"صدام الولايات المتحدة مع العالم الإسلامي ساهم في تشكيل ملامح شخصيتها الوطنية "
كريستوفر هيتشنـز، جفرسون و القراصنة المسلمون.
.
.
تمهيد
بعض الأحداث التي تساعد على فهم الموضوع..
- 1147 م تحالف من الدول الصليبية منها إنجلترا، ألمانيا، نورماندي، اسكتلندا .. الخ يوجه حملة صليبية إلى لشبونة.يقتل الغزاة أغلبَ سكان المدينة المسلمين .
- 1302م الإسبان يحتلون بعض المواقع قبالة مدينة الجزائر
- 1309م سقوط جبل طارق و الجزيرة الخضراء .. القوة البحرية تضحي مفتاح الصراع،
- 1331 م الغرناطيون يستعملون المدفعية لصد الهجوم الصليبي ، يضمن التقدم التكنلوجي النصر هذه المرة لكن استعمال المدفعية
لم يحل دون سقوط الجزيرة الخضراء للمرة الأخيرة سنة 1343.
- 1415 م احتلال سبتة من قبل البرتغاليين
- 1462 م السقوط النهائي لجبل طارق
- 1492 م سقوط غرناطة
- 1496 م طرد جميع العرب من البرتغال
- 1502 م طردعدد هائل من العرب و اليهود من الأندلس
- 1509 م الإسبان يحتلون مدينة و هران
- 1516 م مدينة الجزائر تستعين بعروج وخير الدين لطرد الإسبان عن السواحل
- 1541 م م مدينة الجزائر تصد حملة إسبانية كبيرة
بقيادة الإمبراطور شارل الخامس
- 1568 م ثورة ابن أمية تنطلق من حي البائسين بغرناطة احتجاجا على التنصير ومنع التخاطب باللغة العربية
- 1609 م طرد من تبقى من الأندلسيين – حوالى نصف مليون-
- 1616 م طرد آخر الأندلسيين
- 1631 م البحارة الجزائريون يغيرون على بالتيمور Baltimore الإيرلندية و يحملون كل سكانها أسرى.
- 1798 م نابليون في طريق حملته إلى مصر يقضي على فرسان القديس يوحنا مزيحا خصما عنيدا طالما شاغل البحارة المغاربة.
...
1801 – 1805 م الولايات المتحدة تعلن الحرب على الدول المغاربية و توجه حملة إلى طرابلس.
1815 م الولايات المتحدة تخوض حربا ثانية على الدول المغاربية
و توجه حملة إلى مدينة الجزائر.
1816 م حملة إنجليزية هولندية مشتركة على مدينة الجزائر.
....
كان سقوط الأندلس والاضطهاد البشع لأهلها على يد إسبانيا الصليبية السبب الرئيسي وراء اندلاع الجهاد البحري، أو حروب القرصنة كما يسميها الغرب، في البحر الأبيض المتوسط. أفضت تلك الحروب التي بدأت بمجهودات فردية للبحارة في التصدي للإسبان إلى سيطرة المغاربة على البحر لثلاثة قرون متعاقبة استطاعت فيها مدن أو أيالات طرابلس و الجزائر و تونس التابعة إسميا للخلافة العثمانية فرضَ الأتاوات على كل السفن الغربية العابرة. سفن الدول التي ترفض دفع الجزية كانت عرضة للهجوم
و ركابها للسبي. مع مرور الوقت توصلت بريطانيا و فرنسا إلى اتفاق للدفع السنوي مكن السفن المبحرة تحت راياتها من العبور الآمن. استفادت الولايات المتحدة الأمريكية الناشئة من هذا الاتفاق حيث كانت سفنها تعبر تحت الراية البريطانية ثم الفرنسية فيما بعد لكن مشاكلها مع الدولتين أوجبت عليها مواجهة الأمر لوحدها
..و في سنة 1785 أسر الجزائريون سفينتين أمريكيتين، لم تجد الولايات المتحدة بدا من افتدائهما و طاقميهما بستين ألف دولار إضافة إلى مليون دولار كل سنة لقاء حق العبور. لم تحظ هذه الخطوة برضى توماس جفرسون السفير الأمريكي لدى باريس : كانت قوة الأساطيل المغاربية آيلة إلى الزوال ثم إن المبالغ التي تدفعها الحكومة الأمريكية لقاء العبور كانت طائلة فعلا، بلغت 20 % من مداخيلها السنوية عام 1800.
سعى توماس جفرسون و جون أدامز رئيسا الولايات المتحدة فيما بعد إلى التفاوض مع مبعوث طرابلس إلى لندن سيدي الحاج عبد الرحمن ، وفي حديث نقلاه إلى الكونغرس سألاه بأي حق تأخذون الجزية و تأسرون من أبى الدفع، أجاب السفير
إنه حق و واجب تمليه علينا شريعة القرآن، نقاتلكم كافة إلا من دفع الجزية نقتل من نقتل ونأسر من نأسر فمن قتل منا نال الشهادة والجنة.
أشار السفير إلى أن المشركين أيضا يقاتلون المسلمين كافة.. وربما غاب ذلك عن فهم محاورَيه.
التمس كثير من المتناولين الموضوعَ تبرئة الولايات المتحدة من تبعة الحروب الدينية فهي لم تشارك في الحروب الصليبية ولم تساهم في غزو الأندلس، كل ذلك سبق نشأتها لكن بعض الكتاب يرون أن أمريكا ما كانت لتخوض حربين ضد طرابلس و الجزائر، هي أول حروبها بعد حرب الاستقلال، لولا أن الأمر تعلق بالإسلام أساسا، كما أن الكاتب الإسرائيلي مايكل أورن Michael Oren في كتابه أمريكا في الشرق الأوسط من 1776 إلى اليوم يرى في ذلك بداية قوية للتورط الأمريكي في الصراع مع العرب و المسلمين.
كانت الحروب المغاربية ذات صدى واسع و تأثير كبير جدا. كما أنها كانت باهضة التكاليف بالنسبة للأوروبيين الذين
قدر عدد أسراهم بين 1530 و 1780 بمليون
و نصف ، و بينما تساءلت لندا كوليز Linda Colleys في كتابها 'رهائن' عن أحقية بريطانيا و الدول الغربية في التصدي لممارسة الاستعباد التي كانت تمارسها بدورها يشير كريستوفر هيتشينز Christopher Hitchens في بحثه 'جفرسون والقراصنة المسلمون' إلى الأثر العميق الذي تركته في نفسية توماس جفرسون ووجهات نظره التي صاغها في الدستور الأمريكي، ما يدعم ذلك- يقول نفس الكاتب- أن بعض النواب في نقاشهم للدستور صرحوا أن حكومة فدرالية قوية هي وحدها القادرة على التعامل مع الخطر الجزائري، دعم جيمس ماديسون ذلك بينما كتب جون جاي، وزير الخارجية آنذاك، .. إن أساطيل الجزائر و تونس
و طرابلس ستوحد الولايات الضعيفة وتدفعها إلى التلاحم الداخلي.
ذهب جون أدامز إلى أبعد من ذلك حين صرح ليس علينا أن نحاربهم إلا إذا قررنا أن نحاربهم إلى الأبد. قد يُفهم ذلك ميلا إلى اجتناب الحرب كما قد يفهم على الأرجح اعتبارا لانخراط أمريكا الدائم في الحرب على الإسلام.
.. يقول فرانك لامبرت Frank Lambert في كتابه حرب جفرسون أول حرب لأمريكا على الإرهاب .. إن الحروب على الدول المغاربية كانت امتدادا لحرب الاستقلال.
هذه إشارة واضحة إلى أثرها على الشخصية الأمريكية وما داخلها من معاداة الإسلام منذ نشأتها رغم أن الكاتب يضيف معتذرا فيما يقترب من وصف الحال اليوم .. ولو أن الدوافع الاقتصادية كانت العامل الأقوى.
طبعا يمكننا أن نقول على شاكلة الحجة الأمريكية في التبرأ من الحروب الصليبية إن الإرهاب لم يكن موجودا بعد لكننا نعلم كما يعلمون أنهم يقصدون بالإرهاب الإسلام ويعلمون كما نعلم أننا نفهم من الحروب الصليبية تلك المعادية للإسلام في أي عصر وقعت.
يتبع ...