منتديات مجلة أقلام - عرض مشاركة واحدة - أجنحة طائر الأدب ( رؤية حول الابداع والنقد وإشكالية الأديب الناقد )
عرض مشاركة واحدة
قديم 06-10-2005, 05:54 PM   رقم المشاركة : 2
معلومات العضو
خالد جوده
أقلامي
 
إحصائية العضو






خالد جوده غير متصل


افتراضي متابعة المقال :

فالنقد كما أشار أحد الأدباء بأوسع معانيه هو: " تذوق العمل الأدبي والاستجابة له بطريقة إيجابية لتعريف الآخريين به وبنواحي القوة والضعف فيه " ، أما الناقد والكاتب : مصطفي عبد اللطيف السحرتي فيصف النقد بقوله الجميل : " النقد أمانة ، وإيمان عميق بحب الحقيقة ، والنقد زمالة وصداقة ووداعة يكشف عن جهود المنقود وحسناته وقدراته ، ويوجهه في أدب ولطف إلي هفواته أو هناته ، وهو في الوقت نفسه ذاته يكشف عن ثقافة الناقد ، وعمق تفكيره ، وتوازنه النفسي " ، فهناك إذن العديد من الأدلة لتحطيم تلك الحواجز المسدولة بين الإبداع والنقد أو علي أقل تقدير الاقتراب من أفاق التعاون والاتصال شديد الالتحام بينهما من حيث أن الفنان هو الناقد الأول لعمله الفني وانه يمارس هذا الدور علي نحو أو آخر ، فالأديب المتميز والذي يتحرك دائما نحو أفاق جديدة مبتكرة وخصبة في التناول والداء والمضامين والأشكال الفنية هو الذي يستمر دائما في تنقيح أعماله والإضافة إليها وتنميتها ، وهذه الآلية يستفيد منها الأديب النابه من الأدباء الكبار فالأديبة القاصة : نعمات البحيري والتي أعلنت في أكثر من مناسبة أنها دائما ما تعود إلي أعمالها كي تمارس عليها وظيفة الناقد الذاتي حتى في أعمالها بعد طباعتها ، كما تحدثت في غير مرة عن ضرورة اقتناء الأديب إرادة تعديل عمله أو ما قالته بجراءة الحذف والإضافة ، وان هذه العملية في غاية الضرورة لإسقاط السيئ وإعلاء الجيد والجميل ، وعلي نفس المنوال يذكر الأديب : يوسف الشاروني أن الأديب ( يستفيد من ثقافته وخبرته الماضية ومن آراء النقاد فيما أبدع ، وعندما انتهي من كتابة قصة فإني أقرؤها بالطبع بعد أن أصبحت كلا متكاملا ، ويعني هذا أني أول قارئ لأعمالي الأدبية ، وفي هذا الحالة اتخذ موقف الناقد محاولا أن أتبين ما إذا كنت قد نجحت في نقل ما لدي من انطباع إلي القارئ ، وهكذا لا يمكن الفصل بين العمليتين المتضادين – النقد والإبداع الفني – عن بعضهما ، ولعل حدة حاستي النقدية – إن جاز التعبير – هي السبب في أنني أكتب القصة أكثر من مرة ، وأن كتابتها تستغرق شهورا لأنني أقرؤها بصوت مسموع لأحس بموسيقية أسلوبها فأقدم مفردات جملها وأؤخرها ، وأعيد صياغة تركيباتها اللغوية ، كما قد أعيد ترتيب فقراتها ( أشبه بعملية الدوبلاج السينمائية ) وتتكشف لي خبايا شخصياتها مثلما تتكشف خبايا شخص غريب يقتحم علينا حياتنا فنألفه شيئا فشيئا حتى نعرف عنه أدق أسراره لأنه أصبح أصدق أصدقائنا " ، نهاية فالمبدع يمارس كتابته طبقا لميلاد لحظة الإضاءة بداخله بما يحيط بها من مؤثرات نفسية وبيئية عديدة وترجمة لمشاعره وأفكاره في شكل فني مخصوص يسمى قالبا فنيا أو كما ذكر الكاتب الكبير ( باكثير ) : " القالب والموضوع ، أو الشكل والمضمون " ، ومدى التوافق بينهما فى إنضاج الفكرة والعاطفة وارتدائها الثوب المناسب لها ، والناقد يمارس دوره طبقا لقواعد منهج نقدي مسبق مستعينا بعلوم كثيرة ( حسب فكرة أن العلم هو بوتقة تلم شتات من علوم أخرى كل شيء عن شيء ) مع عدم إغفال أهمية النقد الانطباعي في مجاله ( ولذلك فالنقد الانطباعي له ورقة أخري نطرحها بعون الله لاحقا ) ويبقي السؤال حول هل يستطيع الأديب أن يكون أديبا متميزا أيضا ؟ ولحل هذه الإشكالية يجب النظر إلي الأمر بإعتبار أنها ملكات خاصة وتدريبا متصلا ، ملكة الأديب الخاصة على التأمل والاستبطان الداخلي مع مشاعر منهمرة وعواطف متجددة والهام خاص ( كحديث : ملائكة الشعر لا شياطينه ) أو ما نصفه بلحظة الإضاءة ، وملكة أخرى يقتنيها الناقد تنم عن عقلية علمية منظمة تعشق الأدب ، وتؤدى دورها في تنمية الحركة الفكرية والأدبية ، ولكن لا نستطيع نفي أن هناك استحواذا ينشأ غالبا بتغليب احدي الملكتين كعادة وطبيعة الأمور في الحياة ، يقول الأديب الكبير / يوسف الشاروني : " النقد سلاح ذو حدين ، يفيد عملية الإبداع الفني من ناحية ويعطلها من ناحية أخري ، لأن الوعي الذي يكتسبه الأديب من النقد : قراءة أو ممارسة يعطل عملية الإبداع المتصلة بالجانب الوجداني أو الإنفعالي ... فالفنان إذا أدام النظر في الدراسة الأدبية قد تتعطل مواهب الخلق في نفسه ، ولعل هذا كان أحد أسباب قلة ما كتبت من قصص من ناجية الكم ، كما انه هو نفسه أحد أسباب رضائي عنها من ناحية الكيف " ويمضي الكاتب مشيرا إلي " أنه مما لا شك فيه أن القصة تهب الإنسان متعة الخلق والإبداع التي قد لا تهبها الدراسة الأدبية رغم أني حاولت أن أجعل الدراسة الأدبية تقترب من العمل الإبداعي بحيث تتحطم الحواجز بين النقد والإبداع " .
ونتفق مع الكاتب الكبير من حيث أنه من الصحيح أن الأديب المتقن للنقد هو كشكول في العلوم والفنون معا في آن ، لكنها كما ذكرنا مواهب ( أو بمعنى أدق ملكات ) يختص بها الله تعالى بعض الناس عن غيرهم ، فالأديب له ملكته الخاصة التي يبدع بها ، والناقد له ملكته الخاصة التي يدرس ويحلل بها ، فإذا توافرت الملكتين معا فهذا شيء إستثنائي يدل على شمول الموهبة وتعدد جوانبها ، وتلك الملكات مثلها مثل أى ملكة أخرى تنمو بالاهتمام والغرس والعناية والمطالعة والمثابرة وعشق هذا اللون من العمل ، صحيح أن الموهبة تؤثر لكننا لا نستطيع أن ننكر أهمية العناية بتلك المادة الخام ( الموهبة ) بعمليات ( التعدين ) والاصقال لها ، وسوف أشير إلى مثال : التقيت بالقاص المتميز : طارق رفاعي فأخبرني مدى عنايته بفنه انه وصل إلى درجة انتقاء المفردات الأدبية من الروايات ذات الإسلوب المتميز فيخرج بلائحة يظل ينتقى منها ويؤسس بها تعبيرات جديدة من نسج خياله مستخدما تلك المفردات ، وبلغ من عنايته بتنمية ملكته في الإبداع القصصي انه كان ينسج القصة في أي وقت وأي مكان من شدة انشغاله بها ، ولا اقصد بالطبع الصنعة بمعناها الخالي من الفن بل من ناحية إحتراف احتراف الأداء القصصي وفنياته لدرجه أنه مرة كتب قصة قصيرة واقفا في مجلة حائط في مكان مسابقة للقصة بها ، ما أرمى إليه أن العناية بالموهبة وصقلها ( سواء في المجال الإبداعي أو المجال النقدي أو فيهما معا ) يؤدى بتوفيق الله تعالى إلى الإجادة والتفوق ، ونموذج نعرفه جميعا وبلغ حدا كبيرا من الشهرة وهو نموذج الكاتب الكبير د . شوقى ضيف ( رحمه الله ) البارع جدا في مجال الدراسات الأدبية لم يكن صانعا لآثار إبداعية في فنون القول ، وطبقا لهذا المعنى يتأثر الأديب باحترافه للنقد حيث يصرف جزء من ملكاته واهتمامه إلى هذا المجال ، ولو تكلمنا مثلا عن أديبا بارعا ( ملكته الأساسية في الإبداع ) كتب نقدا جيدا لكنه لا يرقى إلي ملكته الأولى والرئيسة ، لكان مثلما نقول عن واحد من الناس فيه خصال الشجاعة والكرم ولكنه اشتهر أكثر بخصلة منهما ، والأمر يقاس على كل حالة على حدة ، وأنه أحيانا ( وليس دائما ) قد يرتقي أسلوب اللغة النقدية إلي درجة عالية من الناحية الجمالية بحيث يمكن أن ندخله في إطار الفنون القولية الخلاقة ولكنها قاصرة على عدد محدودمن الأشخاص ، وعليه أذن فلا نطالب الأديب أن يكون ناقدا ولا نطالب الناقد أن يكون مبدعا ، فاغلنقد والإبداع هما أصلا يصبان في قناة واحدة تسمي حركة الإبداع الأدبي وإثرائه ومواكباته بحركة نقدية فاعلة تؤيد هذا الإبداع وتزيده بهاء بالتحليل والدرس والتناول .
وفي الختام نقرر أن ميدان الأدب هو ميدانا ثريا أخاذا ممتعا غاية الإمتاع ، وأن النقد الأدبي هو الجناح الثاني لطائر الأدب الجميل كما أن جناحه الأول النص الأدبي ، وأنه رغم اختلاف الرؤي والأراء حول صلة النقد بالإبداع وتأثيره فيه وتلقيه عنه ، وحول إشكالية الأديب الناقد بحيث يكون دائما ممزقا بين ملكاته الكبيرة حول إنشاء الآثار الأدبية أو قيامه بالبحث والنقد الأدبي ، فأنه أيضا مما لاشك فيه أن هناك دائما فضاءات ممتدة وأن الأمر فيه اتساعا ورحابة لتنويعات متعددة حول إزالة الأستار بين النقد والإبداع وأنها في النهاية امتدادا متصلا بنظرية الأواني المستطرقة أي دائرة واحدة كتعددة الحلقات بحيث يكون كل عنصرا في القضية سببا ونتيجة في الوقت ذاته ، وفي قضايا النقد والإبداع نجد أيضا أمثال هذه الرؤي والأفكار ، وأنه لا يمكن إبرام أحكاما نهائية في أمثال هذه القضايا بحيث تناظر القوانين العلمية ، إنما هي رؤية وحوارا وقد تكون رسما لأفاق رحبة من النقاش الثري ، قد تكون باعثا لأوراق جديدة نطمح دائما لإضافتها في المستقبل .

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــهوامش :
( 1 ) نماذج من الرواية المصرية – يوسف الشاروني – الهيئة المصرية العامة للكتاب .
( 2 ) برج بابل ( النقد والحداثة الشريدة ) – د غالي شكري – الهيئة المصرية العامة للكتاب .
( 3 ) دراسات نقدية في الأدب المعاصر – د . مصطفي عبد اللطيف السحرتي – الهيئة المصرية العامة للكتاب .
( 4 ) هوامش في الدراما والنقد – د . إبراهيم حمادة – الهيئة المصرية العامة للكتاب .
( 5 ) حوار مع الأديبة القاصة / نعمات البحيري والأديب القاص / طارق رفاعي عبد الله







 
رد مع اقتباس