الزائر الكريم: يبدو أنك غير مسجل لدينا، لذا ندعوك للانضمام إلى أسرتنا الكبيرة عبر التسجيل باسمك الثنائي الحقيقي حتى نتمكن من تفعيل عضويتك.

منتديات  

نحن مع غزة
روابط مفيدة
استرجاع كلمة المرور | طلب عضوية | التشكيل الإداري | النظام الداخلي 

العودة   منتديات مجلة أقلام > المنتديــات الأدبيــة > منتدى القصة القصيرة

منتدى القصة القصيرة أحداث صاخبة ومفاجآت متعددة في كل مادة تفرد جناحيها في فضاء هذا المنتدى..فهيا لنحلق معا..

إضافة رد

مواقع النشر المفضلة (انشر هذا الموضوع ليصل للملايين خلال ثوان)
 
أدوات الموضوع تقييم الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 03-10-2016, 05:08 PM   رقم المشاركة : 1
معلومات العضو
صالح اهضير
أقلامي
 
إحصائية العضو







صالح اهضير غير متصل


افتراضي " الشيخ عــلي" *





تماثل للشفاء من لوثة عقلية ألمّت بكيانه على مدى عقود بعد أن حولته الى آدمي مثير للتندر أمام الصبيان ومجلبة للإشفاق في مجالس الكهول والعجائز في أرجاء القرية الصغيرة؛لكن آثارها الدارسة هي اليوم تخنق حاضره المقيت وتتقاذفه أياديها الآثمة في كل المتاهات والدروب..
بعد تسريحه من الجندية نتيجة مصابه، ألفى نفسه وحيدا، بلا أهل ولا خلف ولا سند إلا من كلبة سهر على رعايتها ،وكانت له بمثابة أنيس وحدته ورفيقة دربه منذ أن أتى بها جروا صغيرا،فتعلقت به وتعلق بها أشد التعلق ..
ما انفك يصارع عوادي الزمن الصارم حبا في بقاء يثير في دخيلته مقاومة شرسة للأشياء والذوات، وحتى بواطن هذه وتلك.وبالرغم مما يصدر عنه في كل هذا وذاك من سلوكيات تلقائية وعفوية،فإن بصيصا من التعقل ونفاذ بصيرة يلوح من خلالها بين حين وآخر..
يحتويه حيز مكاني شاسع وعتيق محاط بسياج قصير من الطين والحجر..تداعى معظمه وبرزت من الغرفة الإسمنتية الوحيدة قضبان حديدية يعلوها الصدأ..في وسط الفناء شجرة التين لاتزال شامخة في إباء..ممتدة الأفنان..موفورة الظلال..دانية القطوف.تحتها ، يقضي في الليالي المقمرة الدافئة سحائب صيفه مع كلبته "ميرزة" ..
جلباب عسكري مرقّع ،من مُفضّلاته في العادة، يدثر جسده المنهوك بفعل الأجواء الباردة..في أعلاه يتدلى وسام بالٍ..زي يحيله على ماضيه التليد..لايبرح ذاكرته كما لو أنه حاضر وواقع ملموس يحياه من جديد ..وأغلب الظن أنه مسلك، في غير وعي منه، لإثارة الإعجاب والمهابة في النفوس..
قبل مغادرته كل صبيحة لمسكنه المتواضع،يجري استطلاعا على أشيائه وحاجياته المتناثرة هنا وهناك في فوضى عارمة..تستهويه الى درجة الوله التوافه من الاشياء فيصنع منها أشكالا غريبة ،كعلب السردين الفارغة والعلب الكارتونية للحليب والمواد المعلبة ..يتبادر الى مخيلته أنها ذات قيمة قصوى مهما كانت تافهة،تعزز مكانته وترفع من قدره، أو أنها ديكور للزينة مادامت من صنع يده..
بعد ذلك..ينتصب بقامته المديدة أمام مرآة بالية مستعينا بموسى قديمة يحلق بها ذقنه بلا مبالاة بجروح طفيفة تملا محياه ببقع من الدم..
ثلة من صبيان القرية تتوقف على حين غرة،وكلما تسنى لها ذلك، أمام بوابة المسكن العتيق..يتنصتون..يترصدون.. يستطلعون بأحداقهم من وراء الثقوب تحركات الرجل..يتهامسون وتتعالى ضحكاتهم نابزين إياه بالألقاب :
- وا المهبول...!! اسوا المهبول*..!!
- لعنة الله عليكم يا بني كلبون..!!
يرد عليهم بفورة غضب عارم على الفور،مندفعا خارج المبنى.. راشقا اياهم بالحجارة في كل الاتجاهات، فيطلقون سيقانهم للريح وكلبته ،مكشرة عن أنياب بارزة تشع ثورانا، تملا فضاء المكان نباحا وهريرا ..

*****
"الشيخ علي" يكره الصناع و"لَمْعَلْمين" من أصحاب الحرف..يمقت الأدوية ويكره الأطباء والعشابين..كلما انتابته أوجاع مرعبة لسنّ أو ضرس،لا يجد إلا القلع بلسما لمصابه حيث يلف وسطها بالطرف الأعلى لسلك متين والطرف الآخر بغصن شجرة ..ثم يندفع جاذبا راسه الى الوراء بقوة ليتطاير الضرس أو السن هناك بعيدا،وقد امتلأ شدقاه بالسائل الاحمر..ومتى داهمه مرض أو داء لف قطعة قماش حول رأسه وأسند ظهره إلى أسفنجة بداخل غرفة نومه التي اتخذها مطبخا ومخزنا لأغراضه ..يمكث الليالي الطوال طريح الفراش وقد اشتد أنينه.. يبيت على الطوى بين الفينة والأخرى إلا ما يسد به رمقه وكلبته من أعطيات الجيران .
*****
دأب "الشيخ علي"، في غدوه ورواحه،على أن يتصيد الفرصة خلال السوق الأسبوعي للقرية فيستعد لها استعدادا ..هو يرى أن كثيرا من الساكنة يعرفونه وأنهم أهل للكرم والسخاء، ويتطلعون الى لقائه وسماع ما استجد من "طربياته"،وخاصة منهم القادمون من المهجر لقضاء عطلتهم...
دن..دن..دن...يامولانا
نترجاك جد علينا..
راه الزمان ظالم جبار
والدنيا قسات علينا
كلمات رقيقة تفيض حزنا وانكسارا..دندنة وترنيمة بمثابة لازمة موسيقية تنبعث من صوت مبحوح تلازمه ارتعاشة خفيفة ..يصدح بها "الشيخ على"، وبثقة كبيرة، مستعينا بآلة كمان بدائية في يمينه ،صنعها من علبة قصديرية مستطيلة ذات فوهة في أعلاها تخترقها عموديا عصا كمقبض تمتد بطوله أوتار من أسلاك دقيقة ..وبيسراه يمرر خيوط قوسه جيئة وذهابا على الأوتار بالرغم من خشونة ملمسها..
الصوت الناشز والنغم غير المنتظم يخترقان آذان المتحلقين حوله فيثير في ظواهر ذواتهم إعجابا واستحسانا ،وفي بواطنها نفورا وتبرما بل رغبة في الضحك..
- تبارك الله على الشيخ علي..!!
يقرع "الإعجاب" مسمعه ،يبدي ابتسامة عريضة فيهتز ممتنا ويسري في غوره اطمئنان ورضى لا حد لهما،حينذاك تستجيب الكلبة،بمحاذاته، لردة فعل "المعجبين" مبصبصة بذيلها،راصدة في نفس الوقت أدنى إيماءة أو حركة أو صوت مريب ينفلت من هذا أو ذاك...
وفي غمرة هياجه النغمي،كثيرا ما ينسلخ عن واقعه فيخال نفسه بداخل الثكنة العسكرية محمولا على هودج الذكرى،يصدح بآلة نفخ نحاسية لتجميع فيالق الجنود في كل صبيحة وقد امتلأ حيوية وحماسا...
تطال الأيدي الممتدة راحته نافحة إياه بدريهمات ،وآخرون ..ترتسم على محياهم أسارير التعاطف والإشفاق.وكحدث روتيني عابر،ينتهي المشهد وينصرف الجميع مولين الأدبار ،كل لحاله..

*****
استفاق "الشيخ علىي" على وقع صبيحة يوم مقيت .."ميرزة" ممددة على مقربة منه على غير عادتها..تلمّسها بكفه المرتعشة..كانت باردة كقطعة ثلج..ربّت على ظهرها متمتما بكلمات خافتة في إلحاح :أفيقي..ميرزة..ميرزة..أفيقي..� �قد آن الأوان للخروج..هيا ..انهضي عزيزتي..!! "..لم تحرك ساكنا..في غور ذاته،داهمته موجة من تساؤلات لا تنقطع .. أصابته بالدوار:" مسكينة .. لهفي عليها..ماذا دهاها ؟ أهي متوترة ومتعبة ؟ أهي مريضة؟ ..أهي غارقة في نوم عميق؟"..استبدت به أهوال حيرة غير معهودة ..وفي غمرة يأسه، همس في أذنيها بتؤدة :" نامي عزيزتى..نامي ..يبدو أنك جد متعبة ..أعرف أن تجوالاتنا بالأمس في مسارات القرية الجبلية قد أنهكت قواك..سأعود إليك..اطمئني..!!" ..تناول قطعة من لحاف بالِ ..دثر جسدها الملتهب ثم طبع على الجبين المحموم قبلة وانصرف..
أشرق الأصيل بلون الورس..عاد من تجواله على عجل محملا ببعض الأطعمة..الجسد الحيواني لا يزال ممددا بلا حراك..تبادر الى عقر جمجمته أن تمة عصيانا وتمردا وتلكؤا..استشاط غضبا وهو يذرع المكان طولا وعرضا..تساءل :لِم َ كل هذا الاسترخاء ؟ إنه نوم عميق..تجاوز حده..خاطبها بحنق وانفعال شديدين :" انهضي أيتها المجنونة..عليك اللعنة..!؟"..عاد لرشده ممسدا إياها بلطف محاولا إيقاظها بكل الوسائل ..لكن "ميرزة" لم تنهض..وأنى لها ذلك وقد جللتها منذ ساعات معدودات سكينة الأبد الكبير... !!
مع توالي الأيام،بدأت الروائح النتنة تخترق الجيوب الأنفية للساكنة المجاورة..تضايق الجميع واختنقت أنفاسهم..أدركوا أن التفاوض مع آدمي معتوه وإقناعه بضرورة التخلص من الجثة لن يجدي نفعا..وربما انتابته نوبات جنون أشد هولا مما كان..ولابد والحالة هذه من استغلال لحظة غيابه واقتحام مسكنه ثم الرمي بالجسد بعيدا..وهكذا كان...
يعود الى وكره ذات مساء..يفجأ باختفاء "ميرزة"..يشرع في البحث عنها في كل شبر من أرجاء المكان..يفقد صوابه ويهتز كيانه ..يصيح بصوت جهوري ملء الأسماع تتقاذف من لسانه عبارات السباب واللوم :" أين انت أيتها اللعينة؟ تبا لك..لِمَ تغادرين على حين غرة أيتها الخائنة؟ لِمَ تتركيني بعد طول عشرة ؟ أهذا جزائي أيتها الشريرة ؟ لن أدعك تفرين..سوف أعثرعليك وسيكون عقابك أشد مما تتصورين..تفوعليك..تفو عليك أيتها البلهاء المتمردة..!!"
بدأ صوته يخفت شيئا فشيئا ..تداعى إلى الأرض في اندحار..اِنهار على ذاته المنكوبة..استبدت به نوبة من بكاء ونواح هستيريين وعلا منه شهيق وزفير..متقطع الأنفاس بعد يأس مرير،غاص في غياهب غيبوبة مرعبة احتوت كيانه المدحور وحملته هناك بعيدا بعيدا إلى ما شاء الله له أن يُجمل...
-------------------------------------------------------
* الشيخ باللهجة المغربية حسب السياق : المطرب الشعبي
* المهبول : الأحمق










 
رد مع اقتباس
قديم 13-10-2016, 10:14 AM   رقم المشاركة : 2
معلومات العضو
عدي بلال
أقلامي
 
الصورة الرمزية عدي بلال
 

 

 
إحصائية العضو







عدي بلال غير متصل


افتراضي رد: " الشيخ عــلي" *

القدير صالح اهضير

نص اجتماعي جميل أخي أ.صالح، مكتوب بلغة راقية بليغة، وسرد متقن متين.
لديك قدرة هائلة في وصف حركة الشخصية، ودواخلها.
والنهاية المفتوحة أبقت الأمل عند القارىء، فلعله يتماثل للشفاء، كما تماثل من لوثته أول مرة، وهو من الجندية/ المقاومة موجودة في داخله رغم العثرات.

أتقنت الحالة النفسية التي تعيشها الشخصية، وقد مهدت لها أفضل تمهيد، وشرحت واقعاً مريراً، ومؤثراً حين احتفظت الشخصية بكلبتها بعد أن نفقت.

نتعلم منك أيها القاص الجميل
شكراً لك







التوقيع

لو أن الدهر يعرفُ حق قومٍ
لقبّلَ منهم اليدَ والجبينــا

 
رد مع اقتباس
قديم 13-10-2016, 02:45 PM   رقم المشاركة : 3
معلومات العضو
صالح اهضير
أقلامي
 
إحصائية العضو







صالح اهضير غير متصل


افتراضي رد: " الشيخ عــلي" *

الأستاذ الكريم عدي بلال
ربما سأفاجئك إن قلت لك بأن القصة واقعية وأن احداثها جرت بإحدى القرى النائية المغربية،وان بطلها قريبي ( عمي)..وقد قضى نحبه قبل بضع سنوات...
معتز كثيرا بتقييمك وتشجيعاتك سيدي ..أدعو لك بالتوفيق والسداد..وشكرا لكم ولطاقم الادارة على تثبيت النص...






 
رد مع اقتباس
قديم 16-10-2016, 02:00 PM   رقم المشاركة : 4
معلومات العضو
فاطمة جلال
أقلامي
 
إحصائية العضو







فاطمة جلال غير متصل


افتراضي رد: " الشيخ عــلي" *

القدير صالح اهضير

نص قصصي سردي يكتب بقلم الواقع يجعل من القارئ متابعا لأحداث النص
فيه تعبير عن الحالة النفسية التي ارد الكاتب أن يوصلها للقارئ

كل التقدير







 
رد مع اقتباس
قديم 16-10-2016, 03:38 PM   رقم المشاركة : 5
معلومات العضو
صالح اهضير
أقلامي
 
إحصائية العضو







صالح اهضير غير متصل


افتراضي رد : امتناني كبير


الاستاذة جلال فاطمة
تحية تقدير..
امتناني كبير حول انطباعك ايتها الاديبة المبدعة...






 
رد مع اقتباس
إضافة رد


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

الساعة الآن 12:48 AM.


Powered by vBulletin® Version 3.8.3
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
جميع المواضيع والردود المنشورة في أقلام لا تعبر إلا عن آراء أصحابها فقط