الزائر الكريم: يبدو أنك غير مسجل لدينا، لذا ندعوك للانضمام إلى أسرتنا الكبيرة عبر التسجيل باسمك الثنائي الحقيقي حتى نتمكن من تفعيل عضويتك.

منتديات  

نحن مع غزة
روابط مفيدة
استرجاع كلمة المرور | طلب عضوية | التشكيل الإداري | النظام الداخلي 

العودة   منتديات مجلة أقلام > المنتديات الحوارية العامة > منتدى الأدب العام والنقاشات وروائع المنقول

منتدى الأدب العام والنقاشات وروائع المنقول هنا نتحاور في مجالات الأدب ونستضيف مقالاتكم الأدبية، كما نعاود معكم غرس أزاهير الأدباء على اختلاف نتاجهم و عصورهم و أعراقهم .

إضافة رد

مواقع النشر المفضلة (انشر هذا الموضوع ليصل للملايين خلال ثوان)
 
أدوات الموضوع تقييم الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 02-06-2007, 08:27 PM   رقم المشاركة : 1
معلومات العضو
محمد جنازرة
أقلامي
 
الصورة الرمزية محمد جنازرة
 

 

 
إحصائية العضو







محمد جنازرة غير متصل


إرسال رسالة عبر MSN إلى محمد جنازرة

افتراضي ونهاني عن السفر \ محمود درويش

ونهاني عن السفر

لم نكن على موعد ...
كان يعرف أني لن أعود . وكنت أعرف أنه لن يسافر .
وكنا نعرف أن ما تبقى في عباءته من عمر لا يكفي لأنن نلتقي، في المكان الذي لا يرحل عنه، ولا أستطيع العودة إليه ..
لذا، لم تجمعنا غير أسلاك الهواء المتقطع، ليصير الصوت مقعدين، أجلس على أحدهما لأعرف أن لي بداية، ويجلس على الآخر ليحمي نفسه من عزلة النهاية.
وكان دائما يريد لي ما يشبه هذه الحماية : يريد لي ولدا يسندني فأمازحه : أتريد لي ولدا يفعل بي ما فعلت بك يا أبي .. يشب ويهرب ؟ فيقول لي : تلك هي الدنيا .. قلبي على ولدي وقلب ولدي على حجر !
أبي لم يكن من حجر ، ولا من جذع شجرة كان أبي .. ولكنه اختار أن يكون ما فيهما وما بينهما من صلابة ظل متماسك، وما فيهما من مساحة لمكان. كأنه خارج للتو، من صوان يرشح عرقا. يده لا تخطئ الزرع. يده خضراء الكدح. يده تنجب الشجر ولكن أين يزرع .. أين يزرع ؟
اسمه في طفولتي ما يرادف الحقول من صور ومن نباتات وفصول . مربعات السمسم، وأمواج الحنطة ، وخضرة خافتة للزيتون . مطر أول . طين أول . وفاكهة أولى . طريق طويل إلى تلة . شجرة توت ضخمة . أقراص عسل قوي . حصان يقفز . رائحة تبغ صلبة . خروف مذبوح . وصور لا صور لها . صور تسحبها الغيوم إلى الغيوم ..
لا أحد يتذكر متى تعرف على أبيه . لا أحد يتذكر متى تعرف على أمه . فلماذا أضرب قلبي بهذا السؤال : متى التقيت أبي لأول مرة ؟
لا أعرف إلا اختلاط الليل والنهار . ووجها يتردد على لغة الأرض . لأن أبي ما كان أبي بقدر ما كان أبا للنبات والشجر .
لم أشعر بأي خوف منه ، لأن الزائر لا يثير فينا الخوف . وقد كان أبي يزورنا في الليل . يزورنا لينام . ثم يوقظ الفجر ويسوقه إلى الحقل . الحقل كان بيته والنباتات كانت أسرته ، لذا كنت أظن أن جدي هو أبي ..
ونادرا ما كان يكلمني . هل امتصت الأرض عاطفته ؟ كنت سعيدا بهذا الصمت ، سعيدا بهذا الإهمال لأنه لم يضربني كما كانت أمي تفعل، لم يضربني مرة واحدة . حتى حين أحنيت ركبتي وغرزتها في السكين الضخمة لا لشيء .. إلا لأعرف إن كانت تجرح .. ولأعرف إن كان الجرح يؤلم . كل ما فعله هو أن أخرج السكين من لحمي الطري وناولني إلى أمي ..
هل السكين تجرح ..
هل الجرح يؤلم ؟
كان علي أن أكبر أكثر لأتعرف على أبي . فقد انكسر المشهد بكامله . مشهد الحقل والبيت والفجر والفلاح . وصحا أبي على انقطاع نهائي عن المكان ، ليتحول عاشق التراب إلى يتيم ..
عندما كان يتجه شرقا، وكنت أجري خلفه ، لم يكن يدرك أن هذه الرحلة من قرية البروة ستتسع لكل ما في الأيام من مفاجآت . لم يكن يدرك أن الرحلة هجرة ، لأنه كان يظن أن الطريق الذي يمر عليه . الطريق الوعر الطويل . سيكون هو الطريق الذي سيسلكه في اتجاه معاكس ، ريثما ينتهي جيش الإنقاذ من تطهير الغزاة .
وفي لبنان مان على جدي أن يعد الأيام على أصابع اليدين . وحين انتهت صار يعدها بالحصى . وكان على أبي أن ينتظر . وكان علينا نحن الأولاد أن نتسلق جبل جزين في الشتاء لنقطف الثلج وان نسبح في الصيف في بحر الدامور
وهناك تعرفت على أبي .. على ولد سرقوا منه ألعابه . فصار في حاجة إلى الشكوى والكلام . وصار في حاجة إلى حب أولاده .. بعدما أصيب بلفظة لاجئ .. لفظة تنتشر كالعدوى .. فيحتمي بمرجعية الوطن . كل شيء في النفس عكس كل شيء حولها وخارجها . هناك على سبيل كان لنا بيت . في البيت نوافذ . النوافذ تطل على حقل وهناك عللا سبيل المثال لنا آبار وتين وثيران ومحاريث . كانت هبة لم نتقن الفرح بها كما نتقت الفرح بذكراها الآن , وحين نعود غدا أو بعد أسبوع أو بعد شهر سنسترد شبها آدميا بآدمي يهيل علينا فضاء العار . هناك على عكس هنا ...
بهذا الشكل من أشكال المقارنة بين ما كان وبين ما هو كائن يرجع ما سيكون إلى ما كان . ويستدرج الماضي المستقبل إلى تتبع حرفي لما فقد . ويصير ما هو مفقود مثالا لما في الأيام من ذهب .لأن العصر الذهبي هو ما كان . ما كان منذ قليل. لذلك يتحول شقاء الفلاح إلى نعمة . يتحول المحراث إلى عرش . أما هنا . فلا حاضر لنا أبدا .. وهكذا يصير لكل لاجئ هنا بيارة هناك ...
وحين أعادنا أبي إلى فردوسه المفقود ..أدرك أنه يقع في الهاوية لا لأن صورة الفردوس تخالف واقعها بل لأن الواقع إياه لم يعد واقعا وواصل ارتقاءه إلى ذكرى بعيدة .. فقد تحول المكان إلى أنقاض .. لا شيء هناك . لا شيء هناك غير حطام القلب ..
هل كان أبي قادرا على استيعاب هذه الصدمة ؟ هل كان قادرا على مواصلة الجلوس عند أطراف المشهد المنهار ، كما فعل جدي وهوى على السياج المرفوع بين قلبه وأرضه ؟
لقد صدم أبي .. وتحول اللاجئ في لبنان إلى لاجئ في بلاده . ومن الصخر وحده كان يقتلع لنا رغيف الخبز والثوب والكتاب .. ولكي لا ننسى كان يدلنا على أشواك الصبار التي خاطت جسده بالأرض ..
ونهانا عن السفر
هل كانت السكين تجرح ؟
هل كان الجرح يؤلم ؟
أبي جف فجأة . تيبس كالشجر المهجور . أبي مات هناك .. أبي دفن هناك في التل المطل على مشهد حياته المنهار .. فأين أموت يا أبي ؟
لن تصل إليه دمعتي . كان في وسعي أن اوصل إليه كل شيء . من السبحة إلى معطف الصوف الرمادي إلى اعتذاري ولكن دمعتي لن تراه ..
سامحني يا أبي لأن ما بيننا من أيام مكسورة لا تكفي لأن أكون جديرا بالعرق الذي غرفت منه لغتي ..
هل كان عليك أن تصمت كل هذا الصمت .. خمسا وسبعين عاما .لكي أتعلم كل هذا الكلام الذي لا يشبه سنبلة . ولا يقوى على إيصال دمعتي إليك
سامحني يا أبي ..
وسامحني لأني لم أنجب لك حفيدا يفعل بي ما فعلت بك يا أبي !
وأبي يا أبي ..
غض طرفا عن القمر
وانحنى يحفن التراب
وصلى
لسماء بلا مطر
ونهاني عن السفر
وأبي قال مرة :
الذي ما له وطن
ما له في الثرى ضريح
ونهاني عن السفر
وسامحني يا أبي .............


محمود درويش
من كتاب عابرون في كتاب عابر






 
رد مع اقتباس
قديم 04-06-2007, 09:59 AM   رقم المشاركة : 2
معلومات العضو
رياض بن يوسف
أقلامي
 
إحصائية العضو







رياض بن يوسف غير متصل


افتراضي مشاركة: ونهاني عن السفر \ محمود درويش

اقتباس:
ونادرا ما كان يكلمني . هل امتصت الأرض عاطفته ؟ كنت سعيدا بهذا الصمت ، سعيدا بهذا الإهمال لأنه لم يضربني كما كانت أمي تفعل، لم يضربني مرة واحدة . حتى حين أحنيت ركبتي وغرزتها في السكين الضخمة لا لشيء .. إلا لأعرف إن كانت تجرح .. ولأعرف إن كان الجرح يؤلم . كل ما فعله هو أن أخرج السكين من لحمي الطري وناولني إلى أمي ..
هل السكين تجرح ..
هل الجرح يؤلم ؟
كان علي أن أكبر أكثر لأتعرف على أبي . فقد انكسر المشهد بكامله . مشهد الحقل والبيت والفجر والفلاح . وصحا أبي على انقطاع نهائي عن المكان ، ليتحول عاشق التراب إلى يتيم ..
عندما كان يتجه شرقا، وكنت أجري خلفه ، لم يكن يدرك أن هذه الرحلة من قرية البروة ستتسع لكل ما في الأيام من مفاجآت . لم يكن يدرك أن الرحلة هجرة ، لأنه كان يظن أن الطريق الذي يمر عليه . الطريق الوعر الطويل . سيكون هو الطريق الذي سيسلكه في اتجاه معاكس ، ريثما ينتهي جيش الإنقاذ من تطهير الغزاة
عملاق الشعر هو نفسه عملاق النثر هنا.
مهما قيل عن درويش في " رموز تحت الرحى" أو غيره.. يظل هو شاعر القضية الأول و الأروع ، و نبرة الصدق في كلامه قاطعة كالسكين الذي امتحن به ألم الجرح..
أشكر الأخ محمد جنازرة على اختياره الموفق






 
رد مع اقتباس
إضافة رد


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
شخصيات مصرية .. أسرت النبوغ محمد جاد الزغبي منتدى الحوار الفكري العام 54 01-04-2007 05:05 AM
شاعر اليوم...محمود درويش سليم إسحق منتدى الأدب العام والنقاشات وروائع المنقول 2 27-09-2006 08:42 AM
إنتصار الشيطان!!! عمر شاهين منتدى القصة القصيرة 0 15-03-2006 11:27 PM
محمود درويش في "كزهر اللوز أو أبعد" د.رشا محمد منتدى الحوار الفكري العام 1 13-11-2005 01:16 PM
محمود درويش أبوقصي منتدى الحوار الفكري العام 11 26-09-2005 03:19 AM

الساعة الآن 12:14 AM.


Powered by vBulletin® Version 3.8.3
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
جميع المواضيع والردود المنشورة في أقلام لا تعبر إلا عن آراء أصحابها فقط