منتديات مجلة أقلام - عرض مشاركة واحدة - الاستشراق .. ادوارد سعيد .
عرض مشاركة واحدة
قديم 10-02-2009, 11:08 AM   رقم المشاركة : 19
معلومات العضو
زياد هواش
طاقم الإشراف
 
إحصائية العضو







زياد هواش غير متصل


افتراضي رد: الاستشراق .. ادوارد سعيد .

الفصل الثاني

البنى الاستشراقية وإعادة خلق البنى

"حين زوج نقيب الأشراف , السيد عمر , إحدى بناته ... منذ خمسة وأربعين عاما تقريبا , مشى أمام الموكب شاب كان قد أحدث ثقبا في بطنه , وسحب قسما كبيرا من أمعائه , وحمله أمامه على صينية فضية . وبعد انتهاء الحفل , أعاده إلى موضعه , وبقي في الفراش أياما قبل أن يشفى من آثار هذا العمل الأحمق المقرف " .

ادوارد وليم لين
"مسالك المصريين المعاصرين وعاداتهم"

1

حدود أعيد رسمها , قضايا أعيد تحديدها , والدين المعلمن

في النص "السعيدي" هنا , يتناول المؤلف فترة نهاية القرن الثامن عشر , يقول :

وينبغي أن نتذكر إلى أي مدى كان جزء رئيسي من المشروع الروحي والفكري للفترة الأخيرة من القرن الثامن عشر لاهوتيا معاد التركيب _"الخارق للطبيعة الطبيعي"_ , وهذا النمط من التفكير استمر في المواقف النمطية للقرن التاسع عشر ...
... , _ ابتعاث آسيا للنضارة والحيوية في أوروبا _ فكرة رومانسية عميقة التأثير , فقد حثَّ ............... والأوربيون بشكل عام , على دراسة الهند دراسة مفصلة لأن ثقافة الهند وديانتها كانتا قادرتين , في رأيهما , على هزيمة المادية والآلية (والروح الجمهورية) في الثقافة الغربية .
ومن هذه الهزيمة ستنهض أوروبا جديدة معافاة مجدّدة الحيوية : وفي هذه الوصفة العلاجية تبرز بوضوح الصورة الكتابية (نسبة إلى "الكتاب المقدس") للموت , والولادة الجديدة , والخلاص .
لكن ما كان ذا أهمية لم يكن آسيا نفسها بقدر ما كان جدوى آسيا بالنسبة لأوروبا .
.... المدافع عن , والمؤمن بأسطورة علمانية بعد عصر التنوير كانت خطوطها العامة , بصورة لا يخطئها الإدراك , خطوطا مسيحية .
لكن القرن الثامن عشر شهد تنامي عدد من العناصر الجديدة المتشابكة التي ألمحت إلى المرحلة الايفانجيلية المقبلة ...
فمن جهة , كان الشرق الآن يُوسَّع ويُمَدُّ إلى مدى بعيد خارج نطاق العالم الإسلامي .
وكان هذا التغيير الكمي , إلى درجة كبيرة , حصيلة الاستكشافات الأوربية المستمرة والمتزايدة للأجزاء الأخرى من العالم
.

ذلك أنه حتى حين تحركت أوروبا باتجاه الخارج , كان إحساسها بالقوة الثقافية يزداد تدعيما . ومن حكايات الرحالة , لا من مؤسسات عظيمة مثل شركات الهند المتعددة وحسب , خُلقت المستعمرات , وضُمنت منظورات عرقية التمركز .
ومن جهة أخرى , اكتسبت نظرة اكثر معرفة للأجنبي والغريب والمدهش الدعم والقوة لا من الرحالة والمستكشفين فقط , بل كذلك من المؤرخين الذين كان يمكن للتجربة الأوروبية , في عرفهم , أن تقارن مقارنة مفيدة بحضارات أخرى أقدم .
وقد عنى ذلك التيار القومي في علم الإنسان التاريخي (الانثروبولوجيا التاريخية) في القرن الثامن عشر , الذي وصفه الباحثون بأنه مجابهة للآلهة , أن "غيبون" كان سيقرأ موعظة سقوط روما في علو شأن الإسلام , تماما كما استطاع "فيكو" أن يفهم الحضارة الحديثة في إطار الجلال والرونق الشعري البربري لأصولها المبكرة .
وبينما اعتبر مؤرخو عصر النهضة الشرق , بتصلب حاد , عدوا , فان مؤرخي القرن الثامن عشر واجهوا شواذات الشرق بشيء من الانفصالية والتجرد وببعض من محاولة للتعامل المباشر مع المصادر الشرقية الأصلية , وربما تمَّ ذلك لان تقنية كهذه كانت تعين الأوروبي على أن يفهم نفسه بصورة أفضل .
وتوضِّح التغير الذي حصل ترجمة "جورج سيل" للقرآن وإنشاؤه التمهيدي المرافق لها . فبخلاف من سبقه , حاول "سيل" أن يتعامل مع التاريخ العربي ضمن معطيات المصادر العربية , بل انه , إضافة , ترك المعلّقين المسلمين على النص القرآني يتحدثون بأنفسهم وينطقون بوجهات نظرهم .
وفي عمل "سيل" , كما هي الحال عبر القرن الثامن عشر كله , كانت المقارنيّة البسيطة المرحلة المبكرة لفروع المعرفة المقارنة (فقه اللغة , التشريح , الفقه , الدين) التي كان لها أن تصبح مزهاة القرن التاسع عشر .

تشكل العناصر الأربعة التي وصفتها
_ التوسع , المجابهة التاريخية , التعاطف , التصنيف _
التيارات الفكرية في القرن الثامن عشر التي تعتمد عليها البنى الفكرية والمؤسساتية المحددة للاستشراق الحديث .
ولولا هذه التيارات , كما سنرى الآن , لما حدث الاستشراق .
وإضافة , فقد كان من أثر هذه التيارات أنها أطلقت سراح الشرق عامة , والإسلام خاصة , من عقال التقصي الديني الضيق إلي كان , حتى ذلك الوقت , قد استخدم في تحليله (والحكم عليه) من قبل الغرب المسيحي .
وبكلمات أخرى , فان الاستشراق يشتق من عناصر مُعلمَنه في الثقافة الأوروبية في القرن الثامن عشر .
أولا , كان كن أثر احدها , وهو توسع الشرق جغرافيا إلى آماد شرقية أبعد , وتوسعه زمانيا إلى آماد أكثر غورا , أنه أرخى , بل حلَّ , الإطار الكتابي إلى درجة كبيرة . ولم تعد النقاط المرجعية المسيحية واليهودية , بتقويميهما الزمنيين وخرائطهما المتواضعة نسبيا , بل أصبحت هذه النقاط الهند , والصين , واليابان , وسومر , والبوذية , والسانسكريتية , والزرادشتية , والمانوية .
ثانيا , إن القدرة على التعامل التاريخي (لا عن طريق التقليص , من حيث هو موضوع من موضوعات السياسة الكنسية) مع الثقافات غير الأوروبية وغير اليهو_مسيحية قد تدعمت وازدادت قوة إذ أصبح التاريخ نفسه يُتَصوَّر بطريقة أكثر جذرية من السابق , وأصبح فهم أوروبا فهما سليما يعني أيضا فهم العلاقة بين أوروبا وبين حدودها الزمانية والثقافية التي لم يكن ليمكن الوصول إليها قبل ذلك .
ثالثا , كان من أثر عملية توحيد هوّية انتقائية مع أقاليم وثقافات غير إقليم المرء وثقافته أنها ألانت عناد الذات والهوية , الذي كان قد حُوِّل إلى قطبين يشغلهما مجتمع من المؤمنين وأسراب من البرابرة في مواجهته , ولم تعد حدود أوروبا المسيحية تؤدي وظيفة مبنى للجمارك ...
رابعا , لقد ضوعفت تصنيفات البشر بصورة منتظمة من التشذيب والتنقية اللذين طرءا على إمكانيات التخصص والاشتقاق فتجاوزت بذلك ما كان "فيكو" قد اسماه المم المقدسة والمم الأخرى الدنسة , وطغى التمايز في العرق , واللون , والأصل , والمزاج , والشخصية , والأنماط على التمايز بين المسيحيين وكل من عداهم .
لكن , لئن كانت هذه العناصر المتداخلة المترابطة تمثل اتجاها معلمنا , أن ذلك لا يعني القول بأن الأنساق الدينية القديمة للتاريخ والمصير الإنساني والمناسق الوجودية أزيلت .
هيهات : بل إنها قد أعيد تركيبها , وأعيدت موضَعَتها , وأعيد توزيعها ضمن الأطر العلمانية التي عددت قبل قليل .
وكان كل من درس الشرق بحاجة إلى مفردات لغة علمانية تنسجم مع هذه الأطر . ومع ذلك , فلئن كان الاستشراق قد وفّر المفردات , والمخزون التصوّري , والتقنيات _ ذلك أن هذا هو ما فعله الاستشراق وما كانه الاستشراق , منذ نهاية القرن الثامن عشر_ لقد احتفظ بنزوع ديني مُستبنى , بخارق للطبيعة مُطَبْعَن , من حيث هما تيار صامد لم يتزحزح ضمن إنشائه .
وما سأحاول أن أظهره هو أن هذا النزوع في الاستشراق استقر في تصور المستشرق لنفسه , وللشرق , ولحقل تخصصه .
كان المستشرق الحديث , في نظر نفسه , بطلا ينقذ الشرق من مطاوي الإبهام , والاغتراب , والغرابة التي كان هو ذاته قد تميزها تميزا سليما .
وقد أعادت أبحاثه بناء لغات الشرق الضائعة , وعاداته , بل حتى عقلياته , كما أعاد شامبليون بناء الهيروغليفية المصرية من حجر رشيد .
لكن الشرق , وفروع دراسة المستشرق , تغيرت , أثناء هذه العملية , تغيرا جدليا , لأنها لم تكن لتقدر على البقاء في أشكالها الأصلية .

( توفي "غوستاف فلوبير" عام 1880 دون أن ينهي بوفار وبيكوشيه , روايته الملهاتية الموسوعية عن انحلال المعرفة وتفاهة الجهد الإنساني .
... ثم _ إذ يختتم "فلوبير" التخطيط التحضيري _ "ينهمكان" : يبدآن . وعلى هذا النحو , يُقَلَّص بوفار وبيكوشيه في النهاية , من محاولة أن يعيشا عبر المعرفة وأن يطبقاها بصورة مباشرة تقريبا , إلى نقلها نقلا لا نقديا من نص إلى نص آخر .)

ولقد كان "فلوبير" نافذ البصيرة بما يكفي ليرى أن المستشرق الحديث سيغدو ناسخا , مثل بوفار وبيكوشيه , بيد أن مثل هذا الخطر لم يكن ظاهرا في المرحلة المبكرة , في حياة سلفستر دو ساسي وإرنست رينان وعملهما

وإذا اتخذنا حملة نابليون (1798_1801) تجربة أولى مقوية للاستشراق الحديث , فإننا نستطيع أن نعتبر أبطالها المدشِّنين _في الدراسات الإسلامية , ساسي ورينان ولين_ بناة للحقل , خالقين للتراث , وأسلافا للأخوة الاستشراقية .
وما فعله ساسي ورينان ولين هو أنهم منحوا الاستشراق أسساً علمية وعقلانية .

فمع نهاية الحرب العالمية الأولى كانت أوروبا قد استعمرت 85% من سطح الأرض . وأن يقول المرء ببساطة أن الاستشراق كان جانبا من جوانب الامبريالية والاستعمار ليس قولا مثيرا لكثير من الجدل .
غير أن ذلك لا يكفي بل , بل أن ذلك ليحتاج إلى أن يُكتَنَه تحليليا وتاريخيا .

خريف 2008

..




_________________







 
رد مع اقتباس