أنفاسي تتأرجح على سفوح الذكريات ، والحنين أبكم ، يتركني بلا لغة أو هوية ، متناثرة فوق سطور اللهفة ، لا أملك سوى ملامح الدهشة ، وبقايا عبق طفولي محبب ، أعطّر به أوردتي حينما يخذلني الفرح !
سأرتدي ثوب الطفولة ، وأرتدّ معك إلى زمن بعيد ، أعزف الحنين فيتراقص الوطن على خشبة الذاكرة وتزهو بالفرح مواسم الفلاحين !
سأرقص .. أرقص كنجمة تنفض عن كاهلها غبار العتمة والمنفى ، وسأنثني كما السنابل امتنانا للرياح التي حملتني في عزف ناي شجي إلى الوطن الجميل ، سأشهد معك هناك موسم التزاوج في حزيران مجردةً ذاكرتي من برد كانون ، مصغية بشغف إلى ابتهالات الحقول ، وأهازيج الأغاني ، وهمس المروج !
عيناي متعطشتان للتفاصيل ، نعم ، ويداي لا تكفان عن محاولة انتزاع الشوكة من قلب الذاكرة لتتراءى الخيالات وطنا خصبا أرقد على ضفافه ، وأنغرس في أرضه زيتونة تنزف دمعها زيتا مباركا يكاد يضيء ، يطارد ذيول الليل المهزوم !
حلمي أعياه السهر ، فامنحني وقتا لأغفو برهة في حقول طفولتك على حواف الأمل .. علها تكتمل الحكاية وتتضح التفاصيل .
هاأنذا الآن أحتسي معك قهوة الأمس على طاولة اليوم ، فتحلو من غير سكر ، أرقب بعينيك مرج ابن عامر طفلا يلهو في حضن الجليل ويلثم يد الجمال الممتدة نحوه من بيسان ، المح واردات العين بأثوابهن المطرزة يملأن جرار الصبر فيضا من كوثر الجنة ، أشهد كرنفال التزاوج بين نجوم الأرض وقمح السماء !
هاأنذا أشرب من نبع الحمى ماء الحياة براحتيك ، وأسمع زقزقة العصافير وهي تغازل الفجر ..
هاأنذا عاشقة أصعد الروابي وأطوي فيافي الحب ، أتنسم شذى نسيم القدس ، حيث الرحمات تتعانق مع الجمال في ربوعها ويرقصان سويا.
ها أنذا أبلغها بالحلم وبالشوق ، فأذرف الدمع عذبا على خد الصبح !
وأحلم .. أحلم لا زلت .