الزائر الكريم: يبدو أنك غير مسجل لدينا، لذا ندعوك للانضمام إلى أسرتنا الكبيرة عبر التسجيل باسمك الثنائي الحقيقي حتى نتمكن من تفعيل عضويتك.

منتديات  

نحن مع غزة
روابط مفيدة
استرجاع كلمة المرور | طلب عضوية | التشكيل الإداري | النظام الداخلي 

العودة   منتديات مجلة أقلام > المنتديـات الثقافيـة > المنتدى الإسلامي

المنتدى الإسلامي هنا نناقش قضايا العصر في منظور الشرع ونحاول تكوين مرجع ديني للمهتمين..

إضافة رد

مواقع النشر المفضلة (انشر هذا الموضوع ليصل للملايين خلال ثوان)
 
أدوات الموضوع تقييم الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 25-07-2022, 11:23 AM   رقم المشاركة : 73
معلومات العضو
عوني القرمة
طاقم الإشراف
 
إحصائية العضو






عوني القرمة غير متصل


افتراضي رد: قراءات في الكتاب: ســـورة البقرة: 1) المدخل

(ٱلَّذِي جَعَلَ لَكُمُ ٱلۡأَرۡضَ فِرَٰشٗا وَٱلسَّمَآءَ بِنَآءٗ
وَأَنزَلَ مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءٗ فَأَخۡرَجَ بِهِۦ مِنَ ٱلثَّمَرَٰتِ رِزۡقٗا لَّكُمۡۖ
فَلَا تَجۡعَلُواْ لِلَّهِ أَندَادٗا وَأَنتُمۡ تَعۡلَمُونَ 22)








صفات الماء في القرآن الكريم:

ماء الخلق:
- (أَلَمۡ نَخۡلُقكُّم مِّن مَّآءٖ مَّهِينٖ 20) المرسلات، هو ماء الرجل (السائل المنوي)، ومن خواصه أنه مبتذل لا يعبأ به، وليس معناه - كما ذكر أكثر المفسرين - أنه حقير أو ضعيف.
- (خُلِقَ مِن مَّآءٖ دَافِقٖ 6) الطارق، وهو ماء الرجل، لأنه يخرج في دفقات.

ماء السـماء:
- الماء المبارك الذي يحيي الأرض، وينبت الزروع، وينشر الخير: (وَنَزَّلۡنَا مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءٗ مُّبَٰرَكٗا فَأَنۢبَتۡنَا بِهِۦ جَنَّٰتٖ وَحَبَّ ٱلۡحَصِيدِ 6) ق.
- الماء الطهور العذب الطيب: (وَهُوَ ٱلَّذِيٓ أَرۡسَلَ ٱلرِّيَٰحَ بُشۡرَۢا بَيۡنَ يَدَيۡ رَحۡمَتِهِۦۚ وَأَنزَلۡنَا مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءٗ طَهُورٗا 48) الفرقان.
- الماء المَعين الذي يسيل، ويسهل الحصول عليه، والانتفاع به: (قُلۡ أَرَءَيۡتُمۡ إِنۡ أَصۡبَحَ مَآؤُكُمۡ غَوۡرٗا فَمَن يَأۡتِيكُم بِمَآءٖ مَّعِينِۢ 30) الملك.
- الماء الثجاج: (وَأَنزَلۡنَا مِنَ ٱلۡمُعۡصِرَٰتِ مَآءٗ ثَجَّاجٗا 14) النبأ.
- ماء الأنهار والينابيع الذي يهطل فيجري في مسالك ظاهرة في الأرض أو مطمورة: (أَلَمۡ تَرَ أَنَّ ٱللَّهَ أَنزَلَ مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءٗ فَسَلَكَهُۥ يَنَٰبِيعَ فِي ٱلۡأَرۡضِ) الزمر 21.
- ماء البحار المالح: (وَمَا يَسۡتَوِي ٱلۡبَحۡرَانِ هَٰذَا عَذۡبٞ فُرَاتٞ سَآئِغٞ شَرَابُهُۥ وَهَٰذَا مِلۡحٌ أُجَاجٞۖ وَمِن كُلّٖ تَأۡكُلُونَ لَحۡمٗا طَرِيّٗا وَتَسۡتَخۡرِجُونَ حِلۡيَةٗ تَلۡبَسُونَهَاۖ وَتَرَى ٱلۡفُلۡكَ فِيهِ مَوَاخِرَ) فاطر 12.
- الماء الذي يستقر في الأرض: (وَأَنزَلۡنَا مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءَۢ بِقَدَرٖ فَأَسۡكَنَّٰهُ فِي ٱلۡأَرۡضِۖ) المؤمنون 18.
- الماء الغور الذي يغيب في الأرض: (أَوۡ يُصۡبِحَ مَآؤُهَا غَوۡرٗا فَلَن تَسۡتَطِيعَ لَهُۥ طَلَبٗا 41) الكهف.
- ماء الشرب: (هُوَ ٱلَّذِيٓ أَنزَلَ مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءٗۖ لَّكُم مِّنۡهُ شَرَابٞ وَمِنۡهُ شَجَرٞ فِيهِ تُسِيمُونَ 10) النحل.
- الماء الغدق الوفير: (وَأَلَّوِ ٱسۡتَقَٰمُواْ عَلَى ٱلطَّرِيقَةِ لَأَسۡقَيۡنَٰهُم مَّآءً غَدَقٗا 16) الجن.
- الماء الفرات، شديد العذوبة: (وَأَسۡقَيۡنَٰكُم مَّآءٗ فُرَاتٗا 27) المرسلات.

ماء العقاب:
- الماء المنهمر بغزارة، ولفترة طويلة، تهلك الزرع والحرث: (فَفَتَحۡنَآ أَبۡوَٰبَ ٱلسَّمَآءِ بِمَآءٖ مُّنۡهَمِرٖ 11) القمر.
- الماء المغيض، الذي غاب في الأرض بعد انهمار شديد: (وَقِيلَ يَٰٓأَرۡضُ ٱبۡلَعِي مَآءَكِ وَيَٰسَمَآءُ أَقۡلِعِي وَغِيضَ ٱلۡمَآءُ) هود 44.

ماء الجنة:
- الماء غير الآسن، وهو الجاري المتجدد الخالي من الملوثات: (فِيهَآ أَنۡهَٰرٞ مِّن مَّآءٍ غَيۡرِ ءَاسِنٖ) محمد 15.
- الماء المسكوب في الجنة: (وَمَآءٖ مَّسۡكُوبٖ 31) الواقعة.
- ماء عين السلسبيل، وماؤها سهل شديد العذوبة: (عَيۡنٗا فِيهَا تُسَمَّىٰ سَلۡسَبِيلٗا 18) الإنسان.

ماء النار:
- الماء الحميم شديد السخونة والغليان: (وَسُقُواْ مَآءً حَمِيمٗا فَقَطَّعَ أَمۡعَآءَهُمۡ 15) محمد.
- الماء الصديد شراب أهل جهنم: (مِّن وَرَآئِهِۦ جَهَنَّمُ وَيُسۡقَىٰ مِن مَّآءٖ صَدِيدٖ 16) إبراهيم.
- ماء كالمهل: (وَإِن يَسۡتَغِيثُواْ يُغَاثُواْ بِمَآءٖ كَٱلۡمُهۡلِ يَشۡوِي ٱلۡوُجُوهَۚ) الكهف 29.







 
رد مع اقتباس
قديم 27-07-2022, 09:12 PM   رقم المشاركة : 74
معلومات العضو
عوني القرمة
طاقم الإشراف
 
إحصائية العضو






عوني القرمة غير متصل


افتراضي رد: قراءات في الكتاب: ســـورة البقرة: 1) المدخل

(ٱلَّذِي جَعَلَ لَكُمُ ٱلۡأَرۡضَ فِرَٰشٗا وَٱلسَّمَآءَ بِنَآءٗ
وَأَنزَلَ مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءٗ فَأَخۡرَجَ بِهِۦ مِنَ ٱلثَّمَرَٰتِ رِزۡقٗا لَّكُمۡۖ
فَلَا تَجۡعَلُواْ لِلَّهِ أَندَادٗا وَأَنتُمۡ تَعۡلَمُونَ 22)








(فَلَا تَجۡعَلُواْ لِلَّهِ أَندَادٗا وَأَنتُمۡ تَعۡلَمُونَ):

أتى العطف لترتيب هذه الجملة على الكلام السابق، وهو مترتب على الأمر بالعبادة.
فالفاء للتسبُّب، تَسَبَّبَ عن إيجادِ هذه الآياتِ الباهرة النهيُ عن اتخاذِكم الأندادَ.
و "لا" ناهية و "تَجْعلوا" مجزومٌ بها، وهي هنا بمعنى تُصَيِّروا، وهو يتعدى لاثنين أولُهما: أنداداً، وثانيهما: الجارُّ والمجرورُ قبلَه، وهو واجبُ التقديمِ.
و (أَندَادٗا) جمع نِدّ. والنِّدُّ: المقاوِمُ المضاهي، سواء كان مثلاً أو ضِدَّاً أو خلافاً وقيل: هو الضدُّ، وقيل: الكُفْء والمِثْل، قال حسان:
أَتَهْجُوه ولستَ له بِنِدٍّ ..... فشرُّكما لخيركما الفِداءُ
أي: لستَ له بكُفْءٍ، وقد رُوِي ذلك، وقال آخر:
نَحْمَدُ الله ولا نِدَّ له ..... عندَه الخيرُ وما شاءَ فَعَلْ
وقيل: "النِّدُ المِثْل، ولا يُقال إلا للنِّدِّ المخالف، قال جرير:
أَتَيْماً تَجْعَلونَ إليَّ نِدَّاً ...... وما تَيْمٌ لذي حَسَبٍ نَدِيدُ
ونادَدْتُ الرجلَ خالَفْتُه ونافَرْتُه مِنْ: نَدَّ يَنِدُّ نُدُوداً أي نَفَر". انتهى، ويقال "نَديدة" على المبالغة، قال لبيد:
لِكيلا يكونَ السَّنْدَرِيُّ نديدتي ..... وأَجْعَلُ أَقْواماً عُموماً عَماعِمَا
وأمَّا النَّدُّ ـ بفتح النون ـ فهو التل المرتفعُ، والنَّدُّ: الطِّيب أيضاً، ليس بعربي. وهذه الجملةُ متعلقةٌ من حيث المعنى، بقوله: (ٱعۡبُدُواْ)، لأنَّ أصلَ العبادةِ التوحيدُ، ويجوز أن يتعلَّقَ بـ (ٱلَّذِي) إذا جعلتَه خبرَ مبتدأ محذوفٍ، أي: هو الذي جعل لكم هذه الآياتِ العظيمةَ والدلائلَ النَّيِّرة الشاهدَةَ بالوَحْدانية فلا تَجْعلوا له أنداداً.
وقريء: {فلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ نِدًّا}.
قوله تعالى: (وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ) جملةٌ من مبتدأ وخبرٍ في محلِّ نصب على الحال، ومفعولُ العِلْم متروكٌ، لأنَّ المعنى: وأنتم من أهلِ العِلم، أو حُذِف اختصاراً أي: وأنتم تعلمونَ بُطْلانَ ذلك.

من هم الذين عُنُوا بهذه الآية؟:


اختلف حولهم أهل التأويل، فقيل:
- عَنَى بها جميع المشركين من مُشركي العرب وأهل الكتاب، فقيل: نَزَل ذلك في الفريقين جميعًا من الكفار والمنافقين. وإنما عَنى - تعالى ذكره - بقوله: (فَلَا تَجۡعَلُواْ لِلَّهِ أَندَادٗا)، أي لا تشركوا بالله غيرَه من الأنداد التي لا تَنفع ولا تضرّ، (وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ) أنه لا ربّ لكم يرزقكم غيره، وقد علمتم أن الذي يدعوكم إليه الرسول من توحيده هو الحق لا شك فيه. والداعي إلى هذا التأويل، الظنُّ بالعرب أنها لم تكن تعلم أنّ اللهَ خالقها ورازقها، بجحودها وحدانيةَ ربِّها، وإشراكها معه في العبادة غيره. ولكنّ الله - جلّ ثناؤه - قد أخبرَ في كتابه عنها أنها كانت تُقر بوحدانيته، غير أنها كانت تُشرك في عبادته ما كانت تُشرك فيها، فقال تعالى: (وَلَئِن سَأَلۡتَهُم مَّنۡ خَلَقَهُمۡ لَيَقُولُنَّ ٱللَّهُۖ) الزخرف 87، وقال:(قُلۡ مَن يَرۡزُقُكُم مِّنَ ٱلسَّمَآءِ وَٱلۡأَرۡضِ أَمَّن يَمۡلِكُ ٱلسَّمۡعَ وَٱلۡأَبۡصَٰرَ وَمَن يُخۡرِجُ ٱلۡحَيَّ مِنَ ٱلۡمَيِّتِ وَيُخۡرِجُ ٱلۡمَيِّتَ مِنَ ٱلۡحَيِّ وَمَن يُدَبِّرُ ٱلۡأَمۡرَۚ فَسَيَقُولُونَ ٱللَّهُۚ) يونس 31.
- عنى بذَلك أهلَ الكتابين، أهلَ التوراة والإنجيل دُون غيرهم.

والذي هو أولى بتأويل قوله: (وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ) أنه عامٌّ للناس كافةً. هو خطاب لكل مكلف، عالم بوحدانية الله، وأنه لا شريكَ له في خلقه، يُشرِك معه في عبادته غيرَه، كائنًا من كان من الناس، عربيًّا كان أو أعجميًّا، كاتبًا أو أميًّا، وإن كان الخطابُ لكفار أهل الكتابِ الذين كانوا حَواليْ دَار هجرة رسول الله - عليه السلام -، وأهل النفاق منهم، وممن بينَ ظَهرانيهم ممّن كان مشركًا فانتقل إلى النفاق بمقدَم رسول الله.

كيف وصفهم بالعِلْمِ، وقد نعتهم بالخَتْمِ، والطَّبْعِ، والصَّمَمِ، والعمى؟:

الجواب من وجهين:
أ) وأنتم تعلمون العلم الخاص أن الله خلق، وأنزل الماء، وأنبت الرزق، وهو المنعم عليهم دون الأَنْدَادِ.
ب) وأنتم تعلمون وحدانيته بالفرد والإمكان لو تدبرتم ونظرتم، وفي هذا دليل على استعمال حجج المعقول، وإبطال التقليد.







 
رد مع اقتباس
قديم 28-07-2022, 05:46 PM   رقم المشاركة : 75
معلومات العضو
عوني القرمة
طاقم الإشراف
 
إحصائية العضو






عوني القرمة غير متصل


افتراضي رد: قراءات في الكتاب: ســـورة البقرة: 1) المدخل

(ٱلَّذِي جَعَلَ لَكُمُ ٱلۡأَرۡضَ فِرَٰشٗا وَٱلسَّمَآءَ بِنَآءٗ
وَأَنزَلَ مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءٗ فَأَخۡرَجَ بِهِۦ مِنَ ٱلثَّمَرَٰتِ رِزۡقٗا لَّكُمۡۖ
فَلَا تَجۡعَلُواْ لِلَّهِ أَندَادٗا وَأَنتُمۡ تَعۡلَمُونَ 22)







فرق المشركين:

لا يتسع المجال لذكر كل طوائف المشركين في العالم، إلا أن إيراد أهم نماذجهم قد يفي بالغرض، وهو تعريفنا ببعض جوانب الخلل في عقائدهم:

1) الثنوية:
هؤلاء هم أصحاب الاثنين الأزليين: يزعمون أن النور والظلمة أزليان قديمان، قالوا بتساويها في القدم، واختلافهما في الجوهر والطبع والفعل والحيز والمكان والأجناس والأبدان والأرواح. وهو اندماج وثني قائم على تعدد الآلهة. وأصله الاعتقاد بأن العالم صادر عن أصلين: النور والظلمة. وهما إلهان مختلفان تمام الاختلاف، كل منهما له وجود مستقل في ذاته؛ فالنور عندهم هو إله الخير المحمود والظلمة هي الإله الشرير المذموم. وهذا يعني - عندهم - أن حقيقة الوجود تنطوي على انقسام داخلي وتقابل ضروري دائم بين أصلين، لكل منهما قوانينه وأطواره الزمنية الخاصة به. وهم ليسوا على عقيدة واحدة؛ ففي الشرق القديم وجد "ماني" مؤسس المانوية في فارس الذي قال بالتقابل بين مبدأي الخير والشر، أو النور والظلام، فالنور مصدر الخير، والظلام منشأ الشر، والخير والشر هذان لا يصدران عن شيء واحد، وهما مبدأن نشيطان فاعلان إلى الأبد. بينما كان زرادشت أقرب إلى التوحيد لأن الشر عنده عارض، والخير ينتصر في النهاية.
واستناداً على هذه العقيدة، وجدت نظرة فلسفية تقول بالثنائية، أو الضدين: الخير والشر، النور والظلام، الذكر والأنثى. وهذه الثنوية الفلسفية أو الميتافيزيقية جعلت الروح والنفس والعقل، في مقابل المادة أو الجسد، على اختلافات بين الفلاسفة اليونانيين حول هذه الأصول.

على أنه من المهم القول بأن هذه العقائد لم تندثر، بل اعتنقها محدثون، ورأينا رجالاً ونساءً في الغرب ينادون بعبادة لوسيفر. ولوسيفر- Lucifer هي كلمة لاتينية معناها: حامل الضوء- هو نسخة من الشيطان، وهو في العقيدة المسيحية رئيس الملائكة، تمرد على الله خالقه. فهنا نرى ثنائية تعبدية بين الشيطان ولوسيفر الذي يرونه النسخة الخيرة من الشيطان، وكأنهم بهذا يستبعدون الله من المشهد، ويؤمنون بالازدواجية بين إبليس والشيطان، بينما هما - عندنا - جني واحد، هو إبليس الذي أُمر بالسجود لما خلقه الله بيديه فعصى، فأبعد من رحمة الله، وسماه - عندئذ - بالشيطان.

2) عبادة النار (المجوسية):
زرادشت في الأصل آمن أن للعالم أصلين: نور، وظلمة، وأن نور الله في كل ما يشرق ويلتهب في الكون، وأمر بالاتجاه إلى جهة الشمس والنار ساعة الصلاة؛ لأن النور - في زعمه - رمز إلى الإله، وأمر بعدم تدنيس العناصر الأربعة؛ وهي: النار والهواء والتراب والماء. ثم جاء من بعده علماء سَنُّوا للزرادشتيين شرائع مختلفة، فحرَّموا عليهم الاشتغال بالأشياء التي تستلزم النار، فاقتصروا في أعمالهم على الفلاحة والتجارة، ومن هذا التمجيد للنار واتخاذها قبلة في العبادات، تدرَّج الناس إلى عبادتها، حتى صاروا يعبدونها عينًا، ويبنون لها هياكل ومعابد، وانقرضت كل عقيدة وديانة غير عبادة النار.
ولما كانت النار لا توحي إلى من يقدسونها بشريعة ولا ترسل رسولاً، ولا تتدخل في شئون حياتهم، ولا تعاقب العصاة والمجرمين، أصبحت الديانة عند المجوس عبارة عن طقوس وتقاليد يؤدونها في أماكن خاصة، وفي ساعات معينة، أما في خارج المعابد، وفي دورهم ودوائر حكمهم، فكانوا يسيرون على هواهم، وما تملي عليهم نفوسهم، أو ما توحي به مصالحهم. وعندما صار الأمر هكذا يُباح فيه كل شيء لأي أحد؛ أصبح أساس الأخلاق متزعزعًا، فصارت المحرماتُ النسبية - التي تواضعت على حرمتها طبائع أهل الأقاليم المعتدلة - موضعَ خلافٍ، ويذكر ول ديورانت في قصة الحضارة عن الفرس أن الأخ كان يتزوج أخته، والأب ابنته، والأم ولدها، حتى إن يزدجرد الثاني الذي حكم في أواخر القرن الخامس الميلادي تزوج بنته ثم قتلها، وإن بهرام جوبين الذي تملَّك في القرن السادس كان متزوجًا بأخته.

3) عبدة الثالوث:
قد يتبادر إلى أذهان الكثيرين أن التثليث عقيدة نشأت في المسيحية، غير أن هذا فهم خاطيء؛ فهي أقدم من المسيحية بكثير. إن الهندوس يعتقدون بأن الإله براهما سلم الأمر بعبادته إلى ولده نارد موني الذي سلمها بدوره إلى تلميذه فياس دف، وعن طريقه انتشرت في أنحاء الأرض. ثم إن الهندوسية تشبعت بمعتقدات عدة شعوب، نتيجة الهجرات إلى الهند، حتى دونت الديانة في أسفار "الفيدا"، والكلمة تعني: الحكمة، حوالي القرن الثامن قبل الميلاد.
ويقول بعض علماء المسلمين بأن الهندوسية كانت ديناً سماوياً أنزل على نبي أرسله الله إلى سكان الهند، وأن طول العهد بهذه الديانة السماوية قد فتح الباب لإضافات وتعديلات أوصلتها إلى صورتها الحالية المحرفة؛ حيث يعبد الهندوس الآن عدداً كبيراً من الآلهة، ويقدمون الطقوس لها عن طريق تماثيل تعبّر عن تلك الآلهة.
ويعتقد الهندوس أنه سيأتي وقت تمتلئ فيه الأرض بالظلم والجور ويختفي منها العدل، فيحتاج العدل إلى من يقيمه ويدفع الظلم، فينزل الإله في صورة بشرية ليملأ الأرض عدلاً بعدما ملئت ظلماً وجوراً. ويعتقدون أن من يتمثل فيه الإله وينزل إلى الأرض لإقامة العدل فيها هو كرشنا بطل ملحمة المها بهارتا. ولذلك يصف الهندوس كرشنا الذي هو تجسد الإله فشنو بأنه: المخلص، والفادي، والمعزّي، والراعي الصالح، والوسيط، وابن الله، والأقنوم الثاني من الثالوث المقدس، وهو: الأب والابن والروح القدس. كذلك يقولون بأن كرشنا ولد من العذراء ديفاكي التي اختارها الله والدة لابنه بسبب طهارتها وعفتها.
إن القول بالإله ذي الأقانيم الثلاثة، أعظم وأشهر عبادات الهندوس اللاهوتية. وثالوثهم هو: براهما، وفشنو، وسيفا، وهي أقانيم غير منفكة عن الواحد، تشكل الرب والمخلص والمهلك. وهذا الثالوث، كما تؤكد الكتب الهندوسية، غير منقسم في الجوهر والفعل والامتزاج، ويوضحونه بقولهم: براهما الممثل لمبادئ التكوين والخلق، ولا يزال خالقاً إلهياً هو الرب، وفشنو يمثل مبادئ الحماية والحفظ، وهو الابن المنبثق المتحول عن اللاهوتية، وسيفا المبدئ والمهلك والمبيد والمعيد وهو روح القدس. ويتضح فهمهم ذاك للثلاثة في واحد، من خلال رواية الكاهن الهندوسي الذي سأل الآلهة فقال: أيكم إله بحق؟ فأجابوا جميعاً: اعلم أيها الكاهن إنه لا يوجد أدنى فارق بيننا نحن الثلاثة، فإن الإله الواحد يظهر بثلاثة أشكال بأعماله: من خلق وحفظ وإعدام، ولكنه في الحقيقة واحد، فمن يعبد أحد الثلاثة فكأنه عبدها جميعاً، أو عبد الواحد الأعلى.

كل ذلك جعل بعض الباحثين يظنون بأن الكهنة الهنود فتحوا الباب للمسيحيين فيما يسمى: تثليث في وحدة ووحدة في تثليث. ولا شك أن ما يقوي هذا الظن التشابه العجيب بين تفاصيل المعتقدين. والقول بالتثليث جاء في المسيحية في فترة لاحقة بعد خروج النصرانية من مهدها في بلاد العرب، لتتأثر بمعتقدات الأمم المحيطة بها.

4) عبدة الكواكب:
عبدة الكواكب فرقوا بين الإله والرب؛ فكانوا يقولون: إنَّ الله - تعالى - خلق هذه الكواكب، وهي مدبّرات لهذا العالم؛ لذا يجب علينا أن نعبدها. وكأن عمل الله توقف بمجرد الخلق، وأوكل إدارة الكون للأجرام السماوية. والقرآن الكريم يعرض علينا نموذجين من هؤلاء: أولهما في آيات سورة الأنعام: (وَكَذَٰلِكَ نُرِيٓ إِبۡرَٰهِيمَ مَلَكُوتَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ وَلِيَكُونَ مِنَ ٱلۡمُوقِنِينَ 75 فَلَمَّا جَنَّ عَلَيۡهِ ٱلَّيۡلُ رَءَا كَوۡكَبٗاۖ قَالَ هَٰذَا رَبِّيۖ فَلَمَّآ أَفَلَ قَالَ لَآ أُحِبُّ ٱلۡأٓفِلِينَ 76 فَلَمَّا رَءَا ٱلۡقَمَرَ بَازِغٗا قَالَ هَٰذَا رَبِّيۖ فَلَمَّآ أَفَلَ قَالَ لَئِن لَّمۡ يَهۡدِنِي رَبِّي لَأَكُونَنَّ مِنَ ٱلۡقَوۡمِ ٱلضَّآلِّينَ 77 فَلَمَّا رَءَا ٱلشَّمۡسَ بَازِغَةٗ قَالَ هَٰذَا رَبِّي هَٰذَآ أَكۡبَرُۖ فَلَمَّآ أَفَلَتۡ قَالَ يَٰقَوۡمِ إِنِّي بَرِيٓءٞ مِّمَّا تُشۡرِكُونَ 78)، ولعل عبادة الكواكب كانت عند القوم الذين رحل إليهم خليل الرحمن بعدما ألقي في النار لتحطيمه الأصنام في ديار أبيه آزر. وهؤلاء كانوا - على ما نرى - في جنوب جزيرة العرب، وهم جيران مملكة سبأ التي ذكر فيها أنهم يعبدون الشمس، كما ورد في قول الهدهد لسليمان - عليه السلام - في سورة النمل: (إِنِّي وَجَدتُّ ٱمۡرَأَةٗ تَمۡلِكُهُمۡ وَأُوتِيَتۡ مِن كُلِّ شَيۡءٖ وَلَهَا عَرۡشٌ عَظِيمٞ 23 وَجَدتُّهَا وَقَوۡمَهَا يَسۡجُدُونَ لِلشَّمۡسِ مِن دُونِ ٱللَّهِ) 24، وهذا هو النموذج الثاني الذي جاءت فيه عبادة النجوم والكواكب.

5) عبدة الأوثان:

لا شك أن عبادة الكواكب كانت مرحلة لاحقة لعبادة الأصنام في جنوب جزيرة العرب، لأنه ثبت بالقرآن الكريم كون عبادة الأصنام هي أقدم أشكال الشرك بالله. ونرى أن ادعاء أن عبادة النار هي الأقدم؛ لأنه يروى أنّ النّار لما أكلت قربان "هابيل" جاء "إبليس" إلى "قابيل"، وأخبره أنها إنما أكلت قربان أخيه، لأنه عبدها، فعبدت النار من ذلك الوقت. ونحن نرفض هذه الخرافة شكلاً وموضوعاً، وما يسقطها اعتقادنا بأن قاتل أخيه من ابني آدم هو مَنْ قُبِلَ قُرْبَانُه، ونفصل رؤيتنا للحدث في قراءة الآيات من سورة المائدة من عند: (وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ) 27.






 
رد مع اقتباس
قديم 29-07-2022, 12:52 PM   رقم المشاركة : 76
معلومات العضو
عوني القرمة
طاقم الإشراف
 
إحصائية العضو






عوني القرمة غير متصل


افتراضي رد: قراءات في الكتاب: ســـورة البقرة: 1) المدخل

(ٱلَّذِي جَعَلَ لَكُمُ ٱلۡأَرۡضَ فِرَٰشٗا وَٱلسَّمَآءَ بِنَآءٗ
وَأَنزَلَ مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءٗ فَأَخۡرَجَ بِهِۦ مِنَ ٱلثَّمَرَٰتِ رِزۡقٗا لَّكُمۡۖ
فَلَا تَجۡعَلُواْ لِلَّهِ أَندَادٗا وَأَنتُمۡ تَعۡلَمُونَ 22)






فرق المشركين:

5) عبدة الأوثان:

لا شك أن عبادة الكواكب كانت مرحلة لاحقة لعبادة الأصنام في جنوب جزيرة العرب، لأنه ثبت بالقرآن الكريم كون عبادة الأصنام هي أقدم أشكال الشرك بالله. ونرى أن ادعاء أن عبادة النار هي الأقدم؛ لأنه يروى أنّ النّار لما أكلت قربان "هابيل" جاء "إبليس" إلى "قابيل"، وأخبره أنها إنما أكلت قربان أخيه، لأنه عبدها، فعبدت النار من ذلك الوقت. ونحن نرفض هذه الخرافة شكلاً وموضوعاً، وما يسقطها اعتقادنا بأن قاتل أخيه من ابني آدم هو مَنْ قُبِلَ قُرْبَانُه، ونفصل رؤيتنا للحدث في قراءة الآيات من سورة المائدة من عند: (وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ) 27.


والقرآن الكريم يروي لنا عقيدة قوم نوح - عليه السلام - من خلال قولهم: (لَا تَذَرُنَّ ءَالِهَتَكُمۡ وَلَا تَذَرُنَّ وَدّٗا وَلَا سُوَاعٗا وَلَا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسۡرٗا 23) نوح، فعلمنا أن هذه المقالة كانت موجودةً قبل نوح - عليه الصلاة والسَّلام - وبقيت لعهده، بل إنها استمرت بعده في الجزيرة العربية، حتى أبطلها التوحيد الذي جاء به محمد ﷺ. والمذهب الذي هذا شأنه، فيستحيل معرفة فساده بالضرورة، لكن العلم بأن هذا الحجر المنحوت في هذه السَّاعة ليس هو الذي خلقه وخلق السماء والأرض علم ضروري، فيستحيل إطباق الجمع العظيم عليه؛ فوجب أن يكون لعبدة الأوثان غرض آخر سوى ذلك، والعلماء ذكروا فيه وجوهاً:
1) إن كثيراً من أهل "الصِّين" و "الهند" كانوا يقولون بالله، وملائكته، ويعتقدون أنه - تعالى - جسم وصورة كأحسن ما يكون من الصُّور، وهكذا حال الملائكة أيضاً في صورهم الحسنة، وأنهم كلّهم قد احتجبوا عنا بالسماء، وأن الواجب عليهم أن يصوغوا تماثيل أنيقة المنظر، حسنة المرأى، على الهيئة التي كانوا يعتقدونها من صور الإله والملائكة، فيعكفون على عبادتها قاصدين به طلب الزُّلْفَى إلى الله - سبحانه - وملائكته .فإن صَحّ هذا، فالسَّبب في عبادة الأوثان اعتقاد الشبه.
2) ما ذكر أكثر العلماء أن الناس رأوا تغيرات أحوال هذا العالم مربوطة بتغيرات أحوال سائر الكواكب؛ فاعتقدوا ارتباط السعودة والنحوسة في الدنيا بكيفية وقوعها في طوالع الناس، فلما اعتقدوا ذلك بالغوا في تعظيمها، فمنهم من اعتقد أنها أشياء واجبة الوجود لذواتها، وهي التي خلقت هذه العوالم، ومنهم من اعتقد أنها مخلوقة للإله الأكبر، لكنها خالقة لهذا العالم، فالأولون اعتقدوا أنها هي الإله في الحقيقة، والآخرون أنها هي الوسائط بين الله وبين البشر، فلا جرم اشتغلوا بعبادتها والخضوع لها، ثم لما رأوا الكواكب مستترة في أكثر الأوقات عن الأبصار اتخذوا لها أصناماً، وأقبلوا على عبادتها قاصدين بتلك العبادات الأجرام العالية، ومتقرّبين إلى أشباحها الغائبة، ثم لما طالت المدة ألغوا ذكر الكواكب وتجرّدوا لعبادة تلك التماثيل، فهؤلاء في الحقيقة عبدة الكواكب.
3) أن أصحاب الأحكام كانوا يعيِّنون سنين متطاولة، نحو الألف والألفين، ويزعمون أن من اتخذ طلسماً في ذلك الوقت على وجه خاص، فإنه ينفع في أحوال مخصوصة نحو السَّعادة والخصب، ودفع الآفات، وكانوا إذا اتخذوا ذلك الطلسم عَظَّموه لاعتقادهم أنهم ينتفعون به، فلمَّا بالغوا في ذلك التعظيم صار ذلك كالعبادة، ولمَّا طالت مدّة ذلك الفِعْلِ نسوا مبدأ الأمر، وانشغلوا بعبادتها على الجهالة بأصل الأمر.
4) أنه متى مات منهم رجل كبير يعتقدون في أنه مجاب الدعوة، ومقبول الشَّفاعة عند الله - تعالى - اتخذوا أصناماً على صورته، ويعبدونه على اعتقاد أن ذلك الإنسان يكون شفيعاً لهم يوم القيامة عند الله - تعالى - على ما أخبر الله عنهم في قولهم: (هَـٰؤُلاۤءِ شُفَعَٰؤُنَا عِندَ ٱللَّهِ) يونس 18.
5) لعلهم اتخذوها محاريب لصلاتهم، وطاعاتهم، ويسجدون إليها لا لها كما أنَّا نسجد إلى القبلة لا للقبلة، ولما استمرت هذه الحالة ظنّ الجهال من القوم أنه يجب عبادتها.
6) لعلّهم كانوا يعتقدون جواز حلول الرب فيها فعبدوها على هذا التأويل.


فهذه هي الوجوه التي يمكن حمل هذه المقالة عليها حتى ليصير بحيث يعلم بطلانه بضرورة العقل. واعلم أنّ إقامة الدّلالة على افتقار العالم إلى الصَّانع المختار يبطل القول بعبادة الأوثان على كلّ التأويلات.






 
رد مع اقتباس
قديم 30-07-2022, 01:15 PM   رقم المشاركة : 77
معلومات العضو
عوني القرمة
طاقم الإشراف
 
إحصائية العضو






عوني القرمة غير متصل


افتراضي رد: قراءات في الكتاب: ســـورة البقرة: 1) المدخل

(ٱلَّذِي جَعَلَ لَكُمُ ٱلۡأَرۡضَ فِرَٰشٗا وَٱلسَّمَآءَ بِنَآءٗ
وَأَنزَلَ مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءٗ فَأَخۡرَجَ بِهِۦ مِنَ ٱلثَّمَرَٰتِ رِزۡقٗا لَّكُمۡۖ
فَلَا تَجۡعَلُواْ لِلَّهِ أَندَادٗا وَأَنتُمۡ تَعۡلَمُونَ 22)





الوثنية في أرض النبوات:

يعرض لنا القرآن الكريم نماذج للشرك في قصص ثلاثة أجيال من الأنبياء:
‌أ) في قصة إبراهيم - عليه السلام - ثلاث محطات:
1) (وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ آزَرَ أَتَتَّخِذُ أَصْنَامًا آلِهَةً) الأنعام 74،

2) ثم في المحطة الثانية: (وَكَذَٰلِكَ نُرِيٓ إِبۡرَٰهِيمَ مَلَكُوتَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ وَلِيَكُونَ مِنَ ٱلۡمُوقِنِينَ 75 فَلَمَّا جَنَّ عَلَيۡهِ ٱلَّيۡلُ رَءَا كَوۡكَبٗاۖ قَالَ هَٰذَا رَبِّيۖ فَلَمَّآ أَفَلَ قَالَ لَآ أُحِبُّ ٱلۡأٓفِلِينَ 76 فَلَمَّا رَءَا ٱلۡقَمَرَ بَازِغٗا قَالَ هَٰذَا رَبِّيۖ فَلَمَّآ أَفَلَ قَالَ لَئِن لَّمۡ يَهۡدِنِي رَبِّي لَأَكُونَنَّ مِنَ ٱلۡقَوۡمِ ٱلضَّآلِّينَ 77 فَلَمَّا رَءَا ٱلشَّمۡسَ بَازِغَةٗ قَالَ هَٰذَا رَبِّي هَٰذَآ أَكۡبَرُۖ فَلَمَّآ أَفَلَتۡ قَالَ يَٰقَوۡمِ إِنِّي بَرِيٓءٞ مِّمَّا تُشۡرِكُونَ 78 إِنِّي وَجَّهۡتُ وَجۡهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضَ حَنِيفٗاۖ وَمَآ أَنَا۠ مِنَ ٱلۡمُشۡرِكِينَ 79) الأنعام، وما فات المفسرين في هذه الآيات ملمحان:
- الأول: أن المشهدين يعرضان عبادتين منفصلتين: الأصنام في الأول، وأجرام السماء في الثاني، مما يدل على أن عابدي الأصنام غير عابدي الكواكب والنجوم. والذي نراه أن المشهد الأول يصور لنا فترة نشأة إبراهيم - عليه السلام - بين ظهراني قوم أبيه آزر، وأن تحطيم الأصنام كان إيذاناً بإيذائه وإلقائه في النار، مما ألجأه إلى الهجرة، فانتقل إلى البيئة الثانية التي يعبد القوم فيها الأجرام السماوية. والآيات وإن كانت متتابعة إلا أن العطف بالواو في آية: (وَكَذَٰلِكَ نُرِيٓ إِبۡرَٰهِيمَ مَلَكُوتَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ) لا بالفاء كما في الآيات التالية عليها، يتحمل هذا الفهم.
- والثاني: هو الخلط في فهم الآيات، فصوروا إبراهيم - عليه السلام - في استعراضه لعبادات القوم، على أنه ما زال يشك ويبحث عن الله في الكواكب والقمر والشمس، بينما هو لم يشك يوماً في ربه، وقد أراه ملكوت السماوات والأرض قبل ذكره أن يجن عليه الليل، ويرى كوكباً. كذلك أكد القرآن الكريم في خمسة مواضع براءته من الشرك بقول: (وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ)، وإحداها في سورة النحل التي فيها كذلك في حقه - عليه السلام -: (إِنَّ إِبۡرَٰهِيمَ كَانَ أُمَّةٗ قَانِتٗا لِّلَّهِ حَنِيفٗا وَلَمۡ يَكُ مِنَ ٱلۡمُشۡرِكِينَ 120). آيات النظر في السماء - إذاً - لم تكن لشكه في ربه، بل كانت للسخرية من عبادة القوم، والسخرية في مواجهة الشركمن صفات خليل الرحمن، وقدرأيناها في معالجته لشركهم، في نحو: (فَرَاغَ إِلَىٰٓ ءَالِهَتِهِمۡ فَقَالَ أَلَا تَأۡكُلُونَ 91 مَا لَكُمۡ لَا تَنطِقُونَ 92) الصافات، وقوله: (بَلۡ فَعَلَهُۥ كَبِيرُهُمۡ هَٰذَا فَسۡ‍َٔلُوهُمۡ إِن كَانُواْ يَنطِقُونَ 63) الأنبياء. وإن آيات سورة الأنعام من هذا القبيل؛ إذ أنه كان يسفه عباداتهم، ويستهزأ بها. وإذا وُضِعَتْ علامتا استفهام وتعجب بعد: (هَٰذَا رَبِّي)؟! و (هَٰذَا رَبِّي هَٰذَآ أَكۡبَرُ)؟! استقام المعنى وفهم الأمر على حقيقته.

3) ثم في المحطة الثالثة يواجه مُتَألهاً. يقول تعالى:(أَلَمۡ تَرَ إِلَى ٱلَّذِي حَآجَّ إِبۡرَٰهِ‍ۧمَ فِي رَبِّهِۦٓ أَنۡ ءَاتَىٰهُ ٱللَّهُ ٱلۡمُلۡكَ إِذۡ قَالَ إِبۡرَٰهِ‍ۧمُ رَبِّيَ ٱلَّذِي يُحۡيِۦ وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا۠ أُحۡيِۦ وَأُمِيتُۖ قَالَ إِبۡرَٰهِ‍ۧمُ فَإِنَّ ٱللَّهَ يَأۡتِي بِٱلشَّمۡسِ مِنَ ٱلۡمَشۡرِقِ فَأۡتِ بِهَا مِنَ ٱلۡمَغۡرِبِ فَبُهِتَ ٱلَّذِي كَفَرَۗ وَٱللَّهُ لَا يَهۡدِي ٱلۡقَوۡمَ ٱلظَّٰلِمِينَ 258) البقرة، ولا نشك في أن هذا المشهد يصور لنا بيئة ثالثة، كان فيها مَلِكٌ يدعي الألوهية، لعل الخليل صادفه في رحلته من ديار قومه إلى ديار عباد الكواكب، أو سافر إليه بعد الاستقرار في البيئة الثانية.

ب) وفي قصة يوسف - عليه السلام - النموذج الثاني: (قَالَ لَا يَأۡتِيكُمَا طَعَامٞ تُرۡزَقَانِهِۦٓ إِلَّا نَبَّأۡتُكُمَا بِتَأۡوِيلِهِۦ قَبۡلَ أَن يَأۡتِيَكُمَاۚ ذَٰلِكُمَا مِمَّا عَلَّمَنِي رَبِّيٓۚ إِنِّي تَرَكۡتُ مِلَّةَ قَوۡمٖ لَّا يُؤۡمِنُونَ بِٱللَّهِ وَهُم بِٱلۡأٓخِرَةِ هُمۡ كَٰفِرُونَ 37 وَٱتَّبَعۡتُ مِلَّةَ ءَابَآءِيٓ إِبۡرَٰهِيمَ وَإِسۡحَٰقَ وَيَعۡقُوبَۚ مَا كَانَ لَنَآ أَن نُّشۡرِكَ بِٱللَّهِ مِن شَيۡءٖۚ ذَٰلِكَ مِن فَضۡلِ ٱللَّهِ عَلَيۡنَا وَعَلَى ٱلنَّاسِ وَلَٰكِنَّ أَكۡثَرَ ٱلنَّاسِ لَا يَشۡكُرُونَ 38 يَٰصَٰحِبَيِ ٱلسِّجۡنِ ءَأَرۡبَابٞ مُّتَفَرِّقُونَ خَيۡرٌ أَمِ ٱللَّهُ ٱلۡوَٰحِدُ ٱلۡقَهَّارُ 39 مَا تَعۡبُدُونَ مِن دُونِهِۦٓ إِلَّآ أَسۡمَآءٗ سَمَّيۡتُمُوهَآ أَنتُمۡ وَءَابَآؤُكُم مَّآ أَنزَلَ ٱللَّهُ بِهَا مِن سُلۡطَٰنٍۚ إِنِ ٱلۡحُكۡمُ إِلَّا لِلَّهِ أَمَرَ أَلَّا تَعۡبُدُوٓاْ إِلَّآ إِيَّاهُۚ ذَٰلِكَ ٱلدِّينُ ٱلۡقَيِّمُ وَلَٰكِنَّ أَكۡثَرَ ٱلنَّاسِ لَا يَعۡلَمُونَ 40) يوسف. ويبدو أن قوله: (إِنِّي تَرَكۡتُ مِلَّةَ قَوۡمٖ لَّا يُؤۡمِنُونَ)، هو عن أولئك القوم الذين يعيش آباؤه بينهم، بينما قوله: (مَا تَعۡبُدُونَ مِن دُونِهِۦٓ إِلَّآ أَسۡمَآءٗ سَمَّيۡتُمُوهَآ أَنتُمۡ وَءَابَآؤُكُم) من الواضح أنه يعني عبادة القوم الذين انتقل هو إليهم يوم باعوه واشتراه الرجل من مصر. وهنا وهناك كانت أصنام تعبد من دون الله. وإن بحثاً تاريخياً موثقاً بنتائج الحفريات في جنوب الجزيرة - أرض النبوات - قد يجيب على هذا التساؤل: أين كانت عبادة الكواكب، وأين كانت عبادة الأصنام؟ وقد مر بنا ذكر نماذج الشرك في زمن إبراهيم - عليه السلام - وهي ثلاثية - كما رأينا -: الكواكب، والأصنام، وتأله بشري. وفي عهد يوسف - عليه السلام - رأينا أحد هذه النماذج، بينما سنرى في زمن موسى - عليه السلام - نموذجين، ليس منهما عبادة الكواكب.

ج) جاء في قصة موسى - عليه السلام - النموذج الثالث، وهو نموذج متعدد:
1) حكى الكتاب مقالة فرعون: (يَا أَيُّهَا الْمَلأُ مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي) القصص 38، كيف يستقيم هذا معقول حاشيته: (أَتَذَرُ مُوسَىٰ وَقَوْمَهُ لِيُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَيَذَرَكَ وَآلِهَتَكَۚ) الأعراف 127، هو ادعى أنه من نسل الآلهة، فهو وارثها الممثل لها. وقد عرف هذا الشرك في عدة شعوب في الأرض، منها ملوك وادي النيل الذين كانوا يرون أنفسهم فوق البشر، حتى أنهم أحلوا للملك أن يتزوج بأخته حفاظاً على النسل المتفوق لسلالة أبناء الآلهة. ولتقريب المشهد ننظر إلى حكام كوريا الشمالية، الذين ورث الابن أباه، عن أبيه، وأُمر الناس أن يسجدوا لتماثيل الرؤساء الثلاثة.

2) وقد تشربت عقول بني إسرائيل الوثنية، حتى إنهم بعدما فارقوا ديار فرعون، ونجاهم الله من شره وجنده، أتوا على قوم يعكفون على أصنام لهم: (قَالُوا يَا مُوسَى اجْعَلْ لَنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ) الأعراف 138.

3) ثم حدثتهم أنفسهم بعد غياب نبي الله عنهم أن يعبدوا عجلاً: (وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ إِنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ أَنْفُسَكُمْ بِاتِّخَاذِكُمُ الْعِجْلَ) البقرة54. وقد كان من الواضح أن من استجابوا لدعوة السامري لم يكونوا قلة، لأن هارون قال لهم: (يَٰقَوۡمِ إِنَّمَا فُتِنتُم بِهِۦۖ) فناداهم بـ "يا قوم". واعتذر هارون لأخيه - عليهما السلام - قائلاً: (يَبۡنَؤُمَّ لَا تَأۡخُذۡ بِلِحۡيَتِي وَلَا بِرَأۡسِيٓۖ إِنِّي خَشِيتُ أَن تَقُولَ فَرَّقۡتَ بَيۡنَ بَنِيٓ إِسۡرَٰٓءِيلَ وَلَمۡ تَرۡقُبۡ قَوۡلِي 94) طه، مما يدل على كثرة الذين أشركوا منهم.

ونحن نرفض رواية إدخال عمرو بن لحي الخزاعيللأصنام إلى جزيرة العرب من الشام. فالرواية هكذا: "قال عمرو لأهل الشام : ما هذه الأصنام التي أراكم تعبدون؟ فأجابوا : هذه أصنام نعبدها فنستمطرها فتمطرنا ونستنصرها فتنصرنا. فقال عمرو: ألا تعطوني منها صنماً فأسير به إلى أرض العرب فيعبدونه، فأعطاه أهل الشام صنماً يُدعى بهبل وجاء به لمكة ونصبه وأمر الناس بعبادته، ثم تبع أهل مكة أهل الحجاز في تلك العبادة، لتنتشر بين جميع القبائل العربية، ظنا منهم أنه الدين الحق". هذا انتحال وكذب، لأن الأصنام كانت في الجزيرة من عهد نوح - عليه السلام - كما ورد في التنزيل العزيز: (وَقَالُوا لَا تَذَرُنَّ ءَالِهَتَكُمۡ وَلَا تَذَرُنَّ وَدّٗا وَلَا سُوَاعٗا وَلَا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسۡرٗا 23) نوح، ونحن نعتقد أن جنوب جزيرة العرب كان مهد النبوات، من عهد نوح حتى محمد عليهم جميعاً الصلاة والسلام.






 
رد مع اقتباس
قديم 31-07-2022, 02:08 PM   رقم المشاركة : 78
معلومات العضو
عوني القرمة
طاقم الإشراف
 
إحصائية العضو






عوني القرمة غير متصل


افتراضي رد: قراءات في الكتاب: ســـورة البقرة: 1) المدخل

(ٱلَّذِي جَعَلَ لَكُمُ ٱلۡأَرۡضَ فِرَٰشٗا وَٱلسَّمَآءَ بِنَآءٗ
وَأَنزَلَ مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءٗ فَأَخۡرَجَ بِهِۦ مِنَ ٱلثَّمَرَٰتِ رِزۡقٗا لَّكُمۡۖ
فَلَا تَجۡعَلُواْ لِلَّهِ أَندَادٗا وَأَنتُمۡ تَعۡلَمُونَ 22)





حول مضمون الآية:

لما ذكّر الله عباده بنعمة الإيجاد، ونعمة المساواة في المواهب التي تقتضي التقوى وعدم إطراء السلف برفعهم إلى مقام الربوبيّة كما وقع من الذين (ٱتَّخَذُوۤاْ أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِّن دُونِ ٱللَّهِ) التوبة 31، ذكّرهم ثانياً ببعض خصائص الربوبيّة التي تقتضي الاختصاص بالعبوديّة؛ فقال: (ٱلَّذِي جَعَلَ لَكُمُ ٱلأَرْضَ فِرَٰشاً) بما مهدها وجعلها صالحة للافتراش والإقامة عليها والارتفاق بها، أي فهو القادر على جلائل الفعال، العظيم الذي يستحقّ العبادة والإجلال، المنعم بجميع النعم، الجدير بأعلى مراتب الشكر، جعل الأرض بقدرته فراشاً لأجل منفعتكم (وَٱلسَّمَاءَ بِنَآءً) متماسكاً لكيلا تقع على الأرض فتسحقكم. والسماء: مجموع ما فوقنا من العالم، والبناء: وضع شيء على شيء بحيث يتكوّن من ذلك شيء بصورة مخصوصة. وقد كوّن الله السماء بنظام كنظام البناء، وسوّى أجرامها على هذه الصفة المشاهدة، وأمسكها بقدرته عبر قوانين الثبات والإحكام، فلا تقع على الأرض، ولا يصطدم بعضها ببعض، إلاّ إذا جاء يوم الوعيد، وبطل نظام هذا العالم ليعود في خلق جديد. والواجب ملاحظته في هذا المقام، هو تصوّر قدرة الله تعالى وعظمته، وسعة فضله ورحمته.


وقد ذكر الله - تعالى - ههنا خمسة أنواع من الدلائل اثنين من الأنفس وثلاثة من الآفاق:
فبدأ أولاً بقوله: (خَلَقَكُمْ)،
وثانياً: بالأسلاف من الآباء والأمهات، وهو قوله: (وَٱلَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ)،
وثالثاً: بكون الأرض فراشاً،
ورابعاً: بكون السماء بناء،
وخامساً: بالأمور الحاصلة من مجموع السماء والأرض، وهو قوله: (وَأَنزَلَ مِنَ ٱلسَّمَاء مَاء فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ ٱلثَّمَرٰتِ رِزْقاً لَّكُمْ)
ولهذا الترتيب أسباب:
1) إن أقرب الأشـياء إلى الإنسـان نفسه، وعلم الإنسـان بأحوال نفسـه أظهر من علمه بأحوال غيره، وإذا كان الغرض من الاسـتدلال إفادة العلم، فكل ما كان أظهر دلالة كان أقوى إفادة، وكان أولى بالذكر. فلهذا السـبب قدم ذكر نفس الإنسان، ثم ثناه بآبائه وأمهاته ثم ثلث بالأرض، لأن الأرض أقرب إلى الإنسان من السـماء والإنسـان أعرف بحال الأرض منه بأحوال السـماء، وإنما قدم ذكر السـماء على نزول الماء من السـماء وخروج الثمرات بسببه لأن ذلك كالأمر المتولد من السـماء
والأرض والأثر متأخر عن المؤثر، فلهذا السبب أخر الله ذكره عن ذكر الأرض والسماء.
2) إن خلق المكلفين أحياء قادرين أصل لجميع النعم، وأما خلق الأرض والسماء والماء فذاك إنما ينتفع به بشرط حصول الخلق والحياة والقدرة والشهوة، فلا جرم قدم ذكر الأصول على الفروع.
3) إن كل ما في الأرض والسماء من دلائل الصانع فهو حاصل في الإنسان، وقد حصل في الإنسان من الدلائل ما لم يحصل فيهما؟ لأن الإنسان حصل فيه الحياة والقدرة والشهوة والعقل، وكل ذلك مما لا يقدر عليه أحد سوى الله تعالى. فلما كانت وجوه الدلائل له ههنا أتم كان أولى بالتقديم، واعلم أنا كما ذكرنا السبب في الترتيب فلنذكر في كل واحد من هذه الثلاثة من المنافع.

ومدلولها على الإجمال: إن في إبداع السموات والأرض، الأولى في ارتفاعها واتساعها، والثانية في انخفاضها وكثافتها وصلاحيتها للحياة، وما فيها من نظام بديع وأفلاك وكواكب ومجرّات، وبحار وجبال وأنهار، وزروع ونبات وأشجار مثمرة وغير مثمرة، ومعادن وثروات، وتعاقب الليل والنهار مع الطول والقصر والاعتدال على مدار العام وبحسب الفصول والموقع، لأدلة دالة على وجود الله وكمال قدرته وعظمته ووحدانيته، بشرط أن يكون من ذوي العقول التامة الناضجة التي تدرك الأشياء بحقائقها، وليسوا كالصم البكم الذين لا يعقلون.






التوقيع

 
رد مع اقتباس
قديم 03-08-2022, 01:06 PM   رقم المشاركة : 79
معلومات العضو
عوني القرمة
طاقم الإشراف
 
إحصائية العضو






عوني القرمة غير متصل


افتراضي رد: قراءات في الكتاب: ســـورة البقرة: 1) المدخل

(ٱلَّذِي جَعَلَ لَكُمُ ٱلۡأَرۡضَ فِرَٰشٗا وَٱلسَّمَآءَ بِنَآءٗ
وَأَنزَلَ مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءٗ فَأَخۡرَجَ بِهِۦ مِنَ ٱلثَّمَرَٰتِ رِزۡقٗا لَّكُمۡۖ
فَلَا تَجۡعَلُواْ لِلَّهِ أَندَادٗا وَأَنتُمۡ تَعۡلَمُونَ 22)






حول مضمون الآية:

أما الكلام عن فرش الأرض، فقد ورَدتْ آيتانِ في القرآن الكريم تتحدثان عن فرش الأرض؛ هذه الآية، وقول الله تعالى: (وَٱلۡأَرۡضَ فَرَشۡنَٰهَا فَنِعۡمَ ٱلۡمَٰهِدُونَ 48) الذاريات، فذكر فرش الأرض بعد ذكر توسيع السماء، بقوله: (وَٱلسَّمَآءَ بَنَيۡنَٰهَا بِأَيۡيْدٖ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ 47 وذلك قبل خلق الأزواج.
والملاحظ في آية سورة البقرة أن هناك ترتيبًا زمنيًّا معينًا يشير إلى:
1) فرش الأرض بعد آية بناء السماء. وفرش الأرض يشير إلى تكوين قشرة لها، أو غلاف صخري لها.
2) إنزال المطر من السماء بعد فرش الأرض.
3) إخراج الثمرات عقب إنزال الماء، كما يُفهَم من العطف بالفاء؛ مما يشير إلى الترتيب مع التعقيب.
والآية تشير إلى مراحل تكوُّنِ أغلفة الأرض، وهي:
1) الغلاف الصخري (Lithosphere)،
2) الغلاف الجوي (Atmosphere)،
3) الغلاف المائي (Hydrosphere)،
4) الغلاف الحيوي (Biosphere).
وتشير الآية إلى مراحل تكوين تلك الأغلفة على الترتيب، وهذا هو المستقر علميًّا في علم الأرض (الجيولوجيا)، وهذا الترتيب الزمنيُّ في حدِّ ذاته يمثِّل إعجازًا علميًّا سبق به القرآنُ العِلمَ.
ومن حكم المؤكد أن فرشَ الأرضِ سبقه تكوُّنُ كلٍّ مِن غلافها الصخري، ثم غلافها الجوي، ثم المائي؛ فالغلافُ الأول هو الأقدم في التكوين؛ ثم أخذ الغلافان الأخيران في تفتيت سطح قشرة الأرض الصُّلبة؛ عن طريق وسائل التجوية الكيميائية والميكانيكية، وتكوَّن من جراء تلك العمليات الخارجية رواسبُ وصخور فتاتية من مثل الرمال والحصى والطين، هذا بالإضافة إلى نشاط العمليات الداخلية من براكين وزلازل.
وقد أسهمتْ عناصر الغلاف الجوي والمائي والحيوي في دورة الصخر السابقة وتشكيل سطح الأرض. لذلك، فإن فرش الأرض يتمثَّل في تكوين غلافها الصخري أولًا، ثم تشكيل سطح الأرض وتضاريسها بفعل العمليات الخارجية من دورات تحات وتجوية، وبتأثير عملياتها الداخلية من البراكين وقوى الرفع. ومع استمرار نمو الأرض، عبر فترة زمنية طويلة؛ عبر عمر الأرض؛ وقبل خلق الكائن البشري، أخَذَتِ الأرضُ زُخرُفَها الذي نعهده اليوم، بجبالها العالية، وأخاديدها العميقة، وأنهارها السارحة، وسبلها المذلَّلة، وبحارها الواسعة، ودوابها المبثوثة، وغلافها الجوي المتزن في مكوناته ونِسَبِه، وأصبحَتِ الأرضُ فِراشًا ومهادًا، نعمة من الخالق الذي خلَقَ كلَّ شيء بقدر.

وإن أكثر الآيات وضوحاً في ذكر ترتيب إيجاد السماوات والأرض هي الآيات في صدر سورة فصلت: (قُلۡ أَئِنَّكُمۡ لَتَكۡفُرُونَ بِٱلَّذِي خَلَقَ ٱلۡأَرۡضَ فِي يَوۡمَيۡنِ وَتَجۡعَلُونَ لَهُۥٓ أَندَادٗاۚ ذَٰلِكَ رَبُّ ٱلۡعَٰلَمِينَ 9 وَجَعَلَ فِيهَا رَوَٰسِيَ مِن فَوۡقِهَا وَبَٰرَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَآ أَقۡوَٰتَهَا فِيٓ أَرۡبَعَةِ أَيَّامٖ سَوَآءٗ لِّلسَّآئِلِينَ 10 ثُمَّ ٱسۡتَوَىٰٓ إِلَى ٱلسَّمَآءِ وَهِيَ دُخَانٞ فَقَالَ لَهَا وَلِلۡأَرۡضِ ٱئۡتِيَا طَوۡعًا أَوۡ كَرۡهٗا قَالَتَآ أَتَيۡنَا طَآئِعِينَ 11 فَقَضَىٰهُنَّ سَبۡعَ سَمَٰوَاتٖ فِي يَوۡمَيۡنِ وَأَوۡحَىٰ فِي كُلِّ سَمَآءٍ أَمۡرَهَاۚ وَزَيَّنَّا ٱلسَّمَآءَ ٱلدُّنۡيَا بِمَصَٰبِيحَ وَحِفۡظٗاۚ ذَٰلِكَ تَقۡدِيرُ ٱلۡعَزِيزِ ٱلۡعَلِيمِ 12)، وإذا نحينا خرافات أهل الكتاب ومن شايعهم من مفسري القرآن حول أيام الخلق، واسترشدنا بنظريات العلم الحديث، علمنا أن كل يوم من أيام الخلق كان زمناً طويلاً يعد بمليارات السنين، لا كما قال أهل الكتاب: من الأحد إلى الجمعة، وارتاح - جل وعلا عما يقولون - في اليوم السابع. ولا ما قاله مقلدوهم من علماء المسلمين، بل إنهم كذبوا على رسول ﷺ وحاشاه أن يقول بغير علم، فقالوا - افتراءً عليه - أنه قال: "خَلَقَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ التُّرْبَةَ يَومَ السَّبْتِ، وَخَلَقَ فِيهَا الجِبَالَ يَومَ الأحَدِ، وَخَلَقَ الشَّجَرَ يَومَ الاثْنَيْنِ، وَخَلَقَ المَكْرُوهَ يَومَ الثُّلَاثَاءِ، وَخَلَقَ النُّورَ يَومَ الأرْبِعَاءِ، وَبَثَّ فِيهَا الدَّوَابَّ يَومَ الخَمِيسِ، وَخَلَقَ آدَمَ - عليه السَّلَامُ - بَعْدَ العَصْرِ مِن يَومِ الجُمُعَةِ، في آخِرِ الخَلْقِ، في آخِرِ سَاعَةٍ مِن سَاعَاتِ الجُمُعَةِ، فِيما بيْنَ العَصْرِ إلى اللَّيْلِ".*
* أَخَذَ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ - بيَدِي فَقالَ: (النص)
الراوي :أبو هريرة.
صحيح مسلم (2789).
وفي السنن الكبرى للنسائي (11392):
- "يا أبا هُرَيْرةَ ، إنَّ اللَّهَ خلقَ السَّمَواتِ والأرضِ وما بينَهُما في ستَّةِ أيَّامٍ، ثمَّ استَوَى علَى العرشِ يومَ السَّابعِ، وخلقَ التُّربةَ يومَ السَّبتِ، والجبالَ يومَ الأحَدِ، والشَّجرَ يومَ الاثنَينِ، والشَّرَّ يومَ الثُّلاثاءِ، والنُّورَ يومَ الأربعاءِ، والدَّوابَّ يومَ الخَميسِ، وآدمَ يومَ الجمُعةِ في آخرِ ساعةٍ منَ النَّهارِ بعدَ العصرِ، خَلقَه مِن أديمِ الأرضِ بأحمرِها وأسودِها، وطيِّبِها وخبيثِها، مِن أجلِ ذلِكَ جعلَ اللَّهُ مِن آدمَ الطَّيِّبَ والخبيثَ".

ويأتي صاحب "الدرر السنية" في شرح الحديثين بمقولة عجيبة، يقول فيها: "إخبارُ النَّبيِّ - صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ - عنِ الغَيبيَّاتِ مِن دَلائلِ نُبوَّتِه، وبها يَزدادُ المُؤمنونَ إِيمانًا مع إيمانِهم." ثم يستطرد في شرح عمل الأيام، ولن نقف طويلاً عند مخالفة نص الحديث لما جاء في التنزيل الحكيم حول ترتيب خلق السماوات والأرض، كما سنستعرضه فيما يلي، لكن مما يزيد الأمر غرابة أن يسقط مفسرون محدثون في هذا الوهم، وما ينبغي لهم أن يلحقوا ما أثبت العلم الحديث كذبه. وأما من خالف هذا الهراء مدركاً أن الخلق يحتاج لزمن أكثر من أيام الأرض ذات الساعات المعدودة، فجعل اليوم كألف سنة مما تعدون. لكن المسألة أوسع من ذلك بكثير.

والأبحاث الحديثة تتكلم عن بدء الخلق بنقطة متناهية الصغر من الطاقة. ولأنهم مديون يستبعدون أن يبدأ الخلق من عدم، بينما نحن - كمؤمنين - ندرك أن ما عدا الله كان عدماً، وسيعود ليكون عدماً، ويبقى الله وحده الأزلي السرمدي. ويقولون إن هذه النقطة التي لا يتخيل العقل البشري صغر حجمها، كنت ذات حرارة وكثافة عالية لدرجة خيالية. وأما قبل هذه النقطة فالعلم بجميع قوانينه الفيزيائية والرياضية، يعجز عن تفسير ما قبلها، فلا يوجد زمان ولا مكان، ثم يكون ما يسمونه بالانفجار العظيم، فيبدأ عندهم الزمكان بخروج هذه الطاقة وتمددها. ثم إن تلك المادة التي صارت دخاناً، وهو غاز الهيدروجين كون السماء بما فيها من أجرام، ومنها الأرض. ثم تشكل الأرض، وتُعَمَّرُ بالجبال والتضاريس، ثم ترتب السماوات على سبع، ويتلوها إنشاء البحار والأنهار، ثم بعد زمن ليس بقليل تخلق الكائنات الحية في الأرض من نبات فحيوان فبشر.

ولعل في كثير من هذه التفاصيل موافقـة لآيات في القـرآن الكريم، لكن يظل "الانفجـار العظيم" نظرية قابلة للنقض أو التعديل.






 
رد مع اقتباس
قديم 04-08-2022, 01:53 PM   رقم المشاركة : 80
معلومات العضو
عوني القرمة
طاقم الإشراف
 
إحصائية العضو






عوني القرمة غير متصل


افتراضي رد: قراءات في الكتاب: ســـورة البقرة: 1) المدخل

(ٱلَّذِي جَعَلَ لَكُمُ ٱلۡأَرۡضَ فِرَٰشٗا وَٱلسَّمَآءَ بِنَآءٗ
وَأَنزَلَ مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءٗ فَأَخۡرَجَ بِهِۦ مِنَ ٱلثَّمَرَٰتِ رِزۡقٗا لَّكُمۡۖ
فَلَا تَجۡعَلُواْ لِلَّهِ أَندَادٗا وَأَنتُمۡ تَعۡلَمُونَ 22)






حول مضمون الآية:

وإذا تابعنا ذكر لفظة السماء ودلالتها وعلاقتها بالملكوت، نجد معلومات أشار إليها القرآن الكريم فيزيائياً وفلكياً بدقة عالية جداً، لها دلائلها الفيزيائية الفلكية المهمة. ولنتابع بعضها:

1) (وَمَا خَلَقۡنَا ٱلسَّمَآءَ وَٱلۡأَرۡضَ وَمَا بَيۡنَهُمَا لَٰعِبِينَ 16) الأنبياء.
والمقصود باللعب هنا: العبث، فالله - جل اسـمه - لم يخلق السـماوات والأرض بغرض اللهو، أو أنه كان عملاً عابثاً لا طائل من ورائه. ومثله قوله تعالى: (وَمَا خَلَقۡنَا ٱلسَّمَآءَ وَٱلۡأَرۡضَ وَمَا بَيۡنَهُمَا بَٰطِلٗاۚ) ص27.
وكثر أن ينبه القرآن العقول إلى الحكمة التي اقتضت المناسبة بين خلق ما في السماوات والأرض ملتبساً بالحق، وبين جزاء المكلفين على أعمالهم على القانون الذي أقامته الشرائع لهم في مختلف أجيالهم وعصورهم وبلدانهم إلى أن عَمّتهم الشريعة العامة الخاتمة شريعة الإسلام، وإلى الحكمة التي اقتضت تكوين حياة أبدية تلقى فيها النفوس جزاءَ ما قدمته في هذه الحياة الزائلة جزاء وفاقاً. فلذلك كثر أن تُعقب الآياتُ المبينة لما في الخلق من الحقّ بالآيات التي تذكُر الجزاء والحساب، نحو قوله: (وَمَا خَلَقۡنَا ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضَ وَمَا بَيۡنَهُمَآ إِلَّا بِٱلۡحَقِّۗ وإنَّ السّاعَةَ لَآتِيَةٌ) الحجر85، ويفصل الغرض بقوله: (وَمَا خَلَقۡنَا ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضَ وَمَا بَيۡنَهُمَا لَٰعِبِينَ 38 مَا خَلَقۡنَٰهُمَآ إِلَّا بِٱلۡحَقِّ وَلَٰكِنَّ أَكۡثَرَهُمۡ لَا يَعۡلَمُونَ 39 إِنَّ يَوۡمَ ٱلۡفَصۡلِ مِيقَٰتُهُمۡ أَجۡمَعِينَ 40) الدخان، فقد خلقا وما بينهما من نجوم وكواكب على عظم هذا الخلق وتوسعه، ودقة تدبيره دون خلل أو عطل، إنما هو مخلوق لخدمة الإنسان، وإذا كان خلق هذا كله وتذليله لخدمة الإنسان، فصار حرياً لهذا الكائن المخصوص والمخدوم أن يتواضع لله ويستجيب لعبادته، وإلا فقد خالف سنته - تعالى - وعارض مشيئته، ويوم الفصل آت لحسابه على ما أجرم في حق نفسه، قبل غيره.

2) (وَٱلسَّمَآءَ بَنَيۡنَٰهَا بِأَيۡيْدٖ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ 47) الذاريات.
إن فعل البناء تم للسماء المخلوقة، فحبكت أي: شدت وحكمت، بمختلف الأجرام السماوية والمواد الغازية والترابية والدخانية، والسماوات في توسع متسارع، وقد اكتشف العلماء من خلال رصد المجرات البعيدة أنها تبتعد عنا بسرعة متزايدة، وكل مجرتين تبتعدان عن بعضهما بسرعة تتناسب طردياً مع البعد بين هاتين المجرتين بحسب قانون هابل.

3) (وَٱلسَّمَآءَ رَفَعَهَا وَوَضَعَ ٱلۡمِيزَانَ 7) الرحمن.
هنا إضافة "الرفع" بعد ذكر الخلق والبناء، ليشير إلى الميزان. والميزان هنا هو توازن الملكوت، بسبب وجود قوة الطرد والجذب. ومن المعلوم أن كل الأجرام من سدم ومجرات ومواد ترابية وغازية منتشرة في السماء - ولا نقول: في الفضاء - ومادة وطاقة مظلمتين، مهما كان حجمها، إنما تتحرك وفق نظام محكم، وكل منها يدور حول مركز ثقلٍ مّا، حسب قوى الجذب المؤثرة فيه لتبقيه متحركاً سابحاً في فلك. وقد سبقتها آية: (ٱلشَّمۡسُ وَٱلۡقَمَرُ بِحُسۡبَانٖ 5) الرحمن، لتذكر شكلاً آخر من أشكال الضبط، وتظهر التفرد بخلق الشمس والقمر، ودواعي الامتنان لما أودع فيهما من منافع للناس، ونظام سيرهما الذي به تدقيق نظام معاملات الناس واستعدادهم لما يحتاجون إليه عند تغيرات أجْوَائِهم وأرزاقهم ومنافعهم.

4) (ثُمَّ ٱسۡتَوَىٰٓ إِلَى ٱلسَّمَآءِ وَهِيَ دُخَانٞ فَقَالَ لَهَا وَلِلۡأَرۡضِ ٱئۡتِيَا طَوۡعًا أَوۡ كَرۡهٗا قَالَتَآ أَتَيۡنَا طَآئِعِينَ 11) فصلت.
(ثُمَّ) للترتيب الرتبي، وهي تدل على أن مضمون الجملة المعطوفة أهم مرتبة من مضمون الجملة المعطوف عليها، فإن خلق السماوات أعظم من خلق الأرض، وعوالمها أكثر وأعظم، فجيء بحرف الترتيب الرتبي بعد أن قُضِي حق الاهتمام بذكر خلق الأرض حتى يوفَّى المقتضيان حقَّهما. وليس هذا بمقتضٍ أن الإِرادة تعلقت بخلق السماء بعد تمام خلق الأرض ولا مقتضياً أن خلق السماء وقع بعد خلق الأرض.
والاستواء: القصد إلى الشيء تَوًّا لا يعترضه شيء آخر، وهو تمثيل لتعلق إرادة الله تعالى بإيجاد السماوات. والدخان: ما يتصاعد من الوَقود عند التهاب النار فيه، وقوله: (وَهِيَ دُخَانٌ) تشبيه بليغ، أي وهي مثل الدخان. وقيل: أراد بالدخان هنا شيئاً مظلماً، أو إنه كان سحاباً رقيقاً، وهو تقريب للعنصر الأصلي الذي خَلق الله منه الموجودات، وهو الذي يناسب كوْنَ السماء مخلوقة قبل الأرض.
وربما كان في قوله: (فَقَال لَهَا وللأرْضِ ائتِيَا طَوْعاً أوْ كَرْهاً) إشارة إلى أنه تعالى توجهت إرادته لخلق السماوات والأرض توجهاً واحداً ثم اختلف زَمن الإِرادة التنجيزي بتحقيق ذلك فتعلقت إرادته تنجيزاً بخلق السماء ثم بخلق الأرض، فعبر عن تعلق الإِرادة تنجيزاً لخلق السماء بتوجه الإرادة إلى السماء، وذلك التوجه عبر عنه بالاستواء. إن قوله هذا قُصِدَ منه - على ما نفهم - إظهار كمال القدرة والتقدير؛ ففعل (ائْتِيَا) أمر للتكوين، وقوله: (قَالَتَا أتَيْنَا طآئِعِينَ) فيه تغليب المذكر العاقل لإظهار إتمام الأمر قهرياً، وهو ما لا يمكن لمخلوق رد أمر الخالق.

5) (فَقَضَىٰهُنَّ سَبۡعَ سَمَٰوَاتٖ فِي يَوۡمَيۡنِ وَأَوۡحَىٰ فِي كُلِّ سَمَآءٍ أَمۡرَهَاۚ وَزَيَّنَّا ٱلسَّمَآءَ ٱلدُّنۡيَا بِمَصَٰبِيحَ وَحِفۡظٗاۚ ذَٰلِكَ تَقۡدِيرُ ٱلۡعَزِيزِ ٱلۡعَلِيمِ 12) فصلت.
القضاء هنا يعني التقدير أو التصيير أو التسوية لما هو موجود من (دُخَان). ولعل قضاء السماوات السبع كان بانفصال بعضها عن بعض، ونحن لا نرى منها إلا السماء الدنيا، مع ما فيها من أجرام وما يسمونه بالغبار الكوني. لكن خلق السماء كان قَبْلُ في يومين قبل أربعة الأيام التي خُلقت فيها الأرض وما فيها. ولابد أن نفرق هنا بين السماء - بالإفراد - والسماوات - بالجمع - لأن الأولى خلقها الله في اليومين الأولين، ثم صيرها إلى سبع سموات بعد أن خلق الأرض (وَجَعَلَ فِيهَا رَوَٰسِيَ مِن فَوۡقِهَا وَبَٰرَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَآ أَقۡوَٰتَهَا فِيٓ أَرۡبَعَةِ أَيَّامٖ) فصلت 10، ليكون ذلك في اليومين الباقيين من الأيام الست. ولا يخفى أن مدة تقدير السماوات السبع أقصر من مدة خلق الأرض وتكوين جبالها وتقدير أقواتها فيها.
والوحي :الكلام الخفي، ويطلق على حصول المعرفة في نفس من يراد حصولها عنده دون قولٍ، ومنه قوله تعالى حكاية عن زكريا: (فَخَرَجَ عَلَىٰ قَوۡمِهِۦ مِنَ ٱلۡمِحۡرَابِ فَأَوۡحَىٰٓ إِلَيۡهِمۡ) أي أومأ إليهم بما يدل على معنى: (سَبِّحُواْ بُكۡرَةٗ وَعَشِيّٗا) مريم 11، وقول أبي دُؤاد:
يَرمُون بالخُطب الطِّوالِ وتارةً .....وَحْيَ الملاَحظ خيفةَ الرُّقَباء
ثم يتوسع فيه فيطلق على إلهام الله تعالى المخلوقات لما تتطلبه مما فيه صلاحها كقوله: (وَأَوۡحَىٰ رَبُّكَ إِلَى ٱلنَّحۡلِ) النحل 68،أي جَبَلها على إدراك ذلك وتطلّبه. ويطلق على تسخير الله - تعالى - بعض مخلوقاته لقبول أثر قدرته كقوله هنا: (وَأَوۡحَىٰ فِي كُلِّ سَمَآءٍ أَمۡرَهَاۚ)، على أن هذا التعبير هنا يحتمل كذلك أن يعني الحقيقة والمجاز؛ فهو أوحى في السماوات بتقادير قوانين وجودها، ونُظُم أدائها لوظائفها. وإن علمنا من القرآن ما في السماء الدنيا من أجرام، يبقى ما فوقها من عوالم الغيب.






 
رد مع اقتباس
قديم 05-08-2022, 01:39 PM   رقم المشاركة : 81
معلومات العضو
عوني القرمة
طاقم الإشراف
 
إحصائية العضو






عوني القرمة غير متصل


افتراضي رد: قراءات في الكتاب: ســـورة البقرة: 1) المدخل

(ٱلَّذِي جَعَلَ لَكُمُ ٱلۡأَرۡضَ فِرَٰشٗا وَٱلسَّمَآءَ بِنَآءٗ
وَأَنزَلَ مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءٗ فَأَخۡرَجَ بِهِۦ مِنَ ٱلثَّمَرَٰتِ رِزۡقٗا لَّكُمۡۖ
فَلَا تَجۡعَلُواْ لِلَّهِ أَندَادٗا وَأَنتُمۡ تَعۡلَمُونَ 22)





حول مضمون الآية:


6) (فَسَوَّىٰهُنَّ سَبۡعَ سَمَٰوَٰتٖۚ) البقرة 29.
أي أن السماء - بصيغة اسم الجمع - كانت موجودة على غير نظام أو عدد فسواهن الله - تعالى - سبع سماوات طباقاً. وتشير الأرصاد والدراسات الفيزيائية الفلكية إلى أن السماء في توسع واتساع وتسارع في الاتساع، وأن العديد من علماء الفيزياء الفلكية المعاصرين يتحدثون من خلال دراساتهم عن أن ما يسممونه بالكون المرئي (Universe) هو أحد الأكوان المتعددة (Multi Universe)، وقد أشار الله - سبحانه وتعالى - إلى سَبْعَ سَمَاوَاتٍ في العديد من الآيات الكريمات.

7) (وَجَعَلۡنَا ٱلسَّمَآءَ سَقۡفٗا مَّحۡفُوظٗاۖ وَهُمۡ عَنۡ ءَايَٰتِهَا مُعۡرِضُونَ 32) الأنبياء.
قد صيَّر الله - تعالى - السـماء سـقفاً محفوظاً وحافظاً للأرض والكائن الحي الساكن عليها. وقد قال قبلها: (وجَعَلْنا في الأرْضِ رَواسِيَ أنْ تَمِيدَ بِهِمْ وجَعَلَنا فِيها فِجاجًا سُبُلًا) الأنبياء 31، فقابل بين ما جعل في الأرض بما جعل في السماء، وفي كلٍ خدمة للإنسان وحفظٌ. ونخالف من قال: "وأمّا حال خلق السماء (سَقۡفٗا مَّحۡفُوظٗا) فلا تظهر فيه منفعة فلم يذكر بعده امتنان، ولكنه ذكر إعراضهم عن التدبر في آيات خلق السماء الدالة على الحكمة البالغة فعقب بقوله تعالى: (وَهُمۡ عَنۡ ءَايَٰتِهَا مُعۡرِضُونَ)". والسقف يعني ذلك الغلاف المسقوف في السـماء الدنيا، وهو يقي الأرض من النيـازك السـاقطة ليل نهار، فتتفتت وتبـرد قبل وصولها إلى الأرض.

مما جاء في الفقرات السبع أعلاه: سبعة أفعال - وهي: خلق ، بنى، رفع، استوى، قضى، سوَّى، جعل - اقترنت بالسماء من حيث نشوئها أو وجودها الأول وما يتبعه بدلالته الفلكية. إن اختيار هذه الأفعال لصياغة الآيات الكريمات أعلاه ليس خارج الانتباه أو التبصر، وإن تطبيق مبدأ المادة: هي جوهر وشكل أو جوهر وهيئة على السماء صحيح، إلا أن تحديد ماهية المادة أو صورة الهيئة على نحو نهائي أو قريب من ذلك يدخل في دراسات علم الأرصاد الفلكية والفيزياء الفلكية، ولا ضير في ذلك. وقد نخرج من المحتوى الذاتي للفعل إلى محتوى السياق الذي هو فيه فيتغير معناه اللغوي تماماً، لأن للسياق أثراً كبيراً في تحديد دلالة الكلمة العربية، فنجد الشمول في معنى الخلق، والإحكام في معنى البناء، والضبط في معنى الرفع، والقدرة في معنى الاستواء، والدقة في معنى التسوية، والسيطرة في معنى القضاء، والحكمة في معنى الجعل. وهذا كله يدلنا على أن إنشاء السماء والسماوات والأرض عمل مبدع إلى أقصى درجات الإبداع، يتعدى كونه صنعاً إلى صنع جميل ذي غايات وحكم أكملها رب العزة باللمسة الجمالية فائقة الإبداع: (وَلَقَدۡ جَعَلۡنَا فِي ٱلسَّمَآءِ بُرُوجٗا وَزَيَّنَّٰهَا لِلنَّٰظِرِينَ 16) الحجر.

ثمّ بعد أن امتنّ بنعمة الإيجاد، ونعمة الفراش والمهاد، ونعمة السماء، التي هي كالبناء، ذكر نعمة الإمداد، الذي تحفظ به هذه الأجساد، وهي مادّة الغذاء، التي بها النمو والبقاء، فقال: (وَأَنزَلَ مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ ٱلثَّمَرَٰتِ رِزْقاً لَّكُمْ). والثمرات: ما يحصل من النبات نجماً كان أو شجراً، وما يُصلح الزارع والغارس الأرض، ويبذر البذر، ويغرس الفسيل، ويتعاهد ذلك بالسقي والعذق، فيكون له كسب في رزقه، ولكنّه ليس له كسب في إنزال المطر الذي يسقى به، ولا في تغذية النبات بماء المطر أو النهر المجتمع من المطر، وبأجزاء الأرض وعناصرها الأخر، ولا في تولّد خلاياه التي بها نموّه، ولا في إثماره إذا أثمر، وإنّما كلّ ذلك بيد الله القدير، وهو ما نبأنا به في سورة الواقعة: (أَفَرَءَيۡتُم مَّا تَحۡرُثُونَ 63 ءَأَنتُمۡ تَزۡرَعُونَهُۥٓ أَمۡ نَحۡنُ ٱلزَّٰرِعُونَ 64 لَوۡ نَشَآءُ لَجَعَلۡنَٰهُ حُطَٰمٗا فَظَلۡتُمۡ تَفَكَّهُونَ 65 إِنَّا لَمُغۡرَمُونَ 66 بَلۡ نَحۡنُ مَحۡرُومُونَ 67)


ثم قال تفريعاً وترتيباً على ما سبق (فَلاَ تَجْعَلُواْ للَّهِ أَندَاداً) من سلفكم المخلوقين مثلكم، تطلبون منهم ما لا يطلب إلاّ منه - وهو كلّ ما تعجزون عنه، ولا يصل كسبكم إليه - لا تفعلوا ذلك، فإنّهم في الخلق والعبوديّة مثلكم. فالآية تأمُر في نهايتها بعدم الشرك بالله: (فَلَا تَجۡعَلُواْ لِلَّهِ أَندَادٗا وَأَنتُمۡ تَعۡلَمُونَ)، وفي الآيات المشابهة من سورة الذاريات: (وَٱلسَّمَآءَ بَنَيۡنَٰهَا بِأَيۡيْدٖ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ 47 وَٱلۡأَرۡضَ فَرَشۡنَٰهَا فَنِعۡمَ ٱلۡمَٰهِدُونَ 48 وَمِن كُلِّ شَيۡءٍ خَلَقۡنَا زَوۡجَيۡنِ لَعَلَّكُمۡ تَذَكَّرُونَ 49) يختتـم سـياق آيات الملكوت بالفِرار إلى الله على منهاج النبوة الرشيدة: (فَفِرُّوٓاْ إِلَى ٱللَّهِۖ إِنِّي لَكُم مِّنۡهُ نَذِيرٞ مُّبِينٞ 50)، وهذا يؤكد أن الغرض من عرض آيات النفس والآفاق إنما هو لتوحيد الله وعبادته بحق، ولإيقاظ العقل حتى يتدبر آيات الله في الأرض والسماء، وليقر الإنسان بملكية الله - سبحانه وتعالى - للأرض والسماوات بما فيها ومن فيها، يقول تعالى: (قُل لِّمَن مَّا فِى ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلْأَرْضِ ۖ قُل لِّلَّهِ ۚ) الأنعام 12، وقد شملت (مَّا) كل المخلوقات، بما فيها الجن والناس.
وإن الإعراض عن آيات الله في السماء والأرض لشأن خطير، يقول الله تعالى: (وَكَأَيِّن مِّنۡ ءَايَةٖ فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ يَمُرُّونَ عَلَيۡهَا وَهُمۡ عَنۡهَا مُعۡرِضُونَ 105) يوسف، ويقول: (وَيُرِيكُمۡ ءَايَٰتِهِۦ فَأَيَّ ءَايَٰتِ ٱللَّهِ تُنكِرُونَ 81) غافر، ويقول في توصيف الزائغين عن آياته: (وَإِنَّ كَثِيرٗا مِّنَ ٱلنَّاسِ عَنۡ ءَايَٰتِنَا لَغَٰفِلُونَ 92) يونس. أما المهتدين إلى التفكر في آياته، فيقول فيهم: (وَهُوَ ٱلَّذِي جَعَلَ لَكُمُ ٱلنُّجُومَ لِتَهۡتَدُواْ بِهَا فِي ظُلُمَٰتِ ٱلۡبَرِّ وَٱلۡبَحۡرِۗ قَدۡ فَصَّلۡنَا ٱلۡأٓيَٰتِ لِقَوۡمٖ يَعۡلَمُونَ 97 وَهُوَ ٱلَّذِيٓ أَنشَأَكُم مِّن نَّفۡسٖ وَٰحِدَةٖ فَمُسۡتَقَرّٞ وَمُسۡتَوۡدَعٞۗ قَدۡ فَصَّلۡنَا ٱلۡأٓيَٰتِ لِقَوۡمٖ يَفۡقَهُونَ 98 وَهُوَ ٱلَّذِيٓ أَنزَلَ مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءٗ فَأَخۡرَجۡنَا بِهِۦ نَبَاتَ كُلِّ شَيۡءٖ فَأَخۡرَجۡنَا مِنۡهُ خَضِرٗا نُّخۡرِجُ مِنۡهُ حَبّٗا مُّتَرَاكِبٗا وَمِنَ ٱلنَّخۡلِ مِن طَلۡعِهَا قِنۡوَانٞ دَانِيَةٞ وَجَنَّٰتٖ مِّنۡ أَعۡنَابٖ وَٱلزَّيۡتُونَ وَٱلرُّمَّانَ مُشۡتَبِهٗا وَغَيۡرَ مُتَشَٰبِهٍۗ ٱنظُرُوٓاْ إِلَىٰ ثَمَرِهِۦٓ إِذَآ أَثۡمَرَ وَيَنۡعِهِۦٓۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكُمۡ لَأٓيَٰتٖ لِّقَوۡمٖ يُؤۡمِنُونَ 99) الأنعام، وفي الكتاب مواضع كثيرة تذكر آيات الملكوت، والتصريف فيه، وأن من يتدبرها ويتفكر فيها من القوم العالمين أو المؤمنين أو المتقين أو المتوسمين أو غيرها من صفات الحكمة والتعقل.






 
رد مع اقتباس
قديم 08-08-2022, 12:50 PM   رقم المشاركة : 82
معلومات العضو
عوني القرمة
طاقم الإشراف
 
إحصائية العضو






عوني القرمة غير متصل


افتراضي رد: قراءات في الكتاب: ســـورة البقرة: 1) المدخل

(وَإِن كُنتُمۡ فِي رَيۡبٖ مِّمَّا نَزَّلۡنَا عَلَىٰ عَبۡدِنَا فَأۡتُواْ بِسُورَةٖ مِّن مِّثۡلِهِۦ
وَٱدۡعُواْ شُهَدَآءَكُم مِّن دُونِ ٱللَّهِ إِن كُنتُمۡ صَٰدِقِينَ 23)







(وَإِن كُنتُمۡ فِي رَيۡبٖ مِّمَّا نَزَّلۡنَا عَلَىٰ عَبۡدِنَا فَأۡتُواْ بِسُورَةٖ مِّن مِّثۡلِهِۦ):

هذا انتقال لإثبات الجزء الثاني من جزئي الإيمان بعد أن تم إثبات الجزء الأول من ذلك بما قدمه من قوله تعالى: (يَٰٓأَيُّهَا ٱلنَّاسُ ٱعۡبُدُواْ رَبَّكُمُ) 21. كذلك جاءت: (وَإِن كُنتُمۡ فِي رَيۡبٖ ...) مناسبةُ عطف على قوله: (فَلَا تَجۡعَلُواْ لِلَّهِ أَندَادٗا) 22.
وجملة: (وَإِن ...): شرطية؛ فـ "إِن" حرف شرطٍ يَجْزِم فعلينِ شرطاً وجزاءً، ولا يكونُ إلا في المحتملِ وقوعُه، فلذلك يُحْذَفُ مجزومُها كثيراً، وقد يُحْذَفُ الشرطُ والجزاءِ معاً، قال:
قالَتْ بناتُ العَمِّ يا سَلْمى وإنْ ..... كانَ فقيراً مُعْدِماً قالَتْ: وإنْ
أي: وإن كان فقيراً تزوجتُه.
وعبّر عن كون الريب بـ "إن" دون "لو" أو "إذا" لأن "لو" تنفي الريب على الإطلاق، و "إذا" تثبته لكل أفراد المخاطبين، والحق أن الأمر بين هذا وذاك، وهو ما عبر عنه المجيء بـ "إن" رغم أن من شأن هذا التنزيل ألا يرتاب فيه؛ لأنّ الحقّ فيه ظاهر بذاته، يتلألأ نوره في كلّ آية من آياته، ولكن:
مِثْلَ النَّهَارِ يَزِيدُ أَبْصَارَ الْوَرَى ..... نُـــــورًا وَيُعْمِـي أَعْيُـــنَ الْخُفَّــاشِ
إِذَا لَمْ تَكُنْ لِلْمَرْءْ عَيْنٌ صَحِيحَةٌ ..... فَلاَ غَرْوَ أَنْ يَرْتَابَ وَالصُّبْحُ مُسْفِرُ
وقوله: (فِي رَيۡبٖ): مجازٌ من حيث إنه جَعَلَ الريبَ ظرفاً محيطاً بهم، بمنزلةِ المكانِ لكثرةِ وقوعِه منهم. ووجه الإتيان بـ (فِي) الدالة على الظرفية: الإشارة إلى أنهم قد امتلكهم الريب وأحاط بهم إحاطة الظرف بالمظروف. واستعارة "في" لمعنى الملابسة شـائعة في كلام العرب كقولهم: هو في نعمة.
و "مِنْ" في: (مِّمَّا): للسببية ويجوز أن تتعلَّق بريب، أي: إن ارتَبْتُمْ من أجل. أو هي لابتداءِ الغاية، ولا يجوزُ أن تكونَ للتبعيضِ.
و "ما" موصولةٌ أو نكرةٌ موصوفةٌ، والعائدُ على كلا القولين محذوفٌ أي: نَزَّلناه.
والتضعيفُ في (نَزَّلۡنَا) هنا للتعدية مرادفاً لهمزةِ التعدِّي، ويَدُلُّ عليه قراءةُ "أنْزَلْنا" بالهمز، ودل اللفظ - عند البعض - على نزولِه مُنَجَّماً في أوقاتٍ مختلفة. وصار المعنى لدينا هنا على ضربين: الكثرة بسبب التضعيف، أو التنجيم. وانْتُصِر لمعنى التضعيف بقوله تعالى: (لَوْلاَ نُزِّلَ عَلَيْهِ ٱلْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً) الفرقان 32، وقوله: (وَقَالُواْ لَوْلاَ نُزِّلَ عَلَيْهِ آيَةٌ) الأنعام 37، كما رُدَّ التضعيف الدالُّ على الكثرةِ بقوله تعالى: (لَنَزَّلْنَا عَلَيْهِم مِّنَ ٱلسَّمَآءِ مَلَكاً رَّسُولاً) الإسراء 95، إذ ليس المعنى على أنهم اقترحوا تكرير نزول آيةٍ، ولا أنه عَلَّق تكريرَ نزولِ مَلَكٍ رسولٍ على تقديرِ كونِ ملائكةٍ في الأرض. وقيل إن في هذه
الآيات لا يستغنى عن التأويل.
وفي قوله: (نَزَّلۡنَا) التفاتٌ من الغَيْبةِ إلى التكلُّمِ لأنَّ قبلَه: (ٱعْبُدُواْ رَبَّكُمُ)، فلو جاء الكلامُ عليه لقيل: ممَّا نَزَّلَ على عبدِه، ولكنه التفت للتفخيمِ للمنزل والمنزل عليه، وهو ما لا يؤديه ضمير غائب، لا سيما كونه أتى بـ "نا" المشعرة بالتعظيم التام وتفخيم الأمر ونظيره: (وَهُوَ ٱلَّذِيٓ أَنزَلَ مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءٗ فَأَخۡرَجۡنَا) الأنعام 99.
و (عَلَىٰ عَبۡدِنَا): متعلِّـقٌ بـ (نَزَّلۡنَا)، وعُـدِّي بـ (عَلَىٰ) لإفـادتهـا الاســتعلاءَ للمُنَـزَّلِ على المُنَزَّلِ عليه وتمكنه منه، كأنَّ المُنَزَّل تَمَكَّنَ من المنزولِ عليه ولبسه، ولهذا جاء أكثرُ القرآن بالتعدِّي بها، دونَ "إلى"، فإنها تفيدُ الانتهاء والوصولَ فقط.
والأصل في العبد لغة: المملوك الذكر من جنس الإنسان، وهو راجع لمعنى العبادة.
وفي إضافة العبد إليه تعالى في (عَبۡدِنَا) تشريف وتنبيه على عظيم قدره، واختصاصه بخالص العبودية، ورفع محله وإضافته إلى نفسه تعالى.
واسم العبد عام وخاص، وهذا من الخاص:
يا قومِ قلبي عندَ زهْراءِ ..... يَعْرِفُه السامعُ والرائي
لا تَدْعُني إلاَّ بيا عبدَهـا ..... فإنه أَشْــرَفُ أســمائي
وقُريء: {عبادِنا}، فقيل: المرادُ النبيُّ - عليه السلام - وأمته، لأنَّ جَدْوَى المنزَّلِ حاصلٌ لهم، وقيل: المرادُ بهم جميعُ الأنبياءِ - عليهم السلام -.
قوله تعالى: (فَأۡتُواْ): جوابُ الشرط، والفاءُ هنا واجبةٌ لأنَّ ما بعدها لا يَصِحُّ أن يكونَ شـرطاً بنفسِه. وقد تُحْذَفُ الهمزةُ التي هي فاءُ الكلمةِ في الأمرِ شذوذاً كقوله:
فإنْ نحنُ نَنْهَضْ لكم فَنَبُرَّكُمْ ..... فَتُونا فعادُونا إذاً بالجرائمِ
يريد: فَأْتونا كقوله: فَأْتوا.
و (بِسُورَةٖ): متعلق بـ "أتوا".
والسُّورة: الدرجةُ الرفيعة، قال النابغة:
ألم ترَ أنَّ الله أعطاكَ سُورةً ..... ترى كلَّ مَلْكٍ دونَها يَتَذَبْذَبُ
وسُمِّيَتْ سورةُ القرآنِ بذلك لأنَّ صاحبَها يَشْرُفُ بها وَترْفَعُه.
وسورة القرآن: قطعة منه معينة تتميز عن غيرها من أمثالها بمبدأ ونهاية، وتشتمل على ثلاث آيات فأكثر في غرض تام أو عدة أغراض، لها رابط معنوي.
وقيل في اشتقاقها:
1) اشتقاقُها من السُّؤْر وهو البَقِيَّة، ومنه "أَسْأَروا في الإِناء" قال الأعشى:
فبانَتْ وقد أَسْأَرَتْ في الفؤا ..... دِ صَدْعاً على نَأَيِها مُسْتطيرا
أي: أَبْقَتْ، ويَدُلُّ على ذلك أنَّ تميماً وغيرَها يهمزون فيقولون: سُؤْرة بالهمز، وسُمِّيت سورةُ القرآن بذلك لأنها قطعةٌ منه، وهي على هذا مخففةٌ من الهمزة.
2) وقيل: اشتقاقُها من سُورِ البِناءِ لأنها تُحيط بقارئها وتحفظُه كسُورِ المدينة، ولكنَّ جَمْعَ سُورةِ القرآن سُوَر بفتح الواو، وجَمْعَ سُورةِ البِناء سُوْر بسكونِها فَفرَّقوا بينها في الجمعِ.
والمِثْل أصله المَثيل والمُشابه تمامَ المشابهة فهو في الأصل صفة يتبع موصوفاً ثم شـاع إطلاقه على الشيء المشابه المكافيء.
وفي الهاء في قوله تعالى:(مِّن مِّثۡلِهِ) قولان معتبران:
1) أنها تعودُ على "ما نَزَّلنا"، فيكون مِنْ مثله صفةً لسورة، ويتعلّقُ بمحذوفٍ على ما تقرَّر، أي: بسورةٍ كائنةٍ من مثلِ المنزَّل في فصاحتِه وإخبارِه بالغُيوبِ وغيرِ ذلك. ويكونُ معنى (مِّن) التبعيضَ، أو البيان.
2) أنها تعودُ على (عَبۡدِنَا) فيتعلَّقُ (مِّن مِّثۡلِهِ)"من مثله" بـ "أْتُوا"، ويكون معنى (مِّن) ابتداءَ الغاية، ويجوز على هذا الوجه أيضاً أن تكونَ صفةً لسورة، أي: بسورةٍ كائنة من رجلٍ مثلِ عبدِنا.
فالضمير في (مِّن مِّثۡلِهِ) إما أن يعود على "ما"، أي: من مِثل ما نزلنا من القرآن، أو أن يعود على (عَبۡدِنَا)، بمعنى: من مِثل محمد - عليه السلام -.






 
رد مع اقتباس
قديم 09-08-2022, 01:55 PM   رقم المشاركة : 83
معلومات العضو
عوني القرمة
طاقم الإشراف
 
إحصائية العضو






عوني القرمة غير متصل


افتراضي رد: قراءات في الكتاب: ســـورة البقرة: 1) المدخل

(وَإِن كُنتُمۡ فِي رَيۡبٖ مِّمَّا نَزَّلۡنَا عَلَىٰ عَبۡدِنَا فَأۡتُواْ بِسُورَةٖ مِّن مِّثۡلِهِۦ
وَٱدۡعُواْ شُهَدَآءَكُم مِّن دُونِ ٱللَّهِ إِن كُنتُمۡ صَٰدِقِينَ 23)







من الذين نزلت هذه الآية فيهم؟:


- قيل: نزلت في جميع الكفار،
- وقيل: نزلت في اليهود، وسبب ذلك أنهم قالوا: هذا الذي يأتينا به محمد لا يشبه الوحي وإنا لفي شك منه.

والأظهر القول الأول؛ فيكون ذلك خطاباً لمنكري النبوات، كما قال تعالى، حكاية عن بعضهم: (وَمَا قَدَرُواْ ٱللَّهَ حَقَّ قَدۡرِهِۦٓ إِذۡ قَالُواْ مَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ عَلَىٰ بَشَرٖ مِّن شَيۡءٖۗ) الأنعام 91.

مناسبة هذه الآية لما قبلها:

لما احتج تعالى عليهم بما يثبت الوحدانية ويبطل الإشراك، وعرفهم أن من جعل لله شريكاً فهو بمعزل من العلم والتمييز، أخذ يحتج على من شك في النبوة بما يزيل شبهته، وهو كون القرآن معجزة، وبين لهم كيف يعلمون أنه من عند الله أم من عنده، بأن يأتوا هم ومن يستعينون به بسورة هذا، وهم الفصحاء البلغاء المجيدون حوك الكلام، من النثر والنظم، والمتقلبون في أفانين البيان، والمشهود لهم في ذلك بالإحسان.

القول في عائد الضمير في: (مِّن مِّثۡلِهِ):

الهاء في: (مِّن مِّثۡلِهِ) عائدة إما على القرآن، أي: من مِثل ما نزلنا من القرآن، أو على الرسول - عليه السلام - بمعنى: من مِثل محمد في ظروف حياته وتاريخه.
والمعنى: ائتوا بسورة منتزعة من رجل مثل محمد في مثل بيئته وثقافته. والمِثل سواء كان صفة أو اسماً فهو مثل مقدَّر بناء على اعتقادهم وفرضهم.

وأكثر المفسرين رجحوا الأول، لوجوه:
1) أن الارتيـاب أولاً إنما جيء به منصبـاً على المُنَـزّلِ لا على المُنَـزّلِ عليه، وإن كان الريب في المنزل ريباً في المنزل عليه بالالتزام، فكان عود الضمير عليه أولى.
2) أنه قد جاء في نظير هذه الآية وهذا السياق قوله: (قُلۡ فَأۡتُواْ بِسُورَةٖ مِّثۡلِهِۦ) يونس 38، وقوله: (قُلۡ فَأۡتُواْ بِعَشۡرِ سُوَرٖ مِّثۡلِهِۦ مُفۡتَرَيَٰتٖ) هود 13، وقوله: (عَلَىٰٓ أَن يَأۡتُواْ بِمِثۡلِ هَٰذَا ٱلۡقُرۡءَانِ لَا يَأۡتُونَ بِمِثۡلِهِۦ) الإسراء 88،
3) اقتضاء ذلك كونهم عاجزين عن الإتيان، سواء اجتمعوا أو انفردوا، وسواء كانوا أميين أم كانوا غير أميين، وعوده على المنزل يقتضي كون آحاد الآدميين عاجزاً عنه، لأنه لا يكون مثله إلا الشخص الواحد الأمي. فأما لو اجتمعوا أو كانوا قارئين فلا شك أن الإعجاز على الوجه الأول أقوى، فإذا جعلنا الضمير عائداً على المنزل، فـ "من": للتبعيض وهي في موضع الصفة لسورة أي بسورة كائنة من مثله.

وفي طبيعة المثلية على كون الضمير عائداً على المنزل أقوال: من مثله:
1) في حسن النظم، وبديع الرصف، وعجيب السرد، وغرابة الأسلوب وإيجازه وإتقان معانيه.
2) في غيوبه من إخباره بما كان وبما يكون.
3) في احتوائه على الأمر، والنهي، والوعد، والوعيد، والقصص، والحكم، والمواعظ، والأمثال.
4) في صدقه وسلامته من التبديل والتحريف.
5) من مثله، أي كلام العرب الذي هو من جنسه.
6) في أنه لا يخلق على كثرة الرد، ولا تمله الأسماع، ولا يمحوه الماء، ولا تفنى عجائبه، ولا تنتهي غرائبه، ولا تزول طلاوته على تواليه، ولا تذهب حلاوته من لهوات تاليه.
7) من مثله في دوام آياته وكثرة معجزاته.
8) من مثله، أي مثله في كونه من كتب الله المنزلة على من قبله، تشهد لكم بأن ما جاءكم به ليس هو من عند الله - جل وعلا - كما قال: (قُلۡ هَاتُواْ بُرۡهَٰنَكُمۡ إِن كُنتُمۡ صَٰدِقِينَ 111) البقرة.



وإن جعلنا الضمير عائداً على المنزل عليه، فمن متعلقة بقوله: فأتوا من مثل الرسول بسـورة. ومعنى "مِنْ" على هذا الوجه: ابتداء الغاية، ويجوز أن تكون في موضع الصفة فتتعلق بمحذوف. وهي أيضاً لابتداء الغاية، أي بسورة كائنة من رجل مثل الرسول، أي ابتداء كينونتها من مثله. وفي المثلية على كون الضمير عائداً على المنزل عليه على أقوال: من مثله:
1) ممن من بيئة مثيلة لبيئته التي خرج منها، لم يختلط بأهل الكتاب، ولا تعلم علومهم.
2) ممن لم يدارس العلماء، ولم يجالس الحكماء، ولم يؤثر عنه قبل ذلك تعاطي الأخبار، ولم يرحل من بلده إلى غيره من الأمصار.
3) ممن على زعمكم أنه ساحر شـاعر مجنون.
4) من أبناء جنسه وأهل مدرته.


مظاهر اختلاف نظم القرآن عما أُثِرَ من كلام العرب:

1) إن فصاحة العرب أكثرها في وصف مشاهدات، مثل وصف بعير أو فرس أو جارية أو ملك أو ضربة أو طعنة أو وصف حرب أو وصف غارة، وليس في القرآن من هذه الأشياء شيء، فكان يجب ألا تحصل فيه الألفاظ الفصيحة التي اتفقت العرب عليها في كلامهم.
2) إنه - تعالى - راعى فيه طريقة الصدق وتنزه عن الكذب في جميعه، وكل شاعر ترك الكذب والتزم الصدق نزل شعره ولم يكن جيداً. ألا ترى أن لبيد بن ربيعة وحسان بن ثابت لما أسلما نزل شعرهما، ولم يكن شعرهما الإسلامي في الجودة كشعرهما الجاهلي وأن الله تعالى مع ما تنزه عن الكذب والمجازفة جاء بالقرآن فصيحاً، فاق فصاحة العرب كما ترى؟.
3) إن الكلام الفصيح والشعر الفصيح إنما يتفق في القصيدة في البيت والبيتين، والباقي لا يكون كذلك، وليس كذلك القرآن لأنه كله فصيح بحيث يعجز الخلق عنه كما عجزوا عن جملته.
4) إن كل من قال شعراً فصيحاً في وصف شيء فإنه إذا كرره لم يكن كلامه الثاني في وصف ذلك الشيء بمنزلة كلامه الأول. وفي القرآن التكرار الكثير ومع ذلك كل واحد منها في نهاية الفصاحة ولم يظهر التفاوت أصلاً.
5) إنه اقتصر على إيجاب العبادات وتحريم القبائح والحث على مكارم الأخلاق وترك الدنيا واختيار الآخرة، وأمثال هذه الكلمات توجب تقليل الفصاحة.
6) إنهم قالوا إن شعر امريء القيس يحسن عند الطرب وذكر النساء وصفة الخيل، وشعر النابغة عند الخوف، وشعر الأعشى عند الطلب ووصف الخمر، وشعر زهير عند الرغبة والرجاء، وبالجملة فكل شاعر يحسن كلامه في فن فإنه يضعف كلامه في غير ذلك الفن، أما القرآن فإنه جاء فصيحاً في كل الفنون على غاية الفصاحة، ألا ترى أنه سبحانه وتعالى قال في الترغيب: (فَلاَ تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّا أُخْفِىَ لَهُم مّن قُرَّةِ أَعْيُنٍ) السجدة 17، وقال تعالى: (وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ ٱلأَنْفُسُ وَتَلَذُّ ٱلأَعْيُنُ) الزخرف 71، وقال في الترهيب: (أَفَأَمِنتُمْ أَن يَخْسِفَ بِكُمْ جَانِبَ ٱلْبَرّ) الإسراء 68، وقال: (ءَأَمِنتُم مَّن فِي ٱلسَّمَآءِ أَن يَخۡسِفَ بِكُمُ ٱلۡأَرۡضَ فَإِذَا هِيَ تَمُورُ 16 أَمۡ أَمِنتُم مَّن فِي ٱلسَّمَآءِ أَن يُرۡسِلَ عَلَيۡكُمۡ حَاصِبٗاۖ فَسَتَعۡلَمُونَ كَيۡفَ نَذِيرِ 17) الملك، وقال: (وَٱسۡتَفۡتَحُواْ وَخَابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٖ 15) إبراهيم، إلى قوله: (وَيَأۡتِيهِ ٱلۡمَوۡتُ مِن كُلِّ مَكَانٖ وَمَا هُوَ بِمَيِّتٖۖ وَمِن وَرَآئِهِۦ عَذَابٌ غَلِيظٞ 17) إبراهيم، وقال في الزجر ما لا يبلغه وهم البشر وهو قوله: (فَكُلاًّ أَخَذْنَا بِذَنبِهِ)، إلى قوله: (وَمِنْهُمْ مَّنْ أَغْرَقْنَا) العنكبوت 40، وقال في الوعظ ما لا مزيد عليه: (أَفَرَأَيْتَ إِن مَّتَّعْنَـٰهُمْ سِنِين) الشعراء 205، وقال في الإلهيات: (ٱللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَحْمِلُ كُلُّ أُنثَىٰ مَا تَغِيضُ ٱلأَرْحَامُ وَمَا تَزْدَاد) الرعد 8، إلى آخره.
7) أن القرآن أصل العلوم كلها فعلم الكلام كله في القرآن، وعلم الفقه كله مأخوذ من القرآن، وكذا علم أصول الفقه، وعلم النحو واللغة، وعلم الزهد في الدنيا وأخبار الآخرة، واستعمال مكارم الأخلاق.







 
رد مع اقتباس
قديم 12-08-2022, 03:12 PM   رقم المشاركة : 84
معلومات العضو
عوني القرمة
طاقم الإشراف
 
إحصائية العضو






عوني القرمة غير متصل


افتراضي رد: قراءات في الكتاب: ســـورة البقرة: 1) المدخل

(وَإِن كُنتُمۡ فِي رَيۡبٖ مِّمَّا نَزَّلۡنَا عَلَىٰ عَبۡدِنَا فَأۡتُواْ بِسُورَةٖ مِّن مِّثۡلِهِۦ
وَٱدۡعُواْ شُهَدَآءَكُم مِّن دُونِ ٱللَّهِ إِن كُنتُمۡ صَٰدِقِينَ 23)







ما قيل في النزول والتنزيل:

وقع الخلاف في أول وأصل نزول القرآن. وسبب الخلاف هو في استعمال القرآن لفعلي: أنزل، ونَزَّل. أما الإنزال، فدليله: (شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ) البقرة 185، وقوله: (إِنَّآ أَنزَلۡنَٰهُ فِي لَيۡلَةٖ مُّبَٰرَكَةٍۚ) الدخان 3،وقوله: (إِنَّآ أَنزَلۡنَٰهُ فِي لَيۡلَةِ ٱلۡقَدۡرِ 1) القدر، وأما التنزيل فدليله: (وَقُرۡءَانٗا فَرَقۡنَٰهُ لِتَقۡرَأَهُۥ عَلَى ٱلنَّاسِ عَلَىٰ مُكۡثٖ وَنَزَّلۡنَٰهُ تَنزِيلٗا 106) الإسراء، وقوله: (وَقَالَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لَوۡلَا نُزِّلَ عَلَيۡهِ ٱلۡقُرۡءَانُ جُمۡلَةٗ وَٰحِدَةٗۚ كَذَٰلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِۦ فُؤَادَكَۖ وَرَتَّلۡنَٰهُ تَرۡتِيلٗا 32) الفرقان، فهل نزل مرة واحدة إلى السماء الدنيا، ثم نزل على الرسول - عليه الصلاة والسلام - مفرقاً، أو كان نزوله على صفة واحدة، مفرقاً حسب الوقائع. قد اختلف العلماء في هذا النزول على أقوال أشهرها قولان :
أولهما: وهو قول الأكثر: أن القرآن قد نزل من اللوح المحفوظ إلى السماء الدنيا ليلة القدر جملةً واحدة ، ثم نزل بعد ذلك منجَّماً في ثلاث وعشرين سنة . وكان الله - عز وجل - يُنزل على رسول الله - عليه الصلاة والسلام - بعضه في أثر بعض، فقالوا: (لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً).
القول الثاني: أنه ابتُديء إنزال القرآن في ليلة القدر، ثم نزل بعد ذلك منجَّماً في أوقات مختلفة حسب الحوادث والوقائع وحاجات الناس.
على أن هذا الخلاف ليس له كبير أثر في واقع تنزيل القرآن على النبي - عليه الصلاة والسلام - وقد قيل إن هذا التنزيل سببه إظهار كرامة القرآن وعظيم منزلته في العالَم العلوي . فإن قيل: ما السر في إنزاله جملة إلى السماء؟
قيل: فيه تفخيم لأمره وأمر مَن نزل عليه ، وذلك بإعلان سـكان السـموات السبع أن هذا آخر الكتب المنزلة على خاتم الرسـل لأشـرف الأمم.

وقد بحثنا الفروق بين الإنزال والتنزيل في أول السورة، وبينَّا أن الإنزال تم في ليلة القدر بتحويل القرآن إلى صيغة لسانية بعد أن كان كلاماً في علم الغيب لا يعلمه إلا الله، ثم تم التنزيل تنجيماً وفق الوقائع والأحداث طوال البعثة النبوية. ومَثلّنا الإنزال والتنزيل بآيات إنزال اللباس والحديد والأنعام.

ما فائدة تنزيل القرآن مفرقاً؟:

في نزول القرآنُ متفرقًا حسب الوقائع والمناسبات حِكَم بالغة:
1) تثبيت قلب النبي - عليه الصلاة والسلام - وهذه الحكمة هي التي رد الله بها على اعتراض الكفار في نزول القرآن متفرقًا بقوله تعالي: (كَذَٰلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِۦ فُؤَادَكَۖ) الفرقان 32، أي لنقوّي به قلبك، فإن الوحي إذا كان يتجدد في كل حادثة كان أقوى للقلب وأشد عناية بالمرسل إليه، ويستلزم ذلك كثرة نزول الملك إليه، وتجدد العهد به، وبما معه من الرسالة الواردة من ذلك الجناب العزيز، فيحدث له من السرور ما تقصر عنه العبارة، ولهذا كان أجود ما يكون في رمضان لكثرة لقياه جبريل.

2) التحدي والإِعجاز: لقد اعترض الكفار على نزول القرآن مُفرَّقًا، كما قال القرآن عنهم، وبما أنهم قد عجبوا مِن نزوله مُفرقًا، فإن الله تحداهم أن يأتوا بسورة مثله فعجزوا، وإن تحديهم به مُفرَّقًا أقوى في الِإعجاز، وأبلغ في الحجة من أن ينزل جملة واحدة فمن يعجز عن أن يأتي بسورة مثله مُفرقًا يعجز بالأولى من الِإتيان بمثله جملة واحدة.

3) تيسير حفظ القرآن وفهمه وترتيله: إن نزول القرآن مُفَرَّقًا يسهل للناس حفظه وفهمه، ولا سيما إذا كانوا أُميين كالعرب الذين نزل القرآن بلغتهم، فكان نزوله مُفرقًا خير عون لهم على حفظه في صدورهم، وفهمهم لآياته، كلما نزلت الآية أو الآيات حفظها الصحابة، وتدبروا معانيها، وعملوا بها. كذلك قد أمر الله نبيه بترتيل القرآن، فلزم أن يعلمه للناس، ولو نزل القُرآن دفعة واحدة، لَما استطاع النبيّ تعلُّم الترتيل، وتعليمه للصحابة الذين سينقلونه إلى مَن بعدهم من المسلمين.

4) تنشيط نفوس المؤمنين لقبول ما نزل من القرآن والعمل به: حيث يتشوق المسلمون إلى نزول الآية، ولا سيما عند الحاجة إليها كما في آيات الأحكام؛ كما أنّ نزوله مُفرَّقاً يُمهّد لهم تغيير بعض العقائد والأحكام التي تعلّقوا بها.

5) مسايرة الحوادث: ساير القرآن المواقف المهمة من سيرة الرسول - عليه الصلاة والسلام - وأصحابه، في مثل: (وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ) التوبة 25، فدعاهم لتصحيح المسار، وتثبيت دعائم الإيمان بنصر الله في قلوب المسلمين.
وقد يكون القُرآن مُجارياً لبعض الوقائع، كقصة المرأة التي جاءت تشتكي زوجها؛ بسبب ظهاره منها، فأنزل الله آياتٍ تُبيّن حُكم الله في هذه الواقعة، وما شابهها، وذلك كلّه يُسهم في معالجة المواقف بوضع الحلول الشرعية لها، بحيث تصبح بعد ذلك نهجاً مُتّبعاً.
وكإجابة القُرآن على بعض الأسئلة الإيمانية، نحو: سؤال بعض الناس عن الروح، فقال تعالى: (وَيَسأَلونَكَ عَنِ الرّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي) الإسراء 85، أو الأسئلة التشريعية، نحو سؤال المؤمنين عن حُكم الله - تعالى - في اليتامى، إذ قال: (وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَىٰ قُلْ إِصْلَاحٌ لَّهُمْ خَيْرٌ وَإِن تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ) البقرة 220.
وهذا النوع من الإجابات يُبيّن الطريق الصحيح الذي يجب أن يسير فيه المؤمنون.

6) التدرج في التشريع: كان القرآن الكريم يتدرج في نزوله، ويبدأ بالأهم فالمهم؛ فكان اهتمام القرآن الكريم أولًا بأصول الإِيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وما فيه من بعث وحساب وجنة ونار، وإقامة الأدلة على ذلك ليستأصل العقائد الفاسدة من نفوس المشركين، ويغرس فيها عقيدة الإِسلام. ثم بدأ يأمر بمحاسن الأخلاق، وينهى عن الفحشاء والمنكر ليقتلع جذور الفساد والشر، ويبين قواعد الحلال والحرام في المطاعم والمشارب والأموال والأعراض والدماء وغير ذلك. وكان القرآن ينزل وفق الحوادث التي تمر بالمسلمين في جهادهم الطويل لِإعلاء كلمة الله، وتشجيعهم على ذلك.

ومن أوضح الأمثلة على نزوله بالتدريج آيات تحريم الخمر؛ فقد نزل قوله تعالى: (وَمِن ثَمَرَٰتِ ٱلنَّخِيلِ وَٱلۡأَعۡنَٰبِ تَتَّخِذُونَ مِنۡهُ سَكَرٗا وَرِزۡقًا حَسَنًا) النحل 67، فإنَّه وصف الرزق بالحسن دون السَّكَر إشارة إلى ذم الخمر، ثم نزل قوله تعالى: (يَسۡ‍َٔلُونَكَ عَنِ ٱلۡخَمۡرِ وَٱلۡمَيۡسِرِۖ قُلۡ فِيهِمَآ إِثۡمٞ كَبِيرٞ وَمَنَٰفِعُ لِلنَّاسِ وَإِثۡمُهُمَآ أَكۡبَرُ مِن نَّفۡعِهِمَاۗ) البقرة219. فقارنت الآية بين منافع الخمر الوقتية، وبين مضارها في إثم تعاطيها وما ينشأ عنه من ضرر الجسمِ، وفساد العقل، وضياع المال، وإثارة لبواعث الفجور والعصيان، ثم نفَّرت الآية من الخمر بترجيح المضار على المنافع، ثم نزل قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ) النساء 43، فعرفوا تحريمه وقت الصلوات ثم نزل قوله تعالى: (يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ إِنَّمَا ٱلۡخَمۡرُ وَٱلۡمَيۡسِرُ وَٱلۡأَنصَابُ وَٱلۡأَزۡلَٰمُ رِجۡسٞ مِّنۡ عَمَلِ ٱلشَّيۡطَٰنِ فَٱجۡتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمۡ تُفۡلِحُونَ 90) المائدة. ولعل من حكمة التدرج في تشريع مثل هذه الأمور التي كانت قوام حياة الجاهليين، أنه لو نزل أول شيء: لا تشربوا الخمر، لقالوا: لا ندع الخمر أبدًا، ولو نزل: لا تزنوا، لقالوا: لا ندَع الزنا أبدًا.

7) إثبات أنّ القرآن من عند الله - تعالى - بالدليل القاطع: وذلك من خلال التناسُق والترابُط بين آيات القُرآن جميعها؛ فلو كان من عند البشر، لكان فيه الكثير من الاختلاف، والتناقُض؛ خاصة وهناك تداخل بين الآيات والسور في الترتيب الزمني، وهو منهج لا يمكن لغير الله أن يتقن توزيع سوره وآياته على هذا النحو.






 
رد مع اقتباس
إضافة رد

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع تقييم هذا الموضوع
تقييم هذا الموضوع:

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

الساعة الآن 05:30 AM.


Powered by vBulletin® Version 3.8.3
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
جميع المواضيع والردود المنشورة في أقلام لا تعبر إلا عن آراء أصحابها فقط