منتديات مجلة أقلام - عرض مشاركة واحدة - الديمقراطية , المسالة التركية الكردية نموذجا .
عرض مشاركة واحدة
قديم 27-11-2009, 02:48 PM   رقم المشاركة : 1
معلومات العضو
زياد هواش
طاقم الإشراف
 
إحصائية العضو







زياد هواش غير متصل


افتراضي الديمقراطية , المسالة التركية الكردية نموذجا .

حل عقلاني لمشكلة مزمنة!


ميشيل كيلو

بعد عقود امتدت إلى حوالى قرن، جربت تركيا خلالها الحل القومي للمشكلة الكردية، تنعطف سياستها اليوم تجاه مواطنيها الكرد نحو حل ديموقراطي يقر بتنوع مكونات شعبها، وباختلاف انتماءاتها الإثنية وأصولها الثقافية، وبضرورة وجود قدر من التعدد المتوازن والمتوافق عليه في إدارة شؤونها، كما في تعبيرها عن ذاتها في حاضنة الدولة التركية.
كانت تركيا تسمي الكرد «أتراك الجبال»، وتقمعهم لتبنيهم مطالب تناقض هويتهم التركية المزعومة، فصارت تسميهم اليوم كرداً، وترى أن مطالبهم مشروعة وهويتهم السياسية، التي تعبر عن انتمائهم إلى الدولة التركية، لا تتعارض مع هويتهم الإثنية والثقافية، المختلفة عن هوية الترك كقوم أغلبي، وتقول إن سيطرة هذا القوم على الدولة لا تتطلب إنكار وإخماد هويات وخصوصيات غيره من أقوامها، خاصة تلك التي تمتلك، كالكرد، وزنا كبيرا وفاعلية مؤثرة، وتعد قوة تكوينية لديها من القدرات ما يمكنها من تقوية الدولة أو إضعافها.
تخلت تركيا في السنوات الأخيرة عن سياسات قومية، استهدفت دمج الكرد وتذويبهم في كيانها القومي، التركي الطابع. وفعلت ذلك لسببين:
ـ أولهما أن دولة تريد لعب دور إقليمي شبه قاري، لا تنجح إن كانت منقسمة على ذاتها، تكبحها تناقضات ومشكلات داخلية غير محلولة، وتحول دون امتلاك واستخدام قدرات تعينها على إنجاح خططها وأفعالها. للعب دور إقليمي ناجح وكبير، تحتاج الدول إلى وحدة ما في مجالها الداخلي من قوى، وهذه لن تكون متاحة دون حلول عقلانية وواقعية لمشكلاتها، التي قد تتيح للخارج الإفادة من تناقضات وتباينات مكوناتها، إن بقيت دون حل.
ـ وثانيهما أن صراع تركيا الأطلسية مع السوفيات زيّن لمؤسستها العسكرية فكرة خاطئة رأت أن أفضل وسيلة للتعامل مع الداخل هي ضبطه بوسائل القوة والتحكم وكبت ما فيه من نقاط ضعف، وخاصة منها المشكلة الكردية، التي يمكن للسوفيات استغلالها. هذا المنظور القومي / العسكري، رأى في الكرد أداة محتملة في صراع الخارج ضد الداخل، التركي أساسا. وزاد من هذه الشبهة أن حزب العمال الكردستاني كان يعتبر نفسه ماركسيا / لينينيا. باختفاء السوفيات، انتفت مبررات سياسة هي بالأحرى هلوسات تخوينية، عبرت عن موقف مؤسسة عسكرية / سياسية متشددة قومياً تجاه من أسمتهم «أتراك الجبال»، واعتبرتهم خونة لمجرد أنهم لم يقبلوا الصفة التي أطلقتها عليهم، ولم يتصرفوا بوحيها، بل اعتبروا أنفسهم كرداً، قوماً غير تركي، وطالبوا بحقوق ديموقراطية وثقافية خاصة وبرروا مطالبتهم بهويتهم المختلفة، غير التركية.
تتخلى تركيا اليوم عن سياساتها القومية التقليدية تجاه المسألة الكردية. وتتبنى سياسة بديلة، ديموقراطية، تعطي الكرد حقوقا أرضيتها مساواتهم في المواطنة مع بقية الأتراك، وتقر بأن الاعتراف بثقافتهم لا يتعارض مع كونهم مواطنين في الدولة، بل يعزز وجودهم فيها ويقويها بهم، أي بجعلها دولة لجميع مواطنيها لا تميز بينهم ولا تقصي أحداً منهم.
تتبنى تركيا سياسة ديموقراطية في المسألة الكردية هي شرط لازم لنجاح دور إقليمي جديد بدأت تطبقه في منطقة الشرق الأوسط بأكملها. ومع أن مؤسستها العسكرية وجزءاً من نخبتها القومية ينظران بحذر وريبة إلى توجه حكومتها الداخلي الجديد، ويعتقدان أنها تبالغ في التنازل أمام الكرد، فإن موافقتهما على الدور القومي الموسع، الذي تتبناه الحكومة في الخارج ـ وهو ضرب من تعويض ناجح عن السياسة القومية الفاشلة في الداخل ـ قد تحد من رغبتهما في نقض الحل الديموقراطي العتيد للمسألة الكردية، الذي لا شك في أنه سيقوي كثيرا الدولة التركية، الآن وفي المستقبل.
تنبع أهمية الحل التركي العملية والرمزية من إدراك النخبة التركية الحاكمة أن الحل القومي للمسألة الكردية محكوم بالفشل، كما ينبع من اللحظة التاريخية الراهنة، التي تمر فيها سياسات دول المنطقة تجاه هذه المسألة، وخاصة في العراق، حيث فشل الحل القومي في طمس اختلاف الكرد عن العرب، وفي دمجهم القسري داخل الدولة عبر إطفاء مطالباتهم بحقوق ثقافية ودور سياسي خاص، وجد ترجمته في السنوات القليلة الماضية، بعد إسقاط نظام البعث، في إدارة ذاتية موسعة شملت إقليم كردستان، وحولت العراق إلى دولة اتحادية لا يستبعد أن يلحق بها في زمن غير بعيد السودان ودول عربية أخرى.
فشل الحل القومي في تركيا والعراق، ويبدو أن الحل القومي بغطاء إسلامي يواجه مقاومة متصاعدة في إيران، حيث ترفضه الأقوام غير الفارسية، التي يقال إنها تشكل نيفا ونصف شعب إيران، وترى فيه حلا إسلاميا بالاسم، يغطي حلا قوميا فارسيا يلبس لبوس الدين، أظهرت حركة الاحتجاج الشعبي الأخيرة اتساع رفضه من قبل قطاعات شعبية كردية وعربية وبلوشية وآذرية واسعة، تنكر السلطة حقوقها باسم الإسلام، الذي تدعي أنه لا يعترف بالقومية لأنه لا يعرفها! إلى متى ستستطيع إيران التمسك بحل فارسي ذي غلاف إسلامي لمسألة الأقوامية عامة ولمسألة القوم الكردي خاصة، التي تتحول إلى جزء من قضية عابرة للدول، يكتسب حلها منذ بعض الوقت طابعا إقليميا بكل معنى الكلمة، ويرجح أن يؤثر نمطه التركي في علاقات البلدان المجاورة مع كردها؟ أخيرا، إلى متى يمكن «الحل الإرجائي» السوري تجاهل فشل السياستين القومية والإسلامية في بلدان المنطقة، التي تضم مواطنين يتحدرون من إثنيات متباينة، وتجاوز التغيرات الإقليمية عامة والتركية خاصة حيال قضية الكرد؟ يرجح مراقبون كثيرون أن يرسم البلدان في الفترة المقبلة سياسات مختلفة عن تلك التي يعتمدانها في هذه القضية، وتجعلها الحلول التركية بحاجة إلى إعادة نظر جدية؟
ليس التخلي عن الحلين القومي والإسلامي، والتحول الإقليمي نحو حل ديموقراطي للقضية الكردية بالأمر القليل الأهمية. إنه علامة على تخلق زمن مختلف لن يتمكن أحد من تجاهله، سيأخذ بحلول تمليها حاجة مجتمعات المنطقة ودولها إلى الديموقراطية، بعدما خاب أملها في حلول أخرى أوصلتها إلى مأزق يمس حاجتها إلى رؤيته بأعين صاحية، وإلى البحث عن بدائل ناجعة له!

.
.

التعقيب ..

الديمقراطية , المسالة التركية الكردية نموذجا .

في نصه المنشور بجريدة السفير اللبنانية تحت عنوان " حل عقلاني لمشكلة مزمنة" .
26/11/2009 العدد: 11456

تحدث المفكر السوري السيد ميشيل كيلو عن القضية الكردية , عبر توصيفها كمشكلة إقليمية , واستنتج أن الحلين القومي والإسلامي لها كانا غير مجديين , وافترض أن الحل الديمقراطي هو المدخل الصحيح لها , بل ولحل أزمات المنطقة كلها .
واستند في تحليله إلى التجربة القومية التركية للمسالة الكردية وفشلها في المائة عام الأخيرة في إيجاد حل .

إذا كانت المشكلة في المنطقة العربية والجوار الإقليمي , هي الديكتاتوريات , فالديمقراطية هي الحل فعلا .
وإذا كانت المشكلة في المنطقة العربية والجوار الإقليمي هي التدخل الاستعماري المباشر , تكون الديكتاتوريات مجرد ظاهر جبل الجليد وجزء من المخطط الاستعماري , ويكون الحل ليس عبر "ثقافة الديمقراطية" بل في "فلسفة التحرر" .
في حين تكون الديمقراطية , جزء من ثقافة الاستعمار في المنطقة , وهي كذلك .

بمعنى أن التوصيف الصحيح للديمقراطية لا يقودنا إلا إلى حقيقة واحدة , الحل التجميلي لقضايا إستراتيجية ومستقبلية الأثر .
الديمقراطية العراقية أو اللبنانية مثالا فاقعا .

مع سقوط القسطنطينية أواسط القرن الخامس عشر للميلاد بيد القبائل التركمانية بدأت تقوم في جغرافيا متغيرة الإمبراطورية التي صارت تسمى عثمانية .
وانتهت هذه الجغرافيا بعد أكثر من أربعمائة سنة إلى جغرافية تركيا الحالية , وعلى خلفية وتداعيات الحرب الكونية الأولى .
كان الأكراد قد دخلوا في طاعة العثمانيين 1515م , ولكن رجلا منهم هو المؤرخ إدريس البدليسي, وفق إلى أن ينقذ سلطة زعماء بيوتاتهم النبيلة بمفاوضات بارعة.

عندما يعيد المفكر السيد ميشيل كيلو التجربة التركية القومية في ما افترضه حلا غير مجدي للقضية الكردية , إلى مائة عام خلت , قبل أن تتجه السلطة التركية الحالية إلى ما افترضه الحل الديمقراطي .
علينا أن نتذكر أن تركيا الحالية قامت منذ مائة عام فقط , وبذلك تكون القضية الكردية , ليست محض مشكلة تركية كردية , بل يفترض أن نعيد وضع التعاريف اللازمة لما هو في واقع الحال بناء الدولة التركية الحالية على أنقاض الإمبراطورية العثمانية في جغرافيا جديدة , من مزيج سكاني غير مكتمل التجانس .

وإذا تذكرنا أن السلطان عبد الحميد كان قد كبت كل حركة وطنية في ما بين الأكراد وحظّر حتى طبع أول كتاب بالنحو الكردي.
ولكنه حرضهم على التضييق على الأرمن والتنكيل بهم, بل ذهب أبعد من ذلك فألف حرسه الفرسان (الحميدية) من الأكراد.
وكان رجال "تركيا الفتاة" قد واصلوا سياسة عبد الحميد هذه وتكررت مذابح الأرمن في عهدهم وأفادوا من الأكراد أثناء الحرب العالمية الأولى في قتال الأرمن.

نستطيع أن نقول أن تركيا الدولة الفتية تعاملت مع الأكراد بشكل ايجابي بعيد قيامها .
في ما لا يزال يفترضه الباحثين انه تضييق وحصار للشعب الكردي وخصوصيته وتراثه , ولم يكن هدفا تركيا بذاته , بل واجهت الفسيفساء الاجتماعية العثمانية كلها , قوانين قومية تركية بهدف قيام امة جديدة على أسس عصرية , ونجح الأتراك المعاصرون بذلك .

إذا في حقيقة التوصيف هناك قضية الخصوصيات الكردية والعربية والأرمينية والأقليات الأخرى وحتى ضمن التنويعات القبلية في البيت التركماني , في داخل جغرافيا الدولة التركية المعترف بها دوليا .
وقضية الخصوصيات قضية ممتدة منذ ما بعد الحربين الكونيتين , في جغرافية ليس فقط الإمبراطورية العثمانية بل والعالم القديم كله .

والمشكلة الداخلية الكردية التركية , والممتدة إلى سوريا والعراق وإيران وبعض أرمينيا وأذربيجان وفق الرؤية الكردية التاريخية , هي في عمقها مشكلة الأقليات .
ولم تتخذ طريقا صحيحا للحل بسبب الاستخدام الاستعماري الحاد للأقليات في المنطقة العربية وجوارها الإقليمي في اللعبة الكونية الكبرى على النفوذ والطاقة , وخصوصا في حقبة الحرب الباردة التي كانت في حقيقتها لعبة أمريكية هجومية استخباراتيه قذرة .

أهم نقطة في الرؤية الكردية لتراثهم وحاضرهم ومستقبلهم تعود إلى حقيقة أهدافهم النهائية .
هل يريدون دولة كردية مستقلة , أو يريدون مواطنة كاملة في الدول القائمة حاليا , مع كل ما يعنيه ذلك .
ولذلك من الطبيعي أن تكون القضية الكردية في حقيقتها , قضية داخلية ورؤية مستقبلية لشعب تاريخي , في جغرافيا معلنة , وفق كيانات قائمة بقوة .

واقع الحال يشير إلى أن الأكراد يريدون دولة مستقلة في جغرافية تركيا وسوريا والعراق وإيران وأرمينيا وأذربيجان .
وهذا يضعهم إراديا في مواجهة هذه الدول الست مجتمعة .
وهذا ما يجعل المسألة الكردية قضية تحرر في نظرهم , وقضية تقسيم في نظر جوارهم الإنساني في جغرافيا مشتركة .
وهذا ما لا يزال يفتح الأبواب للاستعمار الأمريكي اليوم تحديدا في توظيف الخصوصية الكردية في مواجهات مباشر مع الجوار الإنساني والجغرافيا المشتركة , كما هو واقع الحال في العراق اليوم .

وتبقى مشكلة الشعب الكردي الحقيقية كما يمكن رؤيتها من داخل النموذج الكردي في العراق , وككل شعوب المنطقة , أنهم غارقون في القبليات والولاء للزعامات التقليدية ذات المصالح الخاصة والرؤية الضيقة والانتماء المباشر للخارج .
في حين تبدو التجربة التركية المعاصرة , الخروج الوحيد منها , إلى مفهوم الدولة المركزية .
وهذا ما يجعل مواجهتهم مع الأتراك , محسومة النتائج سلفا , في المستقبلين القريب والبعيد .

رؤية المفكر السيد ميشيل كيلو , للدور التركي الجديد والاتجاه التركي الحالي لتسوية الوضع الداخلي في سياق التمدد الإقليمي , رؤية ساذجة إذا جاز لنا التعبير .
انحسار النفوذ الأمريكي من المنطقة , بسبب الفساد الاقتصادي والسياسي والاستخباراتي الداخلي , والهزيمة العسكرية المباشرة في العراق وأفغانستان .
وخروج أوروبا إلى حد كبير من عباءة الهيمنة الأمريكية المباشرة والمهينة فعلا .
مضافا إليها خروج الصين إلى ما وراء الجدار ولو بتأن وحساسية .
والاهم اكتمال عملية الإصلاح في الامبراطوية السوفييتية المضخمة , وعودة الحياة والتجدد لروسيا الاتحادية عبر سياسات شراكة إقليمية حقيقية .
كل ذلك اخرج المنطقة عموما من ساحة الصراع الأمريكي على السوفييت , وتحديدا الساحة التركية بمكوناتها الغنية .
وما نراه في تركيا اليوم , هو في جوهره عودة الروح إلى القومية التركية الخلاقة , وخروج تركيا الأمة الفتية من القبضة الأمريكية المستبدة إلى الشراكة المتوازنة مع الأمريكان , وبدء الشراكة الطبيعية مع الأوروبيين , والانفتاح على الجوار الايجابي , والانطلاق صوب علاقات مطلوبة بشدة مع الروس .

لم تكن تركيا يوما تعاني من التدخل السوفيتي , بل كانت تركيا دائما قاعدة أمريكية إستراتيجية متقدمة وفي المدى شديد الحيوية للروس , وهو ما أنهك هذه الأمة الشابة , وعطل نموها الطبيعي في بيئتها الحاضنة , وأرهق نسيجها الاجتماعي الغني .
والمسالة الكردية هنا عانت كما عانت المسألة الأرمينية أو بتوازي مختلف المسالة العربية أو القبرصية حتى .

الشعب الكردي شعب واحد في جغرافيات متعددة .
ولكنهم أقلية في تلك الجغرافيات التي تتجه إلى معالجة تحدياتها الداخلية والإقليمية والدولية عبر معطيات مختلفة ورؤى متباينة .
والتعميم هنا خلط سلبي .

إيران تأخرت عن تركيا سبعين عاما قبل أن تبدأ مع الثورة الإسلامية في عملية بناء الأمة الإيرانية الشابة والمتجددة .
والديمقراطية في إيران , كما في تركيا , ديمقراطية بناء دولة عصرية , وليست لعبة سياسية لتقاسم السلطة سليما , وتامين انتقالها بين القوى السياسية بسلاسة .
الدولة المركزية العصرية , تقودها الديمقراطية , ولكن الديمقراطية لا تستطيع بناء الدولة أو حتى حمايتها , وإنما العكس تماما هو الصحيح , الدولة تحمي الديمقراطية .

ثقافة الاستعمار , تقوم على بناء كيانات سياسية متعصرنة , وليس دول مركزية عصرية .
كيانات قلقة في اقتصادها ونسيجها الاجتماعي ولعبتها السياسية الداخلية , تابعة في نقدها وتصديرها وعلاقاتها الخارجية .
والثقافة الأمريكية العولمية المنكسرة , هي من يسوق لثقافة الديمقراطية في ارض خالية من المركزية , تحافظ فيها الديمقراطية على البنية القبلية الاجتماعية , والعشائرية العقلية , والخصوصيات الضيقة والانعزالية والسلبية , بحيث تسود ثقافة الأقليات والاكثريات , والحاجة إلى الحماية , والدولة المحاصصة , والمافيات السلطوية الفاسدة .
لبنان تاريخيا مثالا فاقعا , والعراق حاليا مثالا داميا .

الفكر الإسلامي العربي , والفكر القومي العربي , يستطيعان بناء دولة مركزية عصرية , ويستطيعان إطلاق عملية ديمقراطية ناظمة لاستمرارية هذه الدولة .
ولكن واقع حال الجغرافيا العربية اليوم , لا يسمح لعاقل , وتحت كل هذا الثقل الاستعماري المباشر والضاغط على كل مكونات الجغرافيا العربية وتنوعها الهائل , بالقول : أن الديمقراطية هي القادرة على حل المشاكل التاريخية المعقدة وضمان الخصوصيات وأن الحل الإسلامي أو القومي غير قادر على بناء الدولة الديمقراطية والحاضنة الطبيعية للهويات الوطنية والخصوصيات .

مرة جديدة نحن أمام نص , يقرأ الخصوصيات بسلبية , ويفترض مشكلة هي في حقيقتها مسألة , ويتحدث باسم أصحابها الذين لا يزالون تحت ضغط خارجي مباشر , ولا يزالون يعانون , وككل المنطقة وأقلياتها تحديدا , من خرق استعماري حاد لعلاقتهم بجغرافيتهم , ورؤيتهم لمستقبلهم , إلى جوار الشركاء الطبيعيين وليس الأعداد الوجوديين .

ومرة جديدة , الدولة لا تقوم إلا عبر رؤية وبقرار وإرادة الأكثرية , أكثرية إسلامية أو قومية .
وكل أقلية تتجه إلى الرهان على طرح خصوصيتها من صلب هذا البناء , وليس الرهان على هذا البناء لضمان خصوصيتها , تتجه إلى الهاوية .

والاهم , أننا نحن العرب , فقدنا منذ سنوات طويلة , ريادتنا في المنطقة , ولا نزال .
لذلك يكون من العجرفة العربية الجوفاء , والشوفينية المريضة فعلا , والسلبية المضرة بنا وبمستقبلنا , أن ننظر ونتفلسف في تجارب إقليمية مجاورة لنا , في تركيا أو إيران , ونحن لا نزال لا نمتلك في تاريخنا الحديث إلا تجربة قومية واحد , لم ننجح في حمايتها , ولم ننجح في حماية مكتسباتها , ولا حتى شعاراتها .
العرب اليوم غير مهيئين أو حتى قادرين على نقد التجربتين التركية أو الإيرانية , ومن العيب فعلا أن نقوم بذلك .

ومن الانتحار أن نسمح للنظام الرسمي العربي ونخبه العميلة والمفسدة في المنطقة , وجمهوره الهلامي البشع , أن يجعلنا في مواجهة مع هاتين الأمتين الصاعدتين بقوة الحياة والإرادة في شعبيهما , وليس لا على حسابنا الذي صرفناه , أو على أكتافنا التي انحت منذ سنوات بعيدة .

ومن الخواء الفكري أن نجلس لنناقش مسالة داخلية تركية كردية , ونشخص لها حلا في الديمقراطية , ونعمم النتائج علينا .

27/11/2009

..






 
رد مع اقتباس