مشاهدة النسخة كاملة : الشاعر العربي الكبير محمد الفيتوري في مصر


إسلام هجرس
14-03-2008, 05:00 PM
في ليلة قاهرية رائعة : أقيمت أول أمس الأربعاء الموافق (12 من فبراير 2008 م) احتفالية كبيرة بالمجلس الأعلى للثقافة ، بمناسبة وجود الشاعر السوداني الكبير محمد الفيتوري في مصر .
قدم الاحتفالية الشاعر الرائد محمد إبراهيم أبو سنة ، واشتملت على إلقاء قصائد الشاعر الكبير الفيتوري .
بدأ الإلقاء بتسجيل قديم لشاعرنا الكبير ، ثم مجموعة من الشعراء والملقين ، ومنهم الشاعر الكبير أحمد عبد المعطي حجازي ، والشاعر فاروق شوشة ، والشاعر محمد الشهاوي ، والشاعر د/ حسن طلب ، والشاعر د/ أحمد بلبولة ، وآخرون .
حضر اللقاء عدد كبير من شعراء وأدباء مصر من أجيال مختلفة ، وكانت ليلة رائعة .

http://www.aklaam.net/aqlam/up/uploads/cd3c506b19.jpg (http://www.aklaam.net/aqlam/up)

صورة من شباب الشاعر محمد الفيتوري

إسلام هجرس
14-03-2008, 05:05 PM
ولد عام 1936 بالسودان
نشأ في مدينة الاسكندرية،هناك حفظ القرآن الكريم

درس بالمعهد الديني بالاسكندرية ثم انتقل إلى القاهرة
أكمل تعليمه بالأزهر كلية العلوم
عمل محررا ً أديبا ًبالصحف المصرية والسودانية
وعين خبيرا ً إعلاميا ً بالجامعة العربية1968- 1970
عمل مستشارا ً ثقافيا ً في السفارة الليبية بإيطاليا
شغل منصب مستشارا ً وسفيرا ً بالسفارة الليبية ببيروت
ثم مستشارا ًسياسيا ً وإعلاميا ً بسفارة ليبيا بالمغرب
يعتبر الفيتوري جزءا ً من الحركة الأدبية السودانية

مؤلفاته:

1- أغاني إفريقيا 1955- شعر ط2 1956.
2- عاشق من إفريقيا 1964- شعر.
3- اذكريني يا إفريقيا 1965- شعر.
4- سقوط دبشليم 1968- شعر.
5- معزوفة لدرويش متجول 1969- شعر.
6- سولارا (مسرحية شعرية) 1970.
7- البطل والثورة والمشنقة- شعر 1972.
8- أقوال شاهد إثبات- شعر 1973.
9- ابتسمي حتى تمر الخيل- 1975- شعر.
10- عصفورة الدم- شعر- 1983.
11- ثورة عمر المختار- مسرحية 1974.
3- عالم الصحافة العربية والأجنبية- دراسة- دمشق 1981.
4- الموجب والسالب في الصحافة العربية- دراسة- دمشق 1986.

الكتب المترجمة:
5- نحو فهم المستقبلية- دراسة- دمشق 1983.
6- التعليم في بريطانيا.
7- تعليم الكبار في الدول النامية.

إسلام هجرس
14-03-2008, 05:25 PM
قصيدة : المتــنــبي



يَمُرُّ غَيْركَ فِيهَا وهو مُحْتضرُ =لا برق يخطف عينيه ولا مطر
وأنت.. لا أسألُ التاريخ عن هرمٍ =في ظلِّه قمم التاريخ تنتظر
عن عاشق في الذُّرى.. لم تكتمل أبداً =إلا على صدره الآيات والسور
عن الذي كان عصرا شامخا ويداً = تشد عصرا إليها وهو ينحدر
يمر غيرك بعض العابرين على= بطونهم يثقلون الأرض إن عبروا
كمثل من أبصرت عيناك ثم نأت =عيناك عنهم فلا غابوا.. ولا حضروا
وبعضهم أنت تدري أن شعرك لو =لم يلق ضوءاً على أيامهم غبروا
كانوا ملوكا على أرض ممزقة =يجوع فوق ثراها النبت والبشر
كانوا ملوكا مماليكا وأعظمهم =تحت السموات : من في ظلك استتروا
***
ورحت تنفخ فيهم منك : ترفعهم =، فيسقط البعض ،، أو تبنى ..فينكسر
أردت تخلق أبطالاً ، تعيد بهم =عصر النبوة والرؤيا ، فما قدروا
هتفت : ياعمر مكتوب لك العمر =وليس ينقص فيك الجهد والسهر
وإنما تنقص الاعمار في وطن =يغتاله القهر، أو يغتاله الخطر !
وقلت.. والشاهدان ، اللّيل والسفر =وشعلة في مدار الكون تستعر
هذي الطيور التي احمرت مخالبها =فوق الصخور لنا ، ولتستح الحفر
وسرت غضبان في التاريخ لا عنق= إلا ومنك على طياته أثر
تصفو ، وتجفو ،وتستعلي ، وتبتدر =وتستفز ، وتستثنى ، وتحتقر
هذا زمانك لا هذا زمانُهم =فأنت معنى وُجُودٍ ليس ينحصر

في كل أرض وطئتها أمم =تُرعى بعيدٍ كأنها غنم
وإنما الناس بالمملوك وما= تصلح عرب ملوكها عجم

وتكفهر على مرآتك الصُّوَرُ !


أتعقم الأرض؟ هذي الأم أيُ دجى= هذا الذي في عُيون الناس ينتشر
وينحني شجر الأيام والغضب الــ=ـقدسي يغدُو انكسارات وينحسر
***
فلتسمع النُصُبُ الجوفاء والأُطُرُ =هذى الأغاني البواكي في فمي نذر
إذا تساقط في أيامهم علمُُ =فإن أعلام من يأتي ستنتصر
وإن يخن خائن فالأرض واحدة =برغم من خان .. والآلأم مُخْتبرُ
***
وقلت بغداد يا بغدادُ أيُّ فتى = كان الفتَى وهو في عينيك يزدهر
أنت التي اخترته للعشق كان إذا= رآكِ في لهب الأحداث ينفجر
ويحرث الأرض كالمجنون يحرثها = براحتين هما الإحباط والظفر
أقل مجدك أن الفاتحين وقد =جاءوا غُزاةًَ على أبوابك انكسروا
وبعض مجدي ، أنَّ الكون لي فلكُُ =شعري ، وأنت عليه : الشمس والقمر
بغدادُ.. أشأمتُ مشدوداً إليك ويا= شام الهوى أنا في العاقُول أنتظر
ويا حدائق كافور القديم سوى= تلك الثمار التي حُمِّلتها الثَّمرُ
***
الله.. يا كم تغرّبنا وكم بلغت =منا الهموم كما لم يبلغ الكبر
فإن أكُن أمس قد غازلت أُمنيةً =حيث استوى الصمتُ أو حيث استوى الضّجر
فالمجد أعظم ايقاعاً وَربَّ دمٍ = يمشي حزيناً ويمشي إثرهُ القَدَرُ

إسلام هجرس
14-03-2008, 05:31 PM
من أغاني إفريقيا


يا أخي في الشرق ، في كل سكن=يا أخي فى الأرض ، فى كل وطن
أنا أدعوك .. فهل تعرفنى ؟=يا أخاأعرفه .. رغم المحن
إنني مزقت أكفان الدجى=إننى هدمت جدران الوهن
لم أعد مقبرة تحكى البلى=لم أعد ساقية تبكى الدمن
لم أعد عبد قيودىلم أعد= عبد ماض هرم عبد وثن
أنا حى خالد رغم الردى=أنا حر رغم قضبان الزمن
فاستمع لى .. استمع لى إنما= أذن الجيفة صماء الأذن
***
إن نكن سرنا على الشوك سنينا=ولقينا من أذاه ما لقينا
إن نكن بتنا عراة جائعينا=أو نكن عشنا حفاة بائيسنا
إن تكن قد أوهت الفأس قوانا=فوقفنا نتحدى الساقطينا
إن يكن سخرنا جلادنا=فبنينا لأمانينا سجونا
ورفعناه على أعناقنا= ولثمنا قدميه خاشعينا
وملأنا كأسه من دمنا=فتساقانا جراحا وأنينا
وجعلنا حجر القصر رؤوسا= ونقشناه جفونا وعيونا
فلقد ثرنا على أنفسنا= ومحونا وصمة الذلة فينا
***
الملايين أفاقت من كراها=ما تراها ملأ الأفق صداها
خرجت تبحث عن تاريخها=بعد أن تاهت على الأرض وتاها
حملت أفؤسها وانحدرت=من روابيها وأغوار قراها.
فانظر الإصرار فى أعينها= وصباح البعث يجتاح الجباها
يا أخى فى كل أرض عريت =من ضياها وتغطت بدماها
يا أخى فى كل أرض وجمت =شفتاها واكفهرت مقلتاها
قم تحرر من توابيت الأسى=لست أعجوبتها أو مومياها
انطلق فوق ضحاها ومساها

إسلام هجرس
14-03-2008, 05:34 PM
بعض عمرك ما لم تعشه
وما لم تمته
ومالم تقله
وما لا يقال
وبعض حقائق عصرك
أنك عصر من الكلمات
وأنك مستغرق في الخيال

الفيتوري

إسلام هجرس
14-03-2008, 05:43 PM
رابط ديوان يأتي العاشقون إليك لشاعرنا العملاق :

http://www.4shared.com/file/32138902/e07d4f86/dewan-yaty-asheqon.html

إسلام هجرس
14-03-2008, 05:56 PM
الصورة الأولى :

http://www.aklaam.net/aqlam/up/uploads/fbe9f3ed0f.jpg (http://www.aklaam.net/aqlam/up)

صورة تذكارية مع الشاعر الكبير محمد الفيتوري ، والأسماء بالترتيب من اليسار إلى اليمين : الشاعر أحمد زكريا (طالب كلية دار العلوم بالقاهرة) ، الشاعر عبد الرحمن مقلد (مصحح لغوي وخريج دار العلوم 2007م) ، الشاعر د/ أحمد بلبولة (مدرس النقد بكلية دار العلوم بالقاهرة) ، الشاعر الكبير محمد الفيتوري ، الشاعر شريف أمين (طالب بكلية دار العلوم جامعة القاهرة) ، العبد الفقير لله إسلام هجرس

الصورة الثانية
http://www.aklaam.net/aqlam/up/uploads/a853583d6f.jpg (http://www.aklaam.net/aqlam/up)

صورة تذكارية لنفس الأشخاص مع الشاعر الكبير فاروق شوشة

إسلام هجرس
14-03-2008, 06:05 PM
ياقوت العرش
محمّد الفيتوريدنيا لا يملكها من يملكها
أغنى أهليها سادتها الفقراء
الخاسر من لم يأخذ منها
ما تعطيه على استيحاء
والغافل من ظنّ الأشياء
هي الأشياء!
تاج السلطان الغاشم تفاحه
تتأرجح أعلى سارية الساحة
تاج الصوفي يضيء
على سجادة قش
صدقني يا ياقوت العرش
أن الموتى ليسوا هم
هاتيك الموتى
والراحة ليست
هاتيك الراحة
***
عن أي بحار العالم تسألني يا محبوبي
عن حوت
قدماه من صخر
عيناه من ياقوت
عن سُحُبٍ من نيران
وجزائر من مرجان
عن ميت يحمل جثته
ويهرول حيث يموت
لا تعجب يا ياقوت
الأعظم من قدر الإنسان هو الإنسان
القاضي يغزل شاربه المغنية الحانة
وحكيم القرية مشنوق
والقردة تلهو في السوق
يا محبوبي ..
ذهب المُضْطَّر نحاس
قاضيكم مشدود في مقعده المسروق
يقضي ما بين الناس
ويجرّ عباءته كبراً في الجبانه
***
لن تبصرنا بمآقٍ غير مآقينا
لن تعرفنا
ما لم نجذبك فتعرفنا وتكاشفنا
أدنى ما فينا قد يعلونا
يا قوت
فكن الأدنى
تكن الأعلى فينا
***
وتجف مياه البحر
وتقطع هجرتها أسراب الطير
والغربال المثقوب على كتفيك
وحزنك في عينيك
جبال
ومقادير
وأجيال
يا محبوبي
لا تبكيني
يكفيك ويكفيني
فالحزن الأكبر ليس يقال.
*************************
يذكر الشاعر ان ياقوت العرش،هو من اولياء الله الصالحين
له مقام بالاسكندرية،وكان الشاعر في صباه يمر به في طريقه الي المدرسة،فعلق بذاكرته،هذا بالاضافة ان والد الشاعر كان شيخ طريقة

إسلام هجرس
14-03-2008, 06:21 PM
حوار سابق مع الشاعر محمد الفيتوري

محمد الفيتوري: في شراييني دماء كثيرة زنجية وعربية..

حاوره: كمال حسن بخيت



ـ من أنت أقصد الصرخة الأولي شعراً؟

لم تكن كما أطلقها أي شاعر.. كانت صرخة غير عادية في الشعر العربي.. حيث خرجت عن قوالب الغزل وتحولت من التغني بالحبيبة إلى الصراخ في وجه الغزاة..
أفريقيا استيقظي..
وصرخت أنا ترنحي..
وحدي وأمي زنجية..
كان هذا هو صوتي.. وعمري حينها لم يتجاوز الثانية عشرة تقريباً.. أنا ولدت في السودان وتربيت وتفتحت عيوني في مدينة الإسكندرية المصرية وفيها حفظت القرآن.
جئت إلى الخرطوم مشاركاً في تأبين الراحل المقيم الدكتور عبد الله الطيب.. وكتبت قصيدة كبيرة في الرجل الكبير.. أسميتها جوهرة السودان..

ـ ما علاقتك بالراحل الدكتور عبد الله الطيب ومتي بدأت؟

ـ علاقتي بهذا الرجل صاحب القامة الكبيرة كانت علاقة فكرية وكذلك اجتماعية.. وبسبب ظروف تغربي من السودان وبسبب اهتماماته الأكاديمية والعلمية البحتة كان التيار الوجداني بيننا محدوداً.
هذا يذكرني بموقف آخر من الإخوة السودانيين الذين عبروا حياتي.. وعبرت أنا كذلك حياتهم مثل المجاهد الشهيد بابكر كرار حيث كانت علاقتي به علاقة مختلفة وكذلك الشهيد عبد الخالق محجوب وهي علاقات كانت مختلفة عن تلك العلاقات.. لان الجانب الحركي فيها كان مسيطراً وليس الفكر المحض الذي كان يربط بيني وبين المفكر العظيم الراحل عبد الله الطيب.
ولذلك عندما أردت أن أكتب قصيدة في ذكري وفاته شعرت بكثير من المعاناة والإرهاق لأنني كنت أبحث عن مدخل لشخصيته الفذة.. لا أقول كانت مغلقة بالنسبة لي.. ولكن كانت شخصية مستقلة ربما بالنسبة لي وبالنسبة لآخرين كثر.. هنا كانت الصعوبة.. كيف يمكنني أن أدخل إلى هذا الإنسان العميق الوجدان والعميق الفكر والذي أثر في الأجيال.. دون أن أحس بضعف أمام شخصيته القوية ومن هنا يا صديقي كانت حيرتي في كتابة القصيدة.
ولقد بدأت علاقتي بالدكتور عبد الله الطيــب في بداية الستـينات عندما عاد من إنكلترا وتولي عمادة كلية الآداب.. في تلك المرحلـة توثقت علاقتي به من خلال الشاعر الخالد محمد المهدي المجذوب.. وكما تعلم انه ابن عمه.
وذلك الماضي يظل عالقاً في ذهني ويطل بعمق علي شخصين في هذا الواقع السوداني.
كنا نلتقي عندما يأتي إلى المغرب بدعوة من الملك الراحل الحسن الثاني الذي كان يحبه كثيراً.. ويدعوه دائماً للمشاركة في ندوة تقام سنوياً بمناسبة شهر رمضان المعظم تسمي الدروس الحسينية.. وكان الدكتور عبد الله الطيب يشارك من ضمن عدد كبير من المفكرين والمثقفين العرب الأفارقة والآسيويين.
وكان الدكتور يلقي محاضرته أمام الملك.. ولا زلت أذكر أن الملك الراحل الحسن الثاني كان يعطيه قدراً متميزاً من الاحترام والتقدير.. ليس فقط لأنه سوداني.. ولكن لأنه احد كبار الفقهاء الإسلاميين المستنيرين في هذا العصر.. وكان الملك الحسن يعرف قدراته الكبيرة وشخصيته المؤثرة وعظمته.

ـ ما الذي أسس لمرحلة البدايات عندك؟

عندما كنت طفلاً وذلك في الأربعينيات كانت الإسكندرية مدينة البيروقراطية المصرية.. كنت أتحرك في شوارعها وأكاد أكون أنا الأسود وحدي الذي يستطيع أن يتحرك وسط قوم من اليسر والبهاء والجمال والبياض.. وفي تلك المرحلة المحببة الآن في ذهني.. صرخ محمد الفيتوري الشاعر بعنفوان الإنسان الإفريقي وتمرده وسخطه على ما كان ورغبته في أن يشكل هذا الواقع علي نحو أفضل..

ـ هل كان لأحد من عائلتك فضل في ذلك الصراخ؟

نحن من عائلة ميسورة أبواي مهاجران.. تنحدر في شراييني دماء كثيرة.. قبائل زنجية وعربية وأخري شريفة ومختلفة.. ما الذي جعل هذا الشاب ينتبه إلى هذه النقطة الحساسة في حياة الإنسان المعاصر؟ هل هي حكمة جدتي العجوز التي أسرت واختطفت رغم انتمائها إلى احدي أهم القبائل الأفريقية ما بين الجنوب السوداني وغربه وتحديداً منطقة بحر الغزال هي قبيلة القرعان.

ـ وما هي حكاية هذه الجدة؟

زهرة جدتي.. كانت ابنة شيخ القبيلة كما حدثتني.. وكان أهلها فرسان.. وكما حدثتني أيضا كانت صغيرة عمرها تسع سنوات وخرجت لتأتي بالماء من البئر مع قريناتها.. وفجأة وجدت شخصاً أسمته بالجلابي.. قالت لي: جاء أحد الجلابة ثم خطفني وأردفني وراء ظهره ثم أهداني إلى جدك.. قلت لها: من هو جدي؟؟!! قالت لي جدك السيد علي بن سعيد بن يعقوب الشريف.. كان تاجر رقيق وكان ذلك هو حديثها.. عندها شعرت وأنا طفل صغير لا يعرف معني العبودية.. هذه الجدة مستعبدة.. هذا الجد تاجر رقيق.. وهذه السيدة هي التي بذرت هذه البذرة التي أقول إنها سوداء.. وإنما البذرة النارية في روحي.. البذرة التي أشعلتني..

ـ ولماذا لم تؤرخ لهذه المسيرة؟

أنا ما زلت أتعلم وتجربتي الشعرية والحياتية لم تكتمل بعد ومن يكتبون سيرتهم الذاتية كأنما هم سيغادرون الحياة.

ـ إذن دعني أذهب معك إلى البدايات ومن كانوا قد شحنوا ذاكرتك الشعرية.. حدثني عنهم؟

قرأت لشاعر أنتمي إليه روحياً وعاطفياً هو عنترة بن شداد.. قرأت سيرته.. كان أسود.. وأمه جارية.. كان جده شداد من شرفاء العرب وفرسانها.. لم يعترف أبوه ببنوته.. لكن فروسيته فرضت على أبيه أن يعترف به.. وأصبح عنترة رجل تاريخ ونضال.. وقد تأثرت به واتخذته نموذجاً في بداية حياتي.. آنذاك كنت أبحث أيضاً عن العراء السود.. فقرأت الإمام العبد وهو شاعر مصري. وكان اسود.. كما قرأت سحيم عبد بني الحسحاس وقراءات أخرى متنوعة لشعراء المعلقات والعصور العباسية والأموية والموشحات وكل هذا التراث العميق والمؤثر.

ـ هل ذهبت بعيداً عن أفريقيا شعراً..؟

في عام 1955 طبعت ديواني الأول أغاني أفريقيا وتواصلت كتاباتي ثم توقفت فترة وبعد تخرجي من كلية دار العلوم عملت بالصحافة المصرية كبريد الأخبار ومجلة آخر ساعة وجريدة الجمهورية وكان فيها رئيس الدار أنور السادات وكان يتعاطف معي للوننا ربما لان أمه أيضاً كانت سودانية فانتدبني للذهاب إلى السودان لحضور احتفالات عيد الاستقلال عام 1956م.

ـ سنعود إلى السودان.. ودعنا في الحديث الآن عن الشعر..؟

انتهت مرحلة كتاباتي المتخصصة عن أفريقيا بعد أن كتبت ديواني الثاني عاشق من أفريقيا ثم الثالث
اذكريني يا أفريقيا وأكملت مسرحية سولارا .. ووجدتني ابحث عن مصدر نبع جديد كي لا أعود ثانية إلى نفس المياه فبدأت اهتم بالجانب الصوفي والجانب السياسي الثوري.. خاصة بعد انهيار حكومة إبراهيم عبود ومجيء الحكومة الوطنية في السودان والصدام الذي حدث بين رئيسها وبين الصادق المهدي ثم الذي حصل في حزب الأمة فانضممت إلى جناح الصادق وعندما أصبح رئيسا للوزراء اختلفنا حول بعض المواقف.

ـ بعد نصف قرن من الإبداع الشعري كيف تقوم تجربتك الشعرية؟

ثمة أحداث كثيرة في حياتي وقعت لي مثلما تقع للآخرين.. فلقد بلغت الآن ما بلغت من العمر ولكن ليس كما يقولون عتياً.. ولكن بلغت مستوي غريباَ. وقاسياً من الحياة.. وأحمد الله علي أني لم ابتذل عمري في ما لا جدوى له.. ولم ابتذل كرامتي قط.. وعشت كما يجب أن يعيش الإنسان في وطن عربي.. يعاني من المصاعب وقسوة الظروف في هذا العصر.
ما الذي إضافته هذه السنوات.. في عمري أستطيع أن أقول أضافت ما لا يتوقعه الآخرون بالرغم من قسوتها: أضافت الإحساس العميق بضرورة أن ننتصر لهذه الأمة.. وأن نتغلب علي هذه المآسي التي نعيشها بضرورة أن نقهر هذا التخلف الذي تعانيه شعوبنا.. نقهره بالتكاتف وبالتعاون وبالإخلاص في المواقف..
أعطتني الحياة خلال هذه الفترة أجمل تجربة هي تجربة الإيمان بالنفس.. فأنت كلما كنت شريفاً في مواقفك.. كنت بعيداً عن مطامع شخصية وكنت بالتالي مستغرقاً في آلام أمتك متوحداً معها منصهراً فيها أنت قوي وأنت قادر علي عبور هذه المرحلة بكثير من الشرف وكثير من الاعتزاز.
أضافت لي هذه الحياة أيضاً الإيمان العميق بان ما بذلته سوف لن يذهب هدراً.. وإن ما قمت به سوف يتبدى لك في يوم من الأيام إن كان خيراً بخير وإن كان شراً فشر.. تلك هي الحياة.. كمضامين أو محتوى لما عشته أو عانيته.. واعتقد ان الحياة ما زالت أمامي ممتدة بالرغم من ما اعترضها في الماضي من قسوة وبالرغم من ما تشكلت فيه من معطيات.

ـ أنا أتحدث عن المضامين فقط..

كشاعر أظن أنني كتبت كثيرا مما مضي حول القضايا الأساسية في حياتنا الإنسانية سواء قضايانا كأفارقة أو قضايانا كعرب وكبشر ومازلت أعيش وسأظل اكتب بمشيئة الله.. وسأحاول ان أخوض تجارب أخري قد تفيدني أكثر وقد تضعني في المقام التاريخي الذي أحلم به.

ـ نود أن نقف علي المراحل التي مرت بها تجربتك الشعرية؟

مراحل عديدة.. أصبح الجميع يعرفونها فلقد مضي علي هذه التجربة الشعرية قرابة الخمسين عاماً.. فأنا بدأتها وما زلت طالباً حتى الآن للعلم وللمعرفة وللعلاقات الإنسانية.. طبعاً كانت التجربة الأولي وأنا أتحدث عن تجربة التفاعل العميق مع ما ورثته وما أحسسته في ذاتي من مشاعر وأحاسيس أفريقية حضرت لي من أجدادي القدامى في عروقي وأعصابي.. واستطرد.. مرت التجربة كما تعلم أنت ويعلم آخرون في بضعة أعمال أو مجموعات شعرية معروفة.. ثم كان لا بد لي من البحث عن تجربة أخري لكي لا تنضب المواد التي أحاول التعبير عنها في حياتي..اتجهت إلى التجربة الصوفية.. ولذلك كتبت دواوين شعرية حولها يعني المدد الصوفي كما يقولون أو الإيقاعات العميقة في الروح الإنسانية المتجاوبة مع هذا الأفق الروحاني أو الاشراقي.. كما تقول الصوفية.
ومضي قائلا.. أيضاً مرت بي تجربة أخري وهي تجربة العواطف الإنسانية.. ولقد كتبت فيها بضعة أعمال شعرية أيضا.. ولا أنسي تجربة ذات خصوبة عميقة في حياتي.. وهي تجربتي مع مرحلة نهاية الستينات وبداية السبعينات.. حينما اصطدمت بذلك النظام الذي كان قائما آنذاك نظام السيد نميري (أطال الله عمره).. حينذاك وقعت تلك المذبحة التاريخية المرهقة والتي اعتبرها بداية الانحدار للفكر وللمواقف الإنسانية في عالمنا العربي والأفريقي حيث قضت تلك المرحلة علي أعمق وأزهر وأعظم شباب القارة الأفريقية حينذاك.. عبد الخالق محجوب، فاروق حمد الله، بابكر النور والشفيع كانت ذات أثر عميق في حياتي .. هذه التجربة لا أقول أبكتني لأن البكاء يصبح أحيانا صغيراً أمام الحدث.. ولكنها دمغت البقية
من عمري بالكآبة العميقة التي لا أعتقد أنها سوف تنتهي يوماً ما، والتي أري أنها كما قلت كانت البداية في هذه الإسقاطات الرهيبة التي احتوت أقطارنا.

ـ عملت في صحيفة حزب الأمة هل لك علاقة بحزب الأمة وما هي علاقتك بالسيد الصادق المهدي؟

الصادق المهدي من أهم الشخصيات التي توثقت صلتي بها، لان علاقتنا نشأت بمجرد عودته من الخارج بعد انتهاء دراسته في أكسفورد وعندما عاد سكرتيراً لتحرير جريدة النيل زارني، باعتبار، ان الجريدة هي الناطق بلسان حزب الأمة وتعارفنا وكنا نسهر مع بعض ونتحدث في أشياء كثيرة، وانشر له مقالته ضرورة الوحدة الوطنية في الصفحة الأولى في جريدة النيل، وتوثقت هذه الصلات توثيقاً عميقاً، وانشيء حزب الأمة الجديد، وعينني رئيس تحرير لصحيفة الأمة لحزب الأمة الجديد، طبعاً لم أكن عضواً بالمكتب السياسي كان به عثمان جاد الله الله يرحمه وعبد الله محمد احمد، وهما عضوان بالمكتب السياسي بينما كان دوري آخر، معي في جريدة النيل كتاب، وبقيت أنا في جريدة الأمة بالرغم من أني لم أكن عضواً في حرب الأمة منذ بداية حياتي حتى هذه اللحظة.. دائماً كنت عضواً في حزب الشعر ولم أكن عضواً في حزب الأمة.
ضحك الأستاذ الفيتوري واسترسل قائلاً.. في هذه الفترة كبرت علاقتنا واستمرت حتى أصبح الصادق المهدي رئيساً لوزراء السودان في 65 ـ 1966 بعد محمد احمد المحجوب، وكنت قريباً منه طبعاُ قرابة صحافي بصديق له في رئاسة الدولة، الذي أثار استغرابي ودهشتي عندما أصبح الصادق المهدي ـ وهو الآن علي قيد الحياة أرجو له طول العمر ـ لا أرى انه تناقض مع ما يقوله في جلساتنا الخاصة وغيرها.. وهو يتصارع مع عمه.. لا اقول تناقض ولكن لم يستطع تطبيق النظرية الجديدة التي آمن بها تجاه توعية الشعب السوداني وتحقيق الحريات ورفع مستوي الجماهير.. كل هذا طبعا لم يستطيع عندما أصبح رئيس وزراء ان يحقق منه شيئاً.. وكان يشكو من الفساد.. فعرفت ان بعض الوزراء فاسدين.. المهم أنا أراقب كشاعر.. أين أنت يا صادق؟.. أصبحت مثل الآخرين وحزنت من أجله لكن طبعاً لم استطع مواجهته.. فكتبت حينذاك قصيدتي المعروفة. الطويلة (سقوط دبشليم) وكنت انشرها أسبوعيا في جريدة الناس.. وقد أصبح الصادق المهدي محروساً.. وكان يجلس مثلي ومثلك.. في المقاهي وبين الناس.
يا دبشليم.. يا أيها الملك الحكيم.. أخائف أنت..
ورد دبشليم.. معصباً تنام مهموماً وتصحو متعباً.. تلبس تاجاً من ذهب.. تلبس ثوباً من قصب..
وحولك الحراس والحجاب بالآلاف.. ثم تخاف !.
وأيضا..
اكتب عن عصرك..
عصر العصب الميت
عصر الضحك المقهور..
عصرك يا مولاي..
حيث ترابط الخيول في الغمام..
وتسكن الغربان في الحمائم..
حيث يهب فجأة من ظلمة العصور..
الديناصور..
وسميت القصيدة الديناصور.. عندما قلت القصيدة لم يكلمني الصادق.. إلا بالمحبة التي بيننا.. عندما طبعتها أهديته نسخة منها وكنت ببيروت.. ثم مرت السنوات وتغيرت السلطات.. وانتقل السيد الصادق المهدي من السلطة إلى المعارضة.. والي الخارج ثم إلى الداخل.. والتقينا في مصر منذ عامين تقريباً قبل ان يعود للسودان.. التقينا في مدينة ناصر.. وكان ـ فعلاً ـ في منتهي اللطف والروعة والصفاء والنقاء.. وأقام لي حفل تكريم في بيته.. وكان هناك بعض الأدباء والكتاب والصحافيين والسياسيين.. وكان أن ذكّرت الصادق المهدي قلت له: (هل تذكر قصيدة سقوط دبشليم؟) قال لي: نعم. قلت له: (تعرف انك أنت دبشليم) قال: نعم.. ولكن احتراما لك ولدورك التاريخي لابد ان نعطيك حرية الأدباء، وقال لي: (فعلا نحن كنا ديمقراطيين وأنا كنت ديمقراطياً فلو لم أكن ديمقراطياً كنت أرسلت أليك اثنين من الأنصار ليضربوك).. إن هذا الصادق المهدي إنسان كبير احمل له كل تقدير وإعزاز ومحبة..

ـ بأي شاعر تأثر الفيتوري؟

تأثر مباشر بشاعر معين لا يوجد.. أنا قرأت كل الشعر العربي.. ولو انه من الصعب ان يدعي إنسان انه قرأ كل الشعر العربي.. لان هناك شعر الزنادقة لم يقرأ تماماً وشعر الخوارج لم يقرأ تماماً.. وشعراء ما قبل المعلقات.. ولكن قرأت ما أمكن كل الشعراء الذين وصلت إلى المطابع أشعارهم.. قرأتها.. قرأت كل هؤلاء الشعراء الذين أمكنني قراءتهم سواء كانوا متصوفة أو زنادقة.. سواء كانوا كلاسيكيين أو شعراء الأندلس والشعراء الأوربيين وكثيرا من الشعراء الزنوج طبعاً.. بيبت دبوس.. وسنقور ربولدت وسيزار الشاعر الأمريكي العظيم زنجي الأصل طبعاً.. لا أستطيع ان اقول تأثرت بشعر ولكن قرأته بإمعان وبامتصاص.. يعني ـ كنت مثل النحلة آخذ من هذه الزهور لكني اسقيها.. رغم إنني قلت يوماً أنني تأثرت بعنترة.. عنترة شخصيته أثرت في حياتي.. والتشابه الحاصل.. الأم التي كانت جارية.. واستعبدت.. الغربة.. عدم الاعتراف به.. كل هذه التشابهات التي أحسست بها تجاه عنترة.. ولكن الشاعر العظيم الذي أؤمن بشعره العظيم هو أبو الطيب المتنبئ.. وأنا أقرأه حتى الآن بكثير من الاندهاش خاصة عندما يقول..
ومكائد السفهاء قد وقعت بهم..
والحر ممتحن بأولاد الزنا..
وعداوة الشعراء شر المغتنا..

ـ محمد الفيتوري.. كيف يكتب القصيدة.. بمعني كيف تسني له؟

يمكن عندما كنت في بداياتي الشعرية.. أؤمن أنا بالموهبة.. ـ ما في شك ـ وأؤمن بالإلهام.. واحتاج إليه.. كي أكتب.. وأحيانا.. يأخذني غرور فيتخيل لي إنه بإمكاني أن انظم متي شئت.. أما أن اكتب شعراً متي شئت.. فهذا صعب إلا إذا كانت هناك طاقة إلهامية تنفتح علي روحي فأرى الأشياء التي احلم بها وأسجلها إيقاعاً وصورة.. حينذاك تكون القصيدة مقبولة..

ـ هل كتبت قصيدة ومزقتها؟

كثيراً.. ولكن أرجع وأعيد صياغتها إلى شيء آخر.. الآن أنا اكتب قصيدة عن بغداد كتبتها عشرين مرة.. اكتب وأمزق.. أكتب وأمزق.. إلى أن اصل إلى شكل متقارب..

ـ قصيدة تمنيت ان تكون لك..؟

تمنيت أن تكون لي كثير من القصائد التي تقرأها لأبي الطيب المتنبئ.. وهو الوحيد الذي أشعر انه يتفوق على شعراء العرب.. لغة وإيمانا وثقة وحضوراً في التاريخ..

ـ لماذا عدت مرة أخري للقاهرة..؟

أنا مضطر ان أقول شيئاً لم اقله من قبل هو أنني في سنة 1964.. وكنت اعمل رئيسا لتحرير مجلة هنا
أم درمان.. وكان تحت رئاستي جيل من الشباب المثقفين.. محمود محمد مدني.. ومحمد عبد الرؤوف عربي.. ومجموعة من الشباب كانوا زهرة الحياة وفجأة.. وكنت علي علاقة وثيقة مع الصحافي السوداني الأستاذ محمد مكي محمد صاحب جريدة الناس.. كان المرحوم محمد بين الحين والحين يدعمني مالياً لأنني كنت فقيراً.. رغم أنني كنت رئيس تحرير.. ذات يوم جاءني وقال لي.. أريدك ان تنشر هذا المقال.. قرأت المقال ووجدت عنوانه أفريقيا قلت له.. ولماذا لا تنشره في صحيفتك؟!! قال لي أنت رئيس تحرير صحيفة هنا أم ردمان .. وهي تبيع أكثر من عشرين ألفاً.. بينما أنا صحيفتي لا تبيع خمسة آلاف.. انشر هذا المقال لأنه مهم.. قرأته فوجدته تمجيداً لإفريقيا.. وان الشعوب الأفريقية يجب ألا تنتمي للشرق أو الغرب.. أفريقيا للأفريقيين.. قرأته وجدت فيه متعة لي.. أعدت صياغته وسميته حياد أفريقيا ونشرت المقال بتوقيع محمد عبد الرؤوف عربي الكاتب الصحافي الذي يعمل تحت رئاستي.. ونشر المقال.. بعد يومين جاءني استجواب من وزارة الأعلام.. إدارة الاستعلامات.. كان حينذاك مدير الاستعلامات هو المرحوم محمد عامر بشير ولم يكن يحبني حقيقة.. رحمه الله.. لا أعلم لسبب أو لآخر كنا نتعامل بكثير من الجفاف هو مدير الاستعلامات وأنا أصدر مجلة الإذاعة التابعة له هو.. جاءني استجواب منه.. فذهبت قال لي.. لماذا نشرت هذا المقال؟.. قلت له: هذا المقال عنوانه حياد أفريقيا وليس به شيء.. قال لي: هذا المقال مسرب من السفارة الأمريكية قلت له أنا ليست لي علاقة بالسفارة الأمريكية قال لي: هذا المقال يعني انك علي علاقة بالسفارة الأمريكية قلت له: هذا المقال أعطاني إياه محمد مكي وأنا نشرته ومحمد مكي صديق وبين الحين والحين نتعاون.. قال لي: أنت موقوف فوقفت بقسوة دونما سبب.. ثم فصلت.. ثم تسكعت في شوارع الخرطوم.. دونما عمل وأنا أتمرغ في هذا الإحساس بالقهر والتخلف والجوع والضياع في مدينة الخرطوم.. وفجأة استقبلني المرحوم محمد مكي من جديد.. وقال تعال تغذى معي غداً.. هناك شخص يريد أن يراك.. وذهبت له في بيته في بحري وفجأة جاء مدير الاستعلامات في السفارة الأمريكية وكان اسمه مستر ميشيل.. عرفني به محمد مكي.. وعرض علي العمل في السفارة الأمريكية كرئيس لتحرير النسخة العربية لمجلة الصداقة التي تصدر عن سفارة أمريكا.. وهناك نسخة تصدر في مصر برئاسة محمد زكي عبد القادر.. تعجبت.. ولكني كنت بائساً.. كنت في حاجة إلى عمل.. ووافقت مبدئياً.. قال لي سوف تأخذ في الشهر ثلاثمائة جنيه.. وسوف تكون مقرباً وسوف تكون عضواً في organization ولم أكن اعرف organization فاستفسرت وعرفت إنها تعني منظمة.. قلت له موافق.. قال لي غداً تأتي السفارة الأمريكية لتأخذ العقد وتبدأ العمل..
ظللت طوال الليل وأنا أفكر في عرض السفارة..فاستشرت زوجتي فقالت لي.. يستحسن ان تتأني. قلت لها أنا شاعر أفريقيا.. قالت لي: لهذا أرادوا ان يستغلوك لكي تخون أو تنحرف.. فذهبت إلى السفارة الأمريكية والتقيت بالمستشار ميشيل وكان محمد مكي موجوداً.. وكان أخونا كمال عبد الماجد موجودا.. وكان هو المترجم.. واتوا بالعقد فوقعته كرئيس تحرير بجريدة الصداقة.. التي تصدر في الخرطوم.. وبعد أن وقعت العقد قلت لميشيل.. أنا أرهقت خلال الفترة السابقة.. فأرجو السماح لي بالسفر إلى القاهرة.. فقال تسافر إلى القاهرة وعندنا تذاكر لك.. وهذه مائتا جنيه وعندما تحتاج في القاهرة خذ هذه الرسالة وأعطها للمستشار الصحافي للسفارة الأمريكية.. أخذت الرسالة وأخذت المئتي جنيه وسافرت إلى القاهرة.. رغم أنني كنت ممنوعاً من الدخول إلى القاهرة..

ـ هم من أخذوا لك السماح بالدخول إلى القاهرة؟

في مطار القاهرة.. قالوا لي لأنك كنت تهاجم عبد الناصر ـ فعلاً في فترة صدام عبد الناصر مع القوي الديمقراطية.. ضرب الأخوان المسلمين وضرب حزب الوفد.. هاجمت أنا وصلاح عبد الصبور المرحوم جمال عبد الناصر... كتبت قصيدة سميتها مات غداً وصلاح عبد الصبور كتب قصيدة سماها هجم التتار كنا ضد عبد الناصر..فوجدت نفسي ممنوعاً من الدخول إلى القاهرة.. فقيل لي ترجع ثاني إلى السودان.. احترت.. ولكن وجدت صديقنا الكاتب السوداني عبد الله عبيد واقفاً في المطار وقد شاور لي.. جاء وسألني من وراء الزجاج.. قلت له: أنا ممنوع من الدخول قال لي اتصل بالسيد محمد فائق كان مديراً لإدارة الشؤون الأفريقية بمكتب الرئيس عبد الناصر.. المهم جاءني بعد قليل بالسماح لي بالدخول.. فعلاً دخلت القاهرة وبقيت مع عبد الله عبيد فترة من الوقت وقلت له أريد أن اذهب إلى السيد محمد في مكتبه وأعطيه هذه الرسالة وفعلاً ذهب معي..وجدنا في مكتب محمد فائق حسن شاش مساعده.. فقلت له: أنا معروض علي أن أكون رئيساً لتحرير مجلة الصداقة بمبلغ كبير جداً.. ولكن أنا أخشي.. فواضح انه فيها شراء لشخصيتي.. واسمي وانحراف لموقفي وضميري فلا أريد العودة إلى السودان مرة أخري.. فرحب بي وأعطيتهم عقد الاتفاق ما بيني وبين السفارة والرسالة المكتوبة للمستشار الصحافي الأمريكي في القاهرة ليقوم بمساعدتي وخرجت.. بعدها اتصل محمد فائق بالأستاذ محمد حسنين هيكل والدكتور محمد المعتصم سيد رئيس إذاعة ركن السودان.. وبقيت في القاهرة..

ـ ماذا كان عقب ذلك؟

الذي فاجأني بعد شهر ان يأتي شخص من السودان ويستقبلني في القاهرة ويقول لي.. ان المستشار الصحافي الأمريكي رئيس دائرة الاستعلامات يسلم عليك ويقول لك وصلتنا الرسائل التي أعطيتها لمكتب الرئيس عبد الناصر.. ونحن نعرف ان الشعراء مجانين.. فلا تخف.. ونشكرك علي موقفك.

ماذا حدث لمحمد عربي الذي كتب باسمه هذا المقال؟

محمد عربي كان مسكيناً وأنا اعرف إنه بريء.. ولم يفصل.. وزاد أن هذه القصة أول مرة اذكرها وهي توضح أن مكتب عبد الناصر كان مكشوفاً للأمريكان.. توضح الاختراق في 1967.. وبعد ما حاولوا شرائي.. يعني لو قبلت.. قال لي أيضا محمد مكي حتكون عضو وبعيدن حايختبروك زي الصحافيين الحايرسلوهم للمكاتب والمطابع.

ـ ما هو تأثير هذه المواقف الصعبة عليك وأنت في المنافي؟

أنا اعتقد إنها تضاف إلى رصيدي في المعرفة والي تجاربي.. ولم تدمرني ولكن أغنتني ولم تصغرني وأثرتني ولم تنحرف بي وجعلتني اصمد أكثر واعرف ان الحياة مليئة بالمشاكل.

ـ ما هي قصة أغنية أم كلثوم التي لم تر النور؟

طلبت مني أم كلثوم قصيدة.. ودعتني إلى منزلها وذهبت مع صديقي الراحل الناقد الكبير كمال الملاخ حيث كان يعمل في صحيفة الأهرام.. وكان معنا كذلك منصور الرحباني.. وطلبت مني ان أقرأ القصيدة وهي عن سيناء.. وكانت لها ملاحظات.. وأنا خارج من المنزل قالت لي الراحلة أم كلثوم يا محمد تشخلع لي القصيدة شوية.. ولم استطع ان ألبي طلبها لأن القصيدة لا تحتمل.. وغني لي عدد من المطربين السودانيين.. منهم الكابلي وسيد خليفة ومحمد وردي وآخرون.

إسلام هجرس
14-03-2008, 06:25 PM
حوار آخر


الشاعر السوداني محمد الفيتوري:
قيمة الشاعر المعاصر ان يكون صوتا للآخرين وسلاحا يدافع عنهم





التقاه في الخرطوم:
كمال حسن بخيت

اذا كان الشاعر محمد الفيتوري، علامة بارزة في حركة الشعر العربي وإضافة حقيقية له، إلا أن لمساته الابنوسية ظاهرة شديدة الالق، فهي مثل الطبيعة الأفريقية.. صارخة وصاخبة وفي براءة الانسان الأفريقي عارية لا زيف فيها. وليس جديداً القول أن محمد الفيتوري قد جمع الى نشيد أفريقيا وبين الشعر والسياسة التي قاده إليها عمله الدبلوماسي خصوصاً، إذ له أكثر من ملمح يجمع بين رقة ورقة جناح فراشة وان قوافيه حلقت خارج قوافل السفاري. ولكن الجديد في هذا الحديث إلي جانب الشعر والتجربة الكبيرة هو الكلام عن محطات مثيرة في حياة الشاعر.. الذي كان مولعاً ببيروت ثم طرد بسبب نشاطه ضد نظام نميري وخطفه من بيروت وطرده منها بوصفه سفيراً للجماهيرية الليبية ثم قصة قصيدته الشهيرة سقوط دبشليم التي كشف الشاعر فيها لأول مرة عن علاقته بالصادق المهدي الذي يحبه ويحترمه كثيراً.. وغير ذلك من المحطات المثيرة.

سألت الفيتوري في بداية الحوار عن النشأة والتكوين والمؤثرات؟!

قال: أنا من الذين يؤمنون بوحدة الأمة العربية شعباً وأرضا.. وبهذا الفهم تختلط في عيني الأرض من الناحية الجغرافية.. وتتداخل الحدود وتختلط، وكذلك التجمعات السكانية مثلما تتداخل الأزمنة والخصائص واللهجات الشعبية. ولدت في تلك الفترة.. في مدينة الجنينة بغرب السودان.. وهي مدينة حدودية تربط السودان بتشاد وبليبيا. وبغيرهما من دول الجوار الإفريقي.. وأسرتي أسرة صغيرة تتكون من أمي وأبي وشقيقة واحدة، والدي شيخ من رجال الطرق الصوفية وهو خليفة من خلفاء الطريقة الشاذلية العروسية الاسمرية. والدي اسمه بالكامل الشيخ مفتاح رجب الشيخي الفيتوري وهو شيخ السجادة كما يسمونه. ووالدتي هي السيدة فاضلة. وزاد: في جذوري تتداخل دماء كثيرة لقبائل بعضها ليبي والآخر مصري والثالث أفريقي في هذه المرئيات المتداخلة فيها امتدادي في أجساد وأرواح الآخرين.. ومنذ دب الوعي في وجداني وبدأت أدرك معني بعض الكلمات التي كان يرددها والدي ليلاً مع بعض زواره من أدعية وأوراد وترانيم دينية وتعلقت بما اسمع وبدأت أفكر تفكيراً عميقاً لدرجة أنني تركت أقراني في اللعب وأنا طفل لأنضم الى رفاق أبي في فناء البيت مستمعاً ومستمتعاً بآيات الذكر الحكيم والتواشيح الصوفية والأوراد والقصص الدينية. ومضي قائلاً: بعد ذلك عرفت أناشيد سيد درويش وعبده الحامولي وصالح عبد الحي التي كانت ترددها مدينة الإسكندرية هذه المدينة الرائعة والمدهشة التي عشت وتربيت فيها في الأربعينات.. بالإضافة إلي أغاني جدتي التي كانت مزيجاً من التراث الأفريقي السوداني والليبي والمصري.

وكيف تشكل الوعي الإبداعي عندك؟

اشياء كثيرة تداخلت لتشكل هذا الوعي.. وهناك ركائز أساسية ورئيسية لا تستطيع فصل إحداها عن الأخرى.. ويأتي في مقدمتها واقعنا الثقافي العربي الزاخر بآماله وتطلعاته في مشارف الأربعينات. كذلك حركة التحولات الاجتماعية والاقتصادية العميقة التي طرأت علي أنظمة الحكم وأشكال العمل السياسي في المنطقة العربية منذ بداية الخمسينات من القرن الماضي حين انفجرت حركات التحرر الوطني بداخلنا ومن حولنا مما كان له اكبر الأثر لدي أجيالنا كلها. ثالث هذه الركائز هو ذلك الميراث الثقيل والمتدفق في عروقي من الديار السودانية والليبية والمصرية والتي تشكل بداخلي الكثير بدءاً من مجموعة الأساطير العربية والأفريقية والإيقاعات الأفريقية والمدائح الصوفية.. وربما كان هذا هو سر عذاباتي العميقة.. التي هي مزيج من هذه التناقضات ولهذا فأنني اعتبر نفسي صوتاً خالصاً يعبر بعفوية عن كل هذه التناقضات..

كيف تقيمّ تجربتك الشعرية بعد نصف قرن من كتابة القصيدة؟!

صمت برهة وقال: ـ ثمة أحداث كثيرة في حياتي وقعت لي مثلما تقع للآخرين.. فلقد بلغت الآن ما بلغت من العمر ولكن ليس عتياً كما يقولون.. ولكن بلغت مستوي غريباَ. وقاسياً من الحياة.. وأحمد الله علي أني لم ابتذل عمري في ما لا جدوى له.. ولم ابتذل كرامتي قط.. وعشت كما يجب ان يعيش الإنسان في وطن عربي.. يعاني من المصاعب وقسوة الظروف في هذا العصر.

ما الذي إضافته هذه السنوات.. من عمرك؟

أستطيع ان أقول أنها أضافت لي ما لا يتوقعه الآخرون بالرغم من قسوتها: أعني الإحساس العميق بضرورة ان تنتصر لهذه الأمة.. وأن تتغلب علي هذه المآسي التي نعيشها وبضرورة ان نقهر التخلف الذي تعانيه شعوبنا.. نقهره بالتكاتف وبالتعاون وبالإخلاص في المواقف.. أعطتني الحياة خلال هذه الفترة أجمل تجربة هي تجربة الإيمان بالنفس.. فأنت كلما كنت شريفاً في مواقفك.. كلما كنت بعيداً عن مطامع شخصية وكنت بالتالي مستغرقاً في آلام أمتك متوحداً معها منصهراً فيها أنت قوي وأنت قادر علي عبور هذه المرحلة بكثير من الشرف وكثير من الاعتزاز. أضافت لي هذه الحياة أيضا الإيمان العميق بان ما بذلته لن يذهب هدراً.. وان ما قمت به سوف يتبدى لك في يوم من الأيام ان كان خيراً فخير وان كان شراً فشر.. تلك هي الحياة.. كمضامين أو محتوي لما عشته أو عانيته.. واعتقد ان الحياة ما زالت أمامي ممتدة بالرغم من ما اعترضها في الماضي من قسوة وبالرغم من ما تشكلت فيه من معطيات: لا أتحدث عن الناحية الشكلية.. أو ناحية الإيقاعات الشعرية.. أنا أتحدث عن المضامين.. كشاعر أظن أنني كتبت كثيراً في ما مضي حول القضايا الأساسية في حياتنا الإنسانية.. قضايانا كأفارقة وكبشر.. وما زلت اكتب.. ومازلت أعيش وسأكتب بمشيئة الله.. وسأحاول ان أخوض تجارب أخري قد تفيدني أكثر وقد تضعني في المقام التاريخي الذي أحلم به.

ما هي المراحل التي مرت بها تجربتك الشعرية؟

مراحل عديدة.. وأصبح الجميع يعرفونها فلقد مضت علي هذه التجربة الشعرية قرابة الخمسين عاماً.. التي بدأتها منذ كنت طالباً، وما زلت طالباً حتى الآن للعلم وللمعرفة وللعلاقات الإنسانية وللطموحات البشرية. طبعاً كانت التجربة الأولي هي التعامل العميق مع ما ورثته وما أحسسته في ذاتي من مشاعر وأحاسيس افريقية انحدرت لي من أجدادي القدامى في عروقي وأعصابي مرت التجربة كما تعلم أنت ويعلم الآخرون ممثلة في بضع مجموعات شعرية معروفة.. ثم كان لا بد لي من البحث عن تجربة أخري لكي لا تنضب المواد التي أحاول التعبير عنها في حياتي.. فالتجأت الى التجربة الصوفية.. وكتبت بضعة دواوين شعرية حول المدد الصوفي أو الإيقاعات العميقة في الروح الإنسانية المتجاوبة مع هذا الأفق الروحاني أو الاشراقي.. كما يقول الصوفية. أيضا مرت بي تجربة أخري وهي تجربة العواطف الإنسانية.. وكتبت فيها بضعة أعمال شعرية أيضا.. ولا أنسي تجربة ذات خصوصية عميقة في حياتي.. واذكرها الآن.. وهي تجربتي مع مرحلة نهاية الستينات وبداية السبعينات.. حينما اصطدمت بنظام مايو وعلي رأسه الرئيس الأسبق نميري (أطال الله عمره).. حينذاك وقعت تلك المذبحة التاريخية الأليمة المرهقة التي اعتبرها بداية الانحدار للفكر وللمواقف الإنسانية في عالمنا العربي والإفريقي حيث قضت تلك المرحلة علي أعمق وأزهر شباب السودان والقارة الأفريقية عبد الخالق محجوب وفاروق حمد الله وبابكر النور وهاشم العطا والشفيع احمد الشيخ وإخوانهم. كانت هذه التجربة ذات أثر عميق في نفسي.. وأبكتني كل ذلك البكاء الذي يصبح صغيراً وضئيلاً أمام الحدث الرهيب.. لكنها دمغت بقية عمري بالكآبة العميقة التي لا أعتقد أنها سوف تنتهي يوماً ما، والتي كما قلت أري أنها كانت البداية في هذه الإسقاطات الرهيبة التي احتوت قارتنا الأفريقية والعربية وبدأ منذ ذلك الحين هذا الانحدار الرهيب الذي نراه في القيم وفي الأخلاق وفي المواقف الإنسانية.

متي وأين كانت قصيدتك الأولى.. وهل تذكرها؟

أجاب بابتسامة: نعم أتذكر كل شيء جيداً.. فقصيدتي الأولى التي أحس بنضجها الفني والشعري كانت في مدينة الإسكندرية.. في ذلك الوقت كنت طالباً في الصف الأول الثانوي وبالتحديد في معهد الإسكندرية الديني.. وقد قلت في مطلع تلك القصيدة: فقير.. اجل.. ودميم.. دميم بلون الشتاء بلون الغيوم يسير فتسخر منه الوجوه وتسخر حتى وجوه الهموم فيحمل أحقاده في جنون ويحضن أحزانه في وجوم... إلي آخر القصيدة..
قلت له: كيف يكتب محمد الفيتوري القصيدة؟ كيف يأتيك مخاض الشعر؟! كثيراً ما اصطدمت بالرد أو الإجابة علي هذا السؤال.. واذكر أنني حاولت الإجابة عليه في مقدمة مجموعتي الشعرية التي صدرت قبل عشرين عاماً، ولكن أحس الآن بان تلك الإجابة تتغير طبقاً لتغيير الظروف والمعطيات من حولي وتطور المناهج.. في هذا الضوء أقول رداً علي سؤالك ان كتابة القصيدة تتغير من حالة الى حالة تبعاً لتغير التجربة وتبعاً لتغير الظروف أيضا، فمثلاً يحدث في بعض القصائد ان تنهمر عليَّ كشاعر دونما إنذار مسبق.. أو هكذا يخيل لك.. بينما يأخذ البعض الآخر، في تلمس طريقه أو تأخذ أنت في تلمس طريقك إليه ببالغ المشقة والصعوبة.. وهنا يكمن السبب الأساسي الذي قلت فيه ذات مرة أنني لم أؤمن في سنواتي الأخيرة بما كان يكتب به مسبقاً وهو عنصر الإلهام الشعري. قلت أيضاً أني أعد قائمة نفسية وفكرية تشمل التفاصيل الدقيقة للعمل الشعري الذي أنا مقدم عليه حين أكون قد وضعت البذرة، أعني الفكرة الاجتماعية أو السياسية في مكان ما ثم اتركها لبعض الوقت لتزدهر في أرضية نفسي اذا صح هذا التعبير، ثم تشق ذلك النطاق الداخلي الى فضاء أوسع من الكلمات التي تأخذ في شكلها النهائي شكل القصيدة.. وبالطبع تدخل ضمن هذه العملية كلها الجوانب الموسيقية والإيقاعية والتشكيلات النغمية والتلاوين الصورية وغير ذلك من ضرورات العمل الفني المعاصر.

ما هو الدور السياسي للشاعر؟!

أكيد انك تتحدث عن شاعر معاصر أعني أنك تتكلم عن شاعر يعيش تجارب العصر بعواملها الضاغطة وظروفها المختلفة، وتفاعلات الكون من حوله، شاعر يعيش عصره وليس شاعراً انعزالياً أو انطوائنا أو غيبياً أو ميتافيزيقياً يؤثر البقاء علي هامش المجتمع الذي يعيش فيه. أنت تتحدث عن شاعر قومي وشاعر ملتزم شاعر يحس ان قيمته الحقيقية في ان يكون صوتاً للآخرين وسلاحاً يدافع عنهم وإرادة تجسد شعره فيها من خلال تعامله معهم، هذا هو الشاعر الذي تسألني عنه،
أنا أري دور هذا الشاعر مرسوماً منذ اللحظة الأولي التي أتيح له فيها ان يمسك القلم ان مثل هذا الشاعر لا يفرق ما بين ذاته بهمومها ومشاكله وعلاقاته البعيدة والقريبة مثل هذا الشاعر يقول عنه ناظم حكمت الشاعر التركي أنه هو الذي تنصهر عاطفة الحب لديه لتصبح نبرة في إيقاع الحياة الاجتماعية والسياسية من حوله.

وماذا أضافت الغربة لتجربتك الشعرية؟

كثيرة هي الإضافات.. بعضها اتساع دائرة علاقاتي الإنسانية وتعميق خبرتي بالآخرين والتعرف علي هذه الألوان والإشكال التي تتوزع في الخارطة العربية من نماذج بشرية ونماذج في الطبيعة والحياة، ثم لا أنسي أن أضيف ان اختلاف النظم السياسية والاجتماعية التي تحكم العالم العربي والتي قدر لي ان أعيش في ظلها قد أعطاني معرفة أعمق لطبيعة المرحلة وتحليل ظاهرة التناقضات التي تسود المنطقة العربية. ثم شعوب وأنظمة وعادات وتقاليد ولغات وألوان لكل منها رواسبه وتاريخه وطموحاته وعلائقه إلا أنني في المحصلة الأخيرة أستطيع ان أقول إننا أمة عربية واحدة.. وان هذه الخلافات والانقسامات التي تتوزع بلادنا وأقطارنا إنما هي انعكاسات ذلك الإرث العقيم الذي ورثناه من الخمول الاستعماري وظلام الاحتلالات الأجنبية.

وماذا أضافت لتجربتك السياسية؟

أنت تعلم تماماً عندما اغتربنا من السودان إنما اضطرتنا الى ذلك ظروف خارجة عن إرادتنا.. وأنا هنا لا أتحدث باسمي فقط وانما أتحدث بأسماء كل الذي يمكن ان تكون أسماؤهم قد خطرت علي بالك الآن.. من أدباء ومفكرين وشعراء وصحافيين وفنانين اضطروا الى مغادرة السودان في ظروف مختلفة. بالنسبة لي والسؤال موجه لي شخصيا أذكر ان الغربة علي مراراتها قد فتحت أمامي آفاقاً جديدة من الثقافة والخبرات والعلاقات الإنسانية، وإذا كان ثمة لون جديد أو إيقاع جديد أو نغمة جديدة يمكن ان تكون مسموعة ومحسوسة في قصائدي التي كتبتها خارج السودان فإن للغربة الفضل الأساسي في إضافة هذه اللمسات حزناً أو فرحاً.. غضبا أو رهبة، كراهية أو حبا. طموحاً أو ركونا إلي الدعة والسكينة.

لماذا خرجت من السودان.. بعد 22 تموز (يوليو) 1971؟

هذه قصة يجب ان تروي.. فبعد إعدام الشهداء عبد الخالق محجوب وفاروق حمد الله وهاشم العطا والشفيع وبابكر النور وتلك الكوكبة الرائعة من أبناء السودان علي يد نظام نميري. كتبت قصيدة عبد الخالق محجوب ورفاقه.. اسمها (قلبي علي وطني) وهي منشورة في ديواني (أقول شاهد إثبات).. وعقب كتابة القصيدة وانتشارها بين الناس ونشرها خارج السودان تم استدعائي بوزارة الداخلية وتم حوار معي علي شكل تحقيق ومنعت من إدخال اسم الرئيس نميري في أية قصيدة.. وكان لوجود الرائد مأمون عوض ابوزيد اثر كبير في ان يكون الاستجواب مخففاً وفي شكل تحذير أو إنذار.

نميري يطاردني

وعلي الفور فكرت في الهجرة.. وذهبت الى.. طرابلس.. وكانت لي سابق معرفة بالعقيد معمر القذافي القائد التاريخي لثورة الفاتح من أيلول (سبتمبر).. ووصلت إليه عن طريق احد الأصدقاء.. وأكرمني الرجل منذ ذلك التاريخ وحتى الآن.. وتم تعييني مستشاراً صحافياً في السفارة الليبية في بيروت.. وفجأة.. طُلبت الى وزارة الخارجية اللبنانية وبلغت بان قراراً جمهورياً قد صدر بإبعادي من بيروت فوراً والآن.. وعلمت ان مستشار الرئيس نميري السابق وبطلب من نميري شخصياً، وهو المستشار اللبناني سليم عيسي، قد طلب باسم الرئيس نميري من الرئيس اللبناني سليمان فرنجية بضرورة طرد الفيتوري من لبنان، لان النميري كان يزور لبنان ولا يمكن للزيارة ان تتم والفيتوري موجود في بيروت. لان الفيتوري يهاجم النميري بقصائد شعرية قوية، لقد ظل نميري يطاردني حتى في بيروت وضحك.

بيروت وتجربة الاختطاف

وماذا بعد ذلك عن عملية اختطافك من بيروت بواسطة مسلحين؟

ضحك: الحديث يا صديقي كمال عن عملية اختطافي في بيروت مؤلم جداً.. بالنسبة لي فهو يذكرني بلحظة كنت فيها اقرب إلي الموت من الحياة. لحظة أولي وأتمني ان تكون الأخيرة في حياتي، شعرت فيها أنني طائر كسر جناحاه ووضعت السكين فوق عنقه ولم يكن بمقدوره فقط إلا ان ينتظر رحمة الجلاد تلك هي اللحظة القاسية يا أخي كمال.

من هم الخاطفون ولماذا؟!

أستطيع ان أقول أنهم مجموعة متعصبة من أبناء الطائفة الشيعية ولم يكن بيني وبينها أي سبب من أسباب العداء إلا أنها اختطفتني لأنني اعمل سفيراً لليبيا في بيروت.. ربما أنها تريد الثأر من العقيد معمر القذافي بادعاء أنه علي علم بنهاية الأمام موسي الصدر زعيم الشيعة في لبنان التي أكدت التحقيقات براءة ليبيا من دمه. فقد أقدمت علي اختطافي لتحذير القذافي أو الضغط عليه لكي يتدخل لكشف لغز غياب الإمام الصدر.. وهكذا وجدت نفسي بين بنادق هؤلاء الأخوة الخاطفين. ولقد أدهشني أنهم بعد ان عرفوا أنني محمد الفيتوري الشاعر الذي يعمل سفيراً لليبيا اعتذروا لي وقالوا أنهم مضطرون لهذه العملية التي أقدموا عليها لأنهم مأمورون.. وشيئاً فشيئاً بدأ يخف وقع الحادث علي أعصابي وطلب مني احدهم ان اقرأ قصيدة من شـــعري وأنا (أسير) ومعصوب العينـــــين ولما ترددت في تلبية هذا الخاطر.. قال لي احدهـــــم لطالما حضرنا الى قــاعة اليونسكو ببيروت والي مصر العربية لنسمع شــعرك ولا اعتــــقد أنك ستحرمنا من هذا الحضور ووجدت أنه مــــــن الأفضل بالنســـــبة لي أن لا أخيب رجاءهم وعدت اسألهم هل تريدون قصيدة وطنية أم عاطـفية.. وجاء الصوت إننا نفضل ان تكون من شعرك الإفريقي فألقيت عليهم قصيدة (نشيد أفريقيا). وسرح الفيتوري طويلاً..

وواصل: انتزعت شجاعة كانت مفتقرة في روحي حينذاك ولكي لا أبدو ضعيفاً ومضطرباً تحاملت علي رئتي وأعصابي وقلت القصيدة كما لو كنت فوق منبر شعري وأمام جمهور عادي.. وصفق المستمعون.. اقصد... الخاطفون ثم جاءوني بجهاز راديو لاستمع لأصداء نبأ اختطافي في إذاعات العالم وعلي رأسها هيئة الإذاعة البريطانية ثم حملوني في سيارة وذهبوا بي بعيداً لمسافة طويلة جداً وجدت نفسي في صحراء بالقرب من الحدود السورية الإسرائيلية ثم جاءت سيارة فجأة وكأنها هبطت من السماء وكنت قبلها دعوت الله لإنقاذي.. جاءت هذه السيارة.. وإذا بي أجد فيها أبو سيزار وهو من المناضلين الفلسطينيين وقال لي أنت علي بعد قريب من القوات الإسرائيلية، وأنه جاء متفقداً لقاعدة فلسطينية مقاتلة هناك، وعدت إلي بيروت وكانت الدنيا قد انقلبت باختطافي.. واشترط عليّ الخاطفون ان أغادر بيروت الى أية سفارة أخري في أية عاصمة أخري.

إسلام هجرس
14-03-2008, 06:40 PM
صورة المنصة

http://www.aklaam.net/aqlam/up/uploads/848c4ca0bf.jpg (http://www.aklaam.net/aqlam/up)

الشاعر محمد الفيتوري والشاعر محمد إبراهيم أبو سنة ، والدكتور أحمد بلبولة يلقي قصيدة للفيتوري

إبراهيم العبّادي
14-03-2008, 07:18 PM
السلام عليك أخي إسلام ...
أشكرك على وصفك لهذه الأمسية القاهرية الراقية .
شوقتني إلى القاهرة الجميلة ..
ولياليها الحسان .
أتمنى أن أعاود زيارتها قريبا .

***
(وعداوة الشعراء شر المغتنا )
ضحكت كثيرا حين قرأت هذا الشطر مكتوبا بهذا الشكل ..
فيبدو أن الفيتوري نطق القاف غينا في ( المقتنى ) بالطريقة السودانية فأثبتها الصحفي كما نُطِقت .
:)
تحياتي لك .

كفا الخضر
14-03-2008, 11:19 PM
كل التحية للشاعر الكبير محمد الفيتوري
والشكر لك اسلام على هذا الموضوع القيم والذي كثيرا من فصول حياة شاعر كبير مثل محمد الفيتوري

وفاء أمين
15-03-2008, 03:27 AM
أخي الجميل الشاعر /إسلام هجرس
عاجزه فعلا عن شكرك وهوقليل
بالنسبه لمجهودك العظيم
في عرض وكتابة اللقاءالشعري بكل تفاصيله
وأيضا قصائد الشاعر العظيم محمد الفيتوري
وإدخال الصور وتعريف المنتدي بقيمة هذا الشاعر الفذ
وتقبل مودتي وتحياتي

إسلام هجرس
16-03-2008, 03:08 AM
السلام عليك أخي إسلام ...
أشكرك على وصفك لهذه الأمسية القاهرية الراقية .
شوقتني إلى القاهرة الجميلة ..
ولياليها الحسان .
أتمنى أن أعاود زيارتها قريبا .

***
(وعداوة الشعراء شر المغتنا )
ضحكت كثيرا حين قرأت هذا الشطر مكتوبا بهذا الشكل ..
فيبدو أن الفيتوري نطق القاف غينا في ( المقتنى ) بالطريقة السودانية فأثبتها الصحفي كما نُطِقت .
:)
تحياتي لك .

إذن أنت زرت القاهرة ذات مرة يا إبراهيم
إذا شاء الله يكتب لك ولي أنت تزورها مرة ثانية حتى نلتقي بإذن الله
شكرا على مرورك اللطيف
محبتي

إسلام هجرس
16-03-2008, 03:15 AM
حين يأخذك الصمت منا
فتبدو بعيدا
كأنك راية قافلة
غرقت فى الرمال
تعشب الكلمات القديمة فينا
وتشهق نار القرابين
فوق رؤوس الجبال
وتدور بنا أنت
يا وجهنا المختفي
خلف ألف سحابة
فى زوايا الكهوف
التى زخرفته الكآبة
ويجر السؤال .. السؤال
وتبدو الإجابة نفس الاجابة

****

ونناديك
تغرس أصواتنا
شجرا صندليا حواليك
نركض خلف الجنائز
عارين فى غرف الموت
نأتيك بالأوجه المطمئنة
والأوجه الخائفة
بتمائم أجدادنا
بتعاويذهم حين يرتطم الدم بالدم
بالصلوات المجوسية الخاطفة
بطقوس المرارات
بالمطر المتساقط فى زمن القحط
بالغاب والنهر والعاصفة

****

قادما من بعيد على صهوة الفرس
الفارس الحلم ذو الحربة الذهبية
يافارس الحزن مرغ حوافر خيلك
فوق مقابرنا الهمجية
حرك ثراها
انتزعها من الموت
يافارس الحزن
كل سحابة موت
تنام على الأرض
تخلقها ثورة فى حشاها
انتزعها من الموت فارس
الحزن
أخضر
قوس من النار والعشب
أخضر
صوتك بيرق وجهك قبرك
لا تحفروا لى قبرا
سأرقد فى كل شبر من الأرض
أرقد كالماء فى جسد النيل
أرقد كالشمس فوق
حقول بلادى
مثلى أنا ليس يسكن قبرا
****
لقد وقفوا ..
ووقفت
لماذا يظن الطغاة الصغار
وتشحب ألوانهم
أن موت المناضل موت القضية ؟
أعلم سر احتكام الطغاة الى البندقية
لا خائفا .. ان صوتى مشنقة
للطغاة جميعا ..
ولا نادم .. ان روحى مثقلة بالغضب
كل طاغية صنم
دمية من خشب
وتبسمت .. كل الطغاة
ربما حسب الصنم الدمية المستبدة
وهو يعلق أوسمة الموت فوق صدور
الرجال ..
انه بطلا ما يزال
وخطوت على القيد
لا تحفروا لى قبرا
سأصعد مشنقتى
وأغسل بالدم رأسى
وأقطع كفى
وأطبعها نجمة فوق واجهة العصر
فوق حوائط تاريخه المائلة
وأبذر قمحى للطير والسابلة
****
قتلونى وأنكرنى قاتلى
وهو يلتف بردان فى كفنى
وأنا من؟ سوى رجل
واقف خارج الزمن
كلما زيفوا بطلا ..
قلت: قلبى على وطنى

الفيتوري

إسلام هجرس
16-03-2008, 03:29 AM
غائب والعيون عليك اشتياق=هائم ، خمرك الذكريات العتاق
كلما عانقتك مرايا الوجو=ه : تبعثرت فوق زجاج العناق
يا سحابا من اللحم والعظم ينـ=ـخر في حلمه عاصف لا يطاق
غير هذا الزمان زمانك فالــ=ــلحظة انطلقت والشفاه انزلاق
غير تلك البلاد بلادك لو=لا اليقين ولولا شموخ العراق
جزّؤوهُ ..وقد كان شعباً ..فأضـ=ـحى شعوباً معبّأةً في زقاقْ
واستبيح الترابُ ..الذي كان من =قبلُ ، فوق التراب عزيزَ النطاقْ
والبلاد التي مسحت راحتا=ها المقدّستان جبين البُراقْ
حملت عارها من زهور الهزا=ئم ..والعتماتِ ..وخبز الفراقْ ..
غيرُ طفلٍ هناكَ رأى وطناً= صار في حُلمِهِ حجراً فاستفاقْ
يعجن النارَ والصلواتِ بأسـ=ـنانه ويدوس حريرَ النفاقْ
هتك السّرَّ ..فالأمسُ كان مُرا=هَقَةً والنضالُ القديمُ ارتزاقْ
والجيوشُ التي سَمِنتْ في حظا=ئرِ حكّامِها كذبةٌ .. واختلاقْ
إنما يستردُّ البلادَ ..الرجا=لُ الأُسودُ وليس الرجالُ النِّياقْ
وفلسطينُ أرضٌ وشعبٌ وليـ=ــست كما زعموا حارة أو زقاقْ
ويُسائلُكَ الميّتُ الحيُّ ..والد=دمُ يختالُ منتصراً أو يُراقْ
عاصفٌ غيمُ تلك الليالي على= أنّ موجاً منَ البرق في الغيم باقْ

الفيتوري

إسلام هجرس
16-03-2008, 03:36 AM
ياجفني الساهد نم=قد رقدت حتى الظلم
حتى حقول الحنظة ال=متشحات بالسقم
حتى مسارج الزيو=ت العالقات في الخيم
حتى عيون الأفق ال=منطفئات في سأم
حتى مباخر الشذى=حتى مراوح النسم
حتى أراجيح الظلا=ل الراقصات بالقمم
لم يبق في الوجود كا=ئن سوانا لم ينم
نحن الذين نقطر الض=ضوء بأجفان الرمم
لكم تكحلنا بلي=ل وتضفرنا بهَم
وكم حرثنا حقلنا=بفأسنا الأعمى الأصم
وكم حصدناه حصد=نا ما زرعنا ثم لم ...
بلى جنينا ملء أيـ=ـدينا جراحات ودم
كأننا لما زرعـ=ـناه بذرناه ألم
يا جفني الساهد نم=قد رقدت حتى الظلم

إسلام هجرس
16-03-2008, 03:43 AM
في حضرة من أهوى = عبثـَتْ بـِي الأشواقْ
حدَّقـْتُ بلا وجهٍ= ورقصتُ بلا ساق
وزحمت براياتي= وطبولي الآفاق
عشقي يـُفني عشقي = وفنائي استغراق
مملوكك لكني = سلطان العشاق

احمد رشاد شلبى
18-03-2008, 11:00 PM
شكرا لك ياعزيزى / اسلام هجرس
فأنا من أكثر المعجبين
بالشاعر الفيتورى
وليتك ياصديقى

تنقل لى قصيده له عن أفريقيا
أتذكر بعض منها

مارد الأدغال ألقاقمكما
إفتحوا الباب وإلا حطمه
لاتظنوا الأمن فى جدرانكم
إن تصدى لجدار هدمه
أو تطيلوا القول فى تضليلكم
لم تعد أرضى بلاد مظلمه
همسه الحق لدى إفريقيا
قد تعالت ثم صارت همهمه
ثم غطت كل صوت حولها
حتى صارت 0000 ( مش فاكر )

هذه القصيده قرأتها فى آخر السبيعينات
ومازلت أتذكر هذه الأبيات

أتمنى أن أجدها كامله عندك
ولك عظيم شكرى وتقديرى

أخوك / أحمد رشاد شلبى