07-07-2022, 02:20 PM
|
رقم المشاركة : 35
|
معلومات
العضو |
|
إحصائية
العضو |
|
|
رد: قراءة في آيات الحج من سورة البقرة
(أُوْلَٰٓئِكَ لَهُمۡ نَصِيبٞ مِّمَّا كَسَبُواْۚ وَٱللَّهُ سَرِيعُ ٱلۡحِسَابِ 202)
حول مضمون الآية:
ثم قال تعالى: (أُوْلَٰٓئِكَ لَهُمۡ نَصِيبٞ مِّمَّا كَسَبُواْۚ وَٱللَّهُ سَرِيعُ ٱلۡحِسَابِ) فقالت طائفة من المفسرين: هذا بيان لمن يسأل عن حظ الفريق الثاني: (مَّن يَقُولُ رَبَّنَآ ءَاتِنَا فِي ٱلدُّنۡيَا حَسَنَةٗ وَفِي ٱلۡأٓخِرَةِ حَسَنَةٗ وَقِنَا عَذَابَ ٱلنَّارِ)، لأن حكم الفريق الذي يطلب الدنيا وحدها قد علم من قوله تعالى: (وَمَا لَهُۥ فِي ٱلۡأٓخِرَةِ مِنۡ خَلَٰقٖ)، فإن العطف يشعر بمحذوف كأنه قال: هذا الفريق له حظه من الدنيا وما له في الآخرة من حظ سواه. وقد بينت الآية صريحاً أنهم يعطون ما دعوا الله تعالى فيه بكسبهم، وهذا نص فيما تقدم من معنى الدعاء وأنه لا بد أن يكون طلب اللسان مطابقا لما في النفس من الشعور بالحاجة إلى الله تعالى بعد الأخذ بالأسباب والسعي في الطرق التي مضت سنة الله تعالى ولهذا قال: (مِّمَّا كَسَبُواْۚ) ولم يقل: لهم ما طلبوا. والمعنى أنهم لما كانوا يطلبون الدنيا بأسبابها ويسعون للآخرة سعيها، كان لهم حظ من كسبهم هذا في الدارين على قدره (وَٱللَّهُ سَرِيعُ ٱلۡحِسَابِ) يوفي كل كاسب أجره عقب عمله بحسبه؛ لأن سنته مضت بأن تكون الرغائب آثار الأعمال، فهو يوفي كل عامل عمله بلا إبطاء، وكما يكون الجزاء سريعاً في الدنيا كذلك يكون في الآخرة، فإن أثر الأعمال الصالحة يظهر للمرء عقب الموت وهو أول قدم يضعها في باب عالم الآخرة.
وقالت طائفة أخرى من المفسرين: الظاهر أن (أُوْلَٰٓئِكَ) إشارة إلى الفريقين، إذ المحكوم به، وهو كون: (لَهُمۡ نَصِيبٞ مِّمَّا كَسَبُواْۚ) مشترك بينهما، والمعنى: أن كل فريق له نصيب مما كسب، إن خيراً فخير، وإن شراً فشر. ولا يكون الكسب هنا الدعاء، بل هذا مجرد إخبار من الله بما يؤول إليه أمر كل واحد من الفريقين، وأن انصباءهم من الخير والشر تابعة لكسبهم. وقيل: المراد بالكسب هنا الدعاء، أي: لكل واحد منهم نصيب مما دعا به. وسمي الدعاء كسباً لأنه عمل، فيكون ذلك ضماناً للإجابة ووعداً منه - تعالى - أنه يعطي كّلاً منه نصيباً مما اقتضاه دعاؤه، إما الدنيا فقط، وإما الدنيا والآخرة، فيكون كقوله: (مَن كانَ يُرِيدُ حَرْثَ الآخِرَةِ) الشورى 20، وقوله: (مَّن كَانَ يُرِيدُ ٱلۡعَاجِلَةَ) الإسراء 18، وقوله: (مَن كَانَ يُرِيدُ ٱلۡحَيَوٰةَ ٱلدُّنۡيَا وَزِينَتَهَا)هود 15.
والآية تحتمل الوجهين، ولنا وجه ثالث، هو أن تشير (أُوْلَٰٓئِكَ) إلى الفريق الأول وحده، على اعتبار أن (أُوْلَٰٓئِكَ) للإشارة إلى البعيد، والبعيد في سياق الآيات هو طالب الدنيا دون الآخرة. وهم (لَهُمۡ نَصِيبٞ مِّمَّا كَسَبُواْۚ) يصلهم في الدنيا التي طلبوا أن يؤتوها، ويحق فيهم قوله تعالى: (مَن كَانَ يُرِيدُ ٱلۡحَيَوٰةَ ٱلدُّنۡيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيۡهِمۡ أَعۡمَٰلَهُمۡ فِيهَا) هود 15، ولأنهم لا حظ لهم في الآخرة، لقوله عز من قائل: (وَمَنْ يَكْفُرْ بِالْإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ) المائدة 5، وقوله: (لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ) الزمر 65، وحبط، أي: فَسَدَ وأُهْدِرَ (وَٱللَّهُ سَرِيعُ ٱلۡحِسَابِ) إذ عجل له حقه منها. وفي التبعيض بـ "من" في قوله: (مِّمَّا كَسَبُواْۚ) دليل على أنهم ينالون في الدنيا بعض ما طلبوه، وفق ما جرت عليه سنن الله - تعالى - في الرزق، لقوله: (عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَن نُّرِيدُ) الإسراء 18.
وسرعة الحساب على الوجه الأخير: رزقهم في الدنيا، يعجله الله فيها، ليوفيهم أعمالهم فيها. أما رأي الكثيرين من المفسرين، فالمراد حساب الآخرة، (وَٱللَّهُ سَرِيعُ ٱلۡحِسَابِ) في الدنيا والآخرة. ولن نقف كثيراً عند مدى سرعته - جل وعلا - في حساب الخلائق، لاختلاف الأقوال حوله، فقائل: هو نصف نهار في حق المؤمنين، لقوله تعالى: (أَصۡحَٰبُ ٱلۡجَنَّةِ يَوۡمَئِذٍ خَيۡرٞ مُّسۡتَقَرّٗا وَأَحۡسَنُ مَقِيلٗا 24)الفرقان، والمقيل من القيلولة، وقائل: في قدر فواق الناقة، وقائل: في لحظة بمقدار لمحة البصر. غير أن ما يخرجنا من هذه الافتراضات هو قوله - تعالى - في وصف يوم القيامة: (وَكَانَ يَوۡمًا عَلَى ٱلۡكَٰفِرِينَ عَسِيرٗا 26) الفرقان، وقوله: (مُّهۡطِعِينَ إِلَى ٱلدَّاعِۖ يَقُولُ ٱلۡكَٰفِرُونَ هَٰذَا يَوۡمٌ عَسِرٞ 8)القمر، وقوله: (فَذَٰلِكَ يَوۡمَئِذٖ يَوۡمٌ عَسِيرٌ 9عَلَى ٱلۡكَٰفِرِينَ غَيۡرُ يَسِيرٖ 10) المدثر، مما يدل على أن يوم الحساب العسير على الكافرين، يسير على المؤمنين. إن سرعة الحساب عبارة عن إطلاع كل عامل على عمله أو إعلامه بما له مما كسب، وما عليه مما اكتسب وذلك يتم في لحظة زمنية قصيرة، والله - جل وعلا - قادر على أن يحاسب كل الخلائق في وقت معاً، كما يرزقهم هم والدواب في وقت معاً. كما أن ما نراه أكثر من ذلك، هو أن المرء يعرف مصيره لحظة موته، فيعرض عليه شريط حياته بكل تفاصيلها ودقائقها، ثم بعد النشور يؤتى كل إنسان كتابه: (وَكُلَّ إِنسَٰنٍ أَلۡزَمۡنَٰهُ طَٰٓئِرَهُۥ فِي عُنُقِهِۦۖ وَنُخۡرِجُ لَهُۥ يَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِ كِتَٰبٗا يَلۡقَىٰهُ مَنشُورًا 13 ٱقۡرَأۡ كِتَٰبَكَ)الإسراء 14، وهذا قبل أن يعرض على الحساب، وكأن وقت الموت يعرف جزاءه، ثم باستلام كتابه يراجع تفاصيل حياته الدقيقة والمفصلة. أما المقربون وأهل اليمين فحسابهم هو العرض على الرحمن، وأما أصحاب الشمال، فيومهم جد عسير، رُوِيَ عن عائشة أم المؤمنين - رضي الله عنها - أنها نقلت عن الرسول ﷺ أنه قال: "ليسَ أحَدٌ يُحاسَبُ إلَّا هَلَكَ"، قالَتْ: قُلتُ: يا رَسولَ اللَّهِ جَعَلَنِي اللَّهُ فِداءَكَ، أليسَ يقولُ اللَّهُ عزَّ وجلَّ: )فَأَمَّا مَن أُوتِيَ كِتابَهُ بيَمِينِهِ فَسَوْفَ يُحاسَبُ حِسابًا يَسِيرًا)، قالَ: "ذاكَ العَرْضُ يُعْرَضُونَ ومَن نُوقِشَ الحِسابَ هَلَكَ"*.
* أخرجه البخاري (4939)، ومسلم (2876).
|
|
|