توجهات .. لها وجوه (13 ق.ٌق.ج)

[د.اميل صابر]

23-11-2009
توجهات.. لها وجوه

1) زعامة
"إنني أعلن اليوم، من فوق هذه المنصة، المقامة خصيصا فوق رمز الحرية العظيم، ومن منطلق المسئولية الموضوعة على عاتقي، بعزمي وإصراري الأكيدين؛ على تنفيذ توجهاتي الإنسانية وفرض الديمقراطية السامية، على كل ربوع الأرض.. وفي سبيل هذا لن أتورع.. عن استخدام القوة المناسبة، حسبما تقتضي ظروف كل منطقة على حدة."

[د.اميل صابر]

2) سياسة
وقَّع كشف الجزاءات والخصومات على صغار العاملين بمصنعه.. توجه بسيارته الفارهة نحو البرلمان.. جلس على مقعده المفضل بين الأعضاء.. تأكد من احتواء ملفاته على كل التفاصيل اللازمة لمناقشة مشروع القانون المقدم منه للمجلس، والمناسب لتوجهات قيادة حزبه، والهادف لتشديد إجراءات حماية وتنمية محدودي الدخل.

[د.اميل صابر]

3) اقتصاد
شد انتباه طلبته، بقوة منطقه، وأهمية موضوع محاضرة اليوم؛ فقد كانت عن " كيفية النجاح عن طريق حسن استغلال وتوظيف الموارد المتاحة" ولم يفته التشديد على أهمية نبذ "ظاهرة الفشخرة الاجتماعية" ، وأن عليهم ابتكار حلول خلاقة لتعويض قصور الدخل عن الاحتياجات؛ وذلك بالاستغناء عن الرفاهية والكماليات، ولم ينسى لوم المترفين والمتنعمين المقصرين في حق المجتمع الذي يعيشون فيه.. مناشدا إياهم مد يد العون لإخوانهم المعوزين شركاءهم في أرض الوطن. أنهى محاضرته مبكرا عن موعدها معتذرا منهم، بروح أبوية، حيث عليه الإسراع للحاق بأحد المحال حيث أنه سمع أنهم استوردوا كمية قليلة جدا من نوع فاخر من أطعمة الكلاب وهو ذاته المفضل لـ (توتسي) كلب وحيدته المدلل.

[د.اميل صابر]

4) صحة
في المؤتمر الصحفي المنعقد بعد حلف اليمين، أعلن السيد وزير الصحة الجديد؛ بأن التوجه الأساسي لوزارته سينطلق من القاعدة الذهبية "درهم وقاية.. خيرٌ من قنطار علاج"، وما إن جلس إلى مقعده الفخم، بعدما انفض المؤتمر؛ إلا وأشعل سيجارا عالي التركيز وأمر لنفسه بكوب كبير من القهوة، سكر زيادة، استعدادا لإطلاق التوجه.

[د.اميل صابر]

5) تربية
أفاض في شرح أسس الأخلاق والفضيلة لتلاميذه حسبما فهم من توجه وزارته في ترتيب أولوياتها من اسمها ( التربية والتعليم)، فقضي كل وقت حصته يقدم لهم التربية.. ولما دق الجرس مؤذنا بانتهاء الحصة.. أعلن لهم أن من يحتاج التعليم عليه أن يزوره في منزله، محملا بخيرات بيته.

[د.اميل صابر]

6) تعليم
انطلقت الأم توبخ أبنائها على إهمالهم في تحصيل درجات الامتياز في امتحانات نصف العام، مرجعة توجُه درجاتهم للأسفل قليلا؛ لانشغالهم بتَعَلُم مهارات التكنولوجيا الحديثة، وتنمية مواهبهم الفنية والأدبية، كل حسب ميوله، وهي أمور تعد ثانوية من وجهة النظر الرسمية، ولا تؤهلهم للالتحاق بكليات القمة، وارتقاء سلالم مجد الشهادات العلمية، ولم تهدأ بالا إلا بعد ما حازت وعودا قاطعة، مصحوبة بقَسَم من القلب، أن يعوضوا ما فاتهم في النصف الثاني من العام.
في الصباح التالي تلقت بهدوء شديد وقلب لا مبالي نبأ رسوبها في الاختبارات المؤهلة لوظيفة معلم أول، وأرجعت ذلك إلى أن كل المجد الوظيفي لا يقاس بنجاحها في توجهها الرئيسي في تعليم أبناءها.

[د.اميل صابر]

7) إدارة
فور إعلان قرار مجلس الإدارة بترقيته لوظيفة المدير العام، أعلن عن اجتماع عاجل للعاملين بالهيئة، وفي خطاب مقتضب جدا في دقيقة واحدة بيَّن لهم الخطوط الرئيسية لتوجهاته الإدارية:
(تقديس وقت العمل كما وكيفا، أي الانضباط في المواعيد وجودة الأداء، لا أعذار بعد اليوم أيا كانت الظروف)
صرفهم بسرعة لئلا يفقدوا دقيقة أخرى من الوقت الثمين فتتعطل مهمات إدارته.
من الباب الخلفي شوهد يغادر مسرعا متوجها لإحضار زوجته من النادي؛ حيث مزاجها معتل اليوم ولا ترغب في قيادة سيارتها.

[د.اميل صابر]

8) حقوق

السيدات والسادة جاءنا النبأ التالي:
"تجددت الاضطرابات، ثانية، في الشركة الوطنية للمصانع، واعتصم العمال، مضربين عن العمل، وقد اتخذ تجمهرهم هذه المرة مسلكا شديد العنف والتدمير، مما تسبب في خسائر جمة للشركة، وذلك إثر تسرب أنباء عن توجهات السيد رئيس مجلس الإدارة في استغلال نفوذه، معتمدا على انجازاته السابقة، عازما ضم نجله (الخبير العالمي في الإدارة الاقتصادية) إلى مجلس إدارة الشركة في منصب العضو المنتدب، رافعين شعارات من قبيل (لا للتوريث) ، (وداعا للملكية) ، (نعم لتجديد الدماء) ، (المصنع ملك للشعب كافة وليس لرئيسه).
تأتي هذه الأحداث بعد يومين فقط من نجاح رئيس المجلس في فض إضراب مماثل، أقل عنفا؛ بأن رضخ لمطالب العمال المتكررة في ضمان خلق فرص عمل للمتعطلين من أبنائهم بالشركة؛ مرسيا مبدأ إداريا جديدا (أبناء العاملين أحق بفرص العمل حتى لو لم يكونوا مؤهلين تماما لها)."

[د.اميل صابر]

9) مرور
ظل نفير سيارتها يزعق، معترضا على بطء عبور السيد العجوز للشارع، فهذا يعطل مسيرتها ويؤخرها عن توجهاتها.. وما إن عبرت العجوز، إلا وعاودت انطلاقها مسرعة.. فجأة توقفت.. ترجلت من سيارتها.. أمام بائع الجرائد.. كانت حائرة ماذا تختار؟ لذا تصفحت كل مجلات الأزياء واحدة فواحدة؛ غير عابئة باعتراض سيارتها لتوجهات سيارة إسعاف.. والتي راحت تولول وتندب حظ راكبها.

[د.اميل صابر]

10) تجميل
وقف الكوافير الرجالي الشهير بجوار كرسي الحلاقة، ممسكا بين يديه برأس السيد الأستاذ الدكتور رئيس الجامعة، داعيا إياه، لتجربة التوجه الجديد في الحلاقة الرجالي، والذي يتزعمه هو شخصيا منذ بضعة أسابيع فقط، لمواكبة أحدث صيحات الموضة، بأن يحلق شعره ( عـ الزيرو) تاركا خط رفيع من الشعر الطويل يقسم رأسه نصفين طوليا، مطلقا للحيته العنان بشكل مثلث، وذلك تقربا من أبناءه الطلاب، ولدعم تواصل الأجيال، ومن أجل رفع القدرة على التفاهم المتبادل، ولخطف قلوب الفتيات اليانعات.
في المرآة كانت صورة الكوافير المنعكسة توضح توجهات شعره المنطلق من هامته نحو الفضاء عبر مئات الضفائر الملونة.

[د.اميل صابر]

11) فخر
كانت وما تزال وستظل، ثقافتها، مبعث فخره في المجتمع.. الرجال يحسدونه عليها.. والنساء يغرن منها.
بها يعلن عن توجهاته في إطلاق حرية المرأة في نوال العلم، وتمكين المرأة، من أجل مجتمع أفضل.
يحملها معه إلى كل المحافل، وما إن تتجمع الأسر، إلا ويساعدها لتقود دفة الحديث، تتنقل بهم في شتى مناحي الحياة، تتحدث عن دهاليز المطبخ السياسي.. وتتفوق في خبرتها على زوجاتهم في فنون الطعام، تعزف بحلو حديثها سيمفونيات يعجز عنها بيتهوفن وموتسارت.. وترسم بأناملها لوحات تفوق رينوار وأنجلو.
في البيت.. يحرق الكتب.. يغرق الحروف .. يجلس على حافة فراشة فيما هي قابعة على البساط تدلك له قدميه في ماء وملح.. تجففهما.. تقبلهما خانعة.. تحضر له خفيه.. تضع قدميه فيهما.. يزعق قائلا: "هاتي لنا العشاء بسرعة يا ولية".

[د.اميل صابر]

12) آخرة
*بعدما راجع انسجام حروف خطبة العيد مع توجهاته وعنوانها " الالتزام.. طريقك إلى الجنة"، واطمأن لبلاغتها، وسلاسة لغتها، وقاس قوة تأثيرها على أفراد أسرته.. ارتدى حلته الجديدة.. نال نفحة عطر باريسي.. نظر إلى ساعته الذهبية.. أدرك أن الوقت الباقي لن يسعفه للوصول إلى مقر دار العبادة، قبل موعد الخطبة، نظرا لطول الطريق ذو الاتجاه الواحد، لذا قرر أن يتوجه إليها سالك الطريق الخلفي وأن يسير فيه عكس الاتجاه؛ فهكذا يصل أسرع.

*بعدما تأكد من أناقة بزته الرسمية، وتأكد من لمعان أزرارها، ونعومة ذقنه، واتفاق مظهره الحازم، الحاسم، مع توجهات قياداته (حفظ الأمن المروري يوم العيد).. انطلق.. توقف في نقطة خدمته.. شاهد سيارة قادمة في الاتجاه المعاكس.. تحفز لصيدها.. استوقفها ليحرر مخالفة.. تَعجَّب لما تعرف على شخصية قائدها.. تحير أيحرر له مخالفة أم ماذا؟
عرف الجواب لما مد قائد السيارة يده بسلام يحمل نفحة طيبة تكفي كعيديه للأولاد.. وتقبل عُذرَه في السلوك المخالف؛ وتركه يمر بدون مخالفة حتى يلحق بموعد الخطبة.