منتديات مجلة أقلام - عرض مشاركة واحدة - ولم يصب إبليس بأذى...
عرض مشاركة واحدة
قديم 18-11-2010, 07:04 PM   رقم المشاركة : 1
معلومات العضو
احمد العتيبي
أقلامي
 
إحصائية العضو







احمد العتيبي غير متصل


افتراضي ولم يصب إبليس بأذى...

ولم يصب إبليس بأذى...

سهيل كيوان
2010-11-17


لن أكتب في السياسة لأن هذا النوع من الكتابة صار أشبه بعمل مشين فضائحي، يحاول الكاتب التستر عليه! صحيح أن معنى الالتزام يختلف من كاتب إلى آخر، وأوافق أن التزام الكاتب هو كتابته الجميلة، ولكن من خلال هذا الجمال نستشف القضايا الكبيرة، كتابات ماركيز كلها ملتزمة، حتى عندما كتب عن عاهراته كانت رائحة الالتزام تفوح من جلودهن.

أن تكتب بأن والدتك نسيت كل شيء، ولا تذكر أحياناً أسماء أبنائها، وتخطئ بين نسيبها وابنها، وبين زوجها أو شقيقها ووالدها الراحل منذ نصف قرن، تنساك أنت الذي أرضعتك ودللتك أكثر من أخوتك، أنت الذي تعيش معها وتعيش معك منذ نصف قرن تسألك بشك... هل أنت ابني؟ وتبذل جهدا لإقناعها بأنك لا تمزح... وأنك أنت ابنها بالفعل! وأن هؤلاء الذين يحيطون بها هم أحفادها، وأن شقيقها لم يأت متسللا متخفياً بجلد كبش وكومة أعشاب على ظهره لأنه بلا هوية، بل كان هذا مناماً رأته، وأن هذه الامرأة التي تقدم لها الطعام هي كنتها وليست جارتها! تنسى كل هذا ولكنها لا تنسى مرآتها يوم خرجت مع أسرتها من بيتها مراهقة لاجئة، حملت مرآتها على رأسها، وكانت سببا في أن يلحق بها ومن معها عملاء بعدما انتبهوا لانعكاس أشعة الشمس على المرآة من بعيد، فطاردوا الأسرة في الجبال، حتى اضطرت لترك مرآتها للنجاة!

أحاول تجنــــب السياسة، ولكن لا يمر يوم وأحــــــيانا ســــاعة حتى تسألني أمي أين أخــــوتي وأخواتي لماذا لا يزورونني، هل أنا مقطوعة من شجرة؟ أنا لي أخوة وأخوات أين هم لماذا لا أراهم!

عندما يصل هاتف من بقعة ما من الكرة الأرضية ليهنئها بالعيد أحاول أن أشرح لها أين يقع هذا المكان الذي يقطنه شقيقها، ولماذا يستحيل عليه أو على أبنائه زيارتها؟ أفسر لها أن غزة أقرب على الجليل من أستراليا ولكنها محاصرة لا خروج ولا دخول من جهتنا، وأكرر للمرة العشرة آلاف أن شقيقتها الغالية التي تسأل عنها موجودة وراء هذا الجبل ولو أن الحدود مفتوحة لوصلناها خلال نصف ساعة! وأن التي هاتفتها مهنئة بالعيد هي ابنة شقيقتها الثانية من أبو ظبي وليست شقيقتها التي ماتت منذ سنين!

لن أكتب في السياسة! لن أكتب عن الرجل ابن قريتنا الذي تجددت نكبته، حين ذهب قبل أسبوعين ليقطف أشجار الزيتون الخاصة بأسرته ليجد أن غرباء سبقوه إليها بعتاد حديث ثم أعلموه أن هذه الأشجار هي حصة أشقائه الذين 'هربوا' الى بلاد العرب منذ ستين عاما وأن صاحب الحصة الأكبر في هذه الأرض الآن هو دائرة أراضي اسرائيل! وأن تركه يقطف ثمار هذه الأشجار منذ ستين عاما كان كرماً أو خطأ قررت الدائرة تصحيحه! ولكن كي تصبح قصة هذا الرجل حداثوية أو ما بعد حداثوية نجعله من مثليي الجنس، ويا للصدفة فالمستوطن أيضا من أبناء الفصيلة المثلية وأنهما سبق والتقيا في مكان ما خاص بسبطهم، فتعارفا وأصبحت قضية الأرض والأشجار والهم والغم ثانوية أمام الدفق الإنساني المثلي، خصوصاً وقد أصيب كلاهما بحكة في مؤخرته وفهم كلاهما أنها دعوة للحب في أحضان الطبيعة.

هناك من بات متيقناً ويريد إقناعنا بأن الكتابة الحديثة والثورية لا بد وأن تمر من خلال المثلية الجنسية، وكأنه لا يوجد ديوان كامل اسمه القصائد المحرمة للحسن ابن هانئ طافح بالمثلية واللواط بصور فنية رائعة وساخرة في أحيان كثيرة!

صحيح أنه كي تكون الكتابة في السياسة قابلة للهضم يجب تبهيرها، وإضافة الكثير من المقبلات والمحسنات، ولكنني لست طرفا محايدا في صراع يدور فوق جلدي وتحته، ورغم هذا اسمعوا هذه الطرفة بدون سياسة، هناك قرية في النقب هُدمت سبعا وثلاثين مرة خلال السنوات العشر الأخيرة، اسمها (طويل أبو جرول)! بربكم ألا تستحق هذه القرية دخول كتاب غينس! هل توجد قرية في الأرض منذ اثينا القديمة حتى يومنا هذا هدمت هذا العدد من المرات! ألا يستحق سكانها أن يفخروا ويدخلوا كتاب غينس مثل أولئك الذين أعدوا أطول وأغلظ إصبع نكنيك في التاريخ! ألا يستحقون جائزة تقديرية من أعلى الهيئات والحركات البيئية في العالم لإصرارهم على إقامة قريتهم من جديد كلما هدمت، وكل هذا على أرض رملية جدباء! حسنا لنفرض أنهم لا يستحقون التقدير لأنهم قساة وغلاظ وأجلاف ولكن ألا تستحق وزارة الداخلية وجرافاتها دخول كتاب غينس من أوسع أبوابه على هذا الإنجاز غير المسبوق!

عندما يسن الكنيست قانونا ينتقص من حقي في المساواة لا أكتب في السياسة، بل أكتب في اليوم التالي أن زوجتي ماهرة في فن الطبخ ومحترفة في إعداد الكعك، ولكنها للأسف لا تتقن كبس الباذنجان، سبحان الله بينها وبين الباذنجان علاقة متوترة، لم تبق امرأة عرفتها إلا واستشارتها بقضية الباذنجان، قبل عام أخذتها الى دورة تأهيل مهني عند مختصة بتصنيع الباذنجان من مدينة شفاعمرو لأنني أحبه بشكل جنوني، والوجبة الخالية من الباذنجان المكبوس لا تحتسب من عمري! أرشدتها وكتبت لها الطريقة وسجلناها صوتياً، وطبقتها أمامي، ولم تزبط، نفس الطريقة تزبط مع غيرها ولكن معها مستحيل، بعد أيام فقدت الثمار صلابتها المحببة، في آخر حملة كبيس باذنجان فاشلة انتحبنا معاً بيأس أنا وزوجتي، وسقطنا في حالة اكتئاب أضعاف ما يمكن أن يسببه القانون الذي يعتبرني مواطنا درجة ثانية، لأنني في الواقع مواطن درجة رابعة وبهذا المعنى فالقانون العنصري رفعني درجتين!

بدلا من الكتابات المقززة عن قرف الحواجز وتحويل الناس أمامها إلى حرباوات تبتسم للجنود كي يسمحوا بالمرور دون مباعصة! أختُرِعَ قصّةُ حب بين جندي الحاجز وفتاة فلسطينية يقرر شقيقها قتلها لأنه يشك بأنها فقدت عذريتها فلم تجد غير جندي الحاجز تهرب إليه فيقع في غرامها وتسحره أنوثتها وبراءتها، لدرجة أنها تدخل في مأزق نفسي من أحب إليها شقيقها الغالي الذي قد يقتلها أم جندي الحاجز الذي ينقذها من وحشيته!

آخر إحصاء يقول إن نسبة الفقر بين العرب تصل الى 53% من نسبة الفقراء في اسرائيل، ولكن الفن يأبى أن يتدخل في أمور الجوع والشبع الغرائزية! وبدلا من الكتابة عن الفقر الممنهج وأسبابه, نكتب قصة عن رئيس جمعية الزكاة، في قريةٍ ما، سرق الغلة؛ وعندما كُشف أمره قال مبرراً فعلته: إبليس هو الذي أغواني!!.. وهنا نوجه أصبع الاتهام لثلاثة ملايين حاج رموا إبليس بأكثر من مليار جمرة... ولكنه خرج دون أن يصاب بأذى.. ورغم هذا نقول للجميع:

'حجا مبرورا وسعيا مشكوراً وكل عام وأنتم بخير'...






 
رد مع اقتباس