لا يقل الادب والفن والدراما وغيرها من الاعمال الفنية خطورة عن السلاح ، بل هي الوسائل والادوات الاخطر والاكثر فاعلية في تأكيد مضامين ما تهدف اليه .
وحين تتعرض هذه الاشكال الثقافية أو التثقيفية وادواتها ووسائلها لتناول قضية ما عقائدية وتاريخية ، يجب أن تربط الاحداث بمحركاتها الاساسية ، وان تجعل القيم هي الاساس في العملية الفنية والدرامية ، وتحاول قدر الامكان تنمية الحس النقدي لدى المشاهد بدل التلقين ، والتأثير التمنيجي الذي لا يهدف الا إلى تعزيز اختلالات ما ، في المعتقدات و القيم والسلوك ، فالدراما ليس مطالبه بأن تعكس واقعا مثاليا ، لأن الواقع ليس مثاليا لكن الفعل البشري الذي يسعى الى امتثال القيم يحاول قدر الامكان ان يقترب من مثالية الافكار والمعتقدات التي يؤمن بها ، ولذلك ففي الاعمال الدرامية التاريخية لم يكن أحد أكثر مثالية من الرسول صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام ، فحين سئلت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها عن خلق رسول الله صلى الله عليه وسلم ،أجابت إجابة بليغة متكاملة "كان خلقه القرءان" فالسنة النبوية كانت التمثل الكامل للقرآن في سيرته صلى الله عليه وسلم ومجمل حياته ، وفي حديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم انه قال خير القرون قرني ، او كما جاء عنه صلى الله عليه وسلم.
نحن لا نحتاج من الدراما ان تعمل على إنتاج الانحراف ، وتفتيق النزوع نحو الاخلاق الجاهلية ، وتأكيد الانقسامات ، ولكن معالجته الواقع والارتقاء به ودفع الناس الى ما يجمعهم على "كلمة سواء " أي لابد من ترسيخ المعتقدات والافكار الصحيحة في الوعي والوجدان والضمير ، لأن اي مجتمع قوي متماسك لا تكمن قوته في المقتنيات المادية ، وفي الاعتبارات الرخيصة والوجاهات التي تعمل على انتاج الفرز والتقسيم في المجتمع ، ولكن قوته في الافكار التي يعتنقها بمجمل ترابطه الفردي والاجتماعي ، ولذلك كل مجتمع في مختلف شؤون حياته هو وليد ما يعتقد ،وما يعتنق ،وما يؤمن به من أفكار وقيم مفعلة في واقعه ومختلف علاقاته .
في مجتمع غير قاريء تكون الدراما مؤثرة والشاشة فاعلة في ترسيخ المفاهيم أيا كانت ، لأن الفرق بين الكتاب والشاشة ان الاول يتعامل مع نص وقاريء يشتغل لديه الوعي النقدي ، أما الشاشة فتنتج إنسان ذو بعد واحد يتأثر ولايؤثر ، ويعمل تكرار الصورة على استلابه وإنتاج وعي زائف مشوه وإنسان لايكتشف الحقائق بقدر ما يلقن بركام من وعي زائف في أغلبه ، فمعظم وسائل الاعلام الذين يحركونها ليسوا امناء يدركون حجم المسؤولية وأي أدب او فن لا يخلو من مضامين فلسفية وفكرية يريد تجذيرها في الوعي ، تماما كما هو الاعلان.