أوراق من ذاكرة الفن التشكيلي السوري والناقد الفلسطيني عبد الله أبو راشد

[عبود سلمان]

	جريدة الاسبوع الادبي العدد 1009 تاريخ 3/6/2006 فهرس العدد صفحة جريدة الاسبوع الادبي

	أوراق من ذاكرة الفن التشكيلي لسوري ـــ عبد الله أبو راشد

	تمهيد:‏ الفنون الجميلة عموماً والتشكيلية خصوصاً، هي المرآة الحضارية المعبرة عن ذاكرة وطن وجماليات أمة، وتاريخ شعب من كونها لغات عالمية قابلة للمداولة والفهم والقبول والمحاورة مع ثقافة الآخر وتُؤسس لثقافة بصرية شاملة وصداقة متينة ما بين ثقافات وخصوصيات الشعوب. يتوجب علينا تناول هذه المسألة الحيوية (الفنون التشكيلية السورية) والواسعة الطيف في ثقافتنا الوطنية والتي لها من العمر أكثر من قرن من العطاء والفنانين والتجارب المراوحة في مظلة الثقافة البصرية الأوربية الغربية فكرة وتقنية ومواضيع، مُؤلفة حركة فنية تشكيلية سورية نشطة وتجارب لها حضورها ومكانتها في سلم القيم البصرية الكونية شأنها في ذلك كبقية منافذ الإبداع الأخرى المتداخلة والموازية في ضفة الثقافة الإنسانية توخينا تخصيص هذه الزاوية للفن التشكيلي السوري تحت عنوان (أوراق من ذاكرة الفن التشكيلي السوري) كمنفذ سردي مواتي من أجل توثيق ذاكرة المكان والزمان والأفراد الذين عبروا في واحة الابتكار السوري منذ نهايات القرن التاسع عشر وبدايات الألفية الثالثة. نوردها في سياق انتقائي مفتوحة على حرية الاختيار والوصف، وهذه الآلية لا تعني التقليل من أية مرحلة وتجربة فنية تشكيلية عبرت أسوار الفن التشكيلي السوري الحديث والمعاصر.‏

	1ـ التأسيس والريادة:‏ يستقي الفن التشكيلي السوري مُفرداته وأدواته ومناهل ابتكاره من تأثيرات البيئة الجغرافية وجماليات المكان وثقافة المجتمع وذاكرته البصرية، والمرحلة الزمنية المعايشة والمواكبة لحقائق التاريخ والمتغيرات الكونية العاصفة في المنطقة العربية وسورية على وجه التحديد، منذ فجر التاريخ مروراً بالدولة العربية الإسلامية والخلافة الأموية والعثمانية والحقبة الاستعمارية الفرنسية وحتى الفترة الآنية المعايشة. والمفتوحة على مسالك الفطرة والموهبة والدراسة الأكاديمية والدربة المتواصلة في ميادين الفنون التشكيلية العالمية والعربية والمحلية، مصحوبة بمرجعيات ومصادر تعلم مناسبة وفق مرجعيات "التعلم المستعار" لاسيما فنون النزعات المركزية الأوربية الغربية.

‏

	الفنان توفيق طارق‏ يُعد الفنان التشكيلي السوري (توفيق طارق)المولود في مدينة دمشق القديمة عام 1875 والمحمول بموهبة فطرية (الرسم) مكنته من متابعة دراسة الفن في باريس وحصوله على شهادتي تخرج: الأولى في الهندسة المعمارية والثانية هندسة المساحة الطبوغرافية، ليعود إلى تراب الوطن والعمل كموظف في مديرية المساحة والتحسين العقاري في بيروت ثم الانتقال إلى دمشق. ساهم في ترميم العديد من واجهات المساجد ومارس هوايته المفضلة في مجالات التصوير الزيتي الملون ورسم عشرات اللوحات التسجيلية من مناظر تاريخية وطبيعة خلوية وصامتة ووجوه شخصية. أنشأ لنفسه محترفاً فنياً في دمشق لمزاولة تعليم الفنون للهواة والطلبة على أسس أكاديمية ومهنية مماثلة لما تعلمه في فرنسا لاسيما المفاهيم الكلاسيكية في الفن. من أشهر لوحاته (المسجد الأموي، مجلس الخليفة المأمون، أبو عبد الله الصغير، معركة حطين، تدمر وراعي الماعز، على العين). لوحاته تُدخل عين وعقل المتلقي بلا استئذان، تفرد جناحي المتعة البصرية المتسللة من وراء ذاكرة وطن وشعب ومدائن، تسبح في فيلك الزمان الغابر مُستقرة على ضفاف لون هنا وخطوط متداخلة ومساحة هناك. وفكرة تصويرية محملة بزهو المكان وجمالياته، وخلوات الزمن المتوالي والمنتشر في حركة تعبيرية متقنة فوق سطوح اللوحات. ترسم ربيعاً دائماً للخضرة والماء والوجوه الحسنة، تحط الرحال على مشهد امرأة فائقة الأنوثة والجمال تحمل على كتفها صفيحة ماء ملأتها للتو من بحر عين منزل ريفي قابع تحت أقدام جبل قاسيون. وأخرى تُقلد التاريخ وسامه الأبدي تذكرة عبور لمجد عربي عامر في تدمر وحطين والأموي والأندلس. لا تُغادر رسومه واحة الوصف والتسجيل البصري الأكاديمي في سياقاته الكلاسيكية التي تُعطي لشفافية اللون وتدريجاته الاشتقاقية سطوة ملحوظة في إبراز فتنته التصويرية، وللنسب مداراتها الطبيعية في نسج لحمة التكوين من توزيع ملحوظ للمفردات الأساسية والخلفية وأشبه بحفلة موسيقية مدروسة الأنغام والتوازن الإيقاعي للشخوص والملونات والخطوط والرموز.‏

	الفنان ميشيل كرشة‏ بينما نجد الفنان التشكيلي السوري ( ميشيل كرشة) المولود في حي القيمرية بدمشق القديمة عام 1900 والمتخرج من المدرسة الوطنية العليا للفنون الجميلة بباريس عام 1925، والعامل في حقل تدريس التربية الفنية منذ تخرجه وحتى تقاعده، يمُثل الوجه الأكاديمي الأكثر حرية وحركة ووفرة إنتاجية وتخلصاً من القيود النمطية التي تقيد بها ( توفيق طارق) وإفادة للأجيال الفنية اللاحقة في الحركة الفنية التشكيلية السورية. تجاوزت لوحاته الزيتية والمائية والمنفذة بملونات تقنية متعددة في معدود ها أكثر من ألف لوحة جامعة كافة أطياف ذاكرة المكان السوري في شخوصه ومدائنه وريفه وجباله وسهوله وأوابده التاريخية. يجد المتلقي فيها مجالاً رحباً لتصفح بصري أنيق وتُصيبه الدهشة والإعجاب بما أنجزت يداه كل هذا الكم الهائل من التقاسيم البصرية التي احتضنت سورية في مناظرها الخلابة وناسها الطيبين. ألوان خارجة من عقال قوس قزح معانقة شمس العرب في سويعات الصحو الباكر والغفوة الرشيقة وحكايات القرى والفلاحين وحصاد الحقول وأغاني البلاد والعباد في صياغات فنية مُحلقة في الاتجاهات الانطباعية المعشبة بواقعية تعبيرية أرست لها جداول فرح لوني متجدد في لوحات يحسبها المتلقي بأنها خارجة للتو من مختبر الفنان الشخصي بالرغم من رحيله الجسدي بما يُقارب ثلاثة وثلاثين عام.‏

	E - mail: aru@net.sy | الصفحة الرئيسة | | دليل الأعضاء | | جريدة الاسبوع الأدبي | | صفحة الكتب | | صفحة الدوريات-مجَلات | | فهرس الكتب | | اصدارات جديدة | | معلومات عن الاتحاد | سورية - دمشق - أتوستراد المزة - مقابل حديقة الطلائع - هاتف: 6117240 - فاكس: 6117244

مع خالص تحياتي
اخوكم
عبود سلمان العلي العبيد