منتديات مجلة أقلام - عرض مشاركة واحدة - قراءة لنصي سنّ الرماد// بقلم الأستاذة هند العيدودي
عرض مشاركة واحدة
قديم 03-12-2020, 03:55 PM   رقم المشاركة : 1
معلومات العضو
منجية مرابط
أقلامي
 
الصورة الرمزية منجية مرابط
 

 

 
إحصائية العضو







منجية مرابط غير متصل


افتراضي قراءة لنصي سنّ الرماد// بقلم الأستاذة هند العيدودي

سـنّ الـرّمــاد.بقلم منجية مرابط


صفّقت عيناهُ بذهول لتلك المقعدة فوق الكرسي المتحرك..
أخيراً استطاع أن يقرّبها إليه، بعكاز مرتعشة يخشى أن تسقط منه كدمعة،
حين شاخ كل شيء فيه، حتى صار كحبة تين جففتها الشمس.
تأمّل شفتيها .. كم خبّأت بين تجاعيدها من فصول للحياة..
وكم خبى حنينه إليها، حتى صار خيبة على مائدة الوصول.
تتأمّله هي أيضاً لأوّل مرّة ، وتعترف له أنه كان أرجوحة فارغة،
لعبت بها يد الريح حد الملل..
- همس لها : الآن فقط تعرينني التفاتة قاتلة،
وقد بدأ العمر يوَضّبني كفناً في حقيبة القبر.. نكّست رأسها
مشفقة على نفسها منه، ثم نظرت لصورها الفاتنة على جدار عنفوانه الأوّل..
- قالت له : أعلم كم غيّرت من بندقية ليصطاد قدرك قدري،
لكنني كنت أهرب منك غزالة تختبئ خلف أقدار الآخرين ..
استجمع ما بقي فيه من خرق الكلام، ليمسح بها دمعة الإهانة الأخيرة.
- كنت تبدين كالأندلس قبل السقوط، وأبدو كسيّدها بعد السقوط ..
والآن نحترق معاً كرغيفين نُسيا في التنّور،
فقد صرنا طاعنيْن في سنّ الرّماد أيّتها الأحلام!

قراءة الأستاذة /هند العيدودي
عنوان معبّرٌ جدًا قد اختزل مراحل حياة الإنسان في كلمة "الرماد" و نص سرديّ يتنفّس شاعريّةً حتى خِلت نفسي-لِلَحظة ما- أني أقرأ قصيدة نثرية لكثرة ما يحمله هذا النص من صور و ايحاءات عديدة تجعل المتلقّي يقرأ ما بين السطور محاولاً جاهداً فكّ رموزه كي يزيل هاته الحيرة التي تعتريه ويكتشف ما إذا كان هذا الرجل المسن قد استطاع الوصول إلى مبتغاه و حقق ما كان يتمناه.
في بداية النص يبدو، كأن هذا المسنّ في فرحة عارمة قبالة هذه المقعدة منذ أن رآها و قد"صفّقت عيناه" لها من شدة السعادة وهو يتمعّنها "بذهول" وكأنه يحاول تعويض سنوات البعد عنها و الحرمان منها، ثم يقرّبها إليه بعناية ويخشى عليها السقوط ثم عندما بدأ يتأمل شفتيها قلت سيبدأ بتذكر جميع أشكال العشق التي عاشاها معا إلى أن صفعتني جملة " و كم خبّى حنينه إليها، حتى صار خيبة على مائدة الوصول" فرجعت و أعدت قراءة النص من العنوان، تيقّنت وقتها كم تعذّب في طريق وصالها وأزدت شفقة عليه عندما قرأت ما أظهرته له من جفاء حتى وهي في" سنّ الرماد" ، فشعرتُ وقتها كم أحرقته بنيران شبابها و كم قاسى و كم و كم.. كيف لا و هي تتأمّله لأول مرة بعد كل تلك السنين ثم تتلفّظ له بأحرف و كلمات جارحة لتكمل ما بدأته من جفاءٍ و تتركه غارقا في دماء الخيبة و اليأس حتى و هما " طاعنين في سن الرماد" فلم تقدّر شيبته و لم تحترم تجاعيده التي خطّها الحنين و اللوعة والإشتياق . تتأمّله لأول مرة لم يكن من أجل النظر إليه حتى، بل كان من أجل النظر إلى "صورها الفاتنة على جدار عنفوانه الأول" فبقيت تستنزف بقايا قواه و مشاعره و نظراته و حركاته كي تنسى و لو لدقيقة واحدة أنها عجوز مقعدة في "سن الرماد" و تشعر و لو لبرهة أنها مازالت تلك "الغزالة" التي تهرب من رصاص الصيادين و عيونهم بكل رشاقة و خفة، تملؤها الحيوية والشباب . وبقي هو يستنزف ما بقي لديه من حلو الكلمات و جميل العبارات كي يتغزل و يقول لها" كنت تبدين كالأندلس قبل السقوط، و أبدو كسيّدها بعد السقوط" مبرزا لها كم كانت حصينة، منيعة، صعبة المنال قاسية.. و كم كان هو في حبها منهزما مهزوما مكسورا موجوعا منذ أن عرفها إلى هذه اللحظة و هما "طاعنين في سنّ الرّماد" ليختم اللقاء و الحديث و يناديها فيقول" يا أيتها الأحلام ! " هنا يتبيّن لنا كم كان و لا زال وفيّا و مخلصا لها -ليس فقط في مشاعره- بل و حتى في اختيار الكلمات فيختزل كل حبه و حنينه و لوعته بوصفه لها يا أيتها الأحلام التي مِلؤها اليأس و الخيبة، أحلام لم و لن تتحقق لا في نومه و لا في يقظته، لست وحدك، لكلٍّ منا خيبة هذا و إن لم تكن خيبات!!! . هنا يمكن أن نتيقّن أن مشاعر الحب لا تغيرها السنون و لا الشيب ولا المشيخ ولا التجاعيد و لا العكاز... مشاعر تبقى شابة و لا تشيخ في قلب كل إنسان.






التوقيع

أتعبتني العصافير المنهمرة من عيني،كلّما حلمت بالقمح،تقتسم حلمي بمناقيرها وتغني الحلم وليمة الفقراء!

 
رد مع اقتباس