منتديات مجلة أقلام - عرض مشاركة واحدة - " ذكريات معتّقة باليوريا " رواية للعراقي علي الحديثي / فوزي الديماسي / تونس
عرض مشاركة واحدة
قديم 11-05-2017, 09:00 PM   رقم المشاركة : 1
معلومات العضو
فوزي الديماسي
أقلامي
 
إحصائية العضو







فوزي الديماسي غير متصل


افتراضي " ذكريات معتّقة باليوريا " رواية للعراقي علي الحديثي / فوزي الديماسي / تونس

" ذكريات معتّقة باليوريا " رواية للعراقي علي الحديثي
بقلم فوزي الديماسي / تونس

في غرفة البيت أمام مكتبة مبعثرة ، في ظلام العراق المحتلّ ، تنطلق الرواية بوتيرة بطيئة ، مشحونة بالشجن ، ترسم العبث بلغة فيها من الحنين والأنين ما يبعث على التسمّر في مساحات الرعب والحذر والذعر ، وتفتح الغرفة من بعد ذلك على أيام موغلة في الألم في زنزانة المحتلّ ، ثم تنطلق رحلة الموت ، موت الشعور بصخب الحياة في معتقلات الفراغ والتيه والضياع ، حيث يندثر الإحساس بالذات والزمان والمكان ، غرفة تفتح على أخرى ، لعبة محكومة بثقافة العود على البدء ، كما حمار الطاحونة العتيقة بناء النصّ السرديّ ، ويبقى الوطن في بعض المنعطفات على أديم القلب المكلوم كوشم باهت يفتح سراب نافذة من حين إلى آخر ، وتذوب المشاعر في زحمة الإحساس بالظلم والقهر والموت البطيء داخل المنفى المنفيّ في وطن مسبيّ ، وفي محلاّت التحقيق .
نصّ مسيّج بالليل ، ليل الغربة داخل وطن جريح ، تنخره خيانة الغريب والقريب ، وشخصية ضبابية الخطوات والرؤى يحضنها الانغلاق من كامل أقطار مفاصلها وتفاصيلها رغم الاسم الذي تحمله والصفة التي توهمك بانخراط النصّ في المرجع / حياة الناس ، اسم بلا روح ، كما الأرقام داخل الخيام في المعتقل ، وكأنّه الوجه الجامع لكل الوجوه القابعة خلف الأسوار وخارجها . الرواية نصّ سيرة : سيرة لغة محكومة... بالأقبية ... بالليل ... بوهم الأمل ... بالدمع المكبوت ... لغة باردة برود الغربة خلف الأسوار ، وحروف لا حياة فيها ، ترسم بحيادية ( أو هكذا يبدو في ظاهر النصّ ) أياما تمرّ مرور الريح في صحراء ممتدّة الشجون ، كلمات قليلات تتكرّر ، وتتكوّر على ذاكرتها الخاوية في مختلف الفصول ، والفصول على تناسلها نواح شجيّ متشابه مبحوح ، رغم محاولة الظهور بمظهر اللغة المتوهّجة في لحظات ، وما أقلّها في المتن ، ضئيلة ، شاحبة شحوب الضوء في خيام الاعتقال المحروسة ، تلك هي نواميس الموت ، وللموت ملامحه الرخامية القاتلة والمتلبّسة بأدوات التصوير والجاثمة على صدر النصّ برمّته ، كما الشخوص المتحرّكة في فضاء الرواية ، لا هويّة لها إلاّ هوية البياض الأحمق ، رغم إطلاق الأسماء على البعض منها وإيهامنا بصخبها في دنيا الناس ، ولكن تبقى الأسماء بلا وجوه تتحدّث بها وعنها ، كما الأماكن التي احتلّت موقع الهامش في الحكي ، بل إنّها - هي هي - رغم تعدّدها أو هكذا يخيّل لنا ، بلا جدوى هي الأسماء والحكايات المبثوثة هنا وهناك ، كما الأيام المتشابهة في حياة المعتقلين ، حتى الذكريات التي تبعث في النفس دفء الحركة ذكريات / جثث لا حراك فيها ، ولا تأثير لها على خطّ السير السردي الأفقيّ الهادئ ، ولا تبعث على الأمل ، بل هي محطات فاترة فتورمن يسير إلى حتفه في كلّ حين . لوحة ضبابية الملامح ، وكذا الفصول كلّها ، ممتدّة في المكان امتداد المعتقل الجالس القرفصاء على باب الفراغ القاتل ، ومسيّجة بالأشواك والأسلاك والحرّاس والكلاب المدرّبة والحزن المهرّب .
رواية علي الحديثي نصّ يحتفي بالتافه والهامشيّ من الأحداث ، وكأنّه يرسم عوالمه بريشة الصمت ، أو اللاّمبالاة ، لذا يقرأ النصّ من خطوطه المتستّرة الخلفيّة المضمرة لنقف على حجم المأساة وعمق الجرح الذي يحياه جيل كامل في العراق المغدور ، جيل يعيش تجربة السجن الحياة أصغر والسجن الأكبر ، وبينهما أمل ضعيف نحيف وحرمان متدفّق، عراق كما الأمّ الثكلى ، كسداد ونهاد ، صورة ضبابية الخطوات جريحة الحنجرة ، رتيبة كحركة السرد داخل النصّ / المعتقل ... لا يضطرب بين ضفتيها صباح منشود . كما الحب الحياة داخل النص / المعتقل / الذاكرة بلا ماء ، بلا مرافئ ، بلا صوت






 
رد مع اقتباس