منتديات مجلة أقلام - عرض مشاركة واحدة - سنابل من حقول الذاكرة"ثنائيات في الأدب"
عرض مشاركة واحدة
قديم 12-02-2012, 02:16 PM   رقم المشاركة : 2
معلومات العضو
إبراهيم محمد شلبي
أقلامي
 
الصورة الرمزية إبراهيم محمد شلبي
 

 

 
إحصائية العضو







إبراهيم محمد شلبي غير متصل


إرسال رسالة عبر MSN إلى إبراهيم محمد شلبي إرسال رسالة عبر Yahoo إلى إبراهيم محمد شلبي

افتراضي رد: سنابل من حقول الذاكرة"ثنائيات في الأدب"


"أنا العاشق السيئ الحظ"، فَمِنْ سوء الحظ أن تُفتَنَ بمرج ابن عامر!


على سفح من سفوح الصنوبر والسرو كانت ولادتي، حيث الخروب والسنديان يطلاّن بخجل شديد من بين الأشجار الأخرى. في الشرق وادٍ يشهد كرنفالا من الألوان، وفي الغرب سريسٌ يربّي في أحضانه الهليون، وفي الشمال انحدارات تتموّج ما بين أحراش كثّة وصخور جرداء، ومن الجنوب نصف هلال يطوّق خاصرة قريتي سهولا وهضابا وكروما تمتدُّ من الشرق إلى بيسان، ومن الغرب حتّى الكرمل، وبلاد الله نمشٌ في وجه ابن عامر.. وهناكَ وُلدتُ! فما أسوأ حظّ مَن يفتنُ بابن عامر!

هذا التاريخ الموبوء بحُبّ القمح، كيف ينشر الآن سمومَه في أوردتي؟ وأنا المثقوب الذاكرة أبحث في تمزّق ذاكرتي عمّا يرقع ثقوبها، أرتدّ فيها إلى الملامح الفطريّة الأولى؛ أوّل الكلام، أوّل العشب، أوّل الماعز، فخاخ العصافير، وجه أبي، نزق جدّي لأبي، جدّة لا أذكر سوى يوم موتها، عقود البيت الأول، منامات أخوتي، صباحات أمي، عطر جدّي لأمي وهندامه، مطبخ جدتي الأخرى، كثير من الزيتون، وكثير من اللوز، وأكثر أكثر من الطفولة المثقلة بالقمح والماشية!

"إضْحِكِتْ عَليكْ والـ... بيديك، والحنا بيديّي، سلامة عينيّي"، يااااااااااااااااه، كم كنتُ مدلّلا حينَها؟ كيفَ لم أعِ ذلك؟ لماذا لا يملك الآباء لغة على حجم عقولنا؟ "إضحكت عليك..." ويقهقه أبي، يا إلهي، كم أفتقد تلك الضحكة ونزقي الطفوليّ الذي نما معي ليصبَحَ جنونا زاهيا. في تلك الناحية من التلة حيث يشكّ الديدان في كرازم فخاخه، وينصبها في أكوام تراب الخلد، وينتظر مع الأغنام والماعز. لا أعلم! أكنتُ ألتصق به ليأخذني معه وهو الذي يجد في ذلك راحة من عناء العمل المضني طوال الأسبوع؟ هل كنتُ أعكّر خلوته مع أغنامه التي يحبّها بجنون إلى يومه هذا؟ أم كان يتعمّد أخذي معه ليجبلَني على حُبّ ابن عامر كساحرٍ تطاردُه لعنه؟ كلّ ما أذكره ربيع يموج بخضرته وأغنام وعصافير مقلية! يا إلهي!!! أكنّا نأكلُها حقا؟!


من أين أبدأ حكايتي؟ وَمِنَ الغريبِ أن تكون النهايات أسهل، وأقرب، ولربما أعجب، فلربما أستطيعُ الآنَ أن أموتَ مطمئنّا لولا فَراشاتي، وظباء قافيتي، فمن أين أبدأ حكايتي؟ من اللوز المثقل بالأطفال؟ من القمح المثقل بالحُبّ؟ من السنابل تحمل قلوبنا؟ من اللّهو الطفوليّ الفائر بأوردة المروج؟ من قبّرات الليل الصيفيّ بخيام الذرة والقطن؟ من أين وكيف وكلّي بكاء؟!






 
رد مع اقتباس