العزيز جمال عبدالله
شكرا على كلمات الترحيب والروح..
"الشعر ديوان العرب"مقولة جاهلية، شاعت في بيئة كان الشعر فيها يسجل امجاد العرب وأيامهم وأحسابهم ، ويدون حروبهم، ويسن لهم كثيرا من مكارم أخلاقهم، لذلك بلغت عنايتهم بالشعرشأوا عظيما حتى سماه بعض النقاد"علم الشعر" في قوله:"علم الشعر عندهم فسطاط علومهم كلها ، لما لم يكونوا يدونون ويكتبون.." أو بمعنى آخر كان الشعر يلعب وظيفته الاعلامية الخطيرة آنذاك. وحتى في مراحل تاريخية متأخرة مرتبطة بالاستعمار الاوربي للدول العربية كان الشعر العربي ينطلق من مفاهيم ايديولوجية لها خلفياتها السياسية ، وكان الشعر آنئذ فاعلا في نشر الوعي ، وكان له دورفي رصد ما يحدث، وكانت القصيدة تقوم بالتحريض...لكن الآن تغيرت الامور، ولم يعد الشعر يحمل ذات المفاهيم التي حملها بالامس ، فلا شئ من مقوماته بقي على حاله، لأنه شهد تحولا مستمرا ، وانتقل الشاعر من انشاد قصيدته امام المتلقي عبر الوساطة الشفاهية الى الكتابة، ودخل الشعر في تناص مع فنون واجناس أخرى، فهل الشعر في عصرنا مطالب منه أن يحيي وظيفته الماضوية؟
إن الشعر اليوم موجود رغم انحسار دائرة القراء وانتشار أنياب الامية بالمجتمع العربي، واختلاط الغث بالسمين من الشعر ..فالشعر يظل شعرا دون أن نحمله وظيفة ايديولوجية..كل شعر لا يحمل أفقا..لا يحمل قيم الحب والجمال والخير والحق..ليس جديرا بأن يقال له شعر، إنه يقض مضجع الشعراء ، ويوطن للآتي..إنه تحرير الروح من الواقع بتعبير ريتشاردز، ومهمته ان يتغلغل في الانسان وفي الكون ليخرجهما من الموت الى الحرية، وبالتالي يكون بالشعر خلاص الانسان ، وهو وحده الذي يجعل من العالم عالما..وبهذا المعنى فإن مقولة الشعر ديوان العرب مرتبطة بيئتها وظروفها التاريخية.