10-05-2006, 02:05 PM
|
رقم المشاركة : 5
|
معلومات
العضو |
|
إحصائية
العضو |
|
|
3- لماذا تدخن ؟
لعل هذا السؤال هو أكثر ما يزعج المدخنين أمثالي كلما تبرع شخص من غير المدخنين بطرحه . و ليس عدم وجود إجابة محددة لهذا السؤال هو ما يجعله مزعجا ً , و لكنه الإنطباع الذي يولده السائل لدى المدخن (المسؤول) هو ما يزعج المدخن . فالسائل عندمايسأل مدخنا ً ما هذا السؤال فإنه لا يأمل في سماع إجابة مقنعة لسؤاله أو تفسير منطقي لتدخين المدخن , فلا يوجد منطق على وجه الأرض يمكن أن يدعم عادة كعادة التدخين , و هو (أي السائل) يعلم ذلك كما يعلم أيضا ً أن المدخن يعلم و لا يدفعه ذلك لترك عادته . فما معنى السؤال إذا ً ؟
هنا يشعر المدخن ان غاية السائل من سؤاله هي إحراج المدخن و تعريته أمام نفسه و إغرائه بالدخول في مناقشة خاسرة حتى قبل أن تبدأ , و هذا ما يسبب إزعاجا ً لدى المدخن الذي يجد نفسه مجبرا ً على المراوغة و أحيانا ً السفسطة بغرض الهروب من السؤال . و من أشهر أساليب التهرب من هذا السؤال هي الإجابات الساخرة و التي يرمي المدخن من ورائها إيصال يرقية قصيرة للسائل مفادها : "أنت لا تدخن , مبروك , أتركني لحال سبيلي" .
أول مرة تعرضت فيها لهذا السؤال كنت جالسا ً مع مجموعة من الأصدقاء في أحد المقاهي نتجاذب أطراف الحديث , و كان بيننا صديق تعرفت إليه في تلك الأمسية فقط . و بينما كنا نتحدث في أحد موضوعات الساعة , فجأة و بدون سابق إنذار إذا بالصديق الجديد يسألني (و هو يرمق سيجارتي المشتعلة بين أصابعي) :
" أنت شاب مثقف و ذو عقل ومنطق سليم , فلماذا تدخن ؟"
صمت الجميع و صوبوا أنظارهم باتجاهي و كأني سألقي بقصيدة شعر! تظاهرت بالهدوء و أخفيت شعوري بالامتعاض , و بدأت أبحث في ذهني عن رد (لا عن إجابة) تحفظ لي ماء وجهي و تقضي على النقاش - الذي كنت أراه يلوح في الأفق - في مهده , و بعد ثوان قليلة أجبت :
" لكي يظل الإنسان عاقلا ً و منطقيا ً فلا بد أن يكون في حياته شيء لا علاقة له بمنطق أو عقل , و إلا فكيف سيشعر بقيمة العقل و المنطق, أوَ ليسَ ( الضدُّ يُظهرُ حسنَهُ الضدُّ ) ؟"
علت وجهي ابتسامة راضية بعد هذا الرد, فلقد تفوقت على نفسي , و ساهم ردي السريع في وأد النقاش تماما ً كما توقعت , فلقد ضحك الجميع و اتهموني باللجوء للفلسفة الفارغة لتبرير عادتي الكريهة , و انا بدوري اتفقت معهم .
بعد أن عدت ا إلى لمنزل بقيت مستيقظا ً طوال الليل أفكر في ردود ذكية لذلك السؤال المزعج , حتى لا أؤخذ على حين غرة بعد الليلة. كانت ليلة طويلة قضيت فيها على علبة سجائر كاملة. هذه بعض الردود التي تفتق عنها ذهني :
أنا أدخن لأني :
• في مهمة جاسوسية .
• أحب سماع الآخرين و هم يسألونني : "لماذا تدخن" .
• مشترك في تجربة علمية ستحدث ثورة في عالم الطب .
• أحَصِّن جسدي ضد تلوث الهواء عن طريق تعويده على دخان السيجارة الذي هو أقل
خطرا ً .
• أُهْديتْ إلي "ولاعة" سجائر فاخرة و كان لا بد أن أستخدمها لأن الهدية لا تُرد و لا تُهدى .
• أحب أن أساهم في دفع عجلة الإقتصاد المحلي .
• لي قريب يعمل في مصنع السجائر , و تدخيني نوع من الإحسان لذوي القربى (ناهيك عن
المساكين الذين يعملون معه في نفس المصنع) .
• أكره الذباب و البعوض , و ثبت علميا ً أن دخان السجائر يساعد على إبعادها .
• بدأت أدخن قبل اكتشاف أضرار التدخين .
• إشتريت – مؤخرا ً – أسهما ً في شركة السجائر و أحاول زيادة أرباحي .
و أخيرا ً
• أنا لا أدخن , و لكني اتجمل . |
بعد أن انتهيت من تعبئة ترسانتي الفلسفية بتلك الردود , أشعلت السيجارة المتبقية في علبة السجائر و استلقيت على سريري , عيناي تحدقان بسقف الغرفة و كأنهما تفتشان فيه عن شيء ما, بينما دخان السيجارة يحول بينهما و بين السقف في إصرار عجيب . في تلك اللحظات , و بعيدا ً عن فلسفتي الفارغة و ردودي الساخرة تلك ,لاح سؤال واحد في ذهني و مهما حاولت أن أتجاهله أراه يتعرض لي في إصرار شحاذ ٍمر عليه اليوم بطوله دون أن يظفر بشيء و وجد فيّ أمله الأخير , سؤالٌ واحد ظل يطاردني حتى استسلمت أخيرا ً للنوم, لماذا أدخن ؟ |
يتبع ..
|
|
|