منتديات مجلة أقلام - عرض مشاركة واحدة - وطن الحب والاغتراب..ثنائيات في الأدب(3)
عرض مشاركة واحدة
قديم 23-06-2010, 08:28 PM   رقم المشاركة : 8
معلومات العضو
إبراهيم محمد شلبي
أقلامي
 
الصورة الرمزية إبراهيم محمد شلبي
 

 

 
إحصائية العضو







إبراهيم محمد شلبي غير متصل


إرسال رسالة عبر MSN إلى إبراهيم محمد شلبي إرسال رسالة عبر Yahoo إلى إبراهيم محمد شلبي

افتراضي رد: وطن الحب والاغتراب..ثنائيات في الأدب(3)


للذاكرة نبضها ونزفها، وتنثني كالخاصرة فوق جرحها لكيلا تسفك الصور مع الدم، إذ هكذا يكبر العابرون في الوقت سريعا، ولا يتركون سوى صورا من رحيلهم.

كبرتُ كالسنبلة في مرج ابن عامر، ارتقيتُ سلم الوقت على عجل كطفل يستعجل البلوغ. لم أودّع النحلَ ولا الفراش حين صعدت طريق القدس لأحفر في صخر ذاكرتي ملامح وجهها. أعليّ أن أستسلم للموت فيها الآن؟ ولماذا يصرّ المتطفلون على أبواب الكتابة على نبش قبوري كعلماء آثار في حقل التنقيب؟ أتركي لي بعضا منّي كي أستجمع شملي. سيتكفّل قلبي بكشف السرّ المكنون بعين القدس.

أتعرفين القدس؟

لا بحر يحضن جذعها، ولا نهر يسقي زرعها، ولكنّها أندى من جبين الغيم.

القدس صلاة الراحلين إلى السماء على خيول قِبابها. وجع الوداع لفارسٍ يمضي إلى حيث الغروب لينتحر، ودموع أخته في الرسالة حين تختتم الكتابة.

القدس دعاء الساجدين بأقصى الأرض مرورا إلى أقصى السماء، تغرس سكينها في قلبها كيما تجرّح غيرها.

القدس باب فلسطين إلى الأرض الخصاب، حُبلى بالوجع الكونيّ، تنجب الفلسطينيّ من رحمها كالعشب يولد من رحم الصخر، شامخة جبالها كأميرة لا تعترف بانتكاسة جيشها.

القدس قلب الفلسطينيّ وشغافها الوطن العربي من المحيط إلى ما بعد الخليج، شرايينها المآذن في بطاح الأرض ولا تكفّ عن الأذان.

القدس والفلسطينيّ واحد في واحد كأقصاها اليتيم، علّمتني أن الفلسطينيّ عاشق بالفطرة، ومغترب لا يكفّ عن الرحيل، فيها التقيتُ الوحي واستلمتُ نبوءة الكتابة والكلام. كم ضعت في أسوارها علّي أصادف ما يخفّف غربتي، لكنها أسلمتني إلى غربة الأبعد، وعرّفتني برام الله القصيدة.

الآن أرمّم ما انهار من قلاع التاريخ الأبجديّ في صفحات كتابتي، أطبّب ذاكرتي بذاكرتي، وأحلّق بأجنحة الدراري في حقول ابن عامر كي أعيد سلامتي، فمَنْ مرّ مِن سحب القصيدة في سماء القدس سوف يكسر ريشته، وقد مررتُ بجوّها ونثرتُ فيه رسالتي، ولو لم أكبر كالسنبلة، لو لم ارتقِ سلم الوقت على عجل كطفل يستعجل بلوغه، لكنت الآن حجرا من شواهدها الحزينة، أو ضريح جنديّ غريب.






 
رد مع اقتباس