أختي فاطمة الجزائرية،
سلامات وتحيات المودة والتقدير لك على عباراتك الرقيقة.
عبارات التقدير هذه وضعت على كتفي حمل القدرة على اثبات أنني استحق هذه العبارات.
من دواعي الاعتزاز بالانتماء إلى هذا المحفل الثقافي الفكري الذي نسميه "أقلام" أنه يتيح فرصة التخاطب والتحاور الفكريين، ومن هذا التحاور يستقيد جميع المشاركين. والتحاور يسهل الاتصال المعنوي مما يسهل قيام المجتمع القوي المتماسك.
فيما يتعلق بذكرياتي المستمدة من إقامتي بالجزائر فهي كثيرة، وهي لن تنسى. بالنسبة إلي، الجزائر هي الجامعة والطلاب والطالبات والعاصمة والشعب والبلد والدولة والزملاء الجزائريون الذين تنطق وجوههم وبسمتهم بالترحاب وإبداء الاستعداد للمساعدة.
لن أنسى السوق البلدية للخضار والفاوكه في وهران، وهي سوق طويلة، كانت تذكرني بأسواق الخضار البلدية في القدس ويافا وحيفا.
لا أزال أذكر سفري بالقطار من وهران إلى العصمة الجزائرية الجميلة المبنية على الهضاب المرتفعة في بعض ضواحيها للقاء المدير العام للتعليم بوزارة الثقافة. وأذكر أنه بلهجته الجميلة قال لي: إذا لم ترد أن تمارس التعليم في وهران فلك أن تختار جامعة أخرى في الجزائر. فشكرته وقلت له: "أنا أحب التعليم في وهران فكونها مطلة على البحر يقربني من الإطلال على الأندلس، حيث عاش مرة آباؤنا وأباؤكم".
وفي الطريق إلى العاصمة مر القطار، الذي استغرق تحركه حوالي 16 ساعة، بالبساتين وبيارات البرتقال والليمون والكلمنتينا وبساتين الموز التي تمتد أميالا.
ولا أنسى أن أحد الطلاب من قسم الاجتماع قال لي: "يا أستاذ هل تدري أن قبر عقبة بن نافع يقع على مسافة منا؟" هذا سؤال يحمل في أحشائه مضامين قومية ودينية قوية. أنه بهذا السؤال نقل إلي رسالة قوية جدا. قلت له وأنا أحاول بدون نجاح أن أخفي تأثري: "لا، لم أكن أعرف. أشكرك أنك أخبرتني".
ولا أنسى ذلك الجيل الطيب من الشباب الطلاب والطالبات الذين كانوا دائما حريصين على التكلم معي اللغة العربية، والذين كان يسهل علي التكلم معهم باللغة العربية الفصحى التي كانوا يتقنونها. وكانوا يعربون لي عن اعتزازهم بأنهم اختاروا المسار العربي ولم يختاروا المسار الفرنسي في لعة التعليم.
ولا أنسى اجتماعا عقده رئيس الجامعة مع الهيئة التدريسية التي كان لأفراد منها بعض الملاحظات المتعلقة بظروفهم، وقال لهم: "الجزائر بلد نام، ولولم نكن بلدا ناميا لما احتجناكم هنا".
هذا يا سيدتي غيض من فيض يتعلق بالجزائر التي أحبها حبا جما.
وفيما يتعلق بالقراءة، الأصح القول إنني أتفاعل وأتحاور مع المادة المكتوبة أو المسموعة. ولا أعنى بالمؤلف بمقدار اعتنائي بالمادة. أحب تناول كتب النقد العلمي والفكري والعقلي والكتب التي تتناول التغير الاجتماعي والفكري والعقلي. ومكتبتي تضم كتبا باللغتين العربية والإنكليزية، وأبدي اهتماما بكتابات بعض المفكرين الفرنسيين في مجال العلاقة بين اللغة والمجتمع، ومنهم بارث.
مع مودتي واحترامي.