لنكن صريحين في أن ما يثير الدهشة وما يعلق في أذهاننا من أمور ومواقف هي تلك التي حدثت عكس أو غير ما توقعناه ، أو تلك المشاهد التي نراها دائماً ولكن تصدف أن نلاحظ جزئيات صغيرة تكون أبلغ من أي وصف فتخترق الأعماق وتطرق جدار الروح .. كنت أشاهد مجموعة من صور تعرض الدمار في "مخيم جنين" ... دمار .. ودمار، في إحدى الصور ... أم تجلس على ركام ما كان يسمى منزل ويجلس جوارها طفلها، ما شدني ملامح وجه هذا الطفل .. ومن هنا بدأت الحكاية .. لا أدري ماذا أطلق عليه.. كأنه لا يهمه إلا المفاهيم ، يضع حياته جانباً .. ويقف أمام كل قضاياه كرجل.. أو كأنه يملك كل شيء !. أنا في سنّه كنت ألعب بدارجتي وأعود للمنزل وقد غطى الغبار أقدامي حتى ركبتي ، فتبدأ أمي بفرك رجلي بقطعة ليف و أنا أصرخ من خشونتها ... وبعدها أغفو وأحلم بكل شيء .. أما هذا الطفل فقد غطاه التراب والغبار من قدمه حتى رأسه بل وغطى أمه معه، حتى أن كل شيء أصبح مدفون تحت ركام لن يزيله شيء. لأول مرة أدرك معنى هدم منزل ، ومعنى أن ترى ذلك .. معنى أن تخسر الماضي والذكرى .. معنى الموت وأنت حي ترزق.. معنى الصمت وقت وجوب الصراخ . لم يكن في الصورة إلا ثلاثة أشياء : دمار وأم وطفل، كانت الأم تحدق بلاشيء.. وإبنها كان الطفل المسكين .. يبحث عن مكان ليستريح بعد أن نطق في المهد وأسمع الكثير .. فهل من مجيب؟؟؟