منتديات مجلة أقلام - عرض مشاركة واحدة - حديث صباح الورد
عرض مشاركة واحدة
قديم 25-04-2008, 12:06 PM   رقم المشاركة : 80
معلومات العضو
سلمى رشيد
نائب المدير العام
 
الصورة الرمزية سلمى رشيد
 

 

 
إحصائية العضو







سلمى رشيد غير متصل


افتراضي مشاركة: حديث صباح الورد



صباح الورد

مقال قرأته هذا الصباح وأثار في قلبي الشجن


المرأة التي تُعنى بالتفاصيل

فاروق وادي

بدت الأشياء أكثر تآلفاً وانسجاماً بعد أن اتخذت أماكنها في البيت الجديد، وكانت هي تواصل حركتها السريعة، لتمنح كلّ شيء مسحة أخيرة، بينما استلقى هو على الأرضيّة المغسولة، يتوسّل الراحة والبرودة في ذلك الصيف اللاهب.
كانا قد عثرا على هذه الشقّة في عمارة تستطيع أن تتأمل، عن قربٍ، رقعة كافية من البحر، وترى السفن القادمة إلى الميناء، وتلك التي تُمخر في المدى الأزرق البعيد.
كانت تكفيهما غرفة واحدة.. واحدة فقط.. وصالة واسعة تنتهي بشرفة تطلّ على حديقة قصرٍ مجاور تستبق البحر، تنهض في أرضها شجرة أرزٍ كبيرة تفرد أجنحتها مثل طائر أسطوريّ، قيل أنها قد تكون الوحيدة في المدينة.
التفت إليها.
كانت تسأله عن المكان المناسب لتدقّ فيه مسماراً يطل بين أصابعها.
ـ هنا أم هناك؟!
فكّر بأنها تهتم كثيراً في التفاصيل. فهو لم ير الفارق شاسعاً، أو ملحوظاً، بين هنا وهناك. مليمتراً أو اثنين لا تدركهما حتّى العين اللمّاحة.
وافق على هنا القريبة ليعفي نفسه من مشقّة الدخول في التفاصيل.
دقّت المسمار بصعوبة ثمّ علّقت عليه الصورة. تراجعت بضع خطوات إلى الوراء ووقفت تتأملها.
ـ ما رأيك؟!
ـ جميلة. مكانها مناسب، وهي جميلة.
رغم رأيه المُشجِّع، فقد رآها وهي تتحرّك مرّة أخرى نحو الصورة. أزاحتها قليلاً، مليمتراً أو اثنين، معدّلة وضعها مجدداً. أمّا هو، فلم يكن قد لاحظ أنها كانت مائلة وتتطلّب التعديل، ردّد في نفسه: إنها تهتمّ كثيراً بالتفاصيل.
اندفعت إلى غرفة النوم، الغرفة الوحيدة في البيت الجديد، وعادت وهي تحمل صورة أخرى.
شرعت تمسح الحائط بعينين حائرتين.
وضعت الصورة على الحائط دون أن تطرح أسئلة، وعادت إلى الداخل من جديد.
سمع صوتها، مرّة أخرى، يقول:
ـ لا أدري أين سأضع الملابس؟ علينا أن نشتري خزانة في وقت قريب.
قال:
ـ دعيها في الحقيبة حتى يتسنى لنا ذلك.
ثمّ سمعها تتحدّث وهي تقف إلى جانبه، تتأمل صناديق الكتب المكدّسة على الأرض. لم يفهم ما تقول، فرمقها بنظرة مستفسرة. قالت مُكرِّرة وقد علا صوتها:
ـ الكتب كثيرة، إنها بحاجة إلى مكتبة كبيرة!
هزّ رأسه موافقاً دون أن تراه. قالت:
ـ سنضع ذلك على رأس مشروعاتنا القادمة.
عاد إلى هزّ رأسه مجدداً، وتأكّد هذه المرّة من أنها رأته، ثمّ أضاف مبدياً الاهتمام:
ـ ضعيها الآن على الأرض، في ملاصقة الحائط، واحرصي على أن تكون كعوبها في اتجاهنا، بحيث نستطيع معرفة الكتاب الذي نريد!
ثمّ غفا، غفا طويلاً..
üüü
الآن، بعد أكثر من ثلاثين عاماً، ونحو عشرين بيتاً، وبضعة حروب، ها هما في بيتٍ آخر جديد، في مدينة أخرى جديدة.
لا بحر في المدينة،
ولا شجرة أرزٍ وحيدة،
ولا أحلام كبيرة.
الصور يتكدّس فوقها الغبار وقد بهتت الملامح عن وجوه أصحابها..
والكتب أصابتها الرطوبة لفرط مكوثها الطويل في الصناديق..
والملابس تتكدّس في الحقائب وقد أكلها العثّ..
تتطلّع المرأة إلى كومة الأشياء المتناثرة، وإلى الحقائب المتزايدة من حولها، بعينين ذابلتين، ثمّ تُلقي بنظراتها المنهكة إلى الزوج الذي أصابه الوهن في خلسة من الزمن، وهي تقول:
ـ أكان لا بدّ لهذه الأشياء من أن ترافقنا طوال هذا العمر؟
.. أكان لا بدّ لكلّ هذه التفاصيل؟!



سور عكا

أحرقنا السفن يا عكا
وما عادت طرقنا تيمم صوبك
ملت كلماتي من الإعتذار
وأعلم يقينا أنك لم تقنطي أبدا
ولا زلت في الإنتظار
لعل
وعسى

صباح الورد







 
رد مع اقتباس