ضحك في وجه البندقية: مفارقة السلطة والهشاشة
_______________________________
ينتمي القاص العراقي ماجد غالب إلى ذلك الصوت السردي الذي لا يعتمد على الحكاية بوصفها تسلسلاً للأحداث، بل كضربة جمالية خاطفة تضع المتلقي في قلب الصراع منذ الكلمة الأولى. في نصه القصير جدًا "تبجّح"، ينجح في تطويع المفارقة اللحظية لتكون أكثر من مشهد عسكري عابر، بل استعارة دلالية عن اختلال موازين القوة حين تتصدّع أمام لحظة وعي أو موقف ساخر. يلعب القارئ هنا دورًا أساسيًا في إنتاج المعنى، إذ لا يقدَّم له تفسير أو وصف، بل يُلقى في قلب مشهد مشحون بالتوتر والإيماء، ويُترك ليربط بين ما يُقال وما يُسكَت عنه، ويؤوّل الفجوة بين القول والسلوك.
-
الجملة الأولى: "لوَّح الجندي ببندقيَّته في وجهه: هزمناكم.." تُحيل إلى حالة غطرسة القوّة، ولكن حين تتبعها جملة "يضحك" بصيغة الفعل المضارع المنعزل، تنقلب المعادلة فورًا؛ فالضحك هنا ليس استجابة فكاهية، بل سلاح مضاد، فعل مقاومة صامت، تفكيك للهيبة المدّعاة، وفضح لانعدام التأثير. ثم تأتي الجملة الأخيرة: "يرتجف أصبعه على الزِّناد"، لتغلق الحلقة السردية بمفارقة أخرى: صاحب السلاح هو المرتجف، والمجرد من أي أداة مادية هو الواثق، وهو من يمارس سلطة معنوية عبر الضحك فقط.
-
تتكثف المفارقة الجمالية في هذا النص من خلال الاقتصاد الحاد في اللغة، حيث تتحول كل حركة جسدية إلى خطاب موازٍ، ويصبح "الضحك" في مواجهة "الزناد"، لا بوصفه سخرية، بل كإعلان عن سقوط القناع الزائف للقوة. النص، بتقشفه اللفظي، لا يقدّم قصة بالمعنى التقليدي، بل يصوغ لحظة مكثفة تُعبّر عن هشاشة العنف حين يواجه صمتًا واعيًا، وتعيد ترتيب العلاقة بين المنتصر والمهزوم، بين القامع والمقموع.
-
إن الجمال في هذا النص لا يكمن في حبكته، بل في طاقته الكامنة التي تُفجّر المعنى من الداخل، وتدفع القارئ لإعادة التفكير في تعريف النصر والهزيمة. فهل يقترح ماجد غالب أن أكثر أشكال المقاومة صدقًا هي تلك التي تبتسم في وجه فوهة البندقية؟ وكيف على القارئ أن يتعامل مع نص يجعل من "الضحك" بندقية معنوية تفوق في تأثيرها ارتجافة الأصبع على الزناد؟