منتديات مجلة أقلام - عرض مشاركة واحدة - المناضل / ضافي موسى الجمعاني
عرض مشاركة واحدة
قديم 21-03-2010, 03:15 PM   رقم المشاركة : 23
معلومات العضو
افتهان الزبيري
أقلامي
 
الصورة الرمزية افتهان الزبيري
 

 

 
إحصائية العضو







افتهان الزبيري غير متصل


افتراضي رد: المناضل / ضافي موسى الجمعاني

أقول إذا كانت الوحدة هي الهدف، لماذا لم يبادر الأمين العام لحزب البعث الاشتراكي الأستاذ ميشيل عفلق وهو الذي قال حين قام انقلاب 8آذار في سوريه انها شقيقة ثورة 8شباط في العراق وصنوها (وهي طبعاً لم تكن كذلك)، إلى الوحدة بين القطرين؟ ولماذا لم يقرن القول بالفعل؟ ولماذا لم تبادر قيادة الحزب القومية وهي تقود الحزب في العراق وسوريا إلى الوحدة بين القطرين، فوراً طالما إن مفاوضات الوحدة الثلاثية قد فشلت؟ وبدء محادثات جدية من أجل إيجاد واقع يجعل العلاقات بين القطرين نامية ومتطورة، وأن هذا الفعل ليس عملاً محورياً، وأن مصر بقيادة الرئيس جمال عبد الناصر ستبقى هي الهدف الذي تسعى للوصول إليه، من خلال
الصيغ الجادة ومن خلال بناء وحدوي موضوعي نستطيع مجتمعين بناء القدرة لهزيمة الوهن. لماذا لم يحدث ذلك خاصة وأنه لم يعد هناك عوائق؟ فقد ذهب النظام الملكي وغاب نوري السعيد ومعه (حلف بغداد)، واصبح كل من العراق وسورية نظامين جمهوريين متحررين من الأحلاف، والنفوذ الأجنبي المباشر، والأهم من كل ذلك أنه يحكمها حزب واحد له قيادة قومية واحدة، وهما قطران متجاوران ماؤهما واحد وأرضهما واحدة وشعبهما واحد، عرب وأكراد وأقليات، عشائرهما على الحدود مشتركة تسمى جبور، عقيدان، عنزة، وغيرهم الكثير، محاطين بالأعداء من الجهات الأربع، إمكاناتهم الاقتصادية متقاربة، لماذا لم تبادر قيادة الحزب القومية إلى هذا الفعل الصحيح؟ هل كانت تخاف غضب الرئيس عبد الناصر كما كان يقال ويشاع في حينه، لو كان الأمر كذلك لما جرت مذبحة الناصريين، وهل هو الخوف من القوى الدولية والإقليمية المنضوية تحت لوائها، هو الذي منع القيادة من أن تُقدم على هذا الفعل الصحيح؟ إذا كانت قيادة الحزب تخاف ذلك، فلماذا صاغت فكراً وخلقت أداة من أجل تحقيق هذا الهدف؟ وهي التي تعرف أن العالم كله ضد الوحدة العربية!!.

إن واقعاً متطوراً بين العراق وسورية يبقي الباب مفتوحاً، بصدق وطني أمام مصر، ويحافظ باستمرار على كرامة الرئيس عبد الناصر وشخصه والاتصال الدائم به، وإطلاعه باستمرار على الواقع بصدق وبنيّة حسنة، سيجعل الرئيس عبد الناصر يندفع إليه بقوه ، ومن المؤكد أن أي واقع سياسي في الأمة العربية يعطي الرئيس عبد الناصر إعتزازاً أكبر وقدرة أكثر يدفع الرئيس عبد الناصر لأن يكون جزءاً منه رغم أنف كل معاونيه المعادين لتطلعاته. ولكن كيف يمكن أن يحدث هذا واحد مؤسسي الحزب الأستاذ صلاح البيطار وزير خارجية سورية، أو رئيس وزارتها يقول في تصريح حينذاك بأن أي لقاء ثنائي بين العراق وسورية (هو عمل محوري)! انظروا إلى هذا القول السياسي الذي يتناقض تماماً مع كل (البعث)، والذي لا يعلم أحد من هم الذين يراد تطمينهم؟ هل هم الكويتيون أم "الإسرائيليون" أم كل المعادين للوحدة العربية؟ لماذا لم تكن وحدة مصر وسورية عملاً محورياً في حينه؟ هل لأن أمريكا كانت تؤيد هذه الوحدة (مرحلياً) لأسباب ظاهرها معروف؟ أما باطنها فخاضع للتحليل!! أما لقاء العراق وسورية فإنه لن يرضى عنه أحد، لأنه يخلق واقعاً يشكل سداً منيعاً أمام طموح الطامعين في نهبنا وسلبنا وإحتلال أرضنا.
إذاً،على ضوء مقولة الأستاذ البيطار هذه، يكون خلق البعث فكراً وأداة، هو من أجل خلق مركز قيادي للأساتذة ومريديهم يمارسون من خلاله السياسة في الواقع العربي والدولي حسب رؤاهم وأهوائهم ومصالحهم.

البعث وسورية بعد سقوط حكم حزب البعث في العراق :
بعد حوالي شهرين من موت مباحثات الوحدة، وبعد محاولة الانقلاب الفاشلة في سوريه التي قادها (العقيد جاسم علوان)، قاد المشير عبد السلام عارف الذي عينته ثورة شباط رئيساً للجمهورية انقلاباً على حكم الحزب في العراق، وبهذا أصبحت ظروف الحزب والحكم في سورية في غاية الصعوبة بعد أن انفرد بالسلطة هناك، وفي الواقع لم يكن الحزب موجوداً حين قيام انقلاب 8 آذار في سوريه، فالحزب قد أصبح شظايا بعد أن حل نفسه في القطر السوري لحساب الصيغة الوحدوية بين مصر وسوريه، وكان لا بد من إيجاد شكل لأداة تحمل هذه اللافتة المرفوعة في واقع سياسي شديد التعقيد والاضطراب، إن الذين سعوا إلى انفراد الحزب بالسلطة وخلقوا عداوات في ساحة سوريا لم يسبق لها أن كانت بهذا العمق منذ الاستقلال، ودون أن يكون هذا الخوف موجوداً (إنما خلقوا واقعاً) أن كان بقصد أو بدونه، يضع البعثيين في واقع الخوف من المستقبل ليتم بعد ذلك خلق الحزب بالأسلوب الذي يخدم وصول الأمور إلى غاياتها، ولهذا فتحت أبواب الحزب على مصراعيها ليدخلوا زرافات ولكن من الأقليات والطوائف. والطائفية كالعشائرية في ذروة تماسكها، والفرق أن العشائرية، تكوْن تاريخي في عملية التطور الإنساني بينما الطائفية نتاج واقع اجتماعي وسياسي، سمته البارزة الاضطهاد والقهر والفقر. ومن هنا فهي أشد تماسكاً وأساس قيادة، وبهذا الأسلوب الذي تم يكون الحزب قد ركب تركيباً طائفياً تتمتع به طائفة العلويين بالباع الأطول والنفوذ الأقوى المستند إلى النفوذ في اللجنة العسكرية.

( وهل أنا إلا من غزية إن غوت
غويت وإن ترشد غزية ارشد )

ولما كان الجيش في سوريه يضم النسبة الأكبر من العلويين منذ زمن الانتداب الفرنسي، لأنه كان أهم مصادر رزقهم الشحيحة، ولما لم يبق في صفوفه من الضباط وضباط الصف سوى البعثيين ومن والاهم بعد أن صفي من العناصر الناصرية والانفصالية، والأكثرية السكانية الساحقة من هؤلاء هم من الأكثرية السُّنية.


تتماسك الأداة إن كانت حزباً أو غيره من الأشكال التنظيمية، أو طائفة ما عندما يكون لها أعداء خارج تكوينها وعندما يزول هذا العامل ولم يعد ملموساً، تبدأ التعارضات في داخل هذا التكوين غير المتجانس بالبروز على السطح، ويكون بروزها أسرع حينما يكون هناك من يحركها في داخلها. وفي حزب كان غير موجود قبل 8 آذار وتناثرت زعامته، وأتّخذ كل من قادته البارزين مواقف فكرية وسياسية صارخة التعارض، يكون من المستحيل اعتباره أداة قادرة وصالحة لتحقق حكماً مستقراً صالحاً وعادلاً في القطر السوري. دعك من الأهداف القومية التي من أجلها خلق هذا الحزب. هل كان القيّمون على هذا الحزب يتوقعون من هذا التكوين أن يحقق فكر البعث ونهجه السياسي؟على الأقل في المجتمع الذي يقوده، إن كانوا يظنون ذلك، فذلك أمر خطير ينطبق عليهم (الحديث) ولكل مجتهد نصيب. أما إذا كان المنشود هو هدف لا يمكن لغير هذه الأداة تحقيقه، فهذا صحيح، من المعروف بداهة، أنه في الأحزاب التي تتكون من خلال الدعوة إلى إعتناق فكر مطروح لتحقيق أهداف مشروعة لأية أمة من الأمم (مثل الأمة العربية) تتعلق بصيرورتها، ومبنية على حقائق تاريخية تراثية وحضارية، يلمسها الإنسان العادي ويؤمن بها لأنها تحقق له الواقع الذي يطمح إليه، أمناً معاشياً واجتماعياً، فإنك لا يمكن أن تخلق حزباً بالطريقة التي خلق بها حزب البعث العربي الاشتراكي في سوريه آنذاك.
إنك لا تستطيع بناء حزبٍ حقيقيٍ، إلا عبر مسار طويل، يتناسب والأهداف التي ينشد تحقيقها، والواقع الذي يتفاعل فيه، وحزب مثل حزب البعث العربي الاشتراكي، أهدافه في الأفق وطريقهُ شديد الوعورة، يحتاج إلى زمن وأساليب عمل، قادرة على اختراق هذا الواقع الصعب،الذي تكثر فيه مسالك التيه، يتدرّب فيه مناضلوه ويختبرون… يسقط من يسقط، ويستمر في التقدم الصابرون المؤمنون، وتتوحد خلال هذا المسار الصعب والشاق الفهم وأساليب العمل والرؤى المستقبلية وحتى السلوك الإنساني، تتكون حينه عبر هذه المعاناة أداة متجانسة. وكيف يمكن لحزب كان واقعه كما ذكرت أن يصبح أداة لتحقيق أهداف البعث في القطر السوري من خلال دفع أعداد كبيرة إلى جوفه بأناس مختلفي المشارب والاعتقادات والمطامح والمطامع والسلوك والمواقع الاجتماعية؟ وحتى الأهداف، فكل أمراض المجتمع المتخلّف، والواقع الذي يعيشه منتسبوا هذه الأداة، من طائفية وتطلع غير مشروع، وجوع إلى ملذات الحياة، وعداء تقليدي موروث تعيشه هذه الأقليات في واقع قهر وعوز لم تتساو فيه الحقوق والواجبات لقرون عديدة، وطبعاً فإن أداة مثل هذه لن تحقق إلا ما حققته. والخوف من الأخطر لا يزال قائماً طوال هذه الفترة أي منذ 8 آذار عام 1963 وحتى إنعقاد المؤتمر القطري الأول، والسلطة بيد أعضاء اللجنة العسكرية التي كان يرأسها الفريق أمين الحافظ، من موقعه كرئيس للدولة وقائداً عاماً للجيش. إلا أن التحكم في مسارها كان بيد الأعضاء الخمسة المؤسسين وهم محمد عمران – صلاح جديد – حافظ الأسد – أحمد الأمير – وعبد الكريم الجندي -. وكان يضاف إليها ويخرج منها الكثير من الأسماء العسكرية بينهم سليم حاطوم محمد رباح الطويل مصطفى الحاج علي أحمد سويداني حمد عبيد وغيرهم. يضافون إليها حسب مواقعهم العسكرية. ويخرجون منها، إما لفقدانهم هذه المواقع وإما لحساب مراكز القوى في اللجنة. وكان أقدر وأكفأ أعضاء اللجنة على الاحتفاظ بالموقع الأكثر تأثيراً هو اللواء صلاح جديد في تلك المرحلة. وكان لا بد أن يتم تكوين الحزب. ولو بالطريقة التي ذكرت، وإعطاء هذا الحزب دوره حسب نظامه، خاصة والنظام يستظل بلافتته البعث ساريتها وعنوانها ولو مظهرياً.
وهكذا انعقد المؤتمر القطري الأول في القطر السوري الذي انتخب بدوره قيادة قطرية. انتخبت أميناً لها الأستاذ (حمود الشوفي) وأنا لم التق الأستاذ الشوفي، ولكن الرفاق الذين يعرفونه وتعايشوا معه في سجن المزة قالوا عنه أنه شاب ذكي وذو معرفة ومقدرة، ولم يكن في هذه القيادة أي من أعضاء الجنة العسكرية، ولا من الحزبيين الكبار أعضاء القيادة القومية. والواضح أن هذه القيادة قد مثّلت المؤتمر، ولم تمثل اللجنة العسكرية أو القيادة القومية للحزب في حينه. ولذلك بقيت أسيرة مكاتبها لا حول لها ولا قوة، لأن الحكم والسلطة بيد اللجنة العسكرية المغطاة من قبل القيادة القومية. وبقيت قيادة الحزب في القطر السوري على هذا الواقع إلى أن إتفق الأستاذ ميشيل عفلق، الأمين العام للحزب مع اللجنة العسكرية على إسقاط هذه القيادة. حينها دعت القيادة القومية للحزب، المؤتمر القطري في سورية إلى الانعقاد في دورة استثنائية، وتلت على هذا المؤتمر قرارها بحل القيادة القطرية، وطلبت منه إنتخاب قيادة قطرية جديدة، وهذا حق مشروع للقيادة القومية، حسب النظام الداخلي للحزب. وتم في حينها إنتخاب قيادة قطرية جديدة تمثل نسبياً واقع الحزب والسلطة. ومن أبرز العسكريين الذين تمثلوا بها الفريق أمين الحافظ - اللواء صلاح جديد ومن المدنيين - الدكتور نور الدين الأتاسي والدكتور يوسف زعين والدكتور إبراهيم ماخوس. هذا التحالف مع العسكريين دفع الأستاذ الأمين العام ثمناً غالياً له، من قيمته الاعتبارية :-

1- لقد ثبت بالملموس أنه يناور ويتكتل ومع من؟ مع العسكريين!
2- أنه غير ديمقراطي حتى في المؤسسة التي يقودها.
3- سقط جزء هام من إعتباره الذاتي أمام الحزبيين المدنيين، والأهم من ذلك العسكريين.
4- وهو الأهم، دفع الأمور خطوتين إلى الإمام باتجاه ما حصل في 23 شباط.
المؤتمر القومي الثامن للحزب :
بعد كل مؤتمر قطري عادي في القطر الذي يحكمه الحزب، يجري على أثره عادة (مؤتمر قومي) يمثل كافة الأقطار العربية التي يتواجد بها الحزب. وطبيعي أن يكون أكثرية أعضاء المؤتمر من القطر الذي يحكمه الحزب. انعقد المؤتمر في جو مشحون بالخلافات الفكرية. فقد كان الحزب في سورية يتجه إلى اليسار. ويقترب من الماركسية. (وتبين فيما بعد أن هذا التوجه كان تكتيكاً من بعض قادة التكتلات لأنه سرعان ما انقلب الحزب إلى اليمين بعد الحركة التصحيحية). وفي هذا المؤتمر جرت اتهامات بين المتصارعين من كل نوع. وأبرز نتائج المؤتمر هي انتخاب قيادة قومية جديدة للحزب. أبعدت عن أمانتها. الأستاذ ميشيل عفلق. لأول مرة في تاريخ وجود الحزب. وكان البديل له الدكتور منيف الرزاز. وبذلك أصبح الدكتور الرزاز أميناً عاماً لقيادة الحزب القومية. لكن القيادة القومية وباقتراح من الدكتور الرزاز قررت التعويض على الأستاذ ميشيل بأن منحته لقب (القائد المؤسس). واضح من هذا السرد العجول. أنني لا استهدف التاريخ بهذه المرحلة وإنما أقصد الوصول إلى المحطات البارزة، في أسباب الفشل تحت قيادة الأستاذ ميشيل عفلق ورفاقه أعضاء قيادة الحزب التاريخيين. فبعد المؤتمر القطري الأول في سوريه، والمؤتمر القومي الثامن بأقل من عام، جرت حركة الثالث والعشرين من شباط. لماذا؟ إن الأسباب الظاهرية التي يقول بها المختلفون، عديدة ومتنوعة، منها اليمين واليسار، ومنها الطائفية، ومنها الذاتية وحتى المسلكية لكن واقع الأمور هو غير ذلك. إن جميع هذه الأسباب التي هي أكثر تنوعاً مما ذكرت، كانت أسباباً مظهرية للصراع. أما السبب الحقيقي فهو مستقبل سورية السياسي ودورها الإقليمي والقومي، ضمن الرؤيا الدولية لمستقبل الواقع في الإقليم، والذي كان مستوراً لا يعرفه إلا الساعون إليه.
والواقعة الهامة التي قادت إلى بروز الانشقاق على السطح ومن بعد الاقتتال، هو قيام القيادة القومية للحزب، وبتأثير مباشر من الأستاذ ميشيل عفلق (الذي انتقل إلى لبنان بعد فقدانه أمانة الحزب) بحل قيادة الحزب في القطر السوري. ولكن هذا الحل لم يكن أمام مؤتمرها القطري، ليتسنى للمؤتمرين انتخاب قيادة بديلة حسب ما ينص عليه نظام الحزب. ولما طلبت القيادة القطرية للحزب في سورية من القيادة القومية دعوة المؤتمر القطري للانعقاد لانتخاب قيادة بديلة حتى يكون الحل مشروعاً، رفضت القيادة القومية هذا الطلب، الأمر الذي يعني أن الحل تناول القيادة ومؤتمرها القطري، والذي يعني أن القيادة القومية للحزب قد قامت بانقلاب على نظام الحزب. وأنها تنوي بناء حزب جديد في سوريه يتوافق مع مقاييسها الفكرية والسياسية تماماً كما يفعل عادة الانقلابيون العسكريون في دول العالم الثالث. وقد تولت القيادة القومية المسؤولية المباشرة للحزب والسلطة في القطر السوري، وكلفت الأستاذ صلاح الدين البيطار أن يرأس حكومة (القفزة النوعية)، وهو الوصف الذي أطلقه الدكتور منيف الرزاز على هذا الانقلاب. والأستاذ البيطار (وهو أحد اثنين كونا حزب البعث هو والأستاذ ميشيل عفلق) الذي كلف برئاسة حكومة (القفزة النوعية) هذه، لا يتمتع بأي تأييد في صفوف الحزب، فهو لم ينجح في الانتخابات التي جرت للمؤتمر القطري الأول، فقد فشل في الوصول إلى مؤتمر الشعبة لأسباب عديدة، فالأستاذ البيطار سلك طريقاً كثير التعرّج في تاريخه السياسي، لماذا هذه القفزة النوعية؟ والجواب هو كيف يمكن أن تسير الأمور إلى أهدافها، إذا لم تحدث قفزات نوعية، في هذا المستوى؟ فالانفصال قفزة نوعية و8 آذار قفزة نوعية و23 شباط قفزة نوعية وأخيراً "الحركة التصحيحية" القفزة الأخيرة من هذا النوع من القفزات.
التزمت قيادة قطر سورية قولاً ومظهراً. ولكنها اعتبرت نفسها هي القيادة الشرعية للحزب في القطر السوري، وأن حلها غير شرعي، وبدأت تعد نفسها للمواجهة حتمية. فخارج الأهداف الاستراتيجية المتحالفة بين من يقود في كلا الطرفين، والمتوافقة كذلك بين أطراف أساسيين في الموقعين. (وحتى أكون أوضح)، فالصراع كان بين أمين الحافظ وصلاح جديد كل من موقعه ومن يسانده، على استراتيجيتين مختلفتين. وكانت مهمة العديد من الشخصيات الحزبية في قمة القيادة في كلا الموقعين، هو إيصال الصراع إلى نقطة الأنفجار، وكان الحزب وأجهزة الأمن، ووحدات عسكرية أساسية في يد القيادة القطرية (أي بيد الأمين القطري المساعد اللواء صلاح جديد). ففي الجيش كان اللواء صلاح جديد، الذي أعيد إلى الجيش بعد انقلاب 8 آذار برتبة مقدم، يتسلّم موقع مدير شؤون الضباط في رئاسة الأركان. وهذا الموقع في تلك المرحلة، كان له الباع الأطول في تقرير مصير الضباط ( تسريحهم، ترفيعهم، تنقلاتهم، مواقعهم الخ). واللواء صلاح جديد ذو قدرة هائلة على معرفة نوعية الرجال، نقاط ضعفهم، نقاط قوتهم طموحاتهم وانتماءاتهم السياسية. وكانت هناك وحدات جاهزة للعمل بيد القيادة القطرية. أما الوحدات الموالية للفريق أمين الحافظ، والقيادة القومية، وهي أكثر وحدات الجيش، فقد تم تحييدها.
وكانت مشكلة الفريق أمين الحافظ، أن المبادرة والقرار لم تكن بيده ، وإنما بيد القيادة القومية، وخاصة أمينها العام الدكتور منيف الرزاز. ومن هنا كان من السهل على الصف المنظم (أي القيادة القطرية) بقيادة اللواء صلاح جديد. الذي فوضته القيادة، وأعطته حرية العمل على المبادرة. ومن هنا لم يكن هناك من يقاتل مع الفريق الحافظ صباح الثالث والعشرين من شباط. سوى شجاعته وأربعين عنصراً من عناصر الحراسة. أمام هجوم كتيبة مغاوير يقودها سليم حاطوم، وسرية دبابات يقودها عزت جديد (وهو ليس قريباً بالدم من صلاح جديد) ورفعت الأسد. ولم يستسلم الفريق الحافظ، إلا بعد أن أصيب أكبر أبنائه، وفرضت عليه زوجته وأطفاله ذلك. بعد أن داهمهم الخطر. أما اللواء محمد عمران والذي استدعته (القفزة النوعية) من إسبانيا ليكون سنداً لها ضد صلاح جديد كونه من الطائفة العلوية وله أنصار في الجيش، فقد اعتقل من مقره في وزارة الدفاع دون أدنى مقاومة. أما الأمين العام للحزب الدكتور منيف الرزاز والقائد المؤسس الأستاذ ميشيل عفلق فقد اختفيا إلى أن تمكنا من الخروج من سورية. وهنا يرد إلى الذهن سؤال مشروع هو: أن قادة في هذا المستوى من المسؤولية يأخذون الاحتياطات المسبقة للتخفي والهرب، ولديهم شك في نجاح انقلابهما غير المشروع. إذاً لماذا قاموا به؟

حركة الثالث والعشرين من شباط :
لقد كنت مع حركة الثالث والعشرين من شباط فور حصولها، قبل أن أستمع إلى أي رأي آخر، إن كان في داخل الحزب أو من خارجه. والقارئ يستطيع أن يعرف لماذا؟ ولكن هل كنت سأعمل في صفوفها؟ أقول بصدق. لا على الأقل لفترة من الزمن. لقد أتعبني السجن، وشعرت في هذه الفترة، أن أطفالي وزوجتي بحاجة إلى أكثر من أي وقت مضى. فقد كان لدي في حينه ولدان وإبنتان عزيزتان أكبرهم سناً كان عمره ثلاثة عشر عاماً. وتوفيت لي طفلة في السنة الأولى من عمرها، وُلدت بعد خروجي من الجفر عام 1962. وقد أحزنني موتها، واعتبرت نفسي مسؤولاً عنه (والمسؤول الحقيقي عن ذلك هو النظام الذي قام باعتقالي لمدة أربعة عشر شهراً دون مبرر ودون تهمة)، توفيت نهاية عام 1963، وأنا في سجن عمان المركزي وكنت أعرف أن موتها كان سببه الحبس، لأن والدتها لم تستطع الاعتناء بها كعادتها بالاعتناء بأطفالها، وكانت (ترضع غلاً) ، كما نقولمرة أخرى لماذا كنت مع حركة 23 شباط؟ لقد بيّنت في هذه الذكريات بعض الأسباب التي أوهنت ثقتي بقيادة الحزب التاريخية، ولا ضرر في تكرارها. وكوني لم أكن قادراً، لا من موقعي ولا واقعي الحزبي في حينه ومن مجمل الظروف في تلك المرحلة أن أمارس العمل ضدها بمشروعية، فمن الطبيعي أن التقي مع أي تيار من داخل الحزب يعمل ضدها ويسعى جدياً إلى تغييرها، وكان البعض من الرفاق الحزبيين الذين تناقشت وإياهم يسألونني باستهجان (ولو باستخدام السلاح) فأجبت نعم حتى باستخدام السلاح. طالما لم يعد هناك وسيلة أخرى، بعد أن أغلقت هذه القيادة كل الطرق إلى أي بديل سلمي؟ إن أهم المواقف التي وقفتها القيادة التاريخية. وجعلتني في موقف المعارض لوجودها كقيادة هي موقفها من أحداث الأردن عام 1957 الذي لا يمكن تبريره لا عقائدياً ولا سياسياً ولا أخلاقياً فعقائدياً على البعث دوماً أن يكون مع الحرية، أي مع الديمقراطية وضد الحكم المطلق ملكياً كان أم جمهورياً، وكذلك ضد النفوذ الأجنبي في أي مكان في الوطن العربي ومسلكياً سلمت قيادة الحزب التاريخية حزبها في الأردن مدنيين وعسكريين من خلال موفديْها (الأستاذ عبد الفتاح الزلط والمقدم مصطفى حمدون) إلى سلطة انقلابية قادت الأردن من نير الاستعمار القديم إلى نير الاستعمار الجديد ولكليهما معاً. وهذه لم تكن المرة الأولى التي تقف فيها هذه القيادة مواقف صارخة التناقض مع كل الحزب ونهجه السياسي، فهذه القيادة شجعت وأيدت بل وشاركت في سلطة انقلابين عسكريين ديكتاتوريين على الديمقراطية في سورية. وبالتأكيد أن هذه الديمقراطية مهما كانت هزيلة، فهي حتماً أكثر وطنية وأخلاقية وشرفاً من إنقلاب حسني الزعيم سيئ السمعة، وبعده انقلاب أديب الشيشكلي الذي قام بانقلابه ضد حزب الشعب وأكثريته في مجلس النواب، من أجل منع أي تقارب بين سورية والعراق. ومن الطبيعي أن يكون دورها في الأردن منسجماً مع توجهها اللاديمقراطي عبر تاريخها الطويل.
لقد ساهم الأستاذ أكرم الحوراني مساهمة جادة في شق طريق الانقلابات العسكرية في سورية، وكلنا يعرف الآن لماذا هذه الانقلابات العسكرية، التي أجبرته هو شخصياً، وكل قادة البعث على التشرد حتى الموت خارج وطنهم؟… هذه الحقائق التي سكنت نفسي منذ أن طَلبت هذه القيادة من الحزب أن يستسلم لسلطة انقلابية وقمعية في الأردن، في نيسان عام 1957، كانت تستيقظ كلما جرّت الحزب إلى مطبّ حديد. وأهم هذه المطبات هي :
1- الصيغة التي قبلت بها وحدة مصر وسورية، وأخطر ما في هذه الصيغة هو التسليم الكامل بصيغة الرئيس عبد الناصر، وهي أن لا أحزاب في جمهورية الوحدة (أي لا ديمقراطية ولا حرية) فإذا كان الحزب الذي (هو الفكر والأداة) التي وجدت من أجل تحقيق مضمون وأهداف هذا الفكر، فالمعادلة (الفكر والأداة)، وحدة لا تتجزأ أي أنه يستحيل تحقيق أهداف هذا الفكر بدون أداته، وحينما توافق قيادة هذا الحزب على حل الأداة في قطر من الأقطار لصالح صيغة وحدوية اعتبرتها محققة للأهداف التي من أجلها قام الحزب، ولم يعد هناك مبرراً لوجوده في هاتين الساحتين، فالأمر حينها خاصة بعد النتائج المفجعة، يعطي دلالات صحيحة على تكوين هذه القيادة وهؤلاء القادة، وأهم هذه الدلالات أن إيمانها واستيعابها والتزامها بهذا الفكر وصحته وبمهمات وقدرات أداته ضعيف. وهي لم تكن قادرة على التفريق بين ما هو ظاهر وبين ما هو غاطس، وواضح أن فعلها هذا كان هروباً إلى الأمام، أي أنه فعل سياسي مبني على الوهم.
2- الامتهان الكامل لكل من هو دونها في الحزب، فهذا الحزب حزب قومي في صفوفه مناضلون قوميون مؤمنون، لذا كان عليها في حينه وضع رؤاها أمام مؤتمر قومي يقرر في هذا الأمر.
3- إن القيادة القومية مسؤولة مسؤولية مباشرة ، عن النتائج التي صارت إليها ثورة رمضان في العراق، وهي التي تمتلك شرعية القرار في الحزب وهي التي لها الحق بتقرير ما هو خطأ وما هو صواب في التطبيق الفعلي لفكر الحزب في أي قطر يقود الحزب فيه السلطة.
4- إن القيادة القومية (وبالأخص أمينها العام الأستاذ ميشيل عفلق) مسؤول مسؤولية كاملة، عن إضفاء الشرعية (شرعية حزب البعث العربي الاشتراكي) على انقلاب 8 آذار وما ترتب على هذا الانقلاب من نتائج خطيرة على سوريه وعلى الأمة العربية.
في صفوف حركة الثالث والعشرين من شباط :
بعد قيام الحركة مباشرة، أرسل القائمون عليها موفدين حزبين إلى كل الأقطار العربية التي يتواجد فيها الحزب، وذلك من أجل توضيح الأسباب والمبررات التي قادت إلى هذا الفعل ضد القيادة الشرعية للحزب، والأهم أنها محاولة كسب مؤيدين للحركة إن كانوا كتنظيمات، أو على الأقل أفراداً في هذه التنظيمات، وقد وصل إلى الأردن موفدين من أجل هذه الغاية، ومن بين الحزبين الذين اتصل بهم هؤلاء الموفدين الرفيق حاكم الفايز… على ماذا اعتمدت قيادة الحركة في هذا الاختيار؟ لا أعرف. وكان الرفيق حاكم عضواً قديماً في الحزب، ولكنه انشق عن الحزب مع الأستاذ عبد الله الريماوي، وبقي كذلك حتى فشل محاولة الانقلاب التي قام بها العقيد جاسم علوان. إلا أنه عاد بعد ذلك إلى الحزب في الأردن. أعيد الرفيق حاكم الفايز بتزكيه مني الى الدكتور منيف الرزاز. وسبب الصلة الدائمة بيني وبين الرفيق حاكم هو أنه متزوج من ابنة عمي شقيقة زوجتي (أم موسى)، وقد اهتم بأطفالي أثناء وجودي في السجن وقد أشار حاكم على أحد هؤلاء الموفدين بالاتصال بي، وزارني هذا الموفد في منزلي في مأدبا وتحدث معي في الأمر فأبلغته الموقف النابع من قناعتي بوضوح، قلت له:- أنني مع 23 شباط منذ وقوعها وأنا مع الخلاص من القيادة التاريخية، ولكنني في هذه المرحلة غير قادر على الالتزام الحزبي ولا النشاط السياسي، ولا أنوي أن أقوم بذلك في هذه المرحلة.
وكان هؤلاء الموفدون ينشطون ويعودون إلى بيت الرفيق حاكم، ويظهر أن الرفيق (أبو فهد) أبلغهم أن موضوع الالتزام في موقف الرفيق ضافي، يمكن تغييره وقد عاد حاكم يلح علي في موضوع الالتزام، ولكنني وقلت له: عليك أن لا تدفعني إلى الاستعجال في هذا الأمر، فأنا غير قادر على النضال في هذه المرحلة فأنا غبت عن أطفالي طويلاً وهم بحاجة الى وجودي في هذا السن، وأنا حينما التزم، أعطي هذا الالتزام كل جهدي، وهذا الأمر لا أستطيعه الآن.
لكن بعد أقل من أسبوع من هذا القول واجهني (أبو فهد) بالأمر الواقع قائلاً أن لجنة تنظيمية للقطر، قد تشكلت من ثلاثة أشخاص هم الرفيق مجلي نصراوين الذي ولي مسؤولية أمانة اللجنة وأنت مساعداً له وأنا، وقال لي أنه في اليوم (الفلاني) سيعقد أول اجتماع في منزلي (في أم العمد).
وهكذا جُوبهت بالأمر الواقع الذي لا بد من قبوله، فرفضي يعني أنني لا أنوي النضال أبداً وهذا لم يكن في نيتي، وفي اليوم المحدد للاجتماع ذهبت إلى بيت الرفيق حاكم في أم العمد،وهناك التقيت بالرفيق (مجلي نصراوين) لأول مرة الذي لم أكن أعرفه حتى حينه، وهناك واقعه ذات دلالة في سجن المزة في دمشق في حالة صفاء واستعادة ذكريات، قال الرفيق مجلي قولاً أثار ظنوناً كامنة قال: في الزمان الماضي بعد خروجكم من السجن (سجن الجفر) كلفتني القيادة القطرية في الأردن أن أكون عضو اتصال بك، لم أعقب على هذا الأمر واكتفيت بمعرفة هذه الحقيقة الهامة، لم أسأله إذاً لماذا لم يجر هذا الاتصال وكان يمكن أن يتم. ولو قام بهذه المهمة لما وصلت الأمور بيني وبين قيادة الحزب في الأردن إلى كل هذا التعقيد. وأتساءل هل جرى هذا الأمر لأن الرفيق مجلي أهمل في واجباته الحزبية؟ فأقول لا. حصل الرفيق مجلي على شهادة الحقوق من جامعة دمشق، وكان أثناء الدراسة يعمل معلماً في الساحل السوري، وبعد أن أنهى دراسته عين قاضياً للصلح في دير أبي سعيد والرفيق مجلي من البعثيين القلائل جداً الذين لم يدخلوا سجون المملكة الأردنية الهاشمية.
ففي الاجتماع الأول (للجنة تنظيم القطر) ترأس إجتماع ثلاثتنا الرفيق مجلي، الذي جدد مواقعنا نحن الثلاثة في هذه اللجنة، وهكذا يكون حزب 23 شباط في بدايته يتكون من: الرفيق مجلي والرفيق ضافي كقيادة ومن الرفيق حاكم كقاعدة جماهيرية،؟ وبعد أن تحدد لقاؤنا الثاني انتهى اجتماعنا هذا، وفي الموعد المحدد للاجتماع الثاني التقينا أيضاً في دار الرفيق حاكم في أم العمد، وحينما دخلت إلى غرفة الضيوف التي نلتقي بها وجدت الرفيق مجلي والرفيق حاكم، ومعهم ثالث فسلمت عليهم وجلست، وبعد أن قلت عرفوني على الرفيق الضيف، فأجابني الرفيق مجلي، أن هذا الرفيق هو (العقيد طيارة) الملحق العسكري في السفارة السورية في عمان، فسألت حينها ولماذا سيادة العقيد هنا؟ فقال الرفيق مجلي أنه جاء ليحضر اجتماعنا فقلت لا… إن الحزب ليس له علاقة بالملحقية العسكرية ولا بالسفارة السورية. حينها أستأذن سيادة العقيد وخرج. والعقيد طيارة الذي أصبح فيما بعد عميداً، كان رئيس الوفد السوري الذي التقى وفداً "إسرائيلياً" للتفاوض بعد حرب تشرين (التحريكية).
في هذا الاجتماع جرى حديث عام قصير عن مستقبل العمل، وكيف ندعو للاجتماعات وكان هذا اللقاء لثلاثتنا كلجنة (لتنظيم القطر هو آخر لقاء لنا)، حيث أن رفيقي غادرا الأردن إلى دمشق لحضور (المؤتمر القومي التاسع) الذي سينعقد لانتخاب قيادة قومية (لحزب 23 شباط) وبالتالي يعطي (حركة 23 شباط) الشرعية الحزبية التي لا بد منها -إذاً أريد للافتة البعث أن تبقى مرفوعة - في دمشق.







 
رد مع اقتباس