو يقولُ: اللَّهُمَّ أعُوذُ برِضاكَ مِن سَخَطِكَ، وبِمُعافاتِكَ مِن عُقُوبَتِكَ، وأَعُوذُ بكَ مِنْكَ لا أُحْصِي ثَناءً عَلَيْكَ أنْتَ كما أثْنَيْتَ على نَفْسِكَ.
رواه مسلم، ومثله للترمذي وأبي داود والنسائي وأحمد، واللفظ لمسلم.


متى يقـال ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ﴾؟:

1) في الابتداء: ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، بدئت بها السورة، وبديء بها الكتاب الحكيم.
2) وبعد الانتهاء: "الحمدُ لله الذي كفاني وآواني، وأطعمَني، وسقاني، الحمدُ لله الذي منَّ عليَّ فأفضَلَ، والحمدُ لله الذي أعطاني فأجزلَ، والحمدُ لله على كلِّ حالٍ. اللهمَّ ربَّ كلِّ شيءٍ، ومالِكَ كلِّ شيءٍ، وإلهَ كلِّ شيءٍ، لك كلُّ شيءٍ، أعوذُ بك من النّارِ"*.
* عن عبدالله بن عمر : أنَّ رسولَ اللهِ ﷺ كان يقول إذا تبوأَ مضجعَه (الأثر).
الألباني: صحيح الموارد.

3) وفي ختام المجلس: سبحانك اللهم وبحمدك.
4) وعند المنام: الحمد لله الذي كفانا وآوانا.
5) وعند الاستيقاظ: الحمد لله الذي أحيانا بعد ما أماتنا وإليه النشور.
6) وعند الركوب: متضمنة في قوله تعالى : ﴿لِتَسْتَوُوا عَلَىٰ ظُهُورِهِ ثُمَّ تَذْكُرُوا نِعْمَةَ رَبِّكُمْ إِذَا اسْتَوَيْتُمْ عَلَيْهِ وَتَقُولُوا سُبْحَانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَٰذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَالزخرف 13،
7) وعلى تسخير الكون لنا: ﴿أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُم مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ ...لقمان 20،
8) وله الحمد على نعمه الظاهرة والباطنة: ﴿... وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةًوَبَاطِنَةًلقمان 20،
9) وعلى إنزال الكتاب: ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنزَلَ عَلَىٰ عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَل لَّهُ عِوَجًاالكهف 1،
10) وأعظم نعمه إرسال نبينا محمد صلى الله عليه وسلم: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ الأنبياء 107،
11) وعلى إهلاك الظالمين: ﴿فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُواْ وَالْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ الأنعام
45،
12) وعلى خير الآخرة: ﴿وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلَا أَنْ هَدَانَا اللَّه الأعراف 43،
13) وعلى دخول الجنة : ﴿وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ﴾ الزمر
74،
14) وعلى خلق السماوات والأرض: ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ ۖ ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَالأنعام
1، وملكه لهما: ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِسبأ 1،
15) وله الحمد في الأولى والآخرة: ﴿لَهُ الْحَمْدُ فِي الْأُولَىٰ وَالْآخِرَةِ ۖ وَلَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ القصص 70،
16) والله جل وعلا يحمد على أسمائه الحسنى وصفاته العلى، مثل الوحدانية في قوله تعالى: ﴿وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَمْ يَكُن لَّهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَلَمْ يَكُن لَّهُ وَلِيٌّ مِّنَ الذُّلِّ ۖ وَكَبِّرْهُ تَكْبِيرًا الإسراء 111،
17) إن "الحمد" كلمة كل شاكـر، ويدل على ذلك أقوال الأنبياء، كما قال الله لنوح صلى الله عليه وسلم: ﴿فَإِذَا اسْتَوَيْتَ أَنتَ وَمَن مَّعَكَ عَلَى الْفُلْكِ فَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي نَجَّانَا مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ المؤمنون 28، وكما قال إبراهيم صلى الله عليه وسلم: ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى الْكِبَرِ إِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ ۚ إِنَّ رَبِّي لَسَمِيعُ الدُّعَاءِ إبراهيم 39، وداود وسليمان عليهما السلام: ﴿وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ عِلْمًا ۖ وَقَالَا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي فَضَّلَنَا عَلَىٰ كَثِيرٍ مِّنْ عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَالنمل 15،
18) ولكون الحمد أفضل الدعاء ختم أهل الجنة دعاءهم بـ: ﴿وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ يونس 10.







 
رد مع اقتباس
قديم 05-12-2021, 02:14 PM   رقم المشاركة : 15
معلومات العضو
عوني القرمة
طاقم الإشراف
 
إحصائية العضو






عوني القرمة متصل الآن


افتراضي رد: قراءات في الكتاب: ســـورة الفاتحــة

﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ 2


﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ﴾:



الفرق بين الحمد والشكر:

الحمدُ: الثناءُ على الجميل سواءً كان نعمةً مُسْداةً إلى أحدٍ أم لا، يقال: حَمِدْتُ الرجل على ما أنعم به عليَّ وحَمِدْته على شـجاعته، ويكون باللسان وحدَه دونَ عملِ الجَوارح، إذ لا يقال: حَمِدْتُ زيداً أي عَمِلْتُ له بيديَّ عملاً حسـناً، بخلافِ الشـكر فإنه لا يكونُ إلاَّ نعمةً مُسْـدَاةً إلى الغيرِ، يقال: شـكرتُه على ما أعطاني، ولا يقال: شـكرتُه على شـجاعته، ويكون بالقلب واللسان والجوارح، قال تبارك وتعالى: ﴿ٱعْمَلُوۤاْ آلَ دَاوُودَ شُكْراً﴾ سبأ 13.

فالشـكر هو الاعتراف بالإحسـان، تقول: شكرت الله وشكرت لله وشكرت نعمة الله، فأصل الشــكر عند العرب: ظهور أثر الغذاء في جسم الحيوان، ويُقال الشكور من الدواب الذي يكفيه العلف القليل، أو هو الذي يسمن من العلف القليل. ويُقال: اشـتكر الضرع أي: امتلأ لبناً. والشكر الزيادة والنماء. وهو عكس الكفر؛ فهو الثناء على الُمحسن بما أعطاه من معروف. وهو في الاصطلاح: ظهور أثر النعم الربانيّة على العبد في القلب إيماناً، وفي اللسان حمداً وثناءً، وفي الجوارح عبادةً وطاعةً.
وفي فضل الشكر ثبت في الأثر عن المغيرة بن شعبة (رض): قَامَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ حتَّى تَوَرَّمَتْ قَدَمَاهُ، فقِيلَ له: غَفَرَ اللَّهُ لكَ ما تَقَدَّمَ مِن ذَنْبِكَ وما تَأَخَّرَ، قالَ: "أفلا أكُونُ عَبْدًا شَكُورًا"*. وإنَّ الله سبحانه وتعالى أثنى في كتابه العزيز على أهل الشكر، ووصف أفضل خلقه بذلك، فقال عن نوح عليه السلام: ﴿إِنَّهُ كَانَ عَبْدًا شَكُورًاِ﴾. والله أنعم علينا بنعمه ظاهرة وباطنة لنشكره:
* أخرجه البخاري (4836)، ومسلم (2819).
- ﴿وَمِنْ رَحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ 73القصص،
- ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ يُرْسِلَ الرِّيَاحَ مُبَشِّرَاتٍ وَلِيُذِيقَكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ وَلِتَجْرِيَ الْفُلْكُ بِأَمْرِهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ٤٦الروم،
- ﴿وَمَا يَسْتَوِي الْبَحْرَانِ هَٰذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ سَائِغٌ شَرَابُهُ وَهَٰذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ ۖ وَمِنْ كُلٍّ تَأْكُلُونَ لَحْمًا طَرِيًّا وَتَسْتَخْرِجُونَ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا ۖ وَتَرَى الْفُلْكَ فِيهِ مَوَاخِرَ لِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ 12فاطر،
- ﴿وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ 78النحل.
وقد وعد سبحانه وتعالى الشاكرين من عباده بالأجر، فقال: ﴿وَسَنَجْزِي الشَّاكِرِينَ﴾ آل عمران 145، بل إنه تبارك اسمه أثنى على المحسن من عباده بشكره، فقال: ﴿وَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَإِنَّ اللَّهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ 158البقرة.

أما وقد بان لنا فضل الحمد والشكر، فإننا نحتاج لمعرفة الفرق بينهما:
- قالوا: إن الحمد هو الثناء بالقول على المحمود بصفاته اللازمة والمتعدية: اللازمة مثل العظمة، والمتعدية مثل الكرم والرزق والإنعام وما شابه ذلك يعني أنها تتعدى إلى المخلوقين. أما الشـكر فإنه الثناء باللسان والقلب والجوارح، ولا يكون إلا على الصفات المتعدية: تشكره على إحسانه وإنعامه وكرمه، باللسان بأن تذكر محاسـنه، وفي القلب بأن يكون فيه محبة المنعم واسـتحضار هذا الإنعام، وبالجوارح بتوظيفها للتقرب إليه .
- وقيل: الحمدُ هو الشكرُ بدليل قولهم: "الحمدُ لله شكراً".
- وقيل: بينهما عمومٌ وخصوصٌ مطلقٌ والحمدُ أعمُّ من الشكرِ،
- وقيل: الحمدُ الثناءُ عليه تعالى بأوصافه، والشكرُ الثناءُ عليه بأفعالِه، فالحامدُ قسمان: شاكرٌ ومُثْنٍ بالصفاتِ الجميلة.
- وقيل: الحمدُ مقلوبٌ من المدحِ، وليس بسديدٍ وإن كان منقولاً عن ثعلب، لأن المقلوبَ أقلُّ استعمالاً من المقلوب منه، وهذان مستويان في الاستعمال، فليس ادِّعاءُ قلبِ أحدِهما من الآخر أَوْلَى من العكس، فكانا مادتين مستقلتين، وأيضاً فإنه يَمْتنع إطلاقُ المدحِ حيث يجوزُ إطلاقُ الحمدِ، فإنه يقال: "حَمِدْتُ الله" ولا يقال مَدَحْته، ولو كان مقلوباً لَما امتنع ذلك. ولقائلٍ أن يقول: مَنَعَ من ذلك مانعٌ، وهو عَدَمُ الإِذْنِ في ذلك.
- وقيل: الحمدُ لله الثناء عليه بالفضيلة، وهو أخصُّ من المدحِ وأعمُّ من الشكر، يقال فيما يكونُ من الإِنسان باختياره وبما يكونُ منه وفيه بالتسخير، فقد يُمْدَحُ الإِنسان بطولِ قامتهِ وصَباحةِ وجههِ كما يُمْدَحُ ببذلِ مالِه وشجاعتهِ وعلمهِ، والحمدُ يكون في الثاني دونَ الأول، والشـكرُ لا يُقال إلا في مقابلةِ نعمة، فكلُّ شـكرٍ حَمْدٌ وليس كل حمدٍ شكراً، وكلُّ حَمْدٍ مَدْحٌ وليس كلُّ مَدْحٍ حمداً، ويقال: فلان محمود إذا حُمِد، ومُحْمَدٌ وُجد محموداً ومُحَمَّد كَثُرت خصالُه المحمودة، وأحْمَدُ أي: إنه يفوق غيرَه في الحمد.

ولنجمل الفرق بين الحمد والشكر:

1) الحمد يعبر عنه باللسان، بينما الشكر يعبر عنه باليد واللسان والقلب، يقول الشاعر:
أَفَادَتْكُمُ النَّعْمَــاءُ منِّى ثلاثةً ..... يَدِي ولِسَانِى والضَّمِيرَ المُحَجَّبَا
أي: لم يكن تعظيمي إياكم وافياً بحق عطائكم، ولكنني أردت من الاجتهاد في تعظيمكم مذهباً.
والعمل شكر، يقول تعالى ﴿اعْمَلُوا آلَ دَاوُدَ شُكْرًا﴾ سبأ 13، فالعمل للمنعم شـكر له، يقول الشاعر:
وشُكْرُ ذَوِي الإحْسـانِ بِالقَوْلِ تارَةً ..... وبِالقَلْبِ أُخْرى ثُمَّ بِالعَمَلِ الأسَنّى
وشُـــكْرِي لِرَبِّي لا بِقَلْبِي وطاعَتِي ..... ولا بِلِســانِي بَلْ بِهِ شُــكْرُهُ عَنّــا
2) الحمد يُطلقُ للثناء على المحمود بجميل ما فيه من صفات وأفعال ونعم، أمّا الشكر فهو ثناء بالنعم فقط. الحمد إذاً من هذا الوجه أعمّ من الشكر؛ فكلّ شكر يعد حمداً، وليس كلّ حمد يُعتَبر شكراً.
3) الحمد يكون على الصفات اللازمة مثل الشـجاعة، والمتعدية مثل الكرم، بينما الشـكر لا يكون إلا على الصفات المتعدية، فتقول شكرت فلاناً على عطائه، ولا يصح قول: شكرته على سمته، بل حمدته.
4) الحمد يأتي جزاء على نعمة انتفع بها الحامد، وقد يأتي ابتداء قبل الإنعام، بينما الشكر لا يكون إلا بعد الإنعام.
5) والشكر مثل الحمد يطالب به كل مسلم، على عكس المدح، فالشكر اعتراف للمنعم بالنعمة، في قوله: ﴿فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلَا تَكْفُرُونِ﴾ البقرة 152،جعل المولى جل جلاله الجحود قرين الكفر.

الفرق بين: الحمد والمدح:

لفظ المدح في اللسان العربي مأخوذ من مادة الفعل (م د ح) و«الميم والدال والحاء أصل صحيح يدل على وصف محاسن بكلام جميل، ومَدَحَهُ يَمْدَحُهُ مَدْحًا، ومثلها امْتَدَحَهُ امْتِداحًا بمعنى: أَثْنَى عَلَيْهِ، وقَرَّظَهُ، ضِدُّ هَجاهُ أَوْ ذَمَّهُ، وتَمَدَّحَ الرجل: تكلف أن يمدح، ورجلٌ مُمَدحٌ، أي: ممدوح جدًّا، والأمدوحة: المدح.
أما المعنى الاصطلاحي، فالمدح هو الثناء باللسان على الجميل الاختياري قصدًا، ولا يكون إلا على صفة في الممدوح كالتقوى والإيثار، ويخرج منه ما كان خارجًا عن إرادته كحسن المنظر. والمدح بمعنى عدَّ المآثر والمناقب يقابله الهجو بمعنى عدَّ المثالب، وفي الهجاء باب كبير في الشعر العربي منذ الجاهلية، اشتد أواره في العصر الأموي حتى صار غرضاً قائماً بذاته له فرسان ودواوين.

1) الحمد: ذكر محاسـن المحمـود مع حبـه وتعظيمـه وإجلالـه، وغياب شـرط "المحبة والتعظيم" يجعلـه مدحاً. فالمدح قد يصدر عمن لا يحب الممدوح. وقد رأينا في التاريخ الأدبي شعراء كثر مدحوا للكسب أو الخوف، بل إن منهم من هجا من مدحه حين قطع عنه مدده، والمتنبي مع كافور الإخشيدي خير دليل على هذا النهج.
2) لا يكون الحمد إلا للحيّ العاقل، وهو في جناب الله ثناء بالكمال في الذات والصفات والأفعال، مع المحبة والتعظيم. بينما المدح وهو الثناء وذكر المحاسـن من الصـفات والأعمال يكون للحي ولغير الحي، وللعاقل وغير العاقل، فقد يتوجه للجماد كاللؤلؤ واليواقيت الثمينة، أو الحيوان.
3) الحمد لا يكون إلا بعد الإحسان، فالحمد مضمن بالفعل. والمدح يكون بالفعل والصفة، مثل أن يمدح الرجل على فعله، أو أن يمدح لهيئته، ويمدح بصفات التعظيم من نحو قادر وعالم وحكيم، ولا يجوز أن يحمده على ذلك وإنما يحمده على إحسان يقع منه فقط.
4) الحمد لا يكون إلا لمن يستحقه لعمله أو صفاته. أما المدح فقد يكون لمن لا فضائل فيه، أو لا محاسن له. لذا ذم المدح، مثلما ذم الهجاء.
5) الحمد قول دال على أنه مختص بفضيلة من الفضائل معينة وهي فضيلة الإنعام إليك، وإلى غيرك، ولابـد أن يكون على جهة التفضيـل لا على التهكم والاسـتهزاء. أما المـدح فهو عبـارة عن القـول الـدال
على نوع من أنواع الفضائل باختيار الممدوح، وبغير اختياره.
6) الحمد نقيضه الذم، والمدح نقيضه الهجاء.






التوقيع

 
رد مع اقتباس
قديم 12-12-2021, 12:08 PM   رقم المشاركة : 16
معلومات العضو
عوني القرمة
طاقم الإشراف
 
إحصائية العضو






عوني القرمة متصل الآن


افتراضي رد: قراءات في الكتاب: ســـورة الفاتحــة

رجاء حذف هذه المشاركة لوجود أخطاء فيها لم أستطع حذفها.







التوقيع

 
رد مع اقتباس
قديم 12-12-2021, 12:10 PM   رقم المشاركة : 17
معلومات العضو
عوني القرمة
طاقم الإشراف
 
إحصائية العضو






عوني القرمة متصل الآن


افتراضي رد: قراءات في الكتاب: ســـورة الفاتحــة

﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ 2





﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ﴾:

لِمَ قال: ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ﴾ ولم يقل "أحمد الله":

1) التعريف بأل سواء كان للعهد، أي الحمد المعروف بينكم هو كله لله، أو للاستغراق، بمعنى أنه لا يخرج عنه شيء من أفراده أو أجناسه لغيره. واللام الداخلة على لفظ الجلالة لله للاستحقاق، والمعنى: الحمد كله بجميع أصنافه و أجناسه مستحق لله تبارك وتعالى دون سواه، حتى إن حوائجنا التي تُقضى على يد بعض الناس إنما الفضل فيها لله، هو الذي قدّر لها أن تقضى، وهو الذي سخرهم لقضائها لنا، فالفضل والمنة كلها لله. وهذا لا ينطبق على الجملة الفعلية: أحمد الله أو نحمد الله.
2) قول: ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ﴾ معناه الحمد والثناء حق لله وملكه، فهو حق يستحقه لذاته، بينما لو قال: احمد الله، لم يدل على كونه مستحقاً للحمد بذاته.
3) الحمد لله جملة إسمية، والجملة الإسمية تدل على الثبوت، بينما "أحمد الله" جملة فعلية.
4) والجملة الفعلية تدل على الحدوث والتجدد. ولو قال: أحمد الله أو احمدوا الله لارتبط الحمد بزمن معين، لأن الفعل مرتبط بزمن، إما مضارع فيدل على الحال مثل أَحْمدُ الله، أو الاستقبال في قولك آمراً: احمدوا الله، وإما ماض في قولك حمدت الله، فيكون المدح عندئذ له بداية ونهاية، غير أن عبارة: ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ﴾ تدل على الحمد المطلق غير المقيد بزمن معين أو فاعل معين، فالحمد مستمر غير منقطع.
5) قالوا: ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ﴾ خبرية بمعنى أن المستوجب للحمد هو الله، وإنشائية بتقدير محذوف بمعنى: قولوا الحمد لله.
6) من قال: "أحمد الله" كان قوله محتملاً للصدق والكذب، فلو قالها ولم يكن مستحضراً لمعنى الحمد في قلبه، كان كاذباً. أما من قال: ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ﴾ سواء كان مشتغلاً بمعنى التعظيم، أو لا، فقد قال حقاً، لأن الحمد حق لله وملك له. ونظيره قوله: "لا إله إلا الله" و "أشهد ألا إله إلا الله" إذ الأولى إقرار بحق واجب، والثانية إخبار يحتمل الصدق والكذب. ومثله قوله تعالى: ﴿إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ ۗ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ 1المنافقون، فالمنافقون قالوا حقاً، لكنه لم يتعد ألسنتهم إلى قلوبهم، لذلك نعتهم الله بالكذب.

لِمَ قال ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ﴾ ولم يقل "حمداً لله":

﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ﴾ معرفة بأل، وحمداً لله نكرة. والتعريف هنا إما أن يكون لتعريف العهد، وإما أن يكون لتعريف الجنس على سبيل الاستغراق، وشاهد معنى الاستغراق قوله صلى الله عليه وسلم: "اللهم لك الحمد كله" بمعنى أن الحمد كله لله، على سبيل الاستغراق والإحاطة، فلا يخرج عنه شيء لغيره، من أفراد الحمد أو أجناسه.

لِمَ قال ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ﴾ ولم يقل "إن الحمد لله":

حين قال: ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ﴾ جاءت الجملة خبرية وإنشائية معاً، أي: تحمل خبراً ولا تحتمل الحكم عليها بالصدق والكذب. بينما إن دخلتها "إنَّ" صارت خبراً يُصَدّق أو يُكَذّب، وهذا ما لا يجوز في حق المولى جل وعلا.

لِمَ قال ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ﴾ ولم يقل "لله الحمد":

"لله الحمد" تقال للتخصيص والحصر، والمقام لا يناسبه التخصيص، فالحمد في الدنيا قد يشمل غير الله، كأن تحمد شخصاً. على عكس: ﴿إِيَّاكَ نَعۡبُدُ وَإِيَّاكَ نَسۡتَعِينُ﴾ إذ أن الحصر والتخصيص لزم هنا فكان التقديم والتأخير لنفي العبادة والاستعانة عن غير الله.
وأما في قوله تعالى: ﴿فَلِلَّهِ الْحَمْدُ رَبِّ السَّمَاوَاتِ وَرَبِّ الْأَرْضِ رَبِّ الْعَالَمِينَ 36الجاثية، فقد لزم التأكيد على أن يخصص الحمد لمن يملك السموات والأرض والعالمين جميعاً.

لِمَ قال ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ﴾ ولَمْ يُضِف الحمد لغيره من أسمائه الحسنى:

- قال ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ﴾ ولم يقل: الحمد للقدير أو الخالق أو الحي أو سواها من أسمائه الحسنى، إذ لو قال ذلك لكان الحمد مستحقاً لهذا الاسم وحده دون سائر الأسماء، بينما جاءت إضافة الحمد لاسمه العلم ليكون الحمد مستحقاً لذاته ولصفاته، كل صفاته.
- لما جاء بعدها بـ ﴿إِيَّاكَ نَعۡبُدُ﴾ ناسب أن يأتي بالاسم المناسب للعبادة، فلفظ ﴿الله﴾ يعني الإله المعبود، وقد اقترن لفظ الجلالة ﴿الله﴾ بالعبادة في القرآن لأكثر من 50 موضعاً.

من لطائف ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ﴾:

- للحمد ثلاثة مقتضيات: أولها: معرفة المحمود، وثانيها: الرضى بما يعطي ويمنع، وثالثها: طاعته والتزام أوامره وتجنب نواهيه.
- الحمد لله بالثناء عليه بأسمائه وصفاته. وهي غاية لا يدركها البشر، يقول الشاعر:
إذا نحنُ أثْـنينا علَيـكَ بصــالحٍ ..... فأنْتَ كما نُثني وفوْقَ الذي نُثْني
- ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ﴾ ثمانية أحرف بعدد أبواب الجنة.
- اشتقاق أسماء الرسول صلى الله عليه وسلم من الحمد، فهو محمد وأحمد الحامد والمحمود، فنال منذ ولد شرف الانتساب للحمد.
- مَنّ الله على محمد صلى الله عليه وسلم بمقام لا يبلغه سواه، ووصف عطائه سبحانه له بالمحمود ﴿عَسَىٰ أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَّحْمُودًا﴾ الإسراء 79.
- إن ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ﴾، تجمعه آيتان:
1) آية الروم ﴿وَلَهُ الْحَمْدُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ 18﴾ كظرف مكاني،
2) وآية القصص ﴿لَهُ الْحَمْدُ فِي الْأُولَىٰ وَالْآخِرَةِ 70﴾ كظرف زماني.
- فاتحة الصلاة ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ﴾، وآخر كلام أهل الجنة ﴿ دَعْوَاهُمْ فِيهَا سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلَامٌ ج وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ يونس 10. قيل للجنيد: ما النهاية؟ قال: الرجوع إلى البداية.






 
رد مع اقتباس
قديم 17-12-2021, 12:27 PM   رقم المشاركة : 18
معلومات العضو
عوني القرمة
طاقم الإشراف
 
إحصائية العضو






عوني القرمة متصل الآن


افتراضي رد: قراءات في الكتاب: ســـورة الفاتحــة

﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ 2



﴿رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾:

الرَّبُّ صِفةٌ مشبهَةٌ للموصوف بالرُّبُوبِيَّةِ، فعْله ربَّ يربُّ ربوبية، أو ربَّى يربِّي تربية.
وهو الذي يُربي غيرَه ويُنشئه شيئًا فشيئًا، ويُطْلَقُ على المالِك والسَّيِّد والمدَّبِّرِ والمُرَبِّي والقيِّم والمُنْعِم والمُصْلِح والمَعْبُود، ومنه:
- بمعنى المعبود، نحو قول راشد بن عبد ربه السلمي:

أَرَبٌّ يبول الثُّعْلُبان برأسه ..... لقد هانَ مَنْ بالَتْ عليه الثعالبُ
- بمعنى التربية والإصلاح كما في رب الضيعة يربيها أي يتمها ويصلحها، ومنها: ﴿وَرَبَٰٓئِبُكُمُ ٱلَّٰتِى فِى حُجُورِكُم﴾ النساء 23. وقيل فيه ـ جل وعلا ـ: هو المُرَبِّي جميع عباده بالتدبيرِ وأصنافِ النِّعَمِ. ومن المتصوفة من يقول: "تربيتُه لأصْفيائِهِ بإصْلاحِ قلوبِهم وأرواحِهم وأخلاقِهم؛ ولهذا كَثُر دعاؤهم له بهذا الاسمِ الجليلِ، لأنهم يَطلبون منه هذه التربيةَ الخاصَّةَ"
- وقيل: إِنَّ الرَّبَّ المالِكُ، وقالوا: إن اسم العالَم يقع على جميع المكوناتِ، واحتجّوا بقوله: ﴿قَالَ فِرْعَوْنُ وَمَا رَبُّ الْعَالَمِينَ 23 قَالَ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ 24الشعراء.
- ويقال لمن قام بمصالح شيءٍ وإتمامِهِ: قد رَبَّه يربُّه فهو رَبٌّ، ومنه سُمِّي الرَّبَّانيُّون لقيامهم بالكتُبِ وإصلاح الناس بها، ومنه قول النابغة:
وَرَبَّ عَلَيْــهِ اللهُ أَحْسَنَ صُنْعِهِ ..... وَكَانَ لَهُ خَيْرُ البَرِيَّـةِ ناصرًا
وقيل: الرَّبَّانيِّ هو الذي يُعلمُ الناسَ بصِغارِ الأَمْرِ قَبْلَ كبارِه.
ورببْتُ الأديمَ: دهنتُه بالرُّبِّ قال:
فَإِنْ كُنْتِ مِنِّى أَوْ تُرِيدِينَ صُحْبَتِي ..... فَكُونِي لَهُ كَالسَّمْنِ رُبَّ لَهُ الأدمُ
وهو يرجعُ إلى معـنى الإصـلاح يُقال: رببتُ الزق بالرُبِّ، والربُّ السلافُ الخائر مِن كـلِّ الثمار، ويُقال مِن ذلك (رببت الزقَّ) بالقير إذا أصلحْته.
- وقيل بمعنى الصاحب، استدلالاً بقوله:
فَدَنا لَهُ رَبُّ الكِلابِ بِكَفِّهِ ..... بِيضٌ رِهافٌ رِيشُهُنَّ مُقَزَّعُ
والظاهرُ أنه هنا بمعنى المالك، فليس هو معنى زائداً، وقيل: يكون بمعنى الخالق.
- وبمعنى السيد المطاع، كما في قول لبيد:
وأَهْلكْنَ يومًا ربَّ كِنْدَة وابنَه ..... ورَبَّ مَعدٍّ، بين خَبْتٍ وعَرْعَرِ
يعني سيد كندة. ومنها قوله تعالى: ﴿أَمَّا أَحَدُكُمَا فَيَسْقِي رَبَّهُ خَمْرًا﴾ يوسف 41.
وفي: ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ 2 الفاتحة، جمع بين الخالق والمربي. وقيل: إن معنى الرَّبِّ هنا: السَّيِّدُ، وهذا لمن يرى أن ﴿الْعَالَمِينَ﴾ لفظ محصور في العاقلين؛ لأنه يصح أن يقال: سَيِّدُ النَّاسِ، ولا يصحُّ أن يُقالَ: سَيّدُ الشجرِ والجبالِ ونحوِها.
- وبمعنى المالك مثل: رب الدار، ورواية قول عبد المطلب: أنا رب الإبل وللبيت رب يحميه.
ولا يُطْلَقُ غيرَ مُضافٍ إلا على اللهِ تعالى، غير أنه أطلق في الجاهلية على المَلِك من الناس من غير قَيْدٍ، كقول الحارث بن حلزة:
وهو الربُّ والشهيدُ على يَوْ ..... مِ الحِيَارَيْنِ والبلاءُ بلاءُ
وهذا من كفرهم.
لكن المألوف أنه إذا أُطلقَ على غيرِ الله أُضِيفَ، كربِّ الإبل ورَبِّ الدارِ؛ أي: مالكها، ومن شواهد إطلاقه على السّيدِ المطاعِ قولُه تعالى: ﴿أَمَّا أَحَدُكُمَا فَيَسْقِي رَبَّهُ خَمْرًا﴾ يوسف 41، فإذا قيل: (الرب) دلت الألف واللام على معنى العموم، وإذا قيل لمخلوق: رب كذا ورب كذا نسب إلى شيء خاص لأنه لا يملك شيئاً غيره .
فوصْفُ الرَّبِّ في العربية يكُون لمن أنشَأ الشَّيْءَ حالًا فحالًا إلى حَدِّ التمامِ، أو قام على إصلاحِ شؤونِه وتولَّي أمرَهِ بانتظامٍ.
واختلف فيه: هل هو في الأصل وصفٌ أو مصدرٌ؟ فمنهم مَنْ قال: هو وصفٌ، ثم اختلف هؤلاء في وزنه:
- فقيل: هو على وزن فَعَل كقولك: نَمَّ يَنُمُّ فهو نَمٌّ،
- وقيل: وزنه فاعِل، وأصله رابٌّ، ثم حُذفت الألف لكثرةِ الاستعمال، كقولهم: رجل بارٌّ وبَرٌّ. ولِقائلٍ أن يقول: لا نُسَلِّم أنَّ بَرَّاً مأخوذٌ من بارّ بل هما صيغتان مستقلتان فلا ينبغي أن يُدَّعى أن ربَّاً أصله رابٌّ.
ومنهم من قال: هو مصدَر ربَّهُ يَرُبُّه رَبَّاً أي مَلَكَه، روي: "فواللهِ لَأَنْ يَرُبَّني رَجُلٌ من قُرَيشٍ أحَبُّ إليَّ من أن يَرُبَّني رَجُلٌ مِن هَوازِنَ"*، فهو مصدَرٌ في معنى الفاعل، نحو: رجل عَدْلٌ وصَوم، ولا يُطلق على غير الباري تعالى إلا بقيدِ إضافة، نحو قوله تعالى: ﴿ٱرْجِعْ إِلَىٰ رَبِّكَ﴾ يوسف 50. ويقولون: "هو ربُّ الدار وربُّ البعير".
* الراوي: عبدالرحمن بن جابر عن جابر.
المصدر: مشكل الآثار للطحاوي (حديث رقم 2157).
خلاصة حكم المحدث: إسناده حسن.

ومصدر رب يرب: الربوبية والرباية؛ فتقال الربوبية في حق الله عز وجل، وتقال: الرباية في حق غيره، ولا يصح أن تقال الربوبية لغير الله.
وقراءةُ الجمهور مجروراً على النعت لله أو البدل منه، وقُرئ منصوباً، بما دَلَّ عليه الحمدُ، تقديره: أَحْمَدُ ربِّ العالمين. وقُرئ مرفوعاً على القَطْعِ من التبعيَّة فيكون خبراً لمبتدأ محذوفٍ أي هو ربُّ.
و ﴿الْعَالَمِينَ﴾: خفضٌ بالإِضافـةِ، علامةُ خفضِه الياءُ لجريانه مَجْرى جمعِ المذكرِ السالمِ.
وأصل اللفظة من العلم، وهو إدراك الشيء بحقيقته. وذلك ضربان: أحدهما: إدراك ذات الشيء، ويتعدى إلى مفعول واحد، ومنه: ﴿لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ ۚ﴾ الأنفال 60. والثاني: الحكم على الشيء بوجود شيء هو موجود له، أو نفي شيء هو منفي عنه، ويتعدى إلى مفعولين، ومنه: ﴿فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍالممتحنة 10.
والعالم: اسم للفلك وما يحويه من الجواهر والأعراض، وهو في الأصل اسم لما يعلم به كالطابع والخاتم لما يطبع به ويختم به، وجعل بناؤه على هذه الصيغة لكونه كالآلة، والعالم آلة في الدلالة على صانعه، ولهذا أحالنا تعالى عليه في معرفة وحدانيته، فقال: ﴿أَوَلَمْ يَنْظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾ الأعراف 185، وأما جمعه فلأن من كل نوع من هذه قد يسمى عالماً، فيقال: عالم الإنسان، وعالم الماء، وعالم النار. وقيل: الإنس عالم، والجن عالم، والملائكة عالم. وقيل: معنى العالمِينَ:
- كل ما خَلق الله، كما قال: ﴿وَهُوَ رَبُّ كُلِّ شَيْءٍالأنعام 164.
- وقيل: كل ما احتواه بطنُ الفَلك هو من العالمين.
- كما قيل في التفرقة بين العالمين والعالم: العالَمُون: أصناف الخَلْق، والعالَمُ: الخَلْق كلُّه.
- وقيل في قوله تعالى: ﴿وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ﴾ البقرة 47، أراد عالمي زمانهم. وقيل: أراد فضلاء زمانهم الذين يجري كل واحد منهم مجرى كل عالم لما أعطاهم ومكنهم منه، وتسميتهم بذلك كتسمية إبراهيم عليه السلام بأمة في قوله: ﴿إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً﴾ النحل 120، وقوله: ﴿قَالُوا أَوَلَمْنَنْهَكَ عَنِ الْعَالَمِينَ﴾ الحجر 70.
- وقيل في تفسير: ﴿ٱلۡحَمۡدُ لِلَّهِ رَبِّ ٱلۡعَٰلَمِينَ ٢الفاتحة: رَبِّ الجن والإنس، والدليل قوله عز وجل: ﴿تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَىعَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا 1 الفرقان، وليس النبي صلى الله عليه وسلم، نذيراً للبهائم ولا للملائكة وهم كلهم خَلق الله، وإنما بُعث محمد، صلى الله عليه وسلم، نذيراً للجن والإنس.
وأما جمعه جمع السلامة فلكون الناس في جملتهم، والإنسان إذا شارك غيره في اللفظ غلب حكمه، وقيل: إنما جمع هذا الجمع لأنه عني به أصناف الخلائق من الملائكة والجن دون غيرها. وقيل: بل عني به الناس وجعل كل واحد منهم عالماً. وقيل: العالم عالمان: الكبير وهو الفلك بما فيه، والصغير وهو الإنسان لأنه مخلوق على هيئة العالم، وقد أوجد الله تعالى فيه كل ما هو موجود في العالم الكبير.
و"العالمون" اسـمُ جمع لأن واحدَه من غير لفظِه، ولا يجوز أن يكونَ جمعاً لعالَم، لأنَّ الصحيحَ في "عالَم" أنه يُطلَقُ على كلِّ موجودٍ سوى الباري تعالى، لاشتقاقِه من العَلامة بمعنى أنه دالٌّ على صانعه، وعالَمون بصيغة الجمع لا يُطلق إلا على العقلاء دونَ غيرهم، فاستحالَ أن يكونَ عالَمون جمع عالَم؛ لأن الجمع لا يكون أخصَّ من المفرد. وهذا نظيرُ ذكر أنَّ "أعراباً" ليس جمعاً لـِ "عَرَب" لأن عَرَباً يُطلق على البَدَويّ والقَرويّ، وأعراباً لا يُطلق إلاَّ على البدوي دون القروي.

حقيقةُ معنى الربوبية في القرآن الكريم:

الرَّبُّ ـ سبحانه وتعالى ـ هو المتكفِّلُ بخلْقِ الموجوداتِ وإنشائِها، والقائمُ على هدايتِها وإصلاحِها، وهو الذي نظَّمَ معيشتَها ودبَّر أمْرَهَا، ودليلُ هذا المعنى ما ورد في قوله تعالى: ﴿إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ 54الأعراف، فالربُّ سبحانه هو المتكفِّل بالخلائق أجمعين إيجادًا وإمدادًا ورعايةً وقيامًا على كلِّ نفسٍ بما كسبَتْ. يقول تعالى: ﴿أَفَمَنْ هُوَ قَائِمٌ عَلَى كُلِّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ﴾ الرعد 33.

والربوبية في القرآن تستند على رُكْنَين اثنين وَرَدَا في آياتٍ كثيرة:
1) إفرادُ اللهِ بالخلْقِ.
2) إفرادُه بالأَمْرِ وتدبير ما خلقَ.
ويمكن تبيين هذين الركنين من حوار موسى ـ عليه السلام ـ مع فرعون؛ إذ رد على سؤال فرعون: ﴿فَمَنْ رَبُّكُمَا يَا مُوسَى 49طه، فيقول: ﴿رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى 50 طه، فكانت إجابة كليم الله بإفراد الربوبية بتخليقِ الأشياء وتكوينها وإنشائها من العدم حيث أعطى كلَّ شيءٍ خلْقَهُ وكمالَ وجودِهِ، وفي إفرادُ اللهِ بتدبيرِ الأمْرِ في خلْقِهِ كهِدايتِهم، والقيام على شؤونِهم، وتصريفِ أحوالهم، والعنايةِ بهم؛ فهو سبحانه الذي تَوكَّل بالخلائق أجمعين.

ومن لطائف معنى الرب القول بأنه "المُبْلِغُ كلَّ ما أبدعَ حدَّ كمالِهِ الذي قدَّرَ له"، فهو يسلُّ النطفةَ من الصُّلبِ ثم يجعلُها علقةً، ثم العلقةَ مُضغةً، ثم يخلق المُضْغَةَ عظامًا، ثم يكسو العَظمَ لحمًا، ثم يخلقُ الرُّوحَ فِي البدَنِ، ويخرجُه خلقًا آخر، وهو صغيرٌ ضعيفٌ، فلا يزال يُنميه ويُنشيه حتى يجعلَهُ رجلًا، ويكونُ فِي بدءِ أمرِهِ شابًّا، ثم يجعلهُ كهلًا، ثم شيخًا وهكذا كلُّ شيءٍ خلقَهُ، فهو القائِمُ عليه، والمُبلِغُ إياه الحدَّ الذي وضَعَه له، وجعله نهايةً ومقدارًا له. وقس على ذلك فعله الجليل في كل الخلائق، فهو يرعى كل مخلوق مهما دق وصغر، ويتكفل برزقه.

وقد قِيلَ: إِنَّ الربَّ مُشْتَقٌّ مِن التربيةِ، فالله سبحانه مُدبِّرٌ لخلقِهِ ومُربِّيهم ومصلِحُهُم وجابِرُهم، القائِمُ بأمورِهم، قيومُ الدُّنيا والآخرةِ، كلُّ شَيءٍ خَلْقُه، وكلُّ مذكورٍ سِواه عَبْدُه، وهو سبحانه رَبُّه، لا يصلحُ إلا بتدبيرِهِ، ولا يقومُ إلا بأمرِهِ، ولا يربُّه سِـوَاه. ومِن هذا المعـنى قوله تعالى: ﴿وَرَبَائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ﴾ النساء 23، فسَمَّى وَلدَ الزَّوجةِ ربيبةً لتربيةِ الزوجِ لها.

إن الله سبحانه هو الملك والمالك جميعاً. هو المالك لأن كلُّ مخلوقٍ ملك له ـ تعالى ـ يؤمر بالخضوع له، رقاب كل العباد طوع لأمره، ملك له، ولا يملك أحد من أمره شيئاً، إلا بمشيئته وإرادته ـ تبارك وتعالى ـ وهو الملك لأن له وحده الحكم والأمر، وملوك الدنيا مملوكون له، رهن قَدَره. هو رَبُّ الأربابِ ومعبودُ العُبَّادِ، يَمْلكُ المالكَ والمَمْلوكَ وجميعَ العبادِ، وينفذ فيهم كلهم قضاؤه وأحكامه. وقد أورد لنا في كتابه المحكم مصائر من تألهوا بالسلطة مثل فرعون الذي قال: ﴿أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى﴾ النازعات 24، ﴿فَأَخَذَهُ اللَّهُ نَكَالَ الْآخِرَةِ وَالْأُولَى﴾ النازعات 25، أو قارون الذي تأله بالثروة فقال: ﴿إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَىٰ عِلْمٍ عِنْدِي ۚ﴾ القصص 78، أو صاحب الجنتين الذي أعماه فضل الله عليه فكفر: ﴿وَدَخَلَ جَنَّتَهُ وَهُوَ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ قَالَ مَا أَظُنُّ أَنْ تَبِيدَ هَٰذِهِ أَبَدًا 35 وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً وَلَئِنْ رُدِدْتُ إِلَىٰ رَبِّي لَأَجِدَنَّ خَيْرًا مِنْهَا مُنْقَلَبًا 36﴾ الكهف، فقوبل بالدرس الذي يستحقه: ﴿وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ فَأَصْبَحَ يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ عَلَىٰ مَا أَنْفَقَ فِيهَا وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَىٰ عُرُوشِهَا وَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُشْرِكْ بِرَبِّي أَحَدًا 42الكهف.

وُرُودُه فِي القرآنِ الكريمِ:

وَرَدَ هذا الاسمُ الجليل في القرآنِ مَرَّاتٍ عديدة، منها:
- قد وَرَدَ مفرداً، في نحو: ﴿قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَبْغِي رَبًّا وَهُوَ رَبُّ كُلِّ شَيْءٍ﴾ الأنعام 164، وهو هنا جاء بغير إضافة أو تعريف ﴿رَبًّا﴾ ، وجاء خبراً معرفاً بالإضافة: ﴿رَبُّ كُلِّ شَيْءٍ﴾.
- وورد في مقام التضرع والدعاء، في نحو: ﴿رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي فَغَفَرَ لَهُ﴾ القصص 16.
- كما ورد مضافاً بعض آياته الكونية، في: ﴿رَبُّ الْمَشْرِقَيْنِ وَرَبُّ الْمَغْرِبَيْنِ ﴾ الرحمن 17،
- وإلى ضمير المخاطبين، في نحو: ﴿لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبَائِكُمُ الْأَوَّلِينَ﴾ الدخان 8،
- وإلى ضمير الغائب، في نحو قوله: ﴿آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ﴾ البقرة 285.
- وإلى ﴿الْعَالَمِينَ﴾ في مواضع كثيرة، منها هذا الموضع، وقوله: ﴿قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ الأنعام 162.


لِمَ قال ﴿رَبِّ﴾ ولَمْ يختر غيرها من المفردات؟:


لأن كلمة ﴿رَبِّ﴾ تناسب ما بعدها من طلب الهداية إلى الصراط المستقيم، فالرب هو المربي، وأولى مهام الرب الهداية. وقد اقترنت الهداية بالرب كثيراً في القرآن الكريم:
- ﴿أُوْلَٰٓئِكَ عَلَىٰ هُدًى مِّن رَّبِّهِمْ وَأُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلْمُفْلِحُونَ﴾ البقرة 5،
- ﴿رَبَّنَا لا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا﴾ آل عمران 8،
- ﴿وَلَمَّا سَكَتَ عَنْ مُوسَى الْغَضَبُ أَخَذَ الأَلْوَاحَ وَفِي نُسْخَتِهَا هُدًى وَرَحْمَةٌ لِلَّذِينَ هُمْ لِرَبِّهِمْ يَرْهَبُونَ﴾ الأعراف 154،
- ﴿فَقَدْ جَاءَكُم بَيِّنَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ﴾ الأنعام 157،
- ﴿قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِمِنرَّبِّكَ بِالْحَقِّ لِيُثَبِّتَ الَّذِينَ آمَنُواوَهُدًى وَبُشْرَىٰ لِلْمُسْلِمِينَ﴾ النحل 102،
- ﴿نَّحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ نَبَأَهُم بِالْحَقِّ إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى﴾ الكهف 13،
- ﴿وَقُلْ عَسَى أَنْ يَهْدِيَنِي رَبِّي لأَقْرَبَ مِنْ هَذَارَشَدًا﴾ الكهف 24،
- ﴿ قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَىٰ كُلَّ شَيْءٍخَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى﴾ طه 50،
- ﴿وَقَالَ إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَى رَبِّي سَيَهْدِينِ ﴾ الصافات 99،
- ﴿هَٰذَا هُدًى وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ لَهُمْ عَذَابٌ مِّن رِّجْزٍ أَلِيمٌ﴾ الجاثية 11،
- ﴿يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ وَلَنْ نُشْرِكَ بِرَبِّنَا أَحَدًا ﴾ الجن 2،
- ﴿وَأَهْدِيَكَ إِلَىٰ رَبِّكَ فَتَخْشَىٰ﴾ النازعات 19.

من ثمراتُ الإيمان بهذا الاسمِ:

- اللهَ ـ سُبحانه ـ هو الربُّ على الحقيقةِ، فلا رَبَّ على الحقيقةِ سِواهُ وهو ربُّ الأربابِ ومالكُ المُلكِ، ومَلِكُ الملوكِ سبحانه وتعالى. وكلُّ ربٍّ سواه غيرُ خالقٍ ولا رازقٍ.

- اللهَ ـ سُبحانه ـ مدبِّرٌ لخلقِهِ ومُربِّيهم ومُصلحُهم وجابرُهُم والقائِمُ بأمورِهم، قيُّومُ الدُّنيا والآخرةِ، كلُّ شيءٍ خَلْقُه، وكلُّ مذكورٍ سِـوَاه عبدُهُ وهو ـ تعالى ـ رَبُّه، لا يصلحُ إلا بتدبيرِه، ولا يقومُ إلا بأمْرِهِ، ولا يَرُبُّه سِواهُ.
- كل مُرَّبٍ سواه تكون التربية بالنسبة له صفة فعل، بينما هي لله السيد صفةَ ذاتٍ.
- اللهَ ـ سُبحانه ـ يَرْعى العبادَ ويربيهم في أحوالِهم وأطوارهم المختلفةِ، ويقوم بشأن الخلائق جميعاً في وقت معاً؛ فلا يفتر ولا يكل تعالى عن ذلك.
- هو بالتعريف اسم علم لله، مثل: الله، والرحمن. لا تطلق هذه الأسماء المباركة إلا عليه وحده.
- وهو اسمٌ جامعٌ لجميعِ المخلوقاتِ؛ فهو ربُّ كلِّ شَيءٍ وخالِقُه، والقادِرُ عليه لا يخرجُ شيءٌ عن ربوبيتِهِ، وكلُّ مَنْ فِي السماواتِ والأرضِ عَبْدٌ له فِي قبضتِهِ، وتحتَ قَهْرِهِ، فاجتمعوا بصفةِ الربوبيةِ لا يشذ عنها مخلوق، وافترقوا بصفةِ الإلهيَّةِ: من ألهه نجا، ومن أشرك به أو كفره هلك. إن الدِّينُ والشَّرعُ، والأَمرُ والنَّهيُ مِن صِفَةِ الإِلهيَّةِ، والخَلْقُ والإيجادُ والتدبيرُ والفعلُ مِن صِفةِ الربوبيَّةِ، والجزاءُ بالثوابِ والعقابِ والجَنَّةِ والنَّارِ مِن صِفةِ المُلكِ، وهو مَلكُ يومِ الدِّينِ.
- إنَّ شُمولَ الرُّبوبيَّةِ وسَعتَها بحيثُ لا يخرجُ شيءٌ عنها تمثل أقصى معاني الرَّحمةِ؛ فمن رحمته التكفل بشـؤون كل خلقه، لا يغيب عنه ولا يعجزه شيء.
- كونِهِ ربًّا للعالمين يدلُّ على عُلُوِّهِ على خلْقِهِ وعلى كونهِ، فالله ﴿هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ﴾ الحج 62، لقمان 30.
- قد دعا الأنبياءُ والصالحون اللهَ سبحانه وتعالى بهذا الاسمِ وتَضَرَّعوا به إليه، لعلمهم أنه هو الذي يرتجى لأنه هو المربي والمدبر:
... ^ آدم وزوجه: ﴿قَالَا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ﴾ الأعراف 23.
... ^ ونوحٌ ـ عليه السلام ـ دعاه قائلاً: ﴿رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَنْ دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِنًا وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَلَا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلَّا تَبَارًا﴾ نوح 28 .
... ^ وإبراهيمُ وإسماعيلُ ـ عليهما السلام ـ قالا: ﴿رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ﴾ البقرة 127.
...^ وموسى ـ عليه السلام ـ: ﴿قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِأَخِي وَأَدْخِلْنَا فِي رَحْمَتِكَ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ﴾ الأعراف 151.
...^وعيسى ـ عليه السلام ـ قال: ﴿اللَّهُمَّ رَبَّنَا أَنْزِلْ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِنَ السَّمَاءِ ﴾ المائدة 114.
...^ ومحمد ـ عليه السلام ـ قال: ﴿يَارَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَٰذَا الْقُرْآنَ﴾ الفرقان 30.
- العالِمُ الرَّبانيُّ هو الذي يُحقِّقُ عِلْمَ الرُّبوبيةِ وربَّى النَّاسَ بالعلمِ على مقدارِ ما يحتمِلُوه، فبذَلَ لخواصِّهم جوهَرَهُ ومكنونَهُ، وبذل لعوامِّهم ما ينالون به فَضْلَ اللهِ ويُدركونه.

فضل رب العالمين:

الـ ﴿رَبِّ﴾ سبحانه وتعالى هو المربي، ومن يستحق هذا الوصف غير الله؟. كل ما في الكون شاهد على تربيته لخلقه. إذا نظرنا إلى الإنسان مذ كان نطفة نتجت عن التقاء نطفة الرجل ببويضة المرأة، ثم تُخّلق في رحمها علقة ثم مضغة ثم تُكسى بالعظام ثم يُنشأ خلقاً آخر، فتبارك الله أحسن الخالقين. والله يربي طعامه مذ كان صيباً يصب صباً، ثم تشق له الأرض شقاً، لتنبت فيها شتى صنوف النباتات متاعاً لكم ولأنعامكم. وهذا البدوي المتأمل فيما حوله يرى تربية الله للكون، فيذهب ببصره بداية إلى الناقة التي سخرها الله له: كيف خلقت بهذا الشكل البديع، وكيف رباها الله سبحانه لتتحمل قسوة الصحراء، وكيف تصبر عن الماء مع عظم خلقها وكبر جرمها ، وكيف جعلها تنهض بحملها وهي باركة، وتبرك حتى تُركب، وتنقاد للصبي الصغير رغم حجمها وقوتها. ثم يمتد بصره ليتأمل السماء كيف رفعها بدون عمد نراها، وإلى نجومها وكواكبها، كيف جعلها الله هادية له في ترحاله، ومضيئة له في حله، والشمس تضيء نهاره، والقمر ينير ليله، ويحسب له أيامه. ثم يهبط بصره على الجبال فيرى كيف جعلها الله أوتاداً تحفظ ميزان الأرض، وأودع له فيها سبحانه وتعالى من الماء والزرع ما ينتفع به هو وإبله. ثم ينظر إلى الأرض ليرى كيف بسطها الله ومهدها وأوجد له فيها من الرزق بشتى أنواعه ما يتخذه للقوت والزينة. وخلق لنا الأنعام والدواب لننتفع بها ومنها بالأكل والدفء والنقل ﴿وَيَخۡلُقُ مَا لَا تَعۡلَمُونَ﴾ النحل 8.

هذه بعض الشواهد على تربية الرب جل وعلا لخلقه، كل خلقه، والكون الواسع كله يشهد أنه هو الرب الذي خلق ورعى مخلوقاته، ولم يغب عنها مذ خلقت حتى يرثها.






 
رد مع اقتباس
قديم 26-12-2021, 12:21 PM   رقم المشاركة : 19
معلومات العضو
عوني القرمة
طاقم الإشراف
 
إحصائية العضو






عوني القرمة متصل الآن


افتراضي رد: قراءات في الكتاب: ســـورة الفاتحــة

﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ 2



لفظة "عَالم" في المصطلح الحديث:

لفظة "عَالم" جمع لا واحد له من لفظه كالأنام والرهط والجيش. وهو كل صنف من أصناف الخلق، يشتركون في صفات واحدة. و"عالم" تجمع على: عالَمين وعوالم. و"عوالم" على صيغة "فواعل" تكون جمعاً لغير العاقل من عالم، ويعامل معاملة التأنيث بصيغة "فاعلة"، فيقال فاطمة فواطم، صاعقة صواعق، عائلة عوائل، وشذ من ذلك فارس وفوارس، أو بصيغة "فاعل" فيقال قارض قوارض، قالب قوالب، خاتم خواتم.
بينما "عالمون" على صيغة "فاعلون". وصيغة فاعلين من "عالم" إنما هي للعاقل.
وهي تطلق في الاصطلاح الحديث على:
- عالم الحيوان، وعالم النبات،
- عالم السياسة، أي مجالها،
- العالم الجديد، ويقصد بها أميركا، والعالم القديم، وتقال لأوروبا وآسيا وأفريقيا،
- العالم العربي، والعالم الإسلامي،
- العالم السفلي، والمقصود به عالم الجريمة والرذيلة، أو عالم الشياطين،
- عالم الغيب، وهو ما لا تدركه الحواس، ويقابله عالم الشهادة.

ما المقصود بـ ﴿الْعَالَمِينَ﴾ في الآية؟:

قالوا:
- الإنس في زمن محدد، منه قوله تعالى: ﴿وَلَقَدْ آتَيْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ﴾ الجاثية 16، ولا شك في أن هذه الخيرية انقطعت لسببين:
1) لنكوصهم وارتدادهم عن أوامر الله سبحانه وتعالى، فكتب عليهم اللعنة، والتشريد في الأرض ﴿وَأَلْقَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَىٰ يَوْمِ الْقِيَامَةِ ۚ كُلَّمَا أَوْقَدُوا نَارًا لِّلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللَّهُ ۚ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا ۚ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ﴾ المائدة 64.
2) برسالة محمد صلى الله عليه وسلم وإلى قيام الساعة، لقوله تعالى: ﴿كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ﴾ آل عمران 110، فانتقلت الخيرية أو التفضيل لأمة آخر الزمان.
- الإنس وحدهم في: ﴿أَتَأْتُونَ الذُّكْرَانَ مِنَ الْعَالَمِينَ﴾ الشعراء 165، والواضح أن مقصود الخطاب هنا للبشر وحدهم.
- الإنس والجن في: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ﴾ الأنبياء 107.
- وحوار موسى (ع) مع فرعون - على ما نرى - لا يتعلق باصطلاح "العالمين": ﴿قَالَ فِرْعَوْنُ وَمَا رَبُّ الْعَالَمِين 23قَالَ رَبُّ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا إنْ كُنتُمْ مُوقِنِينَ 24قَالَ لِمَنْ حَوْلَهُ أَلا تَسْتَمِعُونَ 25 قَالَ رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبَائِكُمُ الأَوَّلِينَ 26 قَالَ إِنَّ رَسُولَكُمُ الَّذِي أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ 27 قَالَ رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَمَا بَيْنَهُمَا إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ 28الشعراء. فجمع موسى (ع) بهذا الوصف ربوبية:
1) المكان: ﴿رَبُّ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا﴾،
2) والزمان: ﴿رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبَائِكُمُ الأَوَّلِينَ﴾،
3) والتصريف والتسخير للكون: رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَمَا بَيْنَهُمَا.
كان سؤال فرعون عن ماهية الرب، وجاء وصف موسى (ع) لآثاره وخواصه وأفعاله. والله سبحانه وتعالى هو خالق ومالك الدنيا والآخرة، بكل ما فيهما ومن فيهما. فكان دفاع فرعون وسخريته ليوحي بأن لله الخلق، وليست له الحاكمية. فرعون لم ينكر وجود الله، والشاهد قول موسى (ع) له: ﴿قَالَ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا أَنزَلَ هَـؤُلاء إِلاَّ رَبُّ ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَٱلأَرْضَ﴾ الإسراء 102.
لفظ ﴿الْعَالَمِينَ﴾ في الغالب إذاً يأتي في القرآن الكريم بمعنيين: معنى عام ، ومعنى خاص.
- أما المعنى الخاص فيكون لأهل قرن، لقوله تعالى لبني إسرائيل: ﴿وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ﴾ البقرة 47، أي بتفضيل أسلاف بني إسرائيل على أهل الأرض في زمانهم.
- وأما المعنى العام، فمثل قوله تعالى: ﴿إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكاً وَهُدًى لِّلْعَالَمِينَ﴾ آل عمران 96، لتشمل كل البشر على كل العصور. أما قوله تعالى: ﴿تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيراً﴾ الفرقان 1، الذي يستشهد به على شمول الإنس والجن في لفظة العالمين، فهو استشهاد جدير بالاعتبار، لأن الرسول صلى الله عليه وسلم بُعِثَ للثقلين.

مواضع ورود ﴿الحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِينَ في القرآن الكريم:

وردت ﴿الحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِينَ﴾ كاملة في القرآن الكريم في ستة مواضع:
1) في أول فاتحة الكتاب بعد البسملة: ﴿الحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِينَ 2﴾.
2) في الأنعام في وصف نهاية الظالمين: ﴿فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ 44 فَقُطِعَ دَابِرُ القَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَالحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِينَ 45﴾.
3) يونس في آخر دعاء أهل الجنة: ﴿وَآَخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِينَ 10﴾.
4) في آخر سورة الصافات بعد الحديث عن الكون وما يضم إلى قيام الساعة انتهاء الحياة: ﴿سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ العِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ 180 وَسَلَامٌ عَلَى المُرْسَلِينَ 181 وَالحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِينَ 182﴾.
5) في آخر سورة الزمر بدأ دعاء أهل الجنة بالحمد، واختتم بالحمد: ﴿وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا الْأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشَاءُ ۖ فَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ 74 وَتَرَى المَلَائِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ العَرْشِ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالحَقِّ وَقِيلَ الحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِينَ 75﴾.
6) في سورة غافر تعليم للمؤمنين بدعوة الله الذي أتم عليهم النعم: ﴿اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ قَرَارًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ ۚ ذَٰلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ ۖ فَتَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ 64 هُوَ الحَيُّ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ الحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِينَ 65

وكأن ﴿الحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِينَ﴾ تقال في البدء، وبدء الدعاء، وفي شكر الله على نعمه، وفي الختام في المشهد، وفي الجنة. هو ـ على كل الأحوال ـ دعاء البدايات والنهايات.






 
رد مع اقتباس
قديم 02-01-2022, 12:41 PM   رقم المشاركة : 20
معلومات العضو
عوني القرمة
طاقم الإشراف
 
إحصائية العضو






عوني القرمة متصل الآن


افتراضي رد: قراءات في الكتاب: ســـورة الفاتحــة

﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ 2



حول مضمون الآية:


إن افتتاح كل كلام مهم بالتحميد سنة الكتاب المجيد؛ فسورة الفاتحة بما تقرر مُنَزَّلَةٌ من القرآن مَنْزلَة الديباجة للكتاب أو المقدمة للخطبة، وهذا الأسلوب له شأن عظيم في صناعة الأدب العربي وهو أعون للفهم وأدعى للوعي. وقد رسم أسلوب الفاتحة للمنشئين ثلاث قواعد للمقدمة:
- القاعدة الأولى: إيجاز المقدمة لئلا تمل نفوس السامعين بطول انتظار المقصود وهو ظاهر في الفاتحة، وليكون سنة للخطباء فلا يطيلوا المقدمة كي لا ينسَبوا إلى العِي فإنه بمقدار ما تطال المقدمة يقصر الغرض، ومن هذا يظهر وجه وضعها قبل السور الطوال مع أنها سورة قصيرة.
- القاعدة الثانية: أن تشير إلى الغرض المقصود وهو ما يسمى براعة الاستهلال لأن ذلك يهييء السامعين لسماع تفصيل ما سيرد عليهم فيتأهبوا لتلقيه إن كانوا من أهل التلقي فحسب، أو لنقده وإكماله إن كانوا في تلك الدرجة، ولأن ذلك يدل على تمكن الخطيب من الغرض وثقته بسداد رأيه فيه بحيث ينبه السامعين لوعيه، وفيه سنة للخطباء ليحيطوا بأغراض كلامهم. وقد تقدم بيان اشتمال الفاتحة على هذا عند الكلام على وجه تسميتها أم القرآن.
- القاعدة الثالثة: أن تكون المقدمة من جوامع الكلم وقد بين ذلك علماء البيان عند ذكرهم المواضع التي ينبغي للمتكلم أن يتأنق فيها.

إن القرآن هدى للناس وتبياناً للأحكام التي بها إصلاح الناس في عاجلهم وآجلهم ومعاشهم ومعادهم. ولما لم يكن لنفوس الأمة اعتياد بذلك لزم أن يُهَيَّأَ المخاطبون بها إلى تلقيها، ويعرف تهيؤهم بإظهارهم استعداد النفوس بالتخلي عن كل ما من شأنه أن يعوق عن الانتفاع بهذه التعاليم النافعة، وذلك بأن يجردوا نفوسهم عن العناد والمكابرة، وعن خلط معارفهم بالأغلاط الفاقرة، فلا مناص لها قبل استقبال تلك الحكمة والنظر من الاتسام بميسم الفضيلة والتخلية عن السفاسف الرذيلة.

فالفاتحة تضمنت مناجاة للخالق جامعة التنزه عن التعطيل والإلحاد والدهرية بما تضمنه قوله: ﴿مَلِكِ يَوْمِ الدِّينِ﴾، وعن الإشراك بما تضمنه: ﴿إيّاكَ نَعْبُدُ وإيّاكَ نَسْتَعِينُ﴾، وعن المكابرة والعناد بما تضمنه: ﴿اهْدِنا الصِّراطَ المُسْتَقِيمَ صِراطَ الَّذِينَ أنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ﴾ فإن طلب الهداية اعتراف بالاحتياج إلى العلم، ووصف الصراط بالمستقيم اعتراف بأن من العلم ما هو حق ومنه ما هو مشوب بشُبه وغلط، ومَن اعترف بهذين الأمرين فقد أعد نفسه لاتباع أحسنهما، وعن الضلالات التي تعتري العلوم الصحيحة والشرائع الحقة فتذهب بفائدتها وتنزل صاحبها إلى دَركةٍ أقل مما وقف عنده الجاهل البسيط، وذلك بما تضمنه قوله: ﴿غَيْرِ المَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ ولا الضّالِّينَ﴾ كما أجملناه قريباً، ولأجل هذا سميت هاته السورة أم القرآن كما تقدم. ولما لُقِّن المؤمنون هذه المناجاة البديعة التي لا يهتدي إلى الإحاطة بها في كلامه غير علام الغيوب سبحانه، قدم الحمد عليها ليضعه المناجون كذلك في مناجاتهم جرياً على طريقة بلغاء العرب عند مخاطبة العظماء أن يفتتحوا خطابهم إياهم وطلبتهم بالثناء والذكر الجميل. قال أمية ابن أبي الصلت يمدح عبد الله بن جُدْعان:

أأذْكُرُ حاجَتِي أمْ قَدْ كَفانِـي ..... حَياؤُكَ إنَّ شِيمَتَكَ الحَياءُ
إذا أثْنى عَلَيْكَ المَرْءُ يَوْمًا ..... كَفـاهُ عَنْ تَعَرُّضِهِ الثَّنـاءُ
فكان افتتاح الكلام بالتحميد سنة الكتاب المجيد لكل بليغ مُجيد، فلم يزل المسلمون من يومئذٍ يُلقِّبُون كل كلام نفيس لم يشتمل في طالعه على الحمد بالأبتر. وقد لُقبت خطبة زياد ابن أبيه التي خطبها بالبصرة بالبتراء لأنه لم يفتتحها بالحمد، وكانت سورة الفاتحة لذلك منزَّلة من القرآن منزلة الديباجة للكتاب أو المقدمة للخطبة، ولذلك شأن مهم في صناعة الإنشاء فإن تقديم المقدمة بين يدي المقصود أعون للأَفهام وأدعى لوعيها.

والحمد على التعريف المشهور بين العلماء هو الثناء على الجميل أي الوصف الجميل الاختياري فِعْلاً كان كالكرم وإغاثة الملهوف أم غيره كالشجاعة، وسواء أسدى هذا الجميل إلى الحامد أم لا. إلا أنّه قد يُحمد غير الفاعل المختار تنزيلاً له منزلة الفاعل في نفعه، ومنه: إنّما يحمد السوق مَنْ ربح. وهذا هو المتبادر من استعمال اللغة.
وقد جعلوا الثناء جنساً للحمد فهو أعم منه ولا يكون ضده. إن الثناء: الذكر بخير مطلقاً، على أن توجيه الثناء إلى الله تعالى بمادة "حمد" هو أقصى ما تسمى به اللغة الموضوعة لأداء المعاني المتعارفة لدى أهل تلك اللغة. والظاهر أنّ الحمد على الفضائل وصفات الكمال إنّما يكون باعتبار ما يترتّب عليها من الأفعال الاختياريّة وما عدا هذا من الثناء تسمّيه العرب مدحاً؛ فيقال: مدح الرياض ومدح المال ومدح الجمال ولا يطلق الحمد على مثل هذه الأشياء. وهما ليسا مترادفين كقول البعض.
وقد يقال: إنّ ما ذُكر هو الحمد الذي يكون من بعض الناس لبعض، وأمّا الله عزّ وجلّ فإنه يحمد لذاته باعتبار أنّها مصدر جميع الوجود الممكن وما فيه من الخيرات والنعم، أو مطلقاً خصوصيّة له، إذ ليست ذات أحد من الخلق كذاته. ويحمد لصفاته باعتبار تعلّقها وآثارها كما سترى بيانه في تفسير الربّ والرحمن والرحيم.

وقد اختلف العلماء في أن جملة: ﴿الحَمْدُ لِلَّهِ﴾ هل هي إخبار عن ثبوت ﴿الحَمْدُ لِلَّهِ﴾ أو هي إنشاء ثناء عليه. والحق أن الحمد لله خبر مستعمل في الإنشاء؛ فالقصد هو الإنشائية لا محالة، وعدل إلى الخبرية لتحمل جملة الحمد من الخصوصيات ما يناسب جلالة المحمود بها من الدلالة على الدوام والثبات والاستغراق والاختصاص والاهتمام، وشيءٌ من ذلك لا يمكن حصوله بصيغةِ إنشاءٍ نحو حمداً لله أو أحمد الله حمداً ومما يدل على اعتبار العرب إياها إنشاء لا خبراً قول ذي الرمة:
ولَمّا جَرَتْ في الجَزْلِ جَرْيًا كَأنَّهُ ..... سَنا الفَجْرِ أحْدَثْنا لِخالِقِها شُكْرا
فعبر عن ذكر لفظ الحمد أو الشكر بالإحداث، والإحداث يرادف الإنشاء لغة فقوله أحدثنا خبر حكى به ما عبر عنه بالإحداث وهو حَمْده الواقع حين التهابها في الحطب

والله هو اسم الذاتِ الواجبِ الوجود المستحق لجميع المحامد. ولا شك أن اسمه تعالى تقرر في لغة العرب قبل دخول الإشراك فيهم فكان أصل وضعه دالاً على انفراده بالألوهية إذ لا إلٰه غيره، فلذلك صار علماً عليه، وليس ذلك من قبيل العَلَم بالغلبة بل من قبيل العَلَم بالانحصار، فاجتمع فيه كونه اسمَ جنس وكونه علماً. ولا نعلم أن العرب أطلقوا الإلٰه معرَّفاً باللام مفرداً على أحد أصنامهم، بل كانوا يضيفون، فيقولون إلاه بني فلان. والأغلب أنهم جاءوا بلفظ "إله" فحذفوا الهمزة من الإلٰه لكثرة استعمال هذا اللفظ عند الدلالة عليه تعالى كما حذفوا همزة الأناس فقالوا النَّاس ولذلك أظهروها في بعض الكلام. قال البَعِيث بن حُرَيث:
مَعاذَ الإلَهِ أنْ تَكُونَ كَظَبْيَةٍ ..... ولا دُمْيَةٍ ولا عَقِيلَةِ رَبْرَبٍ
كما أظهروا همزة الأناس في قول عَبيد بن الأبرص الأسدي:
إنَّ المَنايا لَيَطَّلِعْـ ..... نَ عَلى الأُناسِ الآمِنِينَ
ونُزِّل هذا اللفظ في طوره الثالث بإضافة ال التعريف.

وقوله تعالى: ﴿رَبِّ ٱلْعَالَمِينَ﴾ يُشعِر هذا الوصف ببيان وجه الثناء المطلق. إن: ﴿رَبِّ ٱلْعَـٰلَمِينَ﴾ وصف لاسم الجلالة فإنه بعد أن أسند الحمد لاسم ذاته تعالى تنبيهاً على الاستحقاق الذاتي، عَقَّبَ بالوصف وهو الرب ليكون الحمد متعلقاً به أيضاً لأن وصف المتعلَّق متعلَّق أيضاً، فلذلك لم يقل: "الحمد لرب العالمين" كما قال: ﴿يَوْمَ يَقُومُ النّاسُ لِرَبِّ العالَمِينَ﴾ المطففين 6 ليؤذن باستحقاقه الوصفي أيضاً للحمد كما استحقه بذاته. وقد أجرى عليه أربعة أوصاف هي رب العالمين، الرحمٰن، الرحيم، مالك يوم الدين، للإيذان بالاستحقاق الوصفي فإن ذكر هذه الأسماء المشعرة بالصفات يؤذن بقصد ملاحظة معانيها الأصلية، وهذا من المستفادات من الكلام بطريق الاستتباع.

والرب إما مصدر وإما صفة مشبهة على وزن فَعْل مِنْ رَبَّه يَرُبُّه بمعنى رباه وهو رَب بمعنى مُرَبٍّ وسائس وهذا هو الأظهر لا من ربه بمعنى ملكه. والتربية تبليغ الشيء إلى كماله تدريجاً، ويجوز أن يكون من ربه بمعنى ملَكَه، فإن كان مصدراً على الوجهين فالوصف به للمبالغة، وهو ظاهر، وإن كان صفة مشبهة على الوجهين فهي واردة على القليل في أوزان الصفة المشبهة فإنها لا تكون على فَعْل من فعَل يفعُل إلا قليلاً، من ذلك قولهم: نمّ الحديث ينُمُّه فهو نَمٌّ للحديث. وهو ـ تعالى ـ مدبر الخلائق وسائس أمورها ومبلغها غاية كمالها. أما لو حمل على معنى المالك لكان قوله بعد ذلك: ﴿مَلِكِ يَوْمِ الدِّينِ﴾ كالتأكيد، والتأكيد خلاف الأصل ولا داعي إِليه هنا، إلا أن يجاب بأن العالمين لا يشمل إلا عوالم الدنيا، فيحتاج إلى بيان أنه ملك الآخرة كما أنه ملك الدنيا، وليست دلالة العالمين ـ عندنا ـ منحصرة في عوالم الدنيا. إلا أن الأكثر في كلام العرب ورود الرب بمعنى الملك والسيد. لكن ما يجدر الانتباه إليه أن كلا الاستعمالين شهير حقيقي أو مجازي. والعرب لم تكن تخص لفظ الرب به تعالى لا مطلقاً ولا مقيداً. قال الحرث بن حلزة:
وهُوَ الرَّبُّ والشَّهِيدُ عَلى يَوْ ..... مِ الحِيارَيْنِ والبَلاءُ بَلاءُ
يعني عَمْرو بن هند. وقال النابغة في النعمان بن الحارث:
تَخُبُّ إلى النُّعْمانِ حَتّى تَنالَهُ ..... فِدًى لَكَ مِن رَبٍّ طَرِيفِي وتالِدِي
وقال في النعمان بن المنذر حين مرض:
ورَبٌّ عَلَيْهِ اللَّهُ أحْسَنَ صُنْعَهُ ..... وكانَ لَهُ عَلى البَرِيَّةِ ناصِرا
وقد جانب الصواب من ظن أن الرب لم يطلق على غير الله إلا مقيداً، وقد مثلنا بخلافه. أما إطلاقه على كل من آلهتهم فلا مرية فيه كما قال غاوي بن ظالم أو عباس بن مرداس:
أرَبٌّ يَبُولُ الثُّعْلُبانُ بِرَأْسِهِ ..... لَقَدْ هانَ مَن بالَتْ عَلَيْهِ الثَّعالِبُ
وسموا العزى الرَّبة، وجمْعه على أرباب أدل دليل على إطلاقه على متعدد. وأما إطلاقه مضافاً أو متعلقاً بخاص فظاهر وروده بكثرة نحو: رب الدار ورب الفرس ورب بني فلان. وقد ورد الإطلاق في الإسلام أيضاً حين حكى عن يوسف ـ عليه السلام ـ قوله: ﴿إنَّهُ رَبِّي أحْسَنَ مَثْوايَ﴾ يوسف 23 إذا كان الضمير راجعاً إلى العزيز، وكذا قوله: ﴿أأرْبابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ﴾ يوسف 39 فهذا إطلاق للرب مضافاً وغير مضاف على غير الله ـ تعالى ـ في القرآن، ولو لم يصح التعبير بهذا اللفظ عن المعنى الذي عبر به يوسف ـ عليه السلام ـ لكان في غيره من ألفاظ العربية مَعْدَل.

و ﴿ٱلۡعَٰلَمِينَ﴾ جمع عالم. قالوا: ولم يجمع فاعَلٌ هذا الجمع إلا في لفظين عالَم وياسم، اسم للزهر المعروف بالياسمين، قيل جمعوه على يَاسَمُون وياسَمِين قال الأعشى:
وقابَلَنا الجُلُّ والياسَمُـ ..... ونَ والمُسْمِعاتُ وقَصّابُها
والعالم الجنس من أجناس الموجودات، وقد بنته العرب على وزن فاعَل (بفتح العين) مشتقاً من العِلْم أو من العلامة لأن كل جنس له تميز عن غيره فهو له علامة، أو هو سببُ العلم به فلا يختلط بغيره. وهذا البناء مختص بالدلالة على الآلة غالباً كخاتم وقالب وطابع فجعلوا العوالم لكونها كالآلة للعلم بالصانع، أو العلم بالحقائق.
وقد قيل: لفظة ﴿ٱلۡعَٰلَمِينَ﴾ جمع عالم (بفتح اللام) جُمع جمع المذكّر العاقل تغليباً وأُريد به جميع الكائنات الممكنة، أي أنّه ربّ كلّ ما يدخل في مفهوم لفظ العالم. وما جمعت العرب لفظ العالم هذا الجمع إلاَّ لأنّ هذا اللفظ لا يطلق عندهم على كلّ كائن وموجود، كالحجر والتراب، وإنّما يطلقونه على كلّ جملة متمايزة لأفرادها صفات تقرّبها من العاقل الذي جمعت جمعه إنْ لم تكن منه فيقال: عالم الإنسان وعالم الحيوان وعالم النبات. ونحن نرى أنّ هذه الأشياء هي التي يظهر فيها معنى التربية الذي يعطيه لفظ "ربّ" في المعنى الذي نأخذ به، لأنّ فيها مبدأها وهو: الحياة والتغذّي والتولّد، وهذا ظاهر في الحيوان.
والعالم لا يطلق بالإفراد إلا مضافاً لنوع يخصصه، كما مثلنا بعالم الإنس أو الحيوان أو النبات، وليس اسماً لمجموع ما سواه تعالى بحيث لا يكون له إجراء فيمتنع جمعه. ولا يوجد في كلام العرب إطلاق عالم على مجموع ما سوى الله تعالى، وإنما أطلقه على هذا علماء الكلام في قولهم العالم حادث فهو من المصطلحات. والتعريف فيه للاستغراق لجميع الأفراد، فاستغراقه استغراق الأجناس الصادق هو عليها لا محالة. وإنما جمع العالم ولم يُؤت به مفرداً لأن الجمع قرينة على الاستغراق، لأنه لو أُفرد لتوهم أن المراد من التعريف العهد أو الجنس فكان الجمع تنصيصاً على الاستغراق، وهذه سنة الجموع مع ال الاستغراقية على التحقيق.

إنّ بعض العلماء قال: إنّ المراد بالعالمين هنا:
- أهل العلم والإدراك من الملائكة والإنس والجن،
- وقال آخرون: إنّ المراد به الناس فقط، بدليل استعمال القرآن في مثل: ﴿أَتَأْتُونَ ٱلذُّكْرَانَ مِنَ ٱلْعَالَمِينَ﴾ الشعراء 165 أي الناس ومثل: ﴿لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيراً﴾ الفرقان 1.
- العالم اسم لأصناف الأمم، وكل صنف منها عالَمٌ، وأهل كل قَرْن من كل صنف منها عالم ذلك القرن وذلك الزمان. فالإنس عالَم، وكل أهل زمان منهم عالمُ ذلك الزمان. والجنُّ عالم، وكذلك سائر أجناس الخلق، كلّ جنس منها عالمُ زمانه. ولذلك جُمع فقيل: عالمون، وواحده جمعٌ، لكون عالم كلّ زمان من ذلك عالم ذلك الزمان. ومن ذلك قول العجاج:
فَخِنْدِفٌ هامَةُ هَذَا العَالَمِ
فجعلهم عالمَ زمانه.
- وهناك من قال أن المراد من ذلك الملائكة.
- ومن قال: يعمّ جميع أجناس المخلوقات سوى الله تعالى يرى أنّه مشتقّ من العلامة، وربوبيّة الله للناس تظهر بتربيته إياهم، وهذه التربية قسمان: تربية خَلقيّة؛ بما يكون به نموّهم وكمال أبدانهم وقواهم النفسيّة والعقليّة، وتربية شرعيّة تعليميّة: وهي ما يوحيه إلى أفراد منهم ليكمّل به فطرتهم بالعلم والعمل إذا اهتدوا به. فليس لغير ربّ الناس أن يشرّع للناس عبادة ولا أن يحرّم عليهم ويحلّ لهم من عند نفسه بغير إذن منه تعالى. هذا التوسع في التعريف أدخل في العالمين الأفلاك والكواكب وأصناف المعادن والأحجار والنبات والثمار والحيوانات والطيور والحشرات، وقيل: ينتهي عمر الإنسان قبل أن يعد نزراً من عوالم الله، وهو ما عبر عنه القرآن الكريم في آية لقمان: ﴿وَلَوْ أَنَّ مَّا فِى الأرض مِن شَجَرَةٍ أَقْلاَمٌ والبحر يَمُدُّهُ مِن بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَّا نَفِدَتْ كلمات الله﴾ 27.

إن لفظة ﴿ٱلۡعَٰلَمِينَ﴾ ذُكرت أكثر من ستين مرة في التنزيل الحكيم، وردت في بعضها عامة، وفي بعضها الآخر مقيدة أو مخصصة. من ذلك قوله تعالى: ﴿يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُواْ نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ 47البقرة، وبديهي أن المقصود تفضيلهم على أهل زمانهم.

وقوله: ﴿وَآتَاكُم مَّا لَمْ يُؤْتِ أَحَداً مِّن الْعَالَمِينَ﴾ المائدة 20، فيه من على بني إسرائيل بجعلهم ملوكاً وجعل فيهم أنبياء وآتاهم من الخير ما لم يؤت غيرهم من معاصريهم، وقوله: ﴿أَحَداً﴾ للعاقل، ليتبين أن العالمين هنا هم العاقلون من البشر.
وكذلك قوله: ﴿وَإِذْ قَالَتِ الْمَلاَئِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللّهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاء الْعَالَمِينَ﴾ آل عمران 42، يفهم منه تفضيلها على نساء زمانها.
وقوله: ﴿إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكاً وَهُدًى لِّلْعَالَمِينَ﴾ آل عمران 96، جعل البيت هدى للبشر في كل المجتمعات والأمم.
وإذا كان العطف يقتضي المغايرة، فقوله تعالى: ﴿فَلِلَّهِ الْحَمْدُ رَبِّ السَّمَاوَاتِ وَرَبِّ الْأَرْضِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ الجاثية 36، يعني أن العالمين شيء آخر غير السماوات والأرض.
كما يتضح من قوله تعالى: ﴿فَإِنِّي أُعَذِّبُهُ عَذَابًا لَا أُعَذِّبُهُ أَحَدًا مِنَ الْعَالَمِينَ﴾ المائدة 115، على قصر اللفظة على البشر، فغيرهم من الكائنات والمخلوقات ليست مكلفة لتحاسب.






 
رد مع اقتباس
قديم 08-01-2022, 01:39 PM   رقم المشاركة : 21
معلومات العضو
عوني القرمة
طاقم الإشراف
 
إحصائية العضو






عوني القرمة متصل الآن


افتراضي رد: قراءات في الكتاب: ســـورة الفاتحــة

﴿الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ 3






﴿الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ:

نَعْتٌ أوْ بَدَلٌ - وقرئا منصوبين، ومَرْفُوعَيْنِ.
ومن أوجز ما قيل في التفرقة بينهما:
- الرحمن عام المعنى خاص اللفظ والرحيم عام اللفظ خاص المعنى.
- الرحمن: دالّ على الصفة القائمة به سبحانه، والرحيم: دالّ على تعلّقها بالمرحوم، وكأنّ الأوّل الوصف، والثاني الفعل؛ فالأوّل دالّ على أنّ الرحمة صفة ذات له - سبحانه - والثاني دالّ على أنّه يرحم خلقه برحمته، أي صفة فعل له.

لِمَ جاء بـ ﴿الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ عقب: ﴿رَبِّ ٱلۡعَٰلَمِينَ﴾؟:

قد أتبع - سبحانه - وصف: ﴿رَبِّ ٱلۡعَٰلَمِينَ﴾، بوصف: ﴿ٱلرَّحْمـٰنِ ٱلرَّحِيمِ﴾:
- لأنه بعد أن وصف بما هو مقتضى استحقاقه الحمد من كونه رب العالمين أي مدبر شؤونهم ومبلغهم إلى كمالهم في الوجودين الجثماني والروحاني، ناسب أن يتبع ذلك بوصفه بـ ﴿ٱلرَّحْمـٰنِ﴾ أي الذي الرحمة له وصف ذاتي تصدر عنه آثاره بعموم واطراد،
- لما كان رباً للعالمين وكان المربوبون ضعفاء، كان احتياجهم للرحمة، وترقبهم إياها من الموصوف بها واضحاً.
- لأن وصفه - تعالى - بـ ﴿رَبِّ ٱلۡعَٰلَمِينَ﴾ أي: مالكهم، قد يثير فى النفوس شيئاً من الخوف أو الرهبة، فإن المربي قد يكون خشناً جباراً متعنتاً، وذلك مما يخدش من جميل التربية، وينقص من فضل التعهد. لذا قرن - سبحانه - كونه مربياً، بكونه الرحمن الرحيم، لينفي بذلك هذا الاحتمال.
- ليفهم عباده بأن ربوبيته لهم مصدرها عموم رحمته وشمول إحسانه، فهم برحمته يوجدون، وبرحمته يتصرفون ويرزقون، وبرحمته يبعثون ويسألون. ولا شك أن في هذا الإِفهام تحريضاً لهم على حمده وعبادته بقلوب مطمئنة، ونفوس مبتهجة، ودعوة لهم إلى أن يقيموا حياتهم على الرحمة والإِحسان، لا على الجبروت والطغيان، فالراحمون يرحمهم الرحمن.
- ووجهُ الترتيب لبيان أن التربـية لا تقتضي المقارنة للرحمة، فإيرادُهما في عقبها للإيذان بأنه - تعالى - متفضلٌ فيها، فاعلٌ بقضية رحمتِه السابقةِ من غير وجوبٍ عليه، وبأنها واقعةٌ على أحسنِ ما يكون.
- جاء الترتيب من الأعم إلى الأخص: فبدأ بذكر التربية الشاملة لكل المخلوقات، ثم رحمة "الرحمن" التي تدل على لطف اعتنائه بخلقه جميعاً في الحياة الدنيا، ثم رحمة "الرحيم" الخاصة بالمؤمنين في الآخرة.

لِمَ كرر ﴿الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ مرتين؟:

- كرر المولى سبحانه وتعالى في الفاتحة ﴿ٱلرَّحۡمَٰنِ ٱلرَّحِيمِ﴾ مرتين، ولم يكرر "الله" و "رب العالمين" و "مالك يوم الدين"، ليُعلم أن رحمته سابغة، فيرجوها عباده،
- وليقرر أنها مضاعفة، فيدرك الإنسان خطرها وعظمها،
- وحتى لا يغتر بها المرء جاء بعد التكرار بـ ﴿مَٰلِكِ يَوۡمِ ٱلدِّينِ﴾،
- جاء في البسملة بالمنعم دون المنعم عليه، ثم جاء في الثانية بـ ﴿رب العالمين﴾ لينبهنا إلى أن أمره لنا بتوحيده وعبادته رحمة لنا منه.
وإن كان لرأي القائلين بأن البسملة ليست آية من السورة وجاهته، وفيه خروج من شبهة التكرار. ومما يدعم هذا الرأي عندنا:
- إذا استبعدنا ورودها في صدر الفاتحة يصير لدينا بسملة واحدة في الكتاب، وهي الآية رقم ثلاثين من سورة النمل: وهذا من مدلولات التوحيد، بخلاف لو كانت آيتان في التنزيل.
- إن البسملة - باستثناء الواردة في النمل - وإن كانت لا تعد من آيات القرآن الكريم، إلا أنها تأتي في صدر كل سورة، ما خلا سورة التوبة، للدلالة على بداية السورة، وللفصل بين السورتين. وإذا سلمنا بأنها ليست آية، يصير مجموع عدد آيات البسملة مائة وأربعة عشر بعدد سور القرآن إذا أضفنا لها آية النمل: ﴿إِنَّهُ مِن سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَٰنِ الرَّحِيمِ 30﴾. هذا العدد يقبل القسمة على 19، وهو رقم من الأرقام التي يأخذ بها المتخصصون في الإعجاز العددي للقرآن.
- ولعل أهل الإعجاز العددي يدرسون هذا ويوسعون البحث في المسألة، ليؤكدوا ما نقول أو ينفونه بأدلة رقمية تنتصر للرأي الآخر.

إننا وإن أخذنا بهذا الرأي نشير إلى ان لكلا الرأيين علماء أجلاء استدلوا بأدلة نقلية وعقلية محترمة. وإذا كان الأمر كما نقول، فتكون الآيات السبعة بادئة بالحمد، ثم باقي الآيات على ما هي عليه، إلا عند: ﴿صِرَٰطَ ٱلَّذِينَ أَنۡعَمۡتَ عَلَيۡهِمۡ غَيۡرِ ٱلۡمَغۡضُوبِ عَلَيۡهِمۡ وَلَا ٱلضَّآلِّينَ ٧﴾ فتصير آيتين: السادسة: ﴿صِرَٰطَ ٱلَّذِينَ أَنۡعَمۡتَ عَلَيۡهِمۡ﴾ والسابعة: ﴿غَيۡرِ ٱلۡمَغۡضُوبِ عَلَيۡهِمۡ وَلَا ٱلضَّآلِّينَ﴾.

اقتران: ﴿الرحمن الرحيم﴾ بـ ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾:

- قيل إن اقتران ربوبيته برحمته، كاقتران استوائه على عرشه برحمته، فـ ﴿الرَّحْمَٰنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَىٰ﴾ طه 5 مطابق لـ ﴿رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾،
- بعد أن قَدّم استحقاقه للحمد لأنه ﴿رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ أي: مدبر شؤونهم المادية والمعنوية، أتم بوصفه بالرحمة: ﴿ٱلرَّحۡمَٰنِ ٱلرَّحِيمِ﴾ من حيث أنها ذاتية ومتجددة، فصارت الربوبية نعمة.

اقتران ﴿ٱلرَّحۡمَٰنِ ٱلرَّحِيمِ ﴾ بـ ﴿مَٰلِكِ يَوۡمِ ٱلدِّينِ:

لأن نبينا صلى الله عليه وسلم سيد ولد آدم، ولأن الخيرية في هذه الأمة إلى يوم الدين، تلطف المولى سبحانه وتعالى بأمتنا، وأمنّها من الخوف، فأخر ذكر اليوم الذي تشخص فيه الأبصار، وتضع كل ذات حمل حملها وترى الناس سكارى وما هم بسكارى، ليكون تالياً لـ ﴿ٱلرَّحۡمَٰنِ ٱلرَّحِيمِ﴾ حتى تأنس الأمة، وتهدأ خواطرها، ولتعلم أنه جل وعلا محمود في ألوهيته، محمود في ربوبيته، فحاز جميع أقسام الكمال لـ ﴿رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ ﴿ٱلرَّحۡمَٰنِ ٱلرَّحِيمِ﴾.

من اللطائف في الرحمة:

- لفظة ﴿ٱلرَّحۡمَٰنِ﴾ مكونـة من ثلاثة مقـاطع: (الر حم ن) وهي من الحروف المقطعـة في القـرآن. والملاحظ كذلك أن ترتيبها موافق لترتيبها مجيء في القرآن الكريم: الر(يونس، هود، يوسف، الحجر)، حم (غافر، فصلت، الشورى، الزخرف، الدخان، الجاثية، الأحقاف)، ن (القلم).
- من السنة أن يقال عند الذبح: بسم الله والله أكبر، وهذا المقام لا يناسبه التلفظ بـ ﴿ٱلرَّحۡمَٰنِ ٱلرَّحِيمِ﴾، وإن كانت السنة توجه لإحسان الذبحة رحمة بالحيوان.
- ولأن لفظـة الرحـم اشـتقت من الرحمة، في الأثـر الشـريف أن الله "جعل اللهُ الرحمةَ مائةَ جُزءٍ، فأمسك عنده تسعةً وتسعين جزءًا، وأنزل في الأرضِ جزءًا واحدًا، فمن ذلك الجزءِ تتراحمُ الخلقُ حتى ترفعَ الفرُس حافرَها عن ولدِها خشيةَ أن تُصيبَه"*، فكانت رحمة واحدة شملت مريم: ﴿وَرَحْمَةً مِّنَّاوَكَانَ أَمْرًا مَّقْضِيًّا﴾ مريم 21، ووهبت لنا عبر الرسول ﷺ ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ﴾ الأنبياء 107، ويقول تعالى: ﴿وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ﴾ الأعراف 156، فكأن رحمة واحدة تتراحم بها الخليقة في الكون عبر العصور وإلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، فكيف بما ادخره الله لعباده من رحمة يوم القيامة؟
* عن أبي هريرة: (الحديث) .
أخرجه الشيخان: البخاري (6000) واللفظ له، ومسلم (2752).
- من أجل ذلك كان هدي الرسول ﷺ، ومن أحاديثه:
> "مَنْ لا يَرحَمْ، لا يُرحَمْ"*.
* قَبَّلَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ الحَسَنَ بنَ عَلِيٍّ وعِنْدَهُ الأقْرَعُ بنُ حَابِسٍ التَّمِيمِيُّ جَالِسًا، فَقَالَ الأقْرَعُ: إنَّ لي عَشَرَةً مِنَ الوَلَدِ ما قَبَّلْتُ منهمْ أحَدًا، فَنَظَرَ إلَيْهِ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ ثُمَّ قَالَ: (الحديث).
الراوي :أبو هريرة.
صحيح البخاري (5997)، ومسلم (2318).
> "لَا تُنْزَعُ الرَّحْمَةُ إِلَّا مِنْ شَقِيٍّ"*.
* رواه أبو هريرة.
أخرجه أبو داود في سننه (4942)، وابن حبان في صحيحه (467).






 
رد مع اقتباس
قديم 14-01-2022, 12:28 PM   رقم المشاركة : 22
معلومات العضو
عوني القرمة
طاقم الإشراف
 
إحصائية العضو






عوني القرمة متصل الآن


افتراضي رد: قراءات في الكتاب: ســـورة الفاتحــة

﴿الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ 3





﴿حول مضمون الآية:

قد عرضنا في البسملة خصائص كل اسم منهما، مع الفروق بينهما، وذكرنا أنهما وصفان لله تعالى، واسمان من أسمائه الحسنى، مشتقان من الرحمة على وجه المبالغة، وأن أكثر العلماء يرون أن ﴿الرَّحْمَنِ﴾ أشد مبالغة من الرحيم، لأن الرحمن هو ذو الرحمة الشاملة لجميع الخلائق في الدنيا، وللمؤمنين في الآخرة، والرحيم ذو الرحمة للمؤمنين يوم القيامة. وقد ذكر استواءه ـ تعالى ـ على العرش بصفة الرحمن، فقال: ﴿ثُمَّ ٱسْتَوَىٰ عَلَى ٱلْعَرْشِ ٱلرَّحْمَـٰنُ﴾ الفرقان 59، وقال: ﴿ٱلرَّحْمَـٰنُ عَلَى ٱلْعَرْشِ ٱسْتَوَىٰ﴾ طه 5، فتبين أن ذكر الرحمن في هذا الموقف ليعم جميع خلقه برحمته. كذلك قوله: ﴿أَوَلَمْ يَرَوْاْ إِلَى ٱلطَّيْرِ فَوْقَهُمْ صَافَّاتٍ وَيَقْبِضْنَ مَا يُمْسِكُهُنَّ إِلاَّ ٱلرَّحْمَـٰنُ﴾ الملك 19، أي: ومن رحمانيته لطفه بالطير، وإمساكه إياها صافات وقابضات في جو السماء. ومن أظهر الأدلة في ذلك سورة الرحمن؛ فحديث الرحمن فيها عن لطف تدبيره للكون في الحياة الدنيا واعتنائه بالإنس والجن، ثم انتقل لبيان أجر المطيعين في الآخرة، ولاستمرار صفة "الرحمن" اكتفى بذكر الثواب دون العقاب حتى نهاية السورة. ولما أراد ذكر رحمته للمؤمنين أتى بصفة الرحيم، ومن ذلك: ﴿هُوَ ٱلَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلاَئِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُمْ مِّنَ ٱلظُّلُمَاتِ إِلَى ٱلنُّورِ وَكَانَ بِٱلْمُؤْمِنِينَ رَحِيماً﴾ الأحزاب 43، صلاته عليهم وصلاة ملائكته وإخراجه إياهم من الظلمات إلى النور رحمة بهم في الدنيا، وإن كانت سبب الرحمة في الآخرة أيضاً. وكذلك قوله تعالى: ﴿لَّقَد تَّابَ اللهُ عَلَى ٱلنَّبِيِّ وَٱلْمُهَاجِرِينَ وَٱلأَنصَارِ ٱلَّذِينَ ٱتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ ٱلْعُسْرَةِ مِن بَعْدِ مَا كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِّنْهُمْ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ إِنَّهُ بِهِمْ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ﴾ التوبة 117، فإنه جاء فيه بالباء المتعلقة بالرحيم الجارة للضمير الواقع على النَّبي صلى الله عليه وسلم والمهاجرين والأنصار، وتوبته عليهم رحمة في الدنيا وإن كانت سبب رحمة الآخرة أيضاً.

واسم الرحمة موضوع في اللسان العربي لرقة الخاطر وانعطافه نحو حيّ، بحيث تحمل من اتصف بها على الرفق بالمرحوم والإحسان إليه ودفع الضر عنه وإعانته على المشاق. فهي من الكيفيات النفسانية لأنها انفعال؛ فأصل الرحمة من مَقُولة الانفعال وآثارُها من مقولة الفِعل. بمعنى أنه إذا وصف موصوف بالرحمة كان معناه حصول الانفعال المذكور في نفسه، وإذا أخبر عنه بأنه رحم غيره فهو على معنى صدَر عنه أثر من آثار الرحمة. وتعدية فعل "رَحِمَ" إلى المرحوم لا تكون إلا على هذا المعنى؛ فليس لماهية الرحمة جزئيات وجودية ولكنها جزئيات من آثارها. فوصف الله تعالى بصفات الرحمة في اللغات ناشيء على مقدار عقائد أهلها فيما يجوز على الله ويستحيل. ولما كانت أكثر الأمم مجسِّمة، حملوا صفات الله كصفات البشر الانفعالية، والانفعال لا يجوز وصف الله به، لذلك جاء التنزيه لله في الإسلام بقوله ـ جل اسمه ـ في كتابه: ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌالشورى 11، فأهل الإيمان إذا سمعوا أو أطلقوا وصفي "الرحمٰن الرحيم" لا يفهمون منه حصول ذلك الانفعال الملحوظ في حقيقةِ الرحمة في متعارف الناس، لسطوع أدلة تنزيه الله تعالى عن الأعراض، بل إنه يراد بهذا الوصف في جانب الله تعالى إثباتُ الغرض الأسمى من حقيقة الرحمة وهو صدور آثار الرحمة من الرفق واللطف والإحسان والإعانة. ولا يخفى الفروق الواضحة بين رحمة الله ورحمة الناس؛ فالمرء قد يرحم أحداً ولا يملك له نفعاً لعَجز أو نحوه، بينما رحمة الله مبرأة من النقص والعجز. ومثيل وصفه ـ تعالى ـ بالرحمة، صفة العليم، وعلمه متجرد عن الحاجة إلى النظر والاستدلال وسبق الجهل. وهو الحي مع اليقين بتجرد حياته عن العادة والتكون. وهو القادر مع اليقين بتجرد قدرته عن المعالجة والاستعانة. وغالب أسمائه الحسنى من هذا القبيل، المنزه عن المتشابه مع خلقه.






 
رد مع اقتباس
قديم 20-01-2022, 12:13 PM   رقم المشاركة : 23
معلومات العضو
عوني القرمة
طاقم الإشراف
 
إحصائية العضو






عوني القرمة متصل الآن


افتراضي رد: قراءات في الكتاب: ســـورة الفاتحــة

﴿مَـٰلِكِ يَوْمِ ٱلدِّينِ 4



﴿مَـٰلِكِ:

يجوز أن يكونَ صفةً أو بَدَلاً، وإن كان البدلُ بالمشتقِّ قليلاً، وهو مشتقٌّ من "المَلْك" بفتح الميم، وهو الشدُّ والربط، لقول الشاعر:
مَلَكْتُ بها كَفِّي فَأَنْهَرْتُ فَتْقَها ..... يَرَى قائمٌ مِنْ دونِها ما وراءها
ومنه: "إملاكُ العَروسِ"، لأنه عَقْدٌ وربط للنكاح.
وقُريء: "مالِك" بالألف، وهي قراءتنا هنا، يقال: مَلِكٌ بَيِّنُ المُلْكِ بضم الميم، ومالكٌ بيِّنُ المَلِكِ بفتح الميم وكسرها، ورُوِي ضَمُّها أيضاً بهذا المعنى. ومما يروى عن العرب: "لي في هذا الوادي "مَلْك" و "مُلْك" و "مِلْك"، بالحركات الثلاثة على الميم، لكنَّ المعروف الفرقُ بين الألفاظ الثلاثة:
- فالمفتوحُ الشدٌّ والربطُ،
- والمضمومُ هو القهرُ والتسلُّطُ على مَنْ يتأتَّى منه الطاعةُ، ويكونُ باستحقاقٍ وغيره،
- والمكسورُ هو التسلطُ على مَنْ يتأتَّى منه الطاعةُ ومَنْ لا يتأتَّى منه، ولا يكونُ إلا باستحقاق، فيكونُ بين المكسور والمضموم عمومٌ وخصوصٌ من وجه.
وبهذا يُعرف الفرقُ بين مَلِك ومالِك، فإن مَلِكاً مأخوذ من المُلْك - بالضم، ومالِكاً مأخوذ من المِلْك بالكسر. وقيل: الفرقُ بينهما أن المَلِك اسمٌ لكل مَنْ يَمْلِكُ السياسة: إمَّا في نفسِه بالتمكُّن من زمام قُواه وصَرْفِها عَنْ هواها، وإمَّا في نفسه وفي غيره، سواءٌ تولَّى ذلك أم لم يتولَّ.

هل هو مَلِكٌ أم "مالِكٌ"؟:

كلتا القراءتين متواترة، وقد أكثر المصنفون في القراءات والتفاسير من الترجيحِ بين هاتين القراءتين، حتى إنَّ بعضَهُم يُبالِغُ في ذلك إلى حدٍّ يكاد يُسْقِطُ وجهَ القراءة الأخرى، وليس هذا بمحمودٍ بعد ثبوتِ القراءتين وصحةِ اتصافِ الربِّ تعالى بهما.
وقد جمعتهما:﴿قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ﴾ إبراهيم 5، أي مالك العباد وما ملكوا، أو مالك السموات والأرض. فأما والكلمةمضافة إلى يوم الدين فقد استويا في إفادة أنه المتصرف في شؤون ذلك اليوم دون شبهة مشارك.
ولكليهما نظرة وجيهة مما يدل على أنهما كلتاهما كقطبي فلك. أما عن الأبلغ منهما، فعليه خلاف:
- قيل: "ملك" بدون ألف بينية هو الاختيار، واستدلوا بأدلة:
> لأنه قراءة أهل الحرمين،
> ولقوله تعالى: ﴿لّمَنِ ٱلْمُلْكُ﴾ غافر 16، ولقوله تعالى: ﴿مَلِكِ ٱلنَّاسِ﴾ الناس 2،
> ولأن المُلك يعم والمِلك يخص.
> وأضافوا بأنه يلزم على قراءة "مالك" نوع تكرار لأن الرب بمعناه أيضاً،
> وبأنه تعالى وصف ذاته المتعالية بالملكية عند المبالغة في قوله: ﴿مَـٰلِكَ ٱلْمُلْكِ﴾ آل عمران 26 بالضم دون المالكية.

- وقيل: المالك أولى:
> لأنه هو صاحب الأمر في المملوك: ﴿قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ﴾ آل عمران 26. ألا ترى أن العبد المملوك ليس لأحد غير سيده من أمره شيء؟. وقال: ﴿إِنَّا نَحْنُ نَرِثُ الْأَرْضَ وَمَنْ عَلَيْهَا وَإِلَيْنَا يُرْجَعُون﴾ مريم 40.
> كما قيل أن الملك إنما يتصرف في مال غيره بالمصلحة، والمالك يتصرف في ماله بالمصلحة.
> وقيل أن الملك من صفات الذات، والمالك من صفات الأفعال، والمقام هنا مقام أفعال. الملك صفة لذاته، والمالك صفة لفعله.
> "المالك" أبلغ في مدح الخالق من: "ملك" و" ملك "أبلغ في مدح المخلوقين من مالك، والفرق بينهما أن المالك من المخلوقين قد يكون غير ملك وإذا كان الله تعالى مالكا كان ملكا. وفي هذا ثلاثة أوجه:
1) أنك تضيفه إلى الخاص والعام ، فتقول: مالك الدار والأرض والثوب، كما تقول: مالك الملوك،
2) أنه يطلق على مالك القليل والكثير، وإذا تأملت هذين القولين وجدتهما واحداً،
3) أنك تقول: مالك الملك، ولا تقول: ملك الملك.
> أن يكون تأويل المالك راجعاً إلى القدرة ، أي إنه قادر في يوم الدين ، أو على يوم الدين وإحداثه، لأن المالك للشيء هو المتصرف في الشيء والقادر عليه، والله عز وجل مالك الأشياء كلها ومصرفها على إرادته، لا يمتنع عليه منها شيء .
> لما أنبأ عن ملكه إياهم فقال: ﴿رَبِّ ٱلۡعَٰلَمِينَ ٢﴾ التي تفيد التملك، اتبعها برعايته بالرحمة في الدنيا والآخرة بقوله: ﴿ٱلرَّحۡمَٰنِ ٱلرَّحِيمِ ٣﴾ فصار من الأوفق أن يأتي بمعنى يزيد عن معنى المِلك ويضيف إليه، فقال: ﴿مَلِكُ يَوْمِ الدين﴾ بمعنى إخلاص المُلك له يوم الدين.
> ومِمَّا رُجِّحَتْ به قراءةُ "مالك" أنها أمْدَحُ لعمومِ إضافتِه، إذ يقال: "مالِكُ الجِّن والإِنس والطير"، وأنشدوا على ذلك:
سُبْحَانَ مَنْ عَنَتِ الوجوهُ لوجهِه ..... مَلِكِ الملوكِ ومالِكِ العَفْوِ
ونحن نذهب إلى القول بتساوي الكفتين، فهو الملك والمالك، ولعل من الحكم التي لا تحصى في النص القرآني، صلاحية ألفاظه لأكثر من وجه للفهم والتدبر. هذا يفهم الآية بمدلول، وذاك بمدلول آخر، وكلاهما محق، طالما يدور الفهم وفق اتساع أفق النهج القرآني وتنوع مشاربه.

﴿يَوْمِ ٱلدِّينِ:

إضافةُ مالك ومَلِك إلى: ﴿يَوْمِ ٱلدِّينِ﴾ من باب الاتِّساع، إذ متعلَّقُهما غيرُ اليوم، والتقدير: مالكِ الأمرِ كله يومَ الدين. ونظيرُ إضافة "مالك" إلى الظرف هنا نظيرُ إضافة "طَبَّاخ" إلى "ساعات" من قول الشاعر:
رُبَّ ابنَ عَمِّ لسُلَيْمى مُشْمَعِلّْ ..... طَبَّاخِ ساعاتِ الكَرَى زادَ الكَسِلْ
إلا أنَّ المفعولَ في البيت مذكورٌ وهو "زادَ الكَسِل"، وفي الآيةِ الكريمةِ غيرُ مذكورٍ للدلالةِ عليه.
ويجوز أن يكونَ الكلامُ على ظاهرهِ من غيرِ تقديرِ حَذْفٍ، فيكون ﴿يَوْمِ ٱلدِّينِ﴾ ملكاً يتصرف فيه كيف يشاء. ونسبةُ المِلْكِ والمُلْك إلى الزمانِ في حقِّ الله تعالى غيرُ مُشْكِلَةٍ، وقولِ الشاعر:
أمَّا النهارُ ففي قَيْدٍ وسِلْسِلَةٍ ..... والليلُ في قَعْرِ منحوتٍ من السَّاجِ
لمًّا كانت هذه الأشياءُ يكثرُ وقوعُها في هذه الظروفِ وَصَفُوها بها مبالغةً في ذلك، وهذا مشهورٌ في كلام العرب.
﴿يَوْمِ: اليومُ لغةً: القطعةُ من الزمان أيِّ زمنٍ كانَ من ليلٍ أو نهار، قال تعالى: ﴿وَٱلْتَفَّتِ ٱلسَّاقُ بِٱلسَّاقِ 29 إِلَىٰ رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ ٱلْمَسَاقُ 30القيامة، وذلك كنايةٌ عن احتضارِ الموتى، وهو لا يختصُّ بليل ولا نهار، وأمَّا في العُرْف فهو من طلوعِ الفجرِ إلى غروب الشمس.
و ﴿ٱلدِّينِ: مضافٌ إليه أيضاً، والمرادُ به هنا: الجزاءُ، ومنه قول الشاعر:
ولم يَبْقَ سوى العُدْوا .....نِ دِنَّاهم كما دَانُوا
أي جازَيْناهم كما جازونا، وقال آخر:
واعلَمْ يقيناً أنَّ مُلْكَكَ زائلٌ ..... واعلَمْ بأنَّ كما تَدِينُ تُدانُ
ومثله:
إذا مل رَمَوْنا رَمَيْناهُم ..... ودِنَّاهُمُ مثلَ ما يَقْرِضُونا
ومثله:
حَصادُك يوماً ما زَرَعْتَ وإنما ..... يُدانُ الفتى يوماً كما هو دائِنُ
وله معانٍ أُخَرُ: العادَة، كقوله:
كَدِينِك من أمِّ الحُوَيْرثِ قبلَها ..... وجارتِها أمِّ الرَّباب بِمَأْسَلِ
أي: كعادتك: ومثلُه:
تقول إذا دَرَأْتُ لها وَضِيني ..... أهذا دِينُه أبداً ودِينِي
ودانَ عصى وأطاع، وذلَّ وعزَّ، فهو من الأضداد. والقضاءُ، ومنه قوله تعالى : ﴿وَلاَ تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ ٱللَّهِ﴾ النور 2، أي في قضائِه وحكمه، والحالُ، سُئل بعضُ الأعراب، فقال: "لو كنتُ على دِينٍ غيرِ هذه لأَجَبْتُكَ" أي: على حالة. والداءُ: ومنه قول الشاعر:
يا دينَ قلبِك مِن سَلْمى وقد دِينا
ويقال: دِنْتُه بفعلِه أَدِينُه دَيْناً ودِيناً - بفتح الدال وكسرها في المصدر - أي جازَيْتُه. والدِّينُ أيضاً: الطاعةُ، ومنه: ﴿وَمَنْ أَحْسَنُ دِيناً﴾ النساء 125، أي: طاعةً، ويستعار للمِلَّة والشريعةِ أيضاً، قال تعالى: ﴿أَفَغَيْرَ دِينِ ٱللَّهِ يَبْغُونَ﴾ آل عمران 83، يعني الإِسلام، بدليل قوله تعالى: ﴿وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ ٱلإِسْلاَمِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ﴾ آل عمران 83، والدِّينُ: سيرة المَلِك، قال زهير :
لَئِنْ حَلَلْتَ بجوٍّ في بني أسَدٍ ..... في دينِ عمروٍ وحالَتْ بينَنَا فَدَكُ
يقال: دِينَ فلان يُدانُ إذا حُمِل على مكروهٍ، ومنه قيل للعبدِ: مَدين ولِلأمَةِ: مَدِينة. وقيل: هو من دِنْتُه إذا جازيته بطاعته، وجَعَل بعضُهم المدينةَ من هذا الباب.






 
رد مع اقتباس
قديم 27-01-2022, 12:09 PM   رقم المشاركة : 24
معلومات العضو
عوني القرمة
طاقم الإشراف
 
إحصائية العضو






عوني القرمة متصل الآن


افتراضي رد: قراءات في الكتاب: ســـورة الفاتحــة

﴿مَـٰلِكِ يَوْمِ ٱلدِّينِ 4



بين أسماء الله:

في هذه الآيات: ﴿ٱلۡحَمۡدُ لِلَّهِ رَبِّ ٱلۡعَٰلَمِينَ ٢ ٱلرَّحۡمَٰنِ ٱلرَّحِيمِ ٣ مَٰلِكِ يَوۡمِ ٱلدِّينِ ٤﴾ جمعت خمسة أسماء من أسماء الله سبحانه وتعالى وأوصافه:
1) ﴿الله﴾: هو الاسم الجامع الذي لا يتسمى به أحد، لما لله من جمال وجلال وعلو. والتوحيد هو أصل الأصول في الإسلام، وعلى رأس التوحيد: توحيد الإلهية. لذا فقد بدأ القرآن به، فهو حق الله على العباد كما ورد في الأثر*. وكلمة التوحيد هي أول لبنة في بنيان الإسلام، وهي بوابة الدخول إلى الدين.
* كنتُ رِدفَ النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ على حِمارٍ، فقال: يا مُعاذُ، فقُلتُ: لَبَّيكَ يا رسولَ اللهِ، قال: أتَدري ما حَقُّ اللهِ على العِبادِ؟ قال: قُلتُ: اللهُ ورسولُه أعلمُ، قال: فإنَّ حَقَّ اللهِ على العِبادِ أنْ يَعبُدوه ولا يُشرِكوا به شيئًا، فهل تَدري ما حَقُّ العِبادِ على اللهِ إذا فَعَلوا ذلك؟ قال: قُلتُ: اللهُ ورسولُه أعلمُ، قال: فإنَّ حَقَّ العِبادِ على اللهِ إذا فَعَلوا ذلك ألَّا يُعذِّبَهم.
الراوي: معاذ بن جبل.
التخريج: أخرجه البخاري (2856)، ومسلم (30)، والترمذي (2643)، وابن ماجه (4296) باختلاف يسير،
وأبو داود (2559) مختصراً باختلاف يسير، وأحمد (22058) واللفظ له.
وحين يُقَسّمُ العلماء التوحيد إلى توحيد الإلهية وتوحيد الربوبية والأسماء والصفات، إنما يسعون للتعريف بذات الله عز وجل، وماهيته وقدره وحقه في التنزيه والتقديس والعبادة.
2) ﴿رَبِّ ٱلۡعَٰلَمِينَ﴾: الله جل ثناؤه هو الربُّ؛ لأنه مصلح أحوال خلقه، ولم يطلقوا الرب إلا في الله وحده، وهو في غيره على التقيد بالإضافة، كقولهم: رب الدار. وإن كان توحيد الإلهية هو الأساس، فإن توحيد الربوبية وتوحيد الأسماء والصفات هو العلم الذي يحتاجه العبد ليعرف به ربه. وتوحيد الربوبية هو قيام أمر الله على خلقه، أما توحيد الإلهية فهو قيام العبد بحق الله على خلقه، فيقول تعالى: ﴿وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ﴾ البقرة 163 وهو فعل العبد، لذلك يقول: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾ البقرة 21. وعبادة الرب هي بالتالي توحيد للإلهية.
3) ﴿ٱلرَّحۡمَٰنِ ٱلرَّحِيمِ﴾: إسمان متلازمان مشتقان من صفة الرحمة، أولهما اسم ذات، والآخر من أسماء الصفات. ولأن الله عز وجل ﴿الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ﴾ ولأنه لطيف ودود لا يحب أن يعذب عباده، يقول تعالى: ﴿مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآَمَنْتُمْ وَكَانَ اللَّهُ شَاكِرًا عَلِيمًا 147النساء. لذلك فقد أودع في الفطرة البشرية معرفته: ﴿وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آَدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ﴾ الأعراف 172، وأرسل الرسل لهداية الناس، وأعلمنا أنه لن يحاسب من لم تصله كلمته: ﴿وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّىٰ نَبْعَثَ رَسُولًا﴾ الإسراء 15، فأقام بذلك الحجة عليهم بهدى الجبلة وهدى التكليف، وذلك من رحمة الرحمن الرحيم. والهداية هي العمل بالتوحيد، فمن رحمته أن خلق ورزق وأرشد ووعد بالنعيم المقيم لمن يسير على هداه: ﴿فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ 30الروم.
4) ﴿مَٰلِكِ يَوۡمِ ٱلدِّينِ﴾: هو الملك الذي يؤوب الخلق إليه يوم لا ملك سواه. والملك لا يكون ملكًا إلا إذا كان ربًّا مالكًا، ويدلُّ أصل اشتقاقه على قوّةٍ في الشيء وصحة. يقال: أملَكَ عجِينَه أي: قوَّى عَجنَه وشَدَّه. وملَّكتُ الشَّيءَ: قوَّيتُه. والإله الحق هو المعبود بحق، ولا يكون الإله إلهًا حقًّا إلا إذا كان ربًّا وملكًا ومالكاً. والملك هو الرب: ﴿لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ رَبُّكُمْ وَرَبُّ آَبَائِكُمُ الْأَوَّلِينَ﴾ الدخان 7-8، وهو ﴿اللهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ﴾ الحشر 23، ﴿قَالُوا نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آَبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِلَهًا وَاحِدًا وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ﴾ البقرة 133 فإله الآباء والأجداد من عهد آدم إلى أن تقوم الساعة هو ربهم الذي خلقهم وملك بتربيته لهم أمرهم، وهو ملكهم المتصرف في شئونهم كلها ، وهو وحده المستحق للعبادة . ولأنه الله، وهو الرب، وهو الرحمن الرحيم، هو الملك الحق في الدنيا، وهو وحده الملك يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم. هو مالك يوم الدين، وكل الكائنات مملوكة له، يوم تجزى كل نفس بما سعت.

تدرّجت الآيات من (الأشمل) إلى (الأخص) ، فالله هو رأس التوحيد، لأنه الخالق الذي أوجد كل الكائنات من عدم، ثم الربّ هو المربي الراعي المرشد لكل الأحياء، ثم الرحمن الرحيم الذي يستظل بفضله وكرمه الكائنات، ثم الملك ليوم المعاد حين يخضع الجن والإنس لحكمه، فينال الفائزون جوائزهم، والخاسرون عاقبة عملهم. هذه الأسـماء جمعت كل مراد الله من خلقه، ودلت على المفاهيم الشـرعية، المتعلقة بالتوحيد التي ينبغي أن يعقلهــا العبـد ويتعبـد خالقــه بها، وهـي بعض أســرار التنزيل، لذا افتتـح الله بها كتابـه حتى تكـون في صـدر أولويات يعقلها العبد ويتعبد خالقه بها، وهي بعض أسرار التنزيل، لذا افتتح الله بها كتابه حتى تكون في صدر أوليات المسلم لا يغفل عنها. كيف وهو يرددها في اليوم والليلة أكثر من سبع عشرة مرة. الرَّبُّ والمَلِكُ والإلَهُ صفات ثلاثة من صفات العظمة والكمال لله تعالى مع انتظام جميع العالَمين في سلك ربوبيته وملكوته وإلهيته.

إن في إجراء هذه الأوصاف بعد ذكر اسم الذات الجامع لصفات الكمال إشارة إلى أن الذي يحمده الناس ويعظمونه إنما يكون حمده وتعظيمه لأحد أمور أربعة:
- إما لكونه كاملاً في ذاته وصفاته وإن لم يكن منه إحسان إليهم،
- وإما لكونه محسناً إليهم ومتفضلاً عليهم،
- وإما لأنهم يرجون لطفه وإحسانه في الاستقبال،
- وإما لأنهم يخافون من كمال قدرته فهذه هي الجهات الموجبة للحمد والتعظيم. فكأنه سبحانه يقول: يا عبادي إن كنتم تحمدون وتعظمون للكمال الذاتي والصفاتي فاحمدوني فإني أنا الله، وإن كان للإحسان والتربية والإنعام فإني أنا رب العالمين، وإن كان للرجاء والطمع في المستقبل فإني أنا الرحمن الرحيم، وإن كان للخوف فإني أنا مالك يوم الدين.

حد "اليوم":

اليوم عرفاً مدّة كون الشمس فوق الأرض، ويكون بذلك أوّله من طلوع الشمس إلى غروبها، وهو شرعاً بين بزوغ الفجر وغروب الشمس، وعليه يحسب زمن الصيام والإفطار، وعليه التقويم الإسلامي كذلك، على خلاف التقاويم غير الإسلامية التي تأخذ باليوم النجمي أو الفلكي وتبدأه من منتصف الليل إلى منتصف الليل التالي. واليوم مذكّر، وجمعه أيّام وأصله "أيوام" فأُدْغم، ولم يستعملوا فيه جمع الكثرة. وتأنيث الجمع أكثر فيقال: أيّام مباركة وشريفة، بينما التذكير على معنى الحين والزمان، فتقول: ذخرتك لهذا اليوم، أي لهذا الوقت الّذى افتقرت فيه إليك. وعامَلَه مُيَاوَمَةً كما تقول مُشاهرة. وربما عَبَّروا عن الشدَّة باليوم يُقال يوم أَيْوَمُ كما يُقال ليلة ليْلاء. ولا يكادون يفرّقون بين يومئذ وحينئذ وساعتئذ .
وقد يستعمل في الأمر العظيم ، كقوله عزّ وجلّ: ﴿وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللَّهِ 5 إبراهيم أي ذكرهم بنعم الله عليهم، وبنقمه التي انتقم فيها من قوم نوح وعاد وثمود، أي خذهم بالشدة واللين. ومثلها: أيام العرب، أي وقائعهم.
كما يستعمل بمعنى الوقت الحاضر، كقولك: أنا اليوم أفعل كذا، ولا تقصد يوماً بعينه، ومنه قوله: ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ﴾ المائدة 3، بمعنى: اليوم فَرَضْتُ ما تحتاجون إِليه في دِينِكم، وهذا لا يعني أن يكونَ دِينُ الله في وقتٍ من الأَوقات غيرَ كامل، وكذا قوله تعالى: ﴿مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍالتوبة 108 أي من أَول الأَيَّامِ.

ورود لفظة "اليوم" في الكتاب:

بمعنى مطلق الزمان المحدود من النهار إلى إقبال الليل:
- ﴿قَالَ مَوْعِدُكُمْ يَوْمُ الزِّينَةِ وَأَنْ يُحْشَرَ النَّاسُ ضُحًى﴾ طه 59.
- ﴿قَالَ كَمْ لَبِثْتَ ۖ قَالَ لَبِثْتُ يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ ۖ قَالَ بَلْ لَبِثْتَ مِائَةَ عَامٍ﴾ البقرة 259.
- ﴿فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ﴾ البقرة 184.
- ﴿سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُومًا﴾ الحاقة 7.
- ﴿سِيرُوا فِيهَا لَيَالِيَ وَأَيَّامًا آمِنِينَ﴾ سبأ 18.

بمعنى يعمّ الليل والنهار:
- ﴿قَالُوا لَا طَاقَةَ لَنَا الْيَوْمَ بِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ﴾ البقرة 249.
- ﴿إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعًا﴾ الأعراف 163.
- ﴿لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ﴾ التوبة 25.
- ﴿لا عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِلَّا مَنْ رَحِمَ﴾ هود 43.
- ﴿قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ كَمْ لَبِثْتُمْ قَالُوا لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ﴾ الكهف 19.
- ﴿هَذِهِ نَاقَةٌ لَهَا شِرْبٌ وَلَكُمْ شِرْبُ يَوْمٍ مَعْلُومٍ﴾ الشعراء 155.

بمعنى مطلق الوقت والحين:
- ﴿لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ﴾ التوبة 108.
- ﴿مِنْ جُلُودِ الْأَنْعَامِ بُيُوتًا تَسْتَخِفُّونَهَا يَوْمَ ظَعْنِكُمْ وَيَوْمَ إِقَامَتِكُمْ﴾ النحل 80.
- ﴿وَسَلَامٌ عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ وَيَوْمَ يَمُوتُ﴾ مريم 15.
- ﴿فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ﴾ الدخان 10.

وأمّا استعماله في الزمان الخارج عن المفهوم المادّيّ، فكما في:
- ﴿تَعْرُجُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ 4المعارج.
- ﴿وَإِنَّ يَوْمًا عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ﴾ الحج 47.

ولا يخفى أن مفهوم الزمن يختلف على ثلاثة مقاييس:
- في الحياة الدنيا له قياسان: الأول في الأرض وتحكمه العلاقة بين الأرض والقمر والشمس، لينتج لنا اليوم والليلة والعام بالتقدير الذي نعلمه. والقياس الثاني لما في خارج الأرض من أفلاك، وهذا يحسب حسب موقع الكواكب من نجومها.
- بعد الموت يختلف الزمن ليصير اليوم كالف سنة بحسابنا الأرضي، أو خمسين ألف سنة، ولا قدرة لبشر أن يقدرها، فعلمها عند الله.
- المفهوم الثالث هو الزمن المطلق أو السرمدي من الأزل إلى الأبد، وهذا لله وحده، إذ أنه سبحانه وتعالى فوق الزمان والمكان.






 
رد مع اقتباس
إضافة رد

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع تقييم هذا الموضوع
تقييم هذا الموضوع:

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

الساعة الآن 02:14 PM.


Powered by vBulletin® Version 3.8.3
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
جميع المواضيع والردود المنشورة في أقلام لا تعبر إلا عن آراء أصحابها فقط