فلننتبه لخطر عظيم استشرى في الأمة، ولنحذر من كل تلك الحركات المشبوهة :
في التكتلات الفاسدة
لذا وجب أن نعود لدراسة واقع كل تلك التكتلات والجماعات والأفراد كل على حده، ومدى خطرها على الدعوة، ومدى عمالتها بصورة أو أخرى للكفر، ونوعية ارتباطها بأنظمة الحكم وأجهزة المخابرات، لكي نعمل على إزالة خطرها على الدعوة. ومن الممكن، بل من ألأفضل أن نقوم بواجب نصحهم وتنبيههم أولاً لخطورة ذلك وحُرْمُتِه، ومن ثم ـ إن لم يُغيروا خط سيرهم ويلتزموا بما يُمليه عليهم كونهم مُسْلِمين ـ تنبيه الأمة لخطر تلك التكتلات عليها، وأن نكشف للأمة واقع ارتباطاتها المشبوهة، وأنبه هنا أن العمالة للكفر وفكره لا يُشترط فيها التعاون المقصود من المتعاون معهم، بل قد يكون الشخص عميلا بغباء فاحش لجهله وسطحيته وعدم وعيه واستنارته، حتى أن بعضهم يحسب أنه يُحْسِنُ صُنعا.
وشاهد ذلك استغلال أمريكا لبعض المسلمين أفراداً وجماعات من الذين باشروا جهاد الكفار الروس المحتلين الغزاة في أفغانستان فمدتهم بالمال والسلاح والدّعم مما أدى إلى عمالتهم لها وهم يحسبون أنهم يُحسنون العمل، فما أدى لعمالتهم الغير مقصودة من معظمهم هو غبائهم وعدم وعيهم السياسي والفقهي حتى وإن أطالوا لِحاهم وتزيوا بلبس الدشداشة والعمامة، في حين أن بعضهم امتهن العمالة والخيانة بقصد وتصميم وبسابق علم لتحقيق مكاسب دنيوية آنية. وبعد الخلاص من الكافر المستعمر الروسي انقلب هؤلاء وأولئك إلى بُغاة يضرب بعضهم برقاب الآخر في معارك عِرقية قبلية عصبية باغية، ومن ثم استغلال أمريكا لهم في غزوها الصليبي على أفغانستان، وقتالهم إخوانهم المسلمين (طالبان) ليسلموا أمريكا بلادهم لقمة سائغة يستعمرونها ويقتلون أهلها، وينتهكون حُرُماتها جراء خياناتهم لله ورسوله وجماعة المسلمين.
ونفر آخر انتهج سبيل التوفيق بين الإسلام والأفكار والعقائد الكافرة، فنادى بعضهم بتعانق الهلال والصليب، واشترك البعض الآخر في مؤتمرات التوفيق بين الإسلام والأديان الأخرى بمباركة وإشراف بابا الفاتيكان وقساوسة النصارى وأجهزة المخابرات الكافرة.
وتبرع آخرون لمحاولة إثبات ديموقراطية الإسلام واشتراكية الإسلام، وتمييع فهم واقعة الطير ألأبابيل والحجارة من سجيل في سورة الفيل ففسروها بالجراثيم والميكروبات المعروفة في عصرنا، ونفي أن الإسراء قد كان بجسم وجسد الرسول صلى الله عليه وسلم، بل حرفوه أن ذلك تم بالروح فقط ( أي بأحلام ) ،تطويعاً منهم لآيات الله القطعية الثبوت والدلالة، لصرفها عن حقيقتها كمعجزة من معجزات الرٌّسُل إلى ما يتلاءم مع ذوق الكفار شر البريه. هؤلاء اللذين ردّ عليهم أمير الشعراء قائلا:
يتسـاءلون وأنت أعظم هيكلٍ = بالروح أم بالهيكل الإسراء
بهما سـموت مطهراً وكلاهما = نورٌ وروحـــانية وبهاء
فضل عليك لذي الجلالة ومنة = والله يفعل ما يرى ويشـاء
وآخرون طفقوا بتطويع أفكار الإسلام وأحكامه ليقاربوها لأفكار الكفر فحاولوا تحريف أحكامه لتتفق مع أفكار الغرب الكافر، فنادوا بحرية المرأة، وطالبوا بتغيير الحكم الشرعي في معظم أحكام النظام الاجتماعي في الإسلام من مثل أحكام الطلاق وأحكام تعدد الزوجات وأحكام سفر المرأة بصحبة محرم وأحكام الاختلاط والسفور والنشوز وأحكام الحياة الخاصّة والحياة العامّة، التي أعملوا فيها مشارطهم في عمليات جراحية تشويهية لتتوافق مع مقتضيات عمالتهم الفكرية للكافر الصليبي، وتغنوا بالحريات الرأسمالية وخاصة الحرية الشخصية المؤدية لانحلال المجتمع وفساده، وقسم امتهن فبركة الفتاوى الفاسدة فأحلّ ما حرّم الله وحَرّم ما أحل، فكل هولاء هم عملاء للكافر وفكره، قصدوا ذلك أم لم يقصدوا.
وقسم لم يرَ ضيراَ في الاتصال بأعداء الله وأخذ المعونة منهم متجاهلاً منع الرسول صلى الله عليه وسلم ذلك، بقوله: ( لا تستضيئوا بنار المشركين)، والاتصال بالحكام العملاء والتعاون معهم في محاولة منهم لتصحيح أوضاع جزئية !!! وحامل الدعوة العامل لتغيير الأوضاع، يُشترط فيه الوعي والكياسة والفطنة والاستنارة، ولا يكفي الإخلاص والورع بدون الوعي والاستنارة، وان عدم توفر الوعي والاستنارة والتقيد التام الغير منقوص بالحُكم الشرعي والطريقة التي انتهجها رسول الله صلى الله عليه وسلم في تغيير الأوضاع، سيؤدي حتماً إلى خطأ العمل وفشله الذريع. ومثال ذلك ما أشار إليه فضيلة الشيخ حسن البنا أنه تلقى تبرعاً بقيمة 300 جنيه من السفير الإنجليزي حين بناءه مكتب الإخوان في الإسماعيلية ! نسأل الله تعالى لأخانا الشيخ حسن البنا الرّحمة والمغفرة، وأن يجمعنا به في جنان النعيم مع الأنبياء والشهداء والصالحين.
وفي سياق البحث في التكتلات القائمة في بلاد الإسلام ممن انتهج نهجاً مخالفاً للطريقة التوقيفية، ننوه لحركات استغلها أعداء الله من الحكام العملاء واستغلها الكفار المستعمرين مباشرة، وذلك بهدف تنفيذ مآرب معينة مستغلين في تنفيذها تلك التكتلات وزعمائها، من تلك الحركات، وكان أشهر وأخطر تلك الحركات كان " الحركة الوهابية " التي استعان بها السعوديون عملاء الإنجليز في محاربة الإسلام، وشق عصى الطاعة على دولة الخلافة.
وقبل تأسيس مملكتهم، وعندما حاولت انجلترا عن طريق عميلها " عبد العزيز بن محمد بن سعود" ضرب الدولة الإسلامية من الداخل، كان للوهابيين كيان داخل الدولة الإسلامية بزعامة محمد بن سعود، ثم بزعامة ولده عبد العزيز، فأمدتهم بالمال والسلاح، واندفعوا على أساس مذهبي للاستيلاء على البلاد الخاضعة لسلطان دولة الخلافة، أي رفعوا السيف في وجه خليفة المسلمين والعياذ بالله تعالى، وقاتلوا الجيش الإسلامي جيش أمير المؤمنين بتحريض وتوجيه وعون من أعداء الله الإنجليز. فكانت الحركة الوهابية من أخطر الحركات التي وجدت في بلاد الإسلام، والتي كان لها اليد الطولى في جريمة القضاء على الخلافة، بعمالتهم الفاحشة لأعداء الله الكافرين.
وفي ذلك يقول سماحة الشيخ " عبد القديم زلوم " في كتابه " كيف هُدِمَت الخِلافة ":
اقتباس:
( ....... وكان معرفاً أنَّ هذه الحملة الوهابية عمل إنجليزي. لأن آل سعود عملاء للإنجليز، وقد استغلوا المذهب الوهابي ـ وهو من المذاهب الإسلامية، وصاحبه " محمد بن عبد الوهاب " مجتهد من المجتهدين ـ، استغلوا هذا المذهب في أعمال سياسية لضرب الدولة الإسلامية، واصطدام مع المذاهب الأخرى، لإثارة حروب مذهبية داخل الدولة العثمانية، دون أن يدرك ذلك أتباع المذهب. ولكن عن إدراك ووعي من الأمير السعودي ومن السعوديين. لأن العلاقة لم تكن بين الإنجليز وصاحب المذهب محمد بن عبد الوهاب، وإنما كانت بين الإنجليز وعبد العزيز بن محمد بن سعود ثم بينهم وبين ابنه سعود. وذلك أن محمد بن عبد الوهاب الذي كان حنبلي المذهب قد اجتهد في بعض المسائل، ورأى أن ما عليه المسلمون من أصحاب المذاهب الأخرى يخالف رأيه في هذه المسائل. فأخذ يدعو لآرائه ويعمل لها، ويهاجم الآراء الإسلامية الأخرى بعنف، فجوبه بالمعارضة والصد من العلماء والأمراء ووجوه الناس، باعتبار أن آرائه تخالف ما فهموه من الكتاب والسنة. فمثلا يقول أن زيارة قبر الرسول الأعظم محمد صلى الله عليه وآله وسلم حرام وهي معصية من المعاصي. حتى أن من يذهب لزيارة قبر الرسول لا يجوز له أن يقصر الصلاة في سفره لأنه مسافر في معصية....)
وبما أن معظم آراء واجتهادات محمد بن عبد الوهاب قد رآها غيره من أصحاب المذاهب الأخرى أنها آراء خاطئة تخالف ما يفهمونه من الكتاب والسنة، فقد اشتد الخلاف بينه وبينهم حتى نفي من البلاد. ثم يتابع سماحة الشيخ أبو يوسف " عبد القديم زلوم ": ( ..... وفي سنة 1740 التجأ إلى محمد بن سعود شيخ قبيلة عنزة، وكان خصماً لشيخ عيينة يقيم في بلدة الدرعية، وكانت تبعد ست ساعات فحسب عن عيينة. وهناك لقي محمد بن عبد الوهاب حفاوة وترحيباً وصار يبث آراءه وأفكاره بين الناس في الدرعية وما جاورها. وما أن مضت مدة حتى اكتسبت أفكاره وآراءه هذه أنصاراً ومؤيدين، فمال إليها الأمير محمد بن سعود وأخذ يتقرب من الشيخ. وفي سنة 1747 أعلن الأمير محمد قبوله لآراء محمد بن عبد الوهاب وأفكاره، وأعلن مناصرته له ولهذه الآراء والأفكار. وبهذا التحالف بدأت الحركة الوهابية وظهرت للوجود بشكل دعوة وبشكل حكم. فقد كان محمد بن عبد الوهاب يدعو لها ويعلم الناس أحكامها، وكان محمد بن سعود ينفذ أحكامها على الناس الذين تحت أمرته وسلطانه. وأخذت تمتد فيما جاور الدرعية من البلدان والقبائل في الدعوة والحكم، وأخذت إمارة محمد بن سعود تتسع حتى وفق في مدى عشر سنوات إلى أن يخضع لسلطته وللمذهب الجديد رقعة من ألأرض مساحتها نحو ثلاثين ميلاً مربعاً، ولكنه كان اتساعاً عن طريق الدعوة وسلطان شيخ عنزة، ولم يعترضه أحد ولم يخاصمه أحد، حتى أن أمير الإحساء الذي أخرج محمد بن عبد الوهاب من عيينة لم يعارض خصمه في هذا التوسع، ولم يحشد قواته لمحاربته إلا في سنة 1757، ولكنه هزم فاستولى محمد بن سعود على إمارته وصارت سلطة عنزة أي سلطة محمد بن سعود وسلطة المذهب الجديد تحكم الدرعية وما جاورها وتحكم الإحساء............. وصاروا مدعاة قلق وإزعاج لجيرانهم في جزيرة العرب والعراق والشام، وللدولة العثمانية بوصفها دولة الخلافة، وصاروا يحملون السيف لمقاتلة المسلمين لترك ما يعتنقون من آراء غير المذهب الوهابي، ولاعتناق المذهب الوهابي، ويقاتلون الخليفة ويفتتحون البلدان الإسلامية. ثم في سنة 1792 توفي محمد بن عبد الوهاب فخلفه ابنه في منصبه في الدولة بالنسبة للمذهب الوهابي كما خلف سعود أباه عبد العزيز. وهكذا سار الأمراء السعوديون متخذين المذهب الوهابي أداة سياسية لضرب الدولة العثمانية دولة الخلافة، وإثارة حروب مذهبية بين المسلمين.)
وكما كان التحالف الثنائي الآثم بين السعودية والوهابية، تحالف شرير بين الحكام والعلماء استغله أعداء الله الإنجليز كمعول من المعاول التي استعانوا بها لهدم دولة الخلافة، ننوه لحركات استغلها أعداء الله من الحكام العملاء و/أو استغلها الكفار المستعمرين مباشرة، وذلك بهدف تنفيذ مآرب معينة مستغلين في تنفيذها تلك التكتلات وزعمائها، من تلك الحركات والتكتلات: المؤتمر الإسلامي المسيحي الذي قام في سنوات الخمسينات من القرن الماضي، والغاية من هذا المؤتمر التوفيق بين الديانتين تحت شعار " تعانق الصليب والهلال "، وهي لعبة خطرة لا داعي لتحليل خطورتها وخطورة غاياتها، بعد أن وعي الناس لذلك. وأشير في هذا المقام لما ورد في كتيب وزعه حزب التحرير في صفر1423هـ/ أيار2002م. بعنوان: "حتمية صراع الحضارات ": ( ....وهناك من يدعو لإيجاد قواسم مشتركة بينها، والسكوت عن نقاط الاختلاف، لتخدير المسلمين عن الصراع، وهم يدعون إلى مقولة أبناء إبراهيم لتعزيز الحوار بين ألأديان الثلاثة على اعتبار أنّ من جاءوا بها ينتسبون إلى أب واحد هو إبراهيم عليه السلام..... وربما يأتي من يقول إن اليهود والنصارى مسلمون، ونحن نسمع إن أتباع الديانات الثلاث مؤمنون، مع أن نصوص القرآن الكريم القطعية الثبوت والدلالة جاءت قاطعة بتكفير اليهود والنصارى.....إنّ مفهوم المساواة بين الأديان وبين الحضارات هو مفهوم كفر إذ أنه دعوة إلى المساواة بين الحق والباطل، بين الدين الحق وبين الديانات المُحَرّفة، بين الكفر والإيمان، بين الضلالة والهدى، بين الناسخ والمنسوخ، وبين المفاهيم الحضارية التي أصلها الوحي، وبين المفاهيم الحضارية التي من صنع البشر، أي بين العقل والنقل، وبين الاحتكام إلى الطاغوت والاحتكام إلى الكتاب والسنّة وما أرشدا إليه، وبين الثابت الذي ينفع الناس الذي يمكث في الأرض وبين الزبد الذاهب جُفاء......)
|
كما قام السعوديون باستغلال حركات قائمة لتثبيت أركان حكمهم العميل، وحركات ساعدت على إنشائها وانتشارها لتنفيذ غايات لئيمة منها تمييع أحكام الإسلام، ومباركة عمالة الحكام وتثبيت أنظمتهم، من مثل: الحركة السلفية السعودية ومنظمة رابطة العالم الإسلامي وحركات أخرى... كما قام نظام الحكم العلوي الكافر بتبني حركة " ألأحباش " التي ظهرت في لبنان، واتخذت من بعض الدول الأوروبية مراكز لها لبث سمومهم منها بين المسلمين بدعم ومباركة حكام سوريا ألكفره.
ولا يتسع المجال لاستعراض كل التكتلات المشبوهة التي قامت في العالم الإسلامي، والتي تقوم على أساس فكري كافر، منها على سبيل المثال: حركة " القوميين العرب " الناصرية، و" الحزب القومي السوري" الذي أسسه في سنوات الخمسينات من القرن العشرين " أنطون سعادة "، والذي استبدل أسمه إلى " الحزب القومي الاجتماعي"، و " حزب البعث العربي الاشتراكي " الذي أسسه كل من " ميشيل عفلق " و " صلاح الدين البيطار " للدعوة للقومية العربية، علماً أن الحزب المذكور قد وصل إلى الحكم في سوريا والعراق، وظهر للناس كافة عمالة وإجرام الفرع السوري منه السافرة للأمريكان ، وعمالة الفرع العراقي منه للإنجليز .
وسأكمل لاحقا بعونه تعالى