الإطار الفلسفي لنظرية فرويد في التحليل النفسي: إن الإطار الفلسفي الذي انطلق منه فرويد في نظريته في التحليل النفسي كان من أسس بيولوجية وذلك من خلال طبيعة العمل الذي يعمل فيه فرويد وهو مجال الطب ، وقد ظهر واضحا في نظرياته في مجال الغرائز 0 وكذلك فسر فرويد الحياة النفسية لكل فرد يمكن تفسيرها على اتجاهين :ـ الاتجاه الأول : يتمثل في البناء الجسمي والعضوي للإنسان وذلك من خلال الجهاز العصبي الاتجاه الثاني : يتعلق بالأفعال الشعورية لدى الفرد ، وأما ما يكون فهو المجهول في منطقة اللاشعور .
نظرية الشخصية : Theory of Personality إن مفهوم الشخصية في نظرية التحليل النفسي الذي ترتكز على بناء الشخصية هو أحد القواعد الأساسية لنظرية التحليل النفسي التي تتمثل في مكونات الشخصية الثلاثة وأن لكل مكون خصائصه وصفاته ومميزاته ، إلا أنها في النهاية تكون وحدة واحدة تمثل شخصية الفرد ، وهذه المكونات الثلاثة هي :ـ
1ـ الهـو : The ID الذي يعتبر منبع الطاقة الحيوية النفسية ومستودع الغرائز والدوافع الفطرية ، وهو يمثل الأساس الغريزي الذي ينتج عنه الطاقة النفسية ، وهو فطري سيكولوجي وموجود منذ الولادة مع الطفل ، وهو مستودع الغرائز ، مثل غرائز اللذة والحياة والموت ، وهذه الغرائز كلها تعمل تحت سيطرة الهو ، وهو أيضا لا شعوري 0 والوظيفة الأساسية للهو في الكائن العضوي يمثل في جلب الراحة للفرد 0 فالهو عند الطفل الجائع تبحث بشكل عنيف وعاجل إلى أن يحصل الفرد على ما يريد من الطعام ، وذلك من أجل حصول الطفل على الراحة والهدوء بعد هذا الاشباع وهذا ما يسمى بمبدأ اللذة 0 وقد أشار باترسون إلى أن الهو تمثل الحقيقة النفسية الصحيحة ، حيث تمثل عالم الخبرات الداخلية للفرد وليس لديها أي معرفة بالحقيقة الموضوعية ، وتعمل الهو على تحقيق الرغبات دون الاهتمام بالقيم أو العادات والتقاليد والأعراف ، أو بما هو خير أو شر ولا يحكمها المنطق 0 أما في كيفية تحقيق اللذة وتجنب الألم من خلال وظيفة الهو ، فهناك عمليتان هما:ـ أـ الفعل المنعكس : وهو بدوره يؤدي إلى إمكانية تحقيق التوتر عند الفرد مباشرة وذلك مثل الغمز بالعين 0 ب ـ العمليات الأولية : وتتمثل في عملية تفريغ التوتر عن طريق تكوين صورة لموضوع ما يؤدي من خلاله إلى إزالة التوتر وذلك مثل الجوع عند الفرد ، والصورة التي تزيل التوتر هو الطعام ، وهي تمثل تحقيق الرغبة ، وكذلك ما يفعله الفرد من أحلام الليل التي يعتقد فرويد أنها تمثل دائما محاولة تحقيق الرغبة عند الفرد العادي 0
2ـ الأنا : The Ego يعتبر بمفهوم التحليل النفسي مركز الشعور والادراك الحسي الخارجي والداخلي والعمليات العقلية ، وهو الذي يقوم بدور الدفاع عن الشخصية وتوافقها ، وهو الذي يجعل هنا توافقا بين مطالب الهو والأنا الأعلى وبين الواقع 0 واعتبر الأنا المحرك الأساسي للشخصية ، فمن الواقع الذي يعيش فيه الفرد وذلك من أجل تحقيق التوازن والتوافق الاجتماعي للفرد في بيئته والالتزام بالعادات والتقاليد والقيم 0 ومن خلال ذلك يظهر لنا أن الأنا هو جزء من الهو قد تطور وتأثر في العالم الخارجي حتى يتمشى مع الحقيقة وذلك من أجل إمكانية تحقيق المتطلبات الغرائزية ، وعلى الرغم من أن الأساس في الأنا يبحث بشكل أو بآخر عن اللذة ، إلا أنها لا ترضى بالتناقض مع القيم والعادات والتقاليد التي تحكم سلوك الفرد في المجتمع الذي يعيش فيه 0 ولقد أشار باترسون إلى أن الأنا هي الجزء المنفذ في الشخصية وتحول احتياجات الهو القوية ( الغريزية ، الفطرية ) بمساعدة الأنا الأعلى إلى حاجات ضعيفة مقبول عن طريق إعادة تنظيمها لكي تتمشى مع متطلبات الأنا الأعلى 0 ويظهر من ذلك أن الأنا تستمد طاقتها من الهو وتعمل لخدمته 0 ومن خلال ذلك نجد أن الأنا تمثل الموجه الأساسي للشخصية ، وكذلك في إعطاء الأسلوب والطريقة التي يتم فيها عملية الإشباع ويظهر ذلك من خلال الصراع الذي يحدث بين كل من الهو والأنا الأعلى والعالم الخارجي 0
3ـ الأنا العليا : Super Ego وهو يعتبر مستودع المثاليات والأخلاقيات والقيم الاجتماعية والدينية 0 وكذلك المعايير الاجتماعية والضمير 0 ويعتبر الجهاز الداخلي أو الرقيب النفسي للإنسان 0 ويتكون الأنا العليا من خلال مراحل النمو الذي يمر بها الإنسان فيتطور أو ينفصل جزءا من الأنا إلى ما يسمى بالأنا الأعلى ويرتكز وظيفة الأنا الأعلى على محاسبة الأنا ، وتسعى الأنا الأعلى على كبح جماح الهو ولا سيما فيما يتعلق بالجوانب الغريزية الجنسية أو الجوانب العدوانية 0 ودور الأنا الأعلى هو محاولة مراقبة طبيعة العلاقة بين الهو والأنا ، ويعمل على عدم وقوع الأنا بالخطأ الذي يتعرض لها 0 وقد أشار فرويد في كثير من المواقف على أن الكبت الذي يقوم به الفرد هو من خلال الأنا وليس من خلال الأنا الأعلى ، مع أن المسؤول الأول عن عملية كبتها هو الأنا الأعلى 0 ومن خلال ذلك فإن الأنا الأعلى تظهر لدى الفرد خلال التنشئة الاجتماعية مع الأسرة من خلال النواة الأولى من حياة الفرد ، وهذا ما يكسب الطفل المعايير الاجتماعية والقيم والأخلاق والأعراف 0 وخلاصة القول فإن الأنا الأعلى يمثل الجانب الأخلاقي للشخصية ويمثل كل ما هو مثالي وواقعي ، ومحاولة الوصول بالفرد إلى الكمال بدل اللذة 0
وظائف الأنا الأعلى :
1ـ محاولة كبح جماح الهو ، وخاصة العدوانية والجنسية 0
2ـ محاولة وصول الفرد إلى الكمال 0
3ـ تعمل الأنا الأعلى على إمكانية إقناع الأنا بأن تحل الأهداف الأخلاقية محل الأهداف الواقعية 0 ( الزيود ، 1998 ) 0 ويذكر ( الشناوي ، 1989) عن الشخصية أن فرويد قدم مفهومين أساسيين في نظريته للشخصية ، المفهوم الأول : هو مفهوم الغرائز 0 والمفهوم الثاني : هو مفهوم الشعور مقابل اللاشعور 0
1ـ الغرائز : حيث يرى فرويد أن الطاقة النفسية لا تختلف عن الطاقة البدنية ، وأن كلا منهما يمكن أن يتحول إلى الصورة الأخرى ، والغرائز عند فرويد تكون الطاقة النفسية ، وهي تمثل تحويل الطاقة البدنية إلى طاقة نفسية 0 والبشر شأنهم عند فرويد شأن باقي المخلوقات ، يسعون باستمرار إلى اللذة ، وإلى تجنب الألم ، وعندما تشبع حاجات البدن فإن الفرد يشعر باللذة ، أما إذا كانت هناك حاجة أو أكثر غير مشبعة فإن الفرد يعايش الضيق ، ويرى فرويد أن الدافع الرئيسي لدى البشر هو أن يصل إلى الحالة المستقرة التي يعايشها الفرد عندما تكون حاجاته البيولوجية مشبعة 0 ويحدد فرويد أربع خصائص للغريزة وهي :ـ
1ـ لها مصدر : يتمثل في توتر بدني بشكل ما 0
2ـ هدف : إزالة هذا التوتر بإعادة تكوين توازن داخلي 0
3ـ موضوع : تلك الخبرات أو الموضوعات التي تخفض أو تزيل التوتر 0
4ـ قوة الدافع : والتي تتحدد بمقدار التوتر البدني 0 مثال : الشخص الذي يخبر غريزة الجوع سيحتاج إلى طعام ( مصدر ) وسيرغب في استبعاد الحاجة للطعام حيث الحاجة يشعر بها في صورة توتر ( عرض ، أو هدف ) وبذلك فإنه يبحث عن الطعام ويحصل عليه ( موضوع ) والشدة التي تحدث بها هذه الأنشطة ستعتمد على الوقت الذي أمضاه هذا الشخص بدون طعام ( قوة الدافع ) 0 إن الغرائز تحفز السلوك وتوجهه ، ويكون هدفها هو إشباع الحاجات المشتقة من الغرائز ، وتولد الحاجات التوتر ، ويتجه السلوك إلى خفض التوتر 0 وهذا التوتر أمر غير سار ، أما خفض التوتر فإنه يبعث السرور ( اللذة ) ، ومفهوم الحاجة هو قاعدة اللذة أي محاولة الإبقاء على الاستثارة أو التوتر في مستوى منخفض بقدر الإمكان ، وقد تحدث فرويد عبر ـ10ـ كتاباته بشكل مسهب عن غريزة الجنس ، والتي بقيت الأساس لما أسماه فيما بعد غرائز الموت 0
2ـ الشعور واللاشعور : يرى فرويد أن جانبا من حياة الفرد يقع خارج نطاق وعيه ، وهو ما أطلق عليه اللاشعور ، والذي يؤثر من وجهة نظره على الخبرة والسلوك ، ويشتمل على بعض المواد أو الخبرات التي لا تتاح للشعور ، بينما يصبح البعض ضمن الشعور 0 والمواد التي لا يسمح لها بالخروج إلى حيز الشعور ، هي مواد انفصلت عن التفكير الشعوري ، إما بعدم السماح لها بالدخول أصلا إلى الشعور أو عن طريق كبتها من الشعور 0 أما الجزء من اللاشعور الذي يسمح له بالدخول إلى الشعور فإنه يطلق عليه ما قبل الشعور أو تحت الشعور 0 وقد تبقى المادة في ما قبل الشعور دون أن تسبب مشكلات ، وفي المعتاد أن تنتقل إلى الشعور دون تدخل من العلاج النفسي ، ويمكن أن ننظر إلى ما قبل الشعور على أنه مصفاة بين الشعور واللاشعور ، ويمكن أن تعدل المادة التي في اللاشعور وتظهر في صورة محرفة ، كما تحدث في الأحلام 0 ومفهوم الشعور : هو عبارة عن حالة الوعي المتصلة بالعالم الخارجي ، وكذلك الداخلي في اللحظة الحاضرة ، وقد عبر فرويد في نظرية التحليل النفسي عن ذلك بأنه جزء سطحي من أجزاء الجهاز النفسي 0 و ما قبل الشعور : حيث أشار فرويد إلى ذلك على أنه كل ما يحتوي على ما هو كامن وليس موجودا في منطقة الشعور ، ولكن يسهل على الفرد عملية استدعاء ذلك إلى الشعور ، مثل المعارف والذكريات والكلام 0 ( الزيود ، 1998) 0 وفرويد قد ساهم بشكل واسع في مفهوم اللاشعور وكذلك مستويات الشعور ، حيث يعتبر المفتاح لفهم السلوك والمشاكل الشخصية 0 والشعور لا يمكن أن يدرس مباشرة حيث أنه يستنتج من السلوك والشواهد الاكلينيكية ، وقد اشترط ما يلي لفهم اللاشعور وهي :ـ
1ـ الأحلام : حيث أنها تعتبر الرموز المختلفة للحاجات اللاشعورية والرغبات والتعارض0
2ـ فلتات اللسان والنسيان 0
3ـ مرحلة الدخول إلى التنويم المغناطيسي 0
4ـ المواد الناتجة من التداعي الحر 0
5ـ المواد الناتجة من أسلوب الإسقاط 0ويعتبر الشعور بالنسبة إلى فرويد شريحة رقيقة من العقل ، حيث أنه يشبه قطعة الثلج المغمورة تحت الماء ، ولا يبين منها سوى الجزء القليل الأعلى ، وأن الجزء الكبير من الفكر والعقل موجود تحت الإدراك 0 وعلى هذا فإن اللاشعور يعتبر خارج الوعي ، يقوم بخزن التجارب والذكريات ، ويكبح بعض الأشياء 0 كما أن الحاجات والدوافع غير سهلة الوصول لأنها خارج الإدراك وأيضا خارج مجال السيطرة 0 واعتقد فرويد بأن الوظيفة النفسية وجدت خارج مجال الإدراك ، وهدف طريقة العلاج بالتحليل النفسي هو جعل الدوافع اللاشعورية شعورية ، فعندما يكون المرء واعيا بالحاجات الشعورية فعندها يستطيع أن يعمل الاختبار 0 وقد تكون وظيفة اللاشعور هي عبارة عن التعلق بالجوهر الأساسي لفهم أسلوب التحليل النفسي للسلوك ، حيث أن اللاشعور هو خارج الإدراك وهو يؤثر على السلوك 0 وعملية اللاشعور هي بمثابة الجذور إلى كل الأشكال أو الأغراض العصابية التي تبدو في السلوك 0 وعلى هذا فالعلاج يبنى على كشف معنى هذه الأعراض والأسباب والحاجات التي حجبت ، حيث أنها تتعارض مع جعل الفرد متمتعا بصحة نفسية 0 ( كوري ، 1985 ) 0 مراحل تكوين الشخصية عند الطفل : قدمت نظرية التحليل النفسي مساهمات كبيرة في تعريفنا على المراحل الأولى من حياة الطفل ، فمنها التصور الكامل للحالة الاجتماعية والجنسية للفرد في نمو الطفولة حتى الرجولة ، حيث تعتبر ذات شأن كبير في عمل المرشد النفسي ، فيكون قد ألم بمراحل النمو التي يمر بها الفرد ، كما أن مهام وخصائص النمو تأخذ أشكالا في كل مرحلة ، فمثلا يكون الشخص طبيعيا ، وغير طبيعي ، ذو شخصية كاذبة أو شخصية حقيقية ، فكلها تنمو في السنوات الأولى 0 وفهم نظرية التحليل النفسي هو أساس لفهم المرشد النفسي للعميل والعـمل معه بعمق أكثر 0 وبصورة عامة فهناك مشاكل مهمة تعترض الفرد أو الجماعة وهي :ـ
1ـ عدم الثقة بالنفس أو بالآخرين 0
2ـ عدم القدرة على الاعتراف أو التعبير عن شعور العداء أو الغضب أو الاحترام أو الكره ، أو إنكار القوة الفردية ، أو تشخيص النقص في الشعور بالاستقلالية 0
3ـ عدم قدرة الفرد على قبول الشعور الجنسي أو على أنه مميز سواء أنه ذكر أو أنثى ، أو بالأحرى الخوف من الجنس 0 وبموجب نظرية التحليل النفسي فإن هذه المشكلات الثلاث من النمو الشخصي والاجتماعي ، هي أمور قد بينت ورسخت جذورها في السنوات الخمس الأولى من حياة الفرد ، وفيما بعد.
في التحليل النفسي من إعداد / ضيف الله محمد حسين مهدي طالب دراسات عليا ـ مشرف التوجيه والإرشاد ـ