السلطة الفلسطينية وحقيقة الدور ..
قد يكون شعار السلطة الفلسطينية بأن (السلام هو الطريق الوحيد) للوصول بالشعب الفلسطيني إلى حقوقه الوطنية والمشروعة في الدولة والقدس والعودة .
قد يكون هذا الشعار , شعارا سياسيا عملانيا بامتياز , في بيئة شرق أوسطية تتداخل فيها المصالح وتتقاطع فيها المشاريع الكونية , عبر مسارات متداخلة , ومستويات متتالية , وفي كل الساحات , الكبيرة منها والصغيرة .
وخصوصا أن الطرف المقابل في هذا "الصراع السياسي" , وفق مفهوم السلطة الفلسطينية له , يكرسه شعار (السلام هو الطريق الوحيد) .
وخصوصا أن الطرف المقابل هو إسرائيل , الكيان الاستعماري , والقاعدة الأم للنفوذ الأمريكي والهيمنة الامبريالية المباشرة على جغرافية نفطية بامتياز , وإستراتيجية بما لا يقارن .
وتبقى محطات هذا "الخيار الوحيد" للسلطة الفلسطينية , وعبر محطات التفاوض الفلسطيني على الحقوق نفسها , وليس على آليات الوصول بالشعب الفلسطيني إلى هذه الحقوق نفسها .
تبقى محطات مسار (السلام طريقا وحيدا) , عبر سنوات لامست العشرين عاما من التفاوض المباشر , لا تشير إلى أي نجاح يمكن البناء عليه , ولو بشكل محدود أو جزئي , أو حتى مجرد النجاح في الحصول على {اعتراف علني شفوي إسرائيلي} بهذه الحقوق أو بعضها .
قد تكون السلطة في رام الله , "تفترض" تحولا استراتيجيا في الرؤية الأمريكية لمنطقة الشرق الأوسط , تسمح لها بلعب دور اكبر في المنطقة العربية وجوارها الإسلامي تحديدا , يجعلها "لاعبا رئيسيا" تعتمد عليه أمريكا بما يوازي اعتمادها على إسرائيل , ما قد يفتح الباب أمام السلطة الفلسطينية في الوصول إلى "كيان سياسي" , وبنية اقتصادية , يجاور ويوازي الكيان اليهودي في الأهمية والمكتسبات والسمات والدور .
هذا الفرض السلطوي الفلسطيني , يستند في حقيقته التاريخية على نجاح الأنظمة العربية المرتبطة عضويا بأمريكا وإسرائيل بطبيعة الحال , وتحديدا الأنظمة الملكية العربية .
الحقيقة التاريخية في نجاح الأنظمة الملكية العربية بالبقاء والاستمرار كأُسر تحكم كيانات سياسية , عبر أعراف عشائرية , وقوانين بدائية , وأنظمة أمنية قبلية , قادرة بسهولة على تجاوز كل التقدم الكوني الإنساني الهائل , عبر تعطيل كل قدرات شعوبها ليس في التغيير , بل حتى في مجرد الإصلاح .
بالتأكيد أمريكا تستطيع , عبر إدارة إسرائيل المباشرة , لهذه الكيانات الملكية الأسرية العربية المتخلفة , أن تؤمن لها البقاء والاستمرار وبسهولة كبيرة تعود أسبابها الرئيسية إلى (بنية العقل العربي) غير القادر على استيعاب مفاهيم المعاصرة والتطور الارتقاء والتنمية , من بين جملة مفاهيم إنسانية حتمية , قرر العرب جميعهم , أنهم لا يحتاجونها .
ولذلك يكون الرهان السلطوي الفلسطيني , على أمريكا راعيا للسلام , وعلى إسرائيل شريكا في السلام , رهانا يستند على واقع ملموس , لجوار عربي , حقيقي ومستمر .
ولكن هذا يعني أيضا , أن السلطة الفلسطينية , ترى في الشعب الفلسطيني , مجموعات إنسانية غير واعية , هويتها الحقيقية عشائرية , وطموحها المستقبلي تحالفات قبلية , ورؤيتها الوحيدة للدولة على أنها مجرد أعراف وتقاليد وقيم , بسيطة وساذجة وكافية لحياة بدائية , ولكنها كريمة بطريقة ما في مكان ما .
هذا يقودنا , إنسانيا أولا , وقبل كل شيء , إلى تعريف السلطة الفلسطينية على أنها "سلطة أسرية" , لا تقوم حتى على أساس الأسرة الواحدة , بل تستنسخ نظاما لا تمتلك ركيزته الرئيسية والوحيدة والبالية والمتداعية .
تماما كالأم الحاضنة , النظام الرسمي العربي , أو الشريك الاستراتيجي في خيار السلام الوحيد , إسرائيل .
والحقيقة التاريخية , الحقيقة العلمية والحتمية أيضا , تقول بأن الكيانات المتجاورة تستنسخ بعضها بعضا , عندما تعجز عن إلغاء بعضها البعض .
الغرائبي في الواقع السلطوي الفلسطيني , والجوار الإسرائيلي والرسمي العربي المتحد في الجوهر , هو تعريفهم لحركات المقاومة الإسلامية , في أنها (حركات رجعية سلفية) , لا تنتمي إلى الحاضر والمستقبل بل إلى التاريخ .
الصحيح في الواقع السلطوي الفلسطيني , والجوار الأمريكي إذا جاز لنا التعبير , وليس اقل من ذلك , هو أنهم أكثر سلفية من حركات المقاومة الإسلامية ورؤيتها للنظام السياسي وعلاقة المواطن بالسلطة .
السلطة الفلسطينية ترى في الشعب الفلسطيني مجرد أفراد , هم ليسوا أكثر من رعايا بمعنى الأتباع .
وترى في الدولة "قبلية" , وفي النظام السياسي "أسرة" , تقوم على قاعدة ليس الدم حتى , بل التبعية والارتهان .
ولذلك , هذه السلطة الفلسطينية , وحاضنتها الرسمية العربية , أو الإسرائيلية , أو الأمريكية , لا فرق , وليس هناك أي نوع أو شكل من أشكال الفرق , حتى التخيلي .
تريد أن تعود بـ "الشعب الفلسطيني" , ليلتحق ببقية "العشائر العربية" , إلى العصر الجاهلي , بل ربما إلى عصر الجاهلية الأولى .
هذه العودة إلى البدائية الإنسانية , هي التي تجعل السلطة الفلسطينية في "مواجهة حتمية" , مع حركات المقاومة الفلسطينية , وتحديدا الإسلامية منها .
وهي لذلك ليست "أداة احتلال" وفقط , تعمل وفق الآليات الإسرائيلية , ورؤية الجنرال الأمريكي دايتون للمنطقة كلها .
بل هي "أداة استعمار" , لن يقتصر دورها على التنازل عن الحقوق الوطنية الكبرى للشعب الفلسطيني .
بل يتعداه إلى التنازل عن المستقبل الفلسطيني كله , الوجود والهوية والتاريخ والجغرافيا .
يبقى السؤال الحاد والقاطع :
هل هناك فرق بين السلطة الفلسطينية وإسرائيل ..!!
ويبقى الجواب الأكثر إلحاحا :
السلطة الفلسطينية هي الأخطر على الشعب الفلسطيني .
26/6/2010