الزائر الكريم: يبدو أنك غير مسجل لدينا، لذا ندعوك للانضمام إلى أسرتنا الكبيرة عبر التسجيل باسمك الثنائي الحقيقي حتى نتمكن من تفعيل عضويتك.

منتديات  

نحن مع غزة
روابط مفيدة
استرجاع كلمة المرور | طلب عضوية | التشكيل الإداري | النظام الداخلي 

العودة   منتديات مجلة أقلام > المنتديــات الأدبيــة > منتدى القصة القصيرة > قسم الرواية

إضافة رد

مواقع النشر المفضلة (انشر هذا الموضوع ليصل للملايين خلال ثوان)
 
أدوات الموضوع تقييم الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 15-12-2019, 10:08 AM   رقم المشاركة : 1
معلومات العضو
ابراهيم امين مؤمن
أقلامي
 
إحصائية العضو







ابراهيم امين مؤمن متصل الآن


افتراضي رواية قنابل الثقوب السوداء - أبواق إسرافيل "الرواية المشاركة في كتارا 2019-2020

قنابلُ الثقوبِ السوداءِ – أبواقُ إسرافيلِخيال علمي
الرواية المشاركة في كتارا 2019-2020

الجزء الأول
قلبٌ ذو شطريْن...
جلسَ يعقوبُ إسحاق صباحًا بجانبِ الحاخامِ الأعظمِ في أكبر معبدٍ يهوديّ على أرض إسرائيل ، وكان مرتديًا ثوباً أسود وقبعة سوداء ، وحول عنقه لفافة بيضاء طويلة.
جلسَ ليؤدّي صلاته ، وفي كلّ مرّة يقولُ له الحاخام اقرأ صلاتك بنفسك ، ويردُّ عليه يعقوب في كلِّ مرّةِ .. بل أودُّ أن أسمعها مِن فمكَ سيدي الحاخام الأعظم.
فلم يجد الحاخام بدّاً من تلبية رغبته.
فيقول له ..ردّدْ ورائي يا وزير إسرائيل ، فيعترض عليه ويقولُ أنا يعقوب فقط .
فيقول له ..ردّدْ ورائي يا يعقوب فتلا مِنَ التوراةِ ..
«اسمعْ يا إسرائيل الرّب إلهنا ربٌّ واحدٌ، فتحبّ الرّب إلهك من كلِّ قلبك، ومِنْ كلِّ نفسك ومِن كلِّ قوتك.ولتكنْ هذه الكلمات التي أوصيك بها اليوم على قلبك.وقصّها على أولادك وتكلّمْ بها حين تجلس في بيتك حين تمشي في الطريق، وحين تنام وحين تقوم ، واربطها علامة على يدك ، ولتكن عصائب بين عينيك ، واكتبها على قوائم أبواب بيتك وعلى أبوابك»
يقولها فقرة فقرة ويردّد كذلك خلفه فقرة فقرة كأنّه يلقّنه ، وبعد الانتهاء يصرُّ يعقوبُ على تلثيم رأس الحاخام .
بعدها يتناول يعقوب لفائف التوراة وفيها جميع الأسفار الخمسة يقرأ بعضًا منها باللغة العبريّة كما هي مكتوبة ، ثُمَّ يرفعها بيده ، وبعد القراءة تُطوى اللفائف وتُحفظ في كسائها ثمّ تُعاد إلى مكانها.
وبمجرد أن تُطوى اللفائف ينزوي في المعبد ليحدّثَ نفسه كالمعتاد.
وكان في هذا اليوم بالغ الأسى والحزن على حال اليهود الذي لا يستقرّ لهم مقام ، فالرئيس الأمريكيّ لمْ يؤازرهم بقوّة كسابقيه من الرؤساء ، وميوعة هذه المؤازرة
جعلته يفكر كثيرًا حتى قاده تفكيره إلى الماضي السحيق ، ماضي بني إسرائيل مع فرعون مصر.
فتذكّر محاولة فرعون مصر لاستئصال شأفتهم ، فقال لنفسه الحمد لله أن أرسل إلينا ربنُا موسى فأنقذنا منه.
كما تذكّر التيه ، تيه أربعين سنة في الأرض ، ولقد توّهته هذه الذكرى فشعر بأنّه لقيط رغم أنه وزير في دولة إسرائيل.
وتذكّرَ بختنصر بابل وكيف تعامل مع اليهود على أرض فلسطين ، فقد ..اضطهدهم ، استعبدهم ، قتلهم ، مزّق توراتهم ، خرّب بيت المقدس ..ثُمّ قال بازدراء غاضب..ألَا لعنة الله على العراق .
ثُمّ أمعن في الذكرى الأليمة لحال وطنه عندما أحرقهم هتلر، وفتكت هذه الذكرى بقلبه وكأنّ هناك مَن قذفه بشهب النار ، وبالفعل عند هذه الذكرى ارتفعتْ درجة حرارة جسده وبدا ذلك من خلال العرق الذي ألجمه تمامًا حتّى أنّه بلّل ثيابه ، ثمّ قال في نفسه متبسمًا..
ولولا ستر الله لاستأصلهم من جذورهم ولكنّ الله أراد بقاءهم لأنّهم أبناؤه وأحباؤه ، فقادهم ذكاؤهم ألّا يتجمعوا في أرضٍ واحدةٍ لإنّ العالم كلّه للأسف يتربّص بهم ويكرههم.
وظلّوا مذلولين للرومان حتى جاء الغزو الإسلاميّ وأخذَ منهم الجزية ...وبسخرية قال ..يأخذ منهم بدلًا أنْ يدفع لهم!.
وعاشوا مشتتين ، في أمريكا ودول أوروبا.
وما إن انتهى من هذه العبارة حتى ارتطمتْ أسنانه فسُمع صكيكها وقال ..ودول أوربا المسيحيّة التي ترى أنّ التوارة ألدُّ أعدائها ، اضطهدوا واستعبدوا معتنقيها طوال تاريخهم العتيق حتى سنة ثمان وأربعين وتسعمائة وألف.
فخفَّ الحِملَ عليهم ، وردّد على مسامعه قائلاً ..ولابدّ أن يخفّ الحمل نهائيًا ، لابدّ أن تركع أوروبا لدولة إسرائيل.
ثُمّ اتّجه ببصره إلى أعلى باكيًا وقال ..
أنحن أبناء الله وأحباؤه فعلاً !.
أنحن أسياد العالم فعلاً !
نحن عشنا عبر تاريخنا كلّه أراذل العالم .فلابدّ من الخلاص من هذه المسكنة والذّلّة ، لابدّ أن نتقلّد السيادة على العالم كلّه بما فيهم أمريكا.
وظلّ شاردًا حتى جاءه الحاخام الأعظم فاستنبهه وقال له ..كنتُ أودّ أن أراك ولو مرّة واحدة مبتسمًا ، دائمًا أرى وجهك كالحًا غضوبًا ، وأحيانًا حزينًا شاحبًا ، لا تخشَ على اليهود فهم أبناء الله وأحبائه فترفّق بنفسك ، ثمّ تركه مستعبرًا ودعا له وبارك .
رنَّ هاتفُه بعد مغادرة الحاخام مباشرة ، إنّه رئيس المخابرات المخلِص يخبره بإجماع أصحاب القرار الإسرائيليِّ توليته رئاسة الوزراء.
بعد أيام ..
جاء خبر تولية يعقوب إسحاق على اتحاد المقاومة الفلسطينيّة كالصاعقة وخاصة المعسكرين في الأنفاق .
وبتولية يعقوب الذي يصمونه قادة اتحاد المقاومة بأنّه أكثر رؤساء إسرائيل دمويّة على مدار تاريخ الاستعمار الإسرائيلي للمنطقة ، لم تجد المقاومة بُدّا من إثارة الأوضاع حتى الغليان ،،قالوا..لابدّ من الضرب في كلِّ أنحاء المستوطنات لكي تعلم إسرائيل أنّ اتحاد المقاومة لا يخاف من أحد حتى ولو كان مثل هذا السفاح الدمويّ يعقوب إسحاق.
وصدر الأمر من نفق الوادي الجديد بمصر بتنفيذ سلسلة العمليات القتاليّة .
وأيدهم على فعل ذلك مؤيد أصيل المصريّ إذ قال لقائد النفق الرئيس بالوادي الجديد والملقّب بعبد الشهيد..لابدّ أن يضرب الاتحاد في كلّ أنحاء المستوطنات ليعرفوا أنّنا لا نخاف.وعلى ذلك ..
تحرّكتْ كلُّ القوى في آن واحد ، تسللتْ عدة مجموعات في أماكن متفرّقة من المستوطنات الإسرائيليّة وقامتْ بتفجير عدد منها أبرزها تل أبيب وقطاع غزة والقدس المحتلة ، سقط على إثرها مئات القتلى وآلاف الجرحى في صفوف الإسرائيليين ، وكان منهم عشرات الأطفال الرُّضّع وكذلك عشرات النساء.
كما تقدّمَ العشرات من المتطوّعين الفلسطينيّين وارتدوا الأحزمة الناسفة واقتحموا هذه المستوطنات وأحدثوا فيها خسائر بشريّة وماديّة فادحة.
ولقد شنّتْ أيضًا المقاومة هجومًا متوسعًا بقذائف الهاون والصواريخ على نفس المستوطنات التي تفجّرتْ في العمليات السابقة وسقط من نتاجها أيضًا أكثر من ألفي قتيل إسرائيليّ وآلاف الجرحى.
وترامتْ الجثث الإسرائيليّة تنزف العار قبل الدماء في عيون قادتهم ، جثث جنود وأطفال ونساء وعجائز.
وقد ردّ يعقوب فورًا على حركات المقاومة الأخيرة بأنْ ذبّحَ أبناءَ الفلسطينييّن وطارد كلَّ مَن عليها مِن الرجال والشباب حتى أجلاهم مِن على الأرض فاختبأوا في الأنفاق ، فحاول مطاردتهم بيد أن تكنولوجيا أجهزة البحث عن الأنفاق إزاء تكنولوجيا التعمية عليها منَ الطّرف الفلسطينيِّ ضعيفة نسبيًا ، فلمْ يستطعِ النيل منهم وخاصة أنّ هناك أنفاقًا محصّنة تحصينًا كبيرًا ، ومنذ هذه اللحظة تبدأ مرحلة جديدة مِنَ الصراع الإسرائيلي الفلسطينىِّ مدتها ستة وعشرون عامًا تقريبًا كما ستبينه أحداث الرواية.
ومِن أجل الوصول إليهم رفعَ تظلّمًُا إلى الأمم المتحدة بشأن فندق سونستا طابا بمصر ، واستشهدَ في مظلمته أنَّ إسرائيل هي مَن أنشاته ، وليس هذا فحسب بل أنشأت أيضًا قرية رافي نلسون ، وكان ردُّ الرئيس المصريّ هو قبول تظلمه نظير مبلغ ضخم ، أرسله إلى صندوق النقد ليسدّد بعض ديون دولته بعد أخذ قدرٍ منه له ولبطانته.
وبذا أصبح ليعقوب قاعدة تجسس عريضة على حركة المقاومة في سيناء كلّها فضلاً عن تجسسه على مصر.
ثُمّ أمر بتطوير تكنولوجيا البحث عن هذه الأنفاق اللعينة.
كما دعا الشعب اليهوديّ كلَّه إلى فلسطين لتوسيع الاستيطان ، ولكي يتمّ التهويد على أكمل وجه أمضى معاهدة رباعيّة لإخلاء قطاع غزة بالخصوص من الشعب الفلسطينيِّ ، وقد وافق عليها الرئيس المصريّ بتأييد الرئيس الأمريكيّ لها ومنظمة التحرير الفلسطينيّة نظير بعض المال أيضًا ، وتمّ توثقيها في الأمم المتحدة.
الجزء الثاني
عصا الثّأر بين مخالب الإلكترون..
بعد عامٍ مِن تولّي يعقوب رئاسة وزراء إسرائيل...
يجلسُ فطينُ في بيته القائم بجنوب سيناء قبيل الظهيرة وبجانبه ولده فهمان يشاهد التلفاز ويقرأ في أحد كتب الفيزياء ليبتكرَ من خلالها بعض الألعاب السحريّة الجديدة ، ويتبادلان الأراء بشأنها ، فسمع من إحدى وكالات الأنباء العالميّة نيّة العالم لاستعمار القمر، تتقدمهم الوكالات الفضائيّة الآتية ..الأمريكية ناسا ، والروسيّة “روس كوسموس”، و الأوروبيّة ESA، والصينيّة (CNSA)، وتتابع الوكالة أنباءها قائلة..والاستيطان سيكون عبر تقنية المصاعد الفضائيّة بعد تذليل عقبات نصْبها.
وذكَرَتْ المصادرُ أنّ المشكلة كلّها كانتْ تكمنُ في وجود حبال تتحملُ الضغط أكثر مِن مادة الكيفلار أو الأنابيب الكربونيّة الماسيّة المعروفتين آنذاك ، حيث أنّ قوّة الشدِّ المطلوبة هى ثلثمئة غيغا باسكال وهذه القوة لمْ تتوفر في المادتين سالفتي الذكر.
وكلُّ وكالة مِن هؤلاء تقول أنّهم حصلوا على مادة أقوى بكثيرٍ مِن هاتيْن المادتيْن ولم يفصحوا عنها ، كلُّ ما يقلنه أنّها مادة خارقة وسرٌّ مِن أسرار الدولة.
ارتعشتْ يداه فسقط ما فيها ، ثُمّ نكس رأسه وهوتْ حتى كاد الانكسار وذِلّة النّفس يقتلعانها مِن جسده ، وقال إنّ العالم يبتغي سُلّم السماء ونحن العرب نبتغي السقوط في نفق الأرض .
نظر إليه فهمان خائفًا دهشًا وقال له ..ما بك يا أبتِ ؟ فلم يردّ فطين .
فأقبل تلقاء وجهه وقبّل يديه ثمّ رأسه ، بعدها مباشرة رفع رأس أبيه بكلتا يديه إلى أعلى قائلاً ..بيدي أرفع رأسك يا أبتِ فلا تحزن ولا تبتئس ، لعلّ حضارة مصر تنطلق يومًا من الأنفاق لتعتلي الشموس.
فنظر إلى ابنه واحتضنه ثمّ أجلسه بجانبه مرّة أخرى.
وظلَّا على حالهما حتى أُعلن خبر آخر ، وهو بشأن قتيل فندق هيلتون طابا ، وهو تقييد جريمة قتل العالم المصريّ المشهور ضد مجهول ، فانتفضَ فطينُ من مكانه كالليث الغضوب الأشجع قائلاً ..ماذا ؟ ماذا ؟
وتابع الإعلاميّ كلامه..
المقتول كان مِن العلماء المشهورين ، كان بروفيسورًا في كليّة الهندسة الكهربائيّة والميكانيكيّة بجامعة بيركلي الكائنة في ولاية كاليفورنيا.
وكان بصحبة بروفيسور أمريكيّ يُدعى بيتر ، تخصصه فيزياء طبيّة ، اِختفى إثر الحادث ، وما زالتْ المخابرات الإسرائيليّة تجدُّ في البحث عنه ولمْ تجده حتى الآن.
فأغلق فطين التلفاز وتساءل ..
كيف تُقيد ضد مجهول ..كيف؟
كيف وكلّنا يعلم أنّ الموساد وراء عمليّة اغتياله ؟
لماذا لم يُسمّم أيضًا بروفيسور بيتر معه ؟
سلبوا الفندق بعد أن باعه لهم رئيسنا العار ، سلبونا وقتلونا .
وكزَّ على أسنانه وظلّ يهذي ويضرب جدار الحائط بكلتا يديه ، ثمّ أمسك عصاه وضرب بها التلفاز فهشّمه ، ثمّ كوّر قبضة يده اليمنى ولكمَ بها شُباك الحجرة الحديديّ فانخلع ساقطًا على الأرض ، وجرحتْ الشرفةُ يديه ولم يشعر بهما ، تبعه فهمان بوجه أصفر وقلب مضطرب لتهدئته فلم يستطعْ ، فلمّا رأى الدّم ينزف من يديه جرى ليحضر شاشًا ليداويهما ، فلمّا أبصرهما وجد الدم يتجلّط كلّما نزف ، فعلم أنّ دم أبيه عصيّ لا يقبل الهزيمة.
فسأله فهمان وجسده ينتفض بسبب هذيان وغضب أبيه ..ما بك أبي ؟ هدّئْ من ثورتك .
فقال له فطين ..
بُني هذا العالِم برع في علم الروبوتات براعة غير مسبوقة ، وكان أمل مصر في الخروج من ديونها بعد أن أعلن أنّ قدميه لن تدبا إلّا على أرض مصر.
خرّ فطينُ مهدودًا صامتًا ، ثمّ قاده فكره إلى الوراء قليلاً ، فتذكّر مقالاً قرأه عن هذا الفندق لأحد أساتذة الاقتصاد والعلوم السياسيّة العرب حيث قرأ فيه ..
"فمن شأنه أنّه اغتصبته إسرائيل مِن قبل ، وتمَّت إعادته لنا بالتحكيم الدوليّ سنة 1988، ثُم ها هو يعود إليهم بالتحكيم الدوليّ بعد أن طعنتْ فى قرار سنة 1988، وتمَّ إعادته بلا رجعة بقرار أيضًا من لجنة التحكيم الدوليّ إثر البحث الدؤوب ليعقوب إسحاق لمحاولة استعادته ، وقدْ قام بتحريك المياه الراكدة وأثارَ العديد من القضايا التاريخيّة والتي استشهدَ بها أنّ اليهود لهم أحقيّة في أرض مصر ولكنّه اكتفى بهذا الفندق فقط.
وهي خطوة هامة ضمن المخطط الصهيونيّ لتهويد أرض فلسطين كلّها ، إذ أنّه نقطة انطلاق للوصول إلى أنفاق اتحاد المقاومة الموجودة في جنوب سيناء ومن ثمّ العمل على تدميرها بعد ذلك..
وفيما قرأ أيضًا..
قويت شوكتُهم وسيطروا على مجريات الأحداث في الشرق كلّه بلْ وعلى مجريات الأحداث العالميّة ، وتوغّلوا حتى دخلوا أبواب الأمم المتحدة وأثّروا في قرارتها ، حتى أنّ الرئيس الأمريكيّ آنذاك لمْ يستطعْ إبعادهم لأنّهم يتميّزون بالمراوغة وخفة الحركة وحسن التدبير.
ونحن العربُ منذ زوال الخلافة التركيّة وحتى الآن في انحدار مستمر ، أمّا انخفاض مستوى إنتاج النفط بدرجة كبيرة نسبيًا وكذلك المياه أيضًا مثلت الضربة القاضية ..انتهى المقال .
نظر إليه فهمان فوجده صامتًا ، فظنّ أنّ جحيم الثورة بداخله قد خمدتْ ، وأنّ رمادها تطاير في الهواء ، ولكنّه فجأة هبَّ واقفًا منتفضًا ، وعاد يزمجر ويعوي كالذئب المستلب من جديد ، فارتعد ولده وأشفق عليه .
ظلّ في صراخ متواصل حتى تساءل..كيف أطفئ النار التي تأكلني ؟
ثمّ قال بلهفة ..القصاص ..القصاص ..القِصاص إذن .
فتناول عصاه السحريّة ولبس لاسته المزركشة ومضى يرفلُ في جِلبابِه الفضفاضِ قاصدًا فندق طابا للانتقام ، غير مكترثٍ لولده الذي يرتجف جسده خوفًا ووجلاً عليه.
لمْ يعرفْ فطين الشخص الذي قتله ، لكنّه يرى أنّ كلَّ إسرائيل قتلته شعبًا وحكومةًَ.
وعلى الرغم من ذلك فقد آثر أنْ يعرفَ بنفسه الشخص أو الوِحدة التي عملتْ على اغتياله بعدما عجزت أو عتّمت مصر في الوصول إليه.
هو متأكد أنّ وراء الجريمة أحد أجهزة المخابرات الإسرائيليّة وفي الغالب مِن وحدة الكيدون الخاصة بتنفيذ عمليات الاغتيال خارج إسرائيل.
هبطَ الدرجَ منتفخَ الأوداج تاركًا ولده الذي سعى خلفه باكيًا ليدركه لكنّه لم ينجح فقد استقلّ أبوه سيارة ومضى.
نزل من السيارة وقبل وصول الفندق بعدة أمتار وقف قليلاً ليعاين الداخل إليّه والخارج منه ، ولمْ يفته معاينة تكنولوجيّات بنائه الأمنيّة والترفيهيّة ، إذْ أنّ المقاتلَ لابدّ أنْ يعرف بالضبط ساحة قتالِه ..فقالَ عنه..للأسف إنّها تكنولوجيّة اسُتخرِجتْ مِن رحِم أمريكا وأوروبا عليهما اللعنة.
وظلَّ يتحسّرُ على حال المصريين والعرب ، فامتزجتْ الحسرةُ بالغضب وهذا الامتزاج مع شجاعته ولّدّ انفجارًا بركانيًا بداخله .
أمّا فهمان لم يملك شيئاً سوى الانتظارالحارق لحين عودة أبيه.
الفندق وقت الظهيرة..
هدّأ من ثورته حتى يفكر جيدًا بعقله الفيزيائيّ البارع المسرحَ القتاليّ الذي سيزيل عنه وصمة العار بالقصاص.
فأخذَ يُحدّثُ نفسه حينما رأى هذه التحفة التكنولوجيّة الهائلة التي أوجستْ في نفسه خيفةً ممزوجةً بعلامات الذهول .
شاهد في أعلى الفندق وجدرانه الخارجية مجموعة من الخلايا الشمسيّة النانويّة التي تغذي الفندق بالكهرباء نهارًا وتغذّيه ليلاً من خلال البطاريّات التي تمّ شحنها نهارًا.
فنقص المياه في مصر جعلهم يلتجئون إلى هذه الطريقة.
ويعوّض الفندق نقص الماء عن طريق مجموعة أجهزة ال MOF "اختصارًا لكلمة الأطر الفلزية العضويّة"والتي تستخلصُ الماءَ مِن البخار المتطاير في الهواء وتسخّنه وتحوّله إلى ماء يمتدُّ عبر أقماع ثُم تأخذُ في الهبوط لتستقرَّ في صهاريج.
فتذكّر تلك الشفاه المشققة التى يراها ليلاً ونهارًا في أبناء وطنه لقلة الماء والزاد ، ثم استحضر في مخيلته بيوتهم الورقيّة والصوفيّة ، تلك البيوت والأنفاق التي تشعّ من كلّ جوانبها ظلمات كظلمات قيعان البحار ، تلك الظلمات التي يرسلها النظام الحاكم إليهم بعد أن قلّ الماء بسبب سوء إدارته.
نظر إلى باب الفندق الرئيس فلم يجد فيه أيّ حرّاس أمن ، فولجه على الفور ، وقبل ولوجه أمسك لهيب غضبه ببرد كظمه.
دخل إلى ردهته ، فإذا بالناظرين يحملقون فيه وكأنّهم رأوا رجلاً نهضَ مِن قبره وأتى إليهم من الماضي السحيق .
وفيه يوجد بار للمشروبات الروحيّة أمام الداخل مباشرة ، ومناضد للمشروبات والأطعمة التي تُقدّمُ مِن قِبِلِ العاملين في الفندق .
يجلسُ عليها الكثير مِن العربِ والعجمِ ، غير أنّه على ما يبدو أنّ الجنس المصريّ مختفٍ تمامًا بسبب حادثة مقتل العالم المصريّ.
كذلك بها إناث كثر ، ويبدو مِن أشكالهِنِّ أنّ أكثرهَنَّ يهوديّات ، وعلى يمين الداخل مِن الردهة راقصاتٌ عارياتٌ تمامًا ، فغضّ طرفُه عنّهن .
في آخر الردهة شريط ضوئيّ متحرك ليحدد سعر كلّ ما بداخل الفندق مِن مشروبات روحيّة وأطعمة وإقامة ، كذلك يعرض صورًا لفتيات داعرات ومقدار ما يتحصلنّ عليه من مال مقابل ممارسة البغاء معهنّ .
جلس أمام البار وهو يلهث من العطش ، فحدّج في الشريط الضوئيّ ليعرف سعر لتر الماء ، فطلبه رغم ثمنه الباهظ جدًا.
*أمّا فهمان فبرغم تفكك أوصاله بسبب الخوف على أبيه إلَا أنّه آثر أن يعدّ له طعامه الذي يحبه لحين عودته ، وبالفعل قام ووضعه على الموقد ثمّ سحب كرسيّاً وجلس في البلكونة ليترقّب عودته.
*ولمْ يغبْ عَن فطين النظر في وجوه زبائن الفندق ليحدّد هدفه مِن المسألة التى جاء من أجلها ، وهو الانتقام .
وقد ركّزَ على بعض الجالسين وتفرّسهم ، فلم يجد فيهم ما يروي ظمأه ويشفي غليله.
وفجأة رأي رجلاً ولجَ مِن باب الفندق الرئيس ، أشبه بأولئك المقاتلين الذين يظهرون على حلبة المصارعة الحرة .
تبادل الاثنان نظرات الحنق والغلّ معًا ، تلك النظرات التي جعلته يفكّرُ في شأنه بأنّه قد يكون الهدف والغاية ، على كلٍّ هو هدف دسم يبرأُ سقمه ويشفي غليله.
أمعن النظرَ فيه ، فوجده كله عبارة عن كتلة تكنولوجيّة متحركة من شرائح نانويّة متزاحمة في إشارة مرور عروقه العفنة.
تلك الشرائحُ التي تمنحه قوة فكريّة وعضليّة هائلة.
وعلى يمينه روبوت ذكّره وسماه يهوذا وكان يستحثّه بغلٍ على ضرْب روبوت آخر أنّثه وسماه حتشبسوت ، كانا مبرمجيْن على حالة غريبة تتمثلُ طول الوقت في سجود حتشبسوت ليهودا ، ويهودا يركلُها ويبصقُ عليها ، ويستنفر يهودا دائمًا كي يضربها على الدوام ، فكان يقول..اضربْ يهودا ، اضربْ هذه الحضارة الملعونة ، فحنى فطين رأسه خجلاً وقال في نفسه يا للعار، قد بدت العداوة والبغضاء منهم ونحن نؤازرهم.
فألهب حتشبسوت ويهوذا جموح الغضب لديه فاستنفِر أكثر ، وازداد يقينًا أنّه قاتل العالم الجليل ، فقرر قتله.
يقولُ فطينُ في نفسه ...
هذا الأحمقُ يلتفّ حول معصمه هاتف محمول مصمم على هيئة سوار.
وليس مُستبعدًا كما قرأتُ أنّ حساسات محموله الذكيّة الملتفّة حول معصمه تتصلُ بهاتفي الآن وتخبره أنّي أنا...
فطينُ المصريّ -مصريّ متعصبٌ -مِن قاطني جنوب سيناء -ساحر- ....الخ.
وليس بعيدًا أن يحتوي رأسه على حاسوبٍ ذكي يتصل بمجسات دقيقة يتمكن مِن خلالها التحكم فيمن حوله مِن أجهزة بمختلف أنواعها ، وكذلك رقاقات إلكترونيّة تحت الجلد تكسبه قوىً خارقة وأجهزة إنترنت بالجسد.
وما بقي له إلّا أن يتصلَ رأسُه هذا بثقبٍ أسود لتزويد جسده بالطاقة.
لكنّى أنا "فطين" ما يُعجزني شئ وما هُزمت قطّ ، ولنْ أدعَ هذا المنتفخ صاحب الخُيلاء بتكنولوجيّته اللعينة ، تلك التي أذلتنا نحن العربُ على مرِّ تاريخنا وبالأخصّ منذ يوم الاستقلال الأمريكيِّ وتطور الحضارة الأمريكيّة والغربيّة على مرِّ التاريخ الإنسانيّ الحديث.
وقررتُ الالتحام به وتصفيته.
*أمّا فهمان فجالس في البلكونة شارد الفكر ، وفجأة اشتمّ رائحة حريق فتذكّر الطعام ، فقال قاذفًا بلسانه ..الطعام الطعام ، ثمّ هرول إلى المطبخ فوجده يحترق .
وما حدث بالضبط أنّ الطعام تبخّر رمادًا من داخل الوعاء بفعل وقود الموقد ، ثمّ أمسكت في المادة الزيتية الموجودة بداخله ، ارتفع اللهب بعدها فأمسك في صورة أبيه المعلقة بجانب المطبخ ، ثمّ امتدّ فأمسك في ضلفة المطبخ الخشبيّ القريبة من الصورة وكانت تحتوي على زجاجات زيتية.
والغريب أنّ النار لم تحرق من الصورة إلّا وجه أبيه.
*وما زال فطين يحادث نفسه قائلاً ..لن أجهلَ هذا الخنزير اليهوديّ ، ولن يخيفني ولو كانتْ تتجوّل بداخله ثقوب سوداء مجهريّة أو قنابل هيدروجينيّة .
ووضعتُ نفسي في حالة ترقّبٍ واستنفارٍ لحين لحظة الانقضاض ، ولمْ انتظر قليلاً إذْ رمقنى شزرًا مُطلِقًا ألفاظ السبِّ والتهكّمِ حيث قالَ بقرفٍ..أيّها العربيّ الجِلف الساحر الملعون ، أعلمُ ما بداخل عقلك العفن .
رددتُ عليّه..أعلمُ أنّك مُجهّز برقاقةٍ لقراءة الأفكار يا صاحب الرأس الحاسوبيِّ ، كما أعلم هذا السوار الذي حول معصمِك ، سوف يأتي يومٌ نحوّله إلى أغلال وقضبان نغلّكم به ونحبسكم فيه.
اغتاظ اليهوديُّ وأومأ بسبابتيه اليمنى واليسرى إلى يهودا وحتشبسوت ليهاجماني ، هذه الحتشبسوت التي تحوّلتْ فجأة مِن حالة السجود إلى حالة الهجوم.
فتحفّزّتُ للكرِّ والفرِّ ، ارتعشتْ شفتاي مِن الغضبِ واصطكّت أسناني وفارالدّمُّ في عروقي فزأرت زئير الأسد ، وتداعى على مسامعي دمدمة الحروب وصليل السيوف وكأنّ الماضي طرقني ليذكّرني أنّي ابن الفراعنة .
ثُم قلتُ لنفسي..ألقِ عصاكَ يا فطين .
ولمْ أمهلهما وبدأتُ أنا بالهجوم ، توالت ضربات عصاي عليهما ، وكانا يدرءان ضرباتي مِن خلال أذرعهما المعدنيّة التي خُصصت لذلك.
*وفي منزل فطين النار تزداد تأججًا حتى كادت حجرة المطبخ تتحول كلّها إلى قطعة من الشهب وفهمان يعمل على إخمادها.
*في حركة بهلوانيّة خفّضتْ حتشبسوتُ رأسها ، ولفّتْ جسدها لفّةً دائريّةً على الأرض كالفرجار وذاك بفتح إحدى قدميها بينما الأخرى تمثل موضع ارتكاز، اصطدمتْ بقدمي فأوقعتني على الأرض ، فلمّا هممتُ بالنهوض وثبتْ وثبة الفهدِ ، وجثمتْ على صدري وأزالتْ لاسةَ رأسي ، ثُمّ لكزتني في صدري ووجهي ثُمّ ابتسمتْ ثُمّ لثّمتني وجلستْ على قضيبي تتهدهد فاغتظتُ لذلك ، فأعدتُ اللاسة على رأسي ، وقبضتُ على يديها ، وكدتُ أفصلهما مِن جسدها وقلتُ..نحن العربُ لمْ نعشْ مِن أجل هذا فحسب أيّتها الخائنة الداعرة .
غير أنّ يهودا أنقذها منّي ، فنهضتُ ونهضا.
أدرتُ عصاي كالمروحة في الهواء ، وهجمتُ عليهما وكانا يرجعان إلى الخلف اتقاء عصاي .
ثُمّ جندلتُ يهودا بضرْب قدمه فخرَّ على الأرض ، وضربتُ قلبَه فاتلفتُ شريحته ، ثُمّ أتلفتُ بطاريته بضربةٍ قويةٍ جدًا بوساطة العصا ، فسمعتُ صوتَ أزيز أسلاك ، وشممتُ على الفور رائحة شياط .
ثُمّ وجّهتُ عصاي إلى حتشبسوت وأطلقتُ الزئبقَ الذي كان بداخل العصا فصارت كأنّها حية تسعى .
فارتعدتْ أوصالها وولّْتْ هاربةً بالقفزِ إلى أعلى والتصقتْ بسقف ردهة الفندق.
وتعجّبَ فطينُ قائلاً..سبحان الله لو أنّ هذه الحتشبسوت لمْ تملك تلك الخلايا العصبيّة في رأسها التي تشعر لِمَ خافت.
نظرَ اليهوديُّ نظرة استعلاء وتهكّم إلى روبوتيْه وبصقَ ولعنهما ، ثُم قفزَ قفزةً على رأسي فخررتُ واقعًا ، ثُمّ حاولَ استخراج غازٍ سامٍّ مِن هاتفه الملتفّ حول معصمه ليدخله في أنفي أو فمي ، بيد أنّي فقهتُ الأمر سريعًا فقاومتُ يده حتى أبعدتها عنّي .
دفعته ، فتدحرج قليلاً ثُم نهضَ وعاود الكرّة وتقدّمَ نحوي مُهاجمًا بذراعيه ذات الشرائح الإلكترونيّة ، ولكزني في بطني ووجهي وضربني فوق رأسي فشُجّ وسقطتْ اللاسةُ مخضبة بدمائي ، ثُمّ انخفضَ برأسه مائلاً وضرب قدمي بذراعه اليمنى فخررتُ إستي .وثبَ قافزًا على صدري وكيّل لي لكمات أخرى موجعة سالتْ على إثرها الدماءُ مِن شِدقي وفمي وأنفي .
كان بارعًا جدًا في القتال ، وكان ذلك لإنّ شريحةَ الهاتف قامتْ بعمل المدرب الملقّن الذي كان يوجّهه دائمًا لأخْذ الموقع المناسب للهجوم أو الدفاع وكيفية توجيه الضربات .
تسربلَ وجهي بالدّمِ حتى حجب الرؤيا عن عينيّ.
واليهوديّ يضربني بتؤده وثقة ويختال ضاربًا ، ويبصقُ على وجهي قائلاً..مصريّ عفن ..مصريّ عفن .
لمْ تسعفني قوّتي للخلاص منه ، إذْ كان متمكنًا في جثومه.
تألمتُ مِن ضرباته ، وهناك ما أوجعني أكثر واستنفرَّ عزيمتي ، وهو أنّي أبصرتُ وشمًا محفورًا على ساعديه يُحددُ ملامحَ المنطقةِ العربيّة مِن النيلِ إلى الفراتِ وأقدام اليهود تطأُ أرأس العرب.
فانفجرتُ غضبًا وقلتُ لا.. لا.
ومع صيحات غضبي تردّدَ على سمعي وبصري قهقهاتُ الداعراتِ والنزلاءِ وعامليِ الفندق ، يقهقهون في حالة هيستريّة كأنّهم يسخرون مِن حالنا المزري ، فتذكّرتُ حالة حكّامنا عند الأزمات ، فأصواتهم تدوي في الآفاق وهُم أضعف مِن جناح بعوضة ، وأنا لست موضع سخرية ولا إمّعة ولا ضعيف ، فدفعته دفعةً شديدةً فانقذفَ مُرتطمًا بجدار الحائط الزجاجيِّ فانكسرَ ثُم هبّ واقفًا ، فأقبلتُ عليه وجندلته بالعصا بيد أنّه قفزَ إلى أعلى ليتقيها .
أدرتُ العصا بيدىَ التي أمسكتها مِن مركزها فبدتْ كأنّها تدورُ كالمروحة وهي تحفُّ حفيفًا كحفيف هواء مروحة عِملاقة حتى وكأنّها تبعثُ أعاصيرَ ، وسمعتُ لها هزيمًا كهزيم الرعد القاصف فأوقعتُ في نفسه خيفةً أصابته بالوهن وفتّتْ عزيمته فتطايرتْ مع الهزيم رمادًا.ضربته في معصم يده فتهشّمَ الهاتفُ ، فجنّ جنونه وقالَ لي..أتعلم بكَمْ هذا الهاتف يا جاهل يا متخلّف يا عائم في المستنقعات.
ثُمّ عاجلتَه بضربةِ معلمٍ ، ضربةٌ في رأسه فشُجّتْ وأُدميتْ ، وأُتلفتُ الشريحة الإلكترونيّة التي كانتْ تتصل بكلِّ شرائحِ جسده ، فانطلقتْ أشعةٌ مِن رأسه نتيجة تحرّر الإلكترونات مِن مستويات الطاقة مصحوبة بنزْف دمٍ مِن رأسه ، وسمعتُ سرينة إنذار تنذر بتعطّل الأجهزة بداخله .
*وأخيرًا استطاع فهمان أن يطفئ الحرائق التي نشبت في منزله.
*بعدها تحوّل إلى قِزمٍ راكعٍ أمامي يطلب الصفح والمغفرة غير أنّي لمْ أنسَ دمَ العالِم فسألته مَنْ قتله ؟
فأجاب : سلوا أنفسكم .
فنكستُ رأسي هنيهة ، وقلتُ في نفسي ..نحن الذين فتحنا لكم البابَ فدخلتم وأعملتم فينا السيف.
لمْ يجدْ فطينُ أفضل مِن الوادي الجديدِ ، فمساحتها كبيرة وبعيدة جدًا عن جنوب سيناء .

الى اللقاء لتكملة الجزء الثاني ان شاء الله
بقلمي ..إبراهيم أمين مؤمن
ebrahim2016amin@gmail.com






 
رد مع اقتباس
قديم 15-04-2023, 02:49 PM   رقم المشاركة : 2
معلومات العضو
عبد السلام الكردي
الهيئة الإدارية
 
الصورة الرمزية عبد السلام الكردي
 

 

 
إحصائية العضو







عبد السلام الكردي غير متصل


افتراضي رد: رواية قنابل الثقوب السوداء - أبواق إسرافيل "الرواية المشاركة في كتارا 2019-2020

جميلة جدا وسلسة
كل سطر يجر قارئه من تلابيبه إلى الذي يليه عذرا لسماجة التعبير
ياتابع باقي الأجزاء ثم نتعمق لو اسعفتني امكانياتي المتواضعةعلى التعمق في التعليق ووصع قراءة مفيدة لهذه الرائعة
لكني أتساءل:
لماذا ادرجتها هنا في الاقلام الأدبية الواعدة؟
سوف أنقلها إلى القسم المختص لتلقى عناية المختصين هناك.
تحبتي.







 
رد مع اقتباس
قديم 15-04-2023, 06:24 PM   رقم المشاركة : 3
معلومات العضو
ابراهيم امين مؤمن
أقلامي
 
إحصائية العضو







ابراهيم امين مؤمن متصل الآن


افتراضي رد: رواية قنابل الثقوب السوداء - أبواق إسرافيل "الرواية المشاركة في كتارا 2019-2020

جميلة جدا وسلسة
كل سطر يجر قارئه من تلابيبه إلى الذي يليه عذرا لسماجة التعبير
ياتابع باقي الأجزاء ثم نتعمق لو اسعفتني امكانياتي المتواضعةعلى التعمق في التعليق ووصع قراءة مفيدة لهذه الرائعة
لكني أتساءل:
لماذا ادرجتها هنا في الاقلام الأدبية الواعدة؟
سوف أنقلها إلى القسم المختص لتلقى عناية المختصين هناك.
تحبتي.
====
أهلا بك..
طبعا انقلها للقسم المختص حتى أرسل المقاطع في الردود تباعا تباعا.
===
المغرور مستحيل أن يصلح للنجاح، ولابد من أخذ العلم من رواده، لذلك الربع الأول من الرواية قد يكون ضعيفا نسبيا،، أما بعد ذلك فسوف تشتاق اشتياقا لتتبع الأحداث شريطة أن تكون من هواة روايات الخيال العلمي
==
أستاذ عبد السلام، لو عايزين نشتغل صح يجب حذف كل المقاطع المدرجة من صفتحي الخاصة بالرواية إلا هذا الجزء فقط// وأنا سأرسل مقطعا في الردود كل 3-5 أيام


==========
المقاطع المطلوب حذفها إن أمكن أو إلغائها..
المطلوب حذفه...
أجزاء مسلسلة رواية قنابل الثقوب السوداء
الحي والميت
نفسي فداؤك يا أنصف الناس
الاجتماع بالحكومة
ابدأ بنفسك أولا
الماضي مرآة المستقبل ج
رواية قنابل الثقوب السوداء ...الجزء الخامس
رواية قنابل الثقوب السوداء ...الجزء الرابع
قنابل الثقوب السوداء –أبواق إسرافيل ج3
قنابل الثقوب السوداء –أبواق إسرافيل ج2






 
رد مع اقتباس
قديم 15-04-2023, 07:04 PM   رقم المشاركة : 4
معلومات العضو
ابراهيم امين مؤمن
أقلامي
 
إحصائية العضو







ابراهيم امين مؤمن متصل الآن


افتراضي رد: رواية قنابل الثقوب السوداء - أبواق إسرافيل "الرواية المشاركة في كتارا 2019-2020

إذا كَثُرتْ الضِباع ولّتْ الأسود هاربةً
خرجَ فطينُ مُسرعًا مِن ردهة الفندق -مسرح القصاص - وكان مترقبًا خائفًا.ِِاتّجه إلى منطقته -التي تبعد نحو مئة كيلومتر مِن الفندق - ظلَّ يجري حتى اتّجه إلى أحد الشوارع السيناوية الرئيسة، ثُمّ أشار إلى إحدى سيارات الأجرة فوقف، رمقَ السيارةَ وتفحّصها بنظراته التي لا تُخطئ أبدًا، فوجدها تعمل بطاقة الألواح الشمسيّة -كمعظم السيارات آنذاك - ولكنّ تقنية هذه السيارة متطورة أكثر، فتفحصها فتأكد له أنّ سائقها رجل آلي وأنّها تعمل ببطاريّة هيدروجينيّة، وأنّ هذه السيارة من السيارات الأمنية والتي تعمل على تقديم كلّ الخدمات لنزلاء الفندق، فخاف أن تتعرف عليه من خلال رسالة وصلتها عن مواصفاته عبر حاسوبها؛ فتقلّه آلياً إلى أحد مراكز الشرطة، فامتزجَ الخوفُ بالحنق، وتحوقل وأخذ يطلقُ اللعنات على التكنولوجيا التي تلاحقه وتذكّره بخيبة العرب.
وأخيرًا..بعد كلِّ هذا التفكير، اِعتذرَ عن الركوب، ثمّ رمقها وهي تسير في مسارها المبرمج عليها.
مرّتْ سيّارة أجرة أخرى سائقها يرتدي ثياب أهل الأنفاق والجحور فركبَها ورحل َ.
في السيارة ، بدأ يفكرُ في حادثة الفندق، وتداعياتها الخطيرة على مستقبل ولده الذي لمْ يكنْ لديه إلّا إيّاه، تارة يلوم نفسه خشية ضياع مستقبل ولده وتارة يباركها على فعلها، ويحفّزها على الثبات والرجولة.وأنهى النزاع الذي يدور بخلده بين الملامة والمباركة بترْك سيناء كلّها، والهروب بابنه بعيدًا عن مسرح الانتقام الذي نفّذه، هذا الانتقام الذي ألقى بظلاله على صدره فجثمَ وعسّكرَ فيه؛ ليولد في مكنون نفسه الخوف والتشريد.

دفعَ الأجرةَ ونزلَ متّجهًا إلى منزله وهو يدعو نفسه للثبات، فالزحام شديد فيها بسبب تهجيرين: تهجير المصريين من مدنهم المكتظة إليها وذاك من أجل إفساح الطريق للطبقة الحاكمة وحاشيتها، وتهجير الفلسطينيين من أرضها المحتلة وذاك لإفساح الطريق إلى الشعب اليهوديّ لاستيطانها. في كلّ مرّة يتلمّس موضع قدميه حتى لا تصيب أحد الحِبّين، ويجد لأكتافه الفولاذيّة مسلكًا حتى لا يصطدم بروحيه وحِبّيه؛ المصريّ والفلسطينيّ .
لكنّه الساعة لن يكون حذرًا إذ يتوجّب عليه الإسراع إلى المنزل ليطمئنّ على فهمان، ثمّ يأخذه ويهرب بعيدًا عن أعين المخابرات الإسرائيليّة والمصريّة. ومن أجل أغنياء مصر وأصحاب النفوذ فيها لم يقصّر النظام الحاكم في دعوة الناس للهجرة إلى القرى وخاصة الوادي الجديد، مبررين لهم أنّها منطقة ذات مساحة شاسعة وملآنة بالمياه الجوفية.
وقد وصلَ حد العبث بالمطرودين المصريّين إلى دعوتهم لحفر أنفاق تحت الأرض والإقامة فيها؛ معلّلين ذلك بوفرة المياه، ممّا أثارَ تهكّم صحف المعارضة والأحزاب وكلَّ تيارات الإسلام السياسيِّ.
وهذه بعض عبارات التهكّم والسخريّة على أحد فلول النظام الخائن عبارة تقول: «أنحن نمْل ونسكن الجحور؟»
وعبارة ساخرة تقولُ: «أنحن مياه جوفيّة؟»
وثالثة: «لعلَّ الفقر والضعف هو الموت فوجب علينا أن نحيا أمواتًا في القبور.»
ورابعة: «نحن لسنا أمواتًا يا سيادة المسئول.»
وعالم نفس يقول: «يريدون ممارسة الاستعلاء المعنويّ والماديّ معًا، حيث يودّون السير فوق رءوسنا.»
وعنوان ساخر آخر في أحد الصحف: «أحسن إلى جوارك مِن الجماحم أيّها المسلم.»
وكان الرئيس يواجه كلَّ هذا بقطْف رؤوس قادة المعارضة وتكميم أفواه تابعيهم، فسياسة التصفية النفسيّة والجسديّة هي منهجه، أفلحَ في الإحاطة بالمجاهرين له بمناهضته، أمّا سرًا، فهناك رجال مصلحون يعملون في صمت وخفية؛ ولذلك لم يحطْ بأعمالهم، ينتظرون لحظة الانقضاض لتخليص شعبهم مِن الظلم.
إنّه في ذاك الوقت كان، المجلس العسكريّ العظيم.
المهم، انتهتْ معركة المعجنة، وما إن وصلَ إلى مدخل العمارة حتى نادى عليه أحدُ الجيران - واسمه بطرس يوحنا - وكان يلحّ على فطين دائمًا كي يبيعه شقته، فأخبره أنّ هناك مَن يسألُ عليه نحو ساعة مضت.
سأله فطينُ عن اسمه، فقال له إنه يبدو من سمته وشكله أنّه يهوديّ. فشحب وجهه واصفرّ على الفور، لم يلحظ بطرس ذلك؛ ولذلك تابع كلامه قائلاً: «ألمْ يحن بعد؟»
ردّ فطين: «معك المال؟»
- «في المحل.»
- «فردَّ عليه فطين..أحضرْه.»
أبصر فهمان أبيه من البلكونة فأسرع نحو الباب ليستقبله.
بينما مضى بطرسُ مهرولاً ملهوفًا إلى محله لإحضار المال، وفي طريق عودته إليه كان يهاتف أحدَ كبار القساوسة أنّه على مشارف الانتهاء مِن شراء منزل في أحد ضواحي جنوب سيناء.فرُدَّ عليه بأنّ يشتري بأيّ سعر.
نظر فهمان لوجه والده، فلحظ في قسمات وجهه علامات الخوف فسأله فورًا:«أين كنت أبتِ؟»
فلم يردّ عليه فطين حيث أنّه عزم على الرحيل الآن وبسرعة.
رنّ جرس الباب، فهمّ فهمان بفتحه لكنّ أباه أمسكه من رسغه قائلاً: «انتظر.»
نظر من العين السحريّة، إنّه بطرس، فتح له الباب وأخذ المال وأغلقه في وجهه على الفور.
ثمّ أخذ ابنه قائلاً: «هيّا نرحل ، فما عاد هذا المكان آمن بعد الآن.»
حدقه فهمان ولم ينبس بكلمة. أخذه فطين وآثر الرحيل عبر الخروج من الشرفة، ولقد رأى فطين المطبخ الخشبيّ المحترق فلم يبدِ اهتمامًا.
ورغم أنّه الليثُ الأشجعُ؛ لمْ يخرجْ من الباب وقفزَ مِن شرفة الحجرة الخلفيّة، وأخذ ابنه والمال الذي قبضه مِن بيع المنزل وكذلك عصاه وركبَ أوّل سيّارة ومضى حيث لا يدري. رحلَ تاركًا البيت الذي كان يمثل قطعة من جسده، ففيه تزوّج بالمرحومة زوجته التي كانت مثله في العلم والوطنيّة، رحلَ عن مكان الذكريات الحلوة.
في أوّل دقائق الرحيل لم ينتبه إلى ابنه، وتذكّر ماضيه مع زوجته وقولَها له عندما قالتْ له: «فطين، هذا المنزل أغلى مِن حياتي، ففيه تزوجتك، وفيه ولدتُ فهمانَ، وفيه عشتُ ألذَّ أوقات عمري.»



ولمّا كانتْ في النزْع الأخير قبل أنْ تُفارق الحياة قالتْ له: «لا تبعْ المنزلَ ، اجعلْ كلَّ خطوة خطوناها معًا أملاً في الوصول إليّ، وكلّ بسمة ومودة وأنسة عشناها معًا ذكرى أطلالٍ جميلة قد تتحول إلى واقع، كُن وفيّاً لعلّ الله يجمع بيننا مرّة ثانية في بُعدٍ آخر، فقد تخترق يومًا ثقبًا أسود وتعبر؛ فتصل إلىّ في بُعدي الذي انتقلت إليه الآن، لعلّه يا فطين أحد أبعاد نظريّة الأوتار الفائقة الذي كنّا نسميه معًا بُعد الأموات.ولا تفرّط في كتبنا، دعها كما هي، كتبٌ درسناها معًا وتدارسناها لابدّ أنْ تكون قطعة من جسدك.» ثم قال لنفسه متأوهًا: «فطين،لا تبعِ المنزل.» فاغرورقتْ عيناه بجانب ولده الذي لحظه فبكى لبكائه.
ضلَّ الحُلماء بين الخوف والفقر
نظر فطين إلى ابنه وسأله عن شأن المطبخ المحترق، فأجابه بالتفصيل، لكنّ فطين لم يسمع شيئًا؛ إذ طغى على كافّة حواسه من جديد مشهد الفندق ووصية زوجته له.
كانتْ سيّارة السائق متآكلة تنبحُ وتزأرُ، على طول الطريق تُقدّمُ أعظم سمفونيّة رقْصٍ شرقيّ في التاريخ؛ إذ إنها تسير متراقصة على عزْف وطبْل العفشة المتآكلة، والأبواب التي تتصادم في مداخلها.
فقالَ له السائقُ: «إلى أين؟»
فلمْ يردّ. فأعادَ السائقُ السؤالَ:«إلى أين؟»
أجاب: «سرْ بنا بعيدًا بعيدًا.»
فتعجّبَ الرجل وقالَ: «أنا نفسي لا أدري أين أذهب منذُ ولِدتْ، لكنّي أدرك أنّه يتوجّب عليّ دائمًا الهروب بعيدًا بعيدًا من مطاردة الفقر.»
فتاه فطينُ وتاه السائقُ في ظلِّ لوحة دراميّة جمعتْ بين الخوف والفقر.
فطين سكران، فهو يخشى أنْ تأتيه الطعنةُ مِن بني وطنه أو حكومته. والسائق سكران بسبب الفقر المدقع الذي توارثه من جهل بلده وحكّامها.
بُرعم حضارة ينمو في رحِم الشرقِ
بعد ساعتين مِن العزف الموسيقىِّ الشرقيّ، نزلَ فطينُ في مكانٍ خالِ ليعطي نفسه فسحة مِن الوقت لأخْذ قرار سليم بشأن اتقائه إعدام محتمل.
نظرَ فطينُ إلى ابنه مُتسائلاً من جديد: «ما شأن المطبخ؟»
فاجابه فطين بنفس الكلام الذي ذكره له من قبل.
قال فطينُ متعجبًا: «أوَ قلتَ؟» صمت هنيهة ثُمّ تابع كلامه: «قلْ مرّة أخرى.»
فذكر له القصة من بدايتها، ثمّ أكمل قائلاً: «قمتُ بقفل محبس الغاز الرئيس على الفور، ثمّ أحضرتُ زجاجات المياه التي بالثلاجة رغم علمي أنّها غير فعّالة في إطفاء الحرائق، خفتُ وأصابتني رعدة، ثُمّ تمالكتُ نفسي وفكّرتُ أن أسحبَ الأكسجين - سبب الاحتراق - مِن المطبخ. ذهبتُ إلى الثلاجة مرة أخرى بعد أن اتّخذت القرار السليم وهو استخراج كلَّ قطع الخمائر التي كانتْ في الثلاجة.
- «وماذا ستفعل بالخميرة؟» أتترك الحرائق وتأكل (فطين يعلم دور الخميرة في إطفاء الحرائق.)
- «لا، بل إنّي أعلم أنّ الخميرة تنفخُ العجينَ، كما أعلم كذلك أنها مادة قلويّة. بعدها فتحتُ حقيبةَ ألعابك السحريّةِ، فوجدتُ ثلاثَ زجاجات خلّ، سكبتُ اثنتين منها في حلة مِن حُليِّ المطبخ على الخمائر؛ فتحرّر ثاني أكسيد الكربون، ثُمّ سكبته على بعض شموع الإضاءة، فترسّبَ الغازُ في قاع القدر لأنّه أثقل مِن الهواء، ثُمّ ألقيته على النار؛ فانطفأتْ إلّا قليلاً منها؛ فأحضرتُ زجاجة الخلّ الثالثة ووضعتها على الخميرة، وفعلتُ كذلك ما فعلته أولاً فانطفأت.»
فرِحَ أبوه لدرجة أنّ عمل ابنه أنساه الفاجعة التي قدْ تلحق به وبابنه، ثُمّ سأله: «كيف بلّورت كلّ هذا بهذه السرعة؟»
- «لا أدري، لكني وجدت الفكرة تبلّورت في ذهني بمجرد التفكير فيها، لكنّي أعلم أنّ الحرائق عبارة عن أكسدة وتشتعلُ بسبب وجود الأكسجين في الجوِّ الذي يرتفع، وهذا يفسر ألسنة اللهب التي تعلو عند مزيد من المواد القابلة للاحتراق. فلو أحللنا غازًا آخر أثقل مِن الهواء مثل ثاني أكسيد الكربون لترسّبَ في قاع الحرائق ومنع الأكسدة فانطفأتْ، أيْ ضيّقتُ الخناقَ على الأكسجين.»
-فردَّ عليه فطينُ متأوّهًا: «ضاع العلمُ وسط الخوف، وما أخافنا يا ولدي إلّا الفرقة والصراع، ثُمّ فارقه الحزن فانفرجتْ أساريرُه أخيرًا ونظرَ إلى ابنه بفخرٍ، ثُمّ أمسكَ منكبيْه منتصبًا نظره إلى وجهه البريء وكلّمه : «أعلمُ يا ولدي أنّك نابغة، لكنّي أرى نبوغك يتطور ويزدهر بطريقةٍ مذهلةٍ فأسألُ اللهَ أنْ يحرسكَ ويحميكَ.» ثُمّ هزّه فخرًا وقال: «أنت ابنُ أبيك فعلاً، وأرجو مِن الله أنْ يمكّنني مِن إخراجكَ مِن مصر لتستكملَ تعليمك بالخارج.» ثمّ تمتم قليلاً وتذكّر قول ابنه بشأن الصورة فقال له: «صحيح يا فهمان ، ألم تقل لي إنّ رأسي فقط الذي احترق في الصورة؟»
ردّ: «نعم الصورة كلّها لم يمسّها سوء إلّا الرأس فقد احترق تمامًا.» سكت برهة ثمّ استطرد: «أبتِ أين كنت؟ ولِمَ تركنا منزلنا؟»
فقصّ عليه الحكاية كلّها وهو يسمعه مذهولاً منصدع القلب، ختم فطين كلامه بقوله: «أزلت العار عن مصر يا ولدي وانتقمتُ لها.»
وزفرَ زفرةً طويلةً ثُمّ تابع كلامه بعدها: «بني، رويتُ لك لأعوّدَك وأعلّمَكَ الثقةَ والجلَدَ والصبرَ رغم حداثة سنك، فإنّى أشعرُ بأنّ حِمْلك ثقيل ثقيل عندما تكبر، أشعر بأنّ هذا العالم سيحتربُ ويحتاجُ إلى علمِكِ وحسن ِخلقكَ.»
يتبع.........







 
رد مع اقتباس
قديم 15-04-2023, 07:28 PM   رقم المشاركة : 5
معلومات العضو
عبد السلام الكردي
الهيئة الإدارية
 
الصورة الرمزية عبد السلام الكردي
 

 

 
إحصائية العضو







عبد السلام الكردي غير متصل


افتراضي رد: رواية قنابل الثقوب السوداء - أبواق إسرافيل "الرواية المشاركة في كتارا 2019-2020

حاضر استاذ إبراهيم ..سيكون لك ما تريد إن شاء الله
شكرا لمهنيتك وتواضعك







 
رد مع اقتباس
قديم 15-04-2023, 07:55 PM   رقم المشاركة : 6
معلومات العضو
عبد السلام الكردي
الهيئة الإدارية
 
الصورة الرمزية عبد السلام الكردي
 

 

 
إحصائية العضو







عبد السلام الكردي غير متصل


افتراضي رد: رواية قنابل الثقوب السوداء - أبواق إسرافيل "الرواية المشاركة في كتارا 2019-2020

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة ابراهيم امين مؤمن مشاهدة المشاركة
جميلة جدا وسلسة
كل سطر يجر قارئه من تلابيبه إلى الذي يليه عذرا لسماجة التعبير
ياتابع باقي الأجزاء ثم نتعمق لو اسعفتني امكانياتي المتواضعةعلى التعمق في التعليق ووصع قراءة مفيدة لهذه الرائعة
لكني أتساءل:
لماذا ادرجتها هنا في الاقلام الأدبية الواعدة؟
سوف أنقلها إلى القسم المختص لتلقى عناية المختصين هناك.
تحبتي.
====
أهلا بك..
طبعا انقلها للقسم المختص حتى أرسل المقاطع في الردود تباعا تباعا.
===
المغرور مستحيل أن يصلح للنجاح، ولابد من أخذ العلم من رواده، لذلك الربع الأول من الرواية قد يكون ضعيفا نسبيا،، أما بعد ذلك فسوف تشتاق اشتياقا لتتبع الأحداث شريطة أن تكون من هواة روايات الخيال العلمي
==
أستاذ عبد السلام، لو عايزين نشتغل صح يجب حذف كل المقاطع المدرجة من صفتحي الخاصة بالرواية إلا هذا الجزء فقط// وأنا سأرسل مقطعا في الردود كل 3-5 أيام


==========
المقاطع المطلوب حذفها إن أمكن أو إلغائها..
المطلوب حذفه...
أجزاء مسلسلة رواية قنابل الثقوب السوداء
الحي والميت
نفسي فداؤك يا أنصف الناس
الاجتماع بالحكومة
ابدأ بنفسك أولا
الماضي مرآة المستقبل ج
رواية قنابل الثقوب السوداء ...الجزء الخامس
رواية قنابل الثقوب السوداء ...الجزء الرابع
قنابل الثقوب السوداء –أبواق إسرافيل ج3
قنابل الثقوب السوداء –أبواق إسرافيل ج2
الأستاذ إبراهيم
تم حذف ما طلبت حذفه.. حذفا بسيطا غير نهائي ..يمكن استعادته لو احتاج الأمر إلى ذلك
تحيتي لك.






 
رد مع اقتباس
قديم 16-04-2023, 09:57 PM   رقم المشاركة : 7
معلومات العضو
ابراهيم امين مؤمن
أقلامي
 
إحصائية العضو







ابراهيم امين مؤمن متصل الآن


افتراضي رد: رواية قنابل الثقوب السوداء - أبواق إسرافيل "الرواية المشاركة في كتارا 2019-2020

لن نحتاج إليه بتاتا، لأنه سيعاد ضمن أجزاء الرواية لكن على الترتيب، ربنا يحيينا ويحييك فالرواية 120 ألف كلمة







 
رد مع اقتباس
قديم 28-04-2023, 04:16 AM   رقم المشاركة : 8
معلومات العضو
ابراهيم امين مؤمن
أقلامي
 
إحصائية العضو







ابراهيم امين مؤمن متصل الآن


افتراضي رد: رواية قنابل الثقوب السوداء - أبواق إسرافيل "الرواية المشاركة في كتارا 2019-2020

التفكير مجددًا في تداعيات حادثة الفندق
عاودَ فطينُ التفكير في حادثة الفندق مِن جديد، فهو على يقين بأنّ المعركة مصوّرةٌ بأكثر مِن طريقة، فهاتفُه الملتفَّ حولَ معصمه القذر مسجلٌ عليه هويّته، وهذا كلّ ما يعنيه لأنّ هذا الهاتف الذكي مدون به اسمه وسكنه ومهنته، أمّا هواتف نزلاء الفندق التي قامت بتصوير المعركة فلا تعنيه في شيء؛ وذاك لأنّ الأمن المصريّ سيستغرق وقتًا طويلاً حتى يعرف مكان إقامته؛ ولذلك باع المنزل وهرب بسبب هاتف اليهوديّ.
وفطين لا يستبعد إذا قُبض عليه أن يُتهم بالخيانة والإرهاب، بلْ قدْ يرسلوه إلى تل أبيب للتحقيق معه حتى يعلموا مَنْ وراءه.
كل هذا لم يكن ليشغله لو أنّ الأمر يتعلق به فقط، وإنّما يشغله ولده الذي لمْ يبلغْ عامه السابع عشر بعد، فسوف يرمونه في “الأحداث أو الإصلاحية”أو يلقونه في غيابات الأنفاق مع السكان الجُدد. ثُمّ انتفضَ بعد حديث النفس الصامت إلى الجهر بكلمة حازمة "لا والله لن يكون ، لك عمري يا ولدي ".
وفكّر أول ما فكّر أنْ يذهبَ إلى بلدة نائيةٍ ليهربَ، ولكنْ ماذا يفعلُ في اسمه، يغيّره؟ ووجهِهِ ، يبدّله؟ لمْ يفكرْ الآن إلّا في الهروب في اللحظة الآنية.
الذهاب إلى الوادي الجديد
لمْ يجدْ فطينُ أفضل مِن الوادي الجديدِ، فمساحتها كبيرة وبعيدة جدًا عن جنوب سيناء. وقدْ اكتظّتْ بالسكان لوفْرةِ المياهِ تحت الأرض؛ إذْ إنّ النّاس بالفعل رحلوا إليها قادمين مِن أكثر القرى والمدن جفافًا، أتوا إليها بسبب آبارها ومياهها الجوفيّة التي ما زالت تفيض ماءً.
ممّا حدا بأكثر النّاس فقْرًا أنْ يحفرَ بئْرًا ويقيم فيها بسبب فاتورة المياه التي ما عاد يستطيع أحد دفعها. وممّا ساعدَ على رحيل السكان إليها؛ أنّ بعضًا مِن المستثمرين المصريّين والعربِ شرعوا في عمل بعض المشاريع عليها بسبب توفير خدمات الطاقة، ألَا وهي الطاقة الشمسيّة، وكانتْ شبكة الأرصاد الجويّة تسميها بلد الشمس، ونتيجة لهذه المشاريع تمَّ توفيرَ بعض فرصِ العملِ لأهل المحافظة وغدت البطالة بها لا تتعدّى أكثر من 96% بينما بقية المحافظات فقد وصلت إلى 99%.
حتى سيّاراتها فكلّها تقريبًا تستخدمُ الطاقةَ الشمسيّةَ للتسيير بسبب الانخفاض الحاد في الاحتياطيّ العالميّ مِن النفط.

***
ُ برعم حضارة ينمو في رحِم الغرِبِ
يشاهدُ جاكُ أحدَ خبراء ناسا وهو يتكلم عن تقنيةِ المصاعدِ الفضائيّةِ حيث يقولُ:«المصعد الفضائيّ ممتدٌّ مِن خط الإستواء حتى المدار القمريّ، وستُنشأَ قاعدتان واحدة في الأرض والأخرى على القمر؛ من أجل نقل الخبراء والروبوتات والخامات منه وإليه.»
يشاهد روادُ الفضاء الأمريكيّون وهُم يضعون مصفوفات شمسيّة على طول الشريط البالغ خمسة وثمانين وثلاثمائة ألف كيلو متر، أمّا عرضه فقد صُمم بحيث يسمح بمرورِ المركباتِ الفضائيّةِ، يضعونها رغبةً في تشغيل المصعد بالخلايا الشمسيّةِ النانويّةِ، فضلاً عن توفير الطاقة للشعب الأمريكيّ بأسعارٍ زهيدةٍ عن طريق شمس القمر.إلَا أنّ هناك آراءً تقولُ أنّ دفْع المركباتِ على المصاعدِ الفضائيّةِ سيكون بالليزرِ للهروبِ مِن عجلةِ الجاذبيّةِ الأرضيّةِ، وأنّ الدفع بالصواريخ مِن الوسائلِ التي عفا عليها الزمن. فسعد جاك لذلك أيّما سعادة، ورفع رأسه فخرًا حتى كاد يلامس السماء رغم تواضعه الذي يسكن في سبع أرضين.
وسمع أيضًا: «ولمْ تكنْ هي فحسب، بل هناك أكثر مِن عشر دولٍ قامتْ ببناء المصاعد لأنفسها، منهم بالطبعِ الروسُ والصينُ واليابانُ.»
ثُمّ انتقلَ الإعلاميّ إلى خبرِ الزلازلِ المتوقعة حدوثها وخاصةً في ولاية كاليفورنيا وبالتحديد جامعة بيركلي.
حيثُ يقولُ: «إنّ هيئةَ المسحِِ الجيولوجيّ الأمريكيّةَ قالتْ إنّ بعضَ الولايات ستتعرض لحدوث مئة زلزال على الأقلِّ مختلفةِ القوة في شهري نوفمبر وديسمبر القادميْن، وإنّ أخطرها سيقع في كاليفورنيا وبالتحديد جامعة بيركلي، وأنّ الزلازلَ تنذرُ بانفجار بركانيّ قدْ يُذهبُ بآلاف السكانِ القاطنين فيها، فضلاً عن تلفِ المحاصيلِ في معظم الولايات والدول التي تجاورها بسبب ظاهرة الشتاءِ البركانيِّ.»
فامتقعَ وجهُهُ على الفورِ وقالَ: «يا ليتني أفديكَ بدمي يا وطني.» وبخشوعٍ تابعَ حديثَ النفسِ الشجيّ الذي توّهه عن الدنيا:
«لقد انتشلتني وأنا رضيعٌ مجهول الأبِّ والأمِّ مِن على أحد أبوابِ الكنائسِ، ولا أدري لي اسمًا أو رسْمًا إلّا ما دعوتني به، ولكنّي لقّبتُ نفسي بجاك الولايات المتحدة الأمريكيّة، وأنّه لاسمٌ أحبُّ أنْ يناديني به القاصي والداني حتّى إنّي أنا أنا أنادي نفسي به. وإنْ كان هذا الاسم يحملُ دلالة تبغضها النفس وتلعنها لكنّ هذا لا يهمني، فحبّي واعتزازي لبلدي الذي آواني وعلمني طغى على كلِّ المحاذيرِ والاعتبارات.»
فلمّا أشبع نفسه بهذا الحديث انتبه إلى ما حوله فسمع الإعلاميّ يقول أيضًا: «وفي هذا الشأن فقدْ طمأنت ناسا المواطنين بأنّها والحكومة الفيدراليّة ووزارة التكنولوجيا وهيئة المسح الجيولوجيّ أُعطوا جميعًا الضوءُ الأخضرَ مِن الرئيسِ الأمريكيّ لاتخاذ كآفّة الإجراءات وعلى كآفّةِ الصُعُدِ للحدِّ مِن خطورة المناطق النشطة زلزاليًا والتي تُنذر بانفجار بركانيّ عند القشرة الضعيفة مِن الأرض.» وتتابع كلامها: «ستخفف حدة خطورتها بتبريدها بضخ المياه إلى الحمم البركانية عبر مواسير ضخمة تضخُّ طلمبات مياهَها نحو الحِمم البركانيّة.»
وأنّ الحكومةَ الفيدراليّةَ قدْ تدْعوكم إلى إخلاء بعض المناطق التي تتوقعُ حدوث زلازلٍ فيها.»
هرعّ جاكُ إلى مكتبتِهِ العلميّة التي في منزلِهِ، وتصفّحَ بعض كتب الجيولوجيا التي تضمها، وقرأ عن الزلازلِ، وتدبّرَ قولَ ناسا هذا الخاص بشأن مواسير المياه ولمْ ترقْه الفكرة بالمرّة، ثُم تابعَ قائلاً: «فليحمِ الربُّ أمريكا.»
واستسلم للواقع..
ثُمّ ركبَ دراجته الناريّة الوحيدة عنده، ركبها ومضى إلى محل ليشتري منه عشر زجاجات مياه غازيّة، اِشتراها وشربها كلّها ثُمّ وضعَ العلبَ الفارغةَ في جوال مربوط ٍ خلف الدراجةِ، ثُمّ استمرّ ماضيًا نحو أحد الشوارعِ الفارغةِ كعادته لعمل مناورات بها، مناورات أشبه بالمعجزات، حتى إنّ أحد زملائه كان يلقّبه بفتى الدراجة الطائرة عندما يشاهد ها.
وقال له ذات مرّة مداعبًا لا هازئًا: «أريد أنْ تطيرَ بدراجتك مِن كاليفورنيا إلى واشنطن.»
فرد جاك مبتسمًا: «مع العزيمة لا يوجد مستحيل.»







 
رد مع اقتباس
قديم 04-05-2023, 04:04 AM   رقم المشاركة : 9
معلومات العضو
ابراهيم امين مؤمن
أقلامي
 
إحصائية العضو







ابراهيم امين مؤمن متصل الآن


افتراضي رد: رواية قنابل الثقوب السوداء - أبواق إسرافيل "الرواية المشاركة في كتارا 2019-2020

ظلّا سائرين نحو ثلاث ساعات، وأخيرًا ركبا سيارة قاصدين الوادي الجديد، وما زال الخوف يسيطر على كليهما. فلمّا وصلا اتّصل بأحد سماسرة العقارات واشترى شقة متواضعة على الفور.
تمددا على السرير وناما من الإعياء الشديد. نام فطين محتضنًا المال المتبقى من شقة جنوب سيناء بعدما استخرج منه المال الذي اشترى به الشقة الحالية. الخوف يعتصر قلبه، وفهمان أشدّ خوفًا منه لأنه يحبّ أبيه جدًا فضلاً عن قلبه الضعيف الذي لا يستطيع تحمل أدنى الكوارث.
ومرجع خوف فطين أنّه لأول مرّة في حياته يعيش طريدًا رغم بعده الشديد عن مسرح الجريمة، وكان يواسي نفسه ويطمئنها من خوفها بعد إجراء العملية التي عزم على إجرائها. استيقظ فطين، بينما ابنه لم ينم إلّا غفوات. ارتدى ملابسه ومضى وقد آثر فهمان ألّا يسأله عن وجهته.
ذهبَ إلى إحدى المكتباتِ الشهيرةِ في القريةِ واشترى بعضًا مِن كتبه المفقوده وحاسوبًا جديدًا وعادَ إلى المنزل. بحثَ في بعضها عنْ تقنيات زراعة رأس إنسان أو وجه، وبعد التحرّي والتمحيصِ قرّرَ أنْ يزرعَ رأسًا كاملاً بدل الوجه دون إشارة طبيب مختص. فتحَ الحاسوبَ ليبحثَ عن أسماء أطبّاء يقومون بمثل هذه العمليات فحصل على أشْهَرِهم، إنّه صاحب مشفىً كبير بالوادي الجديد واسمه..مؤيد أصيل، والموْقع مدوّن به إنجازاته الطبيّة. أعمق البحث ليعرفَ عنه أكثر، فعرفَ أنّ أكثر مِن مُحامٍ رفعوا عشرات القضايا ضده لأنّه يقوم بعمليات زرع أعضاء دون الحصول على إذن مِن وزارةِ الصحةِ. وتكلّمتْ بشأنه صحفُ المعارضةِ المصريّةِ فقالت إنّه سفاحٌ وماصٌ للدماء، والنظام الحاكم يغضُّ الطّرف عنه لأنّهم يتحصّلون منه على ضرائب باهظة.
فتتبعَ فطينُ هذه الأخبار الخطيرة واستوثقَ منها عن طريق مقابلة أحد الذين ذكَرَتُهم الصحفُ بأنّه تبرّعَ بجلد وجهه لأحد المجرمين الهاربين مقابل مبلغ ضخم مِن المال، وبالطبع دون الحصول على تصريح مِن وزارةِ الصحةِ حتى يستطيع المجرم الهارب الإفلات مِن جريمته.
وزارة الصحة لا تستخرج التصريح إلّا بوجود المُتبَرِعِ والمُتَبَرَع له وعمل اختبارات بصمات الأصابع وخلافه للتأكد أنّ المتبرَع له غير مجرم.
وبعد التأكد التام مِن صحة الأخبار قررَّ أنْ يلتجئ إلى مؤيد أصيل ليعمل له العمليّة. فكّرَ فطينُ كيف يصل إلى الدكتور مؤيد لمساومته على زرْع رأس له دون تصريح مِن وزارة الصحة. خرجَ مِن بيته قاصدًا العنوان المدوّن في الإعلان الإشهاريّ للمستشفى على الحاسوب، خرج ولم يستأذن ابنه كالعادة فعقله مغيب تمامًا عن كلّ شيء إلّا ذاك الأمر الذي قرّر فعله. توجّه فهمان إلى الحاسوب فور رحيل أبيه مباشرة، فوجد مواقع لمشافٍ تزرع الأعضاء، فقرأها ثمّ تساءل: «ماذا تودّ أن تفعل يا أبتِ.»
بمجرد وصول فطين المشفى سأل أحد أفراد الأمن عن الطبيب مؤيد أصيل. فقِيِل له أنّه مدير المستشفى، ويأتي إليها يومًا أو يومين في الأسبوع وغالبًا السبت والثلاثاء، والسبت رئيس عنده، ثُمّ سأله الحارس:
- «أليس اليوم السبت؟»
- «بلى.»
- «كم الوقت الآن؟»
- «الساعة دخلتْ على الثانية عشر صباحًا.»
- «على وشك الوصول.»
- «ومتى ينتهي مِن عمله؟»
- «مساءً.»
وجه الحارس نظرة على الطريق الذي مِن المعتاد يسير فيه الدكتور مؤيد، وبالفعل وجدَ سيارته مقبلة، فأشار إلى السيارة بإصبع الإبهام قائلاً لفطين ها هو قد جاء.
انتظرَ فطينُ انتظارَ المتحفّزِ، ونظرَ نظرةَ الوجل حتى وصلتْ السيّارة ونزلَ منها فرآه فطين. شكَر الحارسُ ثُمّ مضى مسرعًا خلف الطبيب الذي ولجَ مِن الباب الرئيس لكنّه لمْ يدركْه. حكَّ رأسه أسفل لاسته وقرّرَ أخيرًا أنْ ينتظره حتى انتهاء عمله. ولمْ يترك المكان حتى مارس عادته المشهورة بالنظر إلى تكنولوجيا الجنس البشريّ.
فنظرَ إلى المبنى ولفتَ نظره خروج أحد المصاعد مِن المبنى لتدخل في المبنى المجاور، هذا المبنى هو ملحق المستشفى إذْ يحتوي على الصيدليّة وبعض الحجرات لإقامة المرضى فيها، ويبدو أنّ أحد المرضى أُجريت له عملية جراحية ونقلوه بالمصعد إلى المبنى الملحق. تفحّصَ المصعدُ واستذكرَ قراءته، وعلى الفور علم أنّ المصعدَ يعمل بتقنية الرفع المغناطيسيِّ بديلاً من الكابلات، وأنّه بإمكانه السير أفقيّاً ورأسيّاً فضلاً عن حركته المعروفة وهي الهبوط والصعود. مضى فطينُ تاركًا المشفى إلى حين، حتى إذا حانتْ لحظة غروب الشمس عاد إلى المستشفى ووقفَ على مرأىً مِن بابها الرئيس حتى إذا خرجَ الطبيبُ مؤيد تبعه. وبالفعل خرج مستقلاً سيارته فتبعه فطينُ بسيّارة أجرة على الفور، حتى إذا وقفتْ سيارةُ مؤيدِ أمام الباب الرئيس للفيلا كان هناك باب آخر كان يمثلُ جراجًا خاصًا له، فُتح جراج الفيلا إلكترونيًا ودخلَ وأُغلق الجراج ولمْ يخرجْ مؤيد بالطبع.
امتعضَ فطين، حيث كان يظنُّ أنّه سوف يخرج ثمّ يلجُ الفيلا من بوابتها الرئيسة، فأقبلَ كالتائه إلي حارسها وقال له: «أريد مقابلة الدكتور.»
فردَّ عليه: «هل أنت على موعد معه؟»
فردّ فطين: «لا، فقط أخبره أنّي أريده في شئ هام وخطير.»
هاتف الحارسُ الطبيبَ فأمره بإحضاره إلى حجرة الاستقبال.
ولجّ فطينُ حجرة الاستقبال وقابله مؤيد وحيّا بعضهما.
تعجّب مؤيد من هيئته، ومن لاسته المزركشة والجلباب ، ثمّ قال له مؤيد: «أأمرْ يا معلم.»
قال فطينُ بهدوء: «رأس ، أريد زرع رأس.»
ردّ باستياء مشيرًا بيده إلى باب الخروج: «هذا ليس محل عمل، قابلني في المستشفى غدًا ، اتفضلْ .»
ردّ بثقة وهدوء: «أريد زرعَ رأس ولك ما تطلب.»
احتدَّ صوته مُتسائلاً سؤال المتهكم:مِن أنت يا رجل ؟ ولماذا لمْ تقابلنِي في المشفى؟
بهدوء وثقة: «أريد زرع رأس بلا تصريح مِن وزارة الصحة ولا علم الحكومة، فأنا رجل يلوذ بك وأراكَ مُغيثًا، ولا أظنُّ كريمًا مثلك يردُّ مستغيثًا إلّا إذا كان المستغيث لئيمًا وأنا لستُ كذلك رعاك الله.»
قال بسخريّةٍ: «أتريد أيضاً أنْ تُغير اسمك؟»
واصل هدوءه قائلاً: «يا ليت.»
اشتدّتْ نبرةُ صوته أكثر، ثُمّ سأله: «مَنْ قالَ لك إنّي أخالف القانون؟ اخرجْ وإلّا طلبتُ لك الشرطة.»
- «أرومُ أنْ تساعدني.» صمت هنيهة إذ لمح صورة معلقة على جدار الحائط وخلف ظهره مباشرة، يظهر فيها وهو يقوم بإحدى العمليات لأحد الأشخاص ومن خلفه بطارية ذرية لا يلحظها إلّا ذو علمٍ كبير، فعلم على سبيل الظنّ أنّ مكان العملية في أحد الأنفاق الفلسطينية وأن المريض أحد أفراد اتحادها، فكانت الصورة بمنزلة فرصة ذهبية اقتنصها على الفور قال له: «أنا رجلٌ وطنيّ والموساد الإسرائيلىِّ يلاحقني.»
انتبهَ للعبارة «فأنا رجلٌ وطنيّ والموساد الإسرائيلي يلاحقني.» وسكت على إثرها هنيهة ثُم قال بهدوء مغمغمًا بكلام متهدج: «ق..قل..ق..قلتُ لك اخرجْ.»
لمْ يستطعْ مؤيد أنْ يكبحَ جموحه نحو انتمائه لعروبته التي لا تُضاهى، هذا ما شعرَ به فطين عندما لجلج في الكلام؛ فاستبشرَ خيرًا. وقرّرَ أنْ يصمتَ ويطول صمته حتى يستخرج ما بداخل مؤيد مِن خلال علامات وجهه ورعشة منكبيه التي بدتْ واضحةً عندما أخبره أنّ الموساد الإسرائيليَّ يلاحقه.
وآثر الهدوء والصمت.
تفرس مؤيد فطينًا وقلما يخطئ في فراسته، نظرَ إليه وقوّمه في خياله، فقال في نفسه: «أنّه رجلٌ تبدو عليه علامات الإجلال والقوّة معًا، كما تبدو عليه علامات الصلاح والنبل.» فأزمع بداخله على عمل حيلة ليتأكد مِن ظنونه التي بثّها في خياله على الفور.
وهكذا تفحّص كلٌّ منهما الآخر كأنّهما خبيران في علم لغة الإشارة والجسد.
قال مؤيد بعد فكر وبصيرة: «أيّها الرجل، اقعد.» وفور قعوده استأنف كلامه بتؤدة: «أنا لا أقوم بمثل هذه العمليات لكني أصدقك فيما قلتَ.»
ثمّ سرح مؤيد بخياله مرّة أخرى مرددًا على مسامع أذنيه: «لابدّ أنْ أكون حذرًا خشية أنْ يفتضحَ أمري ويَهلك مَن ورائي؛ فالاتحاد في حاجة إليّ من موقعي المتميز في المستشفى.»
ثمّ ناوله سيجارة وأخرج قداحته الأخّاذة وأوقدها له ثمّ تصنّع وقوعها على حجر فطين، فلمّا أراد فطين ردّها إليه قال الطبيب هي وقعتْ في حجرك وهي مِن نصيبك، خذها هدية بسيطة جدًا.
ثمّ أعاد مؤيد قوله: «أيّها الرجل الكريم، إنّي لا أمارس هذه العمليات مطلقًا، وإن كنتَ صادقًا فأسأل الله أن ينجيَّك مِن القوم الظالمين.»
- «إذًا، هذا رأيك الأخير.»
- «قال بحزمٍ ..ومصرّ عليه.»
نهضَ مؤيد، وتبعه فطينُ وقوفًا على الفور، ثُمّ استأذنه في الانصراف تاركًا القدّاحة وراءه.
ناداه أثناء دلوفه الباب، فانتبه، فقال له مؤيد القداحة : «لقد نسيت القدّاحة.» ثُمّ أقبل إليه وربت على كتفيه ودعا له بالسلامة.
مضى فطينُ مترجلاً هائمًا على وجهه لا يكاد يتحمّل همس الريح، ولم يكفّ أثناء سيره عن التدخين ترويحًا عن نفسه. كان يوقدُ السيجارة بقدّاحة الطبيب، والطبيب يتابعه مِن خلالها، ولمْ يسمعْ مؤيد غير نقر نِعال المارة، وبعض أصوات هدير السيارات؛ إذْ كان الوقت في الهزيع الأول مِن الليل. ظلَّ سائرًا يفكّر فيما ينتظر ابنه مِن سوء المآل، ومؤيد خلفه ليأتي بالخبر اليقين عمّا تلمّسه في فطين من وطنيّة لا تقارن. وصل أخيرًا إلى الحيّ ودلف باب العمارة، فرصد مؤيد مدخلها.
دلف حجرة فهمان ليطمئنّ عليه؛ فوجده عاكفًا على الحاسوب، بينما مكثَ مؤيد في سيارته لم يخرج منها وهو يتنصت عليه.
وكان فهمان لحظة دخول أبيه يبحث عبر المواقع الإلكترونيّةِ العربيّةِ والأجنبيّة عن خبر جريمة قتل الفندق التي كلّمه أبوه بشأنها فما وجدها، لكنّه أعمق البحث وظلّ منغمسًا فيه حتى إنّه لمْ يشعرْ بدخوله، وعندما زاحمه في النظر إلى الحاسوب انتبه فهمان ثُمّ قال:«اليهوديّ لمْ يمتْ يا أبتِ.»
سمعها مؤيد من داخل سيارته عبر جهاز التنصت فاقشعرَّ جلده ووظّف كافة حواسه للمحادثة.
ألقى فطين بالقدّاحة بجانب الحاسوب ثمّ ردَّ بثقة: «بني، عندما يتعلق الأمر بأمن وكرامة دولة يصبح الغريب مألوفًا والمألوف غريبًا وتتبدّل كلّ المفاهيم.» زفر زفرة ثمّ تابع كلامه: «في تصورهم أنّ قتل رجل منهم وفى عقر دارهم أمر مشين وعلى ذلك فلابدّ من ردّ فعل كبير، بني، هم يتربّصون بي ويبحثون عنّي متنكرين، ولنْ يهدأ بالهم حتى يستردّوا كرامتهم.»
- «ولذلك قررتَ أن تغيّر وجهك.»
- «كيف علمت؟» ثمّ نظر إلى الحاسوب فأجابه بنفسه: «من الحاسوب..ولدي عندما تريد أن تعرف شيئًا فسلني أنا ولا تفتّشْ ورائي.»
- «سمعًا وطاعة أبتِ.»
- «هكذا يجب أن يكون سلوكك مع أبيك ومع البشر يا بني.»
ثمّ تركَه فطين وذهبَ إلى حجرته مغتمًا .
وما إنْ انتهى الحوار طاطأ مؤيد رأسه وقال: «إنّ هذا الرجل هدفي، ولابدّ أن أجنّده؛ فهو سيمثل له ورقة رابحة ومكسبًا كبيرًا في إطار صراعنا ضد اليهود.»
نزل مؤيد من السيارة ثمّ توجّه تلقاء أحد المحال ليعرف رقم الحجرة التي يقطنها فطين.
وصل المحل وطلب علبة سجائر وزجاجة مياه، ثمّ سأله عن فطين: «أيّها السيد، هل يسكن في هذه العمارة رجل يلبس لاسة وجلبابًا و ...؟»
رمقه عامل المحل شزرًا كأنّه يقول له هنا مصر، كلّ شيء له سعر حتى السؤال. أهمله البائع، بعد لحظات قال لمؤيد: «لِم تسأل عنه؟»
فأجابه: «يريد الزواج بأختي وأنا لا أعرفه.» سكت هنيهة ثم قال: «استأذنك، كم الحساب؟»
ردّ البقال: «خمسون جنيهًا سعر زجاجة المياه، ومئة وخمسون جنيهًا سعرعلبة السجائر.»
أخرجَ مؤيد مِن جيبه العملة المصريّة الجديدة وهي فئة الألف جنيه، وأخذ يحركها يمنة ويسرة وعين البائع تدور حيث حركة يد الطبيب، فقال البائع بلهفة: «سأخبرك، اسمه فطين ولا يعيش معه إلّا ابنه وجاء هنا بالأمس فقط.»
غضب مؤيد قائلاً: «قلت لك كم رقم حجرته؟»







 
رد مع اقتباس
قديم 13-05-2023, 03:12 AM   رقم المشاركة : 10
معلومات العضو
ابراهيم امين مؤمن
أقلامي
 
إحصائية العضو







ابراهيم امين مؤمن متصل الآن


افتراضي رد: رواية قنابل الثقوب السوداء - أبواق إسرافيل "الرواية المشاركة في كتارا 2019-2020

قال البائع: «ابحثْ عنه في الدور الرابع أو الخامس.»
ألقى الطبيب له الورقة بقرف واشمئزاز بعدما استردّ منها سبعمئة جنيهًا، ثمّ ولج باب العمارة وطرق باب الدور الرابع والخامس ووقف على بسطة السلم المشتركة بين الدورين، ففتح باب شقة فطين. نظر إليه فطين بدهشة وسأله: «أنت، أنت؟ لماذا تتبعني؟»
أجابه: «ألَا ترحّب بضيوفك ؟ أمْ تتركني على الباب؟»
- «اتفضل.»
أجلسه في ردهة المنزل. نادى على ولده بأن يحضر زجاجة مياه له على الفور.
قال الطبيب: «أمعك سجائر؟»
أخرج له فطين سيجارة. وضعها الطبيب بين شفتيه ونظر إلى فطين قائلاً: «ألّا تشعلها؟»
فأخرج قداحته القديمة ولما همّ بإشعالها استوقفه مؤيد ثم قال له: «القدّاحة الجديدة ، أشعلْها بالقدّاحة الجديدة.»
تعجّب فطينُ مِن رغبة الطبيب الغريبة؛ لكنّه لمْ يكترث للأمر. نادى على ولده كي يحضرَ القدّاحة مِن الحجرة. ولمّا أشعل له السيجارة خطفها قائلاً: «تلك عصاي أتوكأ عليها، كما أعرف عصاكَ التي توكأتَ أنتَ عليها منذ يوم ونصف.»
فتعجّبَ فطينُ مِن قوله، ثمّ قال له: «ماذا تقصد؟»
قال مؤيد: «لِمَ قتلت يهودىَّ الكيدون؟»
ظنَّ فطينُ على الفور أنّ الدكتور مؤيد بلّغ عنه، وأن الشرطة على الباب الآن رغم علمه المسبق بحالته، فأجاب متغاضيًا: «لا أدري عمّ تتكلم.» سكت هنيهة ثمّ قال: «حضرتك طبيب أم محقق؟»
- «فندق هيلتون طابا يا فطين.»
حدج فيه فطين كاظمًا غيظه وزأر من داخله وكظم لسانه ايضًا.
قال مؤيد: «أتذكر هذه القداحة؟» وفتح الطبيب إيّاها دون أنْ يمهله الردّ وأخرجَ منها جهاز تنصّت، ثمّ أخرجَ هاتفه الذكيَّ وأسمعه الحوار الذي دار بينه وبين ولده.
تفجرت القنبلة -بنفس فطين- التي أشعل فتيلها مؤيدٌ منذ لحظات، فأقبل على الطبيب لينفث عن غضبه؛ فرفعه مِن ياقة بذلته بكلتا يديه إلى أعلى، وهمّّ بإلقائه مِن النافذة؛ فقد أعماه الغضب عن فعل الحلم والروية والتدبير. حاول الطبيب الخلاص من قبضة فطين، ولكن محاولته فشلت بسبب قبضته الحديديّة، غمغم جبرًا فقد كاد يختنق، يبدو أنه لم يتبق له في هذه الحياة إلا بضعة هنيهات ويودع الحياة؛ إذ بدأت تجحظ عيناه، بينا فطين لا يكترث لحالته، واستمر في إطلاق السب واللعنات مع إحكام قبضته.
سمع فهمان هدير صوت أبيه من الداخل فهرول مسرعًا، فرأى المشهد على الفور؛ فذُعر وأمسك يد أبيه ليدفعها بعيدًا عن الطبيب بيد أنّ يد فهمان لمْ تحرك ساكنًا. ولمّا صاح فهمان صياحًا شديدًا؛ رماه فطين متبرّمًا لاعنًا ثمّ قال له: «ياخائن يا ابن الكلب.»
بينا سارع فهمانُ نحوه يفكُّ أزرار البذلة حتى يتنفس، وأقامه، وأجلسه على كرسي، وناوله بعض الماء حتى إذا تمالك نفسه قال لفطين وأنفاسه تتسارع: «أنا ما جئت لأهدّدك أو أبتزّكَ، وإنّما جئتُ لأجري لك العمليّة، وأعطيك أيضًا هويّةَ صاحب الرأس الجديد إن أردت، وبذا تكون قد أمّنتَ نفسك وأمّنتَ مستقبل ولدك.»
- «وكيف أصدقك؟»
- «لو أردتُ ابتزازك لِمَا حضرتُ إلى بيتك، ولو أردتُ الغدر بك لأوصلتُ هذا الحوار إلى الشرطة عن طريق طفل بوهبةِ زجاجة مياه ثُمّ فررتُ أنا.»
تدبر فطينُ قليلاً في كلام مؤيد فوجده معقولاً، بل هي عصا موسى التي ستنجّيه وولده مِن حبل المشنقة، أو إرساله إلى إسرائيل ليضعوه في سجنٍ سرّيّ لايَمُوتُ فِيه وَلَا يَحْيَا، ثُمّ قال: «هات ما عندك أيّها الطبيب.»
- «قال سآخذ رأسك وأزرعك الرأس الذي لديّ و ..»
استوقفه فطينُ قائلاً: «أنا لا أقبل أيّ رأس.»
ردّ الطبيبُ بتوسلٍ: «لا تقاطعني حالما انتهي، صاحبُ الرأس رجل فلسطينيّ وطنيّ مِن شعر رأسه إلى أخمص قدميْه، تهجّر مِن بلده ودخل هو وأمّه وأخوته إلى مصر عبر شمال شرق سيناء بموجب الاتفاقيّة الرباعيّة و ..» لم يكمل، حيث صمتَ توجّعًا وأطرق رأسه خجلاً.
طغى الفضول على نفس فطين فقذفه قائلاً: «أكملْ.»
لمْ يردّ عليه، وعاد مِن جديد وحشُ الماضي الطاغي وفرض نفسه على مشاعره التي كان يداريها عبثًا خلف ابتسامة زائفة مع أنّ قلبه يتمزق إرَبًا. ولقدْ تجسدتْ الآن الصورة أمام عينيْه اللتيْن بدأتا تزوغان وتغرورقان، وأخذ جسده يرتعش مع الذكرى رعشة الصاعقة. وتجسّدَ المشهدُ الأليم في مخيلته كأنّه حدثَ منذ لحظات؛ في المشهد يظهر الفلسطينيِّ وهو يصارع سكرات الموت غمًا وحسرةً على ما يحيق بوطنه من ويلات، كما يدعو على يعقوب إسحاق بأن يصيبه الله الشلل في جسده، ويتحسّرُ على عدم إدراكه للعمل مع الاتحاد. وعلى جانب آخر من الصورة أمّه واقفةً، ويتزاحم إخوته التسعة حول ثديها الجاف. نظرتْ الأمُّ إلى ابنها الهالك وإلى أولادها الصغار وقالتْ: «لا أدري يا أبنائي أحملُ مَنْ الآن، أحملكم أمْ أحمل ولدي الهالك؟ هذا الهالك الذي كان يحملنا، الآن لا يجد مَنْ يحمله. اِصبروا حتى ندخل مصر ونبحث عن جُحْرٍ يأوينا.»
انسلبتْ مِن أبنائها واندفعتْ بكلِّ مشاعرها نحو ابنها واقتعدت الأرض ورفعتْ رأسه ووضعته في حجرها وصرختْ.
أقبل عليها مؤيد لمواساتها؛ فنهرتنه قائلةً: «ابعد عنّي أيها المصري المتوحش، إلى متى سنظلُّ قرابين لحكّامكم؟ تملكون حريتكم بتعبيد الطريق المؤدّي لاسترقاننا، إلى متى..إلى متى؟»
فقال لها كذبًا: «أنا فلسطينيّ أجاهد من أجل تحرير بلدي، وأريد رأس ابنكِ لاتحاد المقاومة.»
نظرت إلى صراخ أطفالها، ثمّ نظرت إلى ابنها الهالك؛ فحثت على رأسها التراب إشارة إلى أنها لطخت نفسها بالعار من أجل حماية صغارها من الموت جوعًا. ثمّ نهضت واقفة بثبات وهي تمرر إصبع الإبهام على إصبعي السبابة والوسطى قائلة: «كم؟»
وزاد صراخ أطفالها فزاد صياحها وأخذت تردّد بجنون وبعينين زائغتين: «كم ؟ كم؟»
فعرض عليها مبلغًا كبيرًا، فوافقت على الفور ثمّ انكبتْ على ابنها الهالك تحتضنه وتصرخ قائلة: «في جنة الله ياولدي، سامحني يا ولدي.» ثمّ انتصبتْ واقفة ورفعتْ يديها إلى السماء واستأنفت: «ربّ إنّي أودعتُ ابني عندك ولا حيلة لي ولا سناً تقطع، اللهمّ أرني في يعقوب إسحاق يومًا أسود كيوم عادٍ وثمود ، اللهمَّ إنّ رأس ابني وديعة عندك فحلْ بينها وبين جسد أيّ مجرم أو غادر، اللهمّ إنّ ابني عاش بجسدٍ حميدًا مدافعًا عن وطنه فاجعلْه في جسدٍ بقلب حميدٍ خلوقٍ.»
ولمّا طالتْ لحظات الصمت ووجد فطينُ رجفةَ الطبيب ودموعه التي انهمرتْ حتى سقطتْ قطراتها على فخذيه أشفق عليه وناداه وحاول أن يستحضرَه، بينا الطبيب غائب في لوحة الماضي الأليمة.
فأقبل تلقاء وجهه وأمسك منكبيْه بكلتا يديه يستحثّه على الانتباه وطرْد ذاك الشيطان الذي جثم على مشاعره، ثمّ هزَّه مستنبهًا: «دكتور دكتور.»
فانتبه.
قال فطينُ: «أنا موافق بشرط أن تجبني عن سؤالٍ واحدٍ ولا تكذبني، هل الفلسطيني وطنيّ مِن شعر رأسه إلى أخمص قدميْه كما قلتَ؟»
- «هو من الشهداء يا فطين.» وأسرّ مؤيد في نفسه قصة شرائه، كما لم يبحْ له برغبته في ضمّه (ضم فطين) إلى اتحاد المقاومة.
قال فطين: «كمْ تريد؟»
فقذفه سريعًا بسؤال: «لِمَ قتلتَ يهودىّ الفندق؟»
أجاب: «النفس بالنفس، قتل عالمنا المصريّ، وكان أملاً لخروج مصر من أزماتها السياسيّة والاقتصاديّة.»
سكت مؤيد هنيهة ثمّ قال: «عملية اغتيال العالم المصريِّ المشهور، أتقصد تلك العمليّة التي تمّت في فندق هيلتون طابا؟»
- «نعم.»
- «لمْ يعرفوا حتى الآن كيف دخل السمُّ إلى الحجرة رغم الحراسة المشدّدة عليه، هذا العالم أعرفه كذلك، إنّه كان بروفيسورًا في إحدى الجامعات الأمريكيّة، أعرفه جيدًا جدًا، إنّه عالم روبوتات رائع ليس له نظير غير واحد فقط؛ يعمل في مصادم سيرن fcc-1 اسمه اسمه..اسمه ميتشو كاجيتا.»
وأخفى عن فطين أنّ بروفيسور بيتر كان معه في الفندق وقتها، وأنّه انضمَّ لنفق الاتحاد وقتها.
سأله مؤيد: «لكن كيف سيخرجكم من أزمتكم الاقتصاديّة؟»
- «لو التفَّ حوله باقي العلماء والباحثين وأنشأوا مصنعًا روبوتيّاً ضخمًا لأمكنهم صنْع آلات تتمتع بقدرات خاصة مِن الممكن تصديرها لدول أوروبا وآسيا بأسعار خياليّة؛ لأنّ الأمريكان والروس يتنازعان حول حكم العالم.»
- «من أين عرفتَ كلَّ هذا؟»
- «قرأتُ في جميع تخصصات الفيزياء لاحتياجي لها في عملي، فأنا ساحر.»
- «ألعاب سحريّة! كم أنت رائع يا حاج فطين.»
- «ولمّا تيقن الموساد مِن خبر ابتكاره لهذا الروبوت وإباءه العمل لدى الأمريكان صدر الأمر إلى قسم الكيدون بالتصفيّة الجسديّة فورًا بأيّ ثمن.»
- اقتضبَ مؤيدُ الحديث وأداره حيث يريد وقال: «أريد المال الذي دفعناه فيه فقط، أمّا جهدنا فسأترك لك تقديره حتى إن لمْ تدفعْ شيئًًا، فأنا لست أقلَّ وطنيّة منك يا حاج فطين، لكنّنا سنأخذ رأسك فأنت لست بحاجة إليه.»
- «بلْ أنا في حاجة إليه، أنا معجب به، أحبُّ أنْ انظرَ إليه يوميّاً، وقد يأتي يومٌ آتي إليك فيه لتركبه بجسدي مِن جديد.» صمت هنيهة ثم قال: «لِمَ إذن تساعد المجرمين ليهربوا مِن جرائمهم بعد أن تغير وجوههم؟»
- «هذا سرُّ يا فطين، لكنّي أوؤكد لك أنّ المال الذي اتحصّل عليه لا يدخل جيبي، أتبرعُ به للقضيّة الفلسطينيّة.»
ابتسم فطينُ، وصدق حدسه في مؤيد ثُمّ سأله:«ألمْ تخشَ على المستشفى؟»
- «أخشى طبعًا، لكنّي حريص جدًا في حال مخالفة القانون، والمجرم له طرق مختلفة للحصول على التصريح، البلد فاسدة وكلُّ شيء يُشترى بالمال..عامة، رأسك غالٍ يا فطين ولا يقدر بثمن، تنازلتُ عنه.»
- «متى نبدأ؟»
- «خلال أسبوع، المهم يكون معك المال.»
- «اتفقنا.»
- «اتفقنا.»
انفجرت أسارير فهمان بعد هذا الحديث الشائق على الرغم من خطورة العملية التي عزم أبوه على إجرائها.


وفور أن رحل مؤيد تذكّر فطين الاحتراق الذي نشب في صورته ولم تحرق منها إلّا رأسه فاستبشر خيرًا.
فارقه مؤيد، ولقد ذكرته هذه الاتفاقيّة مع فطين بالحوار الساخن الذي دار بين قادة المقاومة منذ سنوات في نفق الوادي الجديد، فيه كادوا يقتتلون بسبب اختلافهم الشديد حول فكرة استغلال جثامين شهدائهم في تدعيم المقاومة مِن عدمه - ببيعها لزراعتها لأشخاص أخر يدفعون أموالاً لهم- إذ إنّ المقاومة في حاجة لشراء أسلحة وذخيرة من أجل استمرار حركة المقاومة بعدما قطع يعقوب إسحاق أنفاسها، كذلك من أجل إعالة عائلات أفراد شهدائهم.
وقدْ رجحتْ في النهاية كفّةُ الرأي القائل باستغلال جثامينهم لتوفر الإمكانات، إذ إن لديهم الطبيب الأول عالميًا في عمليات الزرع وهو بروفيسور بيتر الأمريكيّ، فهو معجزة العصر في زرْع الأعضاء وخاصة الوج، كما أن وجود مشفي مؤيد سيسهل عليهم تحقيق الهدف بسهولة.
بعد ثلاثة أيام مِن اللقاء، نزل سائق عن سيارة حمراء توقفت عند مدخل عمارة فطين، فلما قابل سائقها فطين على باب المنزل خرج فهمان على الفور، وقد كان يبحث في شأن زراعة الأعضاء على الحاسوب وقتها، قال له أبوه: «فهمان يا ولدي، لقد أوتيتَ الرشد صبيًا، إن لم أعد فدبر حالك، فقد تركت لك مالاً كثيرًا.»
حدّجه فهمان وهو متفجع القلب وسأله: «إلى أين يا أبتِ؟»
- «إلى حيث تعلم يا بني.»
- «ألَا تتمهل قليلاً حتى نتأكد من موت اليهوديّ.»
- «مات يا ولدي، مات.»
اغرورقت عيناه وقال راجيًا: «إنْ شاء الله ستنجح العملية وتعود إلي.» ثمّ لثّم رأسه وهو يعلم أنّها آخر قبلة لرأس أبيه.
- «لا تترك المنزل حتى أعود فإنّي أخشى مِن استفزاز أهل الحيّ لك أثناء غيابي، الشقة فيها كلّ ما يلزمك، فإن لمْ أعد فسيعلمك الطبيب مؤيد بفشل العمليّة، عندها اخرجْ ومارس حياتك بنفسك.»
خرج فطين مقلاً السيارة، ركض خلفها فهمان وهو يصرخ، ودعه أبوه من داخلها وهو دامع العينين.
فقال فهمان لنفسه وهو متقطع الأنفاس: «ستعود، ستعود يا أبتِ.»







 
رد مع اقتباس
قديم 20-05-2023, 04:30 AM   رقم المشاركة : 11
معلومات العضو
ابراهيم امين مؤمن
أقلامي
 
إحصائية العضو







ابراهيم امين مؤمن متصل الآن


افتراضي رد: رواية قنابل الثقوب السوداء - أبواق إسرافيل "الرواية المشاركة في كتارا 2019-2020


***
قرر فهمان أخيرًا أن يذهب إلى الفندق بنفسه قبل أن تُجرى لأبيه العملية. ترك فهمان المنزل خلف أبيه بساعة تقريبًا وأخذ معه بعض المال قاصدًا الفندق، فرمقه فرد مخابرات من أفراد المقاومة كان مكلف بحراسته لحين عودة أبيه.استقلّ فهمان إحدى السيّارات فأسرع نحوه فرد المقاومة محاولاً رده إلى المنزل.

***
ظلّتْ السيّارةُ الحمراء تسير على الطريق الرئيس، حتى إذا قطعتْ عدة كيلو مترات كان هناك على جانب الطريق شاحنة في انتظاره، فُُتح بابها الخلفيّ وأنزَلَتْ درجًا فصعدته السيارة ثمّ رفُع الدرج وأُغلق باباها ومضت. سارتْ نحو ساعتيْن وهي في حالة ترقّبٍ حذِرٍ، ثُمّ فُتحَ البابُ الخلفيّ وأُنزلتْ نفسُ السيّارة، السيّارةُ الحمراء يسوقها سائقٌ قريب الشبه بالسائق الأول ويرتدي ملابسه، وكذلك جلس بجانبه رجلٌ قريب الشبه بفطين ويرتدي أيضاً ملابسه، بينا السائق الأول وفطين الآن في الشاحنة ارتديا ملابس السابقيْن الذين نزلا مُنذ قليل.
وظلت سائرة حتى إذا وصلت إلى مكان مزدحم بالناس نزلا وقلدا مشية فطين والسائق الأول قاصدين أحد المقاهي، مكثا نحو ساعة، ثُمّ استقلا السيّارة ومضوا إلى مكانٍ خالٍ تمامًا ليتبينا إنْ كانا مراقبيْن أمْ لا؟

***
وبدءًا من الساعتين الماضيتين تخللهما أحداث فهمان، إذ ظلت السيارة التي يقلها فهمان تمضي إلى أن وصلت موقف سيارات السفر إلى محافظة سيناء، ومِن هنا بدأتْ مرحلة الخطورة.
فهاتفَ فردُ المقاومة رئيسه في شأن ذلك، فردَّ عليه قائلاً: «أيّها الأبلة، كيف وصل الأمر إلى هذا الحد؟ أين كنتَ أنت وقتها؟ اقبضْ عليه وأعدْه إلى بيته.» وأغلق الخط، ثم أمسك الهاتف محدق العينين وهو يزمجر وهاتف فرد المقاومة مرة أخرى: «معذرة، أقلتَ أنّه توجّه إلى سيارات أجرة سيناء الوادي الجديد؟»
- «نعم.»
- «امنعْه الوصول إلى سيناء بأي وسيلة، ولا تلتحمْ بأيّ إسرائيليِّ مهما كان الثمن، ولوْ كان الثمن حياة الفتى.»
- «عُلم.»
حاول فرد المقاومة استعادته بيد أن فهمان كان أسبق منه فقد ركب السيارة المتوجهة إلى سيناء ومضى، فتبعه عله يدركه.

***
أمّا الشاحنة فقد استمرّتْ في السير نحو ساعتين أخريين، وبعدها فُتح البابُ وأُنزلتْ سيارة بيضاء يستقلّها فطينُ والسائقُ، مضتْ الشاحنةُ في طريقها المرسوم لها بعيدةً تمامًا عن مسار نفق اتحاد المقاومة، وانعطفتْ سيّارة فطينُ متّجهة إلى مسارها المرسوم لها، حيث نجد في هذا المسار سيارة أخرى تنتظرهما يستقلها اثنان لتذهب بهما إلى نفق الوادي الجديد مباشرة. استقلّ الأربعة السيّارة ومضوا جميعًا.
***
اِضطر فرد المقاومة إلي إيقاف سيارته بسبب نفاد طاقة البطارية أثناء متابعة سيارة فهمان لأكثر من ساعتين لحين إمداد ألواحها الشمسية بالطاقة التي تنتقل مباشرة إلى البطارية، ثُمّ عاود وأسرع عله يدركه.
راسل فرْد المقاومة قائده بشأن تأخره، فقال له: «إنْ لمْ تدركه توجّه مباشرة إلى الفندق.» سكت هنيهة ثم استأنف: «رُدّه بحذر ولا يشعر بك أحدًا، ممنوع الالتحام تحت أيّ ظروف في الفندق حتى لو تعرّضَ الفتى لخطرٍ.»
قال فرد المقاومة : «سمعًا وطاعةً سيدي.»
***
عصب أحدهما عينيّ فطين بإحكام، وظلّتْ السيارة تسير قرابة ثلاث ساعات تهبط وترتفع، تنعطفُ كثيرًا في الأيامن والأياسر، وفجأة انحرفت عن الأسفلت بعدما أُبدِلت بعجلاتها الأربع ثلاثًا؛ واحدة أماميّة واثنتين في الخلف -تلك العجلات مصممة لتكون أشبه بشكل خفِّ الجمل - وظلّتْ تسيرُ في رمال الصحراء، ثُمّ هبطتْ في نفقٍ ولمْ تسرِ فيه إلّا مئات الأمتار ثُمّ وقفتْ.
أنزَلوه ومضوا به معصوب العينين داخل مبنىً عسكري كبير تحت الأرض، ثُمّ توقّفوا عندما وصلوا حيث يكون مؤيد ونزعوا العصابة عنْ عينيه؛ فرآه فطينُ واستبشرَ خيرًا.
قالَ له مؤيد وهو مبتسم الثغر: «أهلاً بك في معسكر اتحاد المقاومة الفلسطينيّة، لا تؤاخذني يا صديقي على الطريقة التي أحضرتك بها، فالحرص ضروريّ جدًا، إذْ إنّ كشْف نفق اتحاد المقاومة هذا كارثة الكوارث؛ لأنّه مركز كلّ عمليات المقاومة.»
قال فطين: «لا عليك يا صديقي.»
قال مؤيد: «تكتم إسرائيل عن الحادثة شيء مقلق، وعلى الرغم من وجود عيون لنا إلا أنهم لم يستطيعوا معرفة اي شيء عن هذا الحادث، وأغلب الظن أنهم يشكون أنك من قادة اتحاد المقاومة، ولذلك آثروا أن يتركوك حتى يقتفوا أثرك؛ فيكتشفون أحد الأنفاق العنكبوتية. فلمّا حللت بأرض الوادي الجديد فرحوا، واستمروا في اقتفاء أثرك كي يصلوا إلى نفقه، هم يشكون منذ زمن أن الوادي الجديد به نفق من أنفاق الاتحاد.» زفر زفرة ثمّ استأنف: «فطين هو مجرد احتمال، فمعذرةً، باسم اتحاد المقاومة نعتذر لك.»
نظرَ إليهم فطينُ جذلانَاً ودعا لهم بالسداد والتوفيق.ثُمّ سألهم عن سبب وجود هذا النفق هنا.
أجابه مؤيد: «إنّي أعرف أنّ الدّمَ العربيَّ يجري في عروقك -يا ليت ولدك يكون مثلك- وتعلم أنّ عملية الاستيطان والتهجير تجري الآن على قدمٍ وساقٍ منذ تولّىَ يعقوبُ إسحاق رئاسة الوزراء وخاصة بعد أن كثّروا نسلهم لتهويد فلسطين. ولقدْ شيدنا هذا النفق وجعلناه الرئيس لأسباب كثيرة منها:توفر المياه بأرض الوادي، وبُعده الشديد عن منطقة التوتر سيناء -تلك التي تحت سيطرة أعين المخابرات والجيش الإسرائيليِّ-؛ سيناء التي تكتظُّ بحملات التفتيش الإسرائيليّة والمصريّة للبحث عن أنفاق المقاومة.»
طأطأ فطينُ رأسه إعجابًا بهم.
نظر إليه مؤيد وقال في لهفةٍِ وتوسّل:«تعمل معنا؟»
- «رسالتي هي تهيئة ولدي ليكون سلاحًا لبلده، ولدي حضارة وحده.»
سكت هنيهة ثم سأل: «قل لي متى العملية؟»
- «إنْ شئتَ فأنت منّا منذ هذه اللحظة، وإن شئتَ أجرينا لك عملية الزرع ثمّ تركناك عزيزًا راشدًا.»
- «في المعسكر!العمليّة في المعسكر!»
ابتسمَ ابتسامةَ طويلة، ثمّ قال: «نحن لدينا هنا أمهر الأطباء في العالم، ولدينا مستشفى مجهزة بأفضل المعدات والتجهيزات الطبيّة.»
- «كيف توفّرون الطاقة لأجهزتكم؟» يسأل فطين وهو يعلم عدة تقنيات لها.
- «ننتج الكهرباءَ مِن الماء بعملية تسمى الكهرومائيّة، كذلك لدينا المولّدات الحراريّة وبطاريات نوويّة.»
- «مَنْ سيجري العمليّة؟»
- «بروفيسور بيتر.»
- «دهشَ فطين وقال ..أهو بروفيسور بيتر الذي كان مع عالمنا؟»
- «نعم، هو.»
- «أعرفه جيدًا، إنّه بروفيسور في الفيزياء الطبيّة، ليس له نظير في العالم كلّه؛ لذلك فإنّ ال سي آي أي لا زالت تبحث عنه بكلّ الوسائل.»
- «عاش مؤمنًا بالقضية الفلسطينيّة؛ ولذلك هو هنا، سيجري لك العملية، والمال سنأخذه، ورأسك إنْ كنتَ ستبخلُ علينا به فسندعها لك.»
صمتَ طويلاً، ثمّ أخذته رعدة البكاء، وظلَّ يتهامس بصوت متحشرج حتى إذا هدّته الدموع هدًا سكت، ثمّ قال له مستسلمًا: «هي لكم، رأسي ورءوس كلّ المصريّين تهون في سبيل تحرير فلسطين؛ اليوم يسقط رأس فطين ليعلو رأس فلسطين.»
أخذه الطبيبُ مؤيد ومضيا معًا إلى بروفيسور بيتر، وخلال ساعات ثلاث أجريت له فيها الفحوصات والترتيبات اللازمة قبل إجراء العمليّة، فتطابقتْ طبيعة العصبونيّات والدم والأوردة والشرايين.وتأكد بروفيسور بيتر تمامًا مِن قابلية التحام جسد فطين بالرأس الجديد
فعلّق مؤيدُ قائلاً: «أرأيتَ يا فطين أنّ الدمَ العربيَّ واحدٌ.»
طأطأ رأسه وقال: «نعم.» نظر إليه بتودد ثم سأله: «هل مِن الممكن أنْ اتّصلَ بولدي؟»
ردَّ عليه مؤيدُ: «مستحيل، وقد أزلنا البطارية منه فور دخولك إلينا خشية أن يكون هاتفك مراقبًا، لكنْ لتكنْ هادئ البال؛ ففهمان تحت أعيننا حتى ترجع.»

***
للأسف وصلتْ السيّارةُ إلى جنوب سيناء ولمْ يدركْه فرد المقاومة؛ حيث رآه ينزلُ مِن السيارةِ دالفًا باب الفندق، فتابعه مِن خارجه ولمْ يلجْه، فهو يعلم أنّ الفندق به عناصر مِن الموساد تعرفه جيدًا؛ فقرّر أن ينتظره متخفّيًا حتى إذا ما خرج فهمان انتشله ومضى. لحظات ودخل يهوديّ الموساد الذي قاتله فطين من قبل بصحبة روبوتيه. نظرَ في القاعة، عاين الزبائن؛ فلفتَ نظره ذاك الفتى الجالس بعيدًا، فأخرج هاتفه المعجزة لعلّه يدون له هويته.
أبصر فهمان الروبتين وحدق فيهما جيدًا وكذلك في اليهودي فتواردت له الخواطر بعد الاستقصاء والتمحيص أن هذا الرجل هو اليهودي الذي قاتله أبوه فانفرجت أساريره. أراد أنْ يتبيّن الأمر ويتأكد أنّه هو، فاقترب إلى صاحب البار وسأل عنه.
نظر إليه صاحب البار باشمئزاز ولم يجبه.
أخرج فهمان مِن جيبه مئتي دولار وأعطاها له، ثم سأله هذه المرة عن حادثة الفندق، وعما إذا كان هذا الرجل (يقصد اليهودي بالطبع) له علاقة بالحادثة أم لا.
حدج عامل البار في الدولارات فاستقلّها، فزادها فهمان إلى خمسمئة.
نظر إلى اليهوديّ يرقبه وهو يأخذ الخمسمئة دولار، ثمّ مدّ يده في جيب فهمان وأخذ كلّ ما فيه وألقاه في درج البار، ثمّ بدأ يقصُّ عليه صِدقاً ما حدث حيث قال: «قَدِمَ علينا رجلٌ بعصا سحريّة، رجلٌ مِن الطراز القديم جدًا، مصريّ شجاعٌّ لا يشقّ له غبار، ولا يهزمه أحد، قاتل هذين الروبوتين -مشيرًا إليهما بيده- فهزمهما، وأتلف الشرائحَ الإلكترونيّة والهاتف لهذا اليهوديّ السيد، وضربه ضربات قاتلة، وظنَّ الرجلُ أنّه مات بعد أنْ مُثّل عليه دور الميت و ...»
قاطعه فهمان: «حسبك وكفى.» وتركه دالفًا باب الفندق للخروج ليسرع بمهاتفة أبيه لمنع إجراء العملية.
للأسف، رمق اليهوديّ صاحب البار وهو يحادث الفتى فدنا منه وسأله عما قاله للفتى، فأخبره بكل شيء.
تركه اليهوديّ قاصدًا الإمساك بفهمان، يريد أنْ يعرفَ سبب مجيئه وسؤاله، أما فرد المقاومة فقد رمق فهمان أولاً ثم رمق اليهودسي خلفه فتوجس شرًا.
استوقفه اليهوديّ على درج السلم أمام الباب الرئيس له وسأله: «لَِمَ تسأل عنّي أيّها الفتى العربيّ؟»
- «توسّمتُ فيك الشرف والإجلال فأحببتُ أن أعرِفك.»
ردّ بغضبٍ: «قلتُ مَنْ أرسلك إليّ؟ ماذا تريد منّي؟ ما شأنك بي؟»
ردّ وقد تفككت أوصاله: «قلتُ توسمتُ فيك الشرف والإجلال فأحببتُ أنْ أعرفك.»
اغتاظ اليهوديّ وقررَّ الإمساك به واصطحابه إلى مكانٍ خالٍ حتى يعرف حقيقة مجيئه للفندق والسبب وراء سؤاله. فأمسكه وجذبه.
فقاومه فهمانُ حتى لكمه اليهوديّ فطرحه أرضًا، ثُمّ أشار إلى حتشبسوت بحمله. انتفض فرد المقاومة وأصابه الغضب الممزوج باليأس إذ أيقن أنّ الأمر خرج مِن يده وخاصة أن قائده نهاه عن الالتحام بكل الأحوال. رماه فرْد المقاومة بخِنجر مسموم كان في جيبه -إذ إن من عادة أفراد المقاومة حمل هذه الخناجر- فأصاب اليهوديّ في قدمه، ثمّ ألقى خنجرًا آخر على حتشبسوت فأتلف شريحة الإدخال فتعطّلتْ، ثمّ ألقى خنجرًا ثالثًا إلى الروبوت يهوذا فأصاب منه ما أصاب مِن حتشبسوت بالضبط. ثم ما لبث أن طار نحو فهمان فاعترضه اليهوديّ وقاتله؛ فجنّدله فرْدُ المقاومة وطرحه أرضًا، ثم أخذ فهمان ركضا بأقصى سرعتيهما نحو السيارة، استقلاها وانطلقا بأقصى سرعة.







 
رد مع اقتباس
قديم 26-05-2023, 03:58 AM   رقم المشاركة : 12
معلومات العضو
ابراهيم امين مؤمن
أقلامي
 
إحصائية العضو







ابراهيم امين مؤمن متصل الآن


افتراضي رد: رواية قنابل الثقوب السوداء - أبواق إسرافيل "الرواية المشاركة في كتارا 2019-2020


***
دلفَ مؤيدٌ حجرة بيتر وكان بيتر حينها يكتب في ورقة أسماء طاقم أطباء العملية الجديدة.
قال مؤيد: «بروفيسور بيتر، فطين هذا قوىّ أمين، محبٌّ للعروبة، معتزٌّ بوطنيّته، له دراية كبيرة بعلوم الفيزياء، لديه كلُّ المقومات التي تؤهّله ليكون قائدًا فعّالاً في اتحاد المقاومة.»
- «إنْ كان كذلك فجنّده.»
قال متأوّهًا: «للأسف رفض.»
- «لم؟»
- «يقول إنّ رسالته نحو بلده -مصر- والعروبة تكمنُ في تأهيل لولده ليكون عالمًا.»
قال مازحًا باسمًا: «إذن اقتله.»
لمْ يبادله القهقة بسبب تغلب مشاعر الحسرة على كلِّ حواسه، ثم قال له: «يقول عن ابنه بإنّ لديه عِلمًا إبداعيًا ليس نابعًا عن دراسة؛ وإنّما عن مخزون إبداعيّ محضّ.»
- «فطينُ رجلٌ ذكيّ ويفكر بحنكة، فعلاً مؤيد؛ إذا كان الربُّ وهبه ذلك فعليه أنْ يكرّسَ كلَّ حياته مِن أجله ومِن أجل مصر ومِن أجل فلسطين ومِن أجل البشرية جمعاء.»
- «هذا رأيك اذن؟»
- «نعم ، هذا رأيي، ولكنّ الإبداع يلزمه دراسة أيضًا، ولذلك ستعترضه بعض العقبات، وسيحتاج إلى مالٍ كثيرٍ لينفق على تعليم ابنه.» صمت هنيهة ثمّ سأله: «ماذا يعمل هذا الرجل؟»
- «ساحر.»
سكت هنيهة متدبرًا ثمّ قال: «أبتِ هل من الممكن نفعل شيئًا لفطين لعلّه ينضمّ إلينا يومًا.»
- «نعم، ممكن جدًا، وخاصة أنّه ساحر؛ ولاسيما لو كان متعلّمًا.»
- «إذن، نهيّئه وابنه لنا.»
- «ماذا تقترح؟»
- «غيّرْ الرأس كما اتفقنا، أريده أن يكون مزدوج المهام، أضف إليه خواص الآلة لينفع المقاومة.»
- «لا مانع لديّ، فطبيعة عمله تناسب ما اقترحتَ به يا مؤيد، سأفعل، سأضع في الرأس الجديد خليةًّ إلكترونيّةً تحتوي على مليارات العصبونيّات الصناعيّة فتزيده ذكاءً؛ فضلاً عن قدرتها على نسْخ نشاط فيزيائيّ.»
- «لنعملَ على ذلك، سأدخل معك غرفة العمليّّات وأكون لك معاونًا.»
- «أمرك يدعو للفضول، لِمَ رغبتَ في العمل معي في هذه العمليّة بالأخصّ؟»
- «لإنّ فطين هذا شيء عظيم.»
- «لا مانع لديّ، واعلمْ أنّ ما يحفّزني ويستنهض عزيمتي على تركيب هذه الخليّة أنّها ستجعله مِن الأثرياء بسبب قدرتها على نسْخ أعمال فيزيائيّة أثناء أداء أعماله السحريّة، وسيحتاج إليها كثيرًا، فبدونها لنْ يستطيعَ أنْ يتحصّل على المال اللازم لتعليم ولده.»
- «كيف؟ »
- «الدولةُ المصريّة لا تعتني بالعلماء، والجامعات الأمريكيّة وكذا سائر جامعات العالم حجّمتْ كثيرًا مِن المنح والمساعدات لتدعيم الطلاب الدوليين، ففطين سيحتاج إلى أموالٍ كثيرةٍ لينفق على ابنه.»
- «يفعل الله ما يشاء.»
- «خذ أسماء هذا الطاقم وأعدّه، فخلال ساعة سنبدأ عملية الزرع.»
بعد خمسة وأربعين دقيقة دخل مؤيد على بيتر، أبلغه أنّه أعدَّ الطاقم وغرفة العمليات، ومضوا جميعًا إليها.

***
بعد أنْ نجا فهمان مِن عمليّة قتْل محققٍ ناشدَ فرْد المقاومة الاتصال بمن يصل إلى أبيه ليخبره بأمر منع إجراء العملية؛ إذ إن فهمان حاول الاتصال به بيد أن الخط مغلق.
ردَّ فرْد المقاومة: «لا أعلم عن أيّ شئ تتحدث.»
سكت فهمان قليلاً وتبيّن له أنّ هذا الشخص يراقبه ليحميه فقط ولا يدري أيّ شيء عن عملية الزرع، فقصَّ لفرْد المقاومة كلَّ شيءليكترث للأمر. وبالفعل فور ان سمعه هاتفف رئيسه ليخبره بما سمعه، بيد أن هاتف رئيسه لم يكن بجانبه.
وقُطع الرأسُ...
العمليّة:
بعد التحاليل دخلَ غرفةَ العمليات وكان في انتظاره فريق متطور مِن الأطباء يقودهم بروفيسور بيتر. جلسوا على طاولة العمليّات، ثُمّ خدّروه مِن خلال جهاز التخدير الموجود أعلى الطاولة مباشرة والمتصل بأنابيب تسير فيها غازات التخدير والأكسجين مِن تمديدات مركزيّة في جدران المستشفى، ثمّ ألصقوا على صدره ملصقات التخطيط الكهربائي للقلب، بالإضافة إلى أنابيب قياس الأكسجين في الدم والضغط. وإلى سلك جهاز التخثير الكهربائيِ المتصل بساق فطين عن طريق لصاقة خاصة.
تمَّ تسليط الضوء الساطع على رأس فطين، ثُمّ قربوا الميكروسكوب المجهريِّ المتطور -الذي يبلغ قوّة تكبيره إلى أربعين ضعفًا- وكذلك أحضروا جهاز الليزر مع الميكروسكوب المجهريّ بالإضافة إلى خليةٍ عصبونيّةٍ إلكترونيّةٍ -عبارة عن رقائقٍ متناهيةٍ في الصغر تحاكي تمامًا الخليّة الطبيعيّة للكائن الحيِّ- وَجِيءَ بالهرم الزجاجيّ الموضوع به رأس فلسطينيّ الحدود، الخلايا ميتة ولكنّها سليمة لم تتقطّعْ أو تتحطّم حيث إنّ الرأس كلّه تحت تأثير تقنية التبريد العميق. بعد عملية التخدير قام طبيبٌ مختص بوظائف الكبد بتنشيط الكبد بإعطاء الجسد حقنة تسمى بحقنة جنون الكبد -ولقد سمّاها الأطباء كذلك بسبب انتفاضة الكبد وهيجانه كأنّه تحوّلَ إلى حارس يبذلُ كلَّ ما بوسعه للدفاع عنْ جسده قبل أنْ يهلك، هو يسعى إلى المكان الذي حدث فيه الخلل؛ والخلل هو قطْع الخلايا العصبيّة بعد قطْع الرأس، فيثور ويهتاج وينتفض انتفاضة النفَس الأخير فيفرز أعلى نسبة هرمونات مِن شأنها أنّها تحول دون موت الخلايا العصبيّة، ويظلُّ الكبد يرسل إشارات استغاثة تشبه إلى حدٍّ كبيرٍ سيارات الإسعاف التي تنقذ المرضى؛ تلك الإشارات هي قيامه بإفرازات لا نهائية مِن هذه الهرمونات- يقوم بيتر قبل قطْع الرأس أيضًا وبعد التخدير بتوصيل خلية عصبيّة اصطناعيّة عبارة عن رقاقة الكترونيّة نانويّة بالخلايا العصبيّة لفطين؛ والتي تعمل نائبة عنها إذا ما ماتتْ خلاياه الطبيعيّة وتوقفتْ عن العمل تمامًا، كذلك في حالة دخولها السبات العضويّ. كلُّ ما يريده الطبيب كسْب وقتٍ كافٍ حتى يتسّنى له وصْل الخلايا والنخاع والأوعية الدمويّة بتقنية جهاز الليزر حال قطْع الرأس.







 
رد مع اقتباس
إضافة رد

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع تقييم هذا الموضوع
تقييم هذا الموضوع:

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

الساعة الآن 10:23 AM.


Powered by vBulletin® Version 3.8.3
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
جميع المواضيع والردود المنشورة في أقلام لا تعبر إلا عن آراء أصحابها فقط